الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 17 مارس 2019

الطعن 2090 لسنة 54 ق جلسة 13 / 12 / 1990 مكتب فني 41 ج 2 ق 312 ص 868

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1990
برئاسة السيد المستشار/ عبد المنصف أحمد هاشم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ، د. رفعت عبد المجيد، محمد خيري الجندي نواب رئيس المحكمة وعبد العال السمان.
------
(312)
الطعن رقم 2090 لسنة 54 القضائية
(1) نقض "حالات الطعن: الأحكام الجائز الطعن فيها". استئناف
ضم الاستئنافات الذي لا يفقد أي منها استقلاله. أثره. جواز الطعن في الحكم المنهي للخصومة الصادر في أي منها ولو صدر قبل الفصل فيما استبقته المحكمة منها للقضاء في موضوعه.
(2) دعوى "ترك الخصومة". إثبات "الإقرار". نقض "نظر الطعن أمام محكمة النقض: ترك الخصومة".
الإقرار المقدم من الطاعن للمحكمة بترك الخصومة في الطعن. قيامه مقام المذكرة الموقع عليها منه. اطلاع الخصم عليه. أثره.
(3، 4 ) قضاة "عدم الصلاحية". حكم. بطلان.
 (3)عدم صلاحية القاضي لنظر دعوى سبق له نظرها قاضياً. علته. ما يشترط في القاضي من خلو ذهنه عن موضوع الدعوى حتى يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً.
(4) إبداء القاضي رأياً في القضية المطروحة عليه: سبب لعدم صلاحيته لنظرها. شموله كل خصومة سبق ترديدها بين الخصوم أنفسهم وأثيرت فيها ذات الحجج والأسانيد التