الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 ديسمبر 2021

المشتري الشفيع كغيره من الشفعاء استحقاقًا ومزاحمة حامد فهمي المحامي

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة الثامنة - ديسمبر سنة 1927

بحث
المشتري الشفيع كغيره من الشفعاء استحقاقًا ومزاحمة
نقدًا لحكم محكمة استئناف أسيوط المؤرخ 3 مارس 1927
ولحكم محكمة طنطا المؤرخ 17 مايو 1920
لحضرة الأستاذ الفاضل حامد بك فهمي

قد يكون مشتري الصفقة شفيعًا فيها، فهل يكون له من شرائه ما يتميز به على غيره من الشفعاء؟ أم يتزاحم معهم على مقتضى المادة السابعة من قانون الشفعة، فيزحمهم إن كان أقواهم سببًا، ويزحمونه إن قوى سببهم على سببه، ويتقاسمون إذا تساووا في السبب.
أما أنه يشفع فلا خلاف فيه، إذ لا يمكن اعتبار شرائه إعراضًا عن الشفعة، ولا التمسك بها سعيًا منه في نقض شرائه، كما لا خلاف في تقدمه على غيره من الشفعاء أو تقدمهم عليه بقوة السبب، إنما الخلاف عند التساوي فيه: ففريق يرى تقسيم الصفقة بينهم وفريق يؤثر بها المشتري على غيره منهم.
ولما كانت المسألة كثيرة الوقوع، وكان الحق فيها عندنا لا يعدو مساواة المشتري لغيره من الشفعاء مفاضلة بقوة السبب عند اختلافه، ومقاسمته عند التساوي فيه، على خلاف ما قضت به محكمة استئناف أسيوط بحكمها المؤرخ 3 مارس 1927 (راجع المحاماة سنة 7 صـ 814) ومحكمة طنطا بحكمها المؤرخ 17 مايو سنة 1920 (راجع المحاماة السنة الأولى صـ 340) لذلك رأينا نشر هذا المقال بيانًا لرأينا، ونقدًا لهذين الحكمين فنقول:
الفقه الإسلامي:
من الحق - وقد تلقى الشارع المصري أحكام الشفعة عن هذا الفقه - أن أبتدئ بدرس المسألة فيه، وتأصيل حكمها على المختار من أصوله، لا أقصد من ذلك إيجاب العمل بأحكام الشريعة الإسلامية في مادة هي المشرعة لها، وإنما لأقف بالقارئ عند أصل علة الشفعة فيها، وأريه كيف لم يحفل فقهاؤها - وهم أول من قال إن الشفعة شرعت لدفع ضرر الشريك الدخيل أو الجار الحادث - بما يظهر من انتفاء هذا الضرر إذا كان المشتري شريكًا أو جارًا، وليعلم أن حكم التسوية بين المشتري وغيره من الشفعاء جرى فيها مجرى الأصول فيطيب له الأخذ به على اعتباره مقتضى النظر الفقهي.
صح عن الشارع الإسلامي، عند أبي حنيفة وأصحابه، ثلاثة نصوص تثبت الشفعة للشريك في العقار، ثم للخليط في حقوقه، ثم للجار، فاعتبروها أصلاً في باب الشفعة، واستثمروها بنظرهم الفقهي، فكان لهم منها ما نعرف من أحكام كثيرة.
بحثوا عن علة الشفعة: فلاحظوا أن هذه النصوص تثبت الشفعة للشريك ثم للخليط ثم للجار، وهي أسماء مشتقة من معانٍ معروفة، ولما كان من أصولهم أن من مسالك العلة التنبيه في الأحكام على أسبابها المترتبة عليها بالتسبيب، وأن الحكم متى علق باسم مشتق كان معناه هو الموجب للحكم، وبخاصة إن كان مؤثرًا فيه، لذلك اعتبروا أن سبب الشفعة، الذي هو بمعنى العلة اتصال ملك الشفيع بالعين المبيعة اتصال شركة أو خلطة أو جوار، لأن هذا الاتصال هو سبب الضرر الذي قصد الشارع رفعه بشرعة الشفعة (راجع المبسوط جزء 13 صـ 9).
وقد جرى علماء الأصول في هذا على ما اختاروه في تعليل الأحكام غير المنصوص على علتها، من الجري مجرى الشارع فيما نص على علله، من الدأب على إضافة الحكم إلى وصف ظاهر منضبط مشتمل على الحكمة المقصودة من شرعته، أو رد الناس إلى مظانها، إن كانت الحكمة خفية أو مضطربة مختلفة باختلاف الصور والأشخاص والأزمان والأحوال (راجع الآمدي جزء 3 صـ 29).
فلما استقام لهم أن الحكمة من مشروعية الشفعة هي دفع ضرر الشريك الدخيل أو الجار الحادث، وأن هذا الضرر غير منضبط، أقاموا مقامه مظنته، وهي الاتصال بالشركة أو الخلطة أو الجوار، ولهذا لم يوجبوا تحقق وجود الحكمة في كل شفعة، والتزموا اطرادًا لحكم ما توافرت مظنته، وُجدت الحكمة أو لم توجد، فأثبتوا الشفعة لكل شريك أو خليط أو جار ما تباينت أشخاصهم واختلفت صفاتهم من سن ودين وعدالة وبغي، وُجد الضرر أو لم يوجد، كما أثبتوها للمشتري يزحم بها غيره من الشفعاء إذا كان أقوى منهم سببًا، ويزحمونه إذا قوي سببهم على سببه، ويتقاسمونها إذا تساووا في السبب (راجع تنقيح الحامدية صـ 181 جزء أول وابن عابدين جزء 5 صـ 144 وصـ 157 والمادة 104 من مرشد الحيران والمعاملات للشيخ أحمد أبي الفتح جزء أول صـ 69).
وأنت ترى من هذا أن حكم الأخذ بالشفعة من مشترٍ شفيع وإن لم يرد به نص عن الشارع فقد عُرف من مجرد قيام سببها بكونه شريكًا أو جارًا، ذلك السبب الذي هو في معنى العلة، أو هو مظنة الحكمة المقصودة من شرعة الشفعة، فتراهم مع تقريرهم أنها شرعت لدفع ضرر الشريك الدخيل أو الجار الحادث، لم يعتبروا هذا الضرر علة يدور معلولها معها وجودًا وعدمًا، وإنما اعتبروا مظنتها: فأطلقوا الحكم لكل شريك ولكل جار، وأخذوا بقوة السبب في الترجيح، فقدموا الشريك على الخليط ثم هو على الجار، فاستقام لهم أن يقاسم الشريك أو الجار من اشترى الصفقة شريكًا أو جارًا، وأن يشفع الشريك من المشتري الجار، ولا يشفع الجار من المشتري الشريك.
أحكام القانونين المختلط والأهلي:
كانت الشفعة في القانونين لمن أعار أرضه لآخر وأذن له بالبناء عليها أو الغراس فيها (مادة 93/ 68) ثم للشريك في عقار غير مقسوم (94/ 69) ثم للجار (99/ 73) وكانت المادة (94/ 69) تنص على أن الشريك مقدم على غيره عدا المالك الآذن بالبناء أو الغراس، وكان نص المادة (99) من القانون المختلط يجيز للشريك الأخذ من مشترٍ شريك ويوجب عليه تقسيم ما أخذه بين جميع شركائه إذا طلبوا ذلك، ولم يرد بالقانون الأهلي نص يقابل هذا النص وكان من وراء عدم نص القانونين على حكم الشفعة عند تعدد الجيران، وعدم نص القانون الأهلي على حكمها عند تعدد الشفعاء المتساوين في الاستحقاق، أن اضطربت أحكام المحاكم في قضايا الشفعة: فقضت محكمة الاستئناف المختلطة بحكمها المؤرخ 14 يناير سنة 1892 بأن لا شفعة لجار من مشترٍ جار (راجع مجموعة الأحكام سنة رابعة صـ 133) ثم حكمت بحكمها المؤرخ 12 يونيه سنة 1895 بأنه عند تعدد الجيران يجب تقسيم المشفوع فيه بينهم ولو كان المشتري جارًا (راجع المجموعة سنة سابعة صـ 391 ونشر في مجموعة لاتنر جزء أول تحت نمرة 4398) - ومن المهم أن ننوه هنا بأن المحاكم المختلطة كانت تأخذ في الشفعة بأحكام الشريعة الإسلامية فيما سكت القانون عنه (راجع حكم 25 فبراير سنة 1892 (المجموعة الرسمية جزء 4 ص 136)) إذ قالت فيه: لخلو القانون من نصوص تنظم شفعة الجيران يجب الرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أبي حنيفة وهذا المذهب يوجب القسمة بينهم على قدر الرؤوس.
كذلك اضطربت أحكام المحاكم الأهلية فقضت محكمة الإسكندرية الاستئنافية بحكمها المؤرخ 29 إبريل سنة 1897 بجواز الأخذ من المشتري الشفيع ومقاسمة طالب الشفعة له إن كانا من مرتبة واحدة (راجع القضاء سنة 4 صـ 357) وحكمها المؤرخ 30 ديسمبر سنة 1897 (راجع القضاء سنة 5 صـ 79) وخالفتها محكمة استئناف مصر بحكمها المؤرخ 17 نوفمبر سنة 1898 (راجع القضاء سنة 6 صـ 129) وحكمها المؤرخ 15 ديسمبر سنة 1898 (القضاء سنة 6 صـ 171) وحكمها المؤرخ 15 يونيه سنة 1899 (راجع الحقوق سنة 14 صـ 190) وهو ما قضت به محكمة مصر الاستئنافية كذلك بحكمها المؤرخ 26 نوفمبر سنة 1898 (راجع القضاء سنة 6 صـ 179) وقد جاء بالحكم المؤرخ 17 نوفمبر سنة 1898 - وهو ما كثر التعويل عليه: أن الغرض من الشفعة هو دفع ضرر الشركة أو الجوار الذي يحدث بعد بيع العقار المشترك أو المجاور لكونها مظنة الأذى، وأن لا محل لها إذا كان المشتري شريكًا أو جارًا، لأن نسبة الشفيع والمشفوع منه لم تتغير: فهما متجاوران أو شريكان في الصفقة من قبل، وفي جواز الشفعة ترجيح لصفة طالب الشفعة على صفة المشفوع منه مع كونها واحدة، ولا يصح أن يكون شراء المشفوع منه مضعفًا لصفة الجوار أو الشركة، وقسمة العقار بينهما لا تدفع جوارًا أو شركة، وتجويزها يحول الغرض من الشفعة عن كونه دفع جوار أو شركة طارئة إلى كونه جلب منفعة للشفيع إضرارًا بالمشتري، وهو مخالف للعدالة ومناقض لمبادئ القانون - وستعرف فيما بعد ما في هذه الأسباب من خطأ على طلاوة عبارتها.
قانون الشفعة الجديد:
صدر قانون الشفعة للمحاكم المختلطة في 26 مارس 1900 (بعد أن مر على الهيئات القانونية المشرعة له) ثم صدر بنفس نصوصه للمحاكم الأهلية في 23 مارس سنة 1901.
وقد ابتدأ هذا القانون بذكر من يكون شفيعًا ومشفوعًا منه ومن لا يكون، وما يشفع فيه وما لا يشفع.
فأثبت الشفعة في المادة الأولى للشريك الذي له حصة شائعة في العقار ثم للجار، ثم عد في المادة الثانية صاحب حق الانتفاع شريكًا أثبت له الشفعة بعد مالك الرقبة، فكان المستحقون للشفعة عنده على مراتبهم: مالك الرقبة ثم الشريك ثم صاحب حق الانتفاع ثم الجار، أثبتها لهم بهذه الأوصاف المضبوطة المعروفة ثم استثنى الوقف في المادة الرابعة فمنعه من أن يكون شفيعًا.
ومنع الشفعة بالمادتين الخامسة والثالثة فيما وقع تمليكه بغير بيع، أو بيع بالمزايدة لعدم إمكان القسمة بين الشركاء عينًا أو لنزع الملكية جبرًا أمام الإدارة أو القضاء، أو بيع ليجعل محل عبادة أو ملحقًا به - ومنعها من أصل أو فرع أو زوج أو قريب إلى الدرجة الثالثة من القرابة اشترى من فرعه أو أصله أو زوجه أو قريبه.
ثم ذكر حكم تعدد الشفعاء ومراتبهم في المادة السابعة، فابتدأ بترتيبهم على قوة اتصالهم بالعقار المشفوع فيه، الأقوى فالقوي فالذي يليه من مالك الرقبة إلى الشريك إلى صاحب حق الانتفاع إلى الجار، ثم قسم الشفعة بينهم إذا كانوا مالكي رقبة أو شركاء أو أصحاب حق انتفاع، وخصصها عند تعدد الجيران بمن تعود منفعة الشفعة على ملكه أكثر من غيره.
وقد فهم من شرح هذا القانون من فقهائنا أن المشتري الشفيع لا يفضل بشرائه غيره من الشفعاء المساوين له في الرتبة، وأنه وإياهم يتزاحمون ويتقاسمون على مقتضى ما ذكر بالمادة السابعة (راجع شرح القانون المدني لفتحي باشا صفحة 913 ودوهلس تحت كلمة شفعة فقرة 46 و87 و91 جزء ثالث وفقرة 18 صـ 140 جزء رابع تحت كلمة (استرداد) وعلي بك زكي العرابي في كتابه الشفعة في القوانين المصرية صـ 42 فقرة 68 طبعة سنة 1906) بل صرح أسبقهم في الشرح وهو العرابي بك بأن المادة الثامنة جاءت حاسمة في المسألة بعد اختلاف المحاكم فيها.
تلقى المشتغلون بالقانون هذا الإجماع عن فقهائهم بالرضاء وتداولوه درسًا وعملاً حتى خالفته محكمة طنطا الابتدائية الأهلية بحكمها المؤرخ 17 مايو سنة 1920 (راجع المحاماة سنة 1 صـ 340)، وحذت حذوها محكمة الإسكندرية بحكمها المؤرخ 2 إبريل سنة 1923 (راجع المحاماة سنة 4 صـ 140) ثم محكمة استئناف أسيوط بحكمها المؤرخ 3 مارس سنة 1927.
مبدؤنا:
والذي أراه أن الشارع المصري لما اعتبر علة الشفعة الاتصال بالشركة أو الجوار كما اعتبرها الشارع الإسلامي، وأن الترجيح [(1)] يجب أن يكون بقوة العلة ثم بكثرتها أخذًا بمذهب الشافعية، فاضل بين المختلفين علة، على ترتيب العلة قوةً وضعفًا، وبين المتساوين، على نسبة ما لكلٍّ منها، فقسم الصفقة بينهم كل بقدر نصيبه ثم استثنى الجيران فاعتبر الكثرة من العلة في الجوار بكثرة المنفعة التي تعود على الملك من الأخذ بالشفعة.
وبهذا كانت المادة السابعة عندنا تشمل حكم الترجيح بقوة العلة ثم بكثرتها، وما تراه فيها من التقسيم على قدر الملك بين مالكي الرقبة أو الشركاء أو أصحاب حق الانتفاع هو ترجيح بينهم بكثرة العلة، وأرى أنه بعد أن فرغ من حكم الترجيح بين الشفعاء في المادة السابعة، أراد أن يحسم ما قام من خلاف في قضاء المحاكم على جواز الأخذ من مشترٍ شفيع، فوضع بالمادة الثامنة حكم جوازه دالاً على الرغبة في رفع توهم من ظن أن شراء الشفيع يُحسب ميزة له على غيره من الشفعاء - ولي في الاستدلال على ذلك مسلكان:
المسلك الأول: (إشارات لغوية بدت لنا في الأصل الفرنسي لقانون الشفعة: وكان واجبًا علينا الرجوع إليه لأن قانونها الصادر للمحاكم المختلطة هو الذي وضع أولاً فوافقت عليه الدول وصدر باللغة الفرنسية.
فإذا رجعت إليه وجدت الفقرة الأخيرة من المادة السابعة بهذا النص:

Entre voisins, la préférence appartiendra á celui qui peut tirer de la préemption un plus grand avantage pour son fonds.

وترجمته: (وإذا تعدد الجيران فالترجيح لمن تعود على ملكه من الشفعة منفعة أكثر من غيره).
ووجدت المادة الثامنة بهذا النص:

Le droit de préemeption subsiste et la régle établie á l’article précédant qui détermine la préférence est applicable même dans le cas où l’acquéreur se trouverait dans les conditions prévues á l’article premier pour se rendre lui - même préempteur.

وترجمته: (وتظل الشفعة قائمة وتراعى القاعدة المذكورة في المادة السابقة المبينة للترجيح حتى إذا توافر في المشتري من الشروط ما يجعله شفيعًا حسب ما ذكر في المادة الأولى).
وإليك أهم ما لفت نظرنا وعنينا بنقله حفظًا لمعنى الأصل الفرنسي:
رأينا الشارع استعمل في المادة الأولى المبينة من يكون شفيعًا لفظ appartenir الذي هو بمعنى (التعلق) للدلالة على استحقاق الشفعة، واستعمل في المادة الثامنة لفظ “subsister” الذي هو بمعنى (البقاء) للدلالة على بقاء حكم الشفعة ثابتًا، ورأينا الأصل العربي لا يشعر بهذا الفرق إذ تجد فيه المعنيين بلفظ واحد هو قوله (تثبت الشفعة).
وترى النص الفرنسي يستعمل في الفقرة الأخيرة من المادة السابعة لفظ “préférence“ الذي هو بمعنى (الأفضلية) للدلالة على ما يفضل به جار جارًا في موجب الانتفاع بالشفعة، ويعيد استعمال هذا اللفظ في المادة الثامنة بمعنى الأفضلية مشارًا إليها بأنها المبينة بالمادة السابعة، مع أنك ترى النص العربي قد عبر عن هذا المعنى في المادة السابعة بقوله (يقدم) وفي المادة الثامنة بقوله (فيما يتعلق بالأولوية)، فكأنه استعمل لفظين لمعنى واحد، وقد نقلناه عن الفرنسية بلفظ واحد في المادتين واخترنا له (الترجيح) عوضًا عن الأولوية، لما بين لفظي (préférence) و(priorité) من فارق المعنى، إذ الكلمة الثانية (priorité) تدل على معنى التقدم بالدرجة أو بالزمن، والأولى (préférence) تدل على أن شيئين اشتركا في صفة وزاد أحدهما عن الآخر فيها.
ولا يفوتك النظر إلى لفظ (même) في المادة الثامنة واستعماله ظرفًا للدلالة على معنى (حتى الغائبة)، المفيدة لدخول ما بعدها في حكم ما قبلها المضمر، كما نقول في الفرنسية.

Ne faîtes jamais du mal même à vos ennemis.

(لا تعمل سوءًا حتى مع أعدائك) وكما تقول (احتقره الناس حتى العبيد)، و(زاره أشراف المدينة حتى الأمير) وإن كان الاستعمال العربي جرى على إظهار ما قيل حتى كما ترى.
وإنك إذا قرأت نص الفقرة الأخيرة من المادة السابعة ونص المادة الثامنة على ما ترجمناه به استقام لك منهما ما فهمناه.
ألا ترى أن الشارع - بعد أن عرفك من يكون شفيعًا ومن لا يكون، وما تكون فيه الشفعة وما لا تكون، وذكر لك من لا شفعة منه، فعرفت من يشفع منه - وبعد أن بيّن لك في المادة السابعة ما يكون به الترجيح بين الشفعاء - أراد رفع توهم أن لا يشفع من مشترٍ هو شفيع فأثبت في المادة الثامنة استحقاق الشفعة منه بلفظ دال على البقاء إشعارًا بهذا المعنى وساوى بينه وبين غيره من الشفعاء في وجوب مراعاة قاعدة الترجيح السابقة الذكر في المادة السابعة وأشار إلى هذا المعنى باستعمال لفظة (même) فكأنه قال (وتظل الشفعة لمستحقها ويراعى حكم الترجيح المقرر في المادة السابعة على كل مشترٍ حتى إذا كان شفيعًا، فإذا قدمت الشرط على الجزاء قلت وإذا كان المشتري شفيعًا فالشفعة لمن استحقها بمراعاة حكم الترجيح الواردة في المادة السابعة).
وإذن فمفهوم هذا النص أن حكم استحقاق الشفعة وحكم الأفضلية بين الشفعاء يبقيان على أصلهما إذا كان المشتري شفيعًا، فيزحم غيره من الشفعاء بقوة سببه ويزحمونه كذلك بقوة السبب ويقاسمهم ويقاسمونه إذا كانوا من درجة واحدة إلا إذا كانوا جيرانًا فالأفضلية لأكثر منفعة، من الآخذ بالشفعة.
المسلك الثاني: أصول الفقه القانوني، لم يُعنَ علماء القانون بالوضع والتأليف في الأصول، إلا من عهد سالي وجيني وأمثالهما، وهؤلاء مع تعمقهم في البحث ووضع النظريات القانونية الحديثة لا ترى لهم في مثل ما عُني به علماء الأصول في الفقه الإسلامي، كالقياس والعلة، ما لهؤلاء من استيعاب وتعمق، وللفقه القانوني مع ذلك أصول - فمن أصوله أن أحكام القانون معللة بما تجلبه من المصالح وتدرؤه من المفاسد، ومن مسالك العلل فيه التنبيه على أسباب الأحكام المترتبة عليها بالتسبيب، والقانون لا يعلل أحكامه إلا بالأوصاف الظاهرة المنضبطة، فإن لم يجد وصفًا ظاهرًا منضبطًا، أقام مقامه مظنته المشتملة عليه في الغالب، وعندئذٍ لا يهمه ظهرت العلة أو خفيت، إذ العبرة تكون عنده بمظنتها، وهي التي يدور الحكم معها وجودًا وعدمًا.
اعتبر ذلك في المظنات القانونية من جميع أبواب القانون وراجع ما كتبه جيني عن المظنات في كتابه المسمى (Méthode et sources du droit positif) وانظر إلى الشارع الفرنسي في تعليل ثبوت النسب بمجيء الولد لمائة وثمانين يومًا من عقد الزواج لا بالوطء والعلوق، لخفائهما وعدم انضباطهما، وإلى الشارع المصري في تعليل ثبوت الحق وعدم قبول المخاصمة فيه، بالحكم النهائي، لا بالحكم الصائب الذي هو علته، لخفائه وقيام مظنته الدالة عليه في الغالب مقامه، وفي تعليل ثبوت الرشد ببلوغ السن، وفي تعليل عدم جواز المعارضة في الأحكام الغيابية، بفوات أربعٍ وعشرين ساعة بعد وصول ورقة متعلقة بالتنفيذ لمحل المحكوم عليه، لعدم انضباط العلم بالحكم أحيانًا ولخفائه أحيانًا أخرى، وفي تعليل سقوط بعض الحقوق بعدم استعمالها في أوقاتها المحددة لها، لخفاء معنى الرضاء بالتنازل الضمني عنها أحيانًا.
عندئذٍ تعلم أن الشارع متى أقام مظنة العلة مقامها لحكمٍ ما، وجب على الفقيه الأخذ بالمظنة ما وُجدت، تحققت العلة أو لم تتحقق، فالولد ابن الزوج ولو لم يحصل العلوق منه بل ولو لم يحصل الوطء، وبالغ السن رشيد ولو لم يكن رشيدًا في الواقع، والمعارضة ساقطة بفوات الميعاد، ولو لم يعلم المحكوم عليه غيابيًا بالحكم.
فإذا كانت الشفعة شرعت لعلة دفع ضرر الشريك الحادث، فالشارع لخفائها أحيانًا ولعدم انضباطها أقام مظنتها مقامها، وهي اتصال الملك بالشركة أو الجوار، فما عليك إذن في سبيل العلم بمن يكون شفيعًا ومن لا يكون، إلا التحقق من وجود المظنة، ثبت الضرر أو انتفى.
وعلى هذا يكون الشفيع من قام به سبب من أسباب الشفعة ولو كان مشتريًا وانتفى الضرر الحادث من شرائه، لوجوده شريكًا أو جارًا من قبل، ويجب أن يجري حكم المشتري الشفيع من حيث جواز الأخذ منه وعدم جوازه، ومن حيث المفاضلة بينه وبين غيره من الشفعاء، ومقاسمتهم معه، مجرى حكم غيره منهم، ولذا تكون المادة السابعة هي التي تفيدنا بعمومها، حكم جواز الأخذ من المشتري الشفيع، وحكم مزاحمته لغيره من الشفعاء أما المادة الثامنة فقد قلنا إنها لم ترد نصًا في ذلك وإنما جاءت لدفع توهم عدم جواز الأخذ من مشترٍ شفيع.
هذا مبدؤنا في الشفعة، أقمناه على نصوص قانونها، لم نخصص منها عامًا ولم نقيد منها مطلقًا، ولم نلجأ فيه إلى مفهوم المخالفة وهو على ما سترى من ضعفه عند الأصوليين، فجاء مبدؤنا منطبقًا على أصول القانون متفقًا مع حكم الفقه الإسلامي، موافقًا لأصوله.
المذهب المخالف:
ولم يخالفنا في مبدئنا شارح لقانون الشفعة من فقهائنا (زكي بك العرابي وفتحي باشا ودوهلتس وكامل بك مرسي) على أنهم جميعًا مروا عليه كأنه بديهي لا يحتمل جدلاً أو خلافًا، ولم ينشأ المبدأ المخالف إلا في القضاء الأهلي، ذهبت إليه محكمة طنطا بحكمها المؤرخ 17 مايو سنة 1920 وتولت شرحه والتدليل عليه، ثم تابعها فيه بعض المحاكم، ثم أخذت به محكمة استئناف أسيوط.
أما القضاء المختلط فلم نرَ له أحكامًا في شفعة الشريك من الشريك تجيز قسمة المشفوع فيه بينهما أو لا تجيزها، وكل ما رأيناه لهذا القضاء من أحكام قد صدر بعضه بتطبيق قاعدة الترجيح المقررة في المادة السابعة بين الجيران، على الصورة التي يكون فيها المشتري جارًا. (راجع حكم 16 يونيه سنة 1904 صـ 330 مجموعة البلتان سنة 16).
والبعض يوجب إلزام من يستشفع بجواره أن يثبت أن ما يعود على ملكه من الأخذ بالشفعة أكثر مما يعود على ملك الجار المشفوع منه (كحكم 16 يونيه سنة 1904 البلتان سنة 16 صـ 331) وهناك أحكام قضت بأفضلية المشتري الجار على الشفيع الجار عند الشك في أيهما أكثر انتفاعًا بالشفعة من الآخر. (راجع حكم 2 إبريل سنة 1913 بمجموعة البلتان سنة 25 صـ 279) وأحكام أخرى قضت بقسمة الصفقة إذا تساوت مصلحتهما كحكم 29 إبريل سنة 1904 (راجع مجلة البلتان سنة 16 صفحة 205)، وليس في هذه الأحكام ما يؤيد المبدأ المخالف، لأن الخلاف كما سيتضح لك هو على استحقاق الشريك للشفعة من المشتري الشريك أو مالك الرقبة من مثله، أو صاحب حق الانتفاع كذلك، لأن الترجيح بينهما لا يكون بالأولوية الواردة في المادة الثامنة مقصورًا عليها كما يقولون، وإنما هو بالتقسيم المنصوص عليه في المادة السابعة.
ولم نجد مع هذا في هذه الأحكام ولا في غيرها ما يمكن اعتباره شرحًا لمذهب فقهي لا نستثني منها إلا الحكم الصادر في 10 مارس سنة 1925 المنشور بمجلة البلتان سنة 37 صـ 924 وصـ 925 إذ وجدنا فيه تفسيرًا للمادة الثامنة منطوقها ومفهومها (سيأتي الكلام عليه) وقد صدر برفض دعوى الشفعة المرفوعة من جار على مشترٍ يجاور المبيع من جهتين وله حق ارتفاق عليه بناءً على ما تبين للمحكمة من المنفعة التي تعود على ملكه بالجوار والارتفاق أكثر من المنفعة التي تعود على ملك طالب الشفعة بالجوار وحده.
فلم يبقَ علينا إلا مناقشة حكم محكمة أسيوط ثم حكم محكمة طنطا.
حكم محكمة أسيوط:
جاء في هذا الحكم أن الشفعة شرعت على خلاف الأصل، لضرورة دفع الضرر المحتمل من الشريك الدخيل أو الجار الحادث، وما دامت الضرورة تقدر بقدرها والعلة تدور مع معلولها وجودًا وعدمًا، والضرر منتفٍ، إذا كان المشتري شريكًا أو جارًا من قبل، فلا شفعة لشفيع من مشترٍ يساويه في درجة استحقاقه ولا وجه لقسمة الصفقة بينهما.
وورد فيه أنه لا وجه للأخذ بحكم الشريعة الإسلامية، وإن كانت الشفعة من وضعها، لأن القانون قد وضع لها على التعاقب نصوصًا متفقة مع الضرورة التي كانت سببًا لشرعتها، فوجب العمل بها دون غيرها، والاحتراس في تفسيرها وعدم الخروج عنها، ثم فسرت تلك المحكمة على هذا الأساس قانون الشفعة فقالت: (إذا أطلق الشارع حكم ثبوت الشفعة في المادة الأولى بجعلها حقًا لكل شريك ولكل جار فلم يأتِ عنه نص يدل على إطلاق الاستحقاق من كل مشترٍ، ولذا كانت المادة السابعة خاصة بحكم تعدد الشفعاء يشفعون من مشترٍ غير شفيع، وكانت المادة الثامنة خاصة بالحالة التي يكون فيها المشتري شفيعًا، والشفيع الطالب أسبق منه حسب قاعدة الأولوية المبينة بالمادة السابعة، واستنتجت من ذلك أن لا شفعة من شفيع إلا في هذه الحالة) ونحن لا نرى تعليق استحقاق الشفعة بذات الضرر ولا نقول بدورانه معه وجودًا وعدمًا ولا نستنتج عدم جواز الأخذ من مشترٍ شفيع لانتفاء الضرر بقدم شركته أو جواره، وقد بينّا من قبل أن القانون والفقه الإسلامي قد أضافا حكم الاستحقاق إلى مظنة الضرر التي هي الاتصال بالمبيع اتصال شركة أو خلطة أو جوار وأن العبرة فيه قانونًا وشرعًا بوجود مظنة ثبت الضرر أو انتفى.
وليس صوابًا ما ذهبت إليه المحكمة من تفسير هاتين المادتين: إذ بينّا أن القانون عيّن من يكون شفيعًا ومن لا يكون، وما يشفع فيه وما لا يشفع، ومن لا يشفع منه فأغنانا بذلك عن الحاجة إلى نص يطلق الأخذ من كل مشترٍ فكفاه النص بأن لا شفعة إلا في بيع ثم استثناؤه بعض البيوع، ومنعه الأخذ من بعض المشترين، لنعلم أن الشفعة فيما وراء ذلك.
على أن المادة السابعة جاءت على إطلاقها في حكم مزاحمة الشفعاء، وهم من يستحقون الشفعة بسبب من الأسباب: مشترين كانوا أو غير مشترين، فلا وجه لتخصيصها بفريق دون فريق، والنص عام، ولفظ الشفعاء ورد محلى (بأل) استغراقية كانت أو جنسية، أضف إلى ذلك أن حكم استحقاق المشتري الشفيع للشفعة جرى في الفقهين الإسلامي والقانوني مجرى الأصول لقيام مظنة علتها بكونه شريكًا أو جارًا، فإذا كان المشتري شفيعًا زاحم غيره من الشفعاء عند التساوي في سبب الشفعة، أو فاضلهم فيها وفاضلوه بقوة السبب.
وبعيد أن تكون المادة الثامنة نصًا في استحقاق المشتري الشفيع للشفعة دون غيره من الشفعاء، وما هي إلا لدفع توهم أن لا شفعة من مشترٍ شفيع على ما تقدم بيانه.
وإذا سلمنا جدلاً، بأن الشارع لم يطلق الأخذ من كل مشترٍ إطلاقه الاستحقاق لكل شريك، ولكل جار، وأن المادة السابعة خاصة بطالب الشفعة من مشترٍ غير شفيع، وأن الأخذ من المشتري الشفيع كان في حاجة إلى نص المادة الثامنة، وأن هذا النص دل بمنطوقه على عدم جواز الأخذ في الحالة التي يكون فيها المشتري المشفوع منه أفضل من طالب الشفعة في مراتب الاستحقاق، كما قالت محكمة أسيوط.
إذا سلمنا بكل ذلك، فما الذي يمنع المشتري المشفوع منه من التمسك بحقه في الشفعة، توصلاً إلى قسمة الصفقة بينه وبين طالبيها إذا كانوا من مرتبة واحدة، والقانون يجيزها لكلٍّ بقدر نصيبه، ولم لا يجري الحكم في هذه الصورة مجرى الحكم في تلك وفق القواعد العامة من تقديم الأقوى سببًا على الذي يليه أو اقتسام الصفقة عند التساوي ويكون في النص على حكم الترجيح بين طالب الشفعة والمشتري الشفيع عند اختلاف المرتبة تنبيه عليه عند التساوي، فيكون المعنى المناسب الذي اقتضى الحكمين، هو عدم اعتبار شراء الشريك أو الخليط أو الجار المشفوع منهم مزية لهم على غيرهم من الشفعاء اكتفاءً بمظنة علة الشفعة لكل منهم، وبعبارة أخرى يكون لنص المادة الثامنة منه مفهوم موافقة في الحالة المسكوت عنها للحالة المنطوق بها.
ويتأكد الأخذ بهذا المفهوم لمجيء المنطوق به والمسكوت عنه وفق حكم الأصل وهو الاعتبار في الشفعة بمظنة علتها لا بذات العلة، فلا يكون بين طالبها والمطلوبة منه، إذا كان شفيعًا، إلا ما بين طالبي الشفعة يتفاضلون بقوة السبب، ويتزاحمون عند التساوي.
ولم تبين لنا محكمة أسيوط - بعد أن قالت إن المادة الثامنة جاءت خاصة بثبوت حق طالب الشفعة على المشتري الشفيع إذا كان أسبق منه في الدرجة - كيف استنتجت من تخصيص هذا الحكم بالذكر في صورته نفيه عما عداها، هل أخذت في ذلك بمفهوم المخالفة، وهو ما لا يصح الأخذ به عند الأصوليين على ما سنبينه، أم عادت إلى الأخذ بانتفاء الضرر وقد ثبت عدم صحته.
حكم محكمة طنطا:
تقول محكمة طنطا إن المادة السابعة وضعت قاعدتي الأولوية والتقسيم عند تعدد الشفعاء وظاهر منها أنها لا تنطبق إلا بين الشفعاء الذين استوفوا إجراءات الشفعة طلبًا وعرضًا ودعوى في المواعيد، والمادة الثامنة وُضعت لبيان إحدى صورتي النزاع، وهي التي يكون فيها الشفيع والمشتري من درجتين مختلفتين، ولتطبيق حكم الأولوية بينهما فيها، فيبقى محلاً للاجتهاد حكم الصورة الأخرى وهي الحالة التي يكون فيها الشفيع والمشتري من درجة واحدة، ورأت في هذه الصورة أن قصر النص في المادة الثامنة على حكم الأولوية ينفي جواز القياس فيها وكأنها قالت إن تخصيص حكم جواز الشفعة في المنطوق به يدل على نفيه في المسكوت عنه وهو اتحادهما في الدرجة، ثم دعمت الأخذ بمفهوم المخالفة بانتفاء العلة التي بنيت عليها قاعدة التقسيم ثم شرحت ذلك فقالت إذا جاز التقسيم بين الشفعاء، فلعدم وجه لتفضيل أحدهم على الباقين، ولأن الأذى بالشريك الجديد يدركهم جميعًا، واستنتجت أن لا وجه للتقسيم بين الشفيع بالشركة والمشتري الشريك، لانتفاء هذا الأذى، وأنه يجب إذن كلما كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا أن يختص وحده بما اشتراه، إذا لم يشفع في العين المبيعة من كان أقوى منه سببًا، ويكون لشرائه وجه تفضيل على غيره ممن هم في درجته.
ويقول الأستاذ مصطفى النحاس باشا عند استناده إلى هذا الحكم أمام محكمة أسيوط (إن هذه العبارة الأخيرة موفقة التوفيق كله فهي تتناول حالة الأولوية باختلاف الدرجة كما في حالة الفقرة الأولى من المادة السابعة وحالة الأولوية بوجود المرجح مع اتحاد الدرجة كما في حالة الجوار الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة السابعة).
وقد أساءت بعض المحاكم فهم المذهب المخالف فمنع الجار عن الأخذ بالشفعة من المشتري الجار بغير نظر إلى الأولوية بينهما، وهي أحكام خاطئة فيما نرى، وفي المذهب المخالف ذاته، لأن كل ما جاء في منطوق المادة الثامنة هو مراعاة قاعدة الأولوية ولم يرد فيها كون طالب الشفعة والمشتري من درجتين مختلفتين، والأولوية كما تكون بين مختلفي الدرجة بقوة السبب تكون بين الجيران، وهم من درجة واحدة.
ومن الحق قبل البدء في مناقشة حكم محكمة طنطا أن نعترف بما له على حكم محكمة أسيوط من بيان وفقه، فقد ابتدأ هذا الحكم بالنص على أنه مهما يكن من الحكمة التي توخاها الشارع في تقرير حق الشفعة فإنه طرد الباب، وأطلق الحكم، ولم يقصر حق الشفعة على من توفرت في حالته حكمة ذلك الحق، فلا محل للتخصيص أو التقيد، فأسقط بذلك حجة من يقول إن الشفعة شرعت لدفع الضرر وإن العلة تدور مع معلولها وجودًا وعدمًا إلى غير ذلك مما قالته محكمة أسيوط - لكنها لم تبين لنا بم ظهر لها أن المادة السابعة لا تنطبق إلا بين الشفعاء الذين استوفوا إجراءات الشفعة طلبًا وعرضًا ودعوى وأنه يخرج عن تناولها الكلام في المفاضلة والمشاركة عندما يتنازع شفيع ومشترٍ شفيع. ولا نكون معنتين على هذا الحكم إذا قلنا إن المادة السابعة لم تفد هذا التخصيص لأن الشارع لم يكن قد شرع بعد في بيان أحكام الطلب والغرض والادعاء حتى تكون (ال) للعهد وحتى نفهم من لفظ الشفعاء إذا أطلق الشفعاء الطالبين العارضين المدعين، ولا تزال (ال) للاستغراق أو للجنس وهي في كليهما تفيد العموم.
ويؤكده ما تنبغي ملاحظته من أن لفظ الشفعاء الوارد في المادة السابعة مطلق فيها إطلاقه في المادتين الأولى والثانية على من قام به سبب من أسباب الشفعة.
أما لفظ الأولوية الذي ورد في المادة الثامنة موهمًا بنصه العربي أن معناه الأفضلية بالدرجة وأن هذه المادة وُضعت لبيان حكم الشفعة في صورة ما إذا كان طالب الشفعة والمشتري الشفيع من درجتين مختلفتين، فهو بعينه الذي ورد في المادة السابعة في معنى الترجيح بين الجيران على تساويهم في الدرجة، وقد بينّا خطأ ترجمة هذا اللفظ بما صححناه نقلاً عن الأصل الفرنسي - ولم نجد في نص المادة الثامنة طريقًا من طرق القصر المعروفة كالعطف بلا وبل أو النفي والاستثناء المفرغ أو التسوير بأنما التي بمعنى ما وإلا المفيدة للنفي والإثبات معًا، حتى يفيد القصر والتخصيص فيقال لا شفعة من مشترٍ شفيع إلا إذا رجح سبب طالب الشفعة منه على سببه.
فلم يبقَ علينا بعد ذلك إلا مناقشة الحكم فيما انتحله للمادة الثامنة من مفهوم مخالفة وفي حجة هذا المفهوم، ومن المفيد قبل ذلك أن نمهد بإيراد معنى المنطوق والمفهوم بنوعيه مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وما الذي يصح الأخذ به منهما؟ ولم يصح؟ أو لا يصح؟
المختار عند الأصوليين المشرعين أن المنطوق ما فُهم من دلالة اللفظ قطعًا في محل النطق - والمفهوم ما فُهم من اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، والأول ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقًا لمدلوله في محل النطق ويسمونه فحوى الخطاب ولحن الخطاب، ولا تخرج هذه الدلالة عن أن تكون من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى أو بالمساوي على مساويه، وإنما يكون الحكم في محل السكوت أولى منه في محل النطق إذا عُرف المقصود من الحكم وأنه أشد مناسبة لاقتضاء الحكم في محل السكوت من اقتضائه في محل النطق: ومثاله في قانون الشفعة أن يُفهم من منطوق المادة الخامسة أن لا شفعة من موصى له لعدم جوازها من موهوب له، لأن المقصود من المنطوق به منع الشفعة فيما لا عوض فيه وهو ظاهر في الوصية ظهوره في الهبة ولا خلاف في صحة الاحتجاج بمفهوم الموافقة وإنما الخلاف في مستند الحكم في محل السكوت هل هو فحوى الدلالة اللفظية أو الدلالة القياسية، ويقولون إن الأشبه هو الاستناد إلى فحوى الدلالة اللفظية. (الآمدي جزء 3 صـ 97).
وتشترط الشافعية للأخذ بمفهوم الموافقة أن يكون المعنى المفهوم أولى بالحكم في محل السكوت منه في محل النطق وتكتفي الحنفية بمساواتهما فيه (راجع صـ 112 و113 من التقرير والتحبير للإمام الكمال بن الهمام).
أما مفهوم المخالفة فهو عندهم ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفًا لمدلوله في محل النطق، ومثاله في القانون المدني أن يُفهم من منطوق المادة (228) التي نصها (ولكن المحررات العرفية لا تكون حجة على غير المتعاقدين إلا إذا كان تاريخها ثابتًا ثبوتًا رسميًا) أنها تكون حجة بتاريخها العرفي بين المتعاقدين وورثتهم.
وهو عند القائلين به مفهوم صفة، ومفهوم شرط، ومفهوم غاية، ومفهوم عدد، ومفهوم تخصيص بأوصاف تطرأ وتزول، ومفهوم لقب، ومفهوم اسم مشتق دال على الجنس، ومفهوم استثناء، ومفهوم حصر.
ولا يهمنا منها في مقالنا هذا إلا مفهوم الصفة وهو ما علق الحكم فيه بأحد وصفي الشيء كوصف المشتري بكونه شفيعًا في صورتنا المنطوق بها في هذه المادة الثامنة.
واستنتاج حكم المسكوت عنه يرجع في الواقع إلى النظر في فائدة تخصيص حكم المنطوق به دون غيره، وذلك مما لا يعلم من مجرد هذا التخصيص، بل لا بد فيه من نظر عقلي يحقق التخصيص للنفي، ولذا كان اتفاقهم على عدم الأخذ بمفهوم المخالفة كلما ظهر لتخصيص المنطوق به بالذكر فائدة ووقع اختلافهم إذا لم تعلم فائدته فذهب جمهور الشافعية إلى أن التخصيص بالذكر يكون إذن لنفي الحكم في المسكوت عنه وخالفهم الحنفية وبعض حذاق الشافعية كالغزالي (صاحب المستصفى في الأصول) والآمدي (صاحب الأحكام).
وعلى هذا كان شرط الأخذ بمفهوم المخالفة عند القائلين به أن لا يوجد بعد التأمل ما يقتضي التخصيص بالذكر فإن وُجد انتفى المفهوم (راجع صـ 294 و295 من الجزء الأول من حاشية العطار على جامع الجوامع)، وقد بيّن الشربيني في تقريره المطبوع على هامش جامع الجوامع علة ذلك فقال إن المفهوم ظني فإذا ظهرت فائدة أخرى للتخصيص بالذكر بطل وجه الدلالة عليه لتطرق الاحتمال فيصير الكلام مجملاً لا يُقضَى فيه بموافقة أو مخالفة.
ويعدون من فوائد تخصيص المنطوق به بالذكر خروج المنطوق مخرج الغالب أو مجيئه جوابًا لسؤال عنه أو عن حادثة تتعلق به أو للجهل يحكم دون حكم المسكوت عنه (صـ 295 من حاشية العطار) أو رفع توهم من توهم أن حكم الصفة بتقدير تعميم اللفظ يكون مخالفًا لحكم العموم ويكون ذلك منبهًا على إثبات الحكم فيما عدا الصفة بطريق الأولى أو يكون الحكم في محل السكوت منفيًا أخذًا بالأصل (صـ 110 و111 و112 الآمدي).
أما الأصوليون من فقهاء القانون فقد اكتفوا بالتنبيه على ضعف حجية مفهوم المخالفة وعدم الأخذ به مصرحين بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عن المسكوت عنه وأنه لا يمكن الأخذ به إلا إذا ورد النص استثناءً عن الأصل وكان في الأخذ بمفهوم المخالفة رجوع إلى القانون العام (راجع مطول بودري جزء أول في الأشخاص صـ 297 وربرتوار دالوز تحت كلمة (قوانين) نوتة 516 والبنديكت نوتة 240 ولوران جزء أول صـ 279) ويضيف أوبري ورو على ذلك أنه إذا اشتمل النص على ما يظهر منه بغير شك أنه مقصور على صورة معينة كورود الحكم بصفة النفي فإنه عندئذٍ قد يدل على الإثبات في نقيضه، وأنت إذا تأملت المادة الثامنة من قانون الشفعة رأيت أن الصورة المنطوق بها هي الصورة التي يكون فيها المشتري حائزًا لما يكون به شفيعًا، والحكم المنطوق به فيها هو استحقاق الشفعة لطالبها بمراعاة حكم الترجيح المنصوص عليه في المادة السابعة، ونقيضها وهي الصورة المسكوت عنها هي كون المشتري غير حائز لما يكون به شفيعًا ونقيض الحكم المنطوق به هو عدم استحقاق الشفعة لطالبها وهو مفهوم ظاهر البطلان.
وإذا كان للمادة الثامنة مفهوم مخالفة فليكن ذلك المفهوم الذي صرحت به محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها المؤرخ 10 مارس سنة 1925 إذ قالت ليس للمادة الثامنة إلا معنى واحد وهو أنه إذا حاز المشتري ما يجعله شفيعًا بحسب ما جاء بالمادة الأولى يكون لطالب الشفعة حق لأخذ منه إذا تقدم عليه في مراتب الترجيح المبينة بالمادة السابعة وهذا المعنى يدل بمفهوم المخالفة على أن للمشتري الشفيع أن يدفع دعوى الشفعة الموجهة عليه من طالبها ويستبقي الصفقة له إذ رجح سببه عن سبب طالبها.
وإذا أعدت النظر في هذه المادة والتفت إلى استعمال لفظ (subsister) المصدرة به واستبدلت لفظ الأولوية بلفظ الترجيح وصححت ترجمتها على ما سبق ذكره ولم يفتك معنى الظرف (même) الذي هو بمعنى حتى، تبينت أن الغرض من ذكر المادة الثامنة بعد المادة السابعة لم يكن إلا لدفع توهم من ظن أن لا شفعة من مشترٍ شفيع، ومتى اتضحت لك فائدة تخصيص الحكم المنطوق به بالذكر تعين عدم الأخذ بمفهوم المخالفة.
وإذا ذهبت إلى القول بأن في المادة الثامنة قصرًا مع خلوها من موجباته، وأن لها مفهوم مخالفة على الوجه الذي جاء بحكم محكمة طنطا، تعين مع ذلك أن لا تأخذ بهذا المفهوم لضعف حجيته عند علماء الشرع والقانون، وبخاصة لأن حكم المادة الثامنة في المنطوق به لم يرد استثناءً من حكم القانون العام بل جاء متمشيًا معه.
والأصل أن لا يؤخذ بمفهوم المخالفة إلا إذا ورد المنطوق به استثناءً من ذلك القانون.
الآن وقد عرفت ما مبدؤنا والمبدأ المخالف، ترى أننا جرينا فيه مجرى الأصول المختارة في الفقهين الشرعي والقانوني وأقمنا على الأخذ بمظنة علة الشفعة ما وجدت مظنتها وعلى نصوص القانون مطلقها وعامها لم نقيد فيه مطلقًا ولم نخصص منه عامًا ولم نرجع به إلى مفهوم مخالفة وأن مبدأ مخالفينا قام على ما علمت من التعليل بحكمة الشفعة وبدوران حكمها وجودًا وعدمًا مع علتها، وعلى تقييد المطلق من نص المادة السابعة وقصر في المادة الثامنة ولا قصر فيها بل أقاموه على مفهوم المخالفة وقد تبين لك ما فيه من ضعف وتنبيه من الأصوليين على عدم الأخذ به، والله يتولانا وإياك بالسداد والتوفيق.

حامد فهمي
المحامي
----------------

[(1)] قد استعملنا لفظ الترجيح عوضًا عن الأولوية أو الأفضلية لأن فقهاء الفقه الإسلامي العريقين في اللغة العربية استعملوه فقالوا (عند أبي حنيفة علة الاستحقاق أصل الملك لا قدره والترجيح بقوة العلة لا بكثرتها) ويقولون (كثرة العلة لا توجب الترجيح عند أبي حنيفة وتوجبه عند الشافعية) (راجع بدائع الصنائع جزء 5 صـ 827).

الخميس، 9 ديسمبر 2021

القضية 20 لسنة 11 ق جلسة 6 / 7 / 1991 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 1 دستورية ق 1 ص 9

جلسة 6 يوليو سنة 1991

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد على وسامى فرج يوسف - أعضاء، 

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة - المفوض، 

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

--------------

قاعدة رقم (1)
القضية رقم 20 لسنة 11 قضائية "دستورية"

دعوى دستورية "الحكم فيها - حجيته - انتهاء الخصومة"
الدعاوى الدستورية عينية بطبيعتها والأحكام الصادرة فيها حجيتها مطلقة قبل الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة، سواء كانت قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أم إلى دستوريته.
قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي، بعد رفع دعوى أخرى تستهدف الطعن في النص ذاته - اثره - اعتبار الخصومة في الدعوى الأخرى منتهية.

---------------
الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، وهى بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستوري تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة، وتلتزم به جميع سلطات الدولة سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أم إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس. لما كان ذلك، وكان المستهدف من هذه الدعوى هو الفصل في دستورية البند (ب) من المادة 10 من قرار محافظ السويس رقم 75 لسنة 1985، وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت - بعد رفعها - في الدعوى رقم 17 لسنة 11 قضائية "دستورية" بعدم دستورية هذا النص، وكان قضاؤها هذا له حجية مطلقة حسمت الخصومة الدستورية - في شأن النص المشار إليه - حسما قاطعا مانعا من نظر أى طعن مماثل يثور من جديد، فإن الخصومة في الدعوى الماثلة تكون قد أصبحت غير ذات موضوع، الأمر الذى يتعين معه الحكم باعتبارها منتهية.


الإجراءات

بتاريخ 3 أبريل سنة 1989 وردت إلى قلم كتاب المحكمة الدعوى رقم 7 لسنة 1988 جنح أمن دولة طوارئ عتاقة بعد أن قضت المحكمة بتاريخ 30 يناير سنة 1989 بوقفها وإحالة أوراقها إلا المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند (ب) من المادة 10 من قرار محافظ السويس رقم 75 لسنة 1985.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة برأيها، طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
حيث أن الوقائع - على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت كلآ من مسعد محمد أحمد الطوخي ومنصور محمد بكرى بأنهما في يوم 12 فبراير سنة 1988 بدائرة قسم عتاقة شرعا في نقل كمية الأسماك المبينة بالأوراق دون الحصول على تصريح من الجهة المختصة، وطلبت عقابهما بالمواد 2، 7، 8، 10 من قرار محافظ السويس رقم 75 لسنة 1985. وبجلسة 30 يناير سنة 1989 قررت محكمة جنح أمن دولة طوارئ عتاقة وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البند (ب) من المادة 10 من قرار محافظ السويس المشار إليه، قولا منها بمخالفة هذ البند لنص المادة 36 من الدستور فيما تضمنه من تقرير عقوبة المصادرة بغير حكم قضائي، ولنصوص المواد 66، 86، 112 من الدستور لتقريره عقوبات عن أفعال أثمها دون أن يكون ذلك بتشريع صادر عن مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بتاريخ 6 إبريل سنة 1991 في الدعوى رقم 17 لسنة 11 قضائية "دستورية" والتي يتضمن موضوعها الطعون المثارة في الدعوى الماثلة - بعدم دستورية البند (ب) من المادة 10 من قرار محافظ السويس رقم 75 لسنة 1985 بشأن صيد الأسماك الطازجة بميناء الأتكة للموسم السمكي 1985/ 1986، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 إبريل سنة 1991.
وحيث إن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، وهى بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستوري تكون لها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم في الدعاوى التي صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم به جميع سلطات الدولة سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أم إلى دستوريته، ورفض الدعوى على هذا الأساس.
لما كان ذلك، وكان المستهدف من هذا الدعوى هو الفصل في دستورية البند (ب) من المادة 10 من قرار محافظ السويس رقم 75 لسنة 1985، وقد سبق لهذه المحكمة أن أصدرت حكمها المتقدم بعد دستورية هذا النص، وكان قضاؤها هذا له حجية مطلقة حسمت الخصومة الدستورية - في شأن النص المشار إليه - حسما قاطعا مانعا من نظر أى طعن مماثل يثور من جديد، فإن الخصومة في الدعوى الماثلة تكون قد أصبحت غير ذات موضوع الأمر الذى يتعين معه الحكم باعتبارها منتهية.

لهذه الأسباب:

حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية.


أصدرت المحكمة بذات الجلسة حكمين مماثلين في الدعويين رقمي 14 لسنة 11 قضائية و18 لسنة 11 قضائية "دستورية".
كما أصدرت بجلسة 5 أكتوبر سنة 1991 حكما مماثلاً في الدعوى رقم 19 لسنة 11 قضائية "دستورية".

القضية 26 لسنة 13 ق جلسة 5 / 7 / 1993 دستورية عليا مكتب فني 6 دستورية ق 1 ص 43

جلسة 5 يوليو سنة 1993

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين، وحضور السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار - رئيس هيئة المفوضين،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

--------------

(القاعدة رقم 1)
القضية رقم 26 لسنة 13 قضائية "دستورية"

(1) دعوى دستورية "المصلحة فيها".
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع.
(2) دعوى دستورية "نطاقها - تحديده".
اتهام المدعي بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد الإتجار فيه, المعاقب عليها طبقاً للقرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989, وكون الدفع بعدم الدستورية الذي أثاره المدعي أمام محكمة الموضوع وقدرت جديته, قد انصب على أحكام القانون رقم 122 لسنة 1989 فحسب - انحصار المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن على النصوص المتعلقة بهذه الجريمة دون غيرها من أحكام القانون رقم 122 لسنة 1989.
(3) دعوى دستورية "الحكم فيها: حجيته - عدم قبول الدعوى".
الدعوى الدستورية - بطبيعتها - من الدعاوى العينية, الحكم الصادر فيها - سواء باستيفاء النص التشريعي المطعون فيه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور أو بتوافقه أو بتعارضه مع أحكامه الموضوعية - له حجية مطلقة قبل الكافة, وتلتزم به جميع سلطات الدولة, ولا يجوز التحلل منه أو مجاوزة مضمونه, عدم قبول الدعوى بعدم دستورية نص تشريعي سبق الحكم بموافقته لأحكام الدستور.

---------------
1 ، 2 - إذ كان الدفع بعدم الدستورية الذي أثاره المدعي أمام محكمة الموضوع, وقدرت جديته, قد انصب على أحكام القانون رقم 122 لسنة 1989 دون غيرها, وكان من المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها, والمطروحة أمام محكمة الموضوع, لما كان ذلك وكانت الجريمة التي نسبتها النيابة العامة إلى المدعي هي إحرازه بقصد الإتجار - وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً - جوهراً مخدراً "أفيوناً"، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي - في الدعوى الماثلة - إنما تنحصر في الطعن على النصوص المتعلقة بهذه الجريمة وحدها - دون غيرها من أحكام القانون رقم 122 لسنة 1989 - التي لا صلة لها بها, كتلك المتعلقة بإنتاج الجواهر المخدرة أو استخراجها أو فصلها أو صنعها أو زرع نباتاتها أو إحرازها بقصد التعاطي, ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى الراهنة بالطعن على البند أ من الفقرة الأولى من المادة 34، والفقرة الأولى من المادة 42, والبند رقم 9 من القسم الثاني من الجدول رقم (1), الملحق بالقرار بقانون المشار إليه, وذلك دون المواد 1, 2, 7/ 1 التي وإن تضمنها قرار الاتهام في الدعوى الموضوعية, وكانت متعلقة بالجريمة المنسوب إلى المدعي اقترافها, إلا أن القانون رقم 122 لسنة 1989 لم يتناولها بالتعديل, وبالتالي لم تصرح محكمة الموضوع بالطعن عليها, فلا تمتد إليها - في الدعوى الراهنة - ولاية المحكمة الدستورية العليا التي لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة 29/ ب من قانونها.
3 - إذ كان المدعي ينعى على النصوص سالفة البيان بطلانها من الناحية الشكلية, كما ينعى عليها مخالفتها أحكام المواد 86, 87, 107 من الدستور, وكانت هذه المطاعن جميعها سبق أن تناولتها هذه المحكمة بالنسبة إلى ذات النصوص المطعون عليها في الدعوى الماثلة, وأصدرت في شأنها حكميها بجلستي 7 ديسمبر 1991 - في الدعوى رقم 44 لسنة 12 "قضائية دستورية", و16 مايو سنة 1993 - في الدعوى رقم 67 لسنة 12 "قضائية دستورية"، ونشر هذان الحكمان تباعاً في الجريدة الرسمية في 19 ديسمبر سنة 1991 و4 يونيو سنة 1992, وكان قضاء هذه المحكمة - فيما فصل فيه في الدعويين سالفتي البيان - يحوز حجية مطلقة تحول بذاتها دون المجادلة فيه, أو إعادة طرحه من جديد على هذه المحكمة لمراجعته. ذلك أن الخصومة في الدعوى الدستورية - وهي بطبيعتها من الدعاوى العينية - إنما توجه إلى النصوص التشريعية المدعي مخالفتها للدستور. ولا يعتبر قضاء المحكمة باستيفاء النص التشريعي المطعون فيه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور, أو بتوافقه أو بتعارضه مع الأحكام الموضوعية للدستور, منصرفاً فحسب إلى الخصوم في الدعوى الدستورية التي صدر فيها, بل متعدياً إلى الكافة ومنسحباً إلى كل سلطة في الدولة, بما يردهم عن التحلل منه أو مجاوزة مضمونه. متى كان ذلك, فإن المصلحة في الدعوى الدستورية الماثلة تكون منتفية, مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها.


الإجراءات

بتاريخ 9 مارس سنة 1991 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية القانون رقم 122 لسنة 1989 المعدل للقرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها عدم قبول الدعوى.
وبعد التحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة اتهمت المدعي بأنه في يوم أول مايو سنة 1990 بدائرة قسم شرقي محافظة الإسكندرية, أحرز بقصد الإتجار جوهراً مخدراً "أفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وإحالته إلى المحاكمة الجنائية في القضية رقم 14 لسنة 1990 جنايات مخدرات شرقي (433 كلي مخدرات) طالبة معاقبته بالمواد 1, 2, 7/ 1, 134 - أ, 42/ 1 من القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989, والبند رقم 9 من القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق بالقرار بقانون المشار إليه. وبجلسة 14 يناير سنة 1991 دفع الحاضر عن المتهم بعدم دستورية القانون رقم 122 لسنة 1989, فقررت محكمة الجنايات تأجيل نظر القضية وصرحت له باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية القانون المذكور, فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن البين من استقراء أحكام القانون رقم 133 لسنة 1989 الذي صرحت محكمة الموضوع للمدعي بالطعن عليه بعدم دستورية, أنه أدخل تعديلاً جوهرياً على بعض أحكام القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها, وذلك بأن استعاض عن بعض مواده بنصوص أخرى, فضلاً عن إضافة نصوص جديدة إليه, وإحلال جدول جديد يتضمن تعريفاً بالمواد المعتبرة جواهر مخدرة محل الجدول (1) الملحق بهذا القرار بقانون.
وحيث إن الدفع بعدم الدستورية الذي أثاره المدعي أمام محكمة الموضوع, وقدرت جديته, قد انصب على أحكام القانون رقم 122 لسنة 1989 دون غيرها, وكان من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها, والمطروحة أمام محكمة الموضوع, لما كان ذلك، وكانت الجريمة التي نسبتها النيابة العامة إلى المدعي هي إحرازه بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً جوهراً مخدراً "أفيوناً"، فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي - في الدعوى الماثلة - إنما تنحصر في الطعن على النصوص المتعلقة بهذه الجريمة وحدها، دون غيرها من أحكام القانون رقم 122 لسنة 1989، التي لا صلة لها بها, كتلك المتعلقة بإنتاج الجواهر المخدرة أو استخراجها أو فصلها أو صنعها أو زرع نباتاتها أو إحرازها بقصد التعاطي, ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى الراهنة بالطعن على البند أ من الفقرة الأولى من المادة 34 والفقرة الأولى من المادة 42, والبند رقم 9 من القسم الثاني من الجدول رقم 1, الملحق بالقرار بقانون المشار إليه, وذلك دون المواد 1, 2, 7/ 1 التي وإن تضمنها قرار الاتهام في الدعوى الموضوعية, وكانت متعلقة بالجريمة المنسوب إلى المدعي اقترافها, إلا أن القانون رقم 122 لسنة 1989 لم يتناولها بالتعديل, وبالتالي لم تصرح محكمة الموضوع بالطعن عليها, فلا تمتد إليها - في الدعوى الراهنة - ولاية المحكمة الدستورية العليا التي لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة 29/ ب من قانونها.
وحيث إن المدعي ينعى على النصوص سالفة البيان بطلانها من الناحية الشكلية بمقولة إن القانون رقم 122 لسنة 1989 المشار إليه, أدخلها كتعديل على القرار بقانون رقم 182 لسنة 1960 الذي أصدره رئيس الجمهورية إعمالاً لنص المادة 53 من الدستور المؤقت الصادر سنة 1958, والتي كانت توجب عرض ما يصدره رئيس الجمهورية من تشريعات وفقاً لحكمها على مجلس الأمة فو انعقاده لإقرارها أو الاعتراض عليها, وهو ما لم يتحقق بالنسبة إلى ذلك القرار بقانون, بما يؤدي إلى بطلانه, ومن ثم بطلان القانون رقم 122 لسنة 1989 المعدل لبعض أحكامه, والذي يدور وجوداً وعدماً وصحة وبطلاناً مع القانون الأصلي. كما ينعى المدعي على النصوص المطعون عليها مخالفتها أحكام المواد 86, 87, 107 من الدستور, لبطلان تكوين المجلس النيابي الذي أقرها, وترتيباً على عدم تنفيذ الأحكام الصادرة من جهة القضاء الإداري بوقف ثم بإلغاء قرار لجنة إعداد نتيجة الانتخابات وقرار وزير الداخلية بإعلان نتيجة انتخابات هذا المجلس, فيما تضمناه من عدم إعلان فوز المحكمة لصالحهم, ليفقد المجلس بذلك ولايته التشريعية التي افترض الدستور لجواز ممارستها, أن تكون عضوية أعضاء المجلس ثابتة وفقاً لأحكامه.
وحيث إن هذه المطاعن جميعها سبق أن تناولتها هذه المحكمة بالنسبة إلى ذات النصوص المطعون عليها في الدعوى الماثلة, وأصدرت في شأنها حكميها بجلستي 7 ديسمبر 1991 - في الدعوى رقم 44 لسنة 12 قضائية "دستورية" - و 16 مايو سنة 1992 - في الدعوى رقم 67 لسنة 12 قضائية "دستورية"، ونشر هذان الحكمان تباعاً في الجريدة الرسمية في 19 ديسمبر سنة 1991 و4 يونيو سنة 1992.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة فيما فصل فيه في الدعويين سالفتي البيان
يحوز حجية مطلقة تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه من جديد على هذه المحكمة لمراجعته, ذلك أن الخصومة في الدعوى الدستورية - وهي بطبيعتها من الدعاوى العينية - إنما توجه إلى النصوص التشريعية المدعي مخالفتها للدستور، ولا يعتبر قضاء المحكمة باستيفاء النص التشريعي المطعون فيه للأوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور, أو بتوافقه أو بتعارضه مع الأحكام الموضوعية للدستور, منصرفاً فحسب إلى الخصوم في الدعوى الدستورية التي صدر فيها, بل متعدياً إلى الكافة، ومنسحباً إلى كل سلطة في الدولة, بما يردهم عن التحلل منه أو مجاوزة مضمونه. متى كان ذلك, فإن المصلحة في الدعوى الدستورية الماثلة تكون منتفية, مما يتعين معه الحكم بعدم قبولها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى, وبمصادرة الكفالة, وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
قضت المحكمة - خلال الفترة التي تناولها هذه الجزء من أحكامها - بعدم قبول الدعوى استناداً إلى ذات الأسباب في الدعاوى المماثلة الآتية: -
1 - الدعوى رقم 81 لسنة 12 ق دستورية جلسة 5/ 7/ 1993.
2 - الدعوى رقم 39 لسنة 12 ق دستورية جلسة 25/ 9/ 1993.
3 - الدعوى رقم 54 لسنة 12 ق دستورية جلسة 6/ 11/ 1993.
4 - الدعوى رقم 4 لسنة 12 ق دستورية جلسة 6/ 12/ 1993.
5 - الدعوى رقم 56 لسنة 12 ق دستورية جلسة 6/ 12/ 1993.
6 - الدعوى رقم 6 لسنة 12 ق دستورية جلسة 1/ 1/ 1994.
7 - الدعوى رقم 66 لسنة 13 ق دستورية جلسة 1/ 1/ 1994.
8 - الدعوى رقم 38 لسنة 12 ق دستورية جلسة 1/ 1/ 1994.
9 - الدعوى رقم 33 لسنة 12 ق دستورية جلسة 1/ 1/ 1994.
10 - الدعوى رقم 10 لسنة 12 ق دستورية جلسة 1/ 1/ 1994.
11 - الدعوى رقم 27 لسنة 12 ق دستورية جلسة 5/ 2/ 1994.

