جلسة 27 من أبريل سنة 1977
برئاسة السيد المستشار
نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدى،
ومحمد الباجورى، وصلاح نصار، وأحمد وهدان.
--------------
(186)
الطعن رقم 19 لسنة 41 ق
"أحوال شخصية"
(1) إثبات. تزوير. موظفون.
الأوراق الرسمية. حجيتها.
قاصرة على البيانات التي تتعلق بما قام به محررها أو شاهد حصوله من ذوى الشأن أو
تلقاء عنهم في حدود سلطته واختصاصه. البيانات الأخرى التي يدونها نقلا عن ذوى
الشأن. المرجع في إثبات حقيقتها إلى القواعد العامة في الإثبات.
(2)أحوال شخصية "الزواج".
إثبات المأذون في وثيقة
التصادق على الزواج خلو الزوجين من الموانع الشرعية. لا حجية على إسلام الزوجة.
عدم إسلام الزوجة الكتابية. لا يعد مانعا شرعيا في مفهوم لائحة المأذونين.
(3)إثبات. موظفون.
مباشرة الموظف العام أو
المكلف بخدمة عاما لإجراء معين لا تنقطع بمجردها توافر شروط اختصاصه؛ كما أن
امتناعه لا يفيد عدم توافرها. العبرة بحقيقة الواقع.
(4)موظفون. أحوال شخصية. بطلان.
توثيق الزواج بغير
المسلمات. عدم اختصاص المأذونين الشرعيين به. توثيق المأذون لهذا العقد. لا يؤدى
إلى بطلانا مطلقا. جواز إبطاله بإثبات عدم إسلام الزوجة بكافة الطرق.
(5) موظفون. إثبات "محررات رسمية". أحوال
شخصية. إثبات.
مهمة الموظف المختص
بتدوين الوفيات. التحقق من شخصية المتوفى. البيانات الأخرى ومنها ديانة المتوفى
يدونها الموظف طبقا لما يدلي به ذوي الشأن. جواز إثبات ما يخالفها بكافة الطرق.
--------------
1 - مفاد المادة 11 من
قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 - المقابلة للمادة 391 من القانون المدني - أن
الحجية المقررة للأوراق الرسمية تقتصر على ما ورد بها من بيانات تتعلق بما قام به
محررها أو شاهد حصوله من ذوى الشأن أو تلقاه عنهم في حدود سلطته واختصاصه، تبعا
لما في إنكارها من مساس بالأمانة والثقة المتوافرين فيه، ومن ثم لا يتناول هذه
الحجية البيانات الخارجة عن الحدود أو ما تعلق بمدى صحة ما ورد على لسان ذوى الشأن
من بيانات لأن إثباتها في ورقة رسمية لا يعطيها قوة خاصة في ذاتها بالنسبة لحقيقة
وقوعها، فيرجع في أمر صحتها أو عدم صحتها إلى القواعد العامة في الإثبات.
2 - عدم إسلام الزوجة
الكتابية لا يعد مانعا شرعيا أو قانونيا في معنى المادة 335 من لائحة المأذونين
الصادر بها قرار وزير العدل في 4/ 1/ 1955 يحول دون زواج المسلم بها بما لا يضفى
على ما أورده المأذون في وثيقة زواج المورث بزوجته من ببان يفيد خلوهما من الموانع
الشرعية والقانونية حجية على إسلام الزوجة.
3 - مباشرة الموظف العام
أو المكلف بخدمة عامة لإجراء معين لا تقطع بمجردها في توافر الشروط اللازمة
لاختصاصه به، كما أن امتناعه عن ذلك لا يفيد تلك الشروط فيه، والعبرة في هذا
الخصوص هي بحقيقة الواقع لا بصفة من قام بالإجراء أو مدى اختصاصه به.
4 - وإن كان توثيق الزواج
بغير المسلمات يخرج عن اختصاص المأذونين الشرعيين طبقا للمادتين 18، 19 من لائحة
المأذونين، إلا أن عقد التصادق على الزواج - الذي قام به المأذون بين زوج مسلم
وزوجة كتابية - لم يقع باطلا بطلانا جوهريا إذا اتفق المتعاقدان فيه على الزواج،
وإن كان من الجائز أن يطرأ عليه البطلان حين يتضح أن الزوجة لم تكن مسلمة وأنه لم
تتبع الإجراءات الخاصة بالشكل الذي أوجب القانون اتباعها، ويجوز إثبات ذلك بكافة
طرق الإثبات اعتبار بأن ديانة الزوجة واعتبارها مسلمة ضمنا تبعا لتوثيق عقد الزواج
بمعرفة المأذون لا يمكن اعتبارها من البيانات التي قام بها محرره في حدود مهمته.
5 - شهادة الوفاة ورقة
رسمية معدة لإثبات حصول الوفاة، ومهمة الموظف المختص بتدوين الوفيات تقتصر وفقا لنص
المادة 29 وما بعدها من قانون الأحوال المدنية رقم 260 لسنة 1960 على التحقيق من
شخصية المتوفى قبل القيد إذا كان التبليغ إليه غير مصحوب بالبطاقة الشخصية، أما
البيانات الأخرى المتعلقة بسن المتوفى ومحل ولادته وصناعته وجنسيته وديانته ومحل
إقامته واسم ولقب والده ووالته فعلى الموظف المختص تدوينها طبقا لما يدلى به ذوى
الشأن، ومن ثم فإن حجية شهادات الوفاة بالنسبة لتلك البيانات تنحصر في مجرد صدورها
على لسان هؤلاء دون صحتها في ذاتها وتجوز الإحالة إلى التحقيق لإثبات ما يخالفها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام
الدعوى رقم 322 لسنة 1969 أحوال شخصية أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد الطاعن
- وزير الخزانة بصفته ممثل بيت المال - بطلب الحكم ببطلان الإشهاد الصادر بتاريخ
21/ 1/ 1969 من محكمة رشيد للأحوال الشخصية في المادة رقم 3 لسنة 1969 وراثات
والمتضمن توريث السيدة/ أنيسة خليل الحداد وبعدم تعرض الطاعن له به، وبصحة الإشهاد
الصادر بتاريخ 9/ 8/ 1969 من محكمة باب شرقي للأحوال الشخصية في المادة 294 لسنة
1969 وراثات، وقال شرحا لدعواه أنه بتاريخ 13/ 1/ 1969 توفى المرحوم...... عن تركة
تورث من بعده، فاستصدر بصفته شقيقة إشهادا شرعيا قيد برقم 3 لسنة 1969 وراثات رشيد
بتحقيق وفاته وانحصار إرثه في زوجته أنيسه خليل الحداد وتستحق ربع التركة فرضا
وفيه ويستحق الباقي تعصبا، ثم توفيت الزوجة في 17/ 6/ 1969، وعثر بين متاعها على
مستند رسمي صادر من مديرية الأحوال الشخصية العامة بالجمهورية اللبنانية مؤرخ 28/
2/ 1961 يفيد أنها مسيحية الديانة ولا يجوز بالتالي توريثها في زوجها تبعا
لاختلافهما ديانة، فاستصدر الإشهاد رقم 294 لسنة 1969 وراثات باب شرقي بانحصار
الإرث فيه، وإذ نازعه الطاعن بصفته في صحة هذا الإشهاد وذهب إلى أيلولة نصيب
الزوجة إلى بيت المال فقد أقام الدعوى، وبتاريخ 27/ 1/ 1970 حكمت المحكمة بإحالة
الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه أن المرحومة أنيسه خليل الحداد كانت تدين
بالمسيحية وقت وفاة زوجها منصور أحمد طبيخه، وبعد سماع شهود الطرفين عادت وحكمت في
16/ 6/ 1970 (أولا) ببطلان إشهاد الوفاة والوراثة الصادر من محكمة رشيد للأحوال
الشخصية في المادة 3 لسنة 1969 وراثات (ثانيا) بصحة إشهاد الوفاة والوراثة الصادر
من محكمة باب شرقي للأحوال الشخصية في المادة 294 لسنة 1969 وراثات. استأنف الطاعن
هذا الحكم بالاستئناف رقم 13 لسنه 70 ق أحوال شخصية الإسكندرية طالبا إلغاءه،
وبتاريخ 9/ 5/ 1971 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا
الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض
الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديرا بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت
النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
سببين، ينعى الطاعن بالسبب الأول وبالوجه الثاني من السبب الثاني منها على الحكم
الطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه على
سند من القول بأن وثيقة الزواج تقتصر حجيتها على حصول الزواج فقط دون التقرير بإسلام
الزوجين، كما أن شهادة الوفاة حجة في إثبات واقعة الوفاة ولا علاقة لها بالدين
الذى يعتنقه المتوفى عند حلول أجله، في حين أن المأذون أثبت في وثيقة الزواج خلو
الزوجين من جميع الموانع الشرعية والقانونية مما مفاده تحققه من أن الزوجين مسلمان
مصريان، إذ أن المادة 19 من لائحة المأذونين لا تجيز له توثيق عقود الزواج إذا كان
أحد الطرفين غير مسلم، هذا إلى أن الثابت بشهادة وفاة الزوجة وفقا لتبليغ المطعون
عليه أنها مسلمة، وكل من وثيقة الزواج وشهادة لوفاة تعتبر ورقة رسمية قام بتحريرها
أحد المكلفين بخدمة عامة في حدود سلطته ولهما حجيتها الكاملة في الإثبات، ولا يجوز
إهدار ما تضمنتاه من بيانات إلا عن طريق اتخاذ الادعاء بالتزوير ولا يسوغ إثبات
عكس ما ورد بهما بطريق الإحالة إلى التحقيق. وإذا استدل الحكم بالبينة على أن زوجة
المورث كانت تدين بالمسيحية وقت وفاته خلافا لما هو ثابت بوثيقة زواجها وشهادة
وفاتها، فأنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي غير سديد،
ذلك أنه لما كان مؤدى النص في المادة 11 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 -
المقابلة للمادة 391 من القانون المدني على أن "المحررات الرسمية حجة على
الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوى
الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا"؛ أن الحجية
المقررة للأوراق الرسمية تقتصر على ما ورد بها من بيانات تتعلق بما قام به محررها
أو شاهد حصوله من ذوى الشأن أو تلقاه عنهم في حدود سلطته واختصاصه، تبعا لما في إنكارها
من مساس بالأمانة والثقة المتوافرين فيه، ومن ثم لا تتناول هذه الحجية البيانات
الخارجة عن هذه الحدود أو ما تعلق بمدى صحة ما ورد على لسان ذوى الشأن من بيانات
لأن إثباتها في ورقة رسمية لا يعطيها قوة خاصة في ذاتها بالنسبة لحقيقة وقوعها،
فيرجع في أمر صحتها أو عدم صحتها إلى القواعد العامة في الإثبات، لما كان ذلك وكان
عدم إسلام الزوجة الكتابية لا يعد مانعا شرعيا أو قانونيا في معنى المادة 33 من
لائحة المأذونين الصادر بها قرار وزير العدل في 4/ 1/ 1955 يحول دون زواج المسلم
بها بما لا يضفى على ما أورده المأذون في وثيقة زواج المورث بزوجته من بيان يفيد
خلوهما من الموانع الشرعية والقانونية حجية على إسلام الزوجة، وكان لا يغير من ذلك
خروج توثيق عقود الزواج بغير المسلمات عن اختصاص المأذونين الشرعيين طبقا للمادتين
18، 16 من اللائحة المشار إليها، لان مباشرة الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة
لإجراء معين لا تقطع بمجردها في توافر الشروط اللازمة لاختصاصه به كما أن امتناعه
عن ذلك لا يفيد عدم توافر تلك الشروط فيه، وأن العبرة في الخصوص هي بحقيقة الواقع
لا بصفه من قام بالإجراء أو مدى اختصاصه به، وبالتالي فإن عقد التصادق على الزواج
في 25/ 12/ 1961 لم يقع باطلا بطلانا جوهريا إذ اتفق المتعاقدان فيه على الزواج،
وإن كان من الجائز أن يطرأ عليه البطلان حين يتضح أن الزوجة لم تكن مسلمة وأنه لم
تتبع الإجراءات الخاصة بالشكل التي أوجب القانون اتباعها، ويجوز إثبات ذلك بكافة
طرق الإثبات اعتبارا بأن ديانة الزوجة مسلمة ضمنا تبعا لتوثيق عقد الزواج بمعرفة
المأذون لا يمكن اعتبارها من البيانات التي قام بها محرره في حدود مهمته، لما كان
ما تقدم وكانت شهادة الوفاة ورقة رسمية معدة لإثبات حصول الوفاه، وكانت مهمة
الموظف المختص بتدوين الوفيات تقتصر وفقا لنص المادة 29 وما بعدها من قانون
الأحوال المدنية رقم 260 لسنة 1960 على التحقيق من شخصية المتوفى قبل القيد إذا
كان التبليغ إليه غير مصحوب بالبطاقة الشخصية، وأما البيانات الأخرى المتعلقة بسن
المتوفى ومحل ولادته وصناعته وجنسيته وديانته ومحل إقامته واسم ولقب والده ووالدته
فعلى الموظف المختص تدوينها طبقا لما يدلى به ذوو الشأن، ومن ثم فإن حجية شهادات
الوفاة بالنسبة لتلك البيانات تنحصر في مجرد صدورها على لسان هؤلاء دون صحتها في ذاتها
وتجوز الإحالة إلى التحقيق لإثبات ما يخالفها، وإذ أيد الحكم المطعون فه الحكم الابتدائي
في إجازته للمطعون عليه إثبات أن زوجة المتوفى كانت مسيحية وقت وفاته فإنه لا يكون
قد أهدر حجية الورقتين الرسميتين سالفتي الذكر، ويكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق
القانون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي
بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفى
بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم استدل على أن زوجة المورث كانت مسيحية وقت وفاته
بالشهادة المؤرخة 28/ 8/ 1961، في حين أنها ورقة عرفية لا تقطع في صحة هذه الواقعة
وأنه لا تلازم بين كون الزوجة مسيحية في ذلك التاريخ وبين كونها كذلك وقت الزواج
الحاصل في 25/ 11/ 1961 وإلى حين وفاة زوجها في 13/ 1/ 1969 إذ لا مانع من أن تكون
قد اعتنقت الإسلام في الأيام التالية لتحرير تلك الشهادة، وإذا كان الثابت من
وثيقة زواجها ومن إبلاغ المطعون عليه عند وفاتها بأنها مسلمة، فإن الحكم إذا اعتمد
في قضائه على الشهادة سالفة الإشارة يكون قد شابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك
أن البين من الحكم المطعون فيه أنه لم يقتصر في استدلاله على أن زوجة المورث كانت
تدين بالمسيحية وقت وفاته على مجرد ما تضمنته الشهادة الصادرة عن مديرية الأحوال
الشخصية العامة بالجمهورية اللبنانية والمؤرخة 28/ 8/ 1961 من أنها كانت مسيحية
وإنما استند أيضا وفى المقام الأول إلى ما أجمع عليه الشهود ومنهم شاهد الطاعن من
أن زوجة المتوفى كانت تعتنق الديانة المسيحية وظلت كذلك حتى وفاته، لما كان ذلك
وكانت هذه الأدلة مجتمعة لها مأخذها من الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التي خلص إليها
الحكم فانه لا مساغ لتعييب أحدها على استقلال طالما استقام التدليل به مع سائر الأدلة
الأخرى، ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض
الطعن.