جلسة 5 من يونيه سنة 1977
برياسة السيد المستشار
حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه،
ويعيش محمد رشدي، ومحمد محمد وهبه، وأحمد طاهر خليل.
------------
(143)
الطعن رقم 1315 لسنة 46
القضائية
(1)قانون.
"القانون الأصلح. تطبيقه. سريانه من حيث الزمان". دعوى جنائية.
"قيود تحريكها".
قاعدة سريان القانون
الأصلح. مجال سريانها القواعد الموضوعية. دون الإجرائية. الإجراء يظل خاضعاً
للقانون الساري وقت صدوره. رفع الدعوى الجنائية في ظل قانون لا يعلق رفعها على طلب
أو إذن. صدور قانون يوجب ذلك. لا أثر له في صحة إجراءاتها
(2) استيراد. جريمة
"أركانها".
استيراد الأفراد للسلع
بقصد الإتجار. دون مراعاة الشرط المقرر. مؤثم. سواء في ظل القانون رقم 95 لسنة
1963 أو في ظل القانون 118 لسنة 1975 الذي حل محله.
تقدير أن الاستيراد للإتجار.
موضوعي. ما دام سائغاً.
للأفراد الحق في استيراد
احتياجاتهم من السلع لاستعمالهم الشخصي أو الخاص من مواردهم الخاصة. مباشرة أو عن
طريق التغير. طبقاً للقرارات التي تصدر من وزير التجارة.
(3)قانون. "قانون أصلح". استيراد. عقوبة. "تطبيقها".
القانون رقم 118 لسنة
1975. بما تضمنه من عقوبات. يعتبر أصلح للمتهم من القانون رقم 95 لسنة 1963 في شأن
الاستيراد والتصدير.
--------------------
1 - لما كان الثابت أن
الدعوى الماثلة قد رفعت من قبل صدور القانون الجديد رقم 118 لسنة 1975 في شأن
الاستيراد والتصدير، ومن ثم فلا يسرى عليهما ما ورد بنص المادة 15 منه من عدم جواز
رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء في الجرائم المذكورة فيه إلا بناء على طلب
كتابي من وزير التجارة أو من يفوضه لما هو مقرر من أحكام المادة الخامسة من قانون
العقوبات لا تسرى إلا بالنسبة للمسائل الموضوعية دون القواعد الإجرائية، إذ الأصل
أن الإجراء الذي يتم صحيحاً في ظل قانون معمول به يبقى صحيحاً وخاضعاً لأحكام هذا
القانون. ولما كان القانون المطبق رقم 95 لسنة 1963 في شأن تنظيم الاستيراد – الذي
يحكم واقعة الدعوى وتم رفعها في ظله – قد خلا من نص مماثل للنص الوارد في المادة
15 من القانون الجديد رقم 118 لسنة 1975 بشأن الطلب المشار إليه، فإن تمسك الطاعن
بأحكام هذا النص يكون غير سديد.
2 - أن ما يتحدى به
الطاعن من أن السلع التي استوردها مسموحاً للأفراد باستيرادها بعد صدور القانون
الجديد، بل ومنذ صدور القانون رقم 137 لسنة 1974 ببعض الأحكام الخاصة بالاستيراد
والتصدير والنقد، في غير محله ما دام الحكم قد أثبت – أن فعل الاستيراد قد وقع من
الطاعن بقصد الإتجار، ذلك بأنه وإن كان القانون رقم 137 لسنة 1974 الذي لا يزال
معمولاً به وقنن الإجراءات التي اتخذت من قبل في سبيل تحقيق سياسة الانفتاح
الاقتصادي بصدور قرار وزير المالية رقم 64 لسنة 1974 بشأن تطوير السوق الموازية
للنقد الذي بقى بدوره قائماً، وبصدور قراري وزير التجارة الخارجية رقمي 73 لسنة
1974 بالإجراءات التنفيذية لهذا القرار و286 لسنة 1974 بشأن السلع المسموح
بتوريدها إلى البلاد تطبيقاً للقرار ذاته – قد أجاز في المادة الأولى منه السماح
للأفراد ووحدات القطاع الخاص بالاستيراد من الخارج في نطاق السوق الموازية وفقاً
للشروط والأوضاع التي تحددها القواعد المنظمة لها على أن يصدر وزير التجارة قراراً
بالقواعد والإجراءات التي تنظم عمليات الاستيراد المشار إليها كما أجاز في الفقرة
الأولى من المادة الثانية منه للمصرين الحائزين على موارد بالنقد الأجنبي تدخل في
نطاق السوق الموازية أن يقوموا باستخدامها في الاستيراد العيني للسلع التي يصدر
بها قرار من وزير المالية والتجارة، إلا أنه لم يبح – لا هو، ولا القانون رقم 118
لسنة 1975 اللاحق عليه – للأفراد استيراد السلع تلقائياً دون طلب، بصفة مطلقة –
ولو كان ذلك بقصد الإتجار – ذلك بأن القانون رقم 137 لسنة 1974 لم ينص على إلغاء
القانون المطبق رقم 95 لسنة 1963 الذي يؤثم هذا الفعل متى توافر ذلك القصد، وإنما
اقتصر على النص في المادة الرابعة منه على إلغاء كل حكم يخالف أحكامه فحسب، ولا
يوجد ثمة تعارض بين أحكامه وبين استمرار بقاء الفعل المذكور مؤثماً بالقانون
المطبق. يؤيد ذلك أن القانون رقم 118 لسنة 1975 – الذي حل محل القوانين أرقام 9
لسنة 1959 في شأن الاستيراد و202 لسنة 1959 في شأن التصدير و15 لسنة 1963 المطبق –
إنما صدر لتأكيد المدى الذي حققته سياسة الانفتاح. بل وللانطلاق إلى الأمام بشكل
أكثر مرونة ومع ذلك فقد صرح في الفقرة الأولى من المادة الأولى بأن يكون استيراد
احتياجات البلاد السلعية عن طريق القطاعين العام والخاص، وبأن للأفراد حق استيراد
احتياجاتهم للاستعمال الشخصي أو الخاص، وذلك مباشرة أو عن طريق الغير على أن يصدر
وزير التجارة قراراً بتحديد الإجراءات والقواعد التي تنظم عمليات الاستيراد، وفرض
في المادة 15 منه العقاب على مخالفة أحكام المادة الأولى أو القرارات المنفذة لها.
وقد تردد هذا المعنى في الباب الأول من اللائحة التنفيذية لهذا القانون – الصادر
بها قرار وزير التجارة رقم 1336 لسنة 1975 – التي خصصت في ذلك الباب للاستيراد
فصلين رصدت أولهما لعموم استيراد احتياجات البلاد السلعية ونصت فيه على أن تشكل
لجنة مشتريات بالوكالة التجارية بشركة مصر للاستيراد والتصدير تختص بالنظر في
احتياجات القطاع الخاص والقطاع الحرفي ولجنة مشتريات أخرى بوزارة السياحة تختص
بالنظر في احتياجات القطاع الخاص السياحي، وعلى أن تلتزم كافة لجان المشتريات بقيد
جميع شركات القطاع العام التجارية بسجلات الموردين، وعلى أن تقدم العطاءات إلى
لجان المشتريات المختصة من شركات القطاع العام التجارية أو من وكيل تجاري مصري
مقيد بسجل الوكلاء التجاريين أو من شركة قطاع عام مقيدة بالسجل التجاري ومن ضمن
نشاطها الاستيراد، وعلى أن تقدم العطاءات الخاصة بالاستيراد بطرق معينة ذكرت
تحديداً. بينما عقدت الفصل الثاني من الباب المذكور لخصوص استيراد السلع للاستعمال
الشخصي أو الخاص دون الإتجار، وأبانت فيه أن للأفراد استيراد احتياجاتهم للاستعمال
الشخصي أو الخاص من مواردهم الخاصة وتفرج عنها الجمارك مباشرة بالشروط المبينة
تفصيلاً في المادة 15. ثم أصدر وزير التجارة القرار رقم 227 لسنة 1976 – بناء على
كل من القانون رقم 137 لسنة 1974 والقانون رقم 118 لسنة 1975 ولائحته التنفيذية
وعلى قرار وزير المالية رقم 64 لسنة 1974، وذلك حسبما يبين من مطالعة ديباجته –
ونص في المادة الأولى منه على تشكيل لجنة للبت في توريد البضائع وطلبات الاستيراد،
كما نص في الفقرة ( أ ) من المادة الثانية منه على أنه "يجوز للمصرين
الحائزين على موارد بالنقد الأجنبي تدخل بطبيعتها ضمن موارد السوق الموازية للنقد
أن يقوموا بتحويلها إلى البلاد في شكل عيني فيما عدا السلع المرفقة بالكشف رقم
(1)" ثم نص في المادة الثامنة منه على أن "يفرج عن طريق الجمارك مباشرة
عن السلع التي ترد طبقاً للمادة (2) فقرة (أ) من هذا القرار التي لا تجاوز قيمتها
وقت التعاقد ما يعادل خمسة آلاف جنيه مصري بالعملة الحرة وبالسعر الرسمي بعد اتخاذ
الإجراءات الجمركية. وفي حالة تجاوز القيمة المشار إليها يعرض الأمر على اللجنة
المشار إليها في المادة (1) من هذا القرار.." وقد وردت هذه النصوص على غرار
المواد 1 فقرة (أ) و2 و8 من قرار وزير التجارة السابق رقم 73 لسنة 1974، بل ومع
توسع أكثر في أنواع السلع المسموح باستيرادها من الموارد الخاصة، ومؤدى ذلك كله أن
الإفراج المباشر عن السلع كان – رغم صدور القرارات الخاصة بتحقيق سياسة الانفتاح
الاقتصادي – ولم يزل مقصوراً على حالة استيرادها للاستعمال الشخصي أو الخاص، وأن
ذلك لا يتعارض البتة مع حظر استيراد الأفراد للسلع تلقائياً بقصد الإتجار – وهو
الفعل المؤثم في القانون المطبق رقم 95 لسنة 1963 كما سلف القول، والذي ظل مؤثماً
من بعده كذلك بصريح نصوص القانون رقم 118 لسنة 1975 الذي حل محله ولائحته
التنفيذية.
3 - إن العقوبة المقررة
في القانون رقم 118 لسنة 1975 للجريمة التي دين بها الطاعن أخف من تلك الواردة
بالقانون المطبق رقم 95 لسنة 1963، ذلك بأنها – في المادة الثالثة من القانون
المطبق – إنما هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه
أو إحدى هاتين العقوبتين علاوة على تعويض لا يقل عن 20% من قيمة المضبوطات ولا
يجاوز 50% من قيمتها وعلى الحكم بمصادرة السلع موضوع الجريمة أو بتعويض يعادل
ثمنها إذا لم يتيسر مصادرتها بينما هي في المادة 15 من القانون الجديد غرامة –
فحسب – لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه علاوة على الحكم بمصادرة السلع
موضوع الجريمة، ومن ثم فإن القانون الجديد يعد – من هذه الوجهة فقط – قانوناً أصلح
للطاعن، وكان على الحكم المطعون فيه إتباعه دون غيره في هذا الخصوص عملاً بنص
الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات – لأنه صدر بعد وقوع الفعل
وقبل 12 من يونيه سنة 1976 – تاريخ صدور الحكم المطعون فيه – أما والحكم لم يفعل
فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه استورد البضائع المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والتي لها الصفة
التجارية من خارج جمهورية مصر العربية بقصد الاتجار فيها حالة كون استيراد السلع
بقصد الاتجار مقصوراً على شركات القطاع العام أو تلك التي يساهم فيها القطاع
العام. وطلبت عقابه بالمواد 5 و13 و121 و122 و124 من القانون رقم 66 لسنة 1962
والمادتين 1 و3 من القانون رقم 95 لسنة 1963 والمادتين 45 و47 من قانون العقوبات.
وادعت مصلحة الجمارك مدنياً قبل المتهم بتعويض جمركي. ومحكمة النزهة الجزئية قضت
غيابياً عملاً بمواد الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات بتغريم المتهم خمسمائة
جنيه وتعويض جمركي قدره 1193 ج و940 م وتعويض للخزانة قدره 400 ج. عارض، وقضى في
معارضته بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم المعارض فيه. استأنف، ومحكمة
القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى
الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الأستاذ....... المحامي عن المحكوم
عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 27 أبريل سنة 1975 قضت محكمة النقض بقبول
الطعن شكلاً وفى الموضوع (أولاً) بنقض الحكم المطعون فيه وبانقضاء الدعوى الجنائية
للتصالح بالنسبة لجريمة الشروع في التهريب موضوع التهمة الأولى (ثانياً) بنقض
الحكم المطعون فيه بالنسبة لجريمة الاستيراد موضوع التهمة الثانية وإحالة القضية
إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى.
ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت في الدعوى من جديد حضورياً
بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن
الأستاذ...... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن
الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة استيراد سلع من خارج الجمهورية بقصد
الاتجار، قد انطوى على قصور في التسبب وخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن السلع
المستوردة تدخل في الحدود المصرح باستيراد السلع فيها للاستعمال الشخصي وفقاً
للقرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن – إذ هي زهيدة القيمة وأغلبها من مستلزمات
الحياكة التي يمتهنها الطاعن – ومن ثم ينحسر عنه قصد الاتجار. ورغم أن الطاعن قد
أوضح مهنته في محضر الضبط وقال أن معظم السلع المستوردة لازمة لعمله كما قدم إلى
المحكمة المستندات الخاصة بتلك المهنة، فإن الحكم لم يعن بتمحيص هذا الدفاع ولم
يرد عليه بما يفنده. هذا إلى أن القانون الجديد رقم 118 لسنة 1975 في شأن
الاستيراد والتصدير – الذي صدر بعد وقوع الفعل وقبل صدور الحكم المطعون فيه، وحل
محل القانون المطبق رقم 95 لسنة 1963 في شأن تنظيم الاستيراد الذي رفعت الدعوى
وفقاً لأحكامه – يعد قانوناً أصلح للطاعن من القانون المطبق، في حكم الفقرة
الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات، من وجوه (أولها) أنه ورد بنص المادة
15 من القانون الجديد أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء في
الجرائم المذكورة فيه إلا بناء على طلب كتابي من وزير التجارة أو من يفوضه، وهو ما
لم يتحقق في الدعوى الماثلة (وثانيها) أن السلع التي استوردها الطاعن أصبح مسموحاً
للأفراد باستيرادها بعد صدور القانون الجديد بل ومنذ صدور القانون رقم 137 لسنة
1974 ببعض الأحكام الخاصة بالاستيراد والتصدير والنقد (ثالثها) أن العقوبة المقررة
في القانون الجديدة للجريمة التي دين بها الطاعن أخف من تلك الواردة بالقانون
المطبق.
حيث إن البين من واقع
السلع المفصلة بكشف المضبوطات الذي أحال إليه الحكمان، الابتدائي المؤيد لأسبابه
والمطعون فيه المكمل له، والمرفق بمحضر ضبط الواقعة في المفردات المضمومة أن ما
أورده الحكمان من أن في نوعية هذه السلع التي استوردها الطاعن وكمياتها ما يسبغ
عليها صفة الاتجار، إنما هو استخلاص موضوعي سائغ يكفي لإطراح دفاع الطاعن بأن
الاستيراد كان بقصد الاستعمال الشخصي أو الخاص دون الاتجار، ويحمل الرد الضمني –
في الوقت ذاته على مستنداته الخاصة بمهنته، ما دام الثابت من ذلك الكشف أن تلك
السلع قد وردت بأعداد هائلة وأوزان ضخمة والغالب الأهم منها منبت الصلة تماماً
بمستلزمات الحياكة التي يمتهنها الطاعن، ومن ثم فإن ما يثيره – سواء بصدد قصد
الاتجار أو في خصوص مستنداته سالفة البيان – يكون على غير أساس. لما كان ذلك وكان
الثابت أن الدعوى الماثلة قد رفعت من قبل صدور القانون الجديد رقم 118 لسنة 1975
في شأن الاستيراد والتصدير، ومن ثم فلا يسرى عليها ما ورد بنص المادة 15 منه من
عدم جواز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء في الجرائم المذكورة فيه إلا بناء
على طلب كتابي من وزير التجارة أو من يفوضه لما هو مقرر من أن أحكام المادة
الخامسة من قانون العقوبات لا تسرى إلا بالنسبة للمسائل الموضوعية دون القواعد
الإجرائية، إذ الأصل أن الإجراء الذي يتم صحيحاً في ظل قانون معمول به يبقى صحيحاً
وخاضعاً لأحكام هذا القانون. ولما كان القانون المطبق رقم 95 لسنة 1963 في شأن
تنظيم الاستيراد – الذي يحكم واقعة الدعوى وتم رفعها في ظله – قد خلا من نص مماثل
للنص الوارد في المادة 15 من القانون الجديد رقم 118 لسنة 1975 بشأن الطلب المشار
إليه، فإن تمسك الطاعن بأحكام هذا النص يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان ما يتحدى
به الطاعن من أن السلع التي استوردها أصبح مسموحاً للأفراد باستيرادها بعد صدور
القانون الجديد، بل ومنذ صدور القانون رقم 137 لسنة 1974 ببعض الأحكام الخاصة
بالاستيراد والتصدير والنقد، في غير محله ما دام الحكم قد أثبت – على ما سلف القول
– إن فعل الاستيراد قد وقع من الطاعن بقصد الاتجار، ذلك بأنه وإن كان القانون رقم
137 لسنة 1974 الذي لا زال معمولاً به وقت الإجراءات التي اتخذت من قبل في سبيل
تحقيق سياسة الانفتاح الاقتصادي بصدور قرار وزير المالية رقم 64 لسنة 1974 بشأن
تطوير السوق الموازنة للنقد الذي بقى بدوره قائماً، وبصدور قراري وزير التجارة
الخارجية رقمي 73 لسنة 1974 بالإجراءات التنفيذية لهذا القرار 286 لسنة 1974 بشأن
السلع المسموح بتوريدها إلى البلاد تطبيقاً للقرار ذاته – قد أجاز في المادة
الأولى منه السماح للأفراد ووحدات القطاع الخاص بالاستيراد من الخارج في نطاق
السوق الموازية وفقاً للشروط والأوضاع التي تحددها القواعد المنظمة لها على أن
يصدر وزير التجارة قراراً بالقواعد والإجراءات التي تنظم عمليات الاستيراد المشار
إليها كما أجاز في الفقرة الأولى من المادة الثانية منه للمصريين الحائزين على
موارد بالنقد الأجنبي تدخل في نطاق السوق الموازية أن يقوموا باستخدامها في
الاستيراد العيني للسلع التي يصدر بها قرار من وزيري المالية والتجارة، إلا أنه لم
يبح – لا هو، ولا القانون رقم 118 لسنة 1975 اللاحق عليه – للأفراد استيراد السلع
تلقائياً دون طلب، بصفة مطلقة – ولو كان ذلك بقصد الاتجار – ذلك بأن القانون رقم
137 لسنة 1974 لم ينص على إلغاء القانون المطبق رقم 25 لسنة 1963 الذي يؤم هذا
الفصل متى توافر ذلك القصد، وإنما اقتصر على النص في المادة الرابعة منه على إلغاء
كل حكم يخالف أحكامه فحسب ولا يوجد ثمة تعارض بين أحكامه وبين استمرار بقاء الفصل
المذكور مؤثماً بالقانون المطبق. يؤيد ذلك أن القانون رقم 118 لسنة 1975 - الذي حل
محل القوانين أرقام 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد و203 لسنة 1959 في شأن التصدير
و95 لسنة 1963 المطبق – إنما صدر لتأكيد المدى الذي حققته سياسة الانفتاح، بل
وللانطلاق إلى الأمام بشكل أكثر مرونة ومع ذلك فقد صرح في الفقرة الأولى من المادة
الأولى منه بأن يكون استيراد احتياجات البلاد السلعية عن طريق القطاعين العام
والخاص، وبأن للأفراد حق استيراد احتياجاتهم للاستعمال الشخصي أو الخاص من مواردهم
الخاصة وذلك مباشرة أو عن طريق الغير على أن يصدر وزير التجارة قراراً بتحديد
الإجراءات والقواعد التي تنظم عمليات الاستيراد، وفرض في المادة 15 منه العقاب على
مخالفة أحكام المادة الأولى أو القرارات المنفذة لها. وقد تردد هذا المعنى في
الباب الأول من اللائحة التنفيذية لهذا القانون – الصادر بها قرار وزير التجارة
رقم 1236 لسنة 1975 – التي خصصت في ذلك الباب للاستيراد فصلين وصدرت أولهما لعموم
استيراد احتياجات البلاد السلعية ونصت فيه على أن تشكل لجنة مشتريات بالوكالة
التجارية بشركة مصر للاستيراد والتصدير تختص بالنظر في احتياجات القطاع الخاص
والقطاع الحرفي ولجنة مشتريات أخرى بوزارة السياحة تختص بالنظر في احتياجات القطاع
الخاص السياحي، وعلى أن تلتزم كافة لجان المشتريات بقيد جميع شركات القطاع العام
التجارية بسجلات الموردين، وعلى أن تقدم العطاءات إلى لجان المشتريات المختصة من
شركات القطاع العام التجارية أو من وكيل تجاري مصري مقيد بسجل الوكلاء التجاريين
أو من شركة قطاع عام مقيدة بالسجل التجاري ومن ضمن نشاطها الاستيراد، وعلى أن تقدم
العطاءات الخاصة بالاستيراد بطرق معينة ذكرت تحديداً، بينما عقدت الفصل الثاني من
الباب المذكور بخصوص استيراد السلع للاستعمال الشخصي أو الخاص دون الاتجار، وأبانت
فيه أن للأفراد استيراد احتياجاتهم للاستعمال الشخصي أو الخاص من مواردهم الخاصة
وتفرج عنها الجمارك مباشرة بالشروط المبينة تفصيلاً في المادة 15، ثم أصدر وزير
التجارة القرار رقم 227 لسنة 1976 – بناء على كل من القانون رقم 137 لسنة 1974
والقانون رقم 118 لسنة 1975 ولائحته التنفيذية وعلى قرار وزير المالية رقم 64 لسنة
1974، وذلك حسبما يبين من مطالعة ديباجته – ونص في المادة الأولى منه على تشكيل
لجنة للبت في توريد البضائع وطلبات الاستيراد، كما نص في الفقرة (1) من المادة الثانية
منه على أنه "يجوز للمصريين الحائزين على موارد بالنقد الأجنبي تدخل بطبيعتها
ضمن موارد السوق الموازية للنقد أن يقوموا بتحويلها إلى البلاد في شكل عيني فيما
عدا السلع المرفقة بالكشف رقم (1)" ثم نص في المادة الثامنة منه على "أن
يفرج عن طريق الجمارك مباشرة عن السلع التي ترد طبقاً للمادة (2) فقرة (أ) من هذا
القرار والتي لا تجاوز قيمتها وقت التعاقد ما يعادل خمسة آلاف جنيه مصري بالعملة
الحرة وبالسعر الرسمي بعد اتخاذ الإجراءات الجمركية. وفى حالة تجاوز القيمة المشار
إليها يعرض الأمر على اللجنة المشار إليها في المادة (1) من هذا
القرار......." وقد وردت هذه النصوص على غرار المواد 1 فقرة (أ) و2 و8 من
قرار وزير التجارة السابق رقم 73 لسنة 1974، بل ومع توسع أكثر في أنواع السلع
المسموح باستيرادها من الموارد الخاصة، ومؤدى ذلك كله أن الإفراج المباشر عن السلع
كان – رغم صدور القرارات الخاصة بتحقيق سياسة الانفتاح الاقتصادي – ولم يزل
مقصوراً على حالة استيرادها للاستعمال الشخصي أو الخاص، وأن ذلك لا يتعارض البتة
مع حظر استيراد الأفراد للسلع تلقائياً بقصد الاتجار – وهو الفعل المؤثم في
القانون المطبق رقم 95 لسنة 1963 كما سلف القول، والذي ظل مؤثماً من بعده كذلك
بصريح نصوص القانون رقم 118 لسنة 1975 الذي حل محله ولائحته التنفيذية – لما كان
ذلك، وكانت العقوبة المقررة في القانون الجديد رقم 118 لسنة 1975 للجريمة التي دين
بها الطاعن أخف من تلك الواردة بالقانون المطبق رقم 95 لسنة 1963، ذلك بأنها – في
المادة الثالثة من القانون المطبق – إنما هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائة
جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين علاوة على تعويض لا يقل عن
20% من قيمة المضبوطات ولا يجاوز 50% من قيمتها وعلى الحكم بمصادرة السلع موضوع
الجريمة أو بتعويض يعادل ثمنها إذا لم تتيسر مصادرتها، بينما هي في المادة 15 من
القانون الجديد غرامة – فحسب – لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه علاوة
على الحكم بمصادرة السلع موضوع الجريمة، ومن ثم فإن القانون الجديد يعد – من هذه
الوجهة فقط – قانوناً أصلح للطاعن، وكان على الحكم المطعون فيه إتباعه دون غيره في
هذا الخصوص – عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات –
لأنه صدر بعد وقوع الفعل وقبل 22 من يونيه سنة 1976 - تاريخ صدور الحكم المطعون
فيه – أما والحكم لم يفعل فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ومن ثم يتعين نقضه
نقضاً جزئياً وتصحيحه – بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من غرامة ومصادرة
وبإلغائه فيما عدا ذلك – دون تحديد جلسة لنظر الموضوع وإن كان الطعن لثاني مرة، ما
دام العوار الذي شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على ذلك الخطأ.