الطعن 23711 لسنة 84 ق جلسة 1 / 6 / 2016

المؤلفة برئاسة القاضي/ مجدي أبو العلا " نائب رئيس المحكمة " وعضوية السادة القضاة / قدري عبد الله وأشرف محمد مسعد وأبو الحسين فتحي وشعبان محمود " نواب رئيس المحكمة "

وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / أيمن الشيمي.

وأمين السر السيد / موندي عبد السلام .

-----------------

" الوقائع "

اتهمت النيابة العامة الطاعن ، في قضية الجناية رقم 43232 لسنة 2013 مركز أشمون ( المقيدة بالجدول الكلي برقم 3703 لسنة 2013 شبين الكوم) ، بأنه في يوم 8 من سبتمبر سنة 2013 بدائرة مركز أشمون محافظة المنوفية :
1 أحرز بقصد الاتجار مخدراً " نبات الحشيش الجاف " في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .
2 أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً " هيرويناً " في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .
3 أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخناً " فرد روسي " .
وأحالته إلى محكمة جنايات شبين الكوم لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 12 من أبريل سنة 2014 عملاً بالمواد 1 ، 2 ، 38 / 1 ، 42 / 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل ، والبند رقم (2) من القسم الأول ، والبند رقم 56 من القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق به والمواد 1 / 1 ، 6 ، 26 / 1 ، 30 / 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والجدول رقم 2 الملحق به مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ست سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه عما أسند إليه من اتهامات للارتباط مع مصادرة المخدر والسلاح المضبوطين .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض فى 14 من أبريل سنة 2014.
ثم طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض في 11 من يونيو، سنة 2014 .
وأودعت مذكرتان بأسباب الطعن الاولى عن المحكوم عليه في 14 من أبريل سنة 2014 موقعٌّ عليها من الاستاذ / عربي السيد الطباخ المحامي ، والثانية من النيابة العامة في 11 من يونيو، سنة 2014 موقع عليها من رئيس بها .
وبجلسة اليوم سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .
--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً .
من حيث إن طعني الطاعن والنيابة العامة استوفيا الشكل المقرر في القانون .
أولاً : عن طعن الطاعن – المحكوم عليه – .
من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم إحراز نبات الحشيش وجوهر الهيروين المخدرين بغير قصد من القصود المسماة وإحراز سلاح ناري غير مششخن بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال واعتوره الخطأ في القانون – ذلك ، بأنه حرر في صورة غامضة ومبهمة وقد دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش لأن الواقعة لم تكن في حالة تلبس غير أن الحكم اطرح الدفع بما لا يصلح ردًا، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه
وحيث إن الحكم المطعون فيه اقتصر في بيانه واقعة الدعوى على قوله بأنها "تتحصل في أنه وردت معلومات للشاهد كريم أحمد إبراهيم عبد الرحيم معاون مباحث مركز أشمون من أحد مصادره السرية بأن المتهم يتجر في المواد المخدرة فتوجه حيث كان فأبصره بالطريق ممسكاً لفافة ورقية وكيس بلاستيك ألقاها أرضاً فور مشاهدته للضابط وفر هارباً فتتبعه أفراد القوة لضبطه وبفض اللفافة عثر بداخلها على نبات البانجو كما عثر بداخل الكيس البلاستيك على عدد ثمانية عشر لفافة من ذات النبات وسلاح ناري فرد خرطوش وبضبطه المتهم وتفتيشه عثر معه على عشرين لفافة تحوي مسحوق الهيروين المخدر وأقر المتهم بإحرازه للمضبوطات وقيامه باستخدام السلاح الناري للدفاع عن إحرازه المضبوطات" كما حصل شهادة الضابط "أنه حال مروره بدائرة المركز هاتفه مصدره السري بتواجد المتهم بدائرة المركز متجراً بالمواد المخدرة فقصد مكانه فأبصره على جانب الطريق ممسكاً للفافة ورقية وكيس بلاستيك وما إن تنبه له المتهم حتى ألقاها أرضاً وفر هارباً فتتبعه والقوة وقام بالتقاط ما ألقاه فتبين داخل اللفافة أجزاء نباتية خضراء ثبت أنها لنبات الحشيش الجاف "القنب" المخدر وتبين احتواء الكيس على ثمان عشر لفافة أخرى تحوي ذات الجوهر وكذا سلاح ناري "فرد روسي" وبتفتيش المتهم عثر معه على عشرون لفافة لمسحوق الهيروين" ثم عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش ورد عليه في قوله: "... بأن المحكمة وقد اطمأنت لأقوال ضابط الواقعة الثابتة شهادته أنه أبصر المتهم وبيده لفافة ورقية وكيس بلاستيك ألقاها وفر هارباً وتبين بالتقاط اللفافة والكيس الذي تخلى عنهما طواعية واختياراً بداخلهما نبات البانجو وسلاح ناري ومن ثم تم ضبطه لتوافر حالة التلبس إذ أبصر الشاهد المتهم وهو يحمل اللفافة والكيس بعينيه ثم تخلى عنهما بإرادته وهو ما جاز له ضبطه وتفتيشه فإذا ما أسفر التفتيش الشخصي عن ضبط عشرين لفافة لمسحوق الهيروين يكون تفتيشاً قانونياً صحيحاً ولا تستلزم تلك الحالة برمتها صدور إذن من النيابة العامة ... وتطرح معه المحكمة هذا الدفع" لما كان ذلك ،، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً واضحاً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها، كما أنه من المقرر أنه يجب أن تكون مدونات الحكم كافية بذاتها لإيضاح أن المحكمة حين قضت في الدعوى بالإدانة قد ألمت إلماماً صحيحاً بمبنى الأدلة القائمة فيها وأنها تبينت الأساس الذي تقوم عليه شهادة كل شاهد، أما وضع الحكم بصيغة غامضة ومبهمة فإنه لا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من تسبيب الأحكام ويعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط القضائي من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو بإدراكها بحاسة من حواسه، ولا يغنيه عن ذلك ، تلقي نبأها عن طريق الرواية أو النقل من الغير، ما دام هو لم يشهدها أو يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها، ولئن كان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها أو بعد ارتكابها وتقدير كفايتها لقيام حالة التلبس أمراً موكولاً إلى تقدير محكمة الموضوع، دون معقب، إلا أن ذلك ، مشروط بأن تكون الأسباب والاعتبارات التي بنت عليها المحكمة هذا التقدير، صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك ،، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو مؤدى أقوال الضابط – على السياق المتقدم – قد شابه الغموض والإبهام إذ خلص إلى أن الجريمة كانت في حالة تلبس دون أن يبين ظروف لقاء الضابط بالمتهم، والملابسات التي أحاطت بكيفية ضبطه، وما إذا كان الضبط سابقاً على تبين الضابط كنه ما ألقي به أم لاحقاً له وأثر ذلك ، في الفرضين ، فإنه يكون قد حال دون تمكين محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون في شأن توافر حالة التلبس من انتفائها ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالغموض والإبهام وقاصر البيان في الرد على دفع الطاعن بما يبطله ويستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن المقدمة من الطاعن.
ثانياً : عن طعن النيابة العامة :
حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجرائم إحراز نبات الحشيش وجوهر الهيروين المخدرين وإحراز سلاح ناري غير مششخن بدون ترخيص قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك ، بأنه اعتبر الجرائم الثلاث المسندة للمطعون ضده مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة في حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات وأنزل على المطعون ضده عقوبة واحدة عنها جميعاً هي عقوبة الجريمة الأشد مع أن جريمة إحراز السلاح الناري نشأت عن فعل مستقل تمام الاستقلال عن الفعل الذي نتج عنه جريمتا إحراز نبات الحشيش وجوهر الهيروين المخدرين، مما كان يتعين معه توقيع عقوبة مستقلة عن جريمة إحراز السلاح الناري بالإضافة إلى العقوبة الموقعة عن جريمتي إحراز نبات الحشيش وجوهر الهيروين مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى على النحو السالف بيانه، ومما وقر في عقيدة المحكمة أن المطعون ضده أحرز السلاح الناري للدفاع عن إحرازه المواد المخدرة المضبوطة، وانتهى الحكم إلى توافر الارتباط بين جميع الجرائم المقترفة بقوله : "وحيث إن الاتهامات المسندة إلى المتهم مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة ومن ثم تعتبرها المحكمة جريمة واحدة وتقضي بالعقوبة الأشد عملاً بنص المادة 32 عقوبات". لما كان ذلك ، ، وكان من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة المشار إليها، وأن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذي حصله الحكم تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص من ظروف الدعوى وأدلتها أن المطعون ضده ارتكب الجرائم سالفة البيان وانتهى في منطق سليم إلى أن الجرائم الثلاث المسندة إلى المطعون ضده وليدة نشاط إجرامي واحد ومرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة الأمر الذي يوجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدها وهي جريمة إحراز الجوهر المخدر، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون ويضحي منعى النيابة في هذا الشأن غير سديد الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : أولاً : بقبول طعن الطاعن شكلاً ، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة إلى محكمة جنايات شبين الكوم لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى .
ثانياً : بقبول طعن النيابة العامة شكلاً ، وفي الموضوع برفضه .

القضية 40 لسنة 7 ق جلسة 3 / 1 / 1987 دستورية عليا مكتب فني 4 دستورية ق 1 ص 9

جلسة 3 يناير سنة 1987

برئاسة السيد المستشار/ محمود حمدي عبد العزيز، وحضور السادة المستشارين: ممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفي جمعه وشريف برهام نور والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وواصل علاء الدين – أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض،

وحضور السيد/ أحمد على فضل الله، أمين السر.

-------------

قاعدة رقم (1)
القضية رقم 40 لسنة 7 قضائية "دستورية"

(1) المحكمة الدستورية العليا – اختصاص.
المحكمة الدستورية العليا، في ممارستها لاختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح ليست محكمة موضوع، وليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع.
(2) دعوى دستورية – طريقة رفعها.
الدعوى الدستورية، لا ترفع إلا بطريق الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا من محكمة الموضوع إذا تراءى لها عدم دستورية نص في قانون أو لائحة يكون لازماً للفصل في النزاع، أو بناء على دفع يثار أمام محكمة الموضوع، وتقدر جديته.
(3) قانون "القانون الواجب التطبيق" – دعوى دستورية "الإحالة"
قانون المحكمة الدستورية العليا قانون خاص – عدم جواز اللجوء إلى قانون المرافعات إلا فيما لم ينص عليه فيه وبشرط ألا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها – إحالة محكمة الموضوع الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا استناداً إلى المادة 110 مرافعات – عدم اتصالها بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع القانونية – أثره- عدم قبول الدعوى.
(4) طلب التفسير – إجراءات تقديمه.
قصر الحق في تقديم طلبات التفسير على الجهات المحددة في المادة (33) من قانون المحكمة الدستورية العليا عن طريق وزير العدل – مخالفة هذه الأوضاع – أثره- عدم قبول الطلب.
(5) دعوة دستورية – رخصة التصدي.
الرخصة المقررة للمحكمة الدستورية العليا في التصدي لدستورية القوانين واللوائح، مناطها أن يكون النص الذي يرد عليه التصدي متصلا بنزاع مطروح عليها.

---------------
1 - المحكمة الدستورية العليا، في ممارستها اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح ليست محكمة موضوع، وليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع، وإنما هي جهة قضاء ذات اختصاص أصيل حدده قانون إنشائها.
2 ، 3 - الدعوى الدستورية، لا ترفع إلا بطريق الإحالة إليها من
محكمة الموضوع إذا تراءى لها عدم دستورية نص في قانون أو لائحة يكون لازماً للفصل في النزاع، أو بناء على دفع يثار أمام محكمة الموضوع تقدر المحكمة المذكورة جديته، ومن ثم فإن الدعوى الدستورية إذ وردت إلى هذه المحكمة بالمخالفة لهذه الأوضاع، فإنها لا تكون قد اتصلت بالمحكمة اتصالاً مطابقاًَ للأوضاع القانونية, وبالتالي تكون غير مقبولة. ولا يغير من ذلك أن الدعوى قد أحيلت إلى هذه المحكمة بعد قضاء محكمة جنوب القاهرة بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها، استناداً إلى المادة (110) من قانون المرافعات المدينة والتجارية التي توجب على المحكمة عند القضاء بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، وتلتزم المحكمة المحال إليها بنظرها، ذلك أن قانون المحكمة الدستورية العليا، قانون خاص يحكم الدعاوي والطلبات التي تدخل في ولاية هذه المحكمة ويحدد الإجراءات التي ترفع بها فلا يجوز اللجوء إلى قانون المرافعات وعلى ما تقضي به المادة (28) من قانونها إلا فيما لم ينص عليه فيه، وبشرط ألا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها.
4 - قصر المشرع الحق في تقديم طلبات التفسير على الجهات المحددة في المادة (33) من قانون المحكمة الدستورية العليا، واشترط تقديمها عن طريق وزير العدل، لما كان ذلك، وكان طلب التفسير لم يقدم إلى المحكمة من وزير العدل بناء على طلب أي من الجهات المحددة في المادة (33)، وإنما أحيل إليها من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، فإنه لا يكون قد اتصل بها اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة قانوناً، لتقديم طلبات التفسير ومن ثم يكون غير مقبول.
5 - لا محل لما يطلبه المدعي من إعمال المحكمة لرخصة التصدي لعدم دستورية القانونين المطعون عليهما، طبقاً لما تقضي به المادة (27) من قانون المحكمة الدستورية العليا والتي تنص على أنه "يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض عليها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المطروح عليها، وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوي الدستورية"، ذلك أن إعمال رخصة التصدي المقررة للمحكمة طبقاً للمادة المذكورة، منوط بأن يكون النص الذي يرد عليه التصدي متصلاً بنزاع مطروح على المحكمة طبقاً للإجراءات والأوضاع المقررة قانوناً، فإذا انتفى قيام النزاع أمامها لعدم اتصاله بها اتصالاً مطابقاً للقانون، كما هو الشأن في الدعوى – التي انتهت المحكمة من قبل إلى عدم قبولها – فإنه لا يكون لرخصة التصدي سند من القانون يسوغ إعمالها.


الإجراءات

بتاريخ 16 مايو سنة 1985 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 8572 لسنة 1981 مدني كلى جنوب القاهرة بعد أن قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا لنظرها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 8572 لسنة 1981 مدني كلى جنوب القاهرة ضد المدعى عليهما الثاني والثالث طالباً الحكم بعدم سريان القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية فيما تضمنه من فرض ضرائب على التصرفات العقارية وبأثر رجعى، واحتياطياً بقبول الدفع بعدم دستورية القانون المذكور والقانون رقم 157 لسنة 1981 بإصدار قانون الضرائب على الدخل.
وبجلسة 18 إبريل سنة 1985 قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا المختصة بنظرها عملاً بالمادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تأسيساً على أن الخلاف في مدى تطبيق القانون رقم 46 لسنة 1978 المسار إليه يقتضى تفسير نصوصه، وهو الأمر الذي تختص به المحكمة المذكورة طبقاً للمادة (26) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ولأنها تختص كذلك وطبقاً للمادة (25) منه بالرقابة على دستورية القوانين.
وحيث إن المدعي تقدم بمذكرتين طلب فيهما تصدي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية النصوص المطعون عليها.
وحيث إن المادة (25) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه تنص على أن تختص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بما يأتي:
أولاً: الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح......."
كما تنص المادة (29) من القانون المذكور على ما يأتي:
"تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه الآتي:
( أ ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر إحدى الدعاوي عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية.
(ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى، وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن".
ومقتضى هذين النصين أن المحكمة الدستورية العليا في ممارستها اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح ليست محكمة موضوع وليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع، وإنما هي جهة قضاء ذات اختصاص أصيل حدده قانون إنشائها، وأن الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بطريق الإحالة إليها من محكمة الموضوع إذا تراءى لها عدم دستورية نص في قانون أو لائحة يكون لازماً للفصل في النزاع أو بناء على دفع يثار أمام محكمة الموضوع تقدر المحكمة جديته وذلك للفصل في المسألة الدستورية، ومن ثم فإن الدعوى الدستورية، إذا وردت إلى هذه المحكمة بالمخالفة لهذه الأوضاع فإنها لا تكون قد اتصلت بالمحكمة اتصالاً مطابقاً للأوضاع القانونية وبالتالي تكون غير مقبولة.
ولا يغير من ذلك أن الدعوى قد أحيلت إلى هذه المحكمة بعد قضاء محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها استناداً إلى المادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي توجب على المحكمة عند القضاء بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة وتلتزم المحكمة المحال إليها بنظرها، ذلك أن قانون المحكمة الدستورية العليا قانون خاص يحكم الدعاوي والطلبات التي تدخل في ولاية هذه المحكمة ويحدد الإجراءات التي ترفع بها فلا يجوز اللجوء إلى قانون المرافعات وعلى ما تقضي به المادة (28) من قانونها إلا فيما لم ينص عليه فيه وبشرط ألا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها.
وحيث إن الحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية أقام كذلك قضاءه بعدم الاختصاص والإحالة – وعلى ما سلف بيانه – على اختصاص المحكمة الدستورية العليا بتفسير نصوص القوانين طبقاً لما تقضي به المادة (26) من قانونها.
وحيث إن المادة (26) من قانون المحكمة الدستورية العليا تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافاً في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها"، كما تنص المادة (33) منه على أن "يقدم طلب التفسير من وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية...." ومؤدى ذلك أن المشرع قصر الحق في تقديم طلبات التفسير على الجهات المحددة المشار إليها، واشترط تقديمها عن طريق وزير العدل. لما كان ذلك، وكان طلب التفسير لم يقدم إلى المحكمة من وزير العدل بناء على طلب أي من الجهات المحددة في المادة (33) سالفة الذكر، وإنما أحيل إليها من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية فإنه لا يكون قد اتصل بها اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة قانوناً.
وحيث إنه لا محل لما يطلبه المدعي من إعمال المحكمة لرخصة التصدي لعدم دستورية القانونين المطعون عليهما طبقاً لما تقضي به المادة (27) من قانونها والتي تنص على أنه "يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوي الدستورية". ذلك أن إعمال رخصة التصدي المقررة للمحكمة طبقاً للمادة المذكورة منوط بأن يكون النص الذي يرد عليه التصدي متصلاً بنزاع مطروح على المحكمة طبقاً للإجراءات والأوضاع المقررة قانوناً، فإذا انتفى قيام النزاع أمامها لعم اتصاله بها اتصالاً مطابقاً للقانون كما هو الشأن في الدعوى الماثلة فإنه لا يكون لرخصة التصدي سند من القانون يسوغ إعمالها.

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة، بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصاريف ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.