جلسة 12 من أغسطس سنة 2020
برئاسة السيد القاضي/ حسني عبد اللطيف "نائب رئيس المحكمة"،
وعضوية السادة القضاة/ ربيع محمد عمر، مصطفى محمد عبد العليم، محمد منشاوي بيومي
وحاتم إبراهيم الضهيري "نواب رئيس المحكمة".
---------------
(85)
الطعن 20654 لسنة 88 ق
(1) دعوى
"سبب الدعوى".
سبب الدعوى. هو الواقعة التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب. عدم
تغيره بتغير الأدلة الواقعية والحجج القانونية للخصوم.
(2) محكمة الموضوع "التزامها بسبب
الدعوى".
محكمة الموضوع. عدم جواز تغييرها سبب الدعوى من تلقاء نفسها. وجوب قصر
بحثها على السبب الذي أقيمت به الدعوى. علة ذلك. خروجها عن نطاق الخصومة التي
طرحها عليها أطرافها. أثره. ورود الحكم على غير محل. بطلانه بطلانا أساسيا متعلقا
بالنظام العام. لا يغير من ذلك حق محكمة النقض في إثارة أسباب الطعن المتعلقة
بالنظام العام.
(3) نقض "أسباب الطعن بالنقض: الأسباب
المتعلقة بالنظام العام".
الأسباب المتعلقة بالنظام العام. مقصودها. وجوب تصدي المحاكم لها
باعتبارها ملزمة بتطبيق القانون على وجهه الصحيح دون طلب من الخصوم. وجوب تقيدها
عند إثارة هذه الأسباب بألا تعول على مسألة واقعية لم يسبق للخصوم طرحها على محكمة
الموضوع. م 253 مرافعات.
(4) دعوى "سبب الدعوى: تغيير سبب الدعوى".
تغيير سبب الدعوى. ماهيته. جواز أن يرد عليه القبول والتنازل. اختلافه
عن إثارة أسباب الطعن أو الدفوع المتعلقة بالنظام العام.
(5) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
الامتداد القانوني لعقد الإيجار: الامتداد القانوني لعقد الإيجار المبرم لمزاولة
نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي: الامتداد القانوني لعقود إيجار الأماكن
المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى: الأحكام اللاحقة على
صدور حكم المحكمة الدستورية العليا".
قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية صدر م 18/1 ق 136 لسنة
1981 فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو
انتهت المدة المتفق عليها في العقد "لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة
للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى. مقتضاه. انحسار الامتداد
القانوني عن عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض
السكنى خروجا عن القيد المقرر بتلك المادة.
(6) دستور" عدم الدستورية: أثر الحكم
بعدم الدستورية".
الحكم بعدم دستورية نص. أثره. عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشره
في الجريدة الرسمية ما دام قد أدرك الدعوى أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض. تعلق
ذلك بالنظام العام. للمحكمة إعماله من تلقاء نفسها.
(7) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
الامتداد القانوني لعقد الإيجار: الامتداد القانوني لعقد الإيجار المبرم لمزاولة
نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي: الامتداد القانوني لعقود إيجار الأماكن
المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى: الأحكام اللاحقة على
صدور حكم المحكمة الدستورية العليا".
تطبيق الحكم الصادر في القضية رقم 11 لسنة 23ق دستورية بعدم دستورية
صدر م 18/1 ق 136 لسنة 1981. شرطه. إقامة الدعوى ابتداء بطلب إنهاء عقد الإيجار.
القول بغير ذلك. تغيير لسبب الدعوى. علة ذلك.
(8) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن:
أسباب الإخلاء: الإخلاء للتنازل والترك والتأجير من الباطن: الإخلاء للتأجير من
الباطن".
طلب الإخلاء استنادا للتأجير من الباطن. لا مجال معه لإعمال حكم
الدستورية رقم 11 لسنة 23ق دستورية. علة ذلك.
(9) محكمة الموضوع "سلطتها في فهم
الواقع وتقدير الأدلة في الدعوى: تفسير الاتفاقات والمحررات".
تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتفسير العقود والمحررات من سلطة محكمة
الموضوع. شرطه.
(10) محكمة الموضوع" سلطتها بالنسبة
للمنازعات الناشئة عن عقد الإيجار: إثبات أو نفي ترك المستأجر للعين المؤجرة أو
تنازله عنها أو تأجيرها من الباطن".
النعي على استخلاص محكمة الموضوع انتفاء واقعة التأجير من الباطن من
ثبوت اتفاق المطعون ضدهما على تواجد الأول بالعين تحت إشراف الشركة الثانية ومن ثم
عدم اتجاه الإرادة إلى التخلي عن الإجارة. جدل لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
----------------
1 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن سبب الدعوى هو الواقعة أو
الوقائع التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب، وهو لا يتغير بتغير الأدلة
الواقعية أو الحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم.
2 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أنه لا
تملك المحكمة تغيير سبب الدعوى من تلقاء نفسها، بل يجب عليها قصر بحثها على السبب
الذي أقيمت به الدعوى، فذلك أمر نابع من طبيعة وظيفة القضاء ذاتها بوصفها احتكاما
بين متخاصمين على حق يتنازعانه، وهو ما يقتضي أن يقف القاضي موقفا محايدا وأن
يساوي بين الخصوم، فإذا خرجت المحكمة عن نطاق الخصومة التي طرحها عليها أطرافها
ورد حكمها على غير محل ووقع باطلا بطلانا أساسيا مخالفا للنظام العام مخالفة تعلو
سائر ما عداها من صور الخطأ في الحكم، إذ لا قضاء إلا في خصومة ولا خصومة بغير
دعوى يقيمها مدعيها محددا سببها، ولا يغير من ذلك ما صرحت به المادة 253 من قانون
المرافعات من أنه يجوز لمحكمة النقض أن تثير من تلقاء نفسها أسباب الطعن المتعلقة
بالنظام العام.
3 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن المقصود
بالأسباب في هذا النص (م 253 مرافعات) هو الحجج القانونية التي تصلح مبررا لصدور
الحكم على نحو معين أو الطعن عليه، هذا التصدي للأسباب المتعلقة بالنظام العام أمر
نابع من واجب المحاكم بأن تطبق القانون على وجهه الصحيح دون توقف على طلب الخصوم،
ولكن يبقى عليها وهي تثير تلك الأسباب أن تظل مقيدة بألا تعول على مسألة واقعية لم
تطرح على محكمة الموضوع طرحا صحيحا ولم يسبق لأطراف التداعي التناضل بشأنها إعمالا
لمبدأ المواجهة بين الخصوم وحق الطرف الآخر في الدفاع.
4 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن تغيير
سبب الدعوى هو في حقيقته بمثابة رفع دعوى جديدة من غير المدعي وإن اتحدت الطلبات،
وهو حق لصاحبها يرد عليه القبول والتنازل، بينما إثارة أسباب الطعن أو الدفوع
المتعلقة بالنظام العام لا تعدو أن تكون إعمالا لحكم قانوني يتعين على المحاكم
تطبيقه ولا يرد عليه قبول أو تنازل من شأنه أن يمنع صدور الحكم على نحو يخالفه.
5 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن الحكم
الصادر من المحكمة الدستورية في القضية رقم 11 لسنة 23ق دستورية والصادر بجلسة
5/5/2018 والمنشور بالجريدة الرسمية بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة 18
من القانون رقم 136 لسنة 1981 فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن
يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، ..." لتشمل عقود
إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى مقتضاه
انحسار الامتداد القانوني عن عقود الإيجار الخاضعة للقانون المذكور متى كان مستأجر
العين لغير غرض السكنى شخصا اعتباريا خروجا عن القيد المقرر بتلك المادة، وكانت
المحكمة الدستورية- لاعتبارات ارتأتها- قد قضت بسريان أثر حكمها اعتبارا من اليوم
التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر
الحكم والذي بدأ بدعوة من السيد رئيس الجمهورية للمجلس للانعقاد من يوم 2/10/2018
وانتهى بنهاية مدة دور الانعقاد.
6 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن الحكم
بعدم دستورية نص يمنع من تطبيق هذا النص اعتبارا من اليوم التالي لنشره ما دام قد
أدرك الدعوى أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض، وهو أمر متعلق بالنظام العام تعمله
المحكمة من تلقاء نفسها.
7 - إن تطبيق الحكم الصادر في القضية رقم 11
لسنة 23ق دستورية المشار إليه (بعدم دستورية صدر الفقرة الأولى من المادة 18 من
القانون رقم 136 لسنة 1981 فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن
يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، ..." لتشمل عقود
إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى) مشروط
بأن تكون الدعوى قد أقيمت ابتداء بطلب إنهاء عقد الإيجار لانتهاء مدته، والقول
بغير ذلك من شأنه أن يؤدي بالمحكمة إلى أن تغير سبب الدعوى من تلقاء نفسها دون أن
تلتزم بقاعدة وجوب اقتصار بحثها على السبب الذي أقيمت به فتتخذ دورا لا ينبغي لها،
وتحل نفسها محل المدعي بالحق، مما يخرجها عن موقف الحياد بين الخصوم، وهو ما يتعين
عليها النأي عنه ولا يمكن المناداة به.
8 - إذ كانت وقائع المنازعة المطروحة تخلص في
أن الطاعنة الأولى تدخلت هجوميا في الدعوى الأصلية بطلب إخلاء المطعون ضدهما
تأسيسا على قيام الشركة المطعون ضدها ثانيا (المستأجرة لعين النزاع) بتأجير العين
من الباطن للمطعون ضده الأول، وعليه فإن سبب الدعوى قد تحدد من قبلها في التأجير
من الباطن سندا لطلب الإخلاء، ومن ثم فلا مجال لإعمال حكم الدستورية أنف البيان
(حكم المحكمة الدستورية رقم 11 لسنة 23 ق دستورية) وإلا عد ذلك تغييرا من جانب
المحكمة لسبب الدعوى، وهو ما تربأ بنفسها عنه، ويغدو ما يثيره الطاعنان في هذا
الخصوص على غير أساس.
9 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن لمحكمة
الموضوع السلطة التامة في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات
المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه، ولها
تفسير العقود وسائر المحررات والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود عاقديها
دون أن تكون ملزمة من بعد بالرد استقلالا على كل ما يقدمه الخصوم، وحسبها أن تبين
الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في
الأوراق بما يكفي لحمله.
10 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه
برفض موضوع التدخل على ما خلص إليه من واقع الدعوى وأوراقها ومن بنود عقد الإدارة
والاستغلال المحرر فيما بين المطعون ضدهما من أن الشركة المطعون ضدها ثانيا قد
مكنت المطعون ضده الأول من العين بناء على الاتفاق المبرم بينهما على تواجده
وبضائعه ومعروضاته بالمكاتب موضوع التعاقد من خلال الشركة وتحت إشرافها منتهيا إلى
عدم اتجاه إرادتها إلى التخلي عن الإجارة أو الاستغناء عن حقها في الانتفاع
بالمخزن، ومن ثم انتفاء واقعة التأجير من الباطن، وكان ما خلص إليه سائغا وله أصله
الثابت بالأوراق، فإن النعي عليه في هذا الخصوص ينحل إلى محض جدل مما لا تجوز
إثارته أمام محكمة النقض، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
-------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق-
تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن الثاني والشركة المطعون ضدها ثانيا
الدعوى رقم ... لسنة 2011 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بثبوت
العلاقة الإيجارية فيما بينه وبين الأخيرة عن مخزن التداعي في مواجهة الطاعن
الثاني (مالك نصف العقار الكائن به العين)، وقال شرحا لدعواه إنه بموجب عقد مؤرخ
26/1/2006 استأجر من الشركة مخزن النزاع، وإذ فقد منه العقد وامتنعت الشركة عن
استلام الأجرة فأقام الدعوى. تدخلت الطاعنة الأولى (مالكة بالشراء لنصف العقار) في
الدعوى هجوميا بطلب الحكم بإخلاء المطعون ضدهما من العين لقيام الشركة المطعون
ضدها ثانيا بتأجيرها من الباطن للمطعون ضده الأول بالمخالفة لشروط عقد الإيجار
المؤرخ 20/11/1952 المبرم فيما بين الشركة (طرف مستأجر) وبين ملاك العقار
السابقين. حكمت المحكمة في موضوع الدعوى الأصلية والتدخل بالرفض. استأنف الطاعنان
هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 129ق القاهرة، قضت المحكمة بتأييد الحكم
المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة 84ق. نقضت
المحكمة الحكم وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف، وبتاريخ 12/9/2018 قضت المحكمة
بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم- للمرة الثانية- بطريق النقض،
وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن حال نظره أمام المحكمة قبل
انتهاء دور التشريع العادي السنوي لمجلس النواب لعام 2018، 2019 وبنقض الحكم حال
نظر الطعن بعد ذلك التاريخ، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت
جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
-----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعنان بالسبب الثاني منهما على
الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان
إنهما تمسكا أمام محكمة الاستئناف بمذكرة الدفاع المقدمة بجلسة 12/6/2018 بصدور
حكم المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 11 لسنة 23ق دستورية بعدم دستورية صدر الفقرة
الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 وبوجوب تطبيقه على عين النزاع،
إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع ولم يعرض لما تضمنه بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن من المقرر- في قضاء هذه المحكمة-
أن سبب الدعوى هو الواقعة أو الوقائع التي يستمد منها المدعي الحق في الطلب، وهو
لا يتغير بتغير الأدلة الواقعية أو الحجج القانونية التي يستند إليها الخصوم، ولا
تملك المحكمة تغيير سبب الدعوى من تلقاء نفسها، بل يجب عليها قصر بحثها على السبب
الذي أقيمت به الدعوى، فذلك أمر نابع من طبيعة وظيفة القضاء ذاتها بوصفها احتكاما
بين متخاصمين على حق يتنازعانه، وهو ما يقتضي أن يقف القاضي موقفا محايدا وأن
يساوي بين الخصوم، فإذا خرجت المحكمة عن نطاق الخصومة التي طرحها عليها أطرافها
ورد حكمها على غير محل ووقع باطلا بطلانا أساسيا مخالفا للنظام العام مخالفة تعلو
سائر ما عداها من صور الخطأ في الحكم، إذ لا قضاء إلا في خصومة ولا خصومة بغير
دعوى يقيمها مدعيها محددا سببها، ولا يغير من ذلك ما صرحت به المادة 253 من قانون
المرافعات من أنه يجوز لمحكمة النقض أن تثير من تلقاء نفسها أسباب الطعن المتعلقة
بالنظام العام، فالمقصود بالأسباب في هذا النص هو الحجج القانونية التي تصلح مبررا
لصدور الحكم على نحو معين أو الطعن عليه، هذا التصدي للأسباب المتعلقة بالنظام
العام أمر نابع من واجب المحاكم بأن تطبق القانون على وجهه الصحيح دون توقف على طلب
الخصوم، ولكن يبقى عليها وهي تثير تلك الأسباب أن تظل مقيدة بألا تعول على مسألة
واقعية لم تطرح على محكمة الموضوع طرحا صحيحا ولم يسبق لأطراف التداعي التناضل
بشأنها إعمالا لمبدأ المواجهة بين الخصوم وحق الطرف الآخر في الدفاع، ذلك أن تغيير
سبب الدعوى هو في حقيقته بمثابة رفع دعوى جديدة من غير المدعي وإن اتحدت الطلبات،
وهو حق لصاحبها يرد عليه القبول والتنازل، بينما إثارة أسباب الطعن أو الدفوع
المتعلقة بالنظام العام لا تعدو أن تكون إعمالا لحكم قانوني يتعين على المحاكم
تطبيقه ولا يرد عليه قبول أو تنازل من شأنه أن يمنع صدور الحكم على نحو يخالفه.
لما كان ما تقدم، وكان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية في القضية رقم 11 لسنة
23 ق دستورية والصادر بجلسة 5/5/2018 والمنشور بالجريدة الرسمية بعدم دستورية صدر
الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فيما تضمنه من إطلاق
عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في
العقد، ..." لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها
في غير غرض السكنى مقتضاه انحسار الامتداد القانوني عن عقود الإيجار الخاضعة
للقانون المذكور متى كان مستأجر العين لغير غرض السكنى شخصا اعتباريا خروجا عن
القيد المقرر بتلك المادة، وكانت المحكمة الدستورية- لاعتبارات ارتأتها- قد قضت
بسريان أثر حكمها اعتبارا من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي
السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر الحكم والذي بدأ بدعوة من السيد رئيس الجمهورية
للمجلس للانعقاد من يوم 2/10/2018 وانتهى بنهاية مدة دور الانعقاد، وكان من
المقرر- وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- أن الحكم بعدم دستورية نص يمنع من تطبيق
هذا النص اعتبارا من اليوم التالي لنشره ما دام قد أدرك الدعوى أثناء نظر الطعن
أمام محكمة النقض، وهو أمر متعلق بالنظام العام تعمله المحكمة من تلقاء نفسها، إلا
أن تطبيق الحكم الصادر في القضية رقم 11 لسنة 23 ق دستورية المشار إليه مشروط بأن
تكون الدعوى قد أقيمت ابتداء بطلب إنهاء عقد الإيجار لانتهاء مدته، والقول بغير
ذلك من شأنه أن يؤدي بالمحكمة إلى أن تغير سبب الدعوى من تلقاء نفسها دون أن تلتزم
بقاعدة وجوب اقتصار بحثها على السبب الذي أقيمت به فتتخذ دورا لا ينبغي لها، وتحل
نفسها محل المدعي بالحق، مما يخرجها عن موقف الحياد بين الخصوم، وهو ما يتعين
عليها النأي عنه ولا يمكن المناداة به. لما كان ذلك، وكانت وقائع المنازعة
المطروحة تخلص في أن الطاعنة الأولى تدخلت هجوميا في الدعوى الأصلية بطلب إخلاء
المطعون ضدهما تأسيسا على قيام الشركة المطعون ضدها ثانيا (المستأجرة لعين النزاع)
بتأجير العين من الباطن للمطعون ضده الأول، وعليه فإن سبب الدعوى قد تحدد من قبلها
في التأجير من الباطن سندا لطلب الإخلاء، ومن ثم فلا مجال لإعمال حكم الدستورية
آنف البيان وإلا عد ذلك تغييرا من جانب المحكمة لسبب الدعوى، وهو ما تربأ بنفسها
عنه، ويغدو ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول من سببي
الطعن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت
بالأوراق، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى على ما استخلصه من
أن العلاقة بين المتعاقدين علاقة إدارة واستغلال للعين وليست تأجيرا من الباطن رغم
ثبوته فيما أبداه المطعون ضده الأول بصحيفة الدعوى وما قدمه من إيصالات تفيد سداده
أجرة المخزن إلى الشركة المطعون ضدها ثانيا، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن من المقرر- في قضاء هذه
المحكمة- أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وبحث
الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن إليه منها واطراح
ما عداه، ولها تفسير العقود وسائر المحررات والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى
بمقصود عاقديها دون أن تكون ملزمة من بعد بالرد استقلالا على كل ما يقدمه الخصوم،
وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة لها
أصلها الثابت في الأوراق بما يكفي لحمله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد
أقام قضاءه برفض موضوع التدخل على ما خلص إليه من واقع الدعوى وأوراقها ومن بنود
عقد الإدارة والاستغلال المحرر فيما بين المطعون ضدهما من أن الشركة المطعون ضدها
ثانيا قد مكنت المطعون ضده الأول من العين بناء على الاتفاق المبرم بينهما على
تواجده وبضائعه ومعروضاته بالمكاتب موضوع التعاقد من خلال الشركة وتحت إشرافها
منتهيا إلى عدم اتجاه إرادتها إلى التخلي عن الإجارة أو الاستغناء عن حقها في
الانتفاع بالمخزن، ومن ثم انتفاء واقعة التأجير من الباطن، وكان ما خلص إليه سائغا
وله أصله الثابت بالأوراق، فإن النعي عليه في هذا الخصوص ينحل إلى محض جدل مما لا
تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.