الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 ديسمبر 2021

الطعن 39 لسنة 40 ق دستورية عليا "تنازع" جلسة 4 / 12 / 2021

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من ديسمبر سنة 2021م، الموافق التاسع والعشرين من ربيع الآخر سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر

------------------

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 39 لسنة 40 قضائية "تنازع".

المقامة من
رئيس مجلس إدارة بنك مصر
ضـد
..........

-----------------

" الإجراءات "

بتاريخ الثالث عشر من نوفمبر سنة 2018، أودع البنك المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بفض التنازع السلبى على الاختصاص بين جهتي القضاء العادي وقضاء مجلس الدولة، والاعتداد بالحكم البات الصادر في الدعوى رقم 536 لسنة 61 قضائية، من المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها، دون الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم 2395 لسنة 83 قضائية، وتعيين جهة القضاء العادي " الدائرة العمالية"، بوصفها الجهة صاحبة الولاية، لنظر الدعوى الأصلية المقامة من المدعى عليها. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل- على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليها، في الدعوى المعروضة، كانت قد أقامت الدعوى رقم 3229 لسنة 2008 عمال، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد البنك المدعى، طالبة الحكم، بعودتها إلى العمل، وصرف راتبها، وكافة مستحقاتها المالية، على سند من أنها كانت تعمل محامية بالإدارة القانونية بالبنك، بموجب عقد عمل مؤرخ 17/8/2006، وأنه قد صدر قرار بإنهاء خدمتها بدعوى انقطاعها عن العمل، دون إذن أو سبب مشروع، وذلك إعمالاً لنص المادة (82) من اللائحة العامة للعاملين ببنك مصر.
وبجلسة 24/6/2010، قضت المحكمة برفض الدعوى. وإذ لم ترتض المدعى عليها هذا القضاء، فقد طعنت عليه، بالاستئناف المقيد برقم 2934 لسنة 127 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، وبجلسة 12/12/2012، قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، وفى الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف. طعنت المدعـــى عليهـــا على هذا الحكـــم بالطعن المقيد برقم 2395 لسنة 83 قضائية عمال، أمام محكمة النقض. وبجلسة 15/4/2018، قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه، وحكمت في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى، وباختصاص محاكم مجلس الدولة بنظرها. وقد شيدت قضاءها على أنه " بصدور قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وما جاء بالبند الثالث عشر من المادة العاشرة منه، من تقرير اختصاص محاكم مجلس الدولة، دون غيرها، بالفصل في الطعون في الجزاءات، الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانونًا، وكذلك على ما جاء بالمادة الخامسة عشرة منه، من اختصاص المحاكم التأديبية، بنظر الدعاوى التأديبية، في المخالفات المالية والإدارية، التي تقع من العاملين بالمؤسسات العامة، وما يتبعها من وحدات، وأخيرًا ما تقرر من اختصاصها بنظر الطعون، المنصوص عليها، في البند الثالث عشر من المادة العاشرة المشار إليها، ومن ثم تكون ولاية المحاكم التأديبية، قد تناولت بجانب الدعوى التأديبية المبتدأة، الطعون في الجزاءات التأديبية، الموقعة على هؤلاء العاملين، في الحدود المقررة طبقًــا للقانون رقم 19 لسنة 1959، في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية، على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة، وذلك اعتبارًا من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة". وأورد الحكم ذاته، " إنه لما كان القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، المعدل بالقانون رقم 93 لسنة 2005، قد خلا من نص، يستبعد المنازعات التأديبية الخاصة ببنوك القطاع العام، من الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بمجلس الدولة، فإن مؤدى ذلك، أن يظل اختصاص مجلس الدولة بمنازعات التأديب قائمًا، في شأن العاملين ببنوك القطاع العام. وتطبيقًــا لما تقدم، فإن طلب الطاعنة إلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمتها، يتضمن في حقيقته طعنًا على جزاء تأديبي، ومن ثم تختص بنظره المحاكم التأديبية بمجلس الدولة، دون محاكم القضاء العادي". ومن جهة أخرى، كانت المدعى عليها قد أقامت بتاريخ 16/11/2013، الدعوى رقم 536 لسنة 61 قضائية، أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها، طالبة الحكم، بقبول الدعوى شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصلها، وما يترتب على ذلك من آثار، وأحقيتها في كافة الترقيات والراتب خلال فتــــرة الفصل، وبإلــــزام جهــــة عملها بتعويضهــــا عن الأضــــرار المادية والأدبيــــة التي لحقت بها من جراء إصدار القرار المطعون عليه. وبجلسة 27/6/2015، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية " الدائرة العمالية " للاختصاص، وأسست قضاءها على أن " بنك مصر، قد تحول من مؤسسة عامة، إلى شركة مساهمة عربية، بصدور القرار الجمهوري رقم 872 لسنة 1965 في 20 أبريل سنة 1965، وأصبحت علاقته بموظفيه، اعتبارًا من هذا التاريخ علاقة تعاقدية، تخضع لأحكام قانون العمل، كما تخضع لأحكام قانون نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة، الصادر بالقرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962، باعتباره جزءًا متممًا لعقد العمل. ولما كانت المدعى عليها تعمل ببنك مصر، وكان هذا الأخير يُعد شركة مساهمة، وشخصًا من أشخاص القانون الخاص، فمن ثم ينتفى عن العاملين به صفة الموظف العام، وبالتالي ينعقد الاختصاص بنظر النزاع للقضاء العادي وحده، دون محاكم مجلس الدولة ".
وإذ تراءى للبنك المدعى، أن ثمة تنازعًا سلبيًا على الاختصاص بين جهة القضاء العادي، وبين جهة القضاء الإداري، إذ قضت كل منهما بعدم اختصاصها بنظر النزاع، أقام الدعوى المعروضة لتعيين الجهة المختصة بنظر النزاع.
وحيث إن المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه " تختص المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها بما يأتي: أولاً: .......... ثانيًا : الفصل في تنازع الاختصاص، بتعيين الجهة المختصة، من بين جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد، أمام جهتين منها، ولم تتخل إحداهما عن نظرها، أو تخلت كلتاهما عنها.........".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط قبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص السلبى، وفقًا للبند " ثانيًا " من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، أن تكون الدعوى قد طُرحت عن موضوع واحد، أمام جهتين من جهات القضاء، أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وتخلت كلتاهما عن نظرها.
وكان المقرر كذلك، أن الولاية التي أثبتها قانون هذه المحكمة والدستور في المادة (192) منه، للمحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، بالفصل في التنازع السلبى على الاختصاص، غايتها أن يكون لكل خصومة قضائية، قاضٍ، يعود إليه أمر نظرها، بقصد إنهاء النزاع في موضوعها، ضمانًـــا لفاعلية إدارة العدالـــة، بما يكفل إرساء ضوابطها، واستيفاء متطلباتها، وتوكيدًا لحق كل فرد في النفاذ الميسر إلى القضاء، للحصول على الترضية القضائية.
إذ كان ما تقدم، وكان الحكمان موضوع الدعوى المعروضة، الصادر أولهما في الدعوى رقم 536 لسنة 61 قضائية، من محكمة تابعة لجهة القضاء الإداري، والصادر ثانيهما في الطعن رقم 2395 لسنة 38 قضائية، من محكمة النقض - رأس محاكم جهة القضاء العادي - قد تعامدا على محل واحد، وتسلب كل منهما من اختصاصه بالفصل في دعوى الموضوع، بقضائه بعدم الاختصاص الولائي بنظرها، مما يستنهض ولاية المحكمة الدستورية العليا للفصل في طلب فض التنازع السلبى بين الحكمين المشار إليهما، وتعيين جهة القضاء المختصة بنظره، عملاً بما ينص عليه البند ثانيًا من المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. ولا ينال مما تقدم، إعادة نظر النزاع الموضوعي، أمـــام محاكم جهـــة القضاء العادي، إثر صدور حكم المحكمة الإداريـــة لرئاسة الجمهورية المشـار إليـه، بإحالـــة النزاع إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وقيدت الدعوى بجدول المحكمة المحال إليها برقم 638 لسنة 2016 عمال، وقضت فيها بجلسة 31/12/2016، بعدم جـــواز نظـــر الدعـــوى لسابقة الفصل فيهـــا، والطعـــن على هـــذا الحكم بالاستئناف رقم 829 لسنة 21 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، الذي تدوول نظره حتى جلسة 14/11/2019. ذلك أن الحكم الصادر من محكمة النقض - الحد الثاني للتنازع - فصل في مسألة أولية تتصل بولاية جهة القضاء العادى بنظر النزاع، وهو قضاء يحوز قوة الأمر المقضي فيه، على أساس أنه حسم النزاع في المسألة القانونية التي فصل فيها، ومؤداه: التزام محكمة الاستئناف المنظور أمامها النزاع بهذا القضاء، وتقيدها بألا تخرج عليه، عملاً بصريح دلالة نص المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، مما يغدو معه تسلب جهة القضاء العادي عن نظر النزاع الموضوعي لا يزال قائمًا، وتتحقق بمقتضى قيامه، حالة التنازع السلبى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تعيين الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع في أحوال التنازع على الاختصاص - إيجابيًـــا كان أم سلبيًا - إنما يتم وفقًـــا للقواعد التي أوردها المشرع لتوزيع الاختصاص بين الجهات القضائية المختلفة، تحديدًا لولاية كل منها.
وكان من المقرر - أيضًـــا - في قضاء هذه المحكمة، أنه في حالة صدور قانون تالٍ لصدور الحكمين محل دعوى التنازع، أسند الاختصاص لإحدى جهتي القضاء، فإن تعيين المحكمة المختصة بنظر النزاع إنما يتم وفق قواعد الاختصاص الولائى المقررة قانونًا عند صدور حكم محكمة التنازع، باعتبار أن هذا الحكم هو الذي يعين الجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى الموضوعية.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن إنهاء خدمة العامل، في القطاع العام، لانقطاعه عن العمل، بغير سبب مشروع، لا يُعتبر فصلاً تأديبيًا، وإنما يقوم على افتراض، أن هذا العامل، يُعد في حكم المستقيل، لما يدل عليه هذا الانقطاع - طوال المدد التي حددها القانون - من رغبة ضمنية، في ترك العمل - وهو ما دعا المشرع إلى التمييز بين الفصل أو العزل بحكم أو قرار تأديبي، وبين الانقطاع عن العمل بغير إذن.
وحيث إن البين من التنظيم التشريعي لبنك مصر - وفقًا لأحكام المادتين الأولى والثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم 872 لسنة 1965 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالبنوك، أن البنك المدعى، شركة مساهمة، يضع مجلس إدارة البنك المركزى المصري نظامها الأساسي، وتتم إدارتها وفقًــا للقواعد السارية في المنشآت المصرفية العادية، دون تقيد بالنظم والقواعد الإدارية المعمول بها في مصالح الحكومة ومؤسساتها العامة.
وحيث إن المشرع في نطاق تحرير نظم العمل الداخلية في البنوك المملوكة ملكية عامة، من القيود التي تخضع لها مثيلاتها من الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، الذي بدأه بمقتضى القانونين رقمي 120 لسنة 1975 و88 لسنة 2003 الملغيين، فقد نص في المادة الثالثة من مواد إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 على أن " تستبدل عبارة " البنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة " بعبارة " بنوك القطاع العام " أينما وردت في القوانين والقرارات المعمول بها "، كما نص في المادة (135) منه على أن " يعتمد مجلس إدارة البنك المملوكة أسهمه بالكامل للدولة، جميع لوائح العمل الداخلية طبقًا لما ورد في قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 في هــــذا الشأن، ويقر جدول الأجور والحوافز والبدلات للعاملين، وله أن يضع نظامًا أو أكثر لإثابتهم في ضوء معدلات أدائهم وحجم ومستوى إنجازهم في العمل والتحقيق معهم وتأديبهم، وذلك كله دون التقيد بأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام ".
ومن ثم، فقد غدا التنظيم التشريعي لنظم العمل الداخلية بالبنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة، قائمًا بذاته، مغايرًا في غالب أحكامه، عن التشريعات الحاكمة للنظم ذاتها، المعمول بها في الجهات والهيئات المملوكة للدولة ملكية خاصة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان قرار البنك المدعى بإنهاء خدمة المدعى عليها قد صدر عنه بوصفه أحد أشخاص القانون الخاص، التي تتولى - في نطاق أغراضها - إدارة الشئون المصرفية بوسائل، ليس لها من صلة بوسائل السلطة العامة، ولا وشيجة بامتيازاتها، على نحو يتوافق كليًّــا وطبيعة المشروع الخاص، ولا تربطها بالتالي بالمتعاملين معها، أو العاملين بها، علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، بل مرد شئون هؤلاء إلى لوائح البنك وقواعد قانون العمل. ومن ثم لا يعتبر قرار إنهاء خدمة المدعى عليها - الصادر استنادًا إلى المادة (82) من اللائحة العامة للعاملين ببنك مصر - قرارًا إداريًّــا، لصدوره في نطاق علائق القانون الخاص، فينحسر عنه اختصاص محاكم مجلس الدولة، ويقع نظر المنازعة، بشأنه، ضمن اختصاص جهة القضاء العادي صاحب الولاية العامة، عملاً بنص المادة (188) من الدستور، والمادة (15) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972. وحيث إن نص المادة (192) من الدستور، ونص البند ثانيًّــا من المادة (25) من قانون هذه المحكمة المشار إليه قد ناطا بها - دون غيرها - الفصل في تنازع الاختصاص الولائي، بتعيين الجهة القضائية المختصة، فإن الحكم الصادر عنها بتعيين هذه الجهة، الذي تثبت له، وفقًـــا لنص المادة (195) من الدستور، الحجية المطلقة في مواجهة الكافة وجميع سلطات الدولة، بما فيها جهات القضاء، ويكون ملزمًــا بالنسبة لهم، مؤداه: إسباغ الولاية، من جديد، على تلك الجهة، بحيث تلتزم بنظر الدعوى الموضوعية، غير مقيدة بسبق تخليها عن نظرها، ولو كان حكمها في هذا الشأن قد صار باتًــا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة باختصاص جهة القضاء العادي بنظر النزاع الموضوعي.

القضية 3 لسنة 1 ق المحكمة العليا جلسة 6 / 3 / 1971 دستورية ق 1 ص 1

 جلسة 6 من مارس سنة 1971

برئاسة المستشار بدوي إبراهيم حمودة رئيس المحكمة وعضوية المستشارين محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة وعمر حافظ شريف وحسين قاسم وحسين زاكي وأحمد طوسون حسين ومحمد بهجت عتيبة.

وحضور المستشار عادل عزيز زخاري نائب رئيس المحكمة ورئيس هيئة مفوضي الدولة

والسيد/ سيد عبد الباري إبراهيم أمين السر.

-------------

(1)

القضية 3 لسنة 1 ق "دستورية"

(أ) دستور سنة 1956

التشريعات السابقة عليه - المادتان 190 و 191 منه لكل منهما مجال مختلف عن الأخر - المادة 191 تستهدف تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية المحددة فيها على سبيل الحصر - المادة 190 تعني استمرار نفاذ التشريعات الأخرى السابقة على نفاذ الدستور دون تحصينها ضد الطعون القضائية .

(ب) دستور سنة 1956

المادة 191 - لم ينقل حكمها إلى دستور سنة 1964 لاستنفاذ غرضها .

(ج) دستور سنة 1964

التشريعات السابقة عليه - خضوعها للرقابة القضائية شانها في ذلك شأن التشريعات الصادرة في ظله - المادة 166 منه مطابقة حكمها لحكم المادة 190 من دستور سنة 1956.

(د) دستور

تشريعات سابقة عليه - خضوعها لرقابة المحكمة العليا - وجوب مطابقتها لأحكام الدستور القائم - علة ذلك .

(هـ) اشتراكية

 النظام الاشتراكي - هو الأساس الاقتصادي للدولة - الملكية الزراعية - تحديدها - الهدف من ذلك.

(و) شفعة

 سبب مشروع من أسباب كسب الملكية - لم يحظر المشرع الشفعة الا في حالات استثنائية نص عليها في القانون .

(ز) سلطة التشريع في تنظيم الحقوق 

الأصل أن تكون سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة .

(ح) المساواة أمام القانون - مبدأ تكافؤ الفرص

 المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق .

(ط) شفعة - تنظيم حق الشفعة

لم يتعد المشرع في تنظيم هذا الحق كسبب لكسب الملكية جانب المساواة أمام القانون ولم يخالف مبدأ تكافؤ الفرص الذي أقره الدستور .

--------------

1 - إن المادة 166 من الدستور التي يستند إليها المدعى عليه الأول والحكومة في تأييد هذا الدفع تنص على أن "كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور". وقد تردد هذا النص في مدلولها ومعناها مع اختلاف يسير في صيغته في الدساتير المتعاقبة منذ سنة 1923 ومنها الدستور الصادر في عام 1956 الذي تضمن نصين لكل منهما مجال يختلف عن مجال الآخر أولهما نص المادة 190 وهو مطابق لنص المادة 166 من الدستور الذي تقدم ذكره، والثاني نص المادة 191 الذي يقضي بأن "جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أي هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت". وظاهر من هذين النصين أن لكل منهما مجالاً يختلف عن مجال الآخر وأن المشرع لم يلتزم في دستور سنة 1956 موقفاً واحداً من التشريعات السابقة على تاريخ العمل به بل غاير بينهما فيما أسبغه عليها من الحماية فاتخذ بالنسبة إلى بعضها موقفاً اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية التي اتخذت في ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادي وذلك بالنص على عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت - بينما اتخذ بالنسبة إلى سائر التشريعات الأخرى أسلوباً آخر ينطوي على حماية أدنى من تلك التي أسبغها على التشريعات الثورية الاستثنائية المتقدم ذكرها وذلك بالنص على بقائها نافذة مع إجازة إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور - وهذه المغايرة التي قصد إليها المشرع عند تحديد موقفه من التشريعات السابقة على الدستور قاطعة في الدلالة على أنه إذ تناول موضوع التشريعات السابقة على الدستور في نصين مختلفين في دستور واحد فإن كلاً منهما يقرر حكماً يختلف عما يقرره الآخر وأنه إنما يستهدف تحصين التشريعات التي حددها على سبيل الحصر في المادة 191 منه دون غيرها من التشريعات التي وقف بالنسبة إليها عند حد النص على استمرار نفاذها وذلك تجنباً لحدوث فراغ تشريعي يؤدي إلى الاضطراب والفوضى والإخلال بسير المرافق العامة والعلاقات الاجتماعية إذا سقطت جميع التشريعات المخالفة للدستور فور صدوره - ولو أن المشروع أراد تحصين التشريعات السابقة على الدستور ضد الطعون القضائية لأفصح عن ذلك في نص واحد عام يتناولها كافة ولم يكن في حاجة إلى إيراد نص آخر يفيد ذات المعنى في موضوع واحد.

2 - إن المشرع اجتزأ بنقل المادة 190 من دستور سنة 1956 إلى المادة 166 من دستور سنة 1964 ولم ينقل المادة 191 من ذلك الدستور التي استنفذت أغراضها إذ أسبغت على التشريعات الثورية الاستثنائية التي صدرت منذ قيام الثورة حتى عام 1956 حصانة نهائية لا مبرر ولا مسوغ لتكرار النص عليها.

3 - إن المشرع لا يعني بنص المادة 166 من دستور سنة 1964 غير ما عناه بأصله الوارد في المادة 190 من دستور سنة 1956 وهو مجرد استمرار نفاذ التشريعات السابقة على الدستور دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شأنها في ذلك شأن التشريعات التي صدرت في ظل الدستور القائم فليس معقولا أن تكون التشريعات التي قبل صدور الدستور وعلى الخصوص التشريعات الصادرة قبل قيام الثورة في ظل نظم سياسية واجتماعية واقتصادية مغايرة في أسسها وأصولها ومبادئها للنظم التي استحدثها الدستور - ليس معقولا أن تكون هذه التشريعات بمنأى عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل الدستور وفي ظل نظمه وأصوله المستحدثة مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب.

4 - إن القول بأن ولاية المحكمة العليا لا تتناول التشريعات السابقة على الدستور إلا إذا صدرت مخالفة للأحكام والأوضاع الدستورية النافذة عند صدورها وتكون رقابتها لهذه التشريعات على أساس تلك الأوضاع دون أحكام الدستور القائم ذات الدساتير الجامدة تستهدف أصلا صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه - ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.

5 - جعل دستور سنة 1964 من النظام الاشتراكي أساسا اقتصاديا للدولة وأرسى في المادة السابعة عشر منه مبدأ تحديد الملكية الزراعية كأصل من الأصول التي يقوم عليها هذا النظام وأحال إلى القانون في تعيين الحد الأقصى لهذه الملكية وقد صدرت قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة التي قيدت الملكية الزراعية بحد أقصى لا تجاوزه وقضت بتوزيع ما يزيد عن هذا الحد من الأراضي الزراعية على العاملين في الزراعة تحقيقا لأهداف المشرع من توسيع قاعدة الملكية الزراعية وتطبيقا للنظام الاشتراكي الذي يقر الملكية الفردية في مجال الزراعة في حدود لا تسمح بالإقطاع.

6 - لم يعرض المشرع وهو بصدد من التشريعات الاشتراكية لحق الشفعة إلا حيث اقتضى ذلك تحقيق أهداف الإصلاح الزراعي فحذر الشفعة في التصرفات الناقلة للملكية التي تتناول ما لم يستولى عليه من الأرض الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى (المادة 4 مكررة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي المضافة بالمرسوم بقانون رقم 311 لسنة 1952) كما حظرها في توزيع الأراضي على صغار المزارعين تنفيذا لقانون الإصلاح الزراعي (الفقرة الأخيرة من المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 سالف الذكر) وكذلك منع الشفعة في بيع العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة (الفقرة الأخيرة من المادة 58 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها) وفيما عدا تلك الحالات الاستثنائية التي ألغى فيها المشرع حق الشفعة تحقيقا لأهداف الإصلاح الزراعي لا زال هذا الحق قائما كسبب مشروع من أسباب كسب الملكية في الحدود المقررة قانونا.

7 - إن الأصل في سلطة التشريع في موضوع تنظيم الحقوق أن تكون سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة ولما كان الدستور لم يعرض لأسباب اكتفاء بتعيين حد أقصى للملكية الزراعية يحول دون قيام الإقطاع فمن ثم تكون سلطته في هذا الصدد سلطة تقديرية في نطاق الحد الأقصى المشار إليه ولا ريب أن ترجيح نظام الشفعة عند قيام أسبابه ومنها الجوار والاشتراك في حقوق الارتفاق على مبدأ حرية التصرف استنادا إلى أن الشفعة إذ تجمع بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به في ملكية الشفيع وحده في نطاق الحد الأقصى للملكية الزراعية فإنها تؤدي إلى تطهير الأرض من هذه الحقوق فضلا عما يترتب عليها من دفع الضرر عن الجار وتجنب مشكلات المشاركة في حقوق الارتفاق وكافة منازعات الجوار.

لا ريب أن ذلك الترجيح مما يدخل في حدود سلطة المشرع التقديرية التي لم يقيدها الدستور في هذا الصدد.

8 - إن القول بأن الشفعة تخل بمبدأ تكافؤ الفرص لأنها تخول الشفيع وحده دون سواه رخصة تجعل منه المحتكر الوحيد لشراء الأرض المشفوع فيها - هذا النعي مردود بأن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق ولكنها ليست مساواة حسابية ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم - والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب في تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق لا يخل بشرطي العموم والتجريد في القاعدة القانونية ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.

9 - إن شأن حق الشفعة كشأن غيره من الحقوق في هذا الصدد، ذلك لأن استعماله منوط بتوافر أسباب حددها المشرع على سبيل الحصر تنظيما لموضوع بسبب الملكية عن طريق الشفعة بحيث إذا توافر سبب من أسبابه في فرد من الأفراد أصبح في مركز قانوني يخوله رخصة الشفعة في العقار ولا يقاس به غيره ممن لم يتوافر فيه سبب من هذه الأسباب إذ يكون في مركز قانوني مغاير - ولم يعد المشرع في تنظيم موضوع كسب الملكية بسبب الشفعة على الوجه المتقدم جانب المساواة أمام القانون ولم يخالف مبدأ تكافؤ الفرص الذي أقره الدستور في المادة الثامنة.

----------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى استوفت الأوضاع الشكلية المقررة قانونا.
أقام ....... الدعوى رقم 681 لسنة 1966 مدني أمام محكمة طنطا الابتدائية ضد ...... و..... يطلب الحكم بأحقيته في أخذ ثلاثة وعشرين فداناً وسبعة قراريط وثمانية أسهم المبينة بصحيفة الدعوى المبيعة من المدعى عليه الأول إلى المدعى عليه الثاني بالشفعة مقابل مبلغ 6677.220 جنيها أو ما يظهر أنه الثمن الحقيقي وملحقاته مع تسليم العين المشفوع فيها إليه واستند في دعواه إلى أن الأرض المبيعة تجاور أرضه وأن لأرضه حق ارتفاق بالصرف وحق ارتفاق بالمرور عليها كما أن للأرض المبيعة حق ارتفاق بالري على أرضه - وقد دفع المدعى عليه الثاني بسقوط حق المدعي في الأخذ بالشفعة استنادا إلى أنه علم بالبيع وبكافة تفاصيله عندما عرضت عليه الصفقة لشرائها فرفضها مما يفيد نزوله عن حقه في أخذ الأرض بالشفعة - في 6 من فبراير سنة 1967 قضت المحكمة برفض الدفع بسقوط الحق في الشفعة وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير زراعي من مكتب الخبراء بطنطا لأداء المهمة الموضحة بالحكم - وبعد تقديم التقرير قضت المحكمة في 27 من شهر مايو سنة 1968 بأحقية المدعي في أخذ الأرض المشار إليها بالشفعة مقابل مبلغ 6677.220 جنيها وملحقاته الرسمية والتسليم.

استأنف ................ المدعى عليه الثاني الحكمين سالفي الذكر أمام محكمة استئناف طنطا ودفع بعدم دستورية نصوص الشفعة الواردة في القانون المدني.

وفي 5 من أبريل سنة 1970 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلا وبوقف سير الخصومة فيهما ريثما تفصل المحكمة العليا في الدفع بعدم دستورية القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 سنة 1948 بالنسبة إلى مواد الشفعة وحددت للمستأنف ميعاداً أقصاه ستون يوما يبدأ من يوم صدور الحكم لرفع الدعوى في هذا الخصوص.

وفي 28 من مايو سنة 1970 أقام ............... هذه الدعوى ضد ............... و............. بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة وطلب الحكم بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 سنة 1948 مستندا في ذلك إلى الأسباب المبينة في صحيفة الدعوى وفي مذكراته التي أودعها قلم الكتاب.

وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني وانتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى.

كما أودعت الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وأودع المدعى عليه الأول مذكرتين طلب فيهما الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأودعت الحكومة مذكرة تكميلية صممت فيها على طلب رفض الدعوى.

وقد نظرت المحكمة الدعوى بجلستي 10 من أكتوبر سنة 1970 و5 من ديسمبر سنة 1970 على النحو المبين بمحضري الجلستين ثم أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة 13 من فبراير سنة 1971 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل الحكم إلى جلسة اليوم.

ومن حيث إن المدعي يطلب الحكم بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 استناداً إلى أن نظام الشفعة إذ يخول الشفيع دون سواه حق شراء الأرض المبيعة إلى غيره بطريقة مشروعة يؤدي إلى الاحتكار والاستغلال عن طريق جمع الأراضي الزراعية مما يتعارض مع النظام الاشتراكي الذي جعل منه الدستور في مادتيه الأولى والتاسعة أساسا للنظام الاقتصادي في الدولة كما يهدر مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة لجميع المصريين في المادة الثامنة من الدستور ومن ثم تكون نصوص القانون المدني التي تنظم الشفعة مخالفة للدستور ولا يحصنها نص المادة 166 منه ذلك لأن هذا النص يقصر حصانته على القوانين الصادرة منذ قيام الثورة في 23 يوليو سنة 1952 حتى تاريخ صدور الدستور في 25 من مارس سنة 1964 دون سواها من القوانين السابقة ومنها القانون المدني يؤيد هذا النظر أن المشرع يحرم الشفعة في الأرض التي يتصرف فيها ملاكها إعمالا لقانون الإصلاح الزراعي وكذا الأرض التي توزع على صغار المزارعين تنفيذا لهذا القانون كما يحرمها في الأرض التي تبيعها الدولة طبقاً لأحكام القانون رقم 100 سنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها.

ومن حيث إن المدعى عليه الأول دفع الدعوى بعدم جواز الطعن بعدم دستورية التشريعات السابقة على صدور الدستور ومن هذه التشريعات النصوص المنظمة لحق الشفعة الواردة في القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 ومبنى هذا الدفع أن المادة 166 من الدستور تقضي باستمرار نفاذ التشريعات السابقة على صدوره حتى تلغيها أو تعدلها السلطة التشريعية ومن ثم يظل حق الشفعة قائما كوسيلة مشروعة للتملك في الحدود التي يجيزها القانون.

ومن حيث إن الحكومة طلبت رفض الدعوى استنادا إلى أن الدستور إذ نص في المادة 166 منه على استمرار نفاذ التشريعات السابقة على صدوره حتى تلغيها أو تعدلها السلطة التشريعية فإنه يسلم بقيام تعارض بين بعض التشريعات المذكورة وبعض أحكام الدستور ومع ذلك أقر استمرار نفاذها حتى تعدلها أو تلغيها السلطة التشريعية ومن ثم فلا تخضع للطعن بعدم الدستورية أمام المحكمة العليا ثم قالت في مذكرتها التكميلية أن ولاية هذه المحكمة لا تتناول تلك التشريعات إلا إذا صدرت مخالفة للأحكام والأوضاع الدستورية النافذة وقت صدورها وعندئذ تجري عليها رقابتها على أساس هذه الأوضاع وتلك الأحكام وقد صدرت نصوص القانون المدني المنظمة لحق الشفعة سليمة غير مشوبة بهذا العيب إذ أنها تقرر حقاً مشروعاً للشفيع لا يخالف الدستور.

عن الدفع بعدم جواز الطعن في دستورية نصوص القانون المدني المنظمة لحق الشفعة:

من حيث إن المادة 166 من الدستور التي يستند إليها المدعى عليه الأول والحكومة في تأييد هذا الدفع تنص على أن "كل ما قررته القوانين والقرارات والأوامر واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور" وقد تردد هذا النص في مدلوله ومعناه مع اختلاف يسير في صيغته في الدساتير المتعاقبة منذ سنة 1923 ومنها الدستور الصادر في عام 1956 الذي تضمن نصين لكل منهما مجال يختلف عن مجال الآخر أولهما نص المادة 190 وهو مطابق لنص المادة 166 من الدستور الذي تقدم ذكره والثاني نص المادة 191 الذي يقضي بأن "جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من أي هيئة أخرى من الهيئات التي أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت". وظاهر من هذين النصين أن لكل منهما مجالا يختلف عن مجال الآخر وأن المشرع لم يلتزم في دستور سنة 1956 موقفا واحداً من التشريعات السابقة على تاريخ العمل به بل غاير بينهما فيما أسبغه عليها من الحماية فاتخذ بالنسبة إلى بعضها موقفاً اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير والإجراءات الثورية الاستثنائية التي اتخذت في ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادي وذلك بالنص على عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأي وجه من الوجوه وأمام أي هيئة كانت بينما اتخذ بالنسبة إلى سائر التشريعات الأخرى أسلوباً آخر ينطوي على حماية أدنى من تلك التي أسبغها على التشريعات الثورية الاستثنائية المتقدم ذكرها وذلك بالنص على بقائها نافذة مع إجازة إلغائها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور - وهذه المغايرة التي قصد إليها المشرع عند تحديد موقفه من التشريعات السابقة على الدستور قاطعة في الدلالة على أنه إذ تناول موضوع التشريعات السابقة على الدستور في نصين مختلفين في دستور واحد فإن كلا منهما يقرر حكماً يختلف عما يقرره الآخر وأنه إنما يستهدف تحصين التشريعات التي حددها على سبيل الحصر في المادة 191 منه دون غيرها من التشريعات التي وقف بالنسبة إليها عند حد النص على استمرار نفاذها وذلك تجنباً لحدوث فراغ تشريعي يؤدي إلى الاضطراب والفوضى والإخلال بسير المرافق العامة والعلاقات الاجتماعية إذا سقطت جميع التشريعات المخالفة للدستور فور صدوره - ولو أن المشرع أراد تحصين التشريعات السابقة على الدستور ضد الطعون القضائية لأفصح عن ذلك في نص واحد عام يتناولها كافة ولم يكن في حاجة إلى إيراد نص آخر يفيد ذات المعنى في موضوع واحد.

