جلسة 14 من يوليو سنة 1950
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد فهمي إبراهيم وكيل المحكمة وحضور أحمد
حسني وفهيم عوض ومحمد غنيم ومصطفى فاضل.
---------------
(249)
الطعن 1401 لسنة 19 ق
(1) نقض.
المصلحة من الطعن. مناطها. ما يدعيه رافع الطعن من حق يريد من القضاء
حمايته. محكوم ببراءته من تهمة بيع قطن مغشوش قرر أنه غير مالك لهذا القطن. عدم
طعن النيابة في الحكم. طعنه في الحكم الصادر بمصادرة القطن. لا يقبل.
(2) قانون.
المفاضلة بين تطبيق قانون خاص وقانون عام. محلها وحدة الفعل المنصوص
عليه في كل منهما.
(3 - 7) غش.
(3) التزييف أو الغش المنصوص عليهما في المادة الثانية من القانون رقم
48 لسنة 1941. تحققه. خلط قطن من رتب واطئة بقطن من رتب أعلى ووضعه في بالات
مكبوسة. خليط غير متجانس. طرح هذا القطن في السوق، يعتبر غشا.
(4) الخدع في رتبة القطن
المتفق عليها بين المتعاقدين. هو خدع في حقيقته. الخلط برتب اوطى وعدم التناسق
والتعبئة الخادعة. خدع في طبيعة وصفات القطن الجوهرية.
(5) توفر الغش. استحقاق
العقاب بغض النظر عما قد يترتب من التزامات بموجب العقد بين البائع والمشتري في
حالة خديعة المشتري أو ما يكون لأحد الطرفين من حقوق مترتبة بمقتضى القانون المدني
أو التجاري.
(6) يكفي لقيام جريمة الخديعة المنصوص عليها
في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 48 لسنة 1941 أن يكون الغلط
أحد الأسباب الدافعة إلي إبرام الصفقة . لا يلزم أن يكون هذا الغلط هو السبب
الأساسي في التعاقد.
(7) الخدع في القيمة التجارية أو بالثمن. متى
لا يكون غير معاقب عليه؟ إذا كان الكذب فيما يتعلق بالثمن وحده مجردا عن الخدع
فيما يتعلق بمقومات الشيء.
(8) غش . مصادرة.
إدانة المتهم بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 على
اعتبار أنه باع قطنا مغشوشا. المصادرة واجبة. كون الأقطان قد بيعت وأودع ثمنها
الخزانة. لا يمنع من المصادرة. الحكم بها ينسحب على الثمن المتحصل من بيعها.
---------------
1 - يشترط لقبول الطعن وجود مصلحة للطاعن تضفي عليه الصفة في رفعه.
ومناط توافر هذه المصلحة هو ما يدعيه رافع الطعن من حق ينسبه لنفسه ويريد من
القضاء حمايته. فإذا كان الطاعن قد قضي له انتهائياً ببراءته من التهمة التي كانت
تسندها إليه النيابة العمومية, وكان هو يقرر أنه غير مالك للقطن المحكوم بمصادرته
لبيعه إياه لشخص غير ممثل في الدعوى ولم تطعن النيابة في الحكم القاضي ببراءته،
فالطعن من جانبه في الحكم بصدد مصادرة هذا القطن لا يكون مقبولاً، لانتفاء صفته في
طلب عدم مصادرة هذا القطن وانتفاء مصلحته في الطعن.
2 - إن المفاضلة بين تطبيق قانون خاص وقانون
عام إنما تكون عند وحدة الفعل المنصوص عليه في كل منهما وحدة تشمل كل عناصر هذا
الفعل وأركانه. أما إذا كان الفعل المنصوص عليه في أحدهما يختلف عن الفعل الذي ينص
عليه الآخر فإن المزاحمة بينهما تمتنع، ويمتنع بالتبع الإشكال في تطبيقهما لانطباق
كل من القانونين على الواقعة المنصوص عليها فيه. ولما كان كل من القانونين رقم 51
لسنة 1934 ورقم 48 لسنة 1941 يعالج واقعة مستقلة عن الأخرى، إذ الأول يعاقب على
مجرد خلط القطن ولو كان في حيازة مالكه، أو كان لم يصدر بشأنه أية معاملة، أو كان
قد حصل الخلط قبل أن يباع أو يعرض للبيع، أي أنه يعاقب على عمل تحضيري بالنسبة
لجريمة الخديعة أو بالنسبة لجريمة الغش المنصوص عليهما في المادتين الأولى
والثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، وذلك مبالغة من الشارع في حماية محصول
القطن بصفة كونه المحصول الرئيسي في البلاد، وتوخياً منه لمنع الغش في ذلك المحصول
قبل وقوعه, والثاني (القانون رقم 48 لسنة 1941) - كما يبين من نصوصه - يعاقب على
خدع المشتري أو الشروع في خدعه، وعلى غش البضاعة والمحاصيل على الوجه المبين به -
كان لا يوجد بين القوانين وحدة في الواقعة التي يعالجها كل منهما. وذلك لا يمنع
بالبداهة أن يكون الفعل الواحد مكوناً أحياناً للجريمة المنصوص عليها في كل منهما
كأن تتم جريمة الخديعة أو غش البضاعة بواسطة خلط أصناف القطن، وفي هذه الحالة يوجد
التعدد المعنوي المنصوص عليه في المادة 32 من قانون العقوبات، وعندئذ يجب توقيع
العقوبة الأشد وهي المنصوص عليها في القانون رقم 48 لسنة 1941. وإذن فإذا كانت
الواقعة - كما أثبتها الحكم - تتوافر فيها جميع العناصر القانونية للجريمتين
المنصوص عليهما في المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 فإنه لا
يكون قد أخطأ في تطبيق هذا القانون عليها.
3 - إن تزييف البضاعة أو غشها المنصوص عليه
في المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 كما يتحقق بإضافة مادة غريبة إليها
أو بانتزاع شيء من عناصرها النافعة يتحقق أيضاً بإخفاء البضاعة تحت مظهر خادع من
شأنه غش المشتري، ويتحقق كذلك بالخلط أو بالإضافة بمادة مغايرة لطبيعة البضاعة، أو
من نفس طبيعتها ولكنها من صنف أقل جودة، بقصد الإيهام بأن هذا الخليط خالص لا
شائبة فيه، أو بقصد إخفاء رداءة البضاعة وإظهارها في صورة أجود مما هي عليه في
الحقيقة. والغش أو التزييف بالخلط لا يتطلب أيهما حتماً أن يكون الشيء المدخل في
البضاعة من طبيعة أخرى تغاير طبيعتها، بل قد يكون من ذات الطبيعة ولكنه يختلف عنها
في مجرد الجودة. على أنه لا يشترط في القانون أن تتغير طبيعة البضاعة بعد الحذف أو
الإضافة، بل يكفي أن تكون قد زيفت, والتزييف يستفاد من كل خلط ينطوي على الغش بقصد
الإضرار بالمشتري، كما ينشأ عن إدخال محصول من صنف أقل جودة بنية الغش في محصول
جيد من ذات الجنس أو الطبيعة إذا كان هذا الخلط من شأنه أن يجعل الشيء بعد خلطه
أقل صلاحية للاستعمال الذي أعد له بصورة ملموسة أو يقلل من قيمته قلة ملحوظة أو
يجعله ذا ثمن أقل من ثمنه المعروف. وإذن فإذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن
الطاعن لكي يتخلص من قطن من رتب واطئة خلطه بقطن من رتب أعلى حتى يصل إلى تصريف
القطن الرديء الذي لا يوجد إقبال على شرائه، وأن البالات التي حوت هذا الخليط أصبح
القطن فيها غير متجانس لا يمكن إعطاؤه رتبة معينة من الرتب المعروفة في سوق القطن،
فاستخلصت المحكمة من أدلة سائغة أوردتها أن طرح هذا القطن في السوق يعتبر غشاً
لأنه يتعذر على المشتري اكتشاف عيوبه، وأن مثل هذا القطن لا يجوز تصديره أو إعادة
تداوله في السوق بدون أن يوضح بجلاء أنه "أقطان غير متناسقة جهزت بطريقة لا
تتفق مع عرف مينا البصل" ثم طبقت على هذه الواقعة المادة الثانية من القانون
رقم 48 لسنة 1941 فإنها تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.
4 - إن الخدع في رتبة القطن المتفق عليها بين
المتعاقدين تكون في القانون خدعاً في حقيقته، أما الخلط برتب أوطى وعدم التناسق
والتعبئة الخادعة، فإنها تعتبر خدعاً في طبيعة وصفات القطن الأساسية والجوهرية وما
يحتويه من عناصر نافعة، وخدعاً كذلك في العناصر الداخلة في تركيبه، كما هي معرفة
به في القانون، فمتى كان الحكم قد أثبت أن البيع انعقد بين المتهم وبين المشتري
على رتبة معينة وهي رتبة جود إلى فولي جود، وأن القطن المبيع قد حصل التفاسخ في
بيعه ودفع البائع تعويضاً للمشتري وأن هذا القطن قد بيع لوتات (أي مجاميع) بعد
كبسه كبساً بخارياً، ومن الصفات الجوهرية للمجاميع المكبوسة على هذا النحو أن تكون
متناسقة الطبقات وأن تكون كل بالة من بالات المجموعة متماثلة مع باقي بالات تلك
المجموعة خالية من عيب التركيب - كما هو منصوص عليه في لائحة بورصة مينا البصل
وكما يقره العرف التجاري، وأن عدم التناسق في القطن المبيع قد بلغ حداً كبيراً حتى
أصبح من المتعذر تحديد رتبة له، وأن المتهم ارتكب التعبئة الخادعة وأن القطن
المبيع لا يتفق مع العينات التي بيع على أساسها، وأن هذا كله وقع عمداً من المتهم
لكي يتخلص من قطن رديء لا يستطيع بيعه في السوق، ولكي يحصل على فرق الثمن بين
الرتبة التي باع على أساسها وبين رتبة القطن الذي باعه فعلاً - متى كان ذلك فإن
هذا الحكم يكون قد أثبت على المتهم ارتكابه جريمة خدع المشتري في حقيقة طبيعة
البضاعة وصفاتها الجوهرية وما تحتويه من عناصر نافعة، ولا يؤثر في ذلك أن يكون هذا
الحكم قد وصف الواقعة بأنها خدع في طاقة البضاعة وحقيقتها وذاتيتها.
5 - يكفي أن تتوافر عناصر الجرائم المنصوص
عليها في القانون رقم 48 لسنة 1941 حتى يكون الجاني مستحقاً للعقاب بغض النظر عما
قد يترتب عليها من التزامات بين المتعاقدين في حالة خديعة المتعاقد، أو ما يكون
لأحد الطرفين من حقوق مترتبة بمقتضى القانون المدني أو التجاري. إذ العقاب على تلك
الجرائم يهدف به الشارع لا إلى تحقيق مصلحة خاصة يحققها القانون المدني وغيره من
القوانين الخاصة وإنما يهدف إلى ما هو أسمى وهو تحقيق مصلحة عامة هي التي شرع
القانون رقم 48 لسنة 1941 لحمايتها, وهي منع الغش فيما يتعامل فيه الناس. يدل على
صحة هذا النظر أن المادة تنص على عقاب الشروع في تلك الجرائم ولو بعرض البضاعة
للبيع دون أن يكون هناك عقد قد أبرم.
6 - إن تأويل القانون على الوجه الصحيح هو
أنه يكفي لقيام جريمة الخديعة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة الأولى
من القانون رقم 48 لسنة 1941 أن يكون الغلط الذي دفع البائع المشتري إليه متعلقاً
بطبيعة البضاعة أو صفاتها الجوهرية أو العناصر الداخلة في تركيبها أحد الأسباب
الدافعة إلى إبرام الصفقة، ولا يلزم أن يكون هذا الغلط هو السبب الأساسي في
التعاقد. ومما يدعم هذا النظر أن الشارع عنى بالنص في الفقرة الرابعة من المادة
الأولى منه على وجوب أن يكون "النوع أو الأصل أو المصدر" - إذا حصلت
الخديعة في واحد منها - سبباً أساسياً في التعاقد، في حين أنه لم يقيد ما ورد في
الفقرات الثلاث الأولى بهذا القيد.
7 - إنه وإن
كان لا عقاب بمقتضى نصوص قانون قمع الغش والتدليس على الخديعة في القيمة التجارية
أو الثمن، إلا أن ذلك لا يكون إلا حيث يكون كذب البائع فيما يتعلق بالثمن وحده
مجرداً عن الخدع فيما يتعلق بمقومات الشيء المبيع التي عنى المشرع بذكرها في
المادة الأولى من قانون قمع الغش. أما إذا وقعت الخديعة في شيء من ذلك فإن الخداع
في الثمن أو القيمة التجارية لا يكون إلا مجرد أثر للخديعة المعاقب عليها.
8 - إن القانون رقم 48 لسنة 1941 يقضي في
المادة السابعة منه بأن "تعتبر الجرائم التي ترتكب ضد أحكام المواد الثانية
والثالثة والخامسة مخالفات إذا كان المتهم حسن النية، على أنه يجب أن يقضي الحكم
بمصادرة المواد أو العقاقير أو الحاصلات التي تكون جسم الجريمة". ومفاد هذا
أن الشارع قد افترض أنه كلما قضى على متهم بعقوبة لجريمة من الجرائم الداخلة في
نطاق المواد المشار إليها - ومن بينها المادة الثانية التي تنص على عقاب من
"غش أو شرع في أن يغش شيئاً من أغذية الإنسان أو الحيوان أو من العقاقير
الطبية أو من الحاصلات الزراعية أو الطبيعية معداً للبيع، أو من طرح أو عرض للبيع
أو باع شيئاً من هذه المواد أو العقاقير أو الحاصلات مع علمه بغشها أو بفسادها"
- تكون مصادرة الأشياء المضبوطة والمتحصلة من هذه الجرائم وجوبية تطبيقاً للفقرة
الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات التي تنطبق على الجنايات والجنح دون
المخالفات. ولما كان الشارع يعاقب المتهم حسن النية الذي تقع منه مخالفة في حدود
المواد 2 و3 و5 من ذلك القانون بعقوبة المخالفة، فقد عنى بالنص على وجوب المصادرة
في هذه الحالة أيضاً لعدم جواز إعمال نص الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون
العقوبات. يدعم هذا النظر أنه من غير المستساغ أن يقصر الشارع وجوب المصادرة
بالنسبة للجرائم التي ترتكب بحسن النية، والتي تعتبر مجرد مخالفة، ولا يوجبها بصدد
نفس تلك الجرائم إذا ارتكبها المتهم بسؤ نية مما يدخل فعله في عداد الجنح. على أن
قصد الشارع واضح في هذا المعنى من مذكرته الإيضاحية عن المادة السابعة من القانون
التي تنص على "تتطلب أحكام المواد الثانية والثالثة والرابعة من المشروع إثبات
سؤ نية المتهم وقد لا يتوفر إثبات هذا الركن، فيفلت المتهم من العقاب بالرغم مما
يسببه إهماله من الضرر على صحة الأفراد... وعلى الحالين يجب اعتبار مجرد وجود
الأشياء المغشوشة أو الفاسدة بين يديه مخالفة ولا يمكن اعتباره أكثر من ذلك. غير
أن اعتبار تلك الحالة مخالفة لا يرفع الأذى عن تلك المواد المغشوشة أو الفاسدة،
فإن أحكام المصادرة التي وردت في القسم العام من قانون العقوبات لا تتناولها إذا
كانت قاصرة على الجنايات أو الجنح، لذلك نص على المصادرة استثناء من القواعد
العامة". وإذن فمتى كان الحكم قد أدان المتهم بمقتضى المادة الثانية من قانون
قمع الغش على اعتباره أنه باع قطناً مغشوشاً، وقضى بالمصادرة الوجوبية فإنه يكون
قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً، ولا يقدح في ذلك أن تكون الأقطان قد بيعت وأودع
ثمنها خزانة المحكمة ما دام الحكم بالمصادرة هو في الواقع وحقيقة الأمر إقراراً للضبط
الذي أمرت به النيابة بصفتها سلطة التحقيق وحكماً من القاضي بأن استيلاء الدولة
بواسطة ممثليها على القطن موضوع الدعوى تم صحيحاً في الحدود التي رسمها القانون،
فهو ينعطف إلى يوم الضبط. هذا فضلاً عن أن قانون تحقيق الجنايات يجيز للنيابة
العمومية في المادة 22 منه بيع الشيء المضبوط مما يتلف بمرور الزمن أو يستلزم حفظه
نفقات تستغرق قيمته وإيداع ثمنه، مما مقتضاه بداهة أنه إذا قضي بالمصادرة فالحكم
بها ينصب على الثمن المتحصل من بيعها.
----------
" الوقائع "
اتهمت النيابة العامة: 1- ....... و2- ....... و3- ...... (الطاعنين)
و4- ..... و5-... و6- ..... بأنهم في المدة بين 29 فبراير سنة 1944 و26 أبريل سنة
1944 بدائرة قسم اللبان محافظة الإسكندرية: (أولا) الثلاثة الأول ........ و......
و...... بوصفهم بائعين خدعوا لجنة التنسيق البريطانية في حقيقة أقسام القطن العشرة
المبينة بالمحضر المكونة من 4513 بآلة مكبوسة كبسا بخاريا، وذلك بأن باعوا هذه
الأقسام لمحل بيل وشركاه وكيل تلك اللجنة بشروط بورصة مينا البصل للأوضاع التي نصت
عليها لوائح تلك البورصة وعرف التجار بها أي على أساس أنها بضاعة مما جرى العرف
على تداوله في محيط البورصة، وأن كل قسم منها يمثل وحدة متجانسة من حيث الصنف
والرتبة والمميزات التجارية والصناعية الأخرى، والحال أنها بضاعة لم يجر العرف
بالتعامل في مثلها، فقد أعدت إلا عددا قليلا من بالاتها على نحو جعل كل بالة منها
تحوي خليطا غير متناسق من عدة رتب تتراوح بين أعلى الرتب وأدناها وجميعها أقسام
مركبة Lots composes يتكون كل
قسم منها من بالات يختلف بعضها عن بعض في الرتبة وبذلك أصبح مستحيلا على المشتري
الذي لم يفحص من هذه البضاعة - استنادا إلى الثقة المشروعة التي يفرضها العرف
التجاري في البائع - إلا نسبة لا تتجاوز الاثنين في المائة لتعرف حقيقتها فتمت
بذلك خديعته فيها، و(ثانيا) الثلاثة الأول أيضا توصلوا بطريق الاحتيال إلى الحصول
من لجنة التنسيق البريطانية عن طريق محل بيل وشركاه على الفرق بين السعر الذي
اشترت به لجنة الأقطان السالفة الذكر وبين قيمتها الحالية ويبلغ نحو ستة ريالات في
القنطار الواحد، وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها الإيهام بوجود واقعة
مزورة بأن عرضوا القطن للبيع وهو بحالته المبينة بوصف التهمة الأولى، وأعدوا أيضا
بعض البالات إعدادا خاصا من قطن متناسق في حدود رتبة الفولي جود ووضعوها بين بالات
تلك الأقطان المعينة، كما أعدوا بعض البالات الأخرى بصورة تخدع المشتري عن حقيقة
البضاعة التي تحويها فجعلوا (فرشها وظهرها) - وهى الأجزاء التي يأخذ منها الشاري
العينة - من رتبة أعلى من رتبة القطن الموجود بداخلها ...
Faee Packed ونتج عن ذلك أن محل بيل وشركاه وقد عرضت عليه بعض تلك العينات المزورة
التي لا تمثل حقيقة البضاعة ، اشترى القطن على أساس أنه بضاعة متناسقة من رتبة
(فولي جود) والحال أنه قطن غير متناسق ولا رتبة له. (ثالثا) الرابع والخامس
والسادس .... و...... و...... اشتركوا مع المتهمين الثلاثة الأول في ارتكاب
الجريمتين السالفتى الذكر بطريقي الاتفاق والمساعدة، وذلك بأن اتفقوا معهم على
ارتكابهما وساعدوهم في ذلك لإعداد البضاعة على النحو السالف الذكر، فتمت الجريمتان
بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. (رابعا) لأنهم جميعا غشوا محصولا من المحاصيل
الزراعية وهو القطن بأن خلطوا رتبا عالية منه برتب أوطى على نحو يخالف عرف التجارة
ويقلل من قيمته الأخرى. وطلبت عقابهم بالمواد 1/3 من القانون رقم 48 لسنة 1941
و336 و40/2 و3 و41 و30 من قانون العقوبات، و2 من القانون رقم 48 لسنة 1941.
سمعت محكمة اللبان الجزئية الدعوى وقضت حضوريا عملا بمواد الاتهام
بحبس المتهم الأول سنة واحدة مع الشغل وكفالة مائة جنيه وغرامة خمسين جنيها
والمصادرة، وببراءة باقي المتهمين مما أسند إليهم عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق
الجنايات. فاستأنفت النيابة طالبة تشديد العقوبة للأول وإلغاء حكم البراءة للباقين
ومعاقبتهم بمواد الاتهام، كما استأنفه المتهم الأول والمتهمان الثاني والثالث وذلك
بالنسبة للمصادرة، ومحكمة الإسكندرية الابتدائية نظرت الدعوى وقضت حضوريا بقبول
الاستئنافات شكلا وفي الموضوع: (أولا) بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الأول
وببراءته من التهمة الثانية وتغريمه مائة جنيه مصري عن التهمتين الأولى والثالثة
مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. (ثانيا) برفض استئناف المتهمين الثاني
والثالث. (ثالثا) بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للمتهمين من الثاني للأخير.
(رابعا) بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للمصادرة.
فطعن المتهمون الثلاثة الأول في الحكم الأخير بطريق النقض إلخ إلخ
-------------------
" المحكمة "
حيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول الطعن بالنسبة للطاعنين الثاني
والثالث لعدم وجود مصلحة لهما فيه.
وحيث إنه لما كان هذان الطاعنان يقولان في طعنهما بأنهما تصرفا في
الأقطان التي كانت مملوكة لهما بالبيع قبل تقديم الشكوى في هذه الدعوى، وبالتالي
قبل أن تجري النيابة فيها تحقيقاً، وقبل رفع الدعوى العمومية عليهما، وهما يصران
على حصول هذا التصرف منهما حتى بعد أن تقدمت النيابة العامة بهذا الدفع على ما
يبين في المذكرة المقدمة من الدفاع عنهما، ولكنهما يزعمان فيها أن الحكم المطعون
فيه قضى بملكيتهما لهذه الأقطان، فالعبرة ليست بأقوالهما، وإنما بحقيقة الواقع وفق
ما استخلصته المحكمة الموضوعية وقضت به.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يتعرض لهذه الملكية، ولم يفصل
فيها على ما يبين من الاطلاع على أسبابه، وإنما هو قضى بمصادرة الأقطان جميعاً على
اعتبار أنها مغشوشة، مما يعتبر بيعه أو عرضه للبيع جريمة في ذاته عملاً بالفقرة
الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات.
وحيث إنه لما كان يشترط لقبول الطعن وجود مصلحة للطاعن تضفي عليه
الصفة في رفعه، وكان مناط توافر هذه المصلحة هو ما يدعيه رافع الطعن من حق ينسبه
لنفسه ويريد من القضاء حمايته، وكان الطاعنان الثاني والثالث قد قضي انتهائياً
لهما بالبراءة من التهمة التي كانت تسندها إليهما النيابة العمومية، وكانا يقرران
في جميع أدوار الدعوى بأنهما غير مالكين للقطن المحكوم بمصادرته لبيعهما إياه لشخص
آخر غير ممثل في الدعوى، وكانت النيابة العامة لم تطعن في الحكم القاضي ببراءتهما
- متى كان ذلك كله، فإن الطعن من جانبهما في الحكم بصدد مصادرة الأقطان لا يكون
مقبولاً لانتفاء صفتهما في طلب عدم مصادرة هذا القطن ولانتفاء مصلحتهما في ذلك
الطعن.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن المقدم من الطاعنين الثاني ..... والثالث
.... غير مقبول.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول ........ قد استوفى الشكل
المقرر بالقانون.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو أن واقعة خلط الرتب التي
اعتبرها الحكم المطعون فيه مكونة لجريمة غش البضاعة وتزييفها المنصوص عليها في المادة
الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 لا عقاب عليها قانوناً. وفي بيان ذلك يقول
الطاعن إن الواقعة التي أثمها الحكم واعتبرها مكونة لجريمة تزييف البضاعة هي أن
الطاعن قد خلط أقطاناً عالية الرتبة بأخرى واطية الرتبة من نفس الصنف، وهذا الفعل
لا يكون جريمة لسببين أولهما أن المشرع قد أفرد قانوناً خاصاً مستقلاً لتنظيم
وحماية محصول القطن هو القانون رقم 51 لسنة 1934 "بمنع خلط أصناف
القطن"، وأحكام هذا القانون وحده هي الواجبة التطبيق، وذلك لأنه قانون خاص
قصد به أن يكون واجب التطبيق وحده على ما وضع من أجله وهو حماية وتنظيم محصول
القطن، فهو إذن أولى بالتطبيق من القانون العام وهو قانون قمع الغش رقم 48 لسنة
1941، وقد قصر هذا القانون (51 لسنة 1934) الحظر على خلط أصناف القطن، أما خلط
الرتب فقد أباحه فيما فوق رتبة الفير، وإذن فإن خلط الرتب فيما فوق هذه الرتبة
إنما هو أمر مباح بمقتضى أحكام هذا القانون. ويضاف إلى هذا أن الحكم اعتبر ما وقع
من الطاعن جنحة في حين أن خلط الأصناف بمقتضى هذا القانون لا يعاقب عليه إلا
بعقوبة المخالفة، مع وضوح أن خلط الأصناف أمعن في مخالفة القانون من خلط الرتب،
والسبب الآخر هو أن تزييف البضاعة بالمعنى القانوني الوارد في المادة الثانية من
القانون رقم 48 لسنة 1941 لا يتحقق إلا بإضافة عنصر غريب إليها، أو انتزاع عنصر من
عناصرها الأصلية، يترتب عليه دائماً إخراج المادة عن طبيعتها الأصلية، أو إفقادها
لخواصها الطبيعية كلها أو بعضها، وهو أمر لا يتحقق في حالة خلط الرتب، وفضلاً عن
ذلك فإن جريمة التزييف أو الغش في البضاعة تتطلب لتوافر أركانها قصداً جنائياً
خاصاً، هو قصد الغش والتزييف. أما الخطأ فإنه مهما كان جسيماً فلا تترتب عليه أية
مسئولية جنائية. وفضلاً عن ذلك فقد تمسك الطاعن بانعدام الركن المادي، فضلاً عن
الركن المعنوي للجريمة إذ لا يعتبر خلط رتب القطن تزييفاً له، وبأنه لم يحدث بقصد
غشه، وإنما بقصد الوصول إلى رتبة صناعية متوسطة في حدود رتبة جود نوفولي جود، وكل
ما شاب القطن إنما هو عدم التناسق الناشئ عن خطأ العمال في عملية الفرفرة، وعلى
الرغم من الأدلة التي قدمها الطاعن تأييداً لدفاعه، فإن الحكم المطعون فيه اعتبر
خلط الرتب تزييفاً للبضاعة، واعتبر أن ذلك الخلط عن علم يكفي لتوفر ركن العمد، دون
أن يتحدث عن القصد الجنائي الخاص، وهذا منه خطأ في تطبيق القانون وفي تأويله.
وحيث إن هذا الوجه مردود: (أولاً) بأن المفاضلة بين تطبيق القانون
الخاص أو القانون العام إنما تكون عند وحدة الفعل المنصوص عليه في كل منهما وحدة
تشمل كل عناصره وأركانه. أما إذا كان الفعل المنصوص عليه في أحدهما يختلف عن الفعل
الذي ينص عليه الآخر، استحالت المزاحمة بينهما، وامتنع الإشكال في تطبيقهما
لانطباق كل منهما على الواقعة المنصوص عليها فيه. ومتى كان ذلك مقرراً، وكان كل من
القانونين رقم 51 لسنة 1934 ورقم 48 لسنة 1941 يعالج واقعة مستقلة عن الأخرى، ذلك
لأن الأول يعاقب على مجرد خلط القطن ولو كان في حيازة مالكه، ولو لم يصدر بشأنه
أية معاملة، ولو حصل ذلك قبل أن يباع أو يعرض للبيع، فهو يعاقب بعقوبة المخالفة
على عمل تحضيري بالنسبة لجريمة الخديعة أو بالنسبة لجريمة الغش المنصوص عليهما في
المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، وذلك مبالغة من الشارع في
حماية محصول القطن بصفة كونه المحصول الرئيسي في البلاد، وتوخياً منه في منع الغش
في ذلك المحصول قبل وقوعه. أما القانون رقم 48 لسنة 1941 فهو - كما يبين من نصوصه
- يعاقب على خديعة المشتري أو الشروع في خدعه، وعلى غش البضاعة والمحاصيل على
الوجه المبين به، فلا توجد إذن بين قانون منع خلط القطن وقانون قمع التدليس والغش
وحدة في الواقعة التي يعالجها كل منهما. على أن ذلك لا يمنع من أن يكون الفعل
الواحد مكوناً أحياناً للجريمة المنصوص عليها في كل منهما كأن تتم جريمة الخديعة
أو غش البضاعة بواسطة خلط أصناف القطن، وفي هذه الحالة يوجد التعدد المعنوي
المنصوص عليه في المادة 32 من قانون العقوبات، وعندئذ يجب توقيع العقوبة الأشد وهي
المنصوص عليها في القانون رقم 48 لسنة 1941. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه
إذ طبق على واقعة الدعوى القانون رقم 48 لسنة 1941 لا يكون قد أخطأ في القانون ما
دامت الواقعة كما أثبتها تتوافر فيها جميع العناصر القانونية للجريمتين المنصوص
عليهما في المادتين الأولى والثانية منه مما سيرد تفصيله فيما يلي. (وثانياً) بأن
تزييف البضاعة أو غشها المنصوص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة
1941، كما يتحقق بإضافة مادة غريبة عليها أو بانتزاع شيء من عناصرها النافعة يتحقق
أيضاً بإخفاء البضاعة تحت مظهر خادع من شأنه غش المشتري، ويتحقق كذلك بالخلط أو
بالإضافة بمادة مغايرة لطبيعة البضاعة أو من نفس طبيعتها، ولكنها من صنف أقل جودة
بقصد الإيهام أن هذا الخليط خالص لا شائبة فيه، أو بقصد إخفاء رداءة البضاعة
وإظهارها في صورة أجود مما هي عليه في الحقيقة. وأن الغش أو التزييف بالخلط لا
يتطلب حتماً أن يكون الشيء المدخل في البضاعة من طبيعة أخرى تغاير طبيعتها، بل قد
يكون من ذات الطبيعة، ولكنه يختلف عنها في مجرد الجودة، على أنه لا يشترط في
القانون أن تتغير طبيعة البضاعة بعد الحذف أو الإضافة، بل يكفي أن تكون قد زيفت،
وأن التزييف يستفاد من كل خلط ينطوي على الغش بقصد الإضرار بالمشتري، كما ينشأ عن
إدخال محصول من صنف أقل جودة بنية الغش في محصول جيد من ذات الجنس أو الطبيعة، إذا
كان هذا الخلط من شأنه أن يجعل الشيء المخلوط أقل صلاحية للاستعمال الذي أعد له
بصورة ملموسة أو يقلل من قيمته قلة ملحوظة أو يجعله ذا ثمن أقل من ثمنه المعروف.
ومتى كان ذلك، وكانت الواقعة الثابتة بالحكم المطعون فيه هي أن الطاعن لكي يتخلص
من قطن من رتب واطية خلطه بقطن من رتب أعلى حتى يصل إلى تصريف القطن الرديء الذي
لا يوجد إقبال على شرائه، وأن البالات التي حوت هذا الخليط أصبح القطن فيها غير
متجانس لا يمكن إعطاؤه رتبة معينة من الرتب المعروفة في سوق القطن. واستخلصت
المحكمة من الأدلة السائغة التي أوردتها أن طرح هذا القطن في السوق يعتبر غشاً
لأنه يتعذر على المشتري اكتشاف عيوب هذه البضاعة، وأن هذه الأقطان لا يجوز تصديرها
أو إعادة تداولها في السوق بدون أن يوضح عليها بجلاء أنها "أقطان غير متناسقة
جهزت بطريقة لا تتفق مع عرف مينا البصل"، فإن الحكم إذ طبق على هذه الواقعة
المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
و(ثالثاً) بأن الحكم المطعون فيه قد تحدث عن القصد الجنائي في هذه الجريمة وهو نية
الغش بما يؤدي إلى توافره، أما الجدل الذي يثيره الطاعن بصدده فهو جدل موضوعي مما
تفصل فيه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية من غير معقب.
وحيث إن الوجه الثاني من أوجه الطعن يتحصل في القول بأن الحكم المطعون
فيه قد أخطأ أيضاً في تطبيق أحكام المادة الأولى من القانون رقم 48 لسنة 1941
الخاصة بخديعة المتعاقد، وهذا الخطأ يندرج تحت صور أربع (1) أنه لما كانت جريمة
خديعة المتعاقد هي جريمة شخصية، وأن معيار الخديعة معيار شخصي نسبي وكان المتعاقد
مع الطاعن وهو المسيو .... قرر أنه لم يخدع، ولم يغش، وأنه عاين الأقطان بنفسه
وأدرك ما يشوبها من عدم التناسق، وأدخل هذا في اعتباره عند تحديد السعر، وأن البيع
لم يتم على أساس رتبة معينة، وأن الطاعن بصفة كونه بائعاً للقطن لم يضمن له أي
ضمان - إذ قرر المشتري كل ذلك، فقد انعدمت الجريمة وأصبح تطبيق المادة الأولى من
القانون رقم 48 لسنة 1941 غير ذي موضوع. (ب) أن جريمة خديعة المتعاقد جريمة عقدية
تفترض وقوع إخلال متعمد من البائع في تنفيذ التزامه بتسليم ما انعقد عليه العقد.
والمرجع في تحديد هذا الالتزام هو نصوص القانون الذي يحكم العقد، أي القانون
المدني أو التجاري ولائحة البورصة، وما دام الثابت أن الأقطان موضوع الدعوى بيعت
بضاعة حاضرة، ووضعت بحالتها تحت تصرف المشتري، فعاينها بنفسه، وحدد لها سعراً،
وتسلمها، فلا خديعة ولا غش حتى لو تبين أنها غير مطابقة لتقديرات المشتري أو أنه
غبن أو تهاون في عملية الفحص، أو وقع في غلط، ذلك لأن العقد يتم على أساس معاينة
البضاعة وتحديد سعرها بمعرفة المشتري، فلا يجيز القانون المدني للمشتري إبطال
العقد، ومن غير المستساغ أن يلزم القانون المدني أو التجاري المشتري بإمساك البضاعة،
ومع ذلك يقضي القانون الجنائي بمعاقبة البائع. على أن الحكم وقد استظهر أن البيع
كان على رتبة معينة، فإنه في ذلك قد استند إلى أدلة لا أصل لها في الأوراق. (ج)
أنه يجب لتوافر جريمة الخديعة أن ترتكب بإحدى الصور التي حددها القانون، ولقد حددت
النيابة هذه الصورة بأنها خديعة في "حقيقة البضاعة" وقال الحكم
الابتدائي إنها خديعة في "حقيقة البضاعة وصفاتها الجوهرية" وقال الحكم
المطعون فيه إن ما وقع من الطاعن هو "خديعة في طاقة وحقيقة وذاتية
البضاعة"، في حين أن واقعة الدعوى لا تدخل في نطاق أي من هذه الصور كما هي
معرفة بالقانون، ذلك لأن الأمر محصور كما يؤخذ من أقوال السير ........... في أن
البضاعة المبيعة تنقص في قيمتها التجارية أو في سعرها عما قدره لها، وبأنها ليست
مجردة من صفة جوهرية أو أنها معيبة عيباً جوهرياً بحيث لو كان علم به المشتري
لأحجم عن الشراء. ومن المقرر قانوناً أن الخديعة في السعر أو في القيمة التجارية
لا يعتبر غشاً يقع تحت نص القانون رقم 48 لسنة 1941. (د) أن الواقعة لا تحتمل
قانوناً إفراغها في قالب جنائي، ولا عقاب عليها، ولا تتجاوز في أسوأ فروضها دعوى
مدنية. ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد انتهى - خطأ أو صواباً - إلى أن البيع قد
انعقد على رتبة معينة محددة هي رتبة الفولي جود، فقد كان يتعين عليه في ضوء تحصيله
لواقعة الدعوى أن يبين ما هي رتبة وحقيقة الأقطان التي تسلمت فعلاً إلى المشتري،
ومع أن الطاعن قد تمسك بأن الأقطان تدور فعلاً في حدود هذه الرتبة، وعلى ذلك فحتى
إذا نوقشت الدعوى على أساس أن العقد قد تم في حدود رتبة معينة، فإن الأقطان
المسلمة كانت في حدود هذه الرتبة فعلاً. ولما كانت جريمة خديعة المتعاقد تنهض على
أساس عام هو أن ما سلم يغاير ما تم التعاقد عليه، وهو ما لم يقع في هذه الدعوى،
فإن الأمر يكون مجرداً عن الصبغة الجنائية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين دان الطاعن بجريمة خدع المشتري المنصوص
عليها في المادة الأولى من القانون رقم 48 لسنة 1941 قد اعتمد في الإدانة على ما
يأتي: (أولاًَ) أن البيع انعقد بين الطاعن والمشتري على رتبة معينة وهي رتبة جود
إلى فولي جود مستنداً في ذلك إلى أن ........ موكل من قبل لجنة التنسيق لشراء قطن
كرنك من النموذجين 155 و158 المطابقين لرتبتي الفولي جود وجودنو فولي جود وإلى
أقوال السمسار الذي قام بالوساطة بين الطاعن وبين السير ...... من أن الطاعن كلفه
ببيع أقطانه بضاعة حاضرة، وأن ....... عرض في الوقت نفسه رغبته في شراء قطن من
رتبة جود إلى فولي جود، وأن الطاعن أخبر السمسار المذكور بأن قطنه من هذه الرتبة،
فقام الأخير بعرض عينة من القطن على .......، وإلى ما قرره السير ......... نفسه
في التحقيقات من أنه وجد بعد استلام البضاعة أن رتبة القطن أقل من الرتبة التي
اتفق عليها وحدد السعر على أساسها، وما قاله المستر ........ مندوب لجنة التنسيق
البريطانية من أن اللوتات التي اشتريت كانت على أساس النموذجين 155، 158 وأن
الرتبة التي كانت اللجنة ترغب في شرائها معروفة في السوق، وما ظهر من الاطلاع على
دفاتر ......... من أنه اشترى القطن على أساس الرتبتين المذكورتين، وما قاله السير
........ من أنه أعلن على واجهة محله قبل الشراء الرتبة التي يريد شراءها، وأن
السمسار ....... تقدم عارضاً بيع الأقطان على أساس هذا الإعلان، وما قرره الطاعن
نفسه من أنه خلط الأقطان عمداً خلطاً صناعياً ليصل إلى الرتبة التي يريدها .....،
وما قاله ....... بأن القطن خلط برتب من أصناف واطية لا يوجد إقبال على شرائها،
وكذلك استند الحكم إلى أن الطاعن أعد بالات متناسقة مرقمة ترقيماً خاصاً لتؤخذ
منها العينات، وكانت رتبة هذه البالات هي الرتبة المطلوبة التي تشتريها لجنة
التنسيق. (ثانياً) أن القطن المبيع من الطاعن وهو العشر لوتات موضوع الدعوى قد حصل
التفاسخ في بيعها، ودفع الطاعن نحو عشرة ألاف من الجنيهات تعويضاً للمشترين.
(ثالثاً) أن القطن وقد بيع بعد كبسه كبساً بخارياً قد بيع لوتات (أي مجاميع)، وأن من
الصفات الجوهرية لهذه المجاميع المكبوسة على هذا النحو أن تكون متناسقة الطبقات،
أي أن كل بالة تحوي قطناً متجانساً من رتبة بعينها، وأن تكون كل بالة من بالات
المجموعة (اللوت) متماثلة مع باقي بالات تلك المجموعة، خالية من عيب التركيب، وأن
هذا التطابق تنص عليه لائحة بورصة مينا البصل، ويقره العرف التجاري منعاً لحرج
المشتري الذي لا يستطيع أن يفحص كل بالة من بالات المجموعة، وهي تقدر بالمئات،
ودفعاً لحرج البائع كذلك الذي لا يرضى بداهة بحصول المعاينة على هذا النحو لما
تقتضيه من مصاريف باهظة إذا ما أعيد كبس البالات بخارياً في حالة امتناع المشتري
عن الشراء، ولهذا قضى العرف التجاري على قصر المعاينة على بالة أو اثنتين من مجموع
اللوت لتقدير ثمنها. وفوق ما تقدم فقد استظهر الحكم أن عدم التناسق في القطن بلغ
حداً كبيراً حتى أصبح من المتعذر تحديد رتبة له (رابعاً) أن الطاعن قد ارتكب
"التعبئة الخادعة". وقد استند الحكم في ثبوت ذلك إلى ما قرره الخبراء
الذين ندبتهم النيابة لفحص القطن موضوع هذه الدعوى، وإلى ما تبين من انتقال محكمة
أول درجة للمكبس الذي كبست فيه الأقطان، كما استفاد حصول هذه التعبئة الخادعة مما
قضى به مجلس تأديب قومسيون مينا البصل ابتدائياً واستئنافياً على الطاعن بتغريمه
500 جنيه وهي أقصى العقوبة التي يملك المجلس توقيعها، لأنه ارتكب التعبئة الخادعة
والتعبئة المركبة في القطن موضوع الدعوى، (خامساً) أن القطن موضوع الدعوى لا يتفق
مع العينات التي بيع على أساسها، وأنه جاء خليطاً غير متجانس من رتب متفاوتة ودس
بينه قطن من طبقة واطية منظف على الماكينة. (سادساً) أن هذا كله وقع عمداً من
الطاعن لكي يتخلص من قطن رديء لا يستطيع بيعه في السوق، ولكي يحصل على فرق الثمن
بين الرتبة التي باع على مقتضاها وبين رتبة القطن الذي باعه فعلاً ومقدار ذلك ستة
ريالات ونصف عن كل قنطار، مع ملاحظة أن ما بيع يبلغ عدة ألاف من القناطير، ولقد
أورد الحكم الأدلة على كل ما استخلصته المحكمة ومن بينها أقوال السير ........
نفسه وأقوال شهود آخرين ذكرتهم، وكلها لها أصلها في التحقيقات التي أجريت في
الدعوى، ومن شأنها أن تؤدي إلى النتائج التي انتهى إليها، وعول عليها في الإدانة،
فلا عبرة إذن بما يستند إليه الطاعن لقول للسير ........ أطرحته المحكمة ولم تأخذ
به في حدود سلطتها التقديرية إذ لا معقب عليها في ذلك. ومتى كان الأمر كذلك، وكانت
الواقعة على ما ثبتت في الحكم المطعون فيه تكون جريمة خدع المشتري في حقيقة وطبيعة
البضاعة وصفاتها الجوهرية وما تحتويه من عناصر نافعة، وعلى العموم العناصر الداخلة
في تركيبها، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون رقم 48
لسنة 1941، ذلك لأن الخدع في رتبة القطن المتفق عليها بين المتعاقدين تكون في
القانون خدعاً في حقيقته، أما الخلط برتب أوطى، وكذلك عدم التناسق والتعبئة
الخادعة، فإنها تعتبر خدعاً في طبيعة وصفات القطن الأساسية والجوهرية وما يحتويه
من عناصر نافعة، وخدعاً كذلك في العناصر الداخلة في تركيبه، كما هي معرفة به في
القانون، ولا أهمية بعد ذلك لما أضفى عليها الحكم المطعون فيه من وصف ما دامت
الواقعة التي دين الطاعن بها تتوافر فيها العناصر القانونية لجريمة خدع المشتري
على الوجه السابق بيانه، وهو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من
القانون رقم 48 لسنة 1941.
وحيث إنه لا محل بعد ذلك لما يتحدى به الطاعن من التمسك بقواعد
القانون المدني: (أولاً) لأن القطن موضوع الدعوى حصل التفاسخ في عقد بيعه والتزم
الطاعن بإعادته لملكيته بعد أن كان المشتري قد تسلمه، وبعد أن عوضه بالقدر الذي
رأى المشتري أنه يكفي لتعويض ما لحق به من خسارة. ومن ثم لم ترفع بشأنه دعوى
مدنية، وبالتالي لم يصدر في النزاع حكم يحدد مركز الطرفين من الناحية المدنية.
(ثانياً) لأن ما قيل عن اشتراط بطلان العقد من الناحية المدنية حتى يكون البائع
مستحقاً للعقاب لا سند له، إذ يكفي أن تتوافر عناصر الجرائم المنصوص عليها في القانون
رقم 48 لسنة 1941 حتى يكون الجاني مستحقاً للعقاب، بغض النظر عما قد يترتب عليها
من التزامات بين المتعاقدين في حالة خديعة المتعاقد، أو ما يكون لأحد الطرفين من
حقوق مترتبة بمقتضى القانون المدني أو التجاري. ويدل على صحة هذا النظر أن المادة
تنص على عقاب الشروع في تلك الجرائم ولو بعرض البضاعة للبيع دون أن يكون هناك عقد
قد أبرم، وقبل أن تتلاقى إرادة طرفيه مما لا يتصور معه ما يقول به الطاعن من ضرورة
وجود تدليس دافع للمشتري على التعاقد حتى تقوم هذه الجريمة قانوناً، ولأن العقاب
على تلك الجرائم يهدف به الشارع لا إلى تحقيق مصلحة خاصة يحققها القانون المدني
وغيره من القوانين الخاصة، وإنما يهدف إلى ما هو أسمى وهو تحقيق مصلحة عامة هي
التي شرع القانون رقم 48 لسنة 1941 لحمايتها، وهي منع الغش فيما يتعامل فيه الناس
على ما هو ظاهر من مذكرته الإيضاحية التي تبين الغرض من إصدار هذا القانون.
وحيث إن تأويل القانون على الوجه الصحيح هو أنه يكفي لقيام جريمة
الخديعة أن يكون الغلط الذي دفع البائع المشتري إليه متعلقاً بطبيعة البضاعة أو
صفاتها الجوهرية أو العناصر الداخلة في تركيبها أحد الأسباب الدافعة إلى إبرام
الصفقة، وليس كما يقول الطاعن أن هذا الغلط يجب أن يكون هو السبب الأساسي في
التعاقد. ومما يدعم هذا النظر أن الشارع عنى بالنص في الفقرة الرابعة من المادة
الأولى منه على وجوب أن يكون "النوع أو الأصل أو المصدر" - إذا حصلت
الخديعة في إحداها - سبباً أساسياً في التعاقد، وذلك دون أن يقيد ما ورد في
الفقرات الثلاث الأولى بهذا القيد.
وحيث إن ما يثيره الطاعن من أن ما وقع لا يعدو أن يكون خديعة في
القيمة التجارية أو ثمن القطن المبيع، وهو ما لا يعاقب عليه قانون قمع الغش
والتدليس، ما يثيره في هذا الصدد لا يجديه؛ ذلك لأنه ولو أن الخديعة في القيمة
التجارية أو الثمن لا عقاب عليها بمقتضى نصوص هذا القانون، ولكن شرط ذلك أن يكون
كذب البائع فيما يتعلق بالثمن وحده مجرداً عن خداعه فيما يتعلق بمقومات الشيء
المبيع التي عنى المشرع بذكرها في المادة الأولى من قانون قمع الغش. أما إذا وقعت
الخديعة في شيء من ذلك - كما هو الحاصل في واقعة هذه الدعوى على ما هو ثابت بالحكم
- فإن الخداع في الثمن أو في القيمة التجارية لا يكون إلا مجرد نتيجة للخديعة
المعاقب عليها.
وحيث إنه لما تقدم يكون ما تمسك به الطاعن في هذا الوجه غير سديد.
وحيث إن مؤدي الوجه الثالث من أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه
أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بمصادرة الأقطان. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم
استند في قضائه بالمصادرة إلى الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات،
ومفاد ذلك أنه اعتبر الأقطان من الأشياء التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها
أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته، مع أن النيابة العمومية وافقت على بيعها
وإيداع ثمنها بالخزانة وقد نفذ هذا الأمر فعلاً، ومع أن الأقطان موضوع الدعوى ليست
- ولم تكن في يوم ما - من الأشياء التي يعد بيعها أو عرضها للبيع ... الخ جريمة في
ذاته، ولأنه بمقتضى نصوص القانون رقم 51 لسنة 1934 في حالة ثبوت حصول خلط أصناف
القطن لا يقضى إلا بمصادرة ربع ثمن الأقطان المخلوطة، فمن غير المستساغ عقلاً أن
يكون هذا هو حكم القانون في خلط الأصناف، ويأتي الحكم ليقضي بالمصادرة الكلية في
حالة خلط الرتب، مع أن القطن من صنف واحد. هذا ولما كانت المصادرة المنصوص عنها في
الفقرة التالية المذكورة لا تجوز أن تنصب إلا على الأشياء الخارجة عن التداول،
وكان القطن قد بيع فعلاً لمن قان بغزله، وجاء بنتائج مرضية، ثم إنه وقد استحال
القطن بعد بيعه إلى الثمن المتحصل من هذا البيع، فإن المصادرة لا يصح أن تنصب على
هذا الثمن، وأن يستبدل الشيء بثمنه إلا أن يكون ذلك قلباً لعقوبة المصادرة إلى ما
يشبه الغرامة المالية.
وحيث إنه لما كان القانون رقم 48 لسنة 1941 يقضي في المادة السابعة
منه بأن "تعتبر الجرائم التي ترتكب ضد أحكام المواد الثانية والثالثة
والخامسة مخالفات إذا كان المتهم حسن النية. على أنه يجب أن يقضي الحكم بمصادرة
المواد أو العقاقير أو الحاصلات التي تكون جسم الجريمة" وكان مفاد هذا النص
أن الشارع افترض أنه كلما قضى على متهم بعقوبة لجريمة من الجرائم الداخلة في نطاق
المواد المشار إليها، ومن بينها المادة الثانية التي تنص على عقاب من "غش أو
شرع في أن يغش شيئاً من أغذية الإنسان أو الحيوان أو من العقاقير الطبية أو من
الحاصلات الزراعية أو الطبيعية معداً للبيع، أو من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئاً
من هذه المواد أو العقاقير أو الحاصلات مع علمه بغشها أو بفسادها" افترض أن تكون
مصادرة الأشياء المضبوطة والمتحصلة من هذه الجرائم وجوبية تطبيقاً للفقرة الثانية
من المادة 30 من قانون العقوبات التي تنطبق على الجنايات والجنح دون المخالفات.
ولما كان الشارع يعاقب المتهم حسن النية الذي تقع منه مخالفة في حدود المواد 2 و3
و5 من ذلك القانون بعقوبة المخالفة، فقد عنى بالنص على وجوب المصادرة في هذه
الحالة أيضاً لعدم جواز إعمال نص الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات.
يدعم هذا النظر أنه من غير المستساغ أن يقصر الشارع وجوب المصادرة بالنسبة للجرائم
التي ترتكب بحسن نية، والتي تعتبر مجرد مخالفة، ولا يحتمها بصدد نفس تلك الجرائم
إذا ارتكبها المتهم بسوء نية مما يدخل فعله في عداد الجنح. على أن قصد الشارع واضح
في هذا المعنى من مذكرته الإيضاحية عن المادة السابعة من القانون التي تنص على
"تتطلب أحكام المواد الثانية والثالثة والرابعة من المشروع إثبات سوء نية
المتهم. وقد لا يتوفر إثبات هذا الركن، فيفلت المتهم من العقاب بالرغم مما يسببه
إهماله من الضرر على صحة الأفراد ... وعلى الحالين يجب اعتبار مجرد وجود الأشياء
المغشوشة أو الفاسدة بين يديه مخالفة ولا يمكن اعتباره أكثر من ذلك. غير أن اعتبار
تلك الحالة مخالفة لا يرفع الأذى من تلك المواد المغشوشة أو الفاسدة، فإن أحكام
المصادرة التي وردت في القسم العام من قانون العقوبات لا تتناولها إذا كانت قاصرة
على الجنايات أو الجنح، لذلك نص على المصادرة استثناء من القواعد العامة" هذا
هو صريح قصد الشارع. ولما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بمقتضى المادة
الثانية من قانون قمع الغش على اعتبار أنه باع قطناً مغشوشاً، فإن نص الفقرة
الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات يقتضيه الحكم بالمصادرة وجوباً على اعتبار
أن فعل البيع يعتبر جريمة، وهذا النظر هو الذي قصد الشارع توكيده في مذكرته
الإيضاحية على المادة السابعة كما سلف القول. ويخلص من كل ذلك أن الحكم المطعون
فيه إذ قضى بالمصادرة الوجوبية يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة
الدعوى كما صار إثباتها فيه، ولا يقدح في ذلك ما أثاره الطاعن من أن الأقطان بيعت
وأودع ثمنها خزانة المحكمة، ما دام الحكم بالمصادرة هو في الواقع وحقيقة الأمر
إقراراً للضبط الذي أمرت به النيابة بصفتها سلطة التحقيق وحكماً من القاضي بأن
استيلاء الدولة بواسطة ممثليها على القطن موضوع الدعوى تم صحيحاً في الحدود التي
رسمها القانون، ولذلك ينعطف حكم المصادرة إلى يوم الضبط. هذا فضلاً عن أن قانون
تحقيق الجنايات يجيز للنيابة العمومية في المادة 22 منه بيع الشيء المضبوط مما
يتلف بمرور الزمن أو يستلزم حفظه نفقات تستغرق قيمته وإيداع ثمنه، مما مقتضاه
بداهة أنه إذا قضى بالمصادرة أن ينصب الحكم بها على الثمن المتحصل من بيعها. على
أنه ليس للطاعن أن يشكو من أن القضاء بالمصادرة سينصرف إلى ثمن الأقطان بعد بيعها
إذ أنه هو الذي تقدم للنيابة العمومية يطلب التصرف في هذه الأقطان خشية تحمله ما
لا قبل له به من مصاريف تخزينها وغير ذلك من المصاريف على أن يودع ثمنها الخزانة
العامة حتى يفصل في الدعوى، فليس له ما يشكو منه في هذا الخصوص، وليس له كذلك أن
يسعى لنقض ما تم من جهته. ومتى كان الأمر كذلك، فإن الجدل الذي يثيره الطاعن في
هذا الوجه لا يكون له ما يبرره.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع من أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه وقع
باطلاً لعيوب جوهرية في التسبيب تتمثل في خطئه في الإسناد وتحريفه في أقوال الشهود
وتجاهله لمستندات رسمية متضمنة لحقائق لو وضعت موضع الاعتبار لتغير مصير الدعوى،
وإغفاله الرد على النقطة الجوهرية في دفاع الطاعن إلى قصور في تحصيل فهم الواقع في
الدعوى، ثم إنه جاء مقطوع الصلة بالتحقيقات التي أجرتها المحكمة بالجلسة، فلم يشر
إليها أو يفصح عن سبب استبعادها.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين الواقعة بما يتوافر فيه
جميع العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما، وذكر الأدلة التي
استخلصت المحكمة منها ثبوت وقوع هذه الواقعة منه، وتعرض لدفاعه ففنده للاعتبارات
التي أوردها، ومتى كان الأمر كذلك، وكانت الأدلة والاعتبارات المذكورة من شأنها أن
تؤدي إلى ما رتب عليها، ولها أصلها في التحقيقات التي أجريت في الدعوى سواء منها
ما أجرته المحكمة بنفسها في الجلسة أو ما طرح عليها من التحقيقات الأولية، فلا محل
لما يثيره الطاعن في طعنه في هذا الخصوص، إذ أنه في حقيقته جدل موضوعي يتصل بتقدير
الدليل ومبلغ الاطمئنان إليه مما تستقل به محكمة الموضوع بلا معقب عليها فيه. هذا
ويكفي لسلامة الحكم أن تورد المحكمة الأدلة على ثبوت الجريمة في حق المتهم دون أن
تكون ملزمة بتعقب الدفاع في كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه وترد عليه. ومن
المقرر أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بقول للشاهد متى اطمأنت
إليه، وأن تطرح قولاً آخر له، كما أن لها أن تأخذ بأقواله في التحقيقات الأولية
دون أقواله الأخرى التي أبداها بالجلسة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً