جلسة 2 من ديسمبر سنة 2020
برئاسة السيد القاضي/ محمد أبو الليل "نائب رئيس المحكمة"،
وعضوية السادة القضاة/ أمين محمد طموم، محمد إبراهيم الشباسي، سامح سمير عامر
والحسين صلاح "نواب رئيس المحكمة".
--------------
(125)
الطعن 1586 لسنة 89 ق
(1) إثبات "طرق الإثبات: الكتابة:
المحررات بلغة أجنبية".
اللغة العربية. هي لغة الدولة الرسمية. وجوب الالتزام بها دون غيرها.
م 2 من الدستور. إجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام وجوب صدورها باللغة
العربية. م 19 من قانون السلطة القضائية. المحررات المدونة بلغة أجنبية. شرط
قبولها. أن تكون مصحوبة بترجمة عربية لها. مخالفة ذلك. أثره. البطلان المطلق. تعلق
ذلك بالنظام العام. مؤداه. للخصوم التمسك بها وللمحكمة التصدي لها.
(2) تحكيم "ماهيته".
التحكيم. ماهيته. طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج عن طرق
التقاضي العادية. عدم تعلقه بالنظام العام. وجوب التمسك به قبل التحدث في الموضوع:
جواز النزول عنه صراحا أو ضمنا.
(3 - 5) تحكيم "اتفاق التحكيم: التنازل
الضمني عن شرط التحكيم".
(3) النزول الضمني عن التمسك بشرط التحكيم.
مناطه. اتخاذ صاحب الحق موقفا ينبئ عن عدم رغبته في طرح النزاع على هيئات التحكيم.
تحققه بمناقشة موضوع الدعوى والأدلة المقدمة فيها.
(4) جحد الصور الضوئية
للمستندات المحررة بلغة أجنبية. عدم اعتباره نزولا عن شرط التحكيم. علة ذلك. لا
يمكن من خلالها العلم بالدعوى وأدلتها. المعول عليه ما تتضمنه أصول تلك المستندات
المجحودة. قبولها شرطه. ترجمتها للغة العربية.
(5) تكييف الطلبات التي يبديها الخصم قبل
التمسك بشرط التحكيم لبيان عما إذا كانت تعد تعرضا لموضوع الدعوي من شأنه إسقاط
الحق في التمسك بهذا الشرط. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(6) دفوع "الدفوع الشكلية: التكلم في
الموضوع المسقط للدفع".
التكلم في الموضوع المسقط للدفع الواجب إبداؤه قبل التكلم في الموضوع.
مناطه. وجوب التمسك به قبل التكلم في موضوع النزاع وإبداعه بأي طلب.
(7 ، 8) تحكيم "اتفاق التحكيم: التنازل
الضمني عن شرط التحكيم".
(7) طلب التأجيل لتقديم أصل بوليصة الشحن
المترجمة للغة العربية. عدم اعتباره مواجهة لموضوعها. علة ذلك. المعول عليه الأصل
المحرر باللغة العربية وعدم إمكان العلم بالدعوي وموضوعها وما قدم فيها من مستندات
وأدلة.
(8) قضاء الحكم المطعون
فيه بتأييد الحكم المستأنف بعدم قبول الدعوى استنادا لوجود شرط التحكيم. صحيح. لا
يعيبه عدم الرد على دفاع لا يستند إلى أساس صحيح. انطواء أسبابه على تقريرات
قانونية خاطئة. لا أثر له. لمحكمة النقض أن تصحح الخطأ دون أن تنقضه.
----------------
1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن النص في المادة الثانية من
الدستور الحالي على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية
..."، وفي المادة 184 من الدستور "السلطة القضائية مستقلة ..."
والمادة 19 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أن "لغة المحاكم
هي اللغة العربية وعلى المحكمة أن تسمع أقوال الخصوم أو الشهود الذين يجهلونها
بواسطة مترجم بعد حلف اليمين"، يدل على أن المشرع عد اللغة العربية من السمات
الجوهرية والمقومات الأساسية التي ينهض عليها نظام الدولة، وحرص على تقنين هذا
الحكم في مجال القضاء بإيجاد نص صريح المعنى قاطع الدلالة على المراد منه في أن
اللغة العربية هي المعتبرة أمام المحاكم يلتزم بها القاضي والمتقاضي، سواء فيما
تعلق منها بإجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام وقد عالج النص الدستوري
الحالة التي يتحدث فيها الخصوم أو الشهود بلغة أجنبية، فأوجب ترجمة أقوالهم للغة
العربية، وهو ما يسرى بطبيعة الحال على المحررات المدونة بلغة أجنبية التي يتساند
إليها الخصوم ويتمسكون بدلالتها في أوراق الدعوى والتي يتعين لقبولها (رسمية كانت
أو عرفية) أن تكون مصحوبة بترجمة عربية للعلة التي أرادها الشارع من ضرورة
الالتزام باستخدام اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة وإحدى الركائز
لإعمال سيادتها وبسط نفوذها وسلطانها على أراضيها مما يحتم على الجميع عدم التفريط
فيها أو الانتقاص من شأنها على أية صورة، وكانت القاعدة التي قننتها المادة 19 من
قانون السلطة القضائية بهذه المثابة تعد من أصول نظام القضاء المتعلقة بالنظام
العام، ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق، يجوز للخصوم التمسك به، وللمحكمة
إثارته من تلقاء نفسها في أيه حالة كانت عليها الدعوى.
2 - المقرر في قضاء محكمة النقض أن التحكيم
طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وهو لا يتعلق
بالنظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تقضي به فيه من تلقاء نفسها ويتعين التمسك به
من قبل ذوي الشأن قبل التحدث في الموضوع ويجوز النزول عنه صراحة أو ضمنا.
3 - يتحقق النزول الضمني - عن التمسك بشرط
التحكيم - إذا ما أتخذ صاحب الحق في إبداء الدفع موقفا ينبئ بجلاء عن عدم رغبته في
طرح النزاع على هيئات التحكيم لسبب يراه محققا لصالحه في عرض النزاع على المحاكم
العادية بأن يبادر إلى مناقشة موضوع الدعوى والأدلة المقدمة فيها.
4 - لا يعد تنازلا (عن شرط التحكيم) قيام
الخصم بجحد الصور الضوئية للمستندات المقدمة المحررة بلغة أجنبية، إذ لا يمكن من
خلالها العلم بالدعوي وأدلتها باعتبار أن جحد المستندات يسقط أثرها في الاحتجاج
بها بمجرد جحدها وأن المعول عليه في هذا الخصوص هو ما تتضمنه أصول تلك المستندات
المجحودة، كل ذلك شريطة أن تكون محررة بلغة عربية أو مترجمة إليها إن كان المحرر
أو المستند مكتوب بلغة أجنبية لاكتمال مقومات قبولها شكلا.
5 - إذ كان قاضى الموضوع يخضع لرقابة محكمة
النقض في تكييفه للطلبات التي يبديها الخصم قبل التمسك بشرط التحكيم للوقوف عما
إذا كانت تعد تعرضا لموضوع الدعوى ومن شأنه أن يسقط الحق في التمسك بهذا الشرط.
6 - المقرر في قضاء محكمة النقض أن التكلم في
الموضوع المسقط للدفع الواجب إبداؤه قبل التكلم في الموضوع إنما يكون بإبداء أي
طلب أو دفاع في الدعوى يمس موضوعها أو مسألة فرعية فيها ينطوي على التسليم بصحتها
سواء أبدى كتابة أو شفاهه.
7 - طلب التأجيل لتقديم أصل بوليصة الشحن
ولترجمتها إلى اللغة العربية لا يدل بذاته على مواجهة موضوع الدعوى - لا سيما -
وأن المستند المعول عليه في هذا الخصوص هو المحرر باللغة العربية، فضلا عما تتضمنه
أصول تلك المستندات والتي لا يمكن - بغير ما سلف بيانه - العلم بالدعوى وموضوعها
وما قدم فيها من مستندات وأدلتها على وجه العموم.
8 - إذ كان الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه
بالحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم تأسيسا على ما
ثبت من بوليصة الشحن بعد تقديم أصلها وترجمتها إلى اللغة العربية من وجود شرط
التحكيم، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه لنتيجة صحيحة بعدم قبول الدعوى، ومن ثم فلا
يعيبه عدم رده على دفاع الشركة الطاعنة باعتبار أنه دفاع لا يستند إلى أساس قانوني
صحيح ولا يعيبه ما اشتملت عليه أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة إذ لمحكمة النقض
أن تصححها دون نقض الحكم.
---------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت على المطعون ضده بصفته الدعوى رقم ... لسنة 2017
تجاري بحري السويس الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ 170608 جنيها
والفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ رفع الدعوى وحتى تمام السداد، على سند من
القول إن شركة ... قامت بشراء شحنة زيوت من شركة ... بدولة إندونيسيا ولما كانت
الشركة المصدرة قامت بشحنها على السفينة التي يمثلها المطعون ضده بصفته، وحال وصول
الشحنة لميناء الوصول "الأدبية" بمدينة السويس وجد بها عجز مما حدا
بالشركة الطاعنة لسداد المبلغ المطالب به كونها الشركة المؤمنة على الشحنة لتغطية
أيه أضرار أو فقد أو عجز يلحق بالشحنة حال شحنها بحرا، ولما كان المطعون ضده بصفته
هو المسئول عن سبب هذا العجز فكانت الدعوي. حكمت المحكمة بتاريخ 29/ 5/ 2018 بعدم
قبول الدعوى. استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 41 ق
الإسماعيلية "مأمورية السويس" وبجلسة 27/ 11/ 2018 قضت المحكمة برفضه
وتأييد الحكم المستأنف، طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت
النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة
مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث أقيم الطعن على سببين تنعى بهما الشركة الطاعنة على الحكم
المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال، وبيانا لهما تقول إنها
تمسكت أمام محكمة ثان درجة بسقوط حق المطعون ضده بصفته في التمسك بالدفع بعدم قبول
الدعوى لوجود شرط التحكيم تأسيسا على مثول وكيله أمام محكمة أول درجة بجلسة 10/
10/ 2017 وجحده للصور الضوئية للمستندات المقدمة منه وهو ما يعد خوضا منه في موضوع
الدعوى بما يسقط حقه في التمسك بشرط التحكيم، فضلا عن أن وكيله مثل بجلسة 14/ 11/
2017 ودفع بعدم اختصاص المحكمة محليا بنظر النزاع واختصاص محكمة شمال القاهرة الابتدائية
بما يعد قبولا منه لاختصاص القضاء العادي ونزولا عن إعمال شرط التحكيم وإذ جرى
الحكم المطعون فيه إلى تأييد الحكم الابتدائي دون أن يعرض لهذا الدفاع إيرادا وردا
فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك بأن النص في المادة الثانية من
الدستور الحالي على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها
الرسمية..."، وفي المادة 184 من الدستور "السلطة القضائية
مستقلة..."، والمادة 19 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أن
"لغة المحاكم هي اللغة العربية وعلى المحكمة أن تسمع أقوال الخصوم أو الشهود
الذين يجهلونها بواسطة مترجم بعد حلف اليمين"، يدل على أن المشرع عد اللغة
العربية من السمات الجوهرية والمقومات الأساسية التي ينهض عليها نظام الدولة، وحرص
على تقنين هذا الحكم في مجال القضاء بإيجاد نص صريح المعنى قاطع الدلالة على
المراد منه في أن اللغة العربية هي المعتبرة أمام المحاكم يلتزم بها القاضي
والمتقاضي، سواء فيما تعلق منها بإجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام وقد
عالج النص الدستوري الحالة التي يتحدث فيها الخصوم أو الشهود بلغة أجنبية، فأوجب
ترجمة أقوالهم للغة العربية، وهو ما يسرى بطبيعة الحال على المحررات المدونة بلغة
أجنبية التي يتساند إليها الخصوم ويتمسكون بدلالتها في أوراق الدعوى والتي يتعين
لقبولها (رسمية كانت أو عرفية) أن تكون مصحوبة بترجمة عربية للعلة التي أرادها
الشارع من ضرورة الالتزام باستخدام اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة
وإحدى الركائز لإعمال سيادتها وبسط نفوذها وسلطانها على أراضيها مما يحتم على
الجميع عدم التفريط فيها أو الانتقاص من شأنها على أية صورة، وكانت القاعدة التي
قننتها المادة 19 من قانون السلطة القضائية بهذه المثابة تعد من أصول نظام القضاء
المتعلقة بالنظام العام، ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق، يجوز للخصوم التمسك
به، وللمحكمة إثارته من تلقاء نفسها في أي حالة كانت عليها الدعوى. كما أنه من
المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التحكيم طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه
الخروج عن طرق التقاضي العادية وهو لا يتعلق بالنظام العام فلا يجوز للمحكمة أن
تقضى به فيه من تلقاء نفسها ويتعين التمسك به من قبل ذوي الشأن قبل التحدث في
الموضوع ويجوز النزول عنه صراحة أو ضمنا ويتحقق النزول الضمني إذا ما اتخذ صاحب
الحق في إبداء الدفع موقفا ينبئ بجلاء عن عدم رغبته في طرح النزاع على هيئات
التحكيم لسبب يراه محققا لصالحه في عرض النزاع على المحاكم العادية بأن يبادر إلى
مناقشة موضوع الدعوى والأدلة المقدمة فيها، ولا يعد في هذا المقام تنازلا قيام
الخصم بجحد الصور الضوئية للمستندات المقدمة المحررة بلغة أجنبية، إذ لا يمكن من
خلالها العلم بالدعوي وأدلتها باعتبار أن جحد المستندات يسقط أثرها في الاحتجاج
بها بمجرد جحدها وأن المعول عليه في هذا الخصوص هو ما تتضمنه أصول تلك المستندات
المجحودة، كل ذلك شريطة أن تكون محررة بلغة عربية أو مترجمة إليها إن كان المحرر
أو المستند مكتوب بلغة أجنبية لاكتمال مقومات قبولها شكلا، وكان قاضى الموضوع يخضع
لرقابة محكمة النقض في تكييفه للطلبات التي يبديها الخصم قبل التمسك بشرط التحكيم
للوقوف عما إذا كانت تعد تعرضا لموضوع الدعوى ومن شأنه أن يسقط الحق في التمسك
بهذا الشرط، ذلك أن التكلم في الموضوع المسقط للدفع الواجب إبداؤه قبل التكلم في
الموضوع إنما يكون بإبداء أي طلب أو دفاع في الدعوي يمس موضوعها أو مسألة فرعية فيها
ينطوي على التسليم بصحتها سواء أبدى كتابة أو شفاهة ومن ثم فإن طلب التأجيل سالف
البيان لتقديم أصل بوليصة الشحن ولترجمتها إلى اللغة العربية لا يدل بذاته على
مواجهة موضوع الدعوي - لاسيما - وأن المستند المعول عليه في هذا الخصوص هو المحرر
باللغة العربية، فضلا عما تتضمنه أصول تلك المستندات والتي لا يمكن - بغير ما سلف
بيانه - العلم بالدعوي وموضوعها وما قدم فيها من مستندات وأدلتها على وجه العموم.
لما كان ذلك، وكان الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد انتهى إلى
عدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم تأسيسا على ما ثبت من بوليصة الشحن بعد تقديم
أصلها وترجمتها إلى اللغة العربية من وجود شرط التحكيم، وإذ انتهى الحكم المطعون
فيه لنتيجة صحيحة بعدم قبول الدعوى، ومن ثم فلا يعيبه عدم رده على دفاع الشركة
الطاعنة باعتبار أنه دفاع لا يستند إلى أساس قانوني صحيح ولا يعيبه ما اشتملت عليه
أسبابه من تقريرات قانونية خاطئة إذ لمحكمة النقض أن تصححها دون نقض الحكم بما
يضحى النعي عليه بسببي الطعن على غير أساس مما يتعين معه رفض الطعن.