الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 فبراير 2022

حكم استلحاق ولد الاغتصاب


حكم استلحاق ولد الاغتصاب
د. محمد علي هارب جبران [(*)]



مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.

فلقد اعتنت الشريعة الإسلامية بالنسل أيما اعتناء وجعلته من ركائزها الأساسية، فكان أحد الضرورات التي لا بد منها لاستقامة الحياة واستمرارها وليس ذلك في شريعة الإسلام فحسب بل أن جميع الشرائع السماوية حرصت عليه وأوجبت حفظه وحرمت الزنا قال القرافي "ويجب حفظ الأنساب فيحرم الزنى في جميع الشرائع" ([1]) وما عناية الشرائع بالنسل وصيانته وتنظيمه إلا لان الله سبحانه وتعالى خلق البشر لعبادته وخلافته في الأرض بعمارتها وعبادته فيها بما أنزل إليهم من الشرع، وهذه المهمة العظيمة تتطلب استقرار الأنسان وتماسك المجتمع مع استمرار النسل البشري لاستمرار تحقق تلك الغاية قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، وقال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: 61) وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) (فاطر: 39)، وقال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1)، وبحكمة التناسل يتم الاستخلاف في الأرض وعبادة الله وفق شرعه الذي أنزل، ولا يمكن للإنسان المفكك اجتماعيا، المنبوذ نسبا، المحروم رعاية وحنانا وعطفا، أن يحقق المهمة العظيمة التي خلقه الله لأجلها إلا باستكمال تلك الأوصاف وهذه الأوصاف وغيرها تتحقق في حفظ النسل ولذا جعل الشارع حفظ النسل من الضرورات، فأودع الله دوافع التناسل في الحيوانات كلها باجتماع ذكورها بإناثها الذي يثمر التوالد ولولا ذلك لانقطع النسل الإنساني والحيواني في فترة قصيرة من عمر الأرض، ومع أن الله قادر على أن يوجد خلقا يخلف مثيله بلا سبب، لكن جلت قدرته تعالى ربط الأسباب بالمسببات وجعل السبب مبنيا على مسببه والنتائج مترتبة على مقدماتها والكل تابع لمشيئته تعالى وقدرته، وفرق سبحانه وتعالى بين الأنسان والحيوان في كيفية التزاوج والترابط والتوالد كما فرق بينهما في التكليف الشرعي فجعل التوالد بين الحيوانات مبنيا على دوافع الغرائز المودعة فيه، وميز الله الأنسان عن الحيوانات بالعقل ولذلك حمله بالتكليف الشرعي وكرمه بالاستخلاف في الأرض وأوجد له نظاما خاصا لتزاوجه يتناسب وتحقيق الغاية والهدف من وجوده يحقق به الاستقرار النفسي والاجتماعي يمتاز به ويتوافى مع تكريمه، ويؤدي به وإجاباته وتكاليفه الشرعية ويحقق به سنة الاستخلاف في الأرض، وخرق هذا النظام بالزنا مطاوعة أو إكراها (الاغتصاب) يتنافى مع مهمة الأنسان ويحدث إرباكا في أداء الأنسان لوظيفته الأساسية على المستوى الفردي فإذا تعدى الأمر المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي فإن ذلك سيحدث خللا كبيرا وشرخا واضحا وقصورا بينا في مهمة الفرد والمجتمع وربما يؤدي ذلك إلى الانقطاع عن المهمة والانحراف عن الأداء، ولذا كان التشريع واضحا بينا في تحريم الزنا بنوعيه -إكراها، ومطاوعة - صيانة للأعراض وحفظا للأنساب واستقرارا للأفراد والمجتمع وتحقيقا للأهداف والغايات التي أوجد الله البشرية لأجلها، وفي هذا مواضع عديدة سأقتصر في بحثي هذا على جانب منها يخدم جزئية متفرعة عن الزنا كرها (الاغتصاب) وهو حكم استلحاق ولد الاغتصاب، وذلك للوصول إلى حل قضايا شائكة نتيجة سلوك منحرف ابتليت بها المجتمعات المعاصرة المحافظة وغير المحافظة في البلاد الإسلامية وغيرها، ومما زاد من أهمية الموضوع في نظري السلوك المنحرف الهمجي الذي رافق أحداث ثورات الربيع العربي وما نقل وينقل عن هذه الظاهرة، أضف إلى ذلك ما يقدمه البحث للمشرع في ثورات الربيع العربي حول ظاهرة الاغتصاب والآراء العلمية -المثبتة بالأدلة الشرعية - التي يقدمها البحث بين يديه ليسترشد بها في صياغة دستوره اتجاه هذه القضية المهمة، هذه كلها وغيرها أسباب ترفع من قيمة البحث وتعزز أهميته، وقد اقتضت طبيعة الموضوع أن يكون في مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة على النحو الاتي:

مقدمة البحث: وقد سبقت.

تمهيد: عناية الشريعة بحفظ النسل، وفيه مطلبان.

المطلب الأول: التشريعات التي يحفظ بها النسل من جانب الوجود.

المطلب الثاني: التشريعات التي يحفظ بها النسل من جانب العدم.

المبحث الأول: تعريف الاغتصاب، وبيان حكمه، وفيه مطلبان.

المطلب الأول: تعريف الاغتصاب.

المطلب الثاني: حكم الاغتصاب.

المبحث الثاني: حكم استلحاق ولد الاغتصاب بأمه، وتعريف الفراش، وفيه مطلبان.

المطلب الأول: حكم الحاق ولد المغتصبة بأمه.

المطلب الثاني: تعريف الفراش: لغة واصطلاحا.

المبحث الثالث: حكم استلحاق ولد الاغتصاب بأبيه، وفيه مطلبان.

المطلب الأول: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، وفيه فرعان.

الفرع الأول: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، وأنكره صاحب الفراش، وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: إذا أنكره صاحب الفراش، وأقرت الزوجة بأن الولد ليس من صاحب الفراش.

المسألة الثانية: إذا أنكره صاحب الفراش، وأصرت الزوجة أن الولد من -زوجها- صاحب الفراش.

الفرع الثاني: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، ولم ينكره صاحب الفراش.

المطلب الثاني: حكم استلحاق ولد المغتصبة بأبيه إذا اغتصبت أمه ولم تكن فراشا لزوج.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.



تمهيد: في عناية الشريعة بحفظ النسل

تتجلى عناية الشريعة الإسلامية في حفظ النسل بتشريع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى استقامة النسل وانتشاره بصورة تحفظه من الاختلاط والضياع وتحرص على تكاثره مع سلامته واستقامته، وهذا ما يسميه علماء أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النسل من جانب الوجود، وكذلك تشريع كل ما يحفظ النسل من الزوال ويصونه من الانتقاص ويعكر صفو نقائه وسلامته وذلك بالنهي عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ذلك، وهذا ما يسميه علماء أصول الفقه ومقاصد الشريعة حفظ النسل من جانب العدم، وأذكر هنا بعض تلك التشريعات للإشارة لبيان عناية الشارع بحفظ النسل واهتمامه به لان بسط الموضع والتفصيل فيه ليس هو غرض هذا البحث وبيان ذلك سيكون في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: التشريعات التي يحفظ بها النسل من جانب الوجود

هي التشريعات التي من شأنها أن تؤدي إلى بقائه واستمراره ونمائه واستقامته وسلامته وتوسعه ومنها:

1. الترغيب في النسل والحث عليه في مواطن عديدة منها قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) (النساء: 3)،، وقوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)،، وقوله صلي الله عليه وسلم " النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم فعليه بالصيام. فإن الصوم له وجاء" ([2])، وقوله صلي الله عليه وسلم " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"([3])، وذكر الغزالي أن في الزواج خمس فوائد منها تحصيل الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن، الفائدة الأولى: الولد وهو الأصل وله وضع النكاح والمقصود إبقاء النسل ([4]).

وفي الزواج: تحقيق للضروري وهو بقاء التناسل للاستخلاف، وبه العصمة من الفاحشة قال صلي الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج..." ([5]) وبه يزداد المسلمون وقوتهم... الخ.

2. عقد الزواج والأشهاد عليه: لعقد الزواج مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية أرفع من أي عقد آخر من العقود الشرعية، قال ابن القيم: "إن عقد النكاح يشبه العبادات في نفسه بل هو مقدم على نفلها ولهذا يستحب عقده في المساجد وينهى عن البيع فيها ومن يشترط له لفظ بالعربية راعى فيه ذلك إلحاقا له بالأذكار المشروعة، ومثل هذا لا يجوز الهزل به فاذا تكلم به رتب الشارع عليه حكمه وإن لم يقصده بحكم ولاية الشارع على العبد فالمكلف قصد السبب والشارع قصد الحكم فصارا مقصودي نكلاهما" ([6]).

3. رعاية الذرية والأنفاق عليهم: قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233)، وقال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق: 6)،.

4. بيان المصالح العائدة على الآباء في الدنيا والأخرة، مثل حديث " إذا مات الأنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له" ([7])، إلى غير ذلك.

المطلب الثاني: التشريعات التي يحفظ بها النسل من جانب العدم

المقصود بحفظ النسل من العدم دفع كل ما يؤدي إلى انقطاع النسل أو فساده وضياعه، لان الشارع الحكيم إذا فتح بابا لجلب مصلحة فإنه لابد أن يحرص على بقائها ومن حرصه على بقائها واستمرارها أن يسد كل باب من الأبواب التي تفسدها.

ومما شرعه الشارع الحكيم لسد كل ما من شأنه أن يفسد النسل ويغير سبيل صلاحه أمور عدة منها:

1. تحريم الزنا تحريما مؤبدا مع وصفه بأنه أسوأ سبيل: قال الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الأسراء: 32)، والمقصود الأصلي من تحريم الزنا وإقامة الحد على ذلك: هو المحافظة على النسل الذي يعد من المصالح الضرورية التي لم تفرط فيها الشرائع السماوية جميعها، ولذا جاء التحريم بكلمة (وَلَا تَقْرَبُوا) وهي أبلغ في الدلالة على النهي والحرمة من كلمة (إن الزنا حرام) أو غيرها لان في النهي عن القرب نهيا عن كل ما من شأنه أن يؤدي إليه ويقرب منه، أما دلالة لفظ (الحرمة) فمدلولها على تحريم العين نفسها وليس على كل ما من شأنه أن يقرب إلى الفعل هذا حسب مدلول اللفظ، ومما زاد الدلالة قوة ووضوحا، التعليل بأن المنهي عنه كان فاحشة وساء سبيلا، فإذا كان الزنا قبل الإسلام فاحشة، فهو في الإسلام من أكبر الفواحش وأعظم الكبائر، وأكبر المنكرات، لأنه جريمة اعتداء على النسل البشري.

ولا خلاف بين العلماء في تحريم الزنا وأنه من الكبائر وحرمته ثابتة في الكتاب والسنة والأجماع، لان المزاحمة على الأبضاع تفضي إلى اختلاط الأنساب المفضي إلى انقطاع التعهد من الآباء المفضي إلى انقطاع النسل وارتفاع النوع الإنساني من الوجود ([8]).

وإذا كانت جريمة الزنا بهذه الدرجة من الخطورة على النوع الإنساني فلا بد من وضع تشريع يكفل حماية مصلحة هذا النوع من الضياع أو الانقراض، ولذا جعل الله لهذه الجريمة عقوبتين: عقوبة في الدنيا قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) (النور: 2)، (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الفرقان: 69).

2. تحريم اللواط: واللواط جريمة عظيمة على النسل البشري ولعله أشنع وأقبح من الزنا" لان اللواط في الحقيقة انحراف عن الفطرة الإنسانية وشذوذ عن المألوف وهو إهدار لماء الرجل إضافة إلى كثير من الأمراض التناسلية التي تحصل لكلا اللوطيين وهي أمراض قد تكون قاتلة في نهاية المطاف، ولذا جعل جريمة اللواط من الجرائم المنكرة التي لا تليق بالإنسان المكرم المفضل، وفيه جناية عظيمة على النسل البشري، وفي صورته أقبح من الزنا، وذكر ابن تيمية وغيره أن الصحيح في حكمه أن يقتل الفاعل والمفعول به ([9]) وقال هذا ما اتفق عليه الصحابة لما روي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به"([10]).

3. تحريم القذف، لان القذف جريمة منكرة تؤدي إلى قطع الأنساب وضياع النسل وإثارة الفتنة وتفكيك أواصر القوة والتلاحم في المجتمع، ولذا اعتبرها الشارع جريمة منكرة وجعل عليها عقوبة في الدنيا وفي الأخرة قال الله تعالي: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور: 4-5)،.

4. إقامة الحدود (حدي الزنا والقذف)، لمن لم ينزجر بالنهي عنهما ووقع في المحذور.

5. تحريم قتل الأولاد وإجهاض الحوامل: قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ أن قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الأسراء: 31)، ويدخل في النهي عن قتل الأولاد، (العزل) عند بعض العلماء ويسميه البعض الوأد كما في الحديث " ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي" ([11]).

6. وغيرها مثل: النهي عن نفي النسب لما في ذلك من ضياع للمجتمع والشعور بالحقد والكراهية... تحريم اختلاط الرجال بالنساء... تحريم الخلوة... وجوب غض البصر... تحريم إبداء الزينة... النهي عن الطلاق... النهي عن التبتل... الأمر بالصوم للشاب الذي لا يستطيع الزواج... إلخ.

المبحث الأول: تعريف الاغتصاب، وبيان حكمه

وفيه مطلبان.

المطلب الأول: تعريف الاغتصاب

المطلب الثاني: حكم الاغتصاب.

المطلب الأول: تعريف الاغتصاب

تعريف الاغتصاب في اللغة

اغتصاب: على وزن افتعال من الفعل غصب. والغصب: أخذ الشيء ظلما، يقال غصبه يغصبه أي أخذه ظلما. وغصب فلانا على الشيء: قهره.

وغصب الجلد: أزال عنه شعره ووبره نتفا وقشرا بلا عطن في دباغ ولا إعمال في ندى([12]).

وفي لسان العرب: "وتكرر في الحديث ذكر الغصب، وهو أخذ مال الغير ظلما وعدوانا، وفي الحديث انه غصبها نفسها: أراد آنه واقعها كرها، فاستعاره للجماع" ([13]).

إذا فالاغتصاب في اللغة هو: الأخذ قهرا وظلما سواء أكان في المال أو العرض، وفي السابق شاع الاغتصاب وانتشر في المال.

تعريف الاغتصاب في الاصطلاح

شاع استعمال الاغتصاب في زماننا الحاضر في مواقعة الرجل المرأة كرها حتى صار غالبا في العرف، وصار الإكراه على الجماع، يسمى اغتصابا ([14])، عدا جماع الرجل امرأته ولو بالكره، فإنه لا يعد اغتصابا ولا ظلما، لأنه حق للرجل ولا يجوز للمرأة الامتناع عنه إلا لموجب شرعي " وعلى هذا فقد خص الاغتصاب بالإكراه على الوقاع المحرم.

ولذا عرفه صاحب ([15]) البهجة في شرح التحفة بما يدل على ذلك فقال هو: وطء حرة أو أمة جبرا على غير وجه شرعي ([16]).

وهذا التعريف يتوافق مع العرف السائد والشائع حول مدلول (الاغتصاب) في الوقت الراهن، ولا يستوعب المدلول اللغوي الواسع السابق ذكره، ويتوافى مع مقصود البحث من دلالة لفظ (الاغتصاب).

المطلب الثاني: حكم الاغتصاب

الاغتصاب كما سبق وطء حرة أو أمة جبرا على غير وجه شرعي، أي أنه إكراه على الزنا. والزنا حرام وهو من الكبائر والمحرمات الظاهرة المعلومة بالضرورة، ويدل على ذلك عدة أمور:

أولا: أن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس وبين أن في كل واحدة منها إثم ومضاعفة العذاب قال تعالي: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان: 68-70)،.

ثانيا: أن الله تعالى نهي عن قربانه ووصفه بأنه فاحشة ومقتا وأسوأ سبيل قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الأسراء: 32).

ثالثا: أنه تعالى أوجب المائة فيه بكمالها بخلاف حد القذف وشرب الخمر، وشرع فيه الرجم، ونهى المؤمنين عن الرأفة بهم وأمر بشهود الطائفة للتشهير، وأوجب كون تلك الطائفة من المؤمنين، لان الفاسق من صلحاء قومه أخجل ([17]) قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ أن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور: 2).

رابعا: ما روى حذيفة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: " يا معشر الناس اتقوا الزنى فإن فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الأخرة، فأما اللاتي في الدنيا فيذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر، وأما اللاتي في الأخرة فيوجب السخطة وسوء الحساب والخلود في النار"([18]).

قال المناوي: "والزنا يجمع خلال الشر بأسرها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة والحياء والأنفة وعدم المراقبة وسواد الوجه وظلمته والكأبة والمقت وظلمة القلب وطمس النور والفقر اللازم وقلة الهيبة وفقد العفة
وعكر الوحشة على الوجه إلى غيره ذلك مما هو كالمحسوس... -وحكى عن جده قائلا- أن العارفين يشاهدون جناية الزاني على وجهه ويشمون من بدنه نتنا وأنه إذا اغتسل أبصروا أثر الزنا على وجه الماء عيانا " ([19]).

خامسا: إجماع الأمة على حرمة الزنا ([20])، وأن المؤمنات والكافرات في تحريم الزنا بهن سواء([21])، بل هو مجمع على تحريمه في جميع الشرائع ([22]).

هذا بعض ما ورد في تحريم الزنا والتشدد فيه، ويزيد الاغتصاب آنه إكراه على ممارسة الزنا فهو أشد حرمة من مجرد الزنا.

أما المكرهة: فمن المتفق عليه أنه لا حد على مكرهة على زنا ([23]) لقوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام: 119)، ولقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 173).

ولما روي عن بن عباس رضي الله عنمها عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ([24]).

وعن وائل بن حجر قال: " استكرهت امرأة على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فدرأ عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم الحد وأقامه على الذي أصابها" ([25]).

وحكى نفي الخلاف في عدم الحد على المكرهة، أبو حامد الغزالي ([26])، وابن عبد البر([27])، وابن قدامة المقدسي ([28])، وابن مفلح ([29])، وغيرهم ([30]) قال في الاستذكار: (ولا نعلم خلافا بين العلماء أن المستكرهة لا حد عليها اذا صح استكراهها) ([31]) وقال في المغني: (ولا حد على مكرهة في قول عامة أهل العلم، روي ذلك عن عمر، والزهري، وقتادة، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا) ([32]).

واختلف أهل العلم في المكره على الزنا: إذا أكره الرجل على الزنا فهل يتم الإكراه وهل عليه حد؟.

ذهب: الجمهور إلى وقوع الإكراه ولا حد عليه ([33]) وهو مذهب الشافعية ([34])، وقال به الشافعي ([35])، وإحدى الروايات عن أبي حنيفة ([36])، وذكر في منح الجليل أنه قول الأمام مالك [قال]، وهو الصحيح إذا صح الإكراه ([37])، وهو إحدى الروايات عن أحمد ([38])، واستدلوا بعموم النصوص الواردة في رفع الحرج عن المكره السابقة الذكر وغيرها، وأنه لا فرق بين الرجل، والمرأة فإذا لم يجب عليها الحد لم يجب عليه (إن أكره) أيضا، ولان الانتشار قد يكون لفحولة الشخص ([39]) أكثر مما يكون دليلا على الطواعية.

قال بن العربي: الصحيح أنه يجوز الأقدام على الزنى ولا حد عليه خلافا لمن ألزمه ذلك" لأنه رأى أنها شهوة خلقية لا يتصور الإكراه عليها، وغفل عن السبب في باعث الشهوة وهو الالجاء إلى ذلك وهو الذي أسقط حكمه، وإنما
يجب الحد على شهوة بعث عليها سبب اختياري ([40]).

وذهب بعض المالكية ([41])، وبعض أصحاب الشافعي ([42])، وأحمد في إحدى الروايات عنه، قال المرداوي في الأنصاف: وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب ([43]) إلى أنه يحد، وهو قول أبي حنيفة الأول([44]) ثم رجع وقال: لا حد عليه أن أكرهه السلطان، وحجتهم أن المرأة تكره لان وظيفتها التمكين أما الرجل فلا يكره ما دام ينتشر، لان الانتشار دليل الطواعية، ومقتضى هذا الرأي أنه إذا لم يكن انتشار وثبت الإكراه فلا حد ([45]).

والراجح: أنه لا حد على الرجل إذا أكره، لان الإكراه يتساوى أمامه الرجل والمرأة " ولان الانتشار قد يكون طبعا وهو دليل على الفحولية؛ ولان القول بأن التخويف ينافي الانتشار غير صحيح، لان المكره يخوف عند ترك الفعل لا عند إتيانه، والفعل في ذاته لا يخاف منه، وفضلا عن ذلك فإن الإكراه شبهة والحدود تدرأ عندهم بالشبهات ([46]).


المبحث الثاني: حكم استلحاق ولد الاغتصاب بأمه وتعريف الفراش

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حكم الحاق ولد المغتصبة بأمه.

المطلب الثاني: تعريف الفراش: لغة واصطلاحا.

المطلب الأول: حكم الحاق ولد المغتصبة بأمه

أجمع العلماء ([47]) أن ولد الزنا والملاعنة ينسب إلى أمه إذا ثبت ولادته منها، قال الزيلعي: "والولد يتبع الأم... لإجماع الأمة عليه" ولان ماءه يكون مستهلكا بمائها فيرجح جانبها، ولأنه متيقن به من جهتها، ولهذا يثبت نسب ولد الزنا، وولد الملاعنة منها حتى ترثه ويرثها، ولأنه قبل الانفصال هو كعضو من أعضائها حسا وحكما حتى يتغذى بغذائها وينتقل بانتقالها ويدخل في البيع والعتق، وغيرهما من التصرفات تبعا لها فكان جانبها أرجح" ([48]).

وقال ابن حزم في المحلى " والولد يلحق بالمرأة إذا زنت وحملت به ولا يلحق بالرجل ويرث أمه وترثه " لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان، ونفاه عن الرجل، والمرأة في استلحاق الولد بنفسها كالرجل بل هي أقوى سببا في ذلك لما ذكرنا من أنه يلحق بها من حلال كان أو من حرام، ولأنه لا شك منها إذا صح أنها حملته وبالله تعالى التوفيق" ([49]).

ومثل ذلك ولد المغتصبة التي لاعنها زوجها عند من يجوز لعانها –كما سيأتي بيانه- وكذلك المغتصبة التي لم تكن تحت زوج، لان الولد إذا انتفى عن أبيه بأي صورة من الصور، فإنه لا ينتفي من أمه بأي حال، قال الشافعي: "والولد بكل حال ولدها لا ينفى عنها" ([50]).

ويقول ابن عبد البر: فمعلوم أن الأم لا ينتفي عنها ولدها أبدا وأنه لاحق بها على كل حال لولادتها له ([51])، والأدلة على ذلك عديدة منها:

1. ما روي في صحيح البخاري بالسلسة الذهبية عن مالك عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما " أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلي الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق النبي صلي الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة" ([52]).

قال ابن بطال: أما قول ابن عمر: وألحق الولد بالمرأة، فمعلوم أن الأم لا ينتفي عنها ولدها" لأنها ولدته ومعناه أنه لما انتفى عن أبيه بلعانها ألحقه بأمه خاصة ([53]).

2. ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال من ادعى ولدا من أمة لا يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث، وهو ولد زنا لأهل أمه من كانوا ([54]).

3. أيضا ما ذكر من كون مائه يكون مستهلكا بمائها فيرجح جانبها، وكونه متيقنا به من جهتها، كونه قبل الانفصال هو كعضو من أعضائها حسا، وحكما حتى يتغذى بغذائها، وينتقل بانتقالها، ويدخل في البيع والعتق، وغيرهما.

وعليه فإن ولد المغتصبة التي لا زوج لها، وكذلك الذي نفاه زوجها بالملاعنة، فإنه يلحق بأمه ولا ينفك عنها بحال، ولا يوجد من ينفيه عنها، بل لا يوجد أحد ينفي ولد الزنا عن أمه وقد حملت به وهي تعلم أنها ترتكب جريمة كبيرة، وتطاردها العقوبة الشرعية، ولعنة الله بلا خلاف، فلحوق ولد المغتصبة بأمه من باب أولى، وهي التي أجمع العلماء على نزاهتها وطهارتها وأن الله رفع عنها الإثم والعقوبة.

المطلب الثاني: تعريف الفراش: لغة واصطلاحا

مضمون البحث فيما يأتي: هو حكم المغتصبة وهي فراش لزوج، والمغتصبة التي ليست فراشا لزوج، وهذا يقتضي أن أبين المقصود بالفراش في اللغة والاصطلاح لتسهيل الفهم للقارئ.

الفراش في اللغة: من فرائض الشيء يفرشه، والفراش مصدر فرش يفرش، وافترش ذراعيه: بسطهما على الأرض ([55])، وفي الحديث عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير... وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" ([56]) وهو أن يبسط ذراعيه في السجود، ولا يقلهما ويرفعهما عن الأرض إذا سجد، كما يفترش الذئب والكلب ذراعيه ويبسطهما ([57]).

الفراش في الاصطلاح: ذكر له الكاساني تعريفين:

الأول: الفراش هو النكاح الصحيح، ثم قال، فكان دعوى نسب الولد إقرارا منه أنه من النكاح الصحيح فإذا صدقها يثبت النكاح ظاهرا ([58]).

الثاني: الفراش هو المرأة فإنها تسمى فراش الرجل، وإزاره، ولحافه، وفي التفسير في قوله عز شأنه (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) (الواقعة: 34)، أنها نساء أهل الجنة فسميت المرأة فراشا لما أنها تفرش وتبسط بالوطء عادة ([59]).

وقال الجرجاني الفراش هو كون المرأة متعينة للولادة لشخص واحد ([60]).

وذكر ابن حجر: أن ابن الأعرابي اللغوي نقل أن الفراش عند العرب يعبر به عن الزوج وعن المرأة والأكثر إطلاقه على المرأة ([61]). وقال المرداوي: الفراش هو الزوجة، لأنها التي يتخذ لها الفراش غالبا ([62]).

ويتضح من ذلك أن المقصود بالفراش ما يفترش ليكون سببا لراحة المفترش، وأطلق ذلك على الزوجة لكونها يتخذ لها الفراش المريح، أو لان الرجل يفترشها ([63]) بالوطء، وهي سكن وراحة للزوج يأوي إليها في أي لحظة يحتاجها فيها، ولا يتأتى ذلك إلا في الزوجة، أو الأمة التي هي ملك اليمين، وأطلق الفراش على الرجل لكون الشارع أعطاه الحق في ذلك.

المبحث الثالث: حكم استلحاق ولد الاغتصاب بأبيه

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، وفيه فرعان:

الفرع الأول: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فرائض لزوج، وأنكره صاحب الفراش، وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: إذا أنكره صاحب الفراش، ورفض نسبه إليه، وأقرت الزوجة بأن الولد ليس من صاحب الفراش، وإنما هو من المغتصب، ففيه ثلاثة مذاهب:

المسألة الثانية: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، وأنكره صاحب الفراش، وأصرت الزوجة أنه من -زوجها- صاحب الفراش.

الفرع الثاني: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، ولم ينكره صاحب الفراش.

المطلب الثاني: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه ولم تكن فراشا لزوج.

المطلب الأول: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج

وفيه فرعان:

الفرع الأول

حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، وأنكره صاحب الفراش وفيه مسألتان:

المسألة الأولى

إذا أنكر صاحب الفراش الولد، ورفض نسبه إليه، وأقرت الزوجة بأن الولد ليس من صاحب الفراش، وإنما هو من المغتصب، ففيه ثلاثة مذاهب:

الأول: وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه ([64])، ومالك في رواية عنه، وأصحابه ([65])، والشافعي ([66]) وأصحابه ([67])، أن الولد لا ينتفي بإقرارهما، وإنما ينتفي باللعان، قال في المدونة: " أرأيت لو أن رجلا قال لامرأته هذا الولد الذي ولدتيه ليس مني فقالت المرأة صدقت ليس هو منك... قال سحنون: وقد قال أكثر الرواة عن مالك أنه لا ينفيه إلا اللعان، ولا يخرجه من الفراش المعروف والعصبة والعشيرة إلا اللعان" ([68]).

قال الجصاص: باب تصادق الزوجين أن الولد ليس منه، قال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد والشافعي لا ينفى الولد منه إلا باللعان ([69]).

وذكر في المدونة ([70]) وفي التمهيد عن مالك أن اللعان يكون على الزوج وعلى زوجته المغتصبة أيضا، قال ابن عبد البر: وروى المدنيون عنه (أي عن مالك) أنه لا ينتفي الولد بإقرارهما بذلك حتى يتلاعنا جميعا، وتقول المرأة في يمينها لقد اغتصبت وغلبت على نفسي وما زنيت مطاوعة فإذا كمل تلاعنهما فرق بينهما، ولا حد عليهما، ويلحق الولد بها، ولا يجتمعان أبدا ([71]).

وأما الشافعي وأتباعه ([72]) ومن وافقه من المالكية كابن الحاجب والقرافي، والقيرواني، والخرشي، والنفراوي، والعدوي، وغيرهم ([73])، وصوبه ابن تيمية ([74])، فيرون أنه لا لعان على المغتصبة، وإنما ينتفي الولد بلعان الزوج صاحب الفراش.

قال في الأم: "ولو قذف امرأته بولد فصدقته لم يكن عليه حد ولا لعان لها ولا ينفى الولد وإن صدقته حتى يلتعن الزوج فينفى عنه بالتعانه، الولد للفراش والأصل أن ولد الزوجة للزوج بغير اعتراف" ([75]).

وقال النفراوي: "إذا غصبت فأنكر ولدها وثبت الغصب فلا لعان عليها واللعان عليه وحده لنفي الولد" ([76])، وقال القيرواني: "ولا تلتعن هي إذ تقول: أن لم يكن منك فمن الغاصب"([77]).

واستدلوا بعدة أدلة منها:

1. أنهما مقران أن الولد من الاغتصاب والغرض من اللعان هنا نفي الولد وليس عليها لعان، وإنما اللعان على الزوج لنفي الولد ([78]).

2. أن الولد للفراش، ولما كانت فراشا لم يجز أن ينفي الولد عن الفراش إلا بأن يزول الفراش([79]).

3. أن الزوج إذا أكذب نفسه لحق به الولد وجلد الحد" لأنه حق جحده ثم عاد إلى الإقرار به ([80]).

4. أن الأم لو قالت ليس هو منك إنما استعرته لم يكن قولها شيئا إذا عرف أنها ولدته على فراشه إلا بلعان، لان ذلك حق للولد دون الأم ([81]).

5. أنه لو قال هو ابني وقالت بل زنيت فهو من زنا كان ابنه ([82]).

6. أن حق الولد متعلق بالأب دون الأم ولا ينفيه عنه إلا اللعان، ولذا فإنه يلتعن الزوج دونها لإقرارها ([83]).

7. أن نفي النسب الباطل حق له فلا يسقط برضاها ([84]).

الثاني: وهو مذهب مالك في رواية أخرى عنه والليث ([85]) أن الولد ينتفي ولا لعان، قال في المدونة: (قال مالك والليث لا يلزمه الولد إذا تصادق الزوجان أن الصبي ليس ابنا له ولا ينسب إليه" ([86]) وقال بن عبد البر: إذا ذكر الرجل أن امرأته اغتصبت نفسها، وأقرت بذلك، وأنكر الزوج حملها انتفى عنه ولدها بغير لعان ([87]).

واستدلوا على ذلك:

1. باعترافها أنه ليس منه، لأنه لم تعلم له بها خلوة، ولم تدع ذلك ([88]).

2. ويعترض عليه: بأن الولد للفراش، ولما كانت فراشا لم يجزأن ينفي الولد عن الفراش ([89]) إلا أن يزول الفراش ([90])، أو أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم عقده فتحد ([91])، أو لم يثبت أنه ابنها أصلا، أو جاءت به قبل أن تكون فراشا.

الثالث: وهو مذهب الحنفية ([92]) والحنابلة ([93]) وهو أنه لا لعان بينهما، ولا انتفاء قال الجصاص: " وقال أصحابنا تصديقها إياه بأن ولدها من الزنا يبطل اللعان، فلا ينتفي النسب منه أبدا" ([94]).

وقال شمس الدين المقدسي: " فإن صدقته أو سكتت لحقه النسب، لان الولد للفراش وإنما ينتفي عنه باللعان، ولم يوجد اللعان لانتفاء شرطه " ([95]).

قال السمعاني " فثبت النسب لهذا الولد الذي نقطع أنه ليس من هذا البائس ويصير ربقة في عنقه ولا سبيل له إلى التخلص منه بحال، وكذلك في المواضع التي لا يرون فيها اللعان بحال، وفى الأشخاص الذين لا يرون إيجاب اللعان" ([96]).

واستدلوا بعدة أدلة منها:

1. تعذر اللعان لانتفاء شرطه، ولما فيه من التناقض حيث تشهد بالله أنه لمن الكاذبين وقد قالت إنه صادق، وإذا تعذر اللعان تعذر قطع النسب، لأنه حكمه ويكون ابنهما لا يصدقان على نفيه ([97]).

2. أن النسب قد ثبت والنسب الثابت بالنكاح لا ينقطع إلا باللعان ولم يوجد اللعان ولا اعتبار بتصادقهما على النفي ([98]).

3. أن النسب يثبت حقا للولد وفي تصادقهما على النفي إبطال حق الولد وهذا لا يجوز، والأم لا تملك إسقاط حق ولده ([99]).

4. أن اللعان شهادة ([100])، والشهادة لا تقام على معترف.

5. أن الإقرار بالزنا لا يوجب حد الزنى إلا بالإقرار أربع مرات في أربعة مجالس ([101]).

واعترض: بأن هذا يجوز نفي ولد العفيفة دون ولد الزانية وفيه من الشناعة ما يدل على وهاء أصوله ([102])، وحيث إنه لما جاز له أن ينفى ولد المكذبة الظاهرة العفة، فلأن ينفي ولد المصدقة الظاهرة الفجور أولى.

الراجح: يتضح من مذاهب الفرقاء وأدلتهم أن الراجح منها هو ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول وهو أن الولد لا ينتفي لإقرارهما، وإنما ينتفي باللعان وأن اللعان يقتصر على صاحب الفراش لنفي الولد دونها لقوة أدلتهم، وأن نفي النسب الباطل لا يحصل إلا باللعان، وإن توفرت البينة لا يحصل بها نفي فهو السبيل الوحيد لنفي الولد ولسلامة الأنساب من الاختلاط.

أضف إلى ذلك وهن أدلة المذهبين الأخرين وورود الاعتراض عليهما.

المسألة الثانية

حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، وأنكره صاحب الفراش، وأصرت الزوجة أنه من -زوجها- صاحب الفراش.

إذا اغتصبت المرأة وأقر زوجها بالاغتصاب وأنجبت ولدا من الاغتصاب مع إصرارها أن الولد من الزوج وليس من المغتصب مع اعترافها بالاغتصاب فلمن ينسب الولد في مثل هذه الحالة وهل ينتفي الولد عن الزوج باعترافه بأن زوجته اغتصبت أم لا؟.

اختلف العلماء في هذه المسألة إلى مذهبين:

ذهب جمهور العلماء ([103]) وهو مذهب المالكية ([104])، وإحدى الروايتين عن الشافعي([105])، وأحمد ([106])، وصححه الشيرازي ([107])، واختاره ابن تيمية وصححه ([108])، إلى أن تصديق الزوج على غصب زوجته ينفي عنه الولد باللعان صدقته أم كذبته، وإن نكل الزوج عن لعانها لم ينتف عنه الولد ويلحق به، مع الخلاف السابق الذكر فيمن يلتعن منهما فقد ذهب البعض إلى أن اللعان يلحق بهما وتقول هي في الخامسة غصبت والأكثر أنه لا لعان عليها إذا ثبت اغتصابها.

قال الخرشي: أن الزوج إذا قال لزوجته أنت زنيت غصبا أو قال لها وطئت بشبهة مع زيد وسكتي له لظنك أنه إياي ولم تصدقه زوجته على ذلك، وأنكرت الوطء جملة في الصورتين أو صدقته على أنها وطئت غصبا، أو وطئت بشبهة ولم يثبت الغصب بالبينة ولم يظهر للجيران فإنهما يتلاعنان، وتقول الزوجة في لعانها أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما زنيت ولا أطعت ولكن غلبت، وإني لمن الصادقين وتقول في خامستها غضب الله عليها أن كانت من الكاذبين ([109]). قال محمد ويفرق بينهما وإن نكلت رجمت ([110]).

وقال أبو القاسم القيرواني: فأما أن غصبت فاستمرت حاملا فنفى الولد لم ينتف (الولد) إلا بلعان، ولا تلتعن هي إذ تقول: أن لم يكن منك فمن الغاصب ([111]).

وحجتهم: أنه نسب يلحقه من غير رضاه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز باللعان كما لو كانا زانيين ([112]).

وذهب بعض المالكية ([113])، وهو اختيار الخرقي ([114])، وأحد قولي الشافعي ([115])، ورواية عن أحمد ([116])، وأورده الشيرازي ([117])، والغزالي ([118])، وابن تيمية ([119])، وابن القيم ([120])، إلى أن تصديق الزوج على غصب زوجته لا ينفي عنه الولد ([121]).

قال القرافي: قال صاحب النكت تصديق الزوج على الغصب لا ينفي الولد منه باللعان بخلاف تصديقه على الزنا عند ابن القاسم لانتفاء التهمة ([122]).

وقال الشيرازي: وإن قال زنى بك فلان وأنت مكرهة والولد منه ففيه قولان أحدهما لا يلاعن لنفيه لان أحدهما ليس بزان فلم يلاعن لنفى الولد كما لو وطئها رجل بشبهة وهي زانية، والثاني أن له أن يلاعن وهو الصحيح لأنه نسب يلحقه من غير رضاه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان كما لو كانا زانيين ([123]).

وقال ابن تيمية: وإذا قال لزوجته ليس ولدك هذا مني ولم نجعله قاذفا، أو قال معه ولم تزني، أو لا أقذفك، أو وطئت بشبهة، أو مقهورة لنوم، أو إغماء، أو جنون، أو إكراه ففيه روايتان منصوصتان: أحداها: لا لعان بحال ويلزمه الولد، وهي اختيار الخرقي، والأخرى: له أن يلاعن بنفي الولد فينتفى عنه بلعانه وحده، وهي أصح عندي ([124]).

وحجتهم: أن القذف مخصوص في كتاب الله تعالى بالرمي الذي يحتاج فيه إلى الشهادة وهو الزنا، لان اللعان انتقام منها، وإفضاح، والمستكرهة لا تستحق ذلك ([125]).

ولان أحدهما ليس بزان ([126])، ولا تهمة على المرأة، لان ما حصل بها ليس برغبتها وإنما مكرهة. ولان محمل قوله (بالغصب) الشهادة لا التعريض أفاده البناني ([127]).

الراجح: يتبين من عرض أقوال العلماء وأدلتهم على نفي اللعان مع لزوم الولد أنها تتعلق بتبرئة المرأة كونها مغتصبة وليست بزانية، وأن حكمها خارج عما ورد في القرآن، ولذا لا تستحق الإفضاح، ومحمل تصديق الزوج على الغصب الشهادة، وكل ذلك يتوافق مع أدلة رفع الإثم عن المكره، ولا خلاف في ذلك، ولحوق الولد بالزوج صاحب الفراش إذا تأكد كون الحمل من الغاصب ففي ذلك اختلاط الأنساب، وذلك يتنافى مع مقصود الشرع في الحفاظ على الأنساب من الاختلاط.

أما مستند القائلين بنفي الولد باللعان وهم أصحاب القول الأول فحجتهم قوية، كونه لا سبيل إلا اللعان لمن يريد أن ينفي من ثبت انه ليس منه بعد ثبوت الغصب ويتوافق ذلك مع مقصود الشرع في الحفاظ على الأنساب من الاختلاط، لذا صحح هذا القول الكثير من العلماء وذهبوا إليه، لأنه الوسيلة الوحيدة لصيانة الأنساب من الخلط، وهو ما يتبين رجحانه والله أعلم.

الفرع الثاني:

حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه وهي فراش لزوج، ولم ينكره صاحب الفراش.

إذا أتت المغتصبة بولد ممن اغتصبها ولم ينفه صاحب الفراش (الزوج) فهو ولد صاحب الفراش، وينسب إليه حتى وإن أقرت أنه من الغاصب قال في البهجة: (فإن لم ينفه وادعت هي أنه من الغصب فلا كلام لها) ([128]).

وهو ما يدل عليه حديث (الولد للفرائض) ([129]) عند العلماء قال الشافعي: ومعنى قوله الولد للفراش معنيان أحدهما وهو أعمهما وأولاهما أن الولد للفراش ما لم ينفه رب الفراش... والمعنى الثاني إذا تنازع الولد رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش وإن نفى الرجل الولد بلعان فهو منفي، وإذا حدث إقرار بعد اللعان فالولد لاحق به، لأنه المعنى الذي نفى به عنه بالتعانه، وكذلك إذا أقر بكذبه بالإلتعان كان الولد للفراش كما قال رسول الله ولو أقر به مرة لم يكن له نفيه بعد إقراره باللعان، لان إقراره بكل حق لآدمي مرة يلزمه ولا يخرجه منه شيء غيره ([130]).

ولهذا وضع البخاري([131])، ومسلم ([132])، وغيرهما ([133]) بابا باسم "الولد للفراش...".

وإلحاق الولد بالفراش مجمع عليه سواء من اغتصاب أو غيره ذكر الأجماع ابن عبد البر وغيره قال: وأجمعت الأمة على ذلك نقلا عن نبيها صلي الله عليه وسلم، وجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم كل ولد يولد على فراش لرجل لاحقا به على كل حال إلى أن ينفيه بلعان على حكم اللعان... (ثم قال)، وأجمعت الجماعة من العلماء أن الحرة فراش بالعقد عليها مع إمكان الوطء (وإمكان) الحمل فإذا كان عقد النكاح يمكن معه الوطء، والحمل فالولد لصاحب الفراش لا ينتفي عنه أبدا بدعوى (غيره) ولا بوجه من الوجوه إلا باللعان ([134]).

وقال السرخسي (لا خلاف بين العلماء رحمهم الله أن النسب يثبت بالفراش) ([135]). وقال ابن القيم (فأما ثبوت النسب بالفراش فأجمعت عليه الأمة) ([136]).

ومما يؤكد ذلك أن حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) السابق ذكره نص في محل تنازع العاهر وصاحب الفراش والكل يدعي أنه ابنه ويفصل الحديث في المسألة، ويلحق الولد بصاحب الفراش، ومن باب أولى إذا لم ينكر صاحب الفراش الولد، وليس ثمت مطالب به، ومنازع فيه فينسب بلا خلاف إلى صاحب الفراش.

المطلب الثاني: حكم استلحاق ولد المغتصبة إذا اغتصبت أمه ولم تكن فراشا لزوج

إذا اغتصبت المرأة ولم تكن تحت زوج بأن كانت بكرا وقت اغتصابها، أو مطلقة، أو أرملة، وولدت ولدا، وقد ادعاه مغتصبها واستلحقه، فهل يلحق الولد بأمه وينسب إليها باعتبار كونه متيقنا به من جهتها، لأنه قبل الانفصال كعضو من أعضائها حسا وحكما وكان يتغذى بغذائها وينتقل بانتقالها ويدخل في البيع والعتق معها، ولإجماع العلماء أن الولد لا ينتفي عن أمه بأي حال إذا ثبتت ولادته منها أم أنه ينسب إلى أبيه الغاصب ([137]) لامه.

وهذه المسألة شبيهة بولد الزنا الذي لم تكن أمه فراشا لزوج مع فارق إثم المرأة ولحوق العقوبة بها في الزنا دون الغصب وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلى مذهبين، وأكد في المغني وجود الخلاف في هذه المسألة قال "وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فرائض" ([138]) وفيها مذهبان:

المذهب الأول: أن ولد الغصب، أو الزنى لا يلحق بأبيه الغاصب، ولا ينسب إليه، وهو لجمهور العلماء من الحنفية ([139])، والمالكية ([140])، والشافعية ([141])، والحنابلة ([142]).

بل نقل الأجماع على ذلك عدد من العلماء ([143]) -وهذا بخلاف ما سبق من تأكيد الخلاف في المسألة - وأذكر منهم قول الرازي قال: " أجمع المسلمون على أنه لا نسب لولد الزنا من الزاني، ولو انتسب إلى الزاني لوجب على القاضي منعه من ذلك الانتساب" ([144]).

ومنها ما ورد في المدونة أنه قيل لابن القاسم: أرأيت أن أقمت البينة على رجل أنه غصبني هذه الجارية وقد ولدت من الغاصب أولادا أو من غير الغاصب أيقضى بها وبولدها للذي استحقها في قول مالك (قال) نعم ويقام على الغاصب الحد إذا أقر بوطئها ولا يثبت نسب ولدها منه([145]).

وقال في التلقين: فأما الغاصب إذا وطيء الأمة المغصوبة فإن السيد يأخذها وولدها ملكا له ولا يلحق النسب بالغاصب ([146]).

وقال الماوردي: وهذا كما قال، إذا استكره امرأة على نفسها حتى زنا بها... وجملته أن الذي يختص بالرجل ثلاثة أحكام الحد، والمهر، والنسب، وأما النسب: فيعتبر به شبهة الواطئ دون الموطوءة، فإن كانت له شبهة لحق به، وإن لم يكن له شبهة لم يلحق به ([147]).

وفي المغني: أن الغاصب إذا وطئ الجارية المغصوبة فهو زان... وإن حملت فالولد مملوك لسيدها، لأنه من نمائها وأجزائها، ولا يلحق نسبه بالواطئ، لأنه من زنا ([148]).

وفي شرح الزركشي أيضا: إذا غصب جارية فوطئها لزمه الحد، لأنه زان، إذ لا شبهة له في ذلك، ثم إذا قدر عليها سيدها أخذها" لأنها عين ملكه، وأخذ أولادها، لأنهم نماء ملكه، ولا يلحق نسبهم بالواطئ، لأنه زان ([149]).

وفي شرح فتح القدير " أن نفي نسبه عن أبيه يستلزم.. كون أبيه زنى بأمه مكرهة أو نائمة فلا يثبت نسبه من أبيه) ([150]).

وحجتهم في ذلك:

أولا: حديث الرسول (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ([151]) ووجه الدلالة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قصر النسب على الفراش، أي ما تولد من الأولاد عن طريق زواج أو ما يعد بحكمه أو علاقة مقبولة شرعا، فلا نسب لمن لا فرائض له، والمغتصب زان لا فرائض له ([152]).

واعترض على الدليل: بأن قول النبي صلي الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" هذا الحديث جعل الولد للفراش دون العاهر، فإذا لم تكن فراشا فإنها ليست في مدلول الحديث([153]).

الجواب عن هذا: أن من استدل بذلك إنما استدل بمفهوم الحديث والاستدلال بالمفهوم ضعيف أمام المنطوق الصريح (الولد للفراش) وكذلك الصراحة أيضا في بقية الحديث (للعاهر الحجر) وهو الزاني ليس له إلا الحجر ولا ينسب له شيء من الزنا.

ثانيا: حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول صلي الله عليه وسلم "لا مساعاة([154]) في الإسلام من ساعي في الجاهلية فقد ألحقه بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشده لم يرث ولم يورث" ([155]).

ووجه الاستدلال: أن الشارع أبطل المساعاة والمراد بالمساعاة: الزنى، وكان الأصمعي يجعل المساعاة في الإماء دون الحرائر؛ لأنهن يسعين لمواليهن، فيكتسبن لهم بضرائب كانت عليهن، فأبطل النبي صلي الله عليه وسلم المساعاة في الإسلام، ولم يلحق بها النسب، وعفا عما كان منها في الجاهلية، وأثبت به النسب ([156]).

ثالثا: لأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه، فلم يلحق به بحال كما لو كانت أمه فراشا، أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره ([157]).

المذهب الثاني: أن ولد الزنا يلحق بأبيه الزاني إذا استلحقه، ومثله ولد الاغتصاب وهذا القول محكي كما قال الماوردي ([158]) عن عمر والحسن وابن سيرين وبه قال أحمد وإسحاق ([159]) وقال به إبراهيم النخعي وأبو حنيفة بشروط كما ذكر الماوردي حيث قال: " قال إبراهيم النخعي يلحقه الولد إذا ادعاه بعد الحد، ويلحقه إذا ملك الموطوءة وإن لم يدعه، وقال أبو حنيفة أن تزوجها قبل وضعها ولو بيوم لحق به الولد، وإن لم يتزوجها لم يلحق به" ([160]). وذكر ابن قدامة أن الحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة أنه يلحق بشروط ذكرها عنهم ولم يذكر شروطا لإسحاق وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار قال: وقال الحسن وابن سيرين يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة وقال إسحاق يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال لا أرى بأسا إذا زنا الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد له ([161])، وهو أيضا مذهب عروة بن الزبير وسليمان بن يسار فقد "ذكر عنهما أنهما قالا أيما رجل أتى إلى غلام يزعم أنه ابن له وأنه زنى بأمه ولم يدع ذلك الغلام أحد فهو ابنه" ([162]) وهو اختيار ابن تيمية ([163])، وقال الشوكاني: "والولد ولد زنى لا يلحق بالزاني إلا بدليل" ([164]).

وقال منلاخسرو أن " (زنى بها) أي بأمة غصبها (واستولدها) أي حبلت منه (فادعى ثبت النسب).. والنسب يثبت بها كما لو زفت له غير امرأته" ([165]).

وقال ابن عابدين " ليس للغاصب أن يستخدم أو يملك من غيره.. إلا إذا استولدها يثبت النسب استحسانا والولد رقيق" ([166]).

واستدلوا على ذلك بعدة أدلة منها:

1. أن الله تعالى أمر بدعوة الأبناء لآبائهم (الولد إلى أبيه) قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 5)، فهي صريحة في وجوب نسبة كل مولود لأبيه متى ما عرف الأب.

روى الطبري في تفسيره قال حدثني يعقوب قال ثنا بن علية عن عينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال قال أبو بكرة: قال الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فأنا ممن لا يعرف أبوه وأنا من إخوانكم في الدين قال قال أبي والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه ([167]).

2. حديث جريج في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج يصلي فجاءته أمه فدعته فأبى أن يجيبها فقال أجيبها أو أصلي، ثم أتته فقالت اللهم لا تمته حتى تريه المومسات وكان جريج في صومعته فقالت امرأة لأفتنن جريجا فتعرضت له فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت هو من جريج فأتوه وكسروا صومعته فأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا من طين" ([168])

ووجه الدلالة أن جريجا نسب بن الزنا للزاني وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك وقوله أبي فلان الراعي فكانت تلك النسبة صحيحة فيلزم أن يجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة ([169])، وأخبر بها النبي صلي الله عليه وسلم عن جريج في معرض المدح وإظهار كرامته فكانت تلك النسبة صحيحة بتصديق الله تعالى ولإخبار النبي صلي الله عليه وسلم عن ذلك فثبتت البنوة وأحكامها ([170])، فإذا استلحق الزاني أو الغاصب ولده من الزنا أو الغصب لحق به وصار كالولد من النسب.

واعترض على ذلك: بأنه يلزم على هنا أن تجرى أحكام البنوة والأبوة من التوارث والولايات وغير ذلك، وقد أتفق المسلمون على أنه لا توارث بينهما فلم تصح تلك النسبة ([171]).

الجواب كما قال القرطبي: أن ذلك موجب ما ذكرناه وما انعقد عليه الأجماع من الأحكام استثنيناه، وبقي الباقي على أصل ذلك الدليل والله أعلم ([172]).

3. حديث هلال بن أمية وامرأته في حادثة الملاعنة بينهما، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" ([173]).

ووجه الدلالة: أن قوله صلي الله عليه وسلم: "فهو لشريك بن سمحاء" أي معناه فهو للزاني؛ لأنه خلق من مائه، ولكن لأنه مضى ما مضى من كتاب الله بصدور الحلف والأيمان من أمه بأنكار الزنا، ولولا ذلك (منع من إلحاقه بأبيه الزاني)، لا لحقه به إذا استلحقه، فنسب إلى أمه حين انتفى منه زوجها باللعان، وفي دلالة إلى أن الزاني أو الغاصب إذا استلحق ولده من الغصب أو الزنا وليست أمه فراشا فإنه يلحق به لأنه خلق من مائه.

4. ما ورد "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يليط ([174]) أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام" ([175]) وقال أبو عبيد: فكان الحكم في الجاهلية أن الرجل إذا وطئ أمة رجل فجاءت بولد فادعاه في الجاهلية فإن حكمهم كان أن يكون ولده لاحق النسب به ([176]).

وجه الدلالة: كما قال ابن القاسم: " وجه ما جاء عن عمر بن الخطاب أن لو أسلم أهل دار من أهل الحرب كان ينبغي أن يصنع بهم ذلك، لان عمر قد فعله، وهو رأيي" ([177]).


واعترض على ذلك:

أولا: بما قاله ابن عبر البر: فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم ويلحقهم بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش " لان أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك، وأما اليوم في الإسلام بعد أن احكم الله شريعته، وأكمل دينه، فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه أبدا عند أحد من العلماء، كان هناك فراش أو لم يكن ([178]).

ويجاب عن ذلك: أن عمر رضي الله عنه إنما ألحقهم بآبائهم من الزنا في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته وحرم الزنا، ولو كان إلحاق ولد الزنا بأبيه لا يصح لما فعله عمر رضي الله عنه.

ثانيا: بما قاله الماوردي: فأما الجواب عن الحديث المروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يليط أولاد البغايا في الجاهلية بآبائهم في الإسلام فهو أن ذلك منه في عهار البغايا في الجاهلية دون عهار الإسلام، والعهار في الجاهلية أخف حكما من العهار في الإسلام، فصارت الشبهة لاحقة به ومع الشبهة يجوز لحوق الولد، وخالف حكمه عند انتفاء الشبهة عنه في الإسلام ([179]).

ويجاب عن ذلك: أن ما ذكر قد يفيد أن أهل الجاهلية لا يأثمون بما فعلوا من الزنا، لأنهم كانوا من أهل الفترة، ولم تقم عليهم الحجة، فيعذرون لجهلهم بحرمة الزنا، بخلاف من فعل الزنا بعد الإسلام وقيام الحجة عليه، وهذا خارج عن محل النزاع الذي نحن بصدده، فإن الكلام عن إلحاق ولد الزنا بأبيه إذا استلحقه، وهذا حكم لا يختلف في جاهلية ولا إسلام، ولا فرق فيه بين معذور وغيره...

5. قياس الأب من الزنا على الأم الزانية، فإن الولد ناتج من زناهما معا، والأب أحد الزانيين، فإذا كان يلحق بأمه عند جميع العلماء، لأنه هي التي ولدته، فلم لا يلحق بأبيه إذا استلحقه وأقر بأنه خلق من مائه؟.

قال ابن القيم: "والقياس الصحيح يقتضيه فإن الأب أحد الزانيين وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زنت به، وقد وجد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتفقا على أنه ابنهما، فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره، فهذا محض القياس" ([180]).

6. قياس الزاني على الملاعن: لأنه لما كان انتفاء الولد عن الواطئ باللعان لا يمنع من لحوقه به بعد الاعتراف فكذلك ولد الزنا ([181]).

واعترض عليه بأن: ولد الملاعنة مخالف لولد الزنا، والفرق بينهما أن ولد الملاعنة لما كان لاحقا بالواطئ قبل اللعان جاز أن يصير لاحقا به بعد الاعتراف؛ لان الأصل فيه اللحوق والبغاء طارئ وولد الزنا لم يكن لاحقا به في حال فيرجع حكمه بعد الاعتراف إلى تلك الحال ([182])، فلا يلحق به.

7. أن في إلحاق ولد الاغتصاب وولد الزنا بأبيه إذا ادعاه ولم يعارضه شيء يحقق مصلحة شرعية كبيرة، وهي حفظ نسب الولد من الضياع، وإيجاد نسب يحفظ هيبته ومكانته، وإيجاد الرعاية الأبوية له، وأمان نشأته نشأة سوية بعيد عن العداء الممكن أن يحصل له لكونه ينقص عن المجتمع الذي يعيشه بفقد والده، وفي نسبه إلى أبيه الذي تخلق من مائه تحقيق لكل ذلك.

واعترض: بأن لا مصلحة تعارض النص " الولد للفراش وللعاهر الحجر" ([183]).

ويجاب عن هذا الاعتراض: بأن النص ورد فيما إذا تنازع رب الفراش والعاهر(الزاني) فالولد لرب الفراش وليس المقصود منه حصر النسب بما له فراش، دون من ليس له فراش كولد الزنا أو ولد المغتصبة قال ابن القيم "الولد للفراش على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش"([184]).

8. وفي إلحاقه بأبيه حماية له من أن ينسب إلى غير أبيه وقومه، وحماية لغير أبيه من أن ينسب إليه من ليس منه، في حين أن أبوه هنا هو من استلحقه بإقراره به، أو ثبت بطريق معتبر بانه من مائه. وفي ذلك تجنب للإثم المترتب على من انتسب إلى غير أبيه وقومه المنصوص عليه في صحيح البخاري من حديث النبي صلي الله عليه وسلم فعن أبي ذر رضي الله عنه " أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" ([185]).

9. حديث ابن عباس رضي الله عنه حين سئل " فيمن فجر بامرأة ثم تزوجها؟ قال أوله سفاح وآخره نكاح لا بأس به" ([186]).

10. أن الإسلام أقر بنسب من ولد في الجاهلية عن علاقات غير مشروعة حرمها الإسلام، فهناك الكثير ممن جاءوا من زنا صريح عن طريق البغايا ذوات الرايات الحمراء اللاتي يمارسن الزنا بدون تمييز، مع كل من يدفع الأجر، فكانت إذا ولدت طفلا الحقته بمن تشاء ممن يدخل عليها من زبائنها، فقد اعترف المجتمع الجاهلي ببنوته لأبيه وأقر الإسلام ذلك بغض النظر عن كيفية مجيئه، سواء بنكاح فاسد أم بزنا، أشهرهم عمرو بن العاص ([187]) أحد دهاة العرب الخمسة.

11. أن القول بعدم جواز إثبات نسب ولد الزاني لأبيه ظلم لنفس لم ترتكب أثما، والظلم محرم في الشريعة.

12. أن حرمان ولد الزنا من النسب تحميل له وزر أثم لم يرتكبه ويناقض أصلا من أصول الدين (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الزمر: 7).

13. أن منع الحاق ولد الزنا بابيه، والحاقه بأمه لوحدها، فيه تحميل لاثم الزنا عليها لوحدها، فالمرأة -رغم أنها الطرف الأضعف - تتحمل -لوحدها- ثمرة الزنا، فعليها إعالة الصغير وتربيته والأنفاق عليه وتطبيبه وملاحقة جميع مشاكله، في حين يفلت الرجل من كل ذلك، فلا يلحقه من عبء زناه شيء، في حين ينبغي -وفى كل الموازين المنطقية المعقولة - تحمل الرجل عبء كل ذلك، وليس المرأة.

الراجح: يتضح مما سبق من أدلة الفريقين:

- أن نسب الولد إلى الذي يدعيه بالزنا غصبا، أو مطاوعة وليست أم هذا الولد فراشا لزوج لعل الراجح أنه ينسب إليه ويلحق به، وهو ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني، وذلك، لان الحديث الوارد الذي يحتج به العلماء إنما هو نص فيما إذا كانت أم الولد فراشا لزوج وتنازعه الزاني الغاصب أو الزاني بالمطاوعة مع صاحب الفراش (زوج أم الولد) المتنازع عليه فالحديث يثبت أن للعاهر في هذه الحالة الحجر وليس له من نسب الولد شيء، فإذا كانت الزانية أو المغصوبة لا فراش لها فهذه مسألة أخرى حجتها ما أورده أصحاب المذهب الثاني في إثبات نسب الولد إلى أبيه.

- أن الزنا بالمطاوعة اشتركا فيه الجانبان الزاني والزانية، فكيف يثبت نسبه إليها دونه وقد أقر به واستلحقه وثبتت علاقتهما ببعض.

- أن الزنا بالغصب اعتداء وجرم سببه الغاصب دون المغصوبة فكيف تتحمل المسئولية دونه، وقد ثبت الغصب بإقرار أو بينة، وقد استلحقه الغاصب.

- أن في استلحاق ولد الزنى بالغصب أو المطاوعة حفظا للولد من الضياع والتشرد والانحراف الذي ينتظره لو لم يلحق بأبيه وبلا ذنب منه، وحفظا للمجتمع من ويلات نقمته إذا رأى أقرانه ينسبون لآبائهم ويجدون من يرعاهم ويعطف عليهم دونه.

- هذا فضلا من أن أدلة القائلين بالألحاق فيها حجة وقوة دلالة ومنطق، وهي من جوانب متعددة إلى غير ذلك، والله أعلم.



الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خاتم الرسالات محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن والاه، وبعد،.

فإن موضوع اغتصاب الإناث من المواضيع اللافتة للنظر في عصرنا الحاضر، خاصة مع قيام ثورات الربيع العربي، حيث استخدم الاغتصاب وسيلة من وسائل الانتقام والهانة بصورة ممنهجة كما لا حظ المتابع لهذا في وسائل الأعلام، فضلا عن كونه قضية واقعة في عدة مجتمعات، وينتج عن ذلك آثار اجتماعية عديدة، ولذا فإن بحثه يعد من الأمور التي يتطلبها واقع الحال وينبغي الوقوف على مختلف جوانب آثاره، وهذا البحث الموسوم ب(حكم استلحاق ولد الاغتصاب) يسهم في إبراز جانب من تلك الجوانب وحكم الشرع فيها وخلاف العلماء حولها، وقد توصلت من خلال فقرائه إلى عدة نتائج ألخص أهمها فيما يأتي:

- الاغتصاب في اللغة هو: الأخذ قهرا وظلما سواء أكان في المال أو العرض، وفي السابق شاع الاغتصاب وانتشر في المال، وأصبح الأن شائعا في انتهاك الأعراض والإكراه على الزنا.

- الاغتصاب اصطلاحا وطء حرة أو أمة جبرا على غير وجه شرعي فهو إكراه على الزنا.

- إجماع الأمة على حرمة الزنا، وأن المؤمنات والكافرات في تحريم الزنا بهن سواء، وهو محرم في جميع الشرائع، والاغتصاب أشد حرمة من مجرد الزنا.

- أتفق العلماء أنه لا حد على مكرهة على زنا، واختلفوا في المكره على الزنا، والراجح، أنه لا حد على الرجل إذا أكره لان الإكراه يتساوى أمامه الرجل والمرأة.

- ولد المغتصبة التي لا زوج لها وكذلك الذي نفاه زوجها بالملاعنة يلحق بأمه ولا ينفك عنها بحال، ولا يوجد من ينفيه عنها.

- المقصود بالفراش ما يفترش ليكون سببا لراحة المفترش، وأطلق ذلك على الزوجة لكونها يتخذ لها الفراش المريح، أو لان الرجل يفترشها بالوطء.

- إذا اغتصبت امرأة وهي فراش لزوج، وأنكر صاحب الفراش الولد، ورفض نسبه إليه، وأقرت الزوجة بأن الولد من المغتصب ففيه ثلاثة مذاهب: الأول: أن الولد لا ينتفي بإقرارهما وإنما ينتفي باللعان، واختلفوا في لعانهما والراجح أنه يلاعن الزوج لنفي الولد دونها، الثاني: أنه ينتفي عنه ولدها بغير لعان، الثالث: أنه لا لعان بينهما ولا انتفاء للنسب منه أبدا، والراجح، هو ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول وهو أن الولد لا ينتفي بإقرارهما وإنما ينتفي باللعان، وأن اللعان يقتصر على صاحب الفراش لنفي الولد دونها.

- إذا اغتصبت امرأة وهي فراش لزوج، وأنكر صاحب الفراش الولد، وأصرت الزوجة أنه من -زوجها- صاحب الفراش، اختلف العلماء فيه إلى مذهبين: جمهور العلماء أن تصديق الزوج على غصب زوجته ينفي عنه الولد باللعان صدقته أم كذبته وإن نكل الزوج عن لعانها لم ينتف عنه الولد ويلحق به، وذهب البعض إلى أن تصديق الزوج على غصب زوجته لا ينفي عنه الولد باللعان بخلاف تصديقه على الزنا، والأول هو الراجح.

- إذا أتت المغتصبة بولد ممن اغتصبها ولم ينفه صاحب الفراش (الزوج) فهو ولد صاحب الفراش وينسب إليه وإن أقرت المغتصبة أنه من الغاصب.

- إذا اغتصبت المرأة ولم تكن تحت زوج، وولدت ولدا وادعاه مغتصبها واستلحقه ففيه مذهبان: الأول: أن ولد الغصب أو الزنى لا يلحق بأبيه الغاصب ولا ينسب إليه وهو لجمهور العلماء، الثاني: أن ولد الزنا يلحق بأبيه الزاني إذا استلحقه، ومثله ولد الاغتصاب وهو محكي عن عمر والحسن وابن سيرين وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهم، والراجح أن الولد ينسب إلى الزاني غصبا أو مطاوعة ويلحق به وهو ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني.

التوصيات: متابعة دائرة فقه لاستكمال جوانب موضوع الاغتصاب وإنزالها في كتاب مع ملخص لها إذا لم تستكمل في المؤتمر وتشجيع الباحث على البحث في الجوانب الناقصة.

وأسأل الله أن ينفع بهذا البحث.


المصادر والمراجع

القرآن الكريم: بقراءة حفص عن عاصم، ومصحف المدينة المنورة.
الأجماع، محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر، دار النشر: دار الدعوة، الإسكندرية، 1402، ط 3، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد.
أحكام القرآن، أحمد بن علي الرازي الجصاص أبو بكر، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي.
اختلاف الحديث محمد بن إدريس أبو عبدالله الشافعي، دار النشر: مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1405- 1985، ط 1، تحقيق: عامر أحمد حيدر.
الاختيار لتعليل المختار، عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1426 ه- 2005 م، طه، تحقيق: عبد اللطيف محمد عبد الرحمن
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 2000 م، ط 1، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض.
أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب، الأمام الشيخ محمد بن درويش بن محمد الحوت البيروتي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 ه -1997 م، طه، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
الأم، محمد بن إدريس الشافعي، أبو عبد الله، دار النشر: دار المعرفة، بيروت، 1393، ط 2.
الأنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الأمام أحمد بن حنبل، علي بن سليمان المرداوي أبو الحسن، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق: محمد الفقي.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين ابن نجيم الحنفي، دار النشر: دار المعرفة، بيروت، ط.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، دار النشر: دار الكتاب العربي، بيروت، 1982، ط 2.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي أبو الوليد، دار النشر: دار الفكر، بيروت.
البهجة في شرح التحفة، أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي، دار النشر: دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1418 ه – 1998 م، ط 1، تحقيق وضبط وتصحيح: محمد عبد القادر شاهين.
تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، دار النشر: دار الهداية، تحقيق: مجموعة من المحققين.
التاج والأكليل لمختصر خليل، محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1398، ط 1.
تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، دار النشر: دار الكتب الإسلامي.، القاهرة، 1313 ه.
التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، 1421 ه -2000 م، ط 1، تحقيق: د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المبار كفوري أبو العلا، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، اسم المؤلف: جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي الوفاة: 762 ه، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، دار النشر: دار ابن خزيمة، الرياض، 1414 ه، الطبعة: الأولى.
التشريع الجنائي في الإسلام، عبد القادر عودة (المتوفي: 1373 ه)، دار النشر (بدون).
التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، دار النشر: دار الكتاب العربي، بيروت، 1405، ط 1، تحقيق: إبراهيم الأبياري.
تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1401.
التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1421 ه- 2000 م، ط 1.
تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1416 ه، 1996 م، ط 1، تحقيق: الشيخ زكريا عميران.
التقرير والتحرير في علم الأصول، ابن أمير الحاج، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1417 ه- 1996 م.
التلقين في الفقه المالكي، عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي المالكي أبو محمد، دار النشر: المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1415، ط 1، تحقيق: محمد ثالث سعيد الغاني.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، دار النشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري.
تهذيب المدونة، أبو سعيد خلف بن أبي القاسم القيرواني، دار النشر: بدون.
جامع الأمهات، ابن الحاجب الكردي المالكي، دار النشر: بدون.
جامع البيان عن تأويل أي القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1405.
الجامع الصحيح المختصر، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، دار النشر: دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، 1407-1987، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.
الجامع الصحيح سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون.
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي، دار النشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417 ه-1997 م، ط 7، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، إبراهيم باجس.
الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار النشر: دار الشعب، القاهرة.
جواهر الحسان في تفسير القرآن، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، دار النشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب (التجريد لنفع العبيد)، سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي، دار النشر: المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفه الدسوقي، دار النشر: دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد عليش.
حاشية الرملي، أبو العباس الرملي، دار النشر: بدون.
حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، علي الصعيدي العدوي المالكي، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1412، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي.
حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة، ابن عابدين، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1421 ه-2000 م.
الحاوي الكبير في فقه مذهب الأمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1419 ه- 1999 م، ط 1، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود.
خلاصة البدر المنير في تخريج كتاب الشرح الكبير للرافعي، عمر بن علي بن الملقن الأنصاري، دار النشر: مكتبة الرشد، الرياض، 1410، ط 1، تحقيق: حمدي عبد المجيد إسماعيل السلفي.
درر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فراموز الشهير بمنلاخسرو (المتوفي: 885 هـ)، دار النشر: بدون.
الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، دار النشر: دار الغرب، بيروت، 1994 م، تحقيق: محمد حجي.
روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، دار النشر: المكتب الإسلامي، بيروت، 1405، ط 2.
زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، دار النشر: مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، الكويت، 1407-1986، ط 14، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط.
سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار النشر: دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
السنن الكبرى، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1411-1991، ط 1، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن.
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1405، ط 1، تحقيق: محمود إبراهيم زايد.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي، دار النشر: دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1423 ه-2002 م، ط 1، تحقيق: قدم له ووضع حواشيه: عبد المنعم خليل إبراهيم.
شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، دار النشر: المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، 1403 ه- 1983 م، ط 1، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، محمد زهير الشاويش.
الشرح الكبير لابن قدامة، ابن قدامة المقدسي، عبد الرحمن بن محمد (المتوفي: 682 ه)، دار النشر: بدون.
شرح صحيح البخاري، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، 1423 هـ-2003 م، ط 2، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم
شرح فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، دار النشر: دار الفكر، بيروت، ط 2.
شرح مختصر خليل للخرشي، دار النشر: دار الفكر للطباعة، بيروت.
شرح مياره الفاسي، أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المالكي، دار النشر: دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1420 ه- 2000 م، ط 1، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن.
صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1423 ه- 2002 م، ط 2، تحقيق: محمد عبد العزيز الخالدي.
غريب الحديث، القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد، دار النشر: دار الكتاب العربي، بيروت، 1396، ط 1، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان.
فتح الباري في شرح صحيح البخاري، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب، دار النشر: دار ابن الجوزي، السعودية، الدمام، 1422 ه، ط 2، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد.
الفروع وتصحيح الفروع، محمد بن مفلح المقدسي أبو عبد الله، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1418، ط 1، تحقيق: أبو الزهراء حازم القاضي.
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1415
فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، دار النشر: المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1356 ه، ط 1.
القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، دار النشر: مؤسسة الرسالة، بيروت.
قواطع الأدلة في الأصول، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 ه-1997 م، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي
القوانين الفقهية، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، دار النشر: بدون.
الكافي في فقه أهل المدينة، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1407، ط 1.
كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، دار النشر: مكتبة ابن تيمية، ط 2، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.
الكشف والبيان (تفسير الثعلبي)، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1422 ه-2002 م، ط 1، تحقيق: الأمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي.
الأصل المعروف بالمبسوط، محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني أبو عبد الله، دار النشر: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، تحقيق: أبو الوفا الأفغاني.
اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1419 ه-1998 م، ط 1، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض.
لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار النشر: دار صادر، بيروت، ط 1.
المباع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، دار النشر: المكتب الإسلامي، بيروت، 1400.
مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي المدعو بشيخي زاده، دار النشر: دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، 1419 ه- 1998 م، ط 1، تحقيق: خرج آياته و احاديثه خليل عمران المنصور.
المحرر في الفقه على مذهب الأمام أحمد بن حنبل، عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، دار النشر: مكتبة المعارف، الرياض، 1404، ط 2.
المحصول في علم الأصول، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، دار النشر: جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1400، ط 1، تحقيق: طه جابر فياض العلواني.
المحلى، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد، دار النشر: دار الأفاق الجديدة، بيروت، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي.
مختصر اختلاف العلماء، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، دار النشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 2، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد.
المختصر في أخبار البشر، أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي (المتوفى: 732 ه)، دار النشر: بدون.
المدونة الكبرى، مالك بن أنس، دار النشر: دار صادر، بيروت.
المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، دار النشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 ه-1990 م، ط 1، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، اسم المؤلف: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني الوفاة: 840، دار النشر: دار العربية، بيروت، 1403، الطبعة: الثانية، تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي.
معجم جامع الأصول في أحاديث الرسول، اسم المؤلف: المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري الوفاة: 544، دار النشر.
المغني في فقه الأمام أحمد بن حنبل الشيباني، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1405، ط 1.
المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها، أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي، دار النشر: دار الفكر، دمشق سورية، 1986 م، تحقيق: أبو طاهر أحمد بن محمد السلقي الأصبهاني.
منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل، محمد عليش، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1409 ه-1989 م.
المهذب في فقه الأمام الشافعي، إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي أبو إسحاق، دار النشر: دار الفكر، بيروت
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، محمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد الله، دار النشر: دار الفكر، بيروت، 1398، ط 2.
موطأ الأمام مالك، مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي، دار النشر: دار إحياء التراث العربي، مصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، دار النشر: المكتبة العلمية، بيروت، 1399 ه- 1979 م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.
الوسيط في المذهب محمد بن محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، دار النشر: دار السلام، القاهرة، 1417، ط 1، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر.


[(*)] الجامعة الأسمرية.


[1] الفروق للقرافي (4/ 81).


[2] سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل النكاح (1/592) رقم (1846) قال الكناني في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: هذا إسناد ضعيف لضعف عيسى بن ميمون المديني لكن له شاهد صحيح، وله شاهد في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود ورواه البزار في مسنده من حديث أنس (2/94).


[3] المستدرك على الصحيحين، كتاب النكاح، رقم الحديث (2685) (2/176) قال الحاكم هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة


[4] إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي (2/25 22).


[5] صحيح البخاري كتاب النكاح باب من لم يستطع الباءة فليصم (5/1950) رقم (4779).


[6] إعلام الموقعين ابن القيم (3/ 126).


[7] سنن الترمذي كتاب الأحكام باب في الوقف (3/660) رقم (1376) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.


[8] انظر: التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (3/191)، الحصول للرازي (5/221).


[9] مجموع الفتاوى (28/334).


[10] المستدرك على الصحيحين، كتاب الحدود، رقم الحديث (8046) (4/395) قال الحاكم، حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه وله شاهد.


[11] صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل (2/1062)، رقم (1441).


[12] القاموس المحيط (1/154).


[13] لسان العرب (1/648) النهاية في غريب الأثر (4/370)، تاج العروس (3/484).


[14] ويدخل في مسمى الاغتصاب الإكراه على اللواط وقد شاع أيضا ولكن شيوعه في إكراه المرأة على الوطء أكثر، ويدخل فيه أيضا اغتصاب الرجل من قبل المرأة.


[15] أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي، أصلا ومنشأ، الفاسي دارا وقرارا، والكتاب (البهجة في شرح التحفة) والمقصود بالتحفة، تحفة الحكام من أجل ما ألف في علم الوثائق والأبرام، انظر: مقدمة البهجة في شرح التحفة (1/7)


[16] البهجة في شرح التحفة (2/586).


[17] التفسير الكبير (23/ 114).


[18] رواه الثعلبي في تفسيره، في بداية سورة النور في قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) (النور: 2)، (7/65) قال الزيلعي: " قال البيهقي: إسناده ضعيف " تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في تفسير الكشاف (2/417).


[19] فيض القدير (6/275).


[20] انظر: الأجماع ابن المنذر النيسابوري (1/112)، أحكام القران للجصاص (1/246) الفواكه الداني لأبي زيد القيرواني (2/205)، حاشية العدوي (2/418).


[21] شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/240).


[22] انظر: البدر المنير ابن المنذر (8/581) نقلا عن الرافعي.


[23] نص على الاتفاق د. عبد القادر عودة في التشريع الجنائي في الإسلام (3/397).


[24] سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، (1/659) رقم (2045) قال الكناي في مصباح الزجاجة: (هذا إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع) (2/126).


[25] سنن الترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنى (4/55) رقم (1453) وقال هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل. ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وغيرهم إن ليس على المستكرهة حد.


[26] الوسيط لأبي حامد الغزالي (6/446).


[27] الاستذكار لابن عبد البر (7/146).


[28] المغنى لابن قدامة (9/57).


[29] المبدع لابن مفلح الحنبلي (9/71).


[30] بداية المجتهد لابن رشد (2/329)، شرح الزرقاني (4/15).


[31] الاستذكار لابن عبد البر (146/7).


[32] المغنى لابن قدامة (9/57).


[33] فتح الباري لابن حجر (322/12)، عمدة القاري لبدر الدين العيني (105/24).


[34] المهذب للشيرازي (267/2)، الوسيط لأبي حامد الغزالي (446/6)، حاشية الرملي لأبو العباس (4/159).


[35] الحاوي الكبير (13/241)، المهذب للشيرازي (267/2)، الوسيط للغزالي (446/6)، حاشية الرملي (159/4).


[36] مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (286/3)، بدائع الصنائع (7/180).


[37] منح الجليل لمحمد عليش (255/9).


[38] الأنصاف للمرداوي (182/10)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (503/8)، جامع العلوم والحكم (376).


[39] المبسوط للسرخسي (9/59).


[40] تفسير القرطبي (10/183).


[41] تفسير القرطبي (10/183)، منح الجليل لمحمد عليش (9/255).


[42] الحاوي الكبير (13/241)، المهذب للشيرازي (2/267)، الوسيط للغزالي (6/446)، حاشية الرملي (4/159).


[43] الأنصاف للمرداوي (10/182)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (8/503)، غذاء الألباب شرح منظومة الآداب لمحمد السفاريني الحنبلي (2/64).


[44] تبيين الحقائق للزيلعي (189/5)، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (286/3)، بدائع الصنائع (7/180).


[45] الوسيط لأبي حامد الغزالي (5/388).


[46] التشريع الجنائي في الإسلام لبعد القادر عودة (3/57).


[47] تبيين الحقائق للزيلعي (3/72)، البحر الرائق لابن نجيم (4/251)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لزادة (219/2)، حاشية ابن عابدين (3/653).


[48] تبيين الحقائق للزيلعي (3/72).


[49] المحلى لابن حزم (10/323).


[50] الأم للشافعي (5/291).


[51] الاستذكار لبن عبد البر (101/6)، التمهيد لابن عبد البر (31/15).


[52] صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب ابني عم أحدهما أخ للأم والأخر زوج وقال على للزوج النصف وللأخ من الأم السدس وما بقي بينهما نصفان (6/2480) رقم (6367).


[53] شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/478).


[54] المستدرك على الصحيحين، كتاب الفرائض، (4/380) رقم (7993).


[55] لسان العرن العرب لابن منظور (6/326).


[56] صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة... (1/357)، رقم (498).


[57] لسان العرن العرب لابن منظور (6/326).


[58]بدائع الصنائع (218/3).


[59]بدائع الصنائع (242/6).


[60]التعريفات (213).


[61]فتح الباري (12/35).


[62]التحبير شرح التحرير (5/2401).


[63]انظر: تحفة الأحوذي (6/ 259).


[64]أحكام القران (5/149).


[65]المدونة للإمام مالك (6/113).


[66]الأم (5/292).


[67]روضة الطالبين للنووي (8/343).


[68]المرجع السابق (6/113- 114).


[69]أحكام القران (5/149).


[70]المدونة للإمام مالك (6/112).


[71]الكافي لابن عبد البر (290/1)، الفروع لابن مفلح (5/407)، تهذيب المدونة لأبي قاسم القيرواني (389/1)، التاج والإكليل للعبدري (4/133)، حاشية الدسوقي (460/2).


[72]الأم (5/292)، روضة الطالبين للنووي (343/8).


[73]جامع الأمهات (315)، الذخيرة للقرافي (289/4) تهذيب المدونة للقيرواني (189/1)، شرح مياره لمحمد بن أحمد المالكي (341/1) شرح مختصر خليل للخرشي (4/124)، الفواكه الدواني للنفراوي (2/50)، حاشية العدوي (139/2).


[74]المحرر في الفقه ابن تيمية (99/2).


[75]الأم (292/5).


[76]الفواكه الدواني للنفراوي (2/50).


[77]تهذيب المدونة لأبي القاسم القرواني (189/1).


[78]انظر: حاشية الدسوقي (465/2) وقال (ولا نعلم لرجمها وجها إذا لم تلتعن لأن الزوج لم يثبت عليها بلعانه زنا وإنما أثبت عليها غصبا فلا لعان عليها... ولو لاعنت لا يفرق بينهما لأنها إنما أثبتت بالتعانها الغصب وتصديقه وهذا خارج عما ورد في القران مما يوجب الحد في النكول والفراق والحلف وقبل هذا القول ابن عبد السلام ولكن المذهب الأول) نفس المرجع.


[79]الأم للشافعي (291/5)، الحاوي الكبير (74/11).


[80]شرح صحيح البخاري لابن بطال (477/7).


[81]مختصر المزني (1/211).


[82]مختصر المزني (1/211)، الحاوي الكبير (11/74)، التمهيد لابن عبد البر (15/31).


[83]الذخيرة للقرافي (309/4).


[84]المغني لابن قدامة (49/8).


[85]انظر: المدونة للإمام مالك (6/113)، الكافي لابن عبد البر (1/290)، الفروع لابن مفلح (5/407) تهذيب المدونة لأبي قاسم القيرواني (1/389) التاج والأكليل للعبدري (4/133)، الذخيرة للقرافي (4/309).


[86]المدونة للإمام مالك (6/113).


[87]الكافي لابن عبد البر (1/290)، وانظر: الفروع لابن مفلح (5/407)، تهذيب المدونة للقيرواني (1/389).


[88]انظر: منح الجليل لعليش (275/4).


[89]الأم للشافعي (291/5)، الحاوي الكبير (74/11).


[90]المرجع السابق.


[91]انظر: منح الجليل لعليش (275/4).


[92]أحكام القران للجصاص (5/149) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (2/508)، بدائع الصنائع (3/246)، المبسوط السرخسي (7/ 51)، الاختيار لتعليل المختار للموصلي (3/186).


[93]انظر: المغني لموفق الدين ابن قدامة المقدسي (8/60)، الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة المقدسي (9/ 31).


[94]أحكام القران (5/149).


[95]الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (31/9).


[96]قواطع الأدلة للسمعاني (288/2).


[97]بدائع الصنائع للكاساني (3/246) الاختيار والتعليل (3/186)، الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (9/31).


[98]بدائع الصنائع للكاساني (246/3)


[99]بدائع الصنائع للكاساني (246/3)، الاختيار والتعليل (186/3).


[100]الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني (243)، أحكام القران للجصاص (5/152 153) وقال في الشرح الكبير: إن اللعان كالبينة إنما تقام مع الأنكار (31/9)، واعتراض على اعتبار اللعان شهادة انظر: الحاوي الكبير (11/12-13).


[101]المبسوط للسرخسي (9/91).


[102]الحاوي الكبير للماوردي (11/77).


[103]انظر: المدونة الكبرى (112/6) تهذيب المدونة لأبي القاسم القيرواني (389/1) الكافي لابن عبد البر (290) المهذب (121/2) الوسيط أبي حامد الغزالي (94/6) جامع الأمهات لابن الحاجب (316) المحرر في الفقه لابن تيمية (2/ 99)، زاد المعاد لابن القيم (5/399)، الذخيرة لشهاب الدين القرافي (4/289-290) التاج والأكليل لأبي القاسم العبدري (137/4) شرح مختصر خليل للخرشي (133/4) الفواكه الدواني (50/2) حاشية الدسوقي (466/2) منح الجليل (290/4).


[104]حاشية الدسوقي (466/2) منح الجليل (290/4).


[105]المحرر في الفقه لابن تيمية (99/2)، زاد المعاد لابن القيم (399/5).


[106]المحرر في الفقه لابن تيمية (99/2)، زاد المعاد لابن القيم (399/5).


[107]المهذب (121/2) الوسيط أبي حامد الغزالي (94/6).


[108]المحرر في الفقه لابن تيمية (2/99)، زاد المعاد لابن القيم (5/ 399).


[109]شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 133).


[110]إذا نكل الزوج عن اللعان مع ثبوت الغصب بالبينة أو تصادقا عليه لم يحد وكذلك إذا ادعاه وأنكرته، لأن محمل قول الزوج محمل الشهادة لا محمل التعويض قاله محمد وغيره وإلا التعن فقط أي وإن ثبت غصبها أو ظهر بأمر من الأمور فإنه يلتعن فقط دونها، لأنها تقول يمكن إن يكون من الغاصب وإن نكل الزوج لم يحد كصغيرة توطأ التشبيه في أنه يلتعن وحده ولا تلتعن زوجته، شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 133).


[111]تهذيب المدونة لأبي القاسم القيرواني (1/ 389).


[112]المهذب (2/121).


[113]انظر: الذخيرة شهاب الدين القرافي (4/289-290).


[114]انظر: المحرر في الفقه لابن تيمية (99/2).


[115]زاد المعاد لابن القيم (399/5)، المهذب (121/2) الوسيط أبي حامد الغزالي (94/6).


[116]زاد المعاد لابن القيم (5/399)، المحرر في الفقه لابن تيمية (99/2).


[117]المهذب (121/2).


[118]الوسيط أبي حامد الغزالي (6/ 94).


[119]المحرر في الفقه لابن تيمية (99/2).


[120]زاد المعاد لابن القيم (5/ 399).


[121]انظر: المهذب (121/2) الوسيط أبي حامد الغزالي (94/6) الذخيرة شهاب الدين القرافي (4/ 289-290) المحرر في الفقه لابن تيمية (2/99) زاد المعاد لابن القيم (5/ 399).


[122]الذخيرة شهاب الدين القرافي (4/ 289-290).


[123]المهذب (2/121).


[124]المحرر في الفقه لابن تيمية (2/99)، زاد المعاد لابن القيم (5/399).


[125]الوسيط أبي حامد الغزالي (6/ 94).


[126]المهذب (2/121).


[127]منح الجليل (4/290).


[128]البهجة في شرح التحفة (588/2).


[129]الموطأ (2/ 739).


[130]اختلاف الحديث للشافعي (548).


[131]وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة عهد إلي أخيه سعد إن بن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال بن أخي عهد إلي فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وبن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال سعد يا رسول الله بن أخي قد كان عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وبن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي صلي الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما راها حتى لقي الله، صحيح البخاري، رقم (6368) وحديث أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال الولد لصاحب الفراش، رقم (6369) من كتاب الفرائض، (6/2481).


[132]وذكر فيه حديث عائشة السابق في صحيح البخاري وغيره، صحيح مسلم (2/ 1080).


[133]سنن أبي داود (2/ 282)، سنن ابن ماجة (1/ 646)، سنن الترمذي (3/ 463).


[134]التمهيد لابن عبد البر (183/8).


[135]المبسوط للسرخسي (99/17).


[136]زاد المعاد لابن القيم (410/5).


[137]هذه المسألة فيما إذا كان الغاصب أو الزاني مقر بأنه أب لذلك الولد المولود من غصبه أو زناه أما إذا كان منكرا كونه من غصبه أو من زناه فإنه لا يلحق به قطعا ولو كان متيقنا أنه منه دون غيره فإذ لم يقر به ولو كان الوطء بملك اليمنين وأنكره فلا ينسب إليه قال نظام الدين الحسن النيسابوري في تفسير غرائب القران "أنه إذا اشترى جارية بكرا وافتضها وحبسها في داره إلى إن تلد فهذا الولد معلوم أنه مخلوق من مائة قطعا مع أنه لا يثبت نسبه إلا عند الاستلحاق" (2/385) ولا يكون الاستلحاق إلا بالإقرار، ومن باب أولى إذا أنكر الزنى أو الغاصب (الوطء) بأم ذلك الولد.


[138]المغني لابن قدامة (6/228).


[139]انظر: المبسوط للسرخسي (17/154)، بدائع الصنائع للكاساني (242/6)، تبين الحقائق (241/6)، حاشية بن عابدين (184/8)، البحر الرائق (251/4).


[140]انظر: بداية المجتهد لابن رشد (358/2)، التمهيد (15، 47)، القوانين الفقهية (259)، مواهب الجليل (216/2).


[141]انظر: الحاوي الكبير (162/8)، روضة الطالبين (44/5)، أسنى المطالب (3/20)، حاشية البجيرمي (92/3).


[142]انظر: المغني لابن قدامة (123/9)، الفروع (526/5).


[143]انظر: التفسير الكبير لفخر الدين الرازي (24/10)، تفسير غرائب القران ورغائب الفرقان، لنظام الدين الحسن النيسابوري (385/2) اللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي (289/6)، شرح مختصر خليل للخرشي (4/171).


[144]التفسير الكبير لفخر الدين الرازي (24/10).


[145]المدونة الكبرى (351 /14).


[146]التلقين لعبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي المالكي (2/441).


[147]الحاوي الكبير للماوردي (13/241).


[148]المغني لأبي قدامة المقدسي (155/5).


[149]شرح الزركشي شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي (161/2).


[150]شرح فتح القدير كمال الدين السيواسي (321/5).


[151]صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب الولد للفراش حرة أو أمة (6/ 2481)، رقم (6368).


[152]أصدرت محكمة استئناف أسرة شبين الكوم في مصر حكما (لإثبات نسب الولد عن اغتصاب إلى أبيه) في قضية اغتصاب رقيب شرطة لفتاة لم تتجاوز الثانية عشرة، حملت ووضعت، وتوجهت إلى مكتب الصحة لاستخراج شهادة ميلاد لابنها، إلا إن المسؤولين رفضوا لعدم وجود عقد زواج، ونصحوها باتخاذ الإجراءات القانونية ضد من اغتصبها لإثبات نسب الطفل إليه، فأقامت دعوى أمام محكمة شبين الكوم، التي رفضت إثبات نسب الطفل، فطعنت به أمام محكمة الاستئناف وقدمت مستنداتها و منها حكم المحكمة العسكرية بحبس رقيب الشرطة ثلاث سنوات، وكذلك تقارير الطب الشرعي والمختبر التي تؤكد تطابق الحمض النووي للطفل مع رقيب الشرطة. فقضت محكمة الاستئناف بإلغاء حكم أول درجة وإثبات نسب الطفل لوالده.

وجاء في حيثيات الحكم: "إن تقرير الطب الشرعي والمعمل الجنائي أكدا تطابق الحمض النووي بين الطفل ووالده، كما إن حكم المحكمة العسكرية هو عنوان الحقيقة، حيث أدان رقيب الشرطة في واقعة الاغتصاب، مما يعد إقرارا من المتهم بالواقعة. ومن هنا تبرز أهمية الاعتماد على الوسائل العلمية والقانونية في إثبات النسب.


[153] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/113).


[154] المساعاة: الزنا كما قال علاء الدين المتقي الهندي: في كنز العمال (78/6).


[155]المستدرك على الصحيحين، كتاب الفرائض (380/4) رقم (7992)، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.


[156]نظر: شرح السنة للبغوي (9/278).


[157]الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (7/36 -37).


[158]قال الماوردي: ( وهذه مسألة... ذكرنا إن ولد الزنا لا يلحق بالزاني وان الفقهاء قد اختلفوا هل يجوز للزاني إن يتزوجها (أي ابنته من الزنى ) إذا كانت بنتا على أربعة مذاهب: أحدها: أن نكاحها حرام عليه ومتى أقر بها لحقته، حكى ذلك عن عمر والحسن وابن سيرين وبه قال أحمد وإسحاق) الحاوي الكبير (11/393، 8/162).


[159]انظر: الحاوي الكبير (8/162)، المغني لموفق الدين ابن قدامة (228/6)، الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (36/7)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (585/4)، زاد المعاد لابن القيم (430/5) المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها لأبي بكر محمد بن سهل (99) (327).


[160]الحاوي الكبير (162/8).


[161]المغني لموفق الدين ابن قدامة (228/6)، الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (7/36).


[162]زاد المعاد لابن القيم (430/5).


[163]قال: "وإن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه " الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/585)، الفروع (5/402)، الأنصاف للمرداوي (269/9).


[164]السيل الجرار (328/2).


[165]درر الحكام شرح غرر الأحكام (247/7).


[166]حاشية ابن عابدين (206/6)


[167]تفسير الطبري (121/21)، تفسير الثعالبي (8/7)، تفسير ابن كثير (3/468).


[168]صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب إذا هدم حائطا فليبن مثله (878/2) رقم الحديث (2350).


[169]فتح الباري لابن حجر (6/483).


[170]تفسير القرطبي (5/115).


[171]المرجع السابق.


[172]المرجع نفسه (5/116).


[173]صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) (النور: 8) (4/1772) رقم الحديث (4470).


[174]يليط (يلحق) الحاوي الكبير (162/8).


[175]الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه (2/740)، رقم (1420)، السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الدعوى والبينات، باب القافة ودعوى الولد (10/263)، رقم (21052) قال في معجم جامع الأصول: "غريب الحديث" (10/738).


[176]غريب الحديث لابن سلام (3/339).


[177]المدونة الكبرى (8/340)، تهذيب المدونة (2/29).


[178]الاستذكار لابن عبد البر (7/164)، التمهيد لابن عبد البر (8/183).


[179]الحاوي الكبير للماوردي (162/8).


[180]زاد المعاد (5/426).


[181]الحاوي الكبير (162/8).


[182]المرجع نفسه (8/163).


[183]سبق تخريجه.


[184]زاد المعاد (5/425).


[185]صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب نسبة اليمن إلى إسماعيل.. (3/1292)، رقم (3317).


[186]السنن الكبرى للبيهقي، باب نكاح المحدثين...(7/155)، رقم (13657) موقوف.


[187]ذكر: إن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، دخلت على معاوية وهي عجوز كبيرة، فقال لها معاوية: مرحبا بك يا خالة، كيف أنت؟ فقالت بخير يا ابن أختي، لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، وكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاء، حتى قبض الله نبيه، مشكورا سعيه، مرفوعا منزلته، فوثبت علينا بعده تيم وعدي وأمية، فابتزونا حقنا، ووليتم علينا، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في أل فرعون، وكان علي بن أبي طالب بعد نبينا، بمنزلة هارون من موسى، فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز الضالة، واقصري عن قولك مع ذهاب عقلك. فقالت: وأنت يا ابن النابغة، تتكلم وأمك كانت أشهر بغي بمكة، وأرخصهن أجرة، وادعاك خمسة من قريش، فسئلت أمك عنهم فقالت: كلهم أتاني، فانظروا أشبههم به، فالحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فألحقوك به.. إلخ. المختصر في أخبار البشر (1/130)

الطعن 240 لسنة 27 ق جلسة 20 / 12 / 1962 مكتب فني 13 ج 3 ق 186 ص 1174

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1962

برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، ومحمد عبد اللطيف مرسى، وأميل جبران، ومحمد ممتاز نصار.

--------------

(186)
الطعن رقم 240 لسنة 27 القضائية

(أ) حوادث طارئة. "نطاق نظرية الحوادث الطارئة". "العقود الفورية والمؤجلة التنفيذ".
يتسع نطاق نظرية الحوادث الطارئة لتنطبق على جميع العقود المؤجلة التنفيذ كما تنطبق على العقود الزمنية. عمومية نص المادة 147/ 2 مدنى. تأجيل التنفيذ هو الباعث على حماية القانون للمدين وإصلاح ما اختل من التوازن العقدي نتيجة للظروف الاستثنائية الطارئة.
(ب) حوادث طارئة. إصلاح زراعي. "القانون رقم 452 لسنة 1953".
صدور القانون رقم 452 لسنة 1953 تطبيق واضح لنظرية الحوادث الطارئة ولم يقصد به الشارع سوى تنظيم العلاقة بين البائع والمشترى عن طريق تحديد ما يجب أداؤه من ثمن الأطيان المبيعة التي أخضعت للاستيلاء عليها طبقا لقانون الإصلاح الزراعي حتى لا تختلف معايير التقدير في شأنها. تطبيق القانون 452 لسنة 1953 لا يخل بأحكام القانون المدني بالنسبة للأطيان الأخرى التي لم يستول عليها أو بالنسبة للعقود الأخرى التي تأثرت بقانون الإصلاح الزراعي كحادث طارئ.

---------------------
1 - يتسع نص المادة 147/ 2 من القانون المدنى - وقد ورد بصيغة عامة - لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على جميع العقود التي يفصل بين إبرامها وتنفيذها فترة من الزمن يطرأ خلالها حادث استثنائي غير متوقع يجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين، ذلك أن تأجيل التنفيذ هو الباعث على حماية القانون التي قصد منها رفع العنت عن المدين وإصلاح ما اختل من التوازن العقدي نتيجة للظروف الاستثنائية الطارئة وهو ما يقوم في الالتزامات المؤجلة التنفيذ كما يقوم في الالتزامات التي تنفذ بصفة دورية.
2 - يعد صدور القانون رقم 452 لسنة 1953 - الذى ينص في مادته الأولى على أنه "إذا كان سند المستولى لديه عقد بيع ثابت التاريخ قبل 23 يوليه سنة 1952 وكان الأجل المعين للوفاء بالثمن كله أو بعضه يحل أصلا بعد هذا التاريخ، تحمل كل من البائع والمشترى نصف الفرق بين ثمن المستولى عليه من الأرض المبيعة والتعويض المستحق له على ألا يجاوز ما يتحمله البائع الباقي من الثمن وذلك كله دون إخلال بحقوق الطرفين طبقا لأحكام القانون المدني بالنسبة لباقي الصفقة" - تطبيقا واضحا لنظرية الظروف الطارئة على عقود البيع. وليس صحيحا أن المشرع بإصداره هذا القانون قد أبقى زمام تطبيق تلك النظرية على عقود البيع بين يديه وانه لم يرد حماية عقود البيع الأخرى التي تأثرت بقانون الإصلاح الزراعي - كحادث طارئ - ذلك أن تدخل المشرع في هذه الحالة إنما قصد به تنظيم العلاقة بين البائع والمشترى عن طريق تحديد ما يجب أداؤه من ثمن الأطيان المبيعة التي أخضعت للاستيلاء عليها طبقا لقانون الإصلاح الزراعي حتى لا تختلف معايير التقدير في شأنها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع النزاع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن الطاعنين أقاموا ضد المطعون عليهم الدعوى الابتدائية رقم 323 سنة 1953 كلى كفر الشيخ قالوا فيها إنهم اشتروا من مصلحة الأملاك الأميرية في 13 من مايو سنة 1951 40 ف بثمن إجمالي مقداره 4000 ج ودفعوا خمس الثمن مقدما والتزموا بدفع الباقي مقسطا على عشرين سنة ثم قامت الثورة في 23 يوليو سنة 1952 وصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 وترتب على ذلك انخفاض ثمن الأطيان وربط قيمتها بالضريبة مما جعل التزامهم بالثمن مرهقا - ويحق لهم رد هذا الالتزام إلى الحد المعقول بسبب الظروف الطارئة عملا بالمادة 147/ 2 من القانون المدني وطلبوا الحكم لهم بتخفيض الثمن من 4000 ج إلى 1176 ج - وقد دفعت مصلحة الأملاك هذه الدعوى بأن تشريعات الإصلاح الزراعي لا تعتبر من الظروف الطارئة المفاجئة وبأن العقد المبرم هو عقد فورى انتهت الالتزامات فيه منذ التعاقد مما لا يسمح بالقول بتغيير الظروف أثناء تنفيذه - وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها قبل الفصل في الموضوع بندب مكتب الخبراء لمعاينة الأطيان وتقدير قيمتها في الوقت الحالي مع مراعاة ما ترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعي وبيان الفرق بين القسط الواجب دفعه سنويا وبين القيمة الإيجارية للأطيان..... وانتهى هذا الحكم في أسبابه إلى انطباق نظرية الظروف الطارئة وإلى أن العقد من العقود المتراخية التي يعتبر الزمن فيها عاملا أساسيا في تنفيذ الالتزامات. وبعد أن قدم مكتب الخبراء تقريره قضت المحكمة الابتدائية في 20 من مارس سنة 1955 برفض الدعوى وإلزام الطاعنين بالمصروفات - وأسست قضاءها على عدم تحقق شرط الإرهاق في العقد موضوع النزاع لأن الفرق بين ثمن الأطيان وقيمتها بعد قيام الثورة ليس كبيرا - وأن الفرق بين قيمة القسط السنوي المتفق عليه والقيمة المماثلة له بعد قيام الثورة بسيط مما يدخل في نطاق الخسارة المحتملة - واستأنف المحكوم عليهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا برقم 186 سنة 6 ق وقضى في هذا الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف استنادا إلى أن نظرية الظروف الطارئة لا تنطبق على عقد البيع موضوع النزاع - وقد طعن الطاعنون في هذا الحكم بتقرير مؤرخ 22 من يونية سنة 1957 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فأصدرت قرارها في 17 من مايو سنة 1961 بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة حدد لنظر الطعن جلسة 29 من نوفمبر سنة 1962 وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب نقض الحكم.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون ذلك أنه استند في قضائه إلى أن نظرية الظروف الطارئة لا تنطبق إلا على العقود الزمنية دون العقود الفورية حتى ولو كان تنفيذها مؤجلا في حين أن المشرع فيما نص عليه في المادة 147/ 2 مدنى قد أخذ بالمذهب الواسع في تطبيق نظرية الظروف الطارئة ولم يشترط لتطبيقها إلا شرطا واحد هو ألا يتحد وقت انعقاد العقد ووقت تنفيذه وبذلك يتسع مجال تطبيقها لكل عقد تراخى تنفيذه ولو كان فوريا - وقد جاء النص مطلقا مما يدل على أنه يكفى لتطبيق النظرية أن يوجد فاصل زمنى بين صدور العقد وبين تنفيذه - ويؤيد ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقا على المادة 147 من القانون المدني في فقرتها الثانية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد فرق بين العقود الزمنية والعقود الفورية وقرر أن النوع الأول لا يمكن إلا أن يكون ممتدا مع الزمن وبقدر ما يمتد يكون تغير الظروف محتملا ومن ثم تكون العقود الزمنية هي المجال الطبيعي لتطبيق نظرية الظروف الطارئة أما العقود الفورية فلا تنطبق عليها هذه النظرية وانتهى من ذلك إلى أن عقد البيع المبرم بين الطرفين هو عقد فورى بات وقد تنفذ بالفعل من وقت انعقاده ولا يغير من وصفه المتقدم أن يكون قد اتفق على تقسيط الثمن - ذلك التقسيط الذى يضفى على البائع صفة الدائن وعلى المشترى صفة المدين.
وحيث إن هذا الذى قرره الحكم المطعون فيه غير صحيح في القانون - ذلك أن المادة 147 من القانون المدني قد نصت في فقرتها الثانية على أنه "ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلا - صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول - ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك" - ويبين من هذا النص أنه ورد بصيغة عامة تتسع لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على جميع العقود التي يفصل بين إبرامها وتنفيذها فترة زمنية يطرأ خلالها حادث استثنائي غير متوقع يؤدى إلى جعل تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين - ذلك أن تأجيل التنفيذ هو الباعث على حماية القانون التي قصد منها رفع العنت عن المدين وإصلاح ما اختل من التوازن العقدي نتيجة للظروف الاستثنائية الطارئة هذا الاختلال الذى يقوم في الالتزامات المؤجلة التنفيذ كما يقوم في الالتزامات التي تنفذ بصفة دورية - ويؤيد هذا النظر صدور القانون رقم 452 لسنة 1953 الذى تنص مادته الأولى على أنه "إذا كان سند المستولى لديه عقد بيع ثابت التاريخ قبل 23 يوليه سنة 1952 وكان الأجل المعين للوفاء بالثمن كله أو بعضه يحل أصلا بعد هذا التاريخ تحمل كل من البائع والمشترى نصف الفرق بين ثمن المستولى عليه من الأرض المبيعة والتعويض المستحق له على ألا يجاوز ما يتحمله البائع الباقي من الثمن وذلك كله دون إخلال بحقوق الطرفين طبقا لأحكام القانون المدني بالنسبة إلى باقي الصفقة" - وقد كان هذا القانون صورة واضحة لتطبيق نظرية الظروف الطارئة على عقود البيع - وليس صحيحا أن المشرع بإصداره هذا القانون قد أبقى زمام تطبيق النظرية على عقود البيع بين يديه وأنه لم يرد حماية عقود البيع الأخرى التي تأثرت بصدور قانون الإصلاح الزراعي - ذلك لأن تدخل المشرع في هذه الحالة إنما قصد به تنظيم العلاقة بين البائع والمشترى عن طريق تحديد ما يجب أداؤه من ثمن الأطيان المبيعة التي أخضعت للاستيلاء عليها طبقا لقانون الإصلاح الزراعي حتى لا تختلف معايير التقدير في شأنها. وإذ جرى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.

الاثنين، 21 فبراير 2022

دستورية إنهاء خدمة الموظف لانقطاعه عن العمل بدون إذن مدة 30 يومًا غير متصلة في السنة

الدعوى رقم 58 لسنة 42 ق "دستورية" جلسة 16 / 1 / 2022

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد السادس عشر من يناير سنة 2022م، الموافق الثالث عشر من جمادى الآخر سنة 1443 ه.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار / عوض عبدالحميد عبدالله رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 58 لسنة 42 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بدمياط، بحكمها الصادر بجلسة 25/6/2020، ملف الدعوى رقم 317 لسنة 8 قضائية.

المقامة من

.......

ضد

1- محافظ دمياط

2- وكيل الوزارة لمديرية الصحة بدمياط

3- وزير الصحة

4- مساعد الوزير للشئون المالية والإدارية

5- رئيس أمانة المراكز الطبية المتخصصة

 -------------

الإجراءات

بتاريخ الثالث عشر من أكتوبر سنة 2020، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 317 لسنة 8 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بدمياط بجلسة 25/6/2020، بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية عبارة " ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل "، الواردة بالمادة (176) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 4/12/2021، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة 1/1/2022، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.

-----------
المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

 حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعية في الدعوى الموضوعية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 317 لسنة 8 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بدمياط، ضد وزير الصحة والسكان، وآخرين، طالبة الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 4536 لسنة 2018، الصادر بإنهاء خدمتها. وذكرت شرحًا لدعواها أنها كانت تعمل بوظيفة مساعدة ممرضة، بالمركز التخصصي للقلب والجهاز الهضمي منذ تعيينها في 5/10/2010، وحصلت على إجازة رعاية طفل في الفترة من 2/6/2018 إلى 1/6/2019، إلا أنها علمت بصدور القرار المطعون فيه بإنهاء خدمتها للانقطاع عن العمل. ونعت على هذا القرار مخالفته صحيح حكم القانون، لصدوره من غير مختص بإصداره، وبناء على تحقيق إداري لم تخطر به، فضلاً عن أن مدة الانقطاع لم تكن قد اكتملت؛ الأمر الذي حدا بها إلى إقامة دعواها بطلباتها السالف بيانها. وإذ تراءى للمحكمة أن عبارة " ولو عوقب تأديبيًا عن مدة الانقطاع غير المتصل "، التي تضمنها نص المادة (176) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 81 لسنة 2016 المشار إليه، تخالف أحكام المادتين (4 و170) من الدستور؛ فقد أحالت أوراق الدعوى إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية ذلك النص.

 وحيث إن المادة (46) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، تنص على أنه " تحدد السلطة المختصة أيام العمل في الأسبوع ومواقيته وتوزيع ساعاته وفقًا لمقتضيات المصلحة العامة، على ألا يقل عدد ساعات العمل الأسبوعية عن خمس وثلاثين ساعة ولا يزيد على اثنتين وأربعين ساعة.

 وتخفض عدد ساعات العمل اليومية بمقدار ساعة للموظفين ذي الإعاقة، والموظفة التي ترضع طفلاً حتى بلوغه العامين، والحالات الأخرى التي تبينها اللائحة التنفيذية.

ولا يجوز للموظف أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يُرخص له بها في حدود الإجازات المقررة في هذا القانون، ووفقًا للضوابط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية، وإلا حُرم من أجره عن مدة الانقطاع دون الإخلال بمسئوليته التأديبية ".

 وتنص المادة (69) من القانون ذاته على أنه " تنتهى خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية:

1- بلوغ سن الستين بمراعاة أحكام قانون التأمين الاجتماعي ........

2- الاستقالة.

3- الإحالة إلى المعاش أو الفصل من الخدمة.

4- فقد الجنسية، ...............

5- الانقطاع عن العمل بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن الانقطاع كان بعذر مقبول.

6- الانقطاع عن العمل بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة.

7- عدم اللياقة للخدمة صحيًّا وذلك بقرار من المجلس الطبي المختص".

 وتنص المادة (176) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية المشار إليه، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017 على أنه " إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية، ولم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول، أو إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل، يجب على السلطة المختصة أو من تفوضه إنهاء خدمته من تاريخ انقطاعه المتصل عن العمل، أو من اليوم التالي لاكتمال انقطاعه غير المتصل".

 وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع يدور حول وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 4536 لسنة 2018 بإنهاء خدمة المدعية في الدعوى الموضوعية لانقطاعها عن العمل بدون إذن مدة ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة، رغم مساءلتها تأديبيًا عن بعض مدد هذا الانقطاع، وقد استند ذلك القرار لما تضمنته المادة (176) من اللائحة التنفيذية المشار إليها، من النص على أن " ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل "، لتغدو المصلحة متحققة بالنسبة لها، إذ يكون للقضاء في دستورية هذه العبارة أثره وانعكاسه على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وهو ما يتعين معه رفض الدفع الذي أبدته هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة.

 وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال - في النطاق المتقدم - مخالفته مبدأ العدالة المنصوص عليه في المادة (4) من دستور سنة 2014، وكذلك أنه خرج على حدود سلطة إصدار اللوائح التنفيذية المقررة بنص المادة (170) من الدستور، باستحداثه حكمًا بعيدًا عن روح التشريع ومراميه.

 وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسى القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها. ومن ثم، فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها، وعماد الحريات الدستورية، وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها، وفى قضائها، وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا، وحكمًا لازمًا، لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها، وأيًّا كانت وظيفتها، وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه، وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها، أو تجاوزتها، شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت - متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح، بغية الحفاظ على أحكام الدستور، وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

 وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها - منذ دستور سنة 1923 - على تقرير الحقوق والحريات العامة في صلبها، قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذي عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.

 وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل، باعتباره إلى جانب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية، يستلهمه المشرع وهو بصدد مباشرة سلطته في التشريع؛ وبمراعاة أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.

 وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة (14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلي الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، وحظر فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون.

وحيث إن حق العمل وتولى الوظائف العامة، وفقًا لنصى المادتين (12، 14) من الدستور، ليس من الرخص التي تقبضها الدولة أو تبسطها وفق إرادتها، ليتحدد على ضوئها من يتمتعون بها أو يمنعون عنها، وإنما قرره الدستور باعتباره شرفًا لمن يلتمس الطريق إليه من المواطنين، وواجبًا عليهم أداؤه، وحقًا لا ينهدم، فلا يجوز إهداره أو تقييده بما يعطل جوهره، بل يعتبر أداؤه واجبًا لا ينفصل عن الحق فيه، ومدخلاً إلى حياة لائقة قوامها الاطمئنان على غد أفضل.

وحيث إن مبدأ استمرار المرافق العامة في أداء رسالتها يوجب على الدولة وموظفيها أن يعملوا على ضمان سيرها بانتظام واطراد، فالموظف بقبوله للوظيفة العامة يكون قد أخضع نفسه لكل الالتزامات المترتبة على ذلك المبدأ، إذ إن لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها التي تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها.

 وحيث إن المشرع بإصداره قانون الخدمة المدنية، الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، قد تبنى منهجًا جديدًا في تنظيمه للوظيفة العامة، وما يتصل بها من أوضاع، غايرت قواعده العديد من الأحكام التي تضمنتها التشريعات السابقة عليه، على النحو الذي رآه، وفقًا لسلطته التقديرية، أكثر تحقيقًا لدور الوظيفة العامة في المجتمع، وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد. وقد أوضحت ذلك المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الخدمة المدنية المشار إليه، حين بينت العلة من مغايرة الأحكام التي تضمنتها مواده، لأحكام مواد قانون العاملين المدنيين بالدولة السابق عليه، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، ممثلة في أن " التجربة العملية خلال الفترة الماضية كشفت عن الحاجة الملحة لوضع إطار قانوني جديد ينظم شئون الخدمة المدنية لمواجهة التحديات الراهنة على صعيد الإصلاح الإداري، لا سيما أنه قد رُفعت بشأن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ملايين الدعاوى القضائية، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا أكثر من حكم بعدم دستورية بعض أحكامه، وصدرت بشأنه آلاف الفتاوى من مجلس الدولة، وآلاف الكتب الدورية من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، لتفسير ما غمُض به من أحكام، وتدخل المشرع سبعَ عشرة مرة لتعديل بعض أحكامه في محاولة منه لإصلاح ما في هذا القانون من ثغرات أدت – في ظل غياب الشفافية خاصة في مجال التعيينات، وغياب نظام موضوعي لتقييم أداء الموظفين، ووجود نظام أجور معقد، وغير واضح، وغير عادل، ويرسخ للتفاوت الشديد غير المبرر في الدخول – إلى تغول البيروقراطية في الجهاز الإداري. ومن ثم، تدنى الخدمات المقدمة للمواطنين. ومن هذا المنطلق كانت الحاجة ماسة إلى وضع قانون للخدمة المدنية يقوم على فلسفة جديدة – مغايرة تمامًا للفلسفة القائمة – مفادها حصول المواطن على الخدمة الحكومية بأعلى جودة، وبشفافية مطلقة، ونزاهة تامة. فالرؤية الأساسية للإصلاح الإداري هي إيجاد جهاز إداري ذي كفاءة وفاعلية، يتسم بالشفافية والعدالة، ويخضع للمساءلة، ويُعنى برضا المواطن، ويحقق الأهداف التنموية للبلاد، مستندًا إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة كأساس لنظام العمل ".

 وحيث إن الواضح من استعراض أحكام المادة (176) من اللائحة التنفيذية المشار إليها، أن المشرع في مجال سعيه لمواجهة مقتضيات الواقع ومتطلباته المتجددة، وتحقيق التوازن الذي أوجبته المادة (27) من الدستور بين الحق في الوظيفة العامة كحق شخصي للمواطنين، وما يرتبط به من حقوق كفلتها المادتان (12، 14) من الدستور، وبين الوظيفة العامة كتكليف للقائمين بها، غايته خدمة الشعب ورعاية مصالحه، الذي يعد تحقيقه واجبًا والتزامًا دستوريًا على عاتق الموظف، ويضمن المحافظة على سير المرافق العامة بانتظام واطراد، باعتبار أن مداومة القائمين على الوظيفة العامة في أداء مهامهم وواجباتهم الوظيفية، أحد أهم الدعامات التي تكفل تحقيق تلك الغايات والأهداف، ومن أجلها أجاز المشرع للجهة الإدارية مساءلة الموظف تأديبيًا عن مدد انقطاعه عن العمل غير المتصلة، ولو انتهت تلك المساءلة بعقابه تأديبيًا عنها، كأحد الوسائل القانونية التي خولها المشرع للجهة الإدارية لتحقيق الردع الخاص للموظف من خلال الجزاء العادل، الذي يتناسب مع المخالفة التأديبية المنسوب له ارتكابها، ويكفل إلى جانب تحقيق الانضباط الوظيفي، حث الموظف على الوفاء بالتزامه القانوني بالانتظام في العمل، والاضطلاع بالمهام الوظيفية الموكلة إليه في خدمة المرفق العام والشعب، وهو ما لا يتعامد – من ثم – في غايته مع إنهاء الخدمة لاكتمال مدد الانقطاع عن العمل غير المتصلة المدة القانونية المبررة لفصم عرى العلاقة الوظيفية، ليغدو سلوك الجهة الإدارية طريق مساءلة الموظف تأديبيًا على النحو المشار إليه سلطة تقديرية لها، يكون اللجوء إليه، وتقدير الضرورة الموجبة له، ومناسبتها لتحقيق الغايات المتقدمة، والتزام القواعد والضوابط القانونية والدستورية الحاكمة لذلك، خاضعًا لتقدير القاضي الطبيعي، باعتباره الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات التي كفلها الدستور طبقًا لنصى المادتين (94، 97) منه، وليضحى تقرير هذا الحكم، وتضمينه نص المادة (176) من اللائحة التنفيذية في الحدود المتقدمة، باعتباره الوسيلة التي قررها المشرع، وقدر مناسبتها لتحقيق الأهداف المشار إليها، والتي تعد مدخلاً حقيقيًا لكفالة بلوغ تلك الغايات والأغراض، غير مصادم لمبادئ العدل التي كفلها الدستور في المادة (4) منه، ولا يخالف نص المادة (170) من الدستور، التي خولت رئيس مجلس الوزراء سلطة إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين بما ليس فيه تعطيل أو تعديل أو إعفاء من تنفيذها، بعد أن أجازت الفقرة الأخيرة من المادة (46) من قانون الخدمة المدنية مساءلة الموظف المنقطع تأديبيًا عن مدة انقطاعه، في ضوء الضوابط والأحكام المار ذكرها، ليغدو النعي على هذا النص مخالفة كل من المادتين (4، 170) من الدستور في غير محله، وغير مستند إلى أساس سليم.

 وإذ لم يخالف النص المشار إليه أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

 حكمت المحكمة برفض الدعوى.