الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 ديسمبر 2021

الطعن 1771 لسنة 70 ق جلسة 22 / 2 / 2015 مكتب فني 66 ق 50 ص 327

جلسة 22 من فبراير سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ عبد الله عمر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ أحمد فتحي المزين، محمد حسن عبد اللطيف، حاتم أحمد سنوسي نواب رئيس المحكمة ومحمد سمير محمود.
--------------

(50)
الطعن رقم 1771 لسنة 70 القضائية

(1 - 6) إيجار "القواعد العامة في الإيجار: حقوق والتزامات طرفي عقد الإيجار: التزامات المؤجر: الالتزام بتسليم العين المؤجرة وملحقاتها، الالتزام بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة" "تشريعات إيجار الأماكن: الإخلاء للتنازل والترك والتأجير من الباطن: التأجير من الباطن". التزام "انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء: اتحاد الذمة".
(1) عقد الإيجار. مقتضاه. عدم اشتراط أن يكون المؤجر مالكا. كفاية التزامه بتمكين المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر. م 558 مدني.(2) تسليم العين المؤجرة للمستأجر. كيفيته.
(3) اتحاد الذمة. مقتضاه. وجود التزام واحد يخلف أحد طرفيه الطرف الآخر فيه. أثره. انقضاء الدين. اجتماع صفتي المستأجر والمشتري للعين المؤجرة في شخص واحد لا تقوم به حالة اتحاد الذمة إلا إذا ترتب على الشراء حلول المشتري محل المؤجر في هذا العقد بالذات. علة ذلك.
(4) شراء المستأجر من الباطن العين المؤجرة من المالك. مؤداه. حلوله محل الأخير في الإجارة الصادرة عنه للمستأجر الأصلي دون إجارته الصادرة إليه من المستأجر الأصلي. أثره. بقاء الإجارة الأصلية قائمة. علة ذلك.
(5) عقد الإيجار من الباطن. لا ينشئ علاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن والمؤجر الأصلي. أثره. وجود عقدي إيجار. أولهما يحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي والثاني يحكم العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن.
(6) إعلان المطعون ضدهم بحوالة عقد الإيجار المبرم بين مورثهم "المستأجر الأصلي" والمالك السابق لعين النزاع للطاعنين لشرائهم لها. أثره. وجوب التزامهم بالوفاء بأجرتها للطاعنين رغم انتفاع الأخيرين بها استنادا لتأجير مورثهم لها من مورث المطعون ضدهم بالجدك. علة ذلك. التأجير من الباطن صورة من صور انتفاع المستأجر الأصلي بالعين المؤجرة. قضاء الحكم المطعون فيه برفض الدعوى استنادا لوجود العين في يد الطاعنين. خطأ وفساد. حجبه عن بحث طلب فسخ عقد الإيجار.

----------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن مفاد النص في المادة 558 من القانون المدني يدل على أن القانون لا يشترط أن يكون المؤجر مالكا وإنما يكفي أن ينشئ المؤجر في ذمته التزاما صحيحا يوجب عليه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر بتسليمه إلى المستأجر.

2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن تسليم العين يحصل بوضعها تحت تصرف المستأجر بحيث يتمكن من حيازتها والانتفاع بها دون عائق.

3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن اتحاد الذمة يقتضي وجود التزام واحد يخلف أحد طرفيه الطرف الآخر فيه، فيترتب على اجتماع صفتي الدائن والمدين في ذات الشخص انقضاء الدين، ومن ثم فإن اجتماع صفتي المستأجر والمشتري للعين المؤجرة في شخص واحد لا تقوم به حالة اتحاد الذمة بالنسبة لعقد الإيجار فينقضي بها، إلا إذا كان قد ترتب على الشراء حلول المشتري محل المؤجر في هذا العقد بالذات، لأنه بذلك تجتمع في المشتري - بالنسبة لهذا العقد - صفتا المستأجر والمؤجر.

4 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن شراء المستأجر من الباطن العين المؤجرة للمستأجر الأصلي من المالك السابق يترتب عليه حلوله محل الأخير في الإجارة الصادرة عنه للمستأجر الأصلي دون حلوله في الإجارة الصادرة إليه من المستأجر الأصلي، وبالتالي فإن هذا الشراء لا تنشأ عنه حالة اتحاد ذمة وفقا للمادة 370 من القانون المدني، فتنتهي به الإجارة الصادرة من المستأجر الأصلي للمستأجر من الباطن، ولأنه لم يكن مؤداه اجتماع صفتي المستأجر والمؤجر في هذه الإجارة بذاتها في شخص المشتري، ومن ثم تبقى هذه الإجارة قائمة ولو كانت ملكية العين المؤجرة جميعها انتقلت إلى المستأجر من الباطن.

5 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن في الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي، فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بمقتضى هذا العقد، أما العلاقة ما بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن فتسري عليها أحكام عقد الإيجار من الباطن، ويكون المستأجر الأصلي بالنسبة للمستأجر من الباطن مؤجرا والمستأجر من الباطن بالنسبة للمستأجر الأصلي مستأجرا، ومن ثم يوجد عقدا إيجار، أولهما: عقد الإيجار الأصلي، ويحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي، وثانيهما: عقد الإيجار من الباطن، ويحكم العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن ويرد على حق المستأجر الأصلي في الانتفاع بالعين المؤجرة، فلا يسوغ للمستأجر من الباطن التحلل من التزاماته قبل المستأجر الأصلي.

6 - إذ كان الثابت بالأوراق أن عقد الإيجار المؤرخ 14/ 7/ 1971 المبرم بين مورث المطعون ضدهم والمالك السابق "..." العين النزاع قد تمت حوالته إلى الطاعنين تنفيذا لشرائهم لها من ورثة السالف ذكره، وأصبحت الحوالة نافذة في حق المطعون ضدهم بإعلانهم بها في 14/ 8/ 1996 دون منازعة منهم، بما لازمه وجوب إلزامهم بسداد الأجرة إلى الطاعنين، ولا يحول دون ذلك انتفاع الطاعنين بعين النزاع استنادا إلى استئجار مورثهم لها من مورث المطعون ضدهم - المستأجر الأصلي - بالجدك من الباطن بحسبان أن التأجير من الباطن يعد صورة من صور انتفاع المستأجر الأصلي بالعين المؤجرة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى على ما ضمنه أسبابه من عدم انتفاع المطعون ضدهم بعين النزاع لوجودها في يد الطاعنين، فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وقد حجبه ذلك عن بحث طلب فسخ عقد الإيجار الأصلي المؤرخ 14/ 7/ 1971 وإخلاء عين التداعي والتسليم المؤسس على امتناع المطعون ضدهم عن سداد الأجرة المطالب بها بما يعيبه.

-----------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على مورث المطعون ضدهما الأولى والثانية وعلى باقي المطعون ضدهم الدعوى رقم... لسنة 1997 إيجارات أمام محكمة كوم أمبو الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 14/ 7/ 1971 والإخلاء والتسليم، وقالوا في بيان ذلك إن مورث المطعون ضدهم (المرحوم/ ...) استأجر عين النزاع (مخبز بلدي) من مالكها السابق (المرحوم/ ...) بموجب العقد المذكور نظير أجرة مقدارها عشرة جنيهات شهريا، وأن ملكية المخبز آلت إليهم بالشراء من المالك السابق الذي حول إليهم عقد الإيجار، وأنهم أعلنوا المطعون ضدهم بالحوالة بتاريخ 14/ 8/ 1996، وإذ امتنع المطعون ضدهم عن سداد الأجرة رغم نفاذ حوالة الحق في حقهم وتكليفهم بالوفاء بها فقد أقاموا الدعوى. ندبت المحكمة خبيرا، وبعد أن أودع تقريره حكمت للطاعنين بالطلبات.
استأنف مورث المطعون ضدهما الأولى والثانية وباقي المطعون ضدهم هذا الحكم وبالاستئناف رقم... لسنة 18 ق قنا "مأمورية أسوان"، وبتاريخ 15/ 5/ 2000 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه بأسباب الطعن الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ويقولون بيانا لذلك إن عين النزاع كانت مؤجرة من المالك السابق "..." إلى مورث المطعون ضدهم "..." بموجب عقد الإيجار المؤرخ 14/ 7/ 1971 المحال إليهم بموجب حوالة الحق في 27/ 5/ 1996 من المالك السابق، وأنهم أعلنوا المطعون ضدهم بالحوالة بتاريخ 14/ 8/ 1996، فأصبحت نافذة في حقهم ومنشئة لأحقية الطاعنين في مطالبة المطعون ضدهم بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار ومن بينها أجرة العين المؤجرة، إلا أنهم امتنعوا عن الوفاء بالأجرة عن المدة من 15/ 8/ 1996 حتى 15/ 12/ 1996 رغم تكليفهم بالوفاء بالإنذار المعلن إليهم بتاريخ 28/ 1/ 1997، كما أن مورثهم المرحوم/ ... كان يستأجر عين النزاع بالجدك من الباطن من المطعون ضدهم نظير أجرة مقدارها 45 جنيها شهريا بموافقة النيابة الحسبية بموجب قرارها المؤرخ 18/ 11/ 1975 عقب وفاة المستأجر الأصلي (مورث المطعون ضدهم) وأن الأخيرين أقاموا الدعوى رقم... لسنة 1993 مدني كلي كوم أمبو على بعض الطاعنين بطلب الحكم بإنهاء عقد الإيجار بالجدك من الباطن بانتهاء مدته، وتمسكوا فيها بإجراء المقاصة القضائية بين القيمة الإيجارية المستحقة عليهم وتلك المستحقة لهم بموجب عقد الإيجار من الباطن، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء الحكم الابتدائي وبرفض الدعوى المبتدأة استنادا إلى أن المطعون ضدهم لا يضعون اليد على عين النزاع، ولا ينتفعون بها، مهدرا آثار عقد الإيجار الأصلي سند الدعوى، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 558 من القانون المدني على أن "الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم" يدل على أن القانون لا يشترط أن يكون المؤجر مالكا وإنما يكفي أن ينشئ المؤجر في ذمته التزاما صحيحا يوجب عليه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالشيء المؤجر بتسليمه إلى المستأجر، وأن تسليم العين يحصل بوضعها تحت تصرف المستأجر بحيث يتمكن من حيازتها والانتفاع بها دون عائق، وأن اتحاد الذمة يقتضي وجود التزام واحد يخلف أحد طرفيه الطرف الآخر فيه، فيترتب على اجتماع صفتي الدائن والمدين في ذات الشخص انقضاء الدين، ومن ثم فإن اجتماع صفتي المستأجر والمشتري للعين المؤجرة في شخص واحد لا تقوم به حالة اتحاد الذمة بالنسبة لعقد الإيجار فينقضي بها، إلا إذا كان قد ترتب على الشراء حلول المشتري محل المؤجر في هذا العقد بالذات، لأنه بذلك تجتمع في المشتري - بالنسبة لهذا العقد - صفتا المستأجر والمؤجر، ومن ثم فإن شراء المستأجر من الباطن العين المؤجرة للمستأجر الأصلي من المالك السابق يترتب عليه حلوله محل الأخير في الإجارة الصادرة عنه للمستأجر الأصلي دون حلوله في الإجارة الصادر إليه من المستأجر الأصلي، وبالتالي فإن هذا الشراء لا تنشأ عنه حالة اتحاد ذمة وفقا للمادة 370 من القانون المدني، فتنتهي به الإجارة الصادرة من المستأجر الأصلي للمستأجر من الباطن، ولأنه لم يكن مؤداه اجتماع صفتي المستأجر والمؤجر في هذه الإجارة بذاتها في شخص المشتري، ومن ثم تبقى هذه الإجارة قائمة ولو كانت ملكية العين المؤجرة جميعها انتقلت إلى المستأجر من الباطن، كما أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة أيضا - أن في الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي، فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بمقتضى هذا العقد، أما العلاقة ما بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن فتسري عليها أحكام عقد الإيجار من الباطن، ويكون المستأجر الأصلي بالنسبة للمستأجر من الباطن مؤجرا، والمستأجر من الباطن بالنسبة للمستأجر الأصلي مستأجرا، ومن ثم يوجد عقدا إيجار أولهما: عقد الإيجار الأصلي، ويحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي، وثانيهما: عقد الإيجار من الباطن، ويحكم العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن، ويرد على حق المستأجر الأصلي في الانتفاع بالعين المؤجرة، فلا يسوغ للمستأجر من الباطن التحلل من التزاماته قبل المستأجر الأصلي. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن عقد الإيجار المؤرخ 14/ 7/ 1971 المبرم بين مورث المطعون ضدهم والمالك السابق "...." لعين النزاع قد تمت حوالته إلى الطاعنين تنفيذا لشرائهم لها من ورثة السالف ذكره، وأصبحت الحوالة نافذة في حق المطعون ضدهم بإعلانهم بها في 14/ 8/ 1996 دون منازعة منهم، بما لازمه وجوب إلزامهم بسداد الأجرة إلى الطاعنين، ولا يحول دون ذلك انتفاع الطاعنين بعين النزاع استنادا إلى استئجار مورثهم لها من مورث المطعون ضدهم - المستأجر الأصلي - بالجدك من الباطن بحسبان أن التأجير من الباطن يعد صورة من صور انتفاع المستأجر الأصلي بالعين المؤجرة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى على ما ضمنه أسبابه من عدم انتفاع المطعون ضدهم بعين النزاع لوجودها في يد الطاعنين، فإنه يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وقد حجبه ذلك عن بحث طلب فسخ عقد الإيجار الأصلي المؤرخ 14/ 7/ 1971 وإخلاء عين التداعي والتسليم المؤسس على امتناع المطعون ضدهم عن سداد الأجرة المطالب بها، بما يعيبه ويوجب نقضه.

الطعن 3314 لسنة 70 ق جلسة 5 / 1 / 2015 مكتب فني 66 ق 14 ص 86

جلسة ه من يناير سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ يحيى جلال نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ عبد الصبور خلف الله، مجدي مصطفي، أحمد فاروق عبد الرحمن نواب رئيس المحكمة وياسر فتح الله العكازي.
------------

(14)
الطعن رقم 3314 لسنة 70 القضائية

(1 - 3) إثبات "طرق الإثبات: الدليل الكتابي: الإقرار". هبة "من أركان الهبة".
(1) الهبة. انعقادها. إيجاب وقبول متطابقان والتصرف بغير عوض. نية الهبة لا تفترض ولا تؤخذ بالظن. م 486 مدني.
(2) تفسير وتكييف المحررات. لازمه. التعرف على حقيقية مرماها وما انتواه المتصرف وقصد إليه. وضوح عباراته. مؤداه. عدم جواز الانحراف عنها. الالتزام بمجموع عباراته كوحدة متكاملة. (مثال لتسبيب معيب بشأن عقد اعتبر هبة).
(3) الإقرار ليس سببا لمدلوله. اعتباره دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق. حكمه ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء. صحته ونفاذة ولو خلا ذكر سببه السابق عليه. هو حجة على المقر بما حواه. (مثال لتسبيب معيب بشأن عقد اعتبر هبة).

---------------

1 - إن مؤدى نص المادة 486 من القانون المدني يدل على أن الهبة لا تنعقد بإرادة الواهب المنفردة، بل لابد لانعقادها من إيجاب وقبول متطابقين، وأن تتوفر لدى المتصرف نية التبرع، أي التصرف بغير عوض، لأن نية الهبة لا تفترض ولا تؤخذ بالظن.

2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن العبرة في تفسير المحررات وتكييفها هي التعرف على حقيقة مرماها وما انتواه المتصرف وقصد إليه، فإذا كانت عبارات المحرر واضحة وجب أن تكون تعبيرا صادقا عن إرادته ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير والتأويل، والمقصود بعبارات المحرر هو ما تفيده هذه العبارات في مجموعها لا خصوص كلمة بعينها أو عبارة بذاتها بل ينظر إلى ما تضمنه المحرر كله كوحدة متكاملة. لما كان ذلك، وكان السند المتنازع عليه المؤرخ 30/ 8/ 1990 الصادر من المطعون ضده الأول ومحرر بخط يده وموقع منه معنون بعبارة "شروط وإقرار وتنازل" يجري نصه كالتالي "أقر وأعترف وأتنازل أنا ... المحامي عن نصف المساحة المشتراة باسمي من والدي ... بعقد البيع المؤرخ 1/ 5/ 1990 لشقيقي ... وهذا إقرار وتنازل مني لأخي وتقسم المساحة المشتراة وقدرها 20 قيراطا موضحة الحدود والمعالم بالعقد المشار إليه مناصفة بيني وبين أخي المذكور قسمة مهايأة لا ظلم فيها ولا تمييز لي عليه حيث إن هذا حقه بمقتضى هذا التنازل ولا يصح لي أن أعارض في ذلك أو امتنع وهذا الإقرار بخطي وتوقيعي أمام الشهود". وقد ذيل بتوقيع من شقيقي طرفي الخصومة كشاهدين، وكان البين من عبارات هذا المحرر أنه صادر من جانب واحد هو المطعون ضده الأول وخلت عباراته من أي عبارة يمكن حملها على أنها إيجاب يعبر عن إرادته في إبرام عقد هبة، الأمر الذي يتخلف معه الركن الأول والأساسي من أركان عقد الهبة، كما أنه بفرض اعتبار ذلك المحرر ينطوي على إيجاب من المطعون ضده الأول فقد خلت أوراق الدعوى ومستنداتها من أي دليل أو قرينة تفيد صراحة أو ضمنا أن هذا الإيجاب قد صادف قبولا مطابقا من الطاعن بوصفه عقد هبة، وإذ كيفت محكمة الموضوع التصرف الوارد بالمحرر آنف البيان بأنه عقد هبة برغم أنه لا ينعقد إلا بإيجاب وقبول متطابقين فإنها تكون قد أساءت تأويل عباراته وأسبغت عليه وصفا قانونيا غير صحيح، وكان إيراد تفاصيل العقد المؤرخ 1/ 5/ 1990 الصادر من والد الطاعن والمطعون ضده الأول المتضمن بيعه للأخير مساحة 20 قيراطا في صور المحرر المتنازع عليه والمؤرخ 30/ 8/ 1990 والفترة الزمنية القصيرة بين التصرفين والتي لا تتجاوز أربعة أشهر وصلة القرابة بين أطرافها، وما سطر بالمحرر من ألفاظ وعبارات كالإقرار والاعتراف وقسمة المساحة المباعة من الأب باسم المطعون ضده الأول مناصفة بين الأخين بغير ظلم ولا تمييز، وبأن ذلك حق الطاعن وتعهد المطعون ضده الأول بعدم المنازعة في هذا الحق، بأن ظاهر عبارات المحرر في مجموعها والظروف التي لابست تحريره كاشفة عن أن حقيقة المقصود به هو إقرار واعتراف المطعون ضده الأول بملكية شقيقه الطاعن لنصف المساحة المباعة إليه من الأب بالعقد المؤرخ 1/ 5/ 1990، ومن ثم لا يجوز الوقوف عند المعنى الحرفي للفظ التنازل الوارد بالمحرر وتأويله بمعزل عن باقي عباراته وإنما يتعين تفسيره باعتباره أثرا للإقرار بملكية الطاعن وهو ما يتسق مع عبارات المحرر في جملتها.

3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الإقرار لا يكون سببا لمدلوله وإنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق تحكمه ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء، ويكون الإقرار صحيحا نافذا ولو كان خاليا من ذكر سببه السابق عليه، ويكون حجة على المقر بما حواه، وكان ما تضمنه المحرر المؤرخ 30/ 8/ 1990 - وعلى النحو سالف البيان - يعد إقرار بملكية الطاعن لأرض النزاع هذا الإقرار ليس سندها وإنما هو دليلها، فإن هذا التصرف الإقراري يكون حجة على المطعون ضده الأول المقر ودليلا للطاعن المقر له على ملكيته للقراريط العشرة موضوع التداعي، وإذ خالف الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - هذا النظر وأقام قضاءه على أن ما تضمنه المحرر سالف الذكر هو عقد هبة باطل لعدم إفراغه في ورقة رسمية فإنه يكون قد انحرف في تفسير عبارات المحرر انحرافا أدى به إلى الخطأ في تكييفه وإضفاء وصف قانوني عليه يخالف الوصف القانوني الصحيح عليه مما يعيبه بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، وحجبه ذلك عن بحث طلب الطاعن بالتعويض عن تصرف المطعون ضده الأول بالبيع للغير القراريط العشرة موضوع النزاع المملوكة له، مما يعيبه أيضأ بالقصور في التسبيب.

------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوي ... لسنة 1998 م. ك أسيوط بطلب الحكم بإلزام المطعون ضده الأول بأن يؤدي إليه مبلغا مقداره خمسة وأربعون ألف جنيه، وقال شارحا دعواه إنه بموجب العقد المؤرخ 30/ 8/ 1990 تملك القراريط العشرة المبينة بالأوراق إلا أنه فوجئ ببيع المطعون ضده الأول للمطعون ضدهما الثاني والثالث عشرين قيراطا من بينها المساحة المملوكة له، وكانت قيمة الأرض المملوكة للطاعن تقدر بالمبلغ المطالب به، ومن ثم فقد أقام الدعوى، كما أقام المطعون ضده الأول الدعوى ... لسنة 1998 م. ك أسيوط على الطاعن بطلب الحكم ببطلان العقد المؤرخ 30/ 8/ 1990 - سالف الذكر - على سند من أنه عقد هبة افتقر لشرط الرسمية بما يبطله، وبعد أن ضمت المحكمة الدعويين وجه الطاعن طلبا عارضا ببطلان عقد البيع المؤرخ 1/ 5/ 1990 لصوريته، إذ صدر للمطعون ضده الأول من مورثهما دون سداد الثمن. حكمت المحكمة بعدم قبول الطلب العارض - لعدم الارتباط - وبرفض دعوى الطاعن رقم ... لسنة 1998 م. ك أسيوط وبالطلبات في الدعوى المنضمة رقم ... لسنة 1998 م. ك أسيوط بحكم استأنفه الطاعن برقم ... لسنة 74 ق أسيوط، وبتاريخ 10/ 4/ 2000 قضت بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن الماثل، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، إذ اعتبر ما تضمنه المحرر المؤرخ 30/ 8/ 1990 الصادر من المطعون ضده الأول عقد هبة باطل لعدم إفراغه في ورقة رسمية بمقولة إنه تنازل عن أرض النزاع بغير عوض، برغم أن عبارات المحرر واضحة الدلالة على أنه إقرار بملكية الطاعن لهذه الأرض ودون أن يعرض الحكم لما ساقه من قرائن توضح الظروف التي أحاطت بتحريره وتقطع بذلك فإنه يكون قد انحرف في تأويل عبارات المحرر المذكور وأخطأ في تكييفه مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه لما كان النص في الفقرة الأولى من المادة 486 من القانون المدني على أن "الهبة عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في ماله دون عوض" يدل على أن الهبة لا تنعقد بإرادة الواهب المنفردة، بل لابد لانعقادها من إيجاب وقبول متطابقين، وأن تتوفر لدى المتصرف نية التبرع، أي التصرف بغير عوض، لأن نية الهبة لا تفترض ولا تؤخذ بالظن، وكانت العبرة في تفسير المحررات وتكييفها هي التعرف على حقيقة مرماها وما انتواه المتصرف وقصد إليه، فإذا كانت عبارات المحرر واضحة وجب أن تكون تعبيرا صادقا عن إرادته ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير والتأويل، والمقصود بعبارات المحرر هو ما تفيده هذه العبارات في مجموعها لا خصوص كلمة بعينها أو عبارة بذاتها بل ينظر إلى ما تضمنه المحرر كله كوحدة متكاملة. لما كان ذلك، وكان السند المتنازع عليه المؤرخ 30/ 8/ 1990 الصادر من المطعون ضده الأول ومحرر بخط يده وموقع منه معنون بعبارة "شروط وإقرار وتنازل". يجري نصه كالتالي "أقر وأعترف وأتنازل أنا/ ... المحامي عن نصف المساحة المشتراة باسمي من والدي ... بعقد البيع المؤرخ 1/ 5/ 1990 لشقيقي ... وهذا إقرار وتنازل مني لأخي وتقسم المساحة المشتراة وقدرها 20 قيراطا موضحة الحدود والمعالم بالعقد المشار إليه مناصفة بيني وبين أخي المذكور قسمة مهايأة لا ظلم فيها ولا تمييز لي عليه حيث إن هذا حقه بمقتضى هذا التنازل ولا يصح لي أن أعارض في ذلك أو امتنع وهذا الإقرار بخطي وتوقيعي أمام الشهود"، وقد ذيل بتوقيع من شقيقي طرفي الخصومة كشاهدين، وكان البين من عبارات هذا المحرر أنه صادر من جانب واحد هو المطعون ضده الأول وخلت عباراته من أي عبارة يمكن حملها على أنها إيجاب يعبر عن إرادته في إبرام عقد هبة، الأمر الذي يتخلف معه الركن الأول والأساسي من أركان عقد الهبة، كما أنه بفرض اعتبار ذلك المحرر ينطوي على إيجاب من المطعون ضده الأول فقد خلت أوراق الدعوى ومستنداتها من أي دليل أو قرينة تفيد صراحة أو ضمنا أن هذا الإيجاب قد صادف قبولا مطابقا من الطاعن بوصفه عقد هبة، وإذ كيفت محكمة الموضوع التصرف الوارد بالمحرر أنف البيان بأنه عقد هبة برغم أنه لا ينعقد إلا بإيجاب و قبول متطابقين، فإنها تكون قد أساعت تأويل عباراته وأسبغت عليه وصفا قانونيا غير صحيح، وكان إيراد تفاصيل العقد المؤرخ 1/ 5/ 1990 الصادر من والد الطاعن والمطعون ضده الأول المتضمن بيعه للأخير مساحة 20 قيراطا في صور المحرر المتنازع عليه والمؤرخ 30/ 8/ 1990، والفترة الزمنية القصيرة بين التصرفين والتي لا تتجاوز أربعة أشهر وصلة القرابة بين أطرافها، وما سطر بالمحرر من ألفاظ وعبارات كالإقرار والاعتراف وقسمة المساحة المباعة من الأب باسم المطعون ضده الأول مناصفة بين الأخين بغير ظلم ولا تمييز، وبأن ذلك حق الطاعن وتعهد المطعون ضده الأول بعدم المنازعة في هذا الحق، بأن ظاهر عبارات المحرر في مجموعها والظروف التي لابست تحريره كاشفة عن أن حقيقة المقصود به هو إقرار واعتراف المطعون ضده الأول بملكية شقيقه الطاعن لنصف المساحة المباعة إليه من الأب بالعقد المؤرخ 1/ 5/ 1990، ومن ثم لا يجوز الوقوف عند المعنى الحرفي للفظ التنازل الوارد بالمحرر وتأويله بمعزل عن باقي عباراته وإنما يتعين تفسيره باعتباره أثرا للإقرار بملكية الطاعن وهو ما يتسق مع عبارات المحرر في جملتها، وكان الإقرار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكون سببا لمدلوله وإنما هو دليل تقدم الاستحقاق عليه في زمن سابق تحكمه ظهور ما أقر به المقر لا ثبوته ابتداء، ويكون الإقرار صحيحا نافذا ولو كان خاليا من ذكر سببه السابق عليه، ويكون حجة على المقر بما حواه، وكان ما تضمنه المحرر المؤرخ 30/ 8/ 1990 - وعلى النحو سالف البيان - بعد إقرار بملكية الطاعن لأرض النزاع هذا الإقرار ليس سندها وإنما هو دليلها، فإن هذا التصرف الإقراري يكون حجة على المطعون ضده الأول المقر ودليلاً للطاعن المقر له على ملكيته للقراريط العشرة موضوع التداعي، وإذ خالف الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - هذا النظر وأقام قضاءه على أن ما تضمنه المحرر سالف الذكر هو عقد هبة باطل لعدم إفراغه في ورقة رسمية، فإنه يكون قد انحرف في تفسير عبارات المحرر انحرافا أدى به إلى الخطأ في تكييفه وإضفاء وصف قانوني عليه يخالف الوصف القانوني الصحيح عليه، مما يعيبه بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، وحجبه ذلك عن بحث طلب الطاعن بالتعويض عن تصرف المطعون ضده الأول بالبيع للغير القراريط العشرة موضوع النزاع المملوكة له، مما يعيبه - أيضا - بالقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.

الطعن 12432 لسنة 84 ق جلسة 4 / 6 / 2015 مكتب فني 66 ق 124 ص 820

جلسة 4 من يونيه سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ عبد الله عصر نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة القضاة/ عطية زايد، خير الله سعد، علاء أحمد وجمال سلام نواب رئيس المحكمة.
-----------

(124)
الطعن رقم 12432 لسنة 84 القضائية

(1 - 4) إيجار "تشريعات إيجار الأماكن: أسباب الإخلاء: الإخلاء لتكرار التأخير أو الامتناع عن الوفاء بالأجرة". دعوى "شروط قبول الدعوى: المصلحة".
(1) تكرار امتناع المستأجر عن الوفاء بالأجرة الموجب للحكم بالإخلاء. شرطه. ثبوت هذا الامتناع أو التأخير في الوفاء بالأجرة في دعوى سابقة ثم ثبوت أيهما بعد ذلك دون مبرر مقبول.
(2) دعوى الإخلاء لعدم الوفاء بالأجرة. لا توجب على محكمة الموضوع بحث أمر تكرار امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة. علة ذلك. اعتباره سببا لطلب غير مطروح على المحكمة.
(3) المصلحة التي يقرها القانون. شرط لقبول الخصومة أمام القضاء. مقصودها. المصلحة التي تستند إلى حق يحميه القانون. م 3 مرافعات.(4) إقامة المطعون ضدها لدعواها بطلب الإخلاء استنادا لتكرار امتناع الطاعن عن الوفاء بالأجرة في دعويين ثبت القضاء في إحداهما بالرفض للتوقي وفي الأخرى بعدم القبول لبطلان التكليف بالوفاء. مؤداه. عدم توفر حالة الإخلاء للتكرار. اعتداد الحكم المطعون فيه بالدعوي الأولى كسابقة للامتناع وتوفر حالة التكرار بالدعوى الأخرى. مخالفة للقانون وخطأ.

------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض – أنه يشترط لتوفر حالة التكرار في امتناع المستأجر عن سداد الأجرة في المواعيد المتفق عليها الموجب للحكم بالإخلاء وفق نص المادة 18/ب من القانون 136 لسنة 1981 - في شأن إيجار الأماكن - أن يكون قد ثبت امتناعه عن الوفاء بها في دعوي سابقة ثم ثبوت تأخر المستأجر أو امتناعه بعد ذلك عن سداد الأجرة دون مبرر.

2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن دعوى المؤجر بالإخلاء بسبب التأخر في سداد الأجرة لا يطرح بطريق اللزوم على محكمة الموضوع بحث أمر تكرار امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة باعتباره سببا لطلب غير مطروح على محكمة الإخلاء.

3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق المدعى به مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون، ومفاد ذلك أن مجرد توفر المصلحة للمدعي في الحصول على منفعة مادية أو أدبية لا يكفي لقبول دعواه ما دامت هذه المصلحة لا تستند إلى حق يحميه القانون.

4 - إذ كانت المطعون ضدها قد أقامت دعواها طلبا لإخلاء العين محل النزاع الثبوت امتناع الطاعن عن سداد الأجرة على النحو الثابت بالحكمين الصادرين في الدعويين رقمي ... لسنة 2000، ... لسنة 2009 كلى شمال القاهرة، وكان الثابت بالأوراق أن الحكم الصادر في الدعوى الأولى قضى فيه نهائيا بالرفض إعمالا للرخصة المخولة للمستأجر بتوقي الحكم بالإخلاء بسداد الأجرة المتأخرة والنفقات والمصروفات الفعلية، وقضى في الدعوى الأخرى بعدم القبول لبطلان التكليف بالوفاء وبإلزام الطاعن قيمة فروق استهلاك المياه عن المدة من 1/ 1/ 2007 حتى 28/ 2/ 2009، فأداها قبل رفع الدعوى الراهنة، وإذ لم تتع المطعون ضدها في هذه الدعوى انشغال نمة الطاعن بالأجرة أو ملحقاتها اكتفاء بالإحالة إلى الحكمين السابقين، فإن هذه الدعوى - وقد أضحت فاقدة لسببها - لا تصلح لقيام حالة التكرار المدعى بها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بالإخلاء معتدا بالدعوى الأولى كسابقة امتناع عن الوفاء بالأجرة والدعوي الأخرى لثبوت تكرار امتناعه عن الوفاء بها فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، مما يعيبه.

----------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت على الطاعن الدعوى رقم ... لسنة 2011 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة والتسليم، وقالت بيانا لدعواها إنه بموجب عقد الإيجار المؤرخ 16/ 1/ 1983استأجر الطاعن من مورثها العين محل النزاع بأجرة شهرية مقدارها خمسون جنيها، وإذ سبق للطاعن الامتناع عن سداد الأجرة على النحو الثابت في الدعويين رقمي ... لسنة 2000 و ... لسنة 2009 کلي شمال القاهرة فقد أقامت الدعوى، كما أقامت المطعون ضدها على الطاعن الدعوى رقم ... لسنة 2009 أمام ذات المحكمة بطلب الحكم بالإخلاء والزامه أن يؤدي إليها مبلغ مقداره 177.75 جنيها لامتناعه عن أداء فروق استهلاك المياه عن المدة من 1/ 1/ 2007 حتى 28/ 2/ 2009، وانارة السلم من 2004 حتي 3/ 2009 رغم تكليفه بالوفاء بها. حكمت المحكمة في الدعوى الأولى بالطلبات، وفي الدعوى الأخرى بعدم قبولها لبطلان التكليف بالوفاء، وألزمت الطاعن أن يؤدي إلى المطعون ضدها مبلغ 138 جنيها. استأنف الطاعن الحكمين، الأول بالاستئناف رقم ... لسنة 17ق القاهرة، والآخر بالاستئناف رقم ... السنة 17ق القاهرة، ضمت المحكمة الاستئنافين باعتبارهما استئنافا عن الحكم الأول ثم قضت فيهما بتاريخ 29/ 4/ 2012 بالتأييد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة، أمرت بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وحددت جلسة لنظره، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وبجلسة المرافعة التزمت النيابة رأيها.

----------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك ببراءة ذمته من دين الأجرة وملحقاتها وقت رفع الدعوى بما ينفى تكرار امتناعه عن أدائها، إلا أن الحكم المطعون فيه اعتد بالحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة 2009 كلى شمال القاهرة في ثبوت حالة تكرار امتناع الطاعن عن الوفاء بالأجرة في حين أن هذه الدعوى لا تعد سابقة ورفعت بطلب الإخلاء لعدم سداد ملحقات الأجرة وقضي فيها بعدم القبول وأداء مقابل استهلاك المياه فأداها قبل رفع الدعوى، بما ينفي - أيضا - تكرار امتناعه عن أداء الأجرة وملحقاتها، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط لتوفر حالة التكرار في امتناع المستأجر عن سداد الأجرة في المواعيد المتفق عليها الموجب للحكم بالإخلاء وفق نص المادة 18/ب من القانون 136 لسنة 1981 - في شأن إيجار الأماكن - أن يكون قد ثبت امتناعه عن الوفاء بها في دعوي سابقة، ثم ثبوت تأخر المستأجر أو امتناعه بعد ذلك عن سداد الأجرة دون مبرر، وأن دعوى المؤجر بالإخلاء بسبب التأخر في سداد الأجرة لا يطرح بطريق اللزوم على محكمة الموضوع بحث أمر تكرار امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة باعتباره سببا لطلب غير مطروح على محكمة الإخلاء، ومن المقرر – أيضا – أن شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق المدعى به مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون، ومفاد ذلك أن مجرد توفر المصلحة للمدعي في الحصول على منفعة مادية أو أدبية لا يكفي لقبول دعواه ما دامت هذه المصلحة لا تستند إلى حق يحميه القانون. لما كان ذلك، وكانت المطعون ضدها قد أقامت دعواها طلبا لإخلاء العين محل النزاع لثبوت امتناع الطاعن عن سداد الأجرة على النحو الثابت بالحكمين الصادرين في الدعويين رقمي ... لسنة 2000، ... لسنة 2009 كلى شمال القاهرة، وكان الثابت بالأوراق أن الحكم الصادر في الدعوى الأولى قضى فيه نهائيا بالرفض إعمالا للرخصة المخولة للمستأجر بتوقي الحكم بالإخلاء بسداد الأجرة المتأخرة والنفقات والمصروفات الفعلية، وقضى في الدعوى الأخرى بعدم القبول لبطلان التكليف بالوفاء وبإلزام الطاعن قيمة فروق استهلاك المياه عن المدة من 1/ 1/ 2007 حتى 28/ 2/ 2009، فأداها قبل رفع الدعوى الراهنة، وإذ لم تنع المطعون ضدها في هذه الدعوى انشغال ذمة الطاعن بالأجرة أو ملحقاتها اكتفاء بالإحالة إلى الحكمين السابقين، فإن هذه الدعوى - وقد أضحت فاقدة لسببها - لا تصلح القيام حالة التكرار المدعى بها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بالإخلاء معتدا بالدعوى الأولى كسابقة امتناع عن الوفاء بالأجرة والدعوي الأخرى لثبوت تكرار امتناعه عن الوفاء بها فإنه يكون معيبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الطعن صالح للفصل فيه، ولما تقدم.

الطعن 7701 لسنة 84 ق جلسة 16 / 6 / 2015 مكتب فني 66 ق 134 ص 881

جلسة 16 من يونيه سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ جرجس عدلي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ معتز مبروك، محمد منصور، حازم شوقي ومنصور الفخراني نواب رئيس المحكمة.
---------------

(134)
الطعن رقم 7701 لسنة 84 قضائية

(1 - 7) قضاة "دعوى المخاصمة: نظر دعوى مخاصمة القضاة على درجتين".
(1) دعوى المخاصمة. دعوى مسئولية. الغرض منها. تعويض المخاصم عن الضرر الذي أصابه. أستنادها لقيام القاضي بعمل أو إصداره حكما مشويا بعيب يجيز مخاصمته. الأصل. عدم مسئوليته عما يصدره من تصرفات أثناء عمله. علة ذلك. الاستثناء. جواز مساءلته عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في الأحوال المبينة بالمادة 494 مرافعات. سبيله. رفع دعوى المخاصمة. وفق إجراءات وضمانات لكفالة الطمأنينة للقاضي في عمله. مؤداه. عدم جواز التوسع في الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
(2) تفسير النصوص القانونية. وجوب مراعاة التناسق فيما بينهما بعدم تفسير النص بمعزل عن الآخر.
(3) القضاة وأعضاء النيابة العامة. جواز مخاصمتهما. م 494 مرافعات. انصراف كلمة القضاة لقضاة المحاكم العادية باختلاف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية وأعضاء النيابة العامة. عدم امتداد سريانها لغيرهم إلا بنص خاص.
(4) مساءلة القضاة تأديبياً. خضوعها لمبدأ التقاضي على درجتين. انعقاد الاختصاص بنظرها لمجلس تأديب برئاسة أقدم رؤساء محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى وعضوية أقدم قاضيين بمحكمة النقض وأقدم نائبي رؤساء محاكم الاستئناف. للنائب العام وللمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر منه أمام مجلس تأديب أعلى برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأحدث ثلاثة نواب لرئيس محكمة النقض. م 98 ، 107 ق السلطة القضائية المعدل بالقانوني رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007.
(5) دعوى تأديب القضاة. إناطة المشرع لمجلس التأديب بدرجتيه ولاية نظرها وفق قواعد إجرائية وضمانات أساسية بإصدار حكم بالبراءة أو بالعقاب وفقا لمدى ثبوت الواقعة المنسوبة وقدر جسامتها. المواد 99 ،100، 101، 102، 106، 107/ 1 ق السلطة القضائية المعدل. تفرد المجلس بتنظيم خاص في تشكيله بدرجتيه خلافا للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف من دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب بنصوص إجرائية مستقلة. مؤداه. عدم إندراجه وفق ذلك التنظيم وتلك المغايرة ضمن مفهوم المحاكم العادية. أثره. عدم خضوع أعضاء مجلس التأديب بدرجتيه لأحكام مخاصمة القضاة.
(6) أعضاء المحكمة الدستورية العليا. خضوعهم لقواعد المخاصمة. م 15/ 1 ق 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا. خلو القرار بق 46 لسنة 1972 المعدل بق 142 لسنة 2006، 172 لسنة 2007 من النص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب بدرجتيه أو الإحالة للأحكام المنظمة لقواعد مخاصمة قضاة المحاكم العادية الواردة بقانوني المرافعات والإجراءات الجنائية. مؤداه. عدم انطباق قواعد المخاصمة على قضاة مجلس التأديب بدرجتيه. أثره. عدم قبول دعوى مخاصمة رئيس مجلس تأديب القضاة الأعلى.
(7) الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة في دعوى مخاصمة القضاة. شرطه. القضاء بعدم جواز المخاصمة أو برفضها. القضاء بعدم القبول لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة بقانون المرافعات على رئيس مجلس التأديب الأعلى. أثره. انتفاء موجب القضاء بالغرامة. علة ذلك. المادتان 496، 499 مرافعات.

--------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله، لأنه يستعمل في ذلك حق خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، وأجاز المشرع استثناء من هذا الأصل مساءلة القاضي عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في عمله في أحوال معينة بينها على سبيل الحصر في المادة "494" من قانون المرافعات، ورسم طريقا خاصا لهذه المساءلة وهو رفع دعوى المخاصمة، وأفرد لها إجراءات خاصة وأحاطها بضمانات تكفل توفير الطمأنينة للقاضي في عمله، ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.

2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه يتعين عند تفسير نصوص القانون مراعاة التناسق فيما بينها على نحو يوجب ألا يفسر نص بمعزل عن آخر.

3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن المادة 494 من قانون المرافعات أجازت مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، وكانت كلمة "القضاة" - في مقصود هذه المادة وحملا على سياق نص المادة 497 من ذات القانون التي تناولت ضوابط تحديد المحكمة المختصة بنظر موضوع المخاصمة - إنما تتصرف - بالنسبة إلى قضاة المحاكم العادية - إلى مختلف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية، وأعضاء النيابة العامة، ولا يمتد سريانها إلى غيرهم إلا إذا نص قانون آخر يجيز ذلك.

4 - إن قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 - المعمول به اعتبارا من 9/ 5/ 2007 والمنطبق على الدعوى - قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبيا، وعهد بذلك في المادة "98" منه إلى مجلس تأديب يشكل من أقدم رؤساء محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى رئيسا وعضوية أقدم قاضيين بمحكمة النقض وأقدم نائبي رئيس محكمة الاستئناف، وأورد في الفقرة الثانية من المادة "107" منه على أن للنائب العام وللمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر من مجلس التأديب سالف البيان خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره أمام مجلس تأديب أعلى يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأحدث ثلاثة نواب لرئيس محكمة النقض، مما مفاده أن المشرع جعل الاختصاص بالفصل في الدعوى التأديبية على درجتين، وأوكل الفصل فيها في الدرجة الأولى إلى خمسة من رجال القضاء، وفي الدرجة الثانية إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدميتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبره ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وأعمق فهما للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدي العمل القضائي في إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل ترخص أو شبهة تنال منها، مما يجعل المجلس - بدرجتيه على ضوء هذه الحقائق -الأقدر على الفصل في خصومة قد تؤول إلى عزل القاضي من وظيفته.

5 - إن مؤدى نصوص المواد 99، 100، 101، 102، 106، 107/ 1 من قانون السلطة القضائية المعدل المشار إليه سلفا - التي أوضحت طريقة رفع الدعوى التأديبية وبما كفلته للقاضي من ضمانات أساسية وصولا إلى القول الفصل فيها - أن المشرع ناط بمجلس التأديب - بدرجتيه - ولاية نظر دعوى تأديب القضاة - باعتباره هيئة قضائية - بإصدار حكم بالبراءة أو العقاب بالجزاء الذي يراه - اللوم أو العزل - وفقا لاقتناعه بمدى ثبوت الواقعة المنسوبة للقاضي وقدر جسامتها، وإلى جانب هذه الصفة القضائية للمجلس - بدرجتيه - فقد أولاه المشرع طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة المحاكم العادية، إذ أفرده بتنظيم خاص تبرز ملامحه في تشكيله السالف البيان، وذلك خلافا للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف من دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب، هذا إلى أن الخصومة التي أسند إليه الاختصاص بالفصل فيها قد احتجزها بنصوص إجرائية مستقلة عن تلك الواردة في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا يندرج بحسب هذا التنظيم وتلك المغايرة تحت مفهوم المحاكم العادية، ولا يخضع أعضاؤه بالتالي لأحكام مخاصمة قضاتها.

6 - إن المشرع - وفي الإطار السالف بيانه - إذ ارتأى أخضاع المحكمة الدستورية العليا لقواعد المخاصمة فقد أفصح عن إرادته صراحة بنصه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية على سريان الأحكام المقررة في هذا الخصوص بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض في شأنهم، ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 إذ جاء خلوا من نص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب - بدرجتيه - أو الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام العامة المنظمة لقواعد مخاصمة قضاة المحاكم العادية الواردة في قانون المرافعات، فقد دل ذلك على أن المشرع حينما أسند الفصل في الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب - بدرجتيه - بتشكيلهما المار بيانه - وتحقيقا لغايته الأساسية في الحفاظ للوظيفة القضائية منزلتها ولقيمها الرفيعة سموها - قد اتجهت إرادته إلى جعلهم بمنأى عن قواعد المخاصمة، ومن ثم فإن مخاصمة المدعى عليه رئيس مجلس تأديب القضاة الأعلى تكون غير جائزة، ومن ثم تكون الدعوى فاقدة لمقومات قبولها.

7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - إن مفاد المادتين 496، 499 من قانون المرافعات المعدل أن الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة يكون عندما تفصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وتقضي بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، وهو ما لا يتأتى إلا بعد أن تكون دعوى المخاصمة قد استقامت أمامها بكافة عناصرها الشكلية اللازمة لقبولها، وهو ليس كذلك بصدد الدعوى المطروحة بعد أن خلصت المحكمة إلى عدم قبولها لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة في قانون المرافعات على المدعى عليه، مما لا موجب معه الحكم على المدعى بالغرامة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون سالف البيان أو مصادرة الكفالة.

----------

الوقائع

حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام على المدعى عليه بصفته رئيس مجلس الصلاحية الأعلى ورئيس محكمة النقض سابقا دعوى المخاصمة رقم ... لسنة 130 ق بتقرير في قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة بتاريخ 23/ 4/ 2013 بطلب بطلان الحكم الصادر في دعوى الصلاحية رقم ... لسنة 2009 وإلزامه بالتضامن مع المستشارين وزير العدل ورئيس محكمة النقض بصفتهما - غير المختصمين - بأن يؤدوا له مبلغ خمسة وعشرون مليون ومائتي وخمسون ألف جنيها تعويضا، على سند من أنه أحيل إلى مجلس التأديب - بهيئة عدم الصلاحية - إزاء ما نسب إليه من اشتراكه في تزوير محرر عرفي واستعماله وإنشاء وتشغيل شبكة اتصالات وتمرير مكالمات تليفونية دولية قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بالمخالفة للمواد المبينة بقرار الإحالة، وبتاريخ 6/ 12/ 2009 حكم المجلس حضوريا برفض الطلب والتوصية بتوجيه تنبيه له. طعن المدعى على هذا الحكم أمام مجلس التأديب الأعلى بالطعن رقم ... لسنة 2009، وفيه قضى بعدم قبول الطعن، ولما كان المدعى عليه ترأس مجلس التأديب الأعلى رغم أنه قريبا بالمصاهرة له من الدرجة الثالثة، كما سبق أن شارك في إجراءات رفع الحصانة القضائية عنه، بما يتوفر به مانع لديه من نظر الدعوى، وإذ لحقه من جراء ذلك أضرارا مادية وأدبية فأقام الدعوى وأرفق بها حافظة مستندات. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة النقض، وبعد أن قيدت بجداولها برقمها الحالي أودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم جواز المخاصمة. عرضت الدعوى على المحكمة فحددت جلسة لنظرها - في غرفة مشورة - وفيها حضر المدعى وصمم على ما جاء بتقرير المخاصمة، والتزمت النيابة رأيها وبجلسة 16/ 6/ 2015 قدم المدعي حافظة مستندات.

------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
وحيث أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن دعوى المخاصمة هي دعوى مسئولية ترمي إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز مخاصمته، وكان الأصل هو عدم مسئولية القاضي عما يصدره من تصرفات في عمله، لأنه يستعمل في ذلك حق خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، وأجاز المشرع استثناء من هذا الأصل مساءلة القاضي عن الضرر الناشئ عن تصرفاته في عمله في أحوال معينة بينها على سبيل الحصر في المادة "494" من قانون المرافعات، ورسم طريقا خاصا لهذه المساءلة، وهو رفع دعوى المخاصمة، وأفرد لها إجراءات خاصة، وأحاطها بضمانات تكفل توفير الطمأنينة للقاضي في عمله، ومن ثم فلا يجوز التوسع في هذا الاستثناء أو القياس عليه سواء فيما يتصل بأحوالها أو الخاضعين لأحكامها.
وحيث إنه يتعين عند تفسير نصوص القانون مراعاة التناسق فيما بينها على نحو يوجب ألا يفسر نص بمعزل عن آخر، وإذ أجازت المادة 494 من قانون المرافعات مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، وكانت كلمة "القضاة" في مقصود هذه المادة - وحملا على سياق نص المادة 497 من ذات القانون التي تناولت ضوابط تحديد المحكمة المختصة بنظر موضوع المخاصمة - إنما تنصرف - بالنسبة إلى قضاه المحاكم العادية - إلى مختلف درجاتهم في هذه المحاكم التي تتكون من محكمة النقض، ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية بما يتبعها من محاكم جزئية، وأعضاء النيابة العامة، ولا يمتد سريانها إلى غيرهم إلا إذا نص قانون آخر يجيز ذلك.
وحيث إن قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 - المعمول به اعتبارا من 9/ 5/ 2007 والمنطبق على الدعوى - قد أفرد الفصل التاسع من بابه الثاني للأحكام الخاصة بمساءلة القضاة تأديبيا، وعهد بذلك في المادة "98" منه إلى مجلس تأديب يشكل من أقدم رؤساء محاكم الاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى رئيسا وعضوية أقدم قاضيين بمحكمة النقض وأقدم نائبي رئيس محكمة الاستئناف، وأورد في الفقرة الثانية من المادة "107" منه على أن للنائب العام وللمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر من مجلس التأديب سالف البيان خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره أمام مجلس تأديب أعلى يشكل برئاسة رئيس محكمة النقض وعضوية أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف وأحدث ثلاثة نواب لرئيس محكمة النقض، مما مفاده أن المشرع جعل الاختصاص بالفصل في الدعوى التأديبية على درجتين وأوكل الفصل فيها في الدرجة الأولى إلى خمسة من رجال القضاء، وفي الدرجة الثانية إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالي أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وأعمق فهما للمقاييس الصارمة التي يتعين أن يؤدى العمل القضائي في إطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة في طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التي ترد عنها كل ترخص أو شبهة تنال منها مما يجعل المجلس - بدرجتيه على ضوء هذه الحقائق - الأقدر على الفصل في خصومة قد تؤول إلى عزل القاضي من وظيفته.
وحيث إن مؤدى نصوص المواد 99، 100، 101، 102، 106، 107/ 1 من قانون السلطة القضائية المعدل المشار إليه سلفا - التي أوضحت طريقة رفع الدعوى التأديبية وما كفلته للقاضي من ضمانات أساسية وصولا إلى القول الفصل فيها - أن المشرع ناط بمجلس التأديب - بدرجتيه - ولاية نظر دعوى - تأديب القضاة - باعتباره هيئة قضائية - بإصدار حكم بالبراءة أو العقاب بالجزاء الذي يراه - اللوم أو العزل - وفقا لاقتناعه بمدى ثبوت الواقعة المنسوبة للقاضي وقدر جسامتها، وإلى جانب هذه الصفة القضائية للمجلس - بدرجتيه - فقد أولاه المشرع طبيعة خاصة مغايرة لطبيعة المحاكم العادية، إذ افرده بتنظيم خاص تبرز ملامحه في تشكيله السالف البيان، وذلك خلافا للقواعد المنظمة لتشكيل المحاكم العادية التي تؤلف من دوائر كل منها بمختلف درجاتها من قضاتها فحسب، هذا إلى أن الخصومة التي أسند إليه الاختصاص بالفصل فيها قد احتجزها بنصوص إجرائية مستقلة عن تلك الواردة في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإنه لا يندرج بحسب هذا التنظيم وتلك المغايرة تحت مفهوم المحاكم العادية، ولا يخضع أعضاؤه بالتالي لأحكام مخاصمة قضاتها.
وحيث إن المشرع - وفي الإطار السالف بيانه - إذ ارتأى إخضاع المحكمة الدستورية العليا لقواعد المخاصمة، فقد أفصح عن إرادته صراحة بنصه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة عشر من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية على سريان الأحكام المقررة في هذا الخصوص بالنسبة إلى مستشاري محكمة النقض في شأنهم، ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية المعدل بالقانونين رقمي 142 لسنة 2006، 17 لسنة 2007 إذ جاء خلوا من نص على جواز مخاصمة أعضاء مجلس التأديب - بدرجتيه - أو الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام العامة المنظمة لقواعد مخاصمة قضاه المحاكم العادية الواردة في قانون المرافعات، فقد دل ذلك على أن المشرع حينما أسند الفصل في الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب - بدرجتيه - بتشكيلهما المار بيانه وتحقيقا لغايته الأساسية في الحفاظ للوظيفة القضائية منزلتها ولقيمها الرفيعة سموها قد اتجهت إرادته إلى جعلهم بمنأى عن قواعد المخاصمة، ومن ثم فأن مخاصمة المدعى عليه رئيس مجلس تأديب القضاة الأعلى تكون غير جائزة، ومن ثم تكون الدعوى فاقدة لمقومات قبولها.
وحيث إن مفاد المادتين 496، 499 من قانون المرافعات المعدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الحكم بالغرامة ومصادرة الكفالة يكون عندما تفصل المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وتقضى بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، وهو ما لا يتأتى إلا بعد أن تكون دعوى المخاصمة قد استقامت أمامها بكافة عناصرها الشكلية اللازمة لقبولها، وهو ليس كذلك بصدد الدعوى المطروحة بعد أن خلصت المحكمة إلى عدم قبولها لعدم سريان أحكام دعوى المخاصمة الواردة في قانون المرافعات على المدعى عليه، مما لا موجب معه الحكم على المدعى بالغرامة المنصوص عليها في المادة 499 من القانون سالف البيان أو مصادرة الكفالة.

الطعن 9139 لسنة 84 ق جلسة 22 / 6 / 2015 مكتب فني 66 ق 141 ص 941

جلسة 22 من يونيه سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ أحمد سعيد السيسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ نبيل أحمد صادق، حسام هشام صادق، إيهاب الميداني وأحمد إلياس منصور نواب رئيس المحكمة.
----------------

(141)
الطعن رقم 9139 لسنة 84 القضائية

(1 - 6) اختصاص "الاختصاص القضائي الدولي". محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع في تقدير جدية الدفوع المبداة من الخصوم".
(1) الدفع بعدم اختصاص محاكم الجمهورية دوليا بنظر النزاع. دفع شكلي غير متعلق بالنظام العام. وجوب إبدائه قبل التكلم في الموضوع وإلا سقط الحق فيه. بقاء الدفع قائما متى أبدى صحيحا ما لم ينزل عنه المتمسك به صراحة أو ضمنا.
(2) استخلاص النزول الصريح أو الضمني من عدمه عن الدفوع الشكلية. من إطلاقات محكمة الموضوع. شرطه. إقامته على أسباب سائغة.
(3) إقامة المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته دعواه قبل إبداء دفعه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى الضامة استنادا إلى ذات الأساس المشترك بين الدعويين. موالاة السير فيها بعد إبداء الدفع وحتى تاريخ حجزهما للحكم. اعتباره نزولا صريحا عن الدفع. أثره. سقوط الحق في التمسك به.
(4) اختصاص محاكم الجمهورية بالدعاوى التي ترفع على المصري ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة بها عدا الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج. علة ذلك. المادتين 28، 29 مرافعات.
(5) اختصاص المحاكم المصرية بالمسائل الأولية والطلبات العارضة المرتبطة بالدعوى الأصلية الداخلة في اختصاصها. مناطه. حسن سير العدالة. مؤداه. عدم جواز تخلى المحاكم المصرية من تلقاء نفسها عن اختصاصها لصالح قضاء دولة أخرى حال عدم توفر الضوابط الموجبة لذلك. تقدير هذه الضوابط. من سلطة محكمة الموضوع وخضوعها في ذلك لرقابة محكمة النقض.
(6) ثبوت أن المدعية في الدعوى الضامة شركة لبنانية وأن المدعى عليهما مصريان وموطنهما جمهورية مصر العربية. مؤداه. اتصاف النزاع بالصفة الدولية. أثره. خضوع الدعويين الضامة والمنضمة لاختصاص القضاء المصري. علة ذلك. مخالفة الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم المستأنف هذا النظر، فساد في الاستدلال ومخالفة للقانون.
(7) قانون "القانون واجب التطبيق: القانون الأجنبي".
قاعدة إقامة الدليل على تطبيق القانون الأجنبي. مناطها. أن يكون غريبا عن القاضي يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره. علم القاضي بمضمون القانون الأجنبي أو افتراض علمه به. مؤداه. لا محل للتمسك بتطبيق تلك القاعدة.

-------------

1 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الدفع بعدم اختصاص محاكم الجمهورية دوليا بنظر النزاع يعد من الدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام، ويتعين على المتمسك به إبداؤه قبل التكلم في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه، ويظل هذا الدفع قائما إذا أبدى صحيحا ما لم ينزل عنه المتمسك به صراحة أو ضمنا.

2 - استخلاص النزول الصريح أو الضمني من عدمه عن الدفوع الشكلية من إطلاقات محكمة الموضوع بشرط أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.

3 - إذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته الممثل القانوني للمطعون ضدها الأولى أقام الدعوى رقم ... لسنة 2011 مدني كلى دمياط الابتدائية بطلباته سالفة البيان (إلزام الطاعنة بسداد مبلغ دولار أمريكي والفوائد القانونية) - قبل إبداء دفعه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى الضامة - استنادا إلى ذات الأساس المشترك بين الدعويين وهما عقدا التسوية محل النزاع، واستمر في موالاة السير فيها بعد إبداء دفعه وحتى تاريخ حجزهما للحكم معا، بما يعد نزولا صريحا عن دفعه، ويسقط حقه في التمسك به.

4 - مفاد النص في المادتين 28 و33 مرافعات يدل على أن محاكم الجمهورية تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على المصري وإن لم يكن له موطن أو محل إقامة بالجمهورية إذا قام الأجنبي الذي يتعامل معه بمطالبته بالوفاء بالتزاماته للاعتبارات التي تتعلق بمسألة السيادة المصرية، وكونها المحكمة الأكثر ملائمة والأجدر على الفصل في موضوع النزاع وعناصره ووسائل إثباته وقدرتها على نفاذ أحكامها وكفالتها، وهي ذات الاعتبارات التي جعلت المشرع يستثنى ويخرج الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج من الخضوع لاختصاص محاكمه سواء أكانت مقامة على المصري أو الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية - وفقا لعجز المادتين 28 و29 من قانون المرافعات -.

5 - مناط اختصاص المحاكم المصرية بالمسائل الأولية والطلبات العارضة والمرتبطة بالدعوى الأصلية الداخلة في اختصاصها هي مقتضيات حسن سير العدالة فيهما بنظرهما معا، بما لا يجوز للمحاكم المصرية أن تتخلى من تلقاء نفسها عن اختصاصها لصالح قضاء دولة أخرى حال عدم توفر شروط وموجبات ذلك التخلي، وهي عدم وجود رابطة وثيقة بين النزاع والإقليم المصري، وارتباط النزاع جديا بإقليم دولة أخرى أكثر ملائمة وأجدر على الفصل فيه وبحث عناصره ووسائل إثباته وأقدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر في موضوعه، وثبوت أن القانون الأجنبي يقر سلامة القضاء المانح الاختصاص له تلافيا لتنازع الاختصاص إيجابا أو سلبا، لأن تقدير تلك الضوابط سالفة الذكر مما يدخل في تقدير سلطة محكمة الموضوع الخاضع لرقابة محكمة النقض.

6 - إذ كان الثابت من الأوراق والمستندات المقدمة أن الطاعنة شركة لبنانية - المدعية في الدعوى الضامة - ومقرها مدينة بيروت بلبنان، وكلا من المطعون ضدهما "مصريين" وموطنهما جمهورية مصر العربية - المدعى عليهما في الدعوى الضامة - واتصف النزاع بذلك بالصفة الدولية، بما تخضع معه الدعوى الضامة لنص المادة 38 من قانون المرافعات بشأن قواعد الاختصاص الدولي للمحاكم لاختصاص المحاكم المصرية بنظرها، فضلا عن خضوع الدعوى المنضمة لاختصاص القضاء المصري وفقا لنص المادتين 32 و33 من ذات القانون لإقامتها من المطعون ضدهما قبل الطاعنة أمام القضاء المصري وقبول الأخيرة ضمنا لولاية القضاء المصري بعدم دفعها بعدم اختصاصه، ولارتباط كلا الدعويين بما يوجب نظرهما معا لحسن سير العدالة فيهما، ولما كان ما تضمنه عقد التسوية المؤرخ 14/ 4/ 2014 لا يرتبط جديا بالإقليم الإنجليزي، لا سيما أن أيا من طرفيه لا يحمل الجنسية الإنجليزية، كما خلت الأوراق من أن النزاع تعلق بمال موجود بإنجلترا أو بالتزام نشأ أو كان واجبا تنفيذه هناك أو أن القانون الإنجليزي يقر سلامة القضاء المانح الاختصاص له، كما أنه لا توجد رابطة جدية بين النزاع الناشئ عن عقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2014 والإقليم اللبناني لخلو الأوراق مما يفيد تعلق العقد بمال موجود بدولة لبنان أو ما يجزم بنشأة الالتزام أو وجوب تنفيذه هناك. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وساير قضاء الحكم المستأنف في قضائه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعويين رغم نزول المطعون ضدهما عن دفعهما صراحة، ورغم عدم توفر شروط تخلى المحاكم المصرية عن اختصاصها بنظر الدعويين من تلقاء نفسها للقضاء الإنجليزي واللبناني واختصاصها بنظرهما وفقا للمواد 28، 32، 33 من قانون المرافعات باعتبارها المحكمة الأكثر ملائمة لنظرهما لتعلق النزاع في العقدين موضوع الدعوى الضامة بمال موجود بمصر وقدرتها على بحث عناصره ووسائل إثباته وأجدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر عنها فيه، ولقبول المطعون ضدهما صراحة والطاعنة ضمنا بالخضوع اختياريا في الدعوى المنضمة للمحاكم المصرية، فضلا عن ارتباطها بالدعوى الضامة بما يوجب نظرهما معا لحسن سير العدالة فيهما، الأمر الذي يكون الحكم المطعون فيه قد شابه الفساد في الاستدلال الذي أدى إلى مخالفته للقانون.

7 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن التمسك بالقانون الأجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية يجب إقامة الدليل عليها استجابة للاعتبارات العملية التي لا يتيسر معها للقاضي الإلمام بأحكام ذلك القانون، لأن مناط تطبيق هذه القاعدة أن يكون القانون الأجنبي غريبا عن القاضي، يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره، أما إذا كان القاضي يعلم بمضمونه أو كان علمه به مفترضا فلا محل للتمسك بتطبيق تلك القاعدة.
--------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم ... لسنة 2011 تجاري أمام محكمة دمياط الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدهما بالتضامن بمبلغ 108275.00 دولار أمريكي وفقا لعقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2011، ومبلغ مائة ألف دولار أمريكي تعويضا اتفاقيا وفقا للعقد الموحد المؤرخ 14/ 4/ 2011 والفوائد القانونية، وقالت بيانا لدعواها إنه بموجب عقدين محددي المدة استأجرت من الشركة المطعون ضدها الأولى السفينتين "..." و"..."، ولإخلال المطعون ضدها الأولى بالتزاماتها قامت بالحجز على السفينة "..." على سواحل دولة إسبانيا، وبتاريخ 14/ 4/ 2011، أبرما عقدي تسوية، إلا أنه إزاء مماطلة المطعون ضدهما في التزاماتهما الواردة بالعقدين السالفين رغم إنذارهما قانونا، فمن ثم أقامت الدعوى، كما أقام المطعون ضده الثاني بصفته الدعوى رقم ... لسنة 2011 تجاري أمام ذات المحكمة بطلب الحكم بإلزام الطاعنة بسداد مبلغ 8860.00 دولار أمريكي والفوائد القانونية، على سند أن الأخيرة استأجرت السفينتين المملوكتين للمطعون ضدها الأولى وقد نشب خلاف بينهما وقعت الطاعنة على إثره حجزا على السفينة "..." بأوراق مزورة، ولرغبته في رفع الحجز حرر الطرفان عقد اتفاق مؤرخ إلا أن الخلاف لم ينتهي، فحررا عقد اتفاق آخر مؤرخ 21/ 4/ 2011 لتسوية الخلاف برمته، وإذ لم تسدد الطاعنة قيمة وقود السفينتين وقيمة إيجار جزء من مدة استئجارهما والفواتير الخاصة بالأوناش الخاصة بالشحن والتفريغ وقيمتهم 886000.00 دولار أمريكي، ولمحاولتها التهرب من السداد بإقامتها دعاوى كيدية لإجباره على التنازل عن هذا المبلغ، الأمر الذي حدا به لإقامة تلك الدعوى. ضمت المحكمة الدعوى الثانية إلى الأولى للارتباط، ثم قضت بعدم اختصاص محاكم الجمهورية بنظر الدعويين. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم ... لسنة 45 ق المنصورة "مأمورية دمياط"، وبتاريخ 10 من مارس 2014 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، إذ أيد قضاء الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من إجابة المطعون ضدهما لطلبهما بعدم اختصاص محاكم الجمهورية لاتفاقهما على اختصاص المحاكم الإنجليزية بالنسبة للعقد الأول والمحاكم اللبنانية بالنسبة للعقد الثاني وتطبيق القانون الإنجليزي على العقدين، مهدرا ما تمسك به بشأن تنازل المطعون ضدهما صراحة عن الدفع بعدم الاختصاص بإقامة الدعوى رقم ... لسنة 2011 دمياط الابتدائية، فضلا عن مخالفته نص المادة 28 من قانون المرافعات باعتبار أن المطعون ضدهما مصريين الجنسية، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي في أساسه سديد، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الدفع بعدم اختصاص محاكم الجمهورية دوليا بنظر النزاع يعد من الدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام، ويتعين على المتمسك به إبدائه قبل التكلم في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق فيه، ويظل هذا الدفع قائما إذا أبدى صحيحا ما لم ينزل عنه المتمسك به صراحة أو ضمنا، وأن استخلاص النزول الصريح أو الضمني من عدمه عن الدفوع الشكلية من إطلاقات محكمة الموضوع بشرط أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده الثاني عن نفسه وبصفته الممثل القانوني للمطعون ضدها الأولى أقام الدعوى رقم ... لسنة 2011 مدني كلي دمياط الابتدائية بطلباته سالفة البيان - قبل إبداء دفعه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى الضامة - استنادا إلى ذات الأساس المشترك بين الدعويين، وهما عقدا التسوية محل النزاع واستمر في موالاة السير فيها بعد إبداء دفعه وحتى تاريخ حجزهما للحكم معا، بما يعد نزولا صريحا عن دفعه ويسقط حقه في التمسك به، لا سيما وأن النص في المادة 28 مرافعات على أن "تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على المصري ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك فيما عدا الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج "كما أن النص في المادة 33 من ذات القانون على أنه "إذا رفعت لمحاكم الجمهورية دعوى داخلة في اختصاصها تكون هذه المحاكم مختصة بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة على الدعوى الأصلية كما تختص بالفصل في كل طلب يرتبط بهذه الدعوى ويقتضي حسن سير العدالة أن ينظر معها "يدل على أن محاكم الجمهورية تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على المصري وإن لم يكن له موطن أو محل إقامة بالجمهورية إذا قام الأجنبي الذي يتعامل معه بمطالبته بالوفاء بالتزاماته للاعتبارات التي تتعلق بمسألة السيادة المصرية، وكونها المحكمة الأكثر ملائمة والأجدر على الفصل في موضوع النزاع وعناصره ووسائل إثباته وقدرتها على نفاذ أحكامها وكفالتها، وهي ذات الاعتبارات التي جعلت المشرع يستثنى ويخرج الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار يقع في الخارج من الخضوع لاختصاص محاكمه سواء أكانت مقامة على المصري أو الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في الجمهورية - وفقا لنص المادتين 28 و29 من قانون المرافعات -، وأن مناط اختصاص المحاكم المصرية بالمسائل الأولية والطلبات العارضة والمرتبطة بالدعوى الأصلية الداخلة في اختصاصها هي مقتضيات حسن سير العدالة فيهما بنظرهما معا، بما لا يجوز للمحاكم المصرية أن تتخلى من تلقاء نفسها عن اختصاصها لصالح قضاء دولة أخرى حال عدم توفر شروط وموجبات ذلك التخلي وهي عدم وجود رابطة وثيقة بين النزاع والإقليم المصري، وارتباط النزاع جديا بإقليم دولة أخرى أكثر ملائمة وأجدر على الفصل فيه وبحث عناصره ووسائل إثباته وأقدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر في موضوعه، وثبوت أن القانون الأجنبي يقر سلامة القضاء المانح الاختصاص له تلافيا لتنازع الاختصاص إيجابا أو سلبا، لأن تقدير تلك الضوابط سالفة الذكر مما يدخل في تقدير سلطة محكمة الموضوع الخاضع لرقابة محكمة النقض.
لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق والمستندات المقدمة أن الطاعنة شركة لبنانية - المدعية في الدعوى الضامة - ومقرها مدينة بيروت بلبنان، وكلا من المطعون ضدهما "مصريين" وموطنهما جمهورية مصر العربية - المدعى عليهما في الدعوى الضامة - واتصف النزاع بذلك بالصفة الدولية، بما تخضع معه الدعوى الضامة لنص المادة 28 من قانون المرافعات بشأن قواعد الاختصاص الدولي للمحاكم لاختصاص المحاكم المصرية بنظرها، فضلا عن خضوع الدعوى المنضمة لاختصاص القضاء المصري وفقا لنص المادتين 32 و33 من ذات القانون لإقامتها من المطعون ضدهما قبل الطاعنة أمام القضاء المصري، وقبول الأخيرة ضمنا لولاية القضاء المصري بعدم دفعها بعدم اختصاصه، ولارتباط كلا الدعويين بما يوجب نظرهما معا لحسن سير العدالة فيهما، ولما كان ما تضمنه عقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2014 لا يرتبط جديا بالإقليم الإنجليزي لا سيما أن أيا من طرفيه لا يحمل الجنسية الإنجليزية كما خلت الأوراق من أن النزاع تعلق بمال موجود بإنجلترا أو بالتزام نشأ أو كان واجبا تنفيذه هناك أو أن القانون الإنجليزي يقر سلامة القضاء المانح الاختصاص له، كما أنه لا توجد رابطة جدية بين النزاع الناشئ عن عقد التسوية المؤرخ 21/ 4/ 2014 والإقليم اللبناني لخلو الأوراق مما يفيد تعلق العقد بمال موجود بدولة لبنان أو ما يجزم بنشأة الالتزام أو وجوب تنفيذه هناك. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وساير قضاء الحكم المستأنف في قضائه بعدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعويين رغم نزول المطعون ضدهما عن دفعهما صراحة، ورغم عدم توفر شروط تخلى المحاكم المصرية عن اختصاصها بنظر الدعويين من تلقاء نفسها للقضاء الإنجليزي واللبناني واختصاصها بنظرهما وفقا للمواد 28، 32، 33 من قانون المرافعات باعتبارها المحكمة الأكثر ملائمة لنظرهما لتعلق النزاع في العقدين موضوع الدعوى الضامة بمال موجود بمصر وقدرتها على بحث عناصره ووسائل إثباته وأجدر على نفاذ وكفالة الحكم الصادر عنها فيه، ولقبول المطعون ضدهما صراحة والطاعنة ضمنا بالخضوع اختياريا في الدعوى المنضمة للمحاكم المصرية، فضلا عن ارتباطها بالدعوى الضامة، بما يوجب نظرهما معا لحسن سير العدالة فيهما، الأمر الذي يكون الحكم المطعون فيه قد شابه الفساد في الاستدلال الذي أدى إلى مخالفته للقانون بما يوجب نقضه، ولا ينال من ذلك القضاء تطبيق باقي بنود عقدي التسوية بين أطرافه على موضوع النزاع بينهما بما في ذلك خضوع العقدين السالفين لأحكام القانون الإنجليزي، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن التمسك بالقانون الأجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية يجب إقامة الدليل عليها استجابة للاعتبارات العملية التي لا يتيسر معها للقاضي الإلمام بأحكام ذلك القانون، لأن مناط تطبيق هذه القاعدة أن يكون القانون الأجنبي غريبا عن القاضي، يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره، أما إذا كان القاضي يعلم بمضمونه أو كان علمه به مفترضا فلا محل للتمسك بتطبيق تلك القاعدة.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف وإعادتها لمحكمة أول درجة للفصل في الموضوع.