ومن حيث أن المشرع اجتزأ بنقل المادة 190 من دستور سنة 1956 إلى المادة 166 من دستور سنة 1964 ولم ينقل المادة 191 من الدستور التي استنفدت أغراضها إذ أسبغت على التشريعات الثورية الاستثنائية التي صدرت منذ قيام الثورة حتى عام 1956 حصانة نهائية لا مبرر ولا مسوغ لتكرار النص عليها - ولا ريب أنه لا يعني بنص المادة 166 من دستور سنة 1964 غير ما عناه بأصله الوارد في المادة 190 من دستور سنة 1956 وهو مجرد استمرار نفاذ التشريعات السابقة على الدستور دون تطهيرها مما قد يشوبها من عيوب ودون تحصينها ضد الطعن بعدم الدستورية شأنها في ذلك شأن التشريعات التي تصدر في ظل الدستور القائم فليس معقولاً أن تكون التشريعات التي صدرت قبل صدور الدستور وعلى الخصوص التشريعات الصادرة قبل قيام الثورة في ظل نظم سياسية واجتماعية واقتصادية مغايرة في أسسها وأصولها ومبادئها للنظم التي استحدثها الدستور - ليس معقولاً أن تكون هذه التشريعات بمنأى عن الرقابة التي تخضع لها التشريعات التي تصدر في ظل الدستور وفي ظل نظمه وأصوله المستحدثة مع أن رقابة دستوريتها أولى وأوجب.

ومن حيث إن الحكومة تقول في مذكرتها التكميلية بعد إثارة الدفع بعدم جواز الطعن على النحو المتقدم ذكره أن ولاية المحكمة العليا لا تتناول التشريعات السابقة على الدستور إلا إذا صدرت مخالفة للأحكام والأوضاع الدستورية النافذة عند صدورها وتكون رقابتها لهذه التشريعات على أساس تلك الأوضاع دون أحكام الدستور القائم وأوضاعه وهذا القول مردود بأن رقابة دستورية القوانين منذ عرفت في الدول ذات الدساتير الجامدة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه - ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.

ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الدفع بعدم جواز الطعن في دستورية الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني غير قائم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين رفضه.

عن الموضوع:

من حيث إن المدعي يطلب الحكم بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني التي تقضي بثبوت الحق في الشفعة للجار المالك إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة ويقول بياناً لأوجه مخالفة هذا النص لأحكام الدستور:

أولا: إن هدف نظام الشفعة هو جمع الأراضي في يد شخص واحد مما يؤدي إلى الاستغلال ويتعارض مع النظام الاشتراكي الذي أرست أصوله المادتان الأولى والتاسعة من الدستور وجعلت منه هذه المادة الأخيرة الأساس الاقتصادي للدولة.

ثانيا: إن نظام الشفعة إذ يخول الشفيع دون سواه حق شراء الأرض المبيعة لغيره فإنه يخوله سلطة احتكار هذا الحق ويحرم المشتري ثمرة تعاقد أبرمه بطريقة مشروعة ويهدر بذلك مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة في المادة الثامنة من الدستور لجميع المصريين.

ومن حيث إن الحكومة والمدعى عليه الأول دفعا الدعوى استناداً إلى أن حق الشفعة لا يتعارض مع النظام الاشتراكي ولا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص وأنه مجرد وسيلة مشروعة لكسب الملكية في الحدود المقررة قانونا كما أنه تستهدف منع المنازعات وإقرار الوئام بين ملاك يعملون لصالحهم ولصالح المجتمع.

ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من وجهي الطعن المبني على مخالفة الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني لأحكام المادتين الأولى والتاسعة من الدستور فإن المادة الأولى من الدستور تنص على أن "الجمهورية العربية المتحدة دولة ديمقراطية اشتراكية " - كما تنص المادة التاسعة منه على أن "الأساس الاقتصادي للدولة هو النظام الاشتراكي الذي يحظر أي شكل من أشكال الاستغلال بما يضمن بناء المجتمع الاشتراكي بدعامتيه من الكفاية والعدل - وفي خصوص تنظيم الملكية الزراعية في ظل النظام الاشتراكي الذي جعل منه الدستور أساساً اقتصادياً للدولة أرسى الدستور في المادة السابعة عشرة مبدأ تحديد الملكية الزراعية كأصل من الأصول التي يقوم عليها هذا النظام وأحال إلى القانون في تعيين الحد الأقصى لهذه الملكية وقد صدرت قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة التي قيدت الملكية الزراعية بحد أقصى لا تجاوزه وقضت بتوزيع ما يزيد عن هذا الحد من الأراضي الزراعية على العاملين في الزراعة تحقيقاً لأهداف المشرع من توسيع قاعدة الملكية الزراعية وتطبيقاً للنظام الاشتراكي الذي يقر الملكية الفردية في مجال الزراعة في حدود لا تسمح بالإقطاع ولم يعرض المشرع وهو بصدد سن هذه التشريعات الاشتراكية لحق الشفعة إلا حيث اقتضى ذلك تحقيق أهداف الإصلاح الزراعي فحظر الشفعة في التصرفات الناقلة للملكية التي تتناول ما لم يستول عليه من الأرض الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى (المادة 4 مكررة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي المضافة بالمرسوم بقانون رقم 311 لسنة 1952) كما حظرها في توزيع الأراضي على صغار المزارعين تنفيذاً لقانون الإصلاح الزراعي (الفقرة الأخيرة من المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 سالف الذكر) وكذلك منع الشفعة في بيع العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة (الفقرة الأخيرة من المادة 58 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها) وفيما عدا تلك الحالات الاستثنائية التي ألغى فيها المشرع حق الشفعة تحقيقاً لأهداف الإصلاح الزراعي لا زال هذا الحق قائماً كسبب مشروع من أسباب كسب الملكية في الحدود المقررة قانوناً.

ومن حيث إن الأصل في سلطة التشريع في موضوع تنظيم الحقوق أن تكون سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، ولما كان الدستور لم يعرض لأسباب كسب الملكية ومنها حق الشفعة ولم يقيد سلطة المشرع في تحديدها وتنظيمها اكتفاء بتعيين حد أقصى للملكية الزراعية يحول دون قيام الإقطاع فمن ثم تكون سلطته في هذا الصدد تقديرية في نطاق الحد الأقصى المشار إليه، ولا ريب أن ترجيح نظام الشفعة عند قيام أسبابها ومنها الجوار والاشتراك في حقوق الارتفاق على مبدأ حرية التصرف استناداً إلى أن الشفعة إذ تجمع بين العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به في ملكية الشفيع وحده في نطاق الحد الأقصى للملكية الزراعية فإنها تؤدي إلى تطهير الأرض من هذه الحقوق فضلا عما يترتب عليها من دفع الضرر عن الجار وتجنب مشكلات المشاركة في حقوق الارتفاق وكافة منازعات الجوار. لا ريب أن ذلك الترجيح مما يدخل في حدود سلطة المشرع التقديرية التي لم يقيدها الدستور في هذا الصدد.

ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من أوجه الطعن فإن المدعي ينعي على النص المطعون فيه أنه مخالف للمادة الثامنة من الدستور ويقول في بيان ذلك: إن الشفعة تخل بمبدأ تكافؤ الفرص لأنها تخول الشفيع وحده دون سواه رخصة تجعل منه المحتكر الوحيد لشراء الأرض المشفوع فيها - وهذا النعي مردود بأن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق ولكنها ليست مساواة حسابية ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم - والتجاء المشرع إلى هذا الأسلوب في تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق - لا يخل بشرطي العموم والتجريد في القاعدة القانونية ذلك لأن المشرع إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.

ومن حيث إن شأن حق الشفعة كشأن غيره من الحقوق في هذا الصدد ذلك لأن استعماله منوط بتوافر أسباب حددها المشرع على سبيل الحصر تنظيماً لموضوع كسب الملكية عن طريق الشفعة بحيث إذا توافر سبب من أسبابها في فرد من الأفراد أصبح في مركز قانوني يخوله رخصة الشفعة في العقار ولا يقاس به غيره ممن لم يتوافر فيه سبب من هذه الأسباب إذ يكون في مركز قانوني مغاير ولم يعد المشرع في تنظيم موضوع كسب الملكية بسبب الشفعة على الوجه المتقدم جانب المساواة أمام القانون ولم يخالف مبدأ تكافؤ الفرص الذي أقره الدستور في المادة الثامنة.

ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين رفضها مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ومصادرة الكفالة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم جواز الطعن بعدم دستورية الحالة الثانية من الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني وفي الموضوع برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي بالمصروفات وبمبلغ أربعين جنيها مقابل أتعاب المحاماة للحكومة والمدعى عليه الأول مناصفة بينهما.

 

 

القضية 3 لسنة 1 ق المحكمة العليا جلسة 7 / 11 / 1970 تنازع ق 1 ص 1

جلسة 7 من نوفمبر سنة 1970

برئاسة المستشار بدوي إبراهيم حمودة رئيس المحكمة وعضوية المستشارين محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة وعمر حافظ شريف وحسين حسين قاسم وحسين زاكي وأحمد طوسون حسين وعلي أحمد خليل

وحضور المستشار ياقوت العشماوي مفوض الدولة

والسيد/ سيد عبد الباري إبراهيم أمين السر.

--------------

(1)

القضية 3 لسنة 1 ق "تنازع"

(أ) تنازع اختصاص

شرط قبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص أمام المحكمة العليا - ان تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهة القضاء العادي وأمام جهة القضاء الإداري أو أية هيئة أخرى ذات اختصاص قضائي ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها .

(ب) تحكيم - عقد عمل - دعوى جماعية :

دعوى التحكيم التي تقيمها احدى النقابات لتقرير مبدأ أحقية جماعة العمال المنتمين إليها  في علاوة معينة - دعوى جماعية تدخل في اختصاص هيئة التحكيم طبقا للمادتين 188 و 193 من قانون العمل وهي تختلف عن الدعاوى التي يرفعها العمال بصفاتهم الشخصية للمطالبة بمبالغ محددة لكل منهم وتستهدف حماية حقوق ذاتية ممن رفعها من العمال دون سواهم مما يدخل في اختصاص المحاكم العادية ومن ثم فلا تنازع على الاختصاص لاختلاف الدعويين .

------------------

1 - يشترط لقبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص أمام المحكمة العليا تطبيقاً للمادة 17 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية التي أحال إليها قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة منه أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهة القضاء العادي وأمام جهة القضاء الإداري أو أية هيئة أخرى ذات اختصاص قضائي ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها.

2 - إن دعوى التحكيم رقم 1 لسنة 42ق التي أقامتها النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف أسيوط تختلف عن الدعاوى المرفوعة من العمال أمام محكمة أسوان الابتدائية، ذلك أن دعوى التحكيم هي دعوى جماعية رفعتها النقابة العامة بصناعات البناء وهي شخص اعتباري ذو شخصية مستقلة عن شخصيات العمال الذين ينتمون إليها تطلب فيها تقرير مبدأ أحقية جماعة العمال المنتمين إليها في علاوة منطقة العمل وفي السكن المجاني والغذاء بالثمن المخفض تطبيقاً للمادتين 53 و64 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 فهي تنطوي على منازعة خاصة بالعمل وبشروطه تستهدف حماية المصالح الجماعية لأعضاء النقابة مما يدخل في اختصاص هيئة التحكيم طبقاً للمادتين 188 - 193 من هذا القانون وذلك في حين أن الدعاوى المطروحة أمام محكمة أسوان الابتدائية قد رفعها العمال بصفاتهم الشخصية وموضوعها المطالبة بمبالغ محددة لكل منهم فهي وإن كانت تستند في بعض الطلبات إلى ذات الأسس التي تقوم عليها دعوى التحكيم إلا أنها منازعات فردية تستهدف حماية حقوق ذاتية لمن رفعها من العمال دون سواهم مما تختص بنظره والفصل فيه المحاكم العادية رغم قيام الدعوى الجماعية التي رفعتها النقابة أمام هيئة التحكيم، ولا يؤثر في هذا النظر أن طائفة من العمال المنتمين إلى النقابة اشتركوا في رفع هذه الدعاوى إلى محكمة العمال ذلك لأن الحكم إنما يصدر في هذه الحالة لكل مدع على حدة على أساس ظروفه ومركزه القانوني الخاص الذي يختلف بين عامل وآخر ومن ثم تظل الدعوى فرديه ولا تنقلب إلى دعوى جماعية لمجرد تعدد رافعيها، ولذلك فإن شروط قبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص بالتطبيق لنص المادة 17 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية غير متوافرة.

-------------

الوقائع

رفعت النقابة ..... للعاملين بصناعات البناء في الجمهورية العربية المتحدة الدعوى رقم 1 لسنة 42ق أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف أسيوط ضد الشركات ......... لإنقاذ معبدي أبو سمبل طلبت فيها الحكم:
أولا: بأحقية العاملين بالشركات ........ الذين يقيمون مع زوجاتهم بمنطقة العمل بأبو سمبل في كامل علاوة هذه المنطقة (50% من الأجر الأصلي) وإلزام الشركات بإسكانهم مع زوجاتهم بالمجان مع رد نصف العلاوة المستقطعة نظير إقامة زوجاتهم معهم من تاريخ استقطاعها.
ثانيا: بأحقيتهم في الحصول على الوجبات الغذائية يومياً بالثمن المخفض المنصوص عليه في المادة 64 من القانون رقم 91 لسنة 1959 والقرار الوزاري رقم 145 لسنة 1959 مع رد الفروق المستحقة لكل منهم من تاريخ وصوله إلى منطقة العمل.

ثم رفع فريق من العاملين بهذه الشركات الدعاوى رقم 253 و303 و305 و306 و313 و315 و544 و546 و833 و834 و835 و840 و841 و842 لسنة 1967 مدني أسوان أمام محكمة أسوان الجزئية طلبوا فيها الحكم بإلزام هذه الشركات بأن تدفع إلى كل منهم ما يستحقه من مبالغ حددها مقابل بدل السكن وفرق سعر الوجبات الغذائية منذ تعيينهم حتى تاريخ رفع تلك الدعاوى وفرق سعر الأجر الإضافي بعد إضافة بدل طبيعة العمل والأجر المضاعف للراحات الأسبوعية وأيام العطلات الرسمية. وقد دفعت الشركات ....... لإنقاذ معبدي أبو سمبل بعدم اختصاص محكمة أسوان الجزئية ولائياً بنظر الدعاوى استناداً إلى أن النزاع جماعي تختص بنظره والفصل فيه هيئة التحكيم. ولما استمرت المحكمة في نظر الدعاوى رفعت الشركات المشار إليها هذا الطلب إلى محكمة تنازع الاختصاص لتعيين الجهة المختصة بنظر النزاع المطروح على هيئة التحكيم والنزاع المرفوع أمام محكمة أسوان الجزئية في الدعاوى سالفة الذكر وقيد الطلب بجدول محكمة النقض برقم 1 لسنة 38ق تنازع.

وقررت هيئة التحكيم في 23 من مارس سنة 1968 وقف السير في النزاع إلى أن تصدر محكمة تنازع الاختصاص حكمها في تعيين الجهة المختصة، وقضت محكمة أسوان الجزئية في 25 من نوفمبر سنة 1968 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى التي رفعت إليها وإحالتها إلى الدائرة الكلية بمحكمة أسوان الابتدائية للاختصاص وذلك تطبيقاً للمادة الثانية من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية.

ولما نظرت الدعاوى أمام محكمة أسوان الابتدائية دفعت الشركات ........... بعدم اختصاص هذه المحكمة ولائيا بنظرها، وقضت المحكمة في 24 من أبريل سنة 1969 برفض هذا الدفع وباختصاصها بنظر تلك الدعاوى وبندب مكتب خبراء وزارة العدل بأسوان لأداء المأمورية المبينة بمنطوق الحكم.

وبعد صدور القانون رقم 81 لسنة 1969 بإصدار قانون المحكمة العليا الذي نقل إلى هذه المحكمة ولاية الفصل في مسائل تنازع الاختصاص أحيل الطلب إليها وقيد بجدولها برقم 3 لسنة 1ق عليا تنازع اختصاص.

وقد دفعت النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء بعدم قبول الطلب لعدم توافر شروط تطبيق المادة 17 من قانون السلطة القضائية لاختلاف الدعاوى التي رفعها العمال أمام محكمة أسوان عن دعوى التحكيم من حيث الموضوع والخصوم. وقدمت هيئة المفوضين تقريرا بالرأي القانوني انتهت فيه إلى عدم توافر شروط تطبيق هذه المادة في طلب الفصل في تنازع الاختصاص.

وقد نظر الطلب أمام هذه المحكمة بجلستها المنعقدة في 10 من أكتوبر سنة 1970 على الوجه المبين بمحضر الجلسة.

------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.

من حيث أن الطلب قد استوفى الأوضاع المقررة قانونا.

ومن حيث أن الشركات .......... لإنقاذ معبدي أبو سمبل تستند في طلب الفصل في تنازع الاختصاص بين هيئة التحكيم ومحكمة أسوان الابتدائية إلى وحدة موضوع الدعويين المطروحين على هاتين الجهتين.

ومن حيث أن النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء دفعت بعدم قبول الطلب استناداً إلى عدم توافر شروط تطبيق المادة 17 من قانون السلطة القضائية لاختلاف الدعاوى التي رفعها العمال أمام محكمة أسوان الجزئية ثم أحيلت منها إلى محكمتها الابتدائية عن دعوى التحكيم التي رفعتها النقابة أمام هيئة التحكيم من حيث الموضوع والخصوم.

ومن حيث أنه يشترط لقبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص أمام المحكمة العليا تطبيقاً للمادة 17 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية التي أحال إليها قانون المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 1969 في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة منه أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهة القضاء العادي وأمام جهة القضاء الإداري أو أية هيئة أخرى ذات اختصاص قضائي ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها.
ومن حيث أن دعوى التحكيم رقم 1 لسنة 42ق التي أقامتها النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف أسيوط تختلف عن الدعاوى المرفوعة من العمال أمام محكمة أسوان الابتدائية، ذلك أن دعوى التحكيم هي دعوى جماعية رفعتها النقابة ....... لصناعات البناء، وهي شخص اعتباري ذو شخصية مستقلة عن شخصيات العمال الذين ينتمون إليها، تطلب فيها تقرير مبدأ أحقية جماعة العمال المنتمين إليها في علاوة منطقة العمل وفي السكن المجاني والغذاء بالثمن المخفض تطبيقا للمادتين 53 و64 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959، فهي تنطوي على منازعة خاصة بالعمل وبشروطه تستهدف حماية المصالح الجماعية لأعضاء النقابة مما يدخل في اختصاص هيئة التحكيم طبقاً للمادتين 188 و193 من هذا القانون، وذلك في حين أن الدعاوى المطروحة أمام محكمة أسوان الابتدائية قد رفعها العمال بصفاتهم الشخصية وموضوعها المطالبة بمبالغ محددة لكل منهم فهي وإن كانت تستند في بعض الطلبات إلى ذات الأسس التي تقوم عليها دعوى التحكيم إلا أنها منازعات فردية تستهدف حماية حقوق ذاتية لمن رفعها من العمال دون سواهم مما تختص بنظره والفصل فيه المحاكم العادية رغم قيام الدعوى الجماعية التي رفعتها النقابة أمام هيئة التحكيم، ولا يؤثر في هذا النظر أن طائفة من العمال المنتمين إلى النقابة اشتركوا في رفع هذه الدعاوى إلى محكمة العمال ذلك لأن الحكم إنما يصدر في هذه الحالة لكل مدع على حدة على أساس ظروفه ومركزه القانوني الخاص الذي يختلف بين عامل وآخر ومن ثم تظل الدعوى فردية ولا تنقلب إلى دعوى جماعية لمجرد تعدد رافعيها.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن شروط قبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص بالتطبيق لنص المادة 17 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية غير متوافرة ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبوله.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الطلب.