الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 نوفمبر 2020

الطعن 24587 لسنة 61 ق جلسة 18 / 4 / 2015 إدارية عليا مكتب فني 60 ج 1 ق 79 ص 804

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي وحسين عبد الله قايد وعبد الفتاح السيد أحمد عبد العال الكاشف ود. رضا محمد عثمان دسوقي. نواب رئيس مجلس الدولة 
------------------ 
1 - موظف. 
تأديب- واجبات الموظف العام- واجب الولاء الوظيفي- مفهومه- الموظف ملزم في مجال تخصصه بتنفيذ مشيئة السلطات العامة، وبأن يؤدي واجبه بغاية الإخلاص والأمانة، بغض النظر عن عقيدته وانتماءاته- لئن كان من حق الموظف العام إبداء الرأي في الأمور العامة، إلا أن عليه وهو يمارس هذا الحق أن يلتزم في جميع تصرفاته بمقتضيات الوظيفة العامة- تنفيذ التعليمات طبقا لسياسة الدولة لا يكفي للقول بأنه قد أدى واجبه؛ لأنه ملتزم أيضا بأن يكون مسلكه كاشفا عن ولائه للدولة ولنظام الحكم القائم- القدر الأدنى في هذا الأمر يتمثل في عدم مهاجمة نظام الدولة، وفلسفتها الاجتماعية في الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة، وعدم القيام بأي تصرف يسيء إلى سمعة الدولة، أو يكون من شأنه النيل من سلامة النظام أو تجريحه. 

2 - موظف. 
تأديب- واجبات الموظف العام- واجب التعاون مع الزملاء- هذا الواجب له جانبان: (سلبي) ومقتضاه ألا يضع الموظف العراقيل في سبيل أداء الزملاء لواجباتهم، و(إيجابي) يتمثل في معاونة الرئيس والزملاء، والأخذ بيدهم لما فيه مصلحة الإدارة. 

3 - موظف. 
تأديب- واجبات الموظف العام- واجب أداء العمل المكلف به- يتعين على الموظف العام أن يسلك السبيل الذي تحدده القوانين والتقاليد الحكومية التي يتكون من مجموعها المركز النظامي الذي يشغله- يلتزم الموظف بأداء العمل المنوط به في الوقت المخصص لذلك، وفي المكان المخصص له، وأن يخلص في أداء العمل المنوط به، وأن يتعاون مع زملائه وأن يطيع رؤساءه. 

4 - موظف. 
تأديب- واجبات الموظف العام- واجب الإبلاغ عن المخالفات- الإبلاغ عن المخالفات التي تصل إلى علم أحد العاملين أمر مكفول، بل واجب عليه؛ توخيا للمصلحة العامة، ولو كانت تمس الرؤساء- يتعين على الموظف لدى قيامه بهذا الإبلاغ ألا يخرج عما يقتضيه واجب الوظيفة العامة من توقير الرؤساء واحترامهم- الاعتصام والمطالبة باستبعاد الرئيس ليس هو الوسيلة التي حددها المشرع للإبلاغ عن مخالفات الرئيس. 

5 - حقوق وحريات. 
حق الإضراب- المقصود به- الإضراب هو امتناع العاملين بالمرافق العامة عن أداء أعمالهم, وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم، مع استمرار تمسكهم بها، وذلك بقصد الإعلان عن احتجاجهم على أوضاع معينة، أو عن مطالب معينة، أو بقصد إظهار السخط والاستنكار لأعمال أو إجراءات لا ترضيهم. 

6 - حقوق وحريات. 
حق الإضراب- الفرق بين الإضراب والمظاهرة والتجمهر والاعتصام- الإضراب: تمردٌ لعمال المرافق العامة على السلطة، وعلى النظام- المظاهرة: اجتماع عدد من الأشخاص في الطريق العام، للتعبير عن إرادة جماعية أو مشاعر مشتركة، فإن كان هذا الاجتماع ثابتا سمي تجمعا، وإن كان متنقلا سمى موكبا- التجمهر لا يكون كذلك إلا في طريق أو مكان عام- الاعتصام لا يعد مظاهرة، ولا اجتماعا، ولا تجمهرا، بل هو في حقيقته إضراب. 

7 - الشريعة الإسلامية. 
تقسيم المصالح في الفقه الإسلامي- تنقسم المصالح من حيث تحقيقها إلى ثلاثة: (أولها) يتعلق بمصلحة عامة في حق الخلق جميعهم، و(ثانيها) يتعلق بالمصلحة الأغلب، و(ثالثها) يتعلق بمصلحة خاصة- تجرى المفاضلة بين هذه الأنواع الثلاثة على وفق هذا الترتيب- استقرت في الفقه الإسلامي قواعد أصولية منها: "الضرر يزال"، وقاعدة "الضرر الأشد يزال بالأخف"، وقاعدة "الضرر الخاص يُتحمل لدفع ضرر عام"، وقاعدة "درء المفاسد يقدم على جلب المنافع"، وقاعدة "الضرر يُدفع بقدر الإمكان"، وقاعدة "الضرر لا يزال بمثله". 

8 - الشريعة الإسلامية. 
حكم الإضراب فيها- لا تجيز أحكام هذه الشريعة الإضراب إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر، أو إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة، أو إذا كان صادرا عن العاملين في مرفق عام، مادام سيؤدي إلى توقف العمل في هذا المرفق، وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التي يقدمها. 

9 - قانون. 
حق الإضراب- التطور التشريعي لتنظيمه في مصر. 

10 - حقوق وحريات. 
حق الإضراب- مدى مشروعية إضراب الموظفين العموميين- إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية وجريمة تأديبية- لئن كانت الحكومة قد تعهدت في الاتفاقية التي وقعتها في 4/8/1967 بكفالة حق الإضراب في حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية، فإن إعمال هذا الحق تطبيقا لتلك الاتفاقية رهين بوضع المشرع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وباعتباره من الحقوق التي يجب ممارستها على وفق ضوابط معينة، ودون تعسف في استعمالها- ترتيبا على ذلك: لا مجال لإعمال الاتفاقية المشار إليها متى خالفت أحكام الشريعة الإسلامية- هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الحكومة المصرية بصفتها من أشخاص القانون العام بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها، بشرط مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتعديل تشريعاتها لتتوافق مع هذه الاتفاقية بتلك الصيغة، أو لتقريرها إن كانت تشريعاتها خالية من مثل هذه الحقوق- هذه الاتفاقية لم تلغِ ضمنا النصوص المجرمة لحق الإضراب في قانون العقوبات. 

11 - حقوق وحريات. 
إلغاؤه- الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الحديث على محل واحد، يستحيل معه إعمالهما فيه. 

12 - موظف. 
تأديب- المحظورات على الموظف العام- إغلاق الموظفين باب مقر العمل، والاعتصام داخل المقر واحتلاله، ومنع العاملين من دخول الوحدة، هو في حقيقته إضراب- هذا المسلك يتنافى مع مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ويشكل أبشع أنواع الجرائم التأديبية. 

13 - حقوق وحريات. 
حرية الاجتماع، وحق التظاهر السلمي- تطور تنظيم حق التظاهر في التشريع المصري- أعلى الدستور من شأن الحريات، بما فيها حق الأفراد في التظاهر السلمي، وأباح للمواطنين الحق في التظاهر، على أن تتم ممارسة هذا الحق في إطار أحكام القانون الذي يقوم على تنظيمه- ليس في إخضاع المظاهرات لقيود خروجٌ عن منطق الحرية- هذا التنظيم لحق التظاهر لا يعدو أن يكون من قبيل الإجراءات الوقائية. 
----------------- 
الوقائع
في يوم السبت الموافق 31/1/2015 أودع الأستاذ/... المحامي بالنقض والإدارية العليا (بصفته وكيلا عن السادة: ...، ... و... و... و... و... و... و... و... و... و... و... و... و... و... و... و...) تقرير طعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، قيد برقم 24587 لسنة 61 ق. عليا، طعنا على الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية بالمنوفية بجلسة 29/12/2014 في الدعوى رقم 162 لسنة 13ق، القاضي بمجازاتهم بالإحالة على المعاش.
وطلب الطاعنون -للأسباب التي أوردوها بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء ببراءتهم مما أسند إليهم.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قضت بجلستها المنعقدة بتاريخ 14/3/2015 بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأمرت بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعه.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا ارتأت فيه إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعنين بعقوبة الإحالة على المعاش، والقضاء مجددا ببراءة الطاعنة السادسة عشرة مما أسند إليها، وبمجازاة باقي الطاعنين بالعقوبة المناسبة.
وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة الموضوع جلسة 11/4/2015، وفيها لم يحضر الطاعنون أو من يمثلهم رغم قيام قلم الكتاب بإخطارهم بالكتابين رقمي 2610 و2611 بتاريخ 3/3/2015, وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به. 
---------------- 
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وحيث إن وقائع الطعن تخلص -حسبما يبين من عيون الأوراق- فيما أبلغ به السيد رئيس شئون العاملين بالوحدة المحلية بقورص رئاسة الوحدة المحلية بأنه عند دخوله مقر الوحدة المحلية بقورص يوم الخميس الموافق 13/6/2013 قام بإلقاء السلام على مدير مركز المعلومات، وعندما شاهد موظفي المركز وبعض موظفي الوحدة يغلقون باب الوحدة الخارجي والداخلي بأقفال حديدية خاصة بهم، ويعتصمون أمام باب الوحدة، مانعين باقي الموظفين من ممارسة عملهم، سأله عما يحدث، فكان رده: "اللي عاجبه يقعد، واللي مش عاجبه يروح". وأشار إلى أنه لما رأى عمال مجموعة النظافة طلب منهم الخروج بالمعدات فكان ردهم أن موظفي مركز المعلومات قالوا: "اللي هيجي ناحية البوابة هنكسره".

وقد تناولت الإدارة العامة للشئون القانونية الواقعة بالتحقيق، وانتهت إلى إحالته إلى النيابة الإدارية بأشمون التي باشرت التحقيق في القضية رقم 549 لسنة 2013، وبسؤال مقدم الشكوى قرر أنه الذي أعد المذكرة محل التحقيق لأنه عندما توجه إلى مقر عمله بالوحدة يوم الخميس الموافق 13/6/2013 وجد موظفي مركز المعلومات قاموا بغلق البوابة الحديدية الخارجية للوحدة بالأقفال، ووضعوا سيارة أمام باب الوحدة لمنع دخول الموظفين للوحدة لمباشرة عملهم، وأنه دخل من الباب الجانبي، وفوجئ بأن موظفي مركز المعلومات قاموا بوضع كراسي أمام الباب الداخلي المؤدي للمكاتب، ويجلسون على تلك المقاعد، ويغلقون الباب الداخلي، ولما سأل ... مدير مركز المعلومات عن سبب ما يحدث، كان رده: "اللي عجبه يقعد واللي مش عجبه يروح"، وأنه شاهد عمال منظومة النظافة لا يستطيعون الخروج من الوحدة، وأن موظفي مركز المعلومات هددوهم بأن من سيخرج من البوابة سيتم تكسيره، وأضاف أنه ظل أمام الوحدة حتى تجمع باقي الموظفين، ولم يتمكنوا من الدخول، وظل الوضع على ذلك حتى الساعة 12 ظهرا، وأضاف بأن الذي قام بغلق الوحدة، ومنع موظفيها من الدخول هم: ..., و...، و...، و...، و...، و...، و..., و..., و..., و...، و... .
وأضاف أن رئيسة الوحدة قامت بالشطب على أسماء عدد من العاملين بمركز المعلومات بخانة الانصراف لعدم وجودهم بمقر العمل، وفي يوم 13/6/2013 حضر العاملون بمركز المعلومات، وقاموا بغلق أبواب الوحدة بالأقفال الحديدية، ومنعوا رئيسة الوحدة من الدخول، وعندما حضر نائب رئيس مجلس المدينة رد عليه العاملون بمركز المعلومات بأنه "لو حضر رئيس المدينة بنفسه مش هيفتحوا الوحدة"، وعندما شاع الخبر بالقرية حضر العمدة ومعه مجموعة من المواطنين، وقاموا بفتح الوحدة.
واستطرد قائلا إنه لما حضرت رئيسة الوحدة منعتها السيدة ... من الدخول، وقالت لها "مش هتدخلي وارجعي"، وعندما التفت خلفه شاهد رئيسة الوحدة ملقاة على الأرض تبكي، وأشار إلى أن سبب تعدي العاملين على رئيسة الوحدة أنهم غير منضبطين بالعمل.
وبسؤال ... نائب رئيس مجلس مدينة أشمون شهد بأنه وصل إلى مقر الوحدة يوم 13/6/2013 الساعة 8.30 صباحا، ووجد العاملين بالوحدة يغلقون الباب الخارجي بالأقفال الحديدية، ولما دخل من الباب الجانبي وجد الباب الداخلي المؤدي إلى مكاتب الموظفين مغلقا، ووجد موظفي مركز المعلومات متجمهرين أمام الباب الداخلي، ثم حضر عمدة القرية وأقنع المتظاهرين بفتح مقر الوحدة، وأضاف أن ذلك حدث نتيجة وجود مشاكل بين موظفي مركز المعلومات ورئيسة الوحدة.

وبسؤال ... سكرتير الوحدة المحلية بقورص ردد مضمون الأقوال السابقة، وأضاف أن مرد ذلك وجود مشاكل بين الموظفين ورئيسة الوحدة لتحدثها بتعالٍ معهم.

وبسؤال ... رئيسة الوحدة المحلية بقورص: قررت أنها لما توجهت يوم 16/6/2013 لمقر عملها قام كل من: ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، ...، بمنعها من دخول الوحدة، والتعدي عليها بالسب والضرب، وقالوا لها: "يا سافلة يا كافرة يا زبالة"، وأضافت بأن ... هي التي قامت بدفعها مما أدى إلى سقوطها على الأرض، وكان ذلك بتحريض من ... وبالاشتراك معه بأن قام بجذبها من ملابسها من الخلف، في حضور كل من: ...، و...، و..., و...، وأشارت إلى أن هذا المسلك من جانبهم لكونهم غير منضبطين في عملهم، ويرفضون نصائحها، وأشارت إلى أنها تعاملهم جميعا معاملة حسنة.

وبسؤال ... عامل بمنظومة النظافة شهد بأن العاملين بمركز المعلومات كانوا جالسين بالكراسي أمام الباب الداخلي للوحدة يوم 16/6/2013، فطلب منهم ... منع رئيسة الوحدة من الدخول، ثم قامت ... بدفع رئيسة الوحدة، فوقعت الأخيرة على الأرض، وقام ... بجذب رئيسة الوحدة من ملابسها من الخلف، مما أدى إلى تعرية ظهرها ووقوعها على ظهرها أمام الناس، وأضاف أن العاملين بمركز المعلومات تعدوا على رئيسة الوحدة بالألفاظ الخارجة، وأضاف أن كلا من: ..., و... تعدَّيَا على رئيسة الوحدة بالضرب.

وبسؤال ... عضو الشئون القانونية بمجلس مدينة أشمون، شهد بأن الشئون القانونية قامت بالتحقيق في واقعة انصراف بعض العاملين بالوحدة المحلية بقورص، وترك العمل بدون إذن الساعة الواحدة ظهر يوم 12/6/2013، واستنادا إلى ذلك صدر القرار رقم 489 لسنة 2013 بمجازاة ..., و..., و..., و..., و..., و..., و..., و...، و..., و..., و... بخصم يوم من راتبهم.

وبسؤال ... ردد مضمون أقوال ...، وبسؤال ... فني تنظيم بالوحدة المحلية بقورص، اعترف بقيامه بالاشتراك مع أغلب العاملين بالوحدة يوم 16/6/2013 بغلق الباب الداخلي والخارجي للوحدة بسبب اضطهاد رئيسة الوحدة لجميع العاملين ومعاملتهم معاملة سيئة، وأضاف أنه وزملاءه كانوا موجودين يوم 16/6/2013 أمام الباب الداخلي للوحدة، وعندما رأوا رئيسة الوحدة آتية قاموا بمنعها من الدخول، وأنكر تعديهم عليها بالسب أو بالضرب.

وبسؤال ... مسئول مرتبات بالوحدة المحلية بقورص، اعترف بأنه اشترك مع بعض العاملين بالوحدة بالاعتصام داخل الوحدة، وأنهم أغلقوا الباب الداخلي والخارجي بالأقفال يوم الخميس الموافق 13/6/2013 بسبب اضطهاد رئيسة الوحدة لهم، وأنه في يوم الأحد الموافق 16/6/2013 اشترك مع زملائه في الاعتصام أمام باب الوحدة، ومنعوا رئيسة الوحدة من الدخول، ونفى تعديه عليها بالضرب أو الألفاظ، وعلل اشتراكه في هذا الاعتصام بأن رئيسة الوحدة أحدثت فتنة بينهم.

وبسؤال ...، و...، و...، و...، و...، و...، و...، و...، و..., و..., و..., و..., و..., و...، و...، اعترفوا جميعا بالاعتصام لمنع رئيسة الوحدة من الدخول، ونفوا واقعة التعدي عليها باللفظ أو الضرب.

- وانتهت النيابة الإدارية إلى قيد الواقعة مخالفة إدارية بالمواد 76/1/3، 78/1، 80، 82 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ضد ..., و..., و..., و..., و...، و...، و...، و..., و..., و...، و..., و...، و...، و...، و..., و..., و...؛ لأنهم يومي 13و16/6/2013 بمقر عملهم بالوحدة المحلية بقورص لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة، وسلكوا مسلكا معيبا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العامة وذلك بأن:

المخالفون من الأول حتى العاشر: اشتركوا جميعا في الاعتصام بالوحدة المحلية بقورص يومي 13و16/6/2013 وأغلقوا باب الوحدة، ومنعوا دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة أعمالهم، مما أدى إلى تعطيل العمل في هذين اليومين.

المخالفون من الحادي عشر وحتى السادس عشر: اشتركوا مع المخالفين من الأول وحتى العاشر في غلق باب الوحدة المحلية بقورص يوم 16/6/2013، ومنعوا دخول رئيسة الوحدة لمباشرة عملها وبعض العاملين الآخرين بالوحدة مما أدى إلى تعطيل العمل.

المخالف السابع عشر: اشترك مع المخالفين من الأول حتى العاشر في الاعتصام بالوحدة، وغلق أبواب الوحدة يوم 13/6/2013 ومنع دخول رئيسة الوحدة وخروج معدات منظومة النظافة بالوحدة مما أدى إلى تعطيل العمل.

- وأمرت النيابة الإدارية بإحالتهم إلى المحاكمة التأديبية، وقد نظرت الدعوى التأديبية أمام المحكمة التأديبية بالمنوفية على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 29/12/2014 قضت بمجازاتهم بعقوبة الإحالة على المعاش، وأقامت قضاءها على أن المخالفة المسندة إليهم ثابتة في حقهم بيقين.

- ويقوم الطعن على أن الحكم المطعون عليه خالف القانون، وأخطأ في تطبيقه وتأويله، لأنه قضى بإدانتهم بنصوص قانونية سابقة على الاتفاقية الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية، والتي كفلت حق الإضراب، كما أنه لم يشر إلى المستندات التي قدموها والتي تؤكد أن الحملة الميكانيكية كانت تسير بانتظام، وأن الحضور والانصراف كان يسير بوضع طبيعي، وأن حركة الخزينة لم تتوقف، وأن العقوبة التي وقعها لا تتناسب مع الذنب الذي ارتكبوه.

..........................................................

وحيث إنه عما يثيره الطعن من أن محكمة أول درجة قضت بإدانتهم بنصوص قانونية سابقة على الاتفاقية الدولية، التي كفلت حق الإضراب، فإن المحكمة تنوه بادئ ذي بدء إلى أن المقصود بالإضراب هو امتناع العاملين بالمرافق العامة عن أداء أعمالهم, وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم، دون أن يتخلوا عن تلك الوظائف، ومع استمرار تمسكهم بها، وذلك بقصد الإعلان من جانبهم عن احتجاجهم على أوضاع معينة، أو عن مطالب معينة، يطالبون المسئولين بتحقيقها، أو بقصد إظهار السخط والاستنكار لأعمال أو إجراءات لا ترضيهم، والإضراب بهذا المعنى يتنافى مع مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد، فإن كانت الحكومة تتضرر من هذا التصرف، فإن الضرر الأكبر يلحق بأفراد المجتمع الذين يحرمون من الخدمة التي يقدمها عمال هذا المرفق، ومن ثم فإن الإضراب هو تمرد عمال المرافق العامة على السلطة، وعلى النظام، لأنه يسعى إلى تحريك الرأي العام ضد النظام الذي يعتبره الأفراد هو المسئول أمامه عن تشغيل المرافق ذات النفع العام.

أما المظاهرة فهي اجتماع عدة أشخاص في الطريق العام، للتعبير عن إرادة جماعية أو مشاعر مشتركة، فإن كان هذا الاجتماع ثابتا سمى تجمعا، وإن كان متنقلا سمى موكبا.

وقد مر حق الإضراب في مصر بمراحل تشريعية عديدة، فلم يكن الإضراب في القانون المصري معاقبا عليه حتى عام 1923، اكتفاء بالعقوبات التأديبية التي كان يمكن توقيعها على المضربين، والتي كانت تصل أحيانا إلى حد العزل من الوظيفة، وإزاء كثرة الإضرابات سواء من جانب العمال أم من الموظفين تنبه المشرع إلى خطورة ذلك وإلى عدم كفاية العقوبات التأديبية في هذا الشأن، فأصدر القانون رقم 37 لسنة 1923, الذي ميز بين فئتين: (الأولى) عمال المرافق العامة التي تدار بالطريق المباشر، و(الثانية) عمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، فبالنسبة إلى الفئة الأولى: كانوا يعاقبون على الإضراب في حالتين:

1. إذا اتفق ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين، وتركوا عملهم بدون مسوغ شرعي، فكانوا يعاقبون بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على مئة جنيه.

2. وتطبق هذه العقوبة على كل موظف أو مستخدم عام امتنع عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفته، إذا كان امتناعه يجعل أو من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، وكذلك إذا نشأت عنه فتنة أو إذا أضر بمصلحة عامة.

أما بالنسبة إلى الفئة الثانية، وهم عمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، فكانت القاعدة المطبقة في ظل التشريع المصري هي الاعتراف بحق الإضراب بالنسبة لعمال القطاع الخاص، ولكن نظرا إلى الطابع الخاص للمرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز، وأهمية وحيوية هذه المرافق فيما يتعلق بخدمة الجمهور، فلم يحرم المشرع العاملين بهذه المرافق من ممارسة الإضراب، بل وضع لهم شروطا لممارسة هذا الحق، فنصت المادة (327 مكررا) من قانون العقوبات الأهلي المضافة بموجب القانون رقم 37 لسنة 1923 على أنه: "محظور على المستخدمين والأُجَرَاء التابعين لمصلحة خاصة حاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة كالسكك الحديدية والترامواي والتنوير وتوريد المياه وما شابه ذلك أن يتوقفوا عن العمل كلهم معا، أو جماعات منهم، بكيفية يتعطل معها سير العمل في تلك المصلحة، بدون أن يخطروا المدير أو المحافظ بذلك قبل الوقت الذي ينوون فيه التوقف عن العمل بخمسة عشر يوما على الأقل، ويقدم هذا الإخطار بالكتابة، ويكون موقعا عليه بإمضاء أو ختم المستخدمين والأُجَراء الذين ينوون التوقف عن العمل، وتبين فيه أسباب هذا التوقف، ويعطَى لذوي الشأن وصلٌ يذكر فيه تاريخ استلام الإخطار وساعته.

والتوقف عن العمل بدون مراعاة الأحكام الواردة في الفقرة السابقة والميعاد المنصوص عليه فيها يعد جريمة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد على خمسين جنيها...".

وطبقا للنص المتقدم كان الإضراب بالنسبة لموظفي وعمال المرافق العامة التي تدار بطريق الامتياز مشروعا، وذلك بمراعاة الشروط المنصوص عليها قانونا، وفي حالة ممارسة تلك الفئة للإضراب بدون مراعاة لتلك الشروط يعد الإضراب غير مشروع، ويعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها.

ولما كثرت الإضرابات على الرغم من النصوص القانونية التي تجرمها أصدر المشرع المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 1946، وتناول هذا المرسوم أحكام الإضراب في قانون العقوبات بالتعديل والإضافة، فعدل المادة 124 منه وأضاف المواد 124 (أ) و124 (ب) و124 (ج) وعدل المادة 374 وأضاف المادة 374 مكررا وعدل المادة 375 منه، إذ نصت المادة (124) من قانون العقوبات بعد تعديلها بذلك المرسوم على أنه: "إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم، ولو في صورة الاستقالة، أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم، متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك, عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد عن خمسين جنيها.

ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس، أو إذا أضر بمصلحة عامة.

وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيها...".

ونصت المادة (124 أ) على أن: "يعاقب بضعف العقوبات المقررة بالمادة 124 كل من اشترك بطريق التحريض في ارتكاب جريمة من الجرائم المبينة بها. ويعاقب بالعقوبات المقررة بالفقرة الأولى من المادة المذكورة كل من حرض أو شجع موظفا أو مستخدما عموميا أو موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة كانت على ترك العمل أو الامتناع عن تأدية واجب من واجبات الوظيفة، إذا لم يترتب على تحريضه أو تشجيعه أية نتيجة. وفضلا عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب الجريمة من الموظفين...".

ونصت المادة (124 ب) على أن: "يعاقب بالعقوبات المبينة في الفقرة الثانية من المادة 124 كل من يعتدي أو يشرع في الاعتداء على حق الموظفين العموميين في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو التدابير غير المشروعة على الوجه المبين في المادة 375 من هذا القانون".

ونصت المادة (124 (ج) على أنه: "فيما يتعلق بتطبيق المواد الثلاث السابقة يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع الأجراء الذين يشتغلون بأية صفة كانت في خدمة الحكومة أو في خدمة سلطة من سلطات الأقاليم أو السلطات البلدية أو القروية...".

ونصت المادة (374) على أنه: "يحظر على المستخدمين والأجراء الذين يقومون بخدمة عامة أو بالخدمة في المرافق العامة أو بعمل يسد حاجة عامة، ولو لم يكن موضوعا له نظام خاص، أن يتركوا عملهم أو يمتنعوا عنه عمدا. وتجرى في شأن ذلك جميع الأحكام المبينة في المادتين (124) و(124/أ)، وتطبق العقوبات المنصوص عليها فيهما على هؤلاء المستخدمين والأجراء وعلى المحرضين والمشجعين والمحبذين والمذيعين على حسب الأحوال".

ونصت المادة (375) على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو تدابير غير مشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق من الحقوق الآتية:

(أولا) حق الغير في العمل.

(ثانيا) حق الغير في أن يستخدم أو يمتنع عن استخدام أي شخص.

(ثالثا) حق الغير في أن يشترك أو لا يشترك في جمعية من الجمعيات. ...".

ومفاد النصوص المتقدمة أن المشرع في قانون العقوبات معدلا بموجب المرسوم بقانون 116 لسنة 1946 عاقب على الإضراب الذي يقع من ثلاثة على الأقل من الموظفين العموميين، ولم يقتصر تجريم المشرع للإضراب على ذلك الذي يقع من ثلاثة أشخاص فأكثر، بل امتد ليشمل التجريم كل موظف ترك عمله أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، ولم يشترط المشرع للعقاب على الإضراب أن يقع نتيجة اتفاق على الامتناع عن العمل، بل اكتفى بأن يقع الإضراب بقصد تحقيق غرض مشترك ولو لم يسبقه اتفاق، وضاعف المشرع الحد الأقصى للعقوبة إذا كان ترك العمل أو الامتناع عنه من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر، وأكد المشرع أن الإضراب أصبح معاقبا عليه في جميع الأحوال سواء استند إلى دافع شرعي أم لم يستند إليه، وساوى هذا القانون من حيث تجريم الإضراب بين الموظفين العموميين الذين يعملون في المرافق العامة التي تدار بالطريق المباشر والعمال الذين يعملون في المرافق التي تدار بطريق الامتياز، واتجه إلى التعميم في الحكم فيما يتعلق بالإضراب الذي أصبح معاقبا عليه في جميع الأحوال مما يكشف عن تشدد واضح في مسلكه.

ثم أصدر المشرع القانون رقم 24 لسنة 1951 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، وقد اقتصر التعديل الذي أدخله على تشديد العقوبات الواردة بالمرسوم بقانون رقم (116) لسنة 1946، بالإضافة إلى حظر نشر أخبار إضرابات الموظفين، ولو كانت صحيحة، فنصت بموجبه الفقرة الأولى من المادة (124) من قانون العقوبات على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة وغرامة لا تزيد على مئة جنيه إذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة الاستقالة أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك، ونص في الفقرة الثالثة من تلك المادة على عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسين جنيها إذا امتنع موظف عن عمل من أعمال وظيفته أو ترك عمله بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه، ونص في الفقرة الرابعة على أن يعاقب بالعقوبة نفسها كل من حبذ على جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين من هذه المادة أو في الفقرة الأولى من المادة (124)، ثم عدل صياغة المادة (375) دون أن يمس هذا التعديل الحكم القانوني الوارد فيها.

ثم أصدر المشرع بعد ذلك القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية الوطن والمواطن الذي تضمن مادة وحيدة تتعلق بحق الإضراب، وهي المادة السابعة منه، والتي تنص على أن: "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم عمدا متفقين في ذلك أو مبتغين تحقيق غرض مشترك، إذا كان من شأن هذا الإضراب تهديد الاقتصاد القومي".

وقد جاءت عبارات هذا النص عامة، حيث تنطبق على جميع العاملين بالدولة، والقطاع العام والقطاع الخاص، واشترط المشرع لتوقيع هذه العقوبة أن يكون الإضراب مما يهدد الاقتصاد القومي، أما الإضراب في عكس ذلك من الحالات فإنه تطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالإضراب الواردة في قانون العقوبات.

وقد تعرض هذا القانون لانتقادات كثيرة إزاء العقوبة المشددة الواردة بالمادة السابعة منه، فأصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 194 لسنة 1983 بإلغاء القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977، وبإلغاء هذا القانون أصبحت نصوص قانون العقوبات معدلا بموجب القانون رقم 24 لسنة 1951 هي الحاكمة لإضراب موظفي وعمال المرافق العامة، أما عمال القطاع الخاص فإضرابهم يخضع لنصوص قانون عقد العمل الموحد، ونصوص قانون العقوبات في حالات معينة.

ثم وقعت مصر في 4/8/1967 على اتفاقية العهد الدولي الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونصت المادة الثامنة من هذه الاتفاقية على أن تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني، وقد تحفظت الحكومة المصرية في وثيقة التصديق تحفظا عاما هو الأخذ في الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم تعارض الاتفاقية معها، وبتاريخ 1/10/1981 أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 537 لسنة 1981 بالموافقة على هذه الاتفاقية مع الأخذ في الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم تعارضها معها، ثم أصدر وزير الخارجية قرارا بتاريخ 14/4/1982 بنشر هذه الاتفاقية في الجريدة الرسمية, وتم نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية في العدد رقم 14 بتاريخ 8/4/1982 وعمل بها اعتبارا من 14/4/1982، ومن ثم فإن الحكومة المصرية وإن كانت قد تعهدت بكفالة حق الإضراب إلا أنها اشترطت لإعمال هذا الحق مطابقته لأحكام الشريعة الإسلامية.

وحيث إن الإضراب سواء كان من الحقوق أو من الحريات, فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا الحق، وبعدم الانحراف عن الغاية منه، ولا شبهة في أن الفقه الإسلامي هو المصدر التاريخي لنظرية التعسف في استعمال الحق بما يوجب الرجوع إلى هذا الفقه لبحث مدى مطابقة الاتفاقية التي وقعت عليها الحكومة المصرية في 4/8/1967 لأحكام هذه الشريعة.

وحيث إن الفقه الإسلامي قسم المصالح من حيث تحقيقها إلى ثلاثة أنواع: (أولها) يتعلق بمصلحة عامة في حق الخلق جميعهم، و(ثانيها) يتعلق بالمصلحة الأغلب، و(ثالثها) يتعلق بمصلحة خاصة، وتجرى المفاضلة بين هذه الأنواع الثلاثة على وفق ترتيبها السالف، ومن خلال ذلك استقرت في الفقه الإسلامي قواعد أصولية منها: أن الضرر يزال، وقاعدة الضرر الأشد يزال بالأخف، وقاعدة الضرر الخاص يُتَحمل لدفع ضرر عام، وقاعدة درء المفاسد يقدم على جلب المنافع، وقاعدة الضرر يُدفع بقدر الإمكان، وقاعدة الضرر لا يزال بمثله، ومن ثم فإن أحكام الشريعة الإسلامية لا تجيز الإضراب إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر، أو إذا كانت المصلحة التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة، وهي لا تجيز الإضراب أيضا إذا كان صادرا عن العاملين في مرفق عام مادام سيؤدى إلى توقف العمل في هذا المرفق، وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التي يقدمها، ومن ثم فإنه لا مجال لإعمال هذه الاتفاقية متى خالفت أحكام الشريعة الإسلامية على النحو المبين سالفا.

بالإضافة إلى ما تقدم فإن هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الحكومة المصرية بصفتها من أشخاص القانون العام بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها بشرط مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك بتعديل تشريعاتها لتتوافق مع هذه الاتفاقية بتلك الصيغة، أو لتقريرها إن كانت تشريعاتها تخلو من مثل هذه الحقوق، ومن ثم فإن هذه الاتفاقية لم تلغِ ضمنا النصوص المجرمة لحق الإضراب في قانون العقوبات؛ لأن الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الحديث على محل واحد، يستحيل معه إعمالهما فيه، وفى هذه الحالة وحدها، يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد ألغى ضمنا التشريع القديم، وهو ما لم يحدث للنصوص المجرمة لحق الإضراب، فإعمال حق الإضراب لتلك الاتفاقية رهين بوضع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

ولا يغير من هذا النظر أن هذه الاتفاقية أصبحت بعد التصديق عليها وصدورها في شكل تشريع, وأنها بنشرها في الجريدة الرسمية أصبحت جزءا من القانون الداخلي، وتتبوأ مكانته، وتحتل مكانته، ويترتب عليها بطلان النصوص القانونية التي تجرم الإضراب، وأن هذه النصوص أصبحت منسوخة بهذه الاتفاقية تطبيقا لقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق في المسألة التي يتصدى لها القانون؛ ذلك لأن هذه الاتفاقية لم تلغ هذه النصوص، لأنه لم يرد بها نص جديد يلغي النص القديم، ولأن الإلغاء لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الجديد على محل واحد يستحيل معه إعمالهما فيه، والدليل أن قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه الاتفاقية صدر في 1/10/1981، وكانت الحكومة المصرية قد وقعت على هذه الاتفاقية في 4/8/1967 متحفظة في ذلك بوجوب مطابقة أحكام هذه الاتفاقية لأحكام الشريعة الإسلامية.

ولأن أحكام هذه الشريعة لا تجيز توقف عمال المرافق العامة عن تقديم الخدمة التي تقدمها إلى الجمهور، فقد أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد التوقيع على هذه الاتفاقية المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل، ونص في المادة الأولى منه على أنه: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر، يُعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام أثناء سريان حالة الطوارئ بعمل وقفة أو نشاط ترتب عليه منع أو تعطيل أو إعاقة إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة أو إحدى جهات العمل العامة أو الخاصة عن أداء أعمالها.

ويُعاقب بذات العقوبة المقررة في الفقرة السابقة كل من حرض أو دعا أو روج بالقول أو بالكتابة أو بأية طريقة من طرق العلانية المنصوص عليها في المادة (171) من قانون العقوبات لأي من الأفعال السابقة ولو لم يتحقق مقصده. ...".

ومفاد ما تقدم أن إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية، وإن كانت الحكومة تعهدت في الاتفاقية التي وقعتها في 4/8/1967 بكفالة حق الإضراب في حدود ما تجيزه أحكام الشريعة الإسلامية, فإن السلطة التشريعية ملزمة بأن تنظم حق الإضراب بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وباعتباره من الحقوق التي تجب ممارستها على وفق ضوابط معينة, ولا يجوز التعسف في استعمالها، ومن ثم فإن إضراب الموظفين العموميين وإن كان يشكل جريمة جنائية فإنه يعد جريمة تأديبية أيضا، فالموظف العام قد اختير لأداء مهمة معينة على وفق قاعدة التخصص وتقسيم العمل، ومن ثم فإنه يتعين عليه أن يسلك السبيل الذي تحدده القوانين والتقاليد الحكومية التي يتكون من مجموعها المركز النظامي الذي يشغله، ومن ثم فهو ملزم بأداء العمل المنوط به في الوقت المخصص لذلك، وفي المكان المخصص له، وأن يطيع رؤساءه لأن طاعة الرؤساء تعد العمود الفقري في كل نظام إداري، وإذا تسرب إلى هذا المبدأ أي خلل فلن يجدي في إصلاح الإدارة أي علاج.

وأن الإبلاغ عن المخالفات التي تصل إلى علم أحد العاملين أمر مكفول، بل واجب عليه، توخيا للمصلحة العامة، ولو كانت تمس الرؤساء، إلا أنه يتعين عليه عند قيامه بهذا الإبلاغ ألا يخرج عما تقتضيه واجبات الوظيفة العامة من توقير الرؤساء واحترامهم.

كما يجب على الموظف أن يخلص في أداء العمل المنوط به، وهو مطالب بالتعاون مع زملائه لأن العمل الإداري هو عمل جماعي، ونظرا لأن الموظف هو أداة الدولة والمنفذ لمشيئتها، ومن ثم فإن الموظف ملزم كل في مجال تخصصه بتنفيذ مشيئة السلطات العامة، وهو ما يطلق عليه في الفقه الإداري بالولاء الوظيفي، ومن ثم فهو ملزم بأن يؤدي واجبه بغاية الإخلاص والأمانة بغض النظر عن عقيدته وانتماءاته.

ولا يكفي أن يؤدي عمله على وفق القواعد السالفة، بل يتعين أن يسلك في حياته مسلكا حسنا، وإنه وإن كان من حقه إبداء الرأي في الأمور العامة، لكن عليه وهو يمارس هذا الحق أن يتذكر دائما أنه موظف عام، وأنه يجب أن يلتزم في جميع تصرفاته بمقتضيات الوظيفة العامة، فتنفيذ التعليمات طبقا لسياسة الدولة لا يكفي للقول بأن الموظف قد أدى واجبه؛ لأنه ملتزم أيضا بأن يكون مسلكه كاشفا عن ولائه للدولة ولنظام الحكم القائم، والقدر الأدنى في هذا الأمر يتمثل في عدم مهاجمة نظام الدولة، وفلسفتها الاجتماعية في الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة، وعدم القيام بأي تصرف يسيء إلى سمعة الدولة، أو أي تصرف يكون من شأنه النيل من سلامة النظام أو تجريحه.

وعلى هذا الأساس فإن كل موظف يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة، وكل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العامة، فإنه يرتكب جريمة تأديبية تستوجب المؤاخذة وتستأهل العقاب.

أما بالنسبة للتظاهر فقد تعاقبت الدساتير المصرية وتواترت نصوصها على الاعتراف بحق الأفراد في حرية الاجتماع، لكن الأمر كان مختلفا بالنسبة إلى حق التظاهر السلمي والسير في المواكب، فدستور سنة 1923 هو أول الدساتير المصرية الذي نص في المادة (30) منه على أن للمصريين حق الاجتماع في هدوء وسكينة غير حاملين سلاحا، ولكن هذا الحكم لا يجري على الاجتماعات العامة، فهي خاضعة لأحكام القانون.

ولما صدر دستور 1930 تضمن النص على حرية الاجتماع في المادة (20)، ونص على الحقوق والحريات التي تضمنها دستور سنة 1923، إلا أن تلك النصوص كانت تقرر المبادئ العامة في شأن الحقوق والحريات وتحيل تنظيمها للقوانين.

ولم ينص الإعلان الدستوري الصادر في 10/2/1953 صراحة على حق التظاهر السلمي ولم ينص أيضا على حرية الاجتماع، وإن كان هذا الحق يستفاد ضمنا من نصوص ذلك الإعلان، خاصة المادة الثالثة منه التي نصت على أن الحرية الشخصية، وحرية الرأي مكفولتان في حدود القانون.

ولما صدر دستور سنة 1956 نصت المادة (46) منه صراحة على أن: " للمصريين حق الاجتماع في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز للبوليس أن يحضر اجتماعاتهم. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون. على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب".

ولم يذكر دستور 1958 حق التظاهر وحق الاجتماع ومعظم الحقوق والحريات التي كان منصوصا عليها في دستور سنة 1956, ونص صراحة على أن الحريات العامة مكفولة في حدود القانون.

ونص دستور سنة 1964 في المادة (37) على أن"للمصريين حق الاجتماع في هدوء، غير حاملين سلاحا، ودون حاجة إلى إخطار سابق. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون".

وقد أكد دستور سنة 1971 على حرية الاجتماع والتظاهر السلمي في حدود القانون.

كما نص الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011 في المادة (16) منه على حرية الاجتماع والتظاهر السلمي في حدود القانون.

ووفقا لأحكام القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن تقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمظاهرات في الطرق العمومية( ) فإن الاجتماعات العامة حرة، والمظاهرات في الطريق حرة أيضا، على أن تكون تلك الممارسة مقيدة بنصوصه، وقد أوجبت الفقرة الأولى من المادة الثانية من هذا القانون على من يريد تنظيم اجتماع عام أن يخطر بذلك المحافظ أو المديرية، فإذا كان يريد عقد الاجتماع خارج مقر المحافظة أخطر سلطة البوليس في المركز، ويكون الإخطار قبل الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل.

وليس في إخضاع المظاهرات لقيدٍ، خروجٌ عن منطق الحرية؛ إذ لا يعدو أن يكون من قبيل الإجراءات الوقائية.

وطبقا للمادة (11) من القانون المذكور فإن الاجتماعات أو المواكب أو المظاهرات التي تقام أو تسير بغير إخطار عنها، أو رغم الأمر الصادر إليها بمنعها، يعاقب الداعون إليها والمنظمون لها وكذلك أعضاء لجان الاجتماعات بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور، وبغرامة لا تتجاوز مئة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يحول تطبيق أحكام هذا النص دون توقيع عقوبة أشد عن الأعمال نفسها مما يكون منصوصا عليه في قانون العقوبات أو في القانون رقم 10 لسنة 1914 الخاص بالتجمهر أو في أي قانون آخر من القوانين المعمول بها.

وخلاصة ما تقدم أن الدستور قد أعلى من شأن الحريات، بما فيها حق الأفراد في التظاهر السلمي، وأباح للمواطنين الحق في التظاهر على أن يتم ممارسة هذا الحق في إطار أحكام القانون الذي يقوم على تنظيمه.

- وحيث إنه يتعين بادئ ذي بدء بيان ما إذا كان إغلاق باب مقر العمل والاعتصام داخل مبنى الوظيفة يعد عملا مباحا أو يشكل مخالفة تأديبية، فالمعروف أن المظاهرة تكون في طريق أو ميدان عام، وأن الاجتماع ينعقد أيضا في مكان أو محل عام، وأن التجمهر لا يكون إلا في طريق أو مكان عام، ومن ثم فإن الاعتصام لا يعد مظاهرة، ولا اجتماعا، ولا تجمهرا، بل هو في حقيقته إضراب، وذلك لانقطاع بعض العاملين عن أداء أعمالهم وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم، دون أن يتخلوا عن تلك الوظائف، وذلك بقصد الإعلان من جانبهم عن احتجاجهم على وضع معين، وهذا المسلك يتنافى مع مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد، ويؤدى إلى إلحاق أفدح الأضرار بالكيان الاجتماعي والاقتصادي بوجه عام، وهو يشكل خروجا عن مقتضيات واجب الوظيفة العامة التي توجب على الموظف أن يكرس كامل وقته لأداء واجبات وظيفته، وممنوع عليه أن يتغيب عن العمل لأي سبب كان إلا بإذن، فإنه ممنوع عليه من باب أولى أن يضرب عن العمل؛ لأن الإضراب فيه معنى التعطيل العمومي للمرفق العام، وقد حرم المشرع الإضراب على جميع العاملين، لا في الحكومة بمعناها الضيق أو الواسع فحسب، بل في جميع المشروعات ذات النفع العام.

ولا يمكن اعتبار توقيع الحكومة المصرية على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلغاءً ضمنيا للنصوص المجرمة للإضراب؛ ذلك لأن الإلغاء الضمني لا يكون إلا حيث يرد كل من النص القديم والنص الجديد على محل واحد يستحيل معه إعمالهما فيه، وفي هذه الحالة يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد ألغى ضمنا التشريع القديم وهو ما لم يحدث للنصوص المجرمة، فضلا عن أن هذه الاتفاقية لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من جانب الدولة بصفتها من أشخاص القانون الدولي بالقيام بعمل منسِّق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها، وقد اشترطت الحكومة لإعمال هذه الاتفاقية أن يكون إعمالها بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم فإن إعمال حق الإضراب على وفق تلك الاتفاقية رهين بوضع القوانين المنظمة له بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وإذ لم تصدر هذه القوانين حتى هذه اللحظة بل أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 12/4/2011 المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، فإن هذا يقطع بأن المشرع المصري تبنى موقفا متشددا إزاء إضراب الموظفين.

وإذ كانت أحكام الشريعة الإسلامية قد استنت قاعدة "درء المفاسد يقدم على جلب المنافع"، وقاعدة "الضرر لا يزال بمثله"، وإذ كان الإضراب يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمتعاملين مع الوحدة المحلية؛ فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك، لا لما فيه من إضرار بالناس فحسب، بل لأنه يعد تمردا على السلطة الرئاسية، فطاعة الرئيس واجبة، فإذا تسرب إلى هذا المبدأ أي خلل فلن يجدي في إصلاح الإدارة أي علاج.

وطاعة المرءوس لرئيسه لا تعني تجريد المرءوس من شخصيته واستقلاله، فلا تثريب على الموظف إن كان معتدا بنفسه وواثقا من سلامة نظره، شجاعا في إبداء رأيه، مادام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار، وما تستوجبه علاقته برئيسه من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك، ومن حق المرءوس أن يبلغ السلطات المختصة بالمخالفات التي تصل إلى علمه حتى لو كان مرتكبها هو رئيسه؛ لأن هذا الإبلاغ هو واجب عليه توخيا للمصلحة العامة، أما الاعتصام والمطالبة باستبعاد الرئيس فهو ليس الوسيلة التي حددها المشرع للإبلاغ عن المخالفات التي يرتكبها الرئيس.

وإذ كان الاعتصام يشكل مخالفة إدارية على النحو المبين سالفا فإن الاعتصام مع احتلال مقر العمل هو أبشع أنواع الجرائم التأديبية، وقد حرم مجلس الدولة الفرنسي هذا المسلك في حكمه الشهير legrand الصادر في 11 فبراير سنة 1961، حيث قرر أنه ليس للمضربين حق احتلال الأماكن الإدارية، لتعارضه مع الغاية من الإضراب بوصفه شكلا من مظاهر التعبير عن الرأي وصورة من صور الاحتجاج على أوضاع معيبة، والذي يجب أن يبعد عن صور التعسف في استعماله.

وحيث إنه عما إذا كان غلق باب مقر العمل لمنع رئيسة الوحدة وبعض العاملين من الدخول لمباشرة أعمالهم يعد مخالفة إدارية تستوجب المؤاخذة وتستأهل العقاب، أم يعد عملا مباحا؟ فإن المادة (375) من قانون العقوبات معدلة بالقانون رقم 24 لسنة 1951 تعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه كل من استعمل القوة أو تدابير غير مشروعة في الاعتداء على حق الغير في العمل، كما تعاقب بالعقوبة نفسها كل من يحرض الغير بأية طريقة على ارتكاب هذه الجريمة، ومن ثم فإن منع رئيسة الوحدة وبعض العاملين من دخول مقر الوظيفة لمباشرتهم أعمال وظائفهم يشكل جريمة جنائية، كما يعد في الوقت نفسه خروجا صارخا عن مقتضيات الوظيفة العامة؛ لأن الموظف مطالب بالتعاون مع زملائه ورئاسته لأن العمل الإداري هو عمل جماعي، ولهذا حرص المشرع على النص على هذا الواجب صراحة في الفقرة السابعة من المادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، ومن بعده قانون الخدمة المدنية، فالتعاون المطلوب من الموظف له جانبان: جانب سلبي من مقتضاه ألا يضع العراقيل في سبيل أداء الزملاء لواجباتهم، والثاني إيجابي: يتمثل في معاونة الرئيس والزملاء والأخذ بيدهم لما فيه صلاح الإدارة، ومن ثم فإن منع العاملين من دخول الوحدة يشكل خروجا صارخا عن مقتضى الواجب الوظيفي، ومسلكا معيبا لا تقره القوانين واللوائح والشرائع الإدارية.

وحيث إنه عما نسب إلى الطاعنين من الأول حتى العاشر من أنهم لم يؤدوا العمل المنوط بهم يومي 13 و16/6/2013، وأنهم سلكوا مسلكا معيبا لا يتفق والاحترام الواجب، بأن اشتركوا في الاعتصام بالوحدة المحلية وأغلقوا باب الوحدة ومنعوا دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة أعمالهم، مما أدى إلى تعطل العمل في هذين اليومين، فإن هذه المخالفة ثابتة في حقهم بما شهد به ... رئيس شئون العاملين، و... نائب رئيس مجلس مدينة أشمون، و... سكرتير الوحدة المحلية بقورص سابقا، وثابتة أيضا باعترافهم.

وحيث إنه عما نسب إلى الطاعنين من الحادي عشر وحتى السادس عشر من اشتراكهم مع الطاعنين من الأول وحتى العاشر في غلق باب الوحدة يوم 16/6/2013 ومنعهم دخول رئيسة الوحدة وبعض العاملين لمباشرة عملهم، مما أدى إلى تعطيل العمل، فإن هذه المخالفة ثابتة في حقهم باعترافهم.

وحيث إن ما نسب إلى الطاعن الأخير من اشتراكه مع الطاعنين من الأول وحتى العاشر في غلق باب الوحدة يوم 13/6/2013 والاعتصام فيها ومنع رئيسة الوحدة وبعض العاملين من الدخول لمباشرة أعمالهم مما أدى إلى تعطيل العمل، فإن هذه الواقعة ثابتة في حقه باعترافه.

وحيث إنه في مجال تقدير العقوبة فإن المحكمة يتبين لها من مطالعة الأوراق والتحقيقات، وما أدلى به السيد/ ... رئيس شئون العاملين أنه لما سأل السيد/ ... عن سبب غلق موظفي مركز المعلومات باب الوحدة وجلوسهم على مقاعد أمام الباب الداخلي لمنع دخول العاملين أجابه: "اللي عجبه يقعد واللي مش عجبه يروح"، ولما كان السيد/ ... هو مدير مركز المعلومات، فإنه كان يجب أن يكون مثالا يحتذى به، لاسيما أنه المسئول عن سير العمل, ومن ثم فإن ما نسب إليه يشكل في حقه خروجا صارخا عن مقتضى الواجب الوظيفي ومسلكا معيبا لا تقره القوانين ولا اللوائح ولا الشرائع الإدارية.

كما تبين للمحكمة مما شهد به السيدان/ ... و... أن السيد/ ... مسئول المتابعة بالوحدة المحلية بقورص هو الذي طلب من العاملين بمركز المعلومات منع رئيسة الوحدة من الدخول يوم 16/6/2013، وهو الذي قام بجذب رئيسة الوحدة من ملابسها من الخلف، وأن زميلته ... قامت بدفعها، مما أدى إلى وقوعها وتعرية ظهرها أمام الجميع، وهو جرم تأديبي يستوجب مؤاخذتهما بالشدة.

وإذ قضى الحكم المطعون فيه بمجازاتهم بعقوبة الإحالة على المعاش فإن هذا الحكم يكون قد صدر صحيحا محمولا على سببه، كما جاءت العقوبة متناسبة تماما مع الجرم المرتكب والثابت في حقهم.

وحيث إنه عن باقي الطاعنين فإن المحكمة حفاظا منها على مستقبلهم الوظيفي؛ فإنها تأخذهم بالرأفة، مراعية في ذلك حداثة عهدهم بالوظيفة العامة.

ولا يغير مما تقدم ذلك الإقرار الذي اعترف فيه السيد/ ... من أنه هو وحده الذي قام بغلق باب الوحدة يوم 13/6/2013 وهو الذي منع رئيسة الوحدة من الدخول؛ ذلك لأن المحكمة لا تطمئن إلى هذا الإقرار, ولا تعول عليه بعد أن أكد الشهود ارتكاب الطاعنين للمخالفات المسندة إليهم.

كما لا ينال مما تقدم أيضا ما أثاره الطاعنون من أن السيدة رئيسة الوحدة المحلية كانت تعاملهم معاملة سيئة وأنها التي دفعتهم لارتكاب هذا الجرم؛ ذلك لأنه كان من المتعين عليهم إبلاغ الجهات المختصة بكل ما ارتكبته من مخالفات، وانتظار نتيجة التحقيق الذي تجريه هذه الجهات، أما الاعتداء عليها وجذبها من ملابسها وتعرية ظهرها فهو فعل لم يكن المقام يقتضيه ولا يبرره.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بتأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة ...، و..., و... بعقوبة الإحالة على المعاش، وبتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بمجازاة باقي الطاعنين بتأجيل ترقيتهم لمدة سنتين من تاريخ استحقاقها.

الطعن 3852 لسنة 50 ق جلسة 14 / 3 / 2015 إدارية عليا مكتب فني 60 ج 1 ق 60 ص 609

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ جمال طه إسماعيل ندا رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ د. عبد الفتاح صبري أبو الليل، وفوزي عبد الراضي سليمان أحمد، وإبراهيم سيد أحمد الطحان، وأحمد جمال أحمد عثمان. نواب رئيس مجلس الدولة 
-------------------- 
1 - دعوى. 
دعوى البطلان الأصلية- طبيعتها، وميعاد رفعها- دعوى البطلان هي أداة لرد الأحكام التي أصابها عوار في مقوماتها عن إنفاذ آثارها القضائية- لا يجوز تطبيق مواعيد الطعن بالاستئناف أو النقض عليها. 

2 - تحكيم. 
قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية (الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994) هو القانون الإجرائي العام في مجال التحكيم الذي يُجرى في مصر- هذا القانون لم يلغِ أحكام التحكيم الواردة في قانون هيئات القطاع العام وشركاته (الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983). 

3 - تحكيم. 
التحكيم الإجباري في منازعات هيئات القطاع العام وشركاته- ميعاد رفع دعوى بطلان أحكام ذلك التحكيم- إزاء عدم وجود نصوص قائمة تنظم قواعد رفع هذه الدعوى، يتعين استصحاب الأحكام المتعلقة بدعوى بطلان أحكام التحكيم المنصوص عليها في قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، بما يتفق ولا يتعارض مع طبيعة التحكيم الإجباري وقواعده. 

4 - تحكيم. 
التحكيم الإجباري في منازعات هيئات القطاع العام وشركاته- طبيعة التحكيم الإجباري تتأبى ووجود اتفاق مسبق بين الطرفين على اللجوء إلى طريق التحكيم، سواء في صورة شرط أو مشارطة تحكيم- لا يبطل حكم التحكيم في المنازعات التي تخضع للتحكيم الإجباري بسبب عدم وجود اتفاق تحكيم. 

5 - تحكيم. 
التحكيم الإجباري في منازعات هيئات القطاع العام وشركاته- طبيعة التحكيم الإجباري تتنافى ووجود اتفاق مسبق بين طرفي النزاع يحدد ضمن ما يحدده القانون الموضوعي الواجب تطبيقه- لا تتقيد هيئة التحكيم عند الفصل في النزاع بقانون معين. 

6 - قطاع عام. 
مناط اعتبار الشركة من شركات القطاع العام- تحول هيئات القطاع العام وشركاته إلى شركات قطاع الأعمال العام- مناط تطبيق القانون رقم 97 لسنة 1983 منذ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 بات محصورا في شركات القطاع العام التي لم يشملها الحلول، وتلك التي صدرت بشأنها أنظمة خاصة. 

7 - هيئة قناة السويس. 
يجوز لها تأسيس شركات مساهمة بمفردها- يصدق على هذه الشركات أنها من شركات القطاع العام، ما لم تشملها أي من القرارات الصادرة بإنشاء أو دمج أو نقل تبعية الشركات القابضة والتابعة الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991. 
------------------- 
الوقائع
في يوم السبت الموافق 17/1/2004 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعن بصفته تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعنا في حكم هيئة التحكيم المشكلة بوزارة العدل الصادر في طلب التحكيم رقم 8 لسنة 2003 بجلسة 20/9/2003، الذي قضى منطوقه: (أولا) برفض الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم ولائيا بنظر الطلب، و(ثانيا) برفض الدفع ببطلان الطلب لعدم توقيعه من محام مختص، و(ثالثا) بإلزام المحتكم ضدها (محافظة السويس) بأداء مبلغ 4738403 جنيهات (أربعة ملايين وسبع مئة وثمانية وثلاثين ألفا وأربع مئة وثلاثة جنيهات) للشركة المحتكمة (شركة .... للمواني والمشروعات الكبرى)، وألزمت المحتكم ضدها المناسب من المصروفات، شاملة أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وطلب الطاعن بصفته -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بوقف تنفيذ حكم التحكيم المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للقضاء بقبوله شكلا، وفى الموضوع ببطلان حكم التحكيم واعتباره كأن لم يكن، وإلزام الشركة المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول دعوى البطلان شكلا، وفي الموضوع ببطلان حكم هيئة التحكيم المطعون فيه فيما قضى به من اختصاصها بنظر الموضوع، والأمر بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسماعيلية) للفصل في موضوع النزاع مع إرجاء البت في المصروفات.

وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 16/6/2014 قررت دائرة فحص الطعون إحالته إلى هذه المحكمة وجرى تداوله أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 13/12/2014 قدم الحاضر عن الشركة المطعون ضدها مذكرة ختامية طلب فيها: (أصليا) الحكم بعدم قبول دعوى البطلان لرفعها بعد الميعاد، و(احتياطيا) برفضها موضوعا، وبالجلسة نفسها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 21/2/2015، وفيها تم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به. 
------------------- 
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة.
- وحيث إنه عن دفع الشركة المطعون ضدها بعدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم المشار إليه لرفعها بعد مرور ستين يوما من تاريخ صدور حكم التحكيم، تأسيسا على أن حكم التحكيم المطعون فيه قد صدر على وفق نظام التحكيم الإجباري المنصوص عليه في قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، والذي خلا من النصوص التشريعية المنظمة لقواعد وإجراءات ومواعيد الطعن ببطلان أحكام التحكيم الصادرة تطبيقا له، مما مؤداه تطبيق قانون المرافعات المدنية والتجارية بحسبانه قانون الإجراءات العام، الذي حدد ميعاد الطعن بطريق الاستئناف بأربعين يوما، وبطريق النقض بستين يوما، من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه.

وحيث إن المادة (66) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 كانت تنص على أن: "تكون أحكام هيئات التحكيم نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن...".

وحيث إن النص المتقدم كان يسبغ على الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم المشكلة على وفق قانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لسنة 1983 (المذكور سالفا) حجية مطلقة، تعصمها من أية قابلية للتصحيح، أيا كانت مدارج البطلان التي أنزلتها إياها تلك العيوب التي لحقت بها، واختصها بمعاملة تحول والطعن عليها بدعوى البطلان أو بأي طريق آخر من طرق الطعن، ممايزا بينها وبين جميع الأحكام القضائية والتحكيمية الأخرى الصادرة على وفق نظام التحكيم الاتفاقي، إلا أنه ولما كان هذا النص قد قضي بعدم دستوريته بموجب الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 95 لسنة 20 القضائية (دستورية) بجلسة 11 من مايو سنة 2003؛ لمخالفته مبدأ المساواة أمام القانون وخضوع الدولة لأحكامه، والمادتين رقمي (40) و(65) من الدستور الذي كان قائما آنذاك، مما كان حريا معه بالمشرع أن يبادر إلى ملء الفراغ التشريعي الذي أنتجه حكم المحكمة الدستورية العليا المذكور سالفا، ويقوم بتنفيذ مقتضاه، وذلك بإصدار تعديل تشريعي لقانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لسنة 1983 المشار إليه، ينظم بموجبه قواعد دعوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة على وِفقه، لاسيما أن هذا التحكيم الإجباري يختلف في طبيعته وشروطه عن التحكيم الاتفاقي الذي ينظمه القانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، كما يختلف من حيث الطبيعة والشروط أيضا عن نظام التحكيم الاتفاقي الذي كان منصوصا عليه في قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 في المواد من (501) إلى (513)، فضلا عن كون هذه المواد قد ألغيت -ومن ثم امتنع قانونا تطبيقها- بموجب نص المادة (الثالثة) من القانون رقم 27 لسنة 1994، إلا أن ذلك لم يحدث حيث لم يصدر المشرع هذا التشريع بعد.

وحيث إن دعوى البطلان تختلف عن طرق الطعن الأخرى العادية وغير العادية؛ بتقدير أنها لا تعد طريقا من طرق الطعن في الأحكام، بل هي أداة لرد الأحكام التي أصابها عوار في مقوماتها عن إنفاذ آثارها القضائية، فمن ثم لا يجوز تطبيق مواعيد الطعن بالاستئناف أو النقض المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية على دعوى البطلان الماثلة.

وحيث إن المادة (الأولى) من مواد الإصدار بالقانون رقم 27 لسنة 1994 المذكور سالفا تنص على أن: "يعمل بأحكام القانون المرافق على كل تحكيم قائم وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى اتفاق تحكيم سبق إبرامه قبل نفاذ هذا القانون".

كما تنص المادة (1) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بهذا القانون على أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النـزاع إذا كان هذا التحكيم يُجرى في مصر، أو كان تحكيما تجاريا دوليا يُجرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون...".

كما تنص المادة (4) منه على أن: "(1) ينصرف لفظ: (التحكيم) في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة...".

وتنص المادة (54) منه على أن: "(1) ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه...".

وحيث إنه في ضوء ما تقدم، ولئن كان حكم التحكيم الطعين قد صدر على وفق نظام التحكيم الإجباري الذي ينظمه قانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لسنة 1983، وذلك على النحو الذي سوف يلي بيانه تفصيلا لدى التعرض للموضوع، إلا أنه -وفى ظل عدم وجود نصوص قائمة تنظم قواعد دعوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة على وفق القانون المذكور سالفا-، فلا مناص في ظل الفراغ التشريعي المشار إليه من استصحاب الأحكام المتعلقة بدعوى بطلان أحكام التحكيم المنصوص عليها بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وتطبيقها على دعاوى بطلان أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم الإجباري على وفق القانون رقم 97 لسنة 1983، وذلك بما يتفق ولا يتعارض مع طبيعة التحكيم الإجباري وقواعده المنصوص عليها في القانون المذكور سالفا؛ وذلك بحسبان أنه بصدور القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية -الذي ألغي بمقتضى المادة (الثالثة) من مواد إصداره مواد التحكيم التي كان يتضمنها قانون المرافعات المدنية والتجارية المذكور سالفا- قد أصبح القانون رقم 27 لسنة 1994 هو القانون الإجرائي العام في مجال التحكيم الذي يجرى في مصر، وفي الوقت نفسه فإن ذلك يعد تطبيقا لمقتضى القاعدة الدستورية التي كشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا المذكور سالفا، التي مفادها "ضرورة المساواة وعدم الممايزة في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها وفى طرق الطعن التي تنتظمها، وأن يكون للحقوق نفسها قواعد موحدة في مجال التداعي بشأنها أو الطعن في الأحكام الصادرة فصلا فيها"، وهو ما يغدو معه إخضاع كلا النظامين القائمين للتحكيم (الإجباري والاتفاقي) للقواعد نفسها فيما يتعلق بدعاوى بطلان الأحكام الصادرة على وفق أي منهما متفقا مع القاعدة الدستورية المذكورة سالفا، ومع ما تمليه قواعد العدالة في ظل الوضع القانوني القائم والنصوص النافذة حاليا.

وحيث إنه بتطبيق ما تقدم، ولما كان الثابت أن الشركة المطعون ضدها قد قامت -على وفق ما أقرت به في مذكرة دفاعها المقدمة أمام هيئة مفوضي الدولة بتاريخ 6/5/2006- بإعلان حكم التحكيم المطعون فيه إلى الجهة الإدارية الطاعنة بتاريخ 25/10/2003، وإذ أقيم الطعن بدعوى البطلان الماثلة بتاريخ 17/1/2004، أي خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم المطعون فيه، فمن ثم تكون دعوى البطلان قد أقيمت خلال الميعاد المقرر قانونا، مما يتعين معه القضاء برفض هذا الدفع.

..........................................................

- وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة قانونا فمن ثم يكون مقبولا شكلا.

وحيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أن الشركة المطعون ضدها كانت قد تقدمت إلى السيد المستشار/ رئيس مكتب التحكيم بوزارة العدل بتاريخ 22/1/2003 بطلب تحكيم، طالبة الحكم (أولا) بإلزام المحتكم ضده (محافظ السويس بصفته) أداء مبلغ 6431675,88 جنيها (ستة ملايين وأربع مئة وواحد وثلاثين ألفا وست مئة وخمسة وسبعين جنيها وثمانية وثمانين قرشا)، بالإضافة إلى الفائدة بواقع 5% من تاريخ المطالبة وحتى السداد. و(ثانيا) التعويض عن العقبات المادية الاستثنائية غير المتوقعة التي أخلت باقتصاديات التعاقد، والتعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالشركة بواقع ثلاثة ملايين جنيه. و(ثالثا) إلزام المحتكم ضده بصفته أداء المصروفات والأتعاب.

وذكرت الشركة المحتكمة شرحا لطلب التحكيم المذكور سالفا إنه بتاريخ 3/7/1988 أصدر وزير التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة قرار التكليف رقم 35 لسنة 1988 متضمنا تكليف الشركة بتنفيذ مشروع التظهير لخور وكورنيش حي الغريب بمدينة السويس وبمدة تنفيذ حددت بثمانية عشر شهرا، وقد تم توقيع عقد بين الشركة المحتكمة والمحتكم ضده بصفته في 1/1/1989 لتنفيذ الأعمال المطلوبة طبقا للمقايسة المقدمة من الشركة، وقامت الشركة المحتكمة بتنفيذ أعمال الكباري أولا، وطلبت مد مدة التنفيذ لتوقف الأعمال بعد شهرين من تاريخ البدء في التنفيذ لعدم وصول كميات كافية من المياه داخل البحيرة عبر المواسير لتعويم وتشغيل الكراكة، وأثناء قيام الشركة المحتكمة بتنفيذ الأعمال محل التكليف صدر قرار التكليف رقم 14 لسنة 1990 في 8/3/1990 وبمقتضاه تم تكليفها بأعمال إضافية لم تكن متضمنة في المقايسة الأصلية، وأضافت أن الجهة الإدارية المحتكم ضدها امتنعت عن صرف كامل مستحقاتها، ورفضت اعتماد فروق الأسعار بالنسبة للخامات، ولم تمنح الشركة أية مدد إضافية على الرغم من تكليفها بأعمال إضافية، فضلا عن توقيعها غرامات تأخير على الشركة دون وجه حق على النحو المبين تفصيلا بطلب التحكيم، وهو ما حداها على تقديم طلب التحكيم بغية الحكم لها بالطلبات المذكورة سالفا.

..........................................................

وتدوول نظر طلب التحكيم على النحو الثابت بمحاضر جلسات هيئة التحكيم المشكَّلة بقرار من وزير العدل طبقا للقانون رقم 97 لسنة 1983، وبجلسة 20 /9/2003 أصدرت هيئة التحكيم حكمها المطعون فيه الذي قضت فيه (أولا) برفض الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم ولائيا بنظر الطلب. و(ثانيا) برفض الدفع ببطلان الطلب لعدم توقيعه من محام مختص. و(ثالثا) بإلزام المحتكم ضدها (محافظة السويس) أداء مبلغ أربعة ملايين وسبع مئة وثمانية وثلاثين ألفا وأربع مئة وثلاثة جنيهات (4738403 جنيها) للشركة المحتكمة (شركة ...... للمواني والمشروعات الكبرى)، وألزمت المحتكم ضدها المناسب من المصروفات شاملة أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.

وقد قضى حكم التحكيم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم ولائيا بنظر طلب التحكيم؛ تأسيسا على أن الشركة المحتكمة تعد من شركات القطاع العام التابعة لهيئة قناة السويس التابعة للدولة، ومن ثم يتم الفصل في أي نزاع بينها وبين أية جهة إدارية كمحافظة السويس عن طريق التحكيم المنصوص عليه في القانون رقم 97 لسنة 1983 في شأن هيئات القطاع العام وشركاته دون غيره، كما قضى برفض الدفع ببطلان طلب التحكيم لعدم توقيعه من محام معتمد تأسيسا على أن طلب التحكيم قد تم توقيعه من الممثل القانوني للشركة المحتكمة ممثلا في رئيس مجلس إدارتها وكذلك من مدير الإدارة القانونية.

وفي شأن موضوع طلب التحكيم شيدت هيئة التحكيم حكمها استنادا إلى المادتين (147) و(148) من القانون المدني؛ بحسبان أن الشركة المحتكمة قد قامت بتنفيذ التزاماتها الأصلية الواردة بالعقد المبرم بينها وبين المحافظة المحتكم ضدها، بالإضافة إلى قيام الشركة بتنفيذ أعمال إضافية والتي فرضتها المحافظة على الشركة وأن الشركة قد أنذرت المحافظة وحددت تاريخ 20/12/1998 لتسلم الأعمال وتسديد مستحقات الشركة إلا أنها لم تحرك ساكنا، وأن قيمة الأعمال المنفذة بلغت في 30/9/1993 (ستة ملايين وسبع مئة وتسعة وثمانين ألفا وسبع مئة وتسعين جنيها)، ولم تحصل الشركة من مستحقاتها لدى الجهة الإدارية سوى على مليونين وواحد وخمسين ألفا وثلاث مئة وسبعة وثمانين جنيها، مما يبقى معه للشركة في ذمة الجهة الإدارية المحتكم ضدها مبلغ (أربعة ملايين وسبع مئة وثمانية وثلاثين ألفا وأربع مئة وثلاثة جنيهات)، وهو ما ألزم الحكم المطعون فيه الجهة الإدارية الطاعنة أداءه للشركة المطعون ضدها، ورفض طلب التعويض باعتبار أن الحكم بإلزام الجهة الإدارية بأداء المبلغ المذكور سالفا يعد تعويضا عادلا للشركة عما أصابها من أضرار مادية وأدبية.

..........................................................

وإذ لم يلق حكم التحكيم المذكور سالفا قبولا لدى الجهة الإدارية الطاعنة، فقد أقامت الطعن الماثل بطريق دعوى البطلان ناعية عليه الآتي:

(أولا) عدم اختصاص التحكيم بنوعيه الإجباري والاتفاقي ولائيا بنظر النزاع، وذلك على سند من القول بأن الشركة المدعى عليها لا تعد من شركات القطاع العام كما ذهب حكم التحكيم المطعون فيه، ومن ثم فلا يخضع النزاع للتحكيم الإجباري المنصوص عليه في القانون رقم 97 لسنة 1983، ما مؤداه عدم اختصاص هيئة التحكيم الإجباري ولائيا بنظر النزاع، وكذلك عدم خضوع النزاع للتحكيم الاتفاقي؛ بحسبان عدم وجود اتفاق تحكيم بين طرفي النزاع.

(ثانيا) عدم وجود اتفاق تحكيم وتطبيق قانون خلاف القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وذلك تأسيسا على عدم وجود اتفاق تحكيم يحدد المسائل التي يتم التحكيم فيها والقانون واجب التطبيق على النزاع، فضلا عن قيام هيئة التحكيم بتطبيق القانون رقم 97 لسنة 1983 بدلا من قانون المناقصات والمزايدات الواجب التطبيق، مما يشوب الحكم التحكيمي بالبطلان طبقا لنص المادة (53) من القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية.

(ثالثا) مخالفة نظام التحكيم الإجباري الصادر على وفقه حكم التحكيم الطعين للنظام العام في جمهورية مصر العربية، وذلك على سند من القول بأنه بصدور القانون رقم 27 لسنة 1994 قد أصبح التحكيم اختياريا وألغى التحكيم الإجباري؛ بحسبان أن التحكيم في ذاته يقوم على اتفاق إرادة طرفي النزاع على اللجوء إليه، ومن ثم يضحى الأخذ بنظام التحكيم الإجباري مخالفا للنظام القضائي والنظام العام داخل جمهورية مصر العربية، مما يصم الحكم الطعين الصادر على وفقه بالبطلان.

..........................................................

وحيث إن المادة (53) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 تنص على أن: "(1) لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية:

(أ) إذا لم يوجد اتفاق تحكيم، أو كان هذا الاتفاق باطلا أو قابلا للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته.

(ب) إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقا للقانون الذي يحكم أهليته.

(ج) إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلانا صحيحا بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.

(د) إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.

(هـ) إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين.

(و) إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق...

(ز) إذا وقع بطلان في حكم التحكيم، أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم.

(2) وتقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية".

وحيث إنه ونظرا -كما سلف القول- لعدم وجود نصوص قانونية قائمة منظمة لدعوى بطلان أحكام التحكيم الإجباري الصادرة على وفق قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، فلا محيص من تطبيق أحكام دعوى البطلان الواردة في قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994؛ بتقدير أن القانون المذكور سالفا قد أصبح القانون الإجرائي العام في مجال التحكيم الذي يُجرى في مصر، وذلك في ضوء إلغائه لمواد التحكيم الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وكون ذلك التطبيق يتفق - في ظل هذا الوضع القانوني- ومبدأ المساواة أمام القانون، ومع ما تقتضيه قواعد العدالة، وذلك على النحو المبين سالفا في هذا القضاء، إلا أنه يتعين في الوقت نفسه أن يكون هذا التطبيق بالقدر الذي يتفق وطبيعة التحكيم الإجباري، وفى غير تصادم مع قواعده المنصوص عليها في قانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لسنة 1983.

- وحيث إنه عن الوجه الأول للنعي بالبطلان على حكم التحكيم المشار إليه، والمتمثل في عدم اختصاص التحكيم بنوعيه الإجباري والاتفاقي ولائيا بنظر النزاع:
وحيث إن المادة (56) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 تنص على أن: "يفصل في المنازعات التي تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركة قطاع عام من ناحية وجهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين في هذا القانون".
وحيث إن مفاد ما تقدم أنه إذا كان الأصل العام في التحكيم أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه، كطريق بديل عن اللجوء إلى القضاء، لفض ما يثار بينهم من منازعات، وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها، إلا أنه ليس هناك ما يحول والخروج على هذا الأصل العام، إذا قامت أوضاع خاصة بخصوم محددين وفي شأن منازعات معينة لها طبيعتها المغايرة لطبيعة المنازعات العادية، وعلى ذلك ونتيجة لسياسة التأميم في حقبة الستينيات، وما ترتب على ذلك من إنشاء مؤسسات وشركات قطاع عام لإدارة الأنشطة التي تضطلع بها وحدات الإنتاج، فقد اتجه المشرع إلى إيجاد آلية لفض المنازعات التي تثار بين هذه الشركات فيما بينها بعضها البعض، أو بين أي منها وغيرها من المؤسسات العامة أو الجهات الحكومية تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه الكيانات، كما تتفق مع حقيقة أن النتيجة النهائية لفض أية منازعة سترتد إلى الذمة المالية للدولة بحسبانها المالكة لهذه الكيانات، فرسم المشرع بقواعد آمرة وجوب أن تلجأ شركات القطاع العام إلى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات المذكورة سالفا، أما عن قواعد وإجراءات هذا التحكيم فقد انتظمتها أحكام قوانين المؤسسات العامة وشركات القطاع العام المتعاقبة بدءا من القانون رقم 32 لسنة 1966، ثم القانون رقم 60 لسنة 1971، وأخيرا القانون رقم 97 لسنة 1983. (في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 95 لسنة 20 القضائية "دستورية" بجلسة 11/5/2003).
وحيث إن مقطع النـزاع في النعي الماثل ينحصر في تحديد ما إذا كانت الشركة المطعون ضدها (شركة ..... للمواني والمشروعات الكبرى) تتمتع بوصف (شركة قطاع عام) وقت أن تقدمت بطلب التحكيم المشار إليه، أم لم تكن كذلك.
وحيث إن المادة (28) من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971، والملغى بموجب القانون رقم 97 لسنة 1983 (المشار إليه)، كانت تنص على أن: "شركة القطاع العام وحدة اقتصادية تقوم على تنفيذ مشروع اقتصادي وفقا لخطة التنمية".
كما كانت المادة (29) منه تنص على أن: "تعتبر شركة قطاع عام:
(1) كل شركة يمتلكها شخص عام بمفرده أو يساهم فيها مع غيره من الأشخاص العامة. (2) .... ويجب أن تتخذ هذه الشركات جميعها شكل الشركة المساهمة".

وحيث إن المادة (18) من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 تنص على أن: "تعتبر شركة قطاع عام:

1- كل شركة يمتلكها شخص عام بمفرده أو يساهم فيها مع غيره من الأشخاص العامة أو مع شركات وبنوك القطاع العام. 2-...".

كما تنص المادة (الأولى) من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام على أن: "يعمل في شأن قطاع الأعمال العام بأحكام القانون المرافق، ويقصد بهذا القطاع الشركات القابضة والشركات التابعة لها الخاضعة لأحكام هذا القانون... ولا تسري أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 على الشركات المشار إليها".

وتنص المادة (الثانية) منه على أن: "تحل الشركات القابضة محل هيئات القطاع العام الخاضعة لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 المشار إليه، كما تحل الشركات التابعة محل الشركات التي تشرف عليها هذه الهيئات وذلك اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون ودون حاجة إلى أي إجراء آخر...".

وتنص المادة (الثالثة) على أن: "تشكل مجالس إدارة الشركات القابضة والشركات التابعة وفق أحكام القانون المرافق خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به...".

وتنص المادة (التاسعة) على أن: "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء تحويل إحدى الهيئات الاقتصادية أو المؤسسات العامة أو شركات القطاع العام المقرر لها أنظمة خاصة إلى شركة قابضة أو شركة تابعة تخضع لأحكام هذا القانون".

كما تنص المادة (40) من قانون شركات قطاع الأعمال العام المشار إليه على أنه: "يجوز الاتفاق على التحكيم في المنازعات التي تقع فيما بين الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الأشخاص الاعتبارية من القطاع الخاص أو الأفراد وطنيين كانوا أو أجانب...".

وحيث إن مفاد ما تقدم من نصوص أن المشرع قد اعتبر أن كل شركة يمتلكها شخص عام سواء بمفرده أم مع غيره من الأشخاص العامة هي (شركة قطاع عام)، تطبق في شأنها أحكام قوانين القطاع العام، حيث حافظ المشرع على النهج نفسه بإضفاء وصف القطاع العام على هذا النوع من الشركات في جميع التشريعات المتعاقبة المنظمة للقطاع العام والمنتهية بالقانون رقم 97 لسنة 1983، كما يستفاد أيضا أنه قبل 19/7/1991 (تاريخ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991) كانت المنازعات التي تقع فيما بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين إحداها وإحدى الجهات الحكومية أو الأشخاص الاعتبارية العامة يتم الفصل فيها عن طريق التحكيم الإجباري دون غيره، وعلى وفق القواعد المنصوص عليها في القانون رقم 97 لسنة 1983، إلا أنه وبمقتضى قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 تحولت هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة، وحلت الشركات التابعة محل شركات القطاع العام التي كانت تشرف عليها تلك الهيئات، وذلك على نحو تلقائي دون حاجة إلى أي إجراء آخر، وبناء عليه صدرت قرارات تشكيل مجالس إدارة الشركات التي ينطبق عليها قانون قطاع الأعمال المذكور سالفا والقرارات المتعلقة بدمج ونقل تبعية بعض هذه الشركات، ومنذ تاريخ العمل به أصبحت الشركات التي تتمتع بوصف (شركات قطاع الأعمال العام) القابضة والتابعة، تخضع لأحكامه، وانحسر عنها تطبيق أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983، كما أصبح اللجوء للتحكيم اختياريا كوسيلة لفض المنازعات التي تقع بين الشركات الخاضعة لأحكامه أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو الأشخاص الطبيعيين.

وحيث إن مفاد ما تقدم أيضا أن مناط تطبيق القانون رقم 97 لسنة 1983 منذ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 قد بات محصورا في شركات القطاع العام التي لم يشملها الحلول المذكور سالفا، ومن ثم لم تخضع للقانون رقم 203 لسنة 1991، وتلك التي صدرت بشأنها أنظمة خاصة، حيث تظل متمتعة بوصفها كشركات قطاع عام خاضعة للأنظمة الصادرة في شأنها، وتطبق عليها أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 فيما لم يرد به نص خاص في تلك الأنظمة، ما لم يصدر قرار عن رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء بتحويلها إلى شركات قطاع أعمال عام، فحينئذ تخضع لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991.

وحيث إنه كان ما تقدم، وبتتبع نشأة الشركة المطعون ضدها واستقراء الأدوات التشريعية الصادرة في شأنها، للوقوف على الوصف القانوني الصحيح لها، وما إذا كان ينطبق عليها قانونا وصف (شركة قطاع عام) من عدمه، يتبين أن المشرع -نتيجة للوضع الخاص لهيئة قناة السويس- قد خولها بموجب قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 124 لسنة 1963 مكنة تأسيس شركات مساهمة بمفردها دون أن يشترك معها مؤسسون آخرون، وفى عام 1974، وبعد موافقة كل من مجلس إدارة هيئة قناة السويس ومجلس الوزراء، أنشئت الشركة المطعون ضدها بموجب قرار رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس رقم 307 لسنة 1974 تحت مسمى (شركة .... لأعمال المواني) شركة مساهمة متمتعة بجنسية جمهورية مصر العربية كإحدى شركات هيئة قناة السويس، ثم عُدِّلَ مُسماها في عام 1988 إلى (شركة ..... للمواني والمشروعات الكبرى)، كما يتبين أيضا أن هذه الشركة قد أنشئت في ظل العمل بقانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام رقم 60 لسنة 1971 الملغى والمشار إليه سالفا.

ولما كان ذلك، وكان الثابت أن الشركة المطعون ضدها هي شركة مملوكة منذ إنشائها وحتى الآن لهيئة قناة السويس بمفردها، وهي أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، إذ تمتلك الهيئة أسهمها بالكامل، مما يقطع بتمتع الشركة المطعون ضدها عند إنشائها بوصف (شركة قطاع عام) كإحدى شركات القطاع العام التي انتظمتها بعد ذلك أحكام قوانين شركات القطاع العام المتعاقبة، وآخرها قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983، حيث يؤكد ذلك أيضا النظام الأساسي للشركة المرافق لقرار إنشائها المذكور سالفا، إذ تنص المادة (18) من هذا النظام على أن: "يختص مجلس إدارة الهيئة بالمسائل التي تتعلق بتعديل نظام الشركة وفقا لأحكام المادة (17) من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971"، (الوقائع المصرية، عدد 227 تابع، الصادر في 5 من أكتوبر 1974).

ولا ينال من ذلك صدور القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، والذي نصت المادة (2) منه على أن: "هيئة قناة السويس هيئة عامة، تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة تخضع لأحكام هذا القانون وحده، ولا تسري في شأنها أحكام القانون رقم 61 لسنة 1963 بإصدار قانون الهيئات العامة، ولا أحكام القانون رقم 60 لسنة 1971 بإصدار قانون المؤسسات العامة..."؛ إذ إن هذا النص يتعلق فقط بهيئة قناة السويس نفسها، حيث أراد المشرع تأكيد خصوصيتها وطبيعتها الخاصة والممايزة بينها وبين سائر الهيئات والمؤسسات العامة، مؤكِّدا خضوعها فقط لأحكام القانون رقم 30 لسنة 1975؛ قطعا لدابر أي التباس أو خلط قد يثار عند تحديد القواعد والأحكام التي تنطبق بشأنها، ولا صلة لذلك بالشركات التابعة لهيئة قناة السويس؛ بحسبان أن القانون رقم 30 لسنة 1975 المذكور سالفا لم يتضمن أي أحكام تتعلق بهذه الشركات حتى يتسنى القول بخضوعها لأحكامه وحده دون غيره من قوانين.

وحيث إنه كان ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الشركة المطعون ضدها لم تكن - في تاريخ العمل بقانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991- ضمن الشركات التي كانت تشرف عليها أي من هيئات القطاع العام التي تشكلت بمقتضى القانون رقم 97 لسنة 1983، ومن ثم فلا ينطبق في شأنها الحلول المنصوص عليه في المادة الثانية من قانون إصدار القانون رقم 203 لسنة 1991 المذكور سالفا، والمتعلق بحلول شركات قطاع الأعمال العام القابضة والتابعة الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 محل هيئات القطاع العام والشركات التي كانت تشرف عليها هذه الهيئات، وحيث إنه لم يشملها كذلك أي من القرارات الصادرة بإنشاء أو دمج أو نقل تبعية الشركات القابضة والتابعة الخاضعة لذلك القانون، مما يستبين منه أن الشركة المطعون ضدها لم يتم تحويلها إلى شركة قطاع أعمال عام، وهو الأمر الذي تأكد واقعيا أيضا بموجب الإفادات الرسمية الصادرة عن الجهات الحكومية المختصة، ومنها الإفادة الصادرة عن مصلحة الضرائب العامة بتاريخ 9/3/2008 والتي أكدت عدم إدراج الشركة ضمن كشف شركات قطاع الأعمال العام الصادر عن وزارة قطاع الأعمال العام، واستمرار الشركة المطعون ضدها كشركة قطاع عام، وهو ما مؤداه استمرار خضوع الشركة المطعون ضدها لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1983؛ بحسبانه القانون الحالي المطبق على ما تبقى من شركات القطاع العام محتفظا بوضعه ووصفه القانوني ولم يتم تحويله إلى شركات قطاع أعمال عام قابضة أو تابعة خاضعة لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991.

وحيث إن النزاع محل التحكيم المطعون فيه قد نشأ بين الشركة المطعون ضدها بوصفها شركة قطاع عام، على النحو المبين سالفا، وإحدى الجهات الحكومية (محافظة السويس)، مما يكون الفصل فيه بطريق التحكيم المنصوص عليه في القانون رقم 97 لسنة 1983 دون غيره، والذي اصطلح على تسميته بنظام (التحكيم الإجباري)، وذلك بواسطة إحدى هيئات التحكيم التي تُشكَّل على وفق هذا القانون.

وإذ كان ذلك، وكان الثابت أن حكم التحكيم المطعون فيه قد صدر عن إحدى هيئات التحكيم بوزارة العدل المشكَّلة على وفق القانون رقم 97 لسنة 1983، والتي أحيل إليها هذا التحكيم بسبب طلب التحكيم المقدم من الشركة المطعون ضدها بتاريخ 22/1/2003 بوصفها شركة قطاع عام، فمن ثم يكون حكم التحكيم المطعون فيه صادرا عن هيئة تحكيم مختصة قانونا، مما يضحى معه هذا الدفع غير سديد متعينا رفضه.

- وحيث إنه عن الوجه الثاني للطعن بالبطلان، والمتعلق بعدم وجود اتفاق تحكيم، وقيام هيئة التحكيم بتطبيق القانون رقم 97 لسنة 1983 بدلا من قانون المناقصات والمزايدات:

وحيث إن التحكيم محل الطعن الماثل هو تحكيم في نزاع نشأ بين إحدى شركات القطاع العام وإحدى الجهات الحكومية، يخضع لأحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لسنة 1983، واللجوء إليه إجباري على النحو المبين سالفا، ولما كانت طبيعة التحكيم الإجباري تتأبى ووجود اتفاق مسبق بين الطرفين على اللجوء إلى طريق التحكيم -سواء في صورة شرط أو مشارطة تحكيم-؛ بحسبانه هو الطريق الوحيد الذي يتعين سلوكه قانونا لفض النزاع، مما يغدو معه هذا السبب من أسباب الطعن بدعوى البطلان الوارد في المادة (53) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، والمتعلق بعدم وجود اتفاق تحكيم، غير ذي محل للتطبيق في مجال التحكيم الإجباري الذي يُجرى على وفق القانون رقم 97 لسنة 1983؛ لتعارضه مع طبيعة التحكيم الإجباري، وتصادمه مع حقيقة كونه الطريق الوحيد لفض النزاعات التي تنشأ بين شركات القطاع العام بعضها وبعض، أو بين إحداها وإحدى الجهات الحكومية أو الأشخاص الاعتبارية العامة.

وحيث إنه كان ما تقدم، ولما كانت طبيعة التحكيم الإجباري تتنافى ووجود اتفاق مسبق بين طرفي النزاع يحدد -ضمن ما يحدده- القانون الموضوعي الواجب تطبيقه على موضوع النزاع على النحو المبين سالفا، وهو ما مؤداه عدم تقيد هيئة التحكيم عند الفصل في النزاع بقانون معين، وإذ كان الثابت أن هيئة التحكيم قد قامت بتطبيق القانون المدني على موضوع النزاع، فمن ثم يكون ذلك في إطار سلطتها المخولة لها قانونا، مما يضحى معه هذا النعي غير سديد ويتعين -والحال كذلك- رفضه.

- وحيث إنه عن الوجه الثالث للنعي بالبطلان، والذي يتمثل في النعي بمخالفة نظام التحكيم الإجباري المنصوص عليه في القانون رقم 97 لسنة 1983، والصادر على وفقه حكم التحكيم الطعين للنظام العام، فإن ذلك مردود عليه بما سلف بيانه مما استقر عليه القضاء من اتفاق نظام التحكيم الإجباري مع النظام العام وعدم تصادمه معه؛ بتقدير أن المشرع عندما خرج على الأصل العام في التحكيم، وهو اتفاق الخصوم على اللجوء إليه، مقررا وجوب أن تلجأ شركات القطاع العام إلى التحكيم دون غيره كوسيلة لفض المنازعات التي تثار فيما بينها بعضها البعض أو بينها من ناحية والجهات الحكومية الأخرى من ناحية أخرى، إنما كان ذلك اتفاقا مع الطبيعة الخاصة لهذه الشركات والمنوط بها إدارة أنشطة وحدات الإنتاج المملوكة للدولة، واتساقا مع حقيقة أن مآل هذه المنازعات سيرتد في كل الأحوال إلى الذمة المالية للدولة، الأمر الذي عُدَّ معه نظام التحكيم الإجباري متفقا مع النظام العام للدولة، بما في ذلك القواعد الدستورية بحسبانها ذروة سنام مفهوم النظام العام.

ولا ينال من ذلك صدور القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية، إذ إن هذا القانون لم يلغِ القانون رقم 97 لسنة 1983، بل ألغى -بموجب المادة الثانية من قانون إصداره- المواد من (501) إلى (513) المتعلقة بالتحكيم، الواردة بقانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968, التي كان التحكيم على وفقها اتفاقيا أيضا وليس إجباريا، كما لم يلغه ضمنيا؛ بحسبان أن أحكام القانون رقم 27 لسنة 1994 إنما تتعلق بتنظيم مسائل التحكيم الاتفاقي وليس الإجباري، ولكل منهما طبيعته وشروطه كما سلف الذكر.

وحيث إنه كان ما تقدم، وإذ تبين عدم تحقق صحة الأسباب التي نعاها الطعن الماثل طعنا بدعوى البطلان على حكم التحكيم الطعين المذكور سالفا، وذلك على النحو الوارد بالأسباب المبينة آنفا، وإذ لم يثبت من الأوراق أن حكم التحكيم المطعون فيه أو إجراءاته قد انطوت على عيب جسيم يمثل إهدارا للعدالة، ويُفقِد الحكم مقوماته القضائية، مما يتعين معه الحكم برفض الطعن.

وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع برفضه، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات. 



عدم دستورية حظر الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة

القضية رقم 24 لسنة 18 ق "دستورية " جلسة 5 / 7 / 1997 
باسم الشعب 
المحكمة الدستورية العليا 
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 5 يوليو سنة 1997 الموافق 30 صفر 1418 هـ . 
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين : نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبدالرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ حمدي أنور صابر أمين السر 
أصدرت الحكم الآتى 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 24 لسنة 18 قضائية "دستورية " 
المقامة من 
السيد / أشرف محمود حفني فرج 
ضد 
1 - السيد / رئيس مجلس الوزراء 
2 - السيد / رئيس مجلس الشعب 
2 - السيد / وزير التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة والإسكان والمرافق 
4 - السيد / المستشار النائب العام 
5 - السيد / محافظ الجيزة 

" الإجراءات " 
بتاريخ 26 مارس سنة 1996، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالباً في ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادتين 16 و 24 فقرة أولي من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء. 
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى 
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها 
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم 

" المحكمة " 
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة 
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أقامت ضد المدعى الجنحة رقم 8195 لسنة 95 جنح الدقى متهمة إياه بأنه امتنع عن تنفيذ القرار الإداري بتصحيح الأعمال المخالفة رغم انتهاء المهلة المحددة له لذلك، وطلبت عقابه بالمواد (4، 11، 1/22، 1/22 مكرراً/1، 23، 24) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983، والمواد ( 11، 12، 16، 1/67، 69) من القانون رقم 30 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمرانى . وبجلسة 11 يناير سنة 1996 دفع المدعى بعدم دستورية المادتين (16، 24) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 28 مارس سنة 1996، ليقدم المدعى ما يدل على رفع الدعوى الدستورية ، فأقام الدعوى الماثلة . 

وحيث إن المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، كانت تنص قبل تعديلها بالقانون رقم 101 لسنة 1996، على أن "يصدر المحافظ المختص أو من ينيبه بعد أخذ رأى لجنة تشكل بقرار منه من ثلاثة من المهندسين المعماريين والمدنيين من غير العاملين بالجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم ممن لهم خبرة لا تقل عن عشر سنوات قراراً مسبباً بإزالة أو تصحيح الأعمال التى تم وقفها وذلك خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ إعلان قرار وقف الأعمال المنصوص عليه في المادة السابقة . 

ومع عدم الإخلال بالمحاكمة الجنائية يجوز للمحافظ بعد أخذ رأى اللجنة المنصوص عليها في الفقرة السابقة التجاوز عن الإزالة في بعض المخالفات التى لا تؤثر على مقتضيات الصحة العامة أو أمن السكان أو المارة أو الجيران، وذلك في الحدود التى تبينها اللائحة التنفيذية . 

وفى جميع الأحوال لايجوز التجاوز عن المخالفات المتعلقة بعدم الإلتزام بقيود الارتفاع المقررة طبقاً لهذا القانون أو قانون الطيران المدنى الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981 أو بخطوط التنظيم أو بتوفير أماكن تخصص لإيواء السيارات. 

وللمحافظ المختص أن يصدر قراره في هذه الأحوال دون الرجوع إلى اللجنة المشار إليها في الفقرة الأولى ". 

وحيث إن المدعى ينعى على المادة (16) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، مخالفتها للمادتين (165، 166) من الدستور اللتين تكفلان استقلال السلطة القضائية وقضاتها، قولاً بأنها تخول الجهة الإدارية أن تزيل المبانى المخالفة أو تأمر بتصحيح مخالفاتها في الوقت الذى يقدم فيه المتهم عن المخالفة ذاتها التى بنى عليها قرار هذه الجهة ، إلى محكمة الجنح مما يعتبر غصباً لسلطة القضاء وتدخلاً في شئونه. 

وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأنه عملاً بنص المادة (4) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، فإن الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في شأن المبانى التى يراد إنشاؤها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها، يعتبر شرطاً لازماً لإجراء هذه الأعمال، تقيداً بمواصفاتها، وضماناً لخضوعها للأصوال الفنية التى يقتضيها تنفيذها وبما يكفل سلامتها، ودون ما إخلال بالقواعد الصحية التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون. 

ومردود ثانياً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها لايجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - في المفاضلة بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها وفق تقديره على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسباً أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التى يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطاً منطقياً بهذه الأغراض- وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقاً للدستور. والمبانى التى يقيمها أصحابها بدون ترخيص، أو نكولاً عن الأسس الفنية لمتانتها والأوضاع التنظيمية التى تفرضها القيم الجمالية والحضارية التى ينبغى أن تهيمن عليها، وتكفل اتساقها مع بعضها البعض، لا تعدو في الأغلب أن تكون عملاً عشوائياً يهدد بتداعيها، أو ينتقص من مقوماتها، بما يخل بأمن سكانها وجيرانهم ويحتم إخلاءها وتلك جميعاً مخاطر تدخل المشرع لتوقيها درءًا لمفاسدها، وبما لا إخلال فيه بالدستور. 

ومردود ثالثاً: بأن الجزاء الجنائى لا يفترض، ولا عقوبة بغير نص يفرضها. وقد حدد قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء حصراً الأفعال التى أثمها، وأحاطها بالجزاء الرادع لضمان مراعاة الأصول الفنية المقررة قانوناً في تصميم أعمال البناء أو تنفيذها أو متابعتها وفق رسوماتها وبياناتها التى منح الترخيص على أساسها؛ وحتم أن تتخذ الجهة الإدارية المختصة في شأن الأعمال التى رصد الموظفون المختصون مخالفاتها، إجراء أولياً أو احتياطياً يتمثل في الأمر بوقفها توقياً لمخاطرها، مع تقرير ما تراه من التدابير لضمان عدم الانتفاع بهذه الأعمال. بيد أن وقفها لا يعتبر حلاً نهائياً لأعطابها؛ ومن ثم خول المشرع المحافظ المختص أو من ينيبه - وعملاً بنص المادة (16) المطعون عليها - أن يصدر في شأن هذه الأعمال قراراً 

لاحقاً بتصحيح عيوبها أو إزالتها وسواء تعلق الأمر بوقفها أو إنهاء مخالفاتها، فالقراران يُعْلَنان لكل ذى شأن فيهما، بعد تحديده ما لتلك الأعمال التى تناولاها، وبيان مآخذها ونطاقها، فلا يكون أمرها مجهلاً. 

ومردود رابعاً: بأن محكمة القضاء الإدارى - وعملاً بنص المادة (18) من القانون - تختص دون غيرها بالفصل في الطعون المقدمة إليها في شأن القرارات الصادرة بوقف أعمال البناء أو إزالتها أو تصحيحها لضمان مشروعيتها وتقويماً لإعوجاجها. وذلك توكيد لاستقلال السلطة القضائية من خلال تسليط أحد فروعها لرقابته القضائية في شأن كل قرار يتعلق بأعمال بناء يدعى مخالفتها لأحكام القانون سواء أكان هذا القرار متعلقاً بوقفها أم بإزالتها أم بتصحيحها. فضلاً عن أن إسناد الاختصاص بنظر هذه الطعون لجهة القضاء الإدارى دون غيرها، إنما يقيمها بوصفها قاضيها الطبيعى عملاً بنص المادة (68) من الدستور. 

ومردود خامساً: بأن المحكمة الجنائية - وعملاً بنص المادة (22 مكرراً/1) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء - لاتتدخل للحكم بتصحيح أو استكمال الأعمال المخالفة أو إزالتها. بما يجعلها متفقة وأحكام القانون، إلا بالنسبة إلى تلك الأعمال التى لم يصدر في شأنها قرار من المحافظ المختص أو من ينيبه سواء بإزالتها أو تصحيحها. وبذلك حدد المشرع لكل من جهة القضاء الإدارى والعادى ولايتها توقياً لتداخلهما. فأولاهما تُنزل حكم القانون في شأن كل قرار يصدر عن جهة الإدارة ، ويكون قائماً في مبناه على مخالفة أعمال البناء لشروطها. وثانيتهما تتناول الدائرة التى ينحسر عنها اختصاص أولاهما، إذ تحقق بنفسها في شأن كل مخالفة لم يصدر بإثباتها قرار مما تقدم، وهى بذلك تقرر وقوعها أو انتفاءها، وتحدد كذلك مداها بعد الاستيثاق من حدوثها وأمر قيام المخالفة المدعى بها أو تخلفها منوط في هاتين الحالتين كلتيهما بالسلطة القضائية ، تتولاه محاكمها على اختلافها. 

وحيث إن المادة (24) المطعون عليها تنص على أن "يعاقب المخالف بغرامة لا تقل عن جنيه ولا تجاوز عشرة جنيهات عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائى للجنة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال وذلك بعد انتهاء المدة التى تحددها الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالمجلس المحلى لتنفيذ الحكم أو القرار. 

وتتعدد الغرامات بتعدد المخالفات ولايجوز الحكم بوقف تنفيذ هذه الغرامة ، ويكون الخلف العام أو الخاص مسئولاً عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائى من إزالة أو تصحيح أو استكمال وتبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ انتقال الملكية إليه وتطبق في شأنه الأحكام الخاصة بالغرامة المنصوص عليها في هذه المادة ". 

وحيث إن المدعى ينعى على المادة (24) المطعون عليها، مخالفتها للمادتين (41، 68) من الدستور من عدة أوجه أولها: أن إيقاع غرامة على المخالف عن كل يوم يمتنع فيه عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائى للجهة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال بعد انتهاء المدة التى تحددها الجهة المختصة بشئون التنظيم لتنفيذ الحكم أو القرار، مؤداه: حجب محكمة الموضوع عن أن تحقق بنفسها قيام المخالفة المدعى بها، أو انتفاءها، وإنشاؤها بالتالى لقرينة قانونية يكون بها العقار محل النزاع مخالفاً. 

ثانيها: أن النص المطعون فيه جعل سريان الغرامة رهناً بعدم تنفيذ الحكم أو القرار الصادر بتصحيح الأعمال أو إزالتها أو استكمالها، مما يصم النص العقابى بالغموض والإبهام. وقد فرض هذا النص كذلك غرامة يومية لايضبطها زمن محدد تنتهى بعده مما يفيد تراميها في الزمان، ويفقدها مقوماتها، ويجعلها كذلك سيفاً مسلطاً من الجهة الإدارية على من صدر ضده القرار. بل إن حكم المادة (24) المطعون عليها يمتد ممن ارتكب الفعل المؤثم إلى خلفه العام أو الخاص وهما غير مسئولين عنه، مما يعتبر إهداراً لشخصية المسئولية الجنائية . 

ثالثها: أن الأصل هو امتناع القصاص بالجزاء أكثر من مرة عن فعل واحد. كذلك لايجوز إيقاع جزاء في غيبة نشاط إجرامى لا يتخذ مظهراً مادياً. بيد أن المشرع جرم بالنص المطعون فيه، الامتناع عن تنفيذ ما قضى به الحكم الجنائى أو ما نص عليه القرار الصادر بتصحيح الأعمال المخالفة أو إزالتها أو استكمالها، منشئاً بذلك جريمة جديدة تتمثل ماديتها في الآثار التى رتبها فعل سابق عُرض أمره من قبل على القضاء، وأصدر فيه حكماً فصلاً. وتلك صورة من إزدواج المسئولية تخل بالحرية الشخصية التى كفل الدستور صونها بنص المادة (41)، وكذلك بالأسس التى تستلهمها كل محاكمة تتم إنصافاً على ما تقضى به المادة (67) من الدستور. 

وحيث إن الدستور إذ نص في المادة (66) على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، قد دل على أن الأصل هو 

أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها - ومن خلال قانون بالمعنى الضيق تقره وفقاً للدستور - تحديد الجرائم وبيان عقوباتها. وليس لها بالتالى أن تتخلى كلية عن ولايتها هذه، بأن تعهد بها بأكملها إلى السلطة التنفيذية ، وإن كان يكفيها وفقاً لنص المادة (66) من الدستور أن تحدد إطاراً عاماً لشروط التجريم وما يقارنها من جزاء ؛ لتٌفَصَّل السلطة التنفيذية بعض جوانبها، فلا يعتبر تدخلها عندئذ في المجال العقابى إلا وفقاً للشروط والأوضاع التى نظمها القانون، بما مؤداه: أن النصوص القانونية وحدها - بعموميتها وانتفاء شخصيتها la Portée generale et impersonnelle -هى التى يدور التجريم معها، ولا يتصور أن ينشأ بعيداً عنها. ولا يعنى ذلك أن للسلطة التنفيذية مجالاً محجوزاً تنفرد فيه بتنظيم أوضاع التجريم، فلا زال دورها تابعاً للسلطة التشريعية ، ومحدداً على ضوء قوانينها، فلا تتولاه بمبادرة منها لا سند لها من قانون قائم. 

وحيث إن غموض النص العقابى مؤداه: أن يجهل المشرع بالأفعال التى أثمها، فلايكون بيانها جلياً، ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً، بل منبهماً خافياً. ومن ثم يلتبس معناها على أوساط الناس الذين لا يتميزون بعلو مداركهم ولايتسمون بإنحدارها، إنما يكونون بين ذلك قواماً، فلايقفون من النصوص العقابية على دلالتها أو نطاق تطبيقها، بل يكون حدسهم طريقاً إلى التخبط في شأن صحيح مضمونها ومراميها، بعد أن أهمل المشرع في ضبطها بما يحدد مقاصده منها بصورة ينحسم بها كل جدل حول حقيقتها، مما يفقد هذه النصوص وضوحها ويقينها، وهما متطلبان فيها، فلا تقدم للمخاطبين بها إخطاراً معقولاً fair notice بما ينبغى عليهم أن يدعوه أو يأتوه من الأفعال التى نهاهم المشرع عنها أو طلبها منهم. وهو مايعنى أن يكون تطبيق تلك النصوص من قبل القائمين على تنفيذها عملاً انتقائياً، محدداً على ضوء أهوائهم ونزواتهم الشخصية ، ومبلوراً بالتالى خياراتهم التى يتصيدون بها من يريدون، فلا تكون إلاشراكاً لا يأمن أحد معها مصيراً، وليس لأيهم بها نذيراً. 

As generally stated , the void - vagueness doctrine requires that a penal statute define the criminal offense with sufficient definiteness that ordinary people can understand what conduct is prohibited and in a manner that does not encourage arbitrary discriminatory enforcement . 

وحيث إن النصوص العقابية فضلاً عن غموضها، قد تتسم بتميعها من خلال اتساعها وانفلاتها. وهى تكون كذلك إذا كانت - بالنظر إلى المعنى المعتاد لعباراتها - لا تنحصر في تلك الأفعال التى يجوز تأثيمها وفقاً للدستور، بل تجاوزها إلى أفعال رخص بها الدستور أو كفل صونها بما يحول دون امتداد التجريم إليها، وهو مايعنى مروقها عن حد الاعتدال وإفراطها في التأثيم، فلا يكون نسيجها إلا ثوباً يفيض عنها، ولا يلئتم وصحيح بنيانها broad and fluid determination . 

وحيث إن من المقرر كذلك، أن وحدة التنظيم القانونى للجرائم التى ارتبط بها الجزاء الجنائى ، لا ينال منها سريان هذا التنظيم في شأن أشخاص يختلفون فيما بينهم بالنظر إلى مضمون إلتزاماتهم التى عاقبهم المشرع على الإخلال بها عقاباً جنائياً، إذ لا يعدو ذلك أن يكون تغايراً في الوقائع التى تقرر الجزاء الجنائى بمناسبتها وليس من شأن تباينها - مضموناً أو أثراً - أن يكون تحديد الجرائم وعقوباتها قد انتقل من المشرع إلى أيديهم. 

Si le contenu des obligations dont la méconnaissance est sanctionnée pénalement peut différer d"un cas a l"autre, cette circonstance, qui concerne la variéte des faits pouvant etre l"occasion de la répression pénale sans altérer l"unité de la définition légale des infractions, des caits Nani pour objet ni pour effet de transférer a des particuliers la détermination des infractions et des peines qui leur sont attachées. .(10 novembre 1982 , Rec . P . 64 82- DC, 195(. 

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض وكذلك على صعيد علاقاتهم بمجتمعاتهم، إلا أن القانون الجنائى يفارقها في اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما لايجوز التسامح فيه اجتماعياً من مظاهر سلوكهم. وشرط ذلك أن يكون الجزاء الجنائى حائلاً دون الولوغ في الإجرام، ملبياً ضرورة أن يتهيأ المذنبون لحياة أفضل، مستلهماً أوضاع الجناة وخصائص جرائمهم وظروفها؛ نائياً بعقابهم عن أن يكون غلواً أو تفريطاً بما يفقد القواعد التى تدار العدالة الجنائية على ضوئها فعاليتها. ويتعين بالتالى أن يكون الجزاء الجنائى محيطاً بهذه العوامل جميعاً وأن يصاغ على ضوئها، فلا يتحدد بالنظر إلى واحد منها دون غيره single - valued approach 

وكلما استقام الجزاء على قواعد يكون بها ملائما ومبررا، فإن إبدال المحكمة الدستورية العليا لخياراتها محل تقدير المشرع في شأن تقرير جزاء أو تحديد مداه، لا يكون جائزاً دستورياً. 

وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون محدداً على ضوء مفهوم ديموقراطى ، مؤداه: ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر صونها مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، وضمانة أساسية تؤمن لكل إنسان تلك الحقوق التى تتكامل بها شخصيته، ويندرج تحتها ألا تكون النصوص القانونية كاشفة بمضمونها أو أثرها عن معاقبتها للشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، إذ لايجوز أن يكون الاتهام الجنائى متلاحقاً، متحيناً الفرص التى يكون فيها مواتياً، منتهياً إلى إدانة أكثر احتمالاً، ليظل المتهم قلقاً مضطرباً، مهدداً من سلطة الاتهام ببأسها ونزواتها، تمد إليه بطشها - ومن خلال مواردها المتجددة - حين تريد، متحملاً بذلك أشكالاً من المعاناة يجهل معها مصيره، فلا يأمن أن تعيده من جديد لدائرة اتهامها توكيداً لسلطانها، ولو استنفد القصاص منه الأغراض التى توخاها. 

وحيث إن الجريمة في مفهومها القانونى تتمثل في الإخلال بنص عقابى ؛ وكان وقوعها لايكون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال؛ وكانت الجريمة الواحدة لاتتعدد أو تنقسم بالفعل الواحد، فقد صار ممتنعاً أن يكون التحرش بالمتهم إيذاء، سياسة جنائية تُؤْمَن عواقبها أو تستمد دوافعها من نصوص الدستور، بل هى في حقيقتها عدوان على الحرية الشخصية التى كفلها، مرتقياً بأهميتها إلى حد إدراجها في إطار الحقوق الطبيعية الأسبق من نشأة الدول بكل تنظيماتها، حتى عند من يقولون بأن عقداً اجتماعياً قد انتظمها مع المقيمين فيها، وأنهم نزلوا لها بمقتضاه عن بعض حقوقهم لتمارسهابما يحقق مصالحهم في مجموعها. 

كذلك فإن امتناع معاقبة الشخص أكثر من مرة عن الجريمة ذاتها، يفترض ألانكون بصدد جريمتين لكل منهما خصائصها، ولوتتابعتا من حيث الزمان، أو كانتا واقعتين في مناسبة واحدة والعبرة عند القول بوجود جريمتين هى بحقيقتهما، لابأوصافهما التى خلعها المشرع عليهما. 

وحيث إن ما ينعاه المدعى من مخالفة الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها للدستور مردود أولاً: بأن إحداث أعمال بناء معيبة جريمة تستقل بأركانها - ماكان منها مادياً أو معنوياً - عن جريمة الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها. فبينما تستنفد الجريمة الأولى موضوعها بعد أن تدخل الجانى إيجابياً ليقيم هذه الأعمال دون تقيد بالنصوص القانونية المعمول بها في شأنها، فإن ثانيتهما تفترض أن يكون الامتناع عن إزالتها أو تصحيحها - بعد إحداثها - نشاطاً سلبياً قصد به الجانى أن يبقيها على حالها دون تغيير، تنصلاً من إعاشتها على ضوء الشروط البنائية المقررة في شأنها، بما يكفل توافقها معها. 

واستقلال هاتين الجريمتين عن بعضهما البعض، مؤداه: أن لكل منهما مقوماتها، فلا يتداخلان، ولا يتبادلان مواقعهما، ولا يعتبر الفصل في أيتهما - بالتالى - قضاء في ثانيتهما. 

ومردود ثانياً: بأن القرائن القانونية - حتى ماكان منها قاطعاً - هى التى يقيمها القانون مقدماً ويعممها، مستنداً في صياغتها إلى ما هو راجح الوقوع في الحياة العملية ، معفياً بها الخصم من التدليل على الواقعة الأصلية مصدر الحق المدعى به، ناقلا إثباتها من هذا المحل إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها لدلالتها، فإذا أثبتها الخصم، اعتبر ذلك إثباتاً للواقعة الأصلية بحكم القانون. ولا كذلك النص المطعون فيه، فليس ثمة واقعة أبدلها المشرع بغيرها لتحل محلها، بل تتحقق جريمة الامتناع عن تصحيح عيوب البناء أو إزالتها، بتوافر أركانها التى لا إعفاء لسلطة الاتهام من إثباتها بكاملها، وإلا كان إخفاقها في التدليل عليها، مبرئاً المتهم منها. 

ومردود ثالثاً: بأن مبدأ شرعية الجرائم وعقوباتها، لا يقتضى لزوماً أن يكون الجزاء الجنائى في شأن الأفعال التى أثمها المشرع محدداً تحديداً مباشراً، بل يكفى أن يتضمن النص العقابى تلك العناصر التى يكون معها هذا الجزاء قابلاً للتحديد، ومٌعَيَّناً بالتالى من خلالها، فلا يكون الجزاء بها منبهماً، ولا مفضياً إلى التحكم، بل قائماً على أسس حدد المشرع سلفاً ركائزها. وهو ما يقع على الأخص كلما ربط النص العقابى بين الغرامة التى فرضها؛ وإهمال المخالفين لقوانين المبانى تصحيح مخالفاتهم أو إزالتها، مُحَدداً مقدارها بقدر المدة التى امتد إليها الإخلال بواجباتهم التى فرضتها تلك القوانين؛ ليكون الحمل على التقيد بها، غاية نهائية للغرامة التى يقتضيها، وليس لازماً بالتالى -ومن منظور هذا السياق- أن يكون مقدارها واقعاً في إطار حدين يكون أدناهما وأقصاهما مقررين سلفاً، ليحدد القاضى مبلغها فيما بينهما، بل يجوز أن يتخذ المشرع معياراً لضبطها يكون به مبلغها محدداً على ضوء المدة التى استغرقها الامتناع عن تصحيح الأعمال المخالفة لقوانين توجيه وتنظيم أعمال البناء، أو إزالتها. 

ومردود رابعاً: بأن الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها تفترض أن حكماً قضائياً أو قراراً نهائياً قد صدر في شأن المخالفين لقوانين المبانى ، متضمناً إلزامهم تصحيح مخالفاتهم أو إزالتها، وأن هؤلاء قد امتنعوا عن تنفيذ هذا الحكم أو القرار خلال المدة التى حددتها لذلك الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالمجلس المحلى ، وتقدير هذه الجهة لتلك المدة ، يفترض كفايتها وتعلقها بأعمال بناء تم رصد مخالفاتها، بما مؤداه: أن دورها لا يجاوز تقديراً موضوعياً لزمن تقويمها، ولا يتضمن عدواناً من جهتها على الولاية التى أثبتها الدستور للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتحديد عقوباتها. 

ومردود خامساً: بأن ما تغياه المشرع من أن يكون مقدار الغرامة التى فرضها محدداً بما لا يقل عن جنيه ولا يزيد على عشرة جنيهات عن كل يوم من أيام الامتناع عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار بعد انتهاء المدة التى حددتها الجهة الإدارية لهذا الغرض، هو أن يكون مبلغها متناسباً مع خطورة الأفعال التى تلابس توقيعها، كافلاً خاصية الردع التى ينبغى أن تلازمها من خلال التصاعد بمبلغها بقدر إصرار المتهم على أن يظل البناء معيباً. 

ومردود سادساً: بأن لكل ذي شأن أن ينازع في ادعاء الجهة الإدارية عيباً بالأعمال التى أحدثها، وكذلك في مقدار المدة التي حددتها لعلاجها، والفصل في هذا النزاع عائد إلى محكمة الموضوع التي تستقل بتقدير العناصر التي قام عليها، فلا تعتمد منها غير ما تراه حقاً على ضوء قناعتها. 

وحيث إن طلب المدعى الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (24) المطعون عليها مع الحكم بسقوط باقى فقراتها، مؤداه: اتساع هذا الطعن لكافة أحكامها بما في ذلك فقرتها الثانية التى لا تجيز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة التي قررتها الفقرة الأولى . 

وحيث إن قضاء هذه المحكمة ، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه: أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل- أياً كانت الأغراض التي يتوخاها- مؤداه: أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية ، مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقررة قانوناً فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها. 

وحيث إن السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة ، فرع من تفريدها؛ وكان التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية ، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة ، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وكان إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي ، ينافى ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها؛ فإن سلطة تفريد العقوبة -ويندرج تحتها الأمر بإيقافها- هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بهما اتصال قرار. 

وحيث إن من الثابت كذلك، أن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتباره كافلاً عدالتها، ميسراً تحصيلها، حائلاً دون أن تكون وطأتها على الفقراء أثقل منها على الأغنياء ؛ وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها، وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بالفقرة الثانية من المادة (24) المطعون عليها، فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية ، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية ، تقدير العقوبة التى تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون موضوعية تطبيقها. 

A constitutional prerequisite to the proportionate imposition of penalty. 

وحيث إن من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها، مرتبطان بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها أو يرجح أن يترتب عليها من ضرر؛ وكان ما تنص عليه الفقرة الثالثة من المادة (24) المطعون عليها من اعتبار الخلف العام أو الخاص مسئولاً عن تنفيذ ما قضى به الحكم أو القرار النهائي من تصحيح الأعمال المعيبة أو إزالتها، على أن تبدأ المدة المقررة للتنفيذ من تاريخ انتقال الملكية إليه، مؤداه: ألا يكون مسئولاً عن تقويم هذه الأعمال إلا إذا كان قد تملكها ميراثا؛ أو تلقاها بالعقد من سلفه، بما مؤداه: أن مناط مسئوليته الجنائية عنها، أن يكون قد صار مهيمناً عليها، متصلاً بها، مباشراً في شأنها تلك السيطرة القانونية التي يملك بها ناصيتها، ولا يكون ذلك إلا إذا غدا زمامها بيده من خلال انتقال سند ملكيتها إليه، فإذا أبقى بعدئذ مخالفاتها على حالها، ولم يبادر إلى درء مخاطرها استصحاباً لسوءاتها - وأكثرها يكون فادحا- فإن مقابلة هذا الامتناع بالغرامة المتصاعد مبلغها للحمل على تقويم هذه الأعمال ورد إعوجاجها، لا يكون مخالفاً للدستور. 

فلهذه الأسباب 

حكمت المحكمة : 

أولاً: بعدم دستورية ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (24) من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976من عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة وبسقوط ما يتصل بهذا النص من أجزاء فقرتها الثالثة . 

ثانياً: برفض ماعدا ذلك من طلبات 

ثالثاً: بإلزام المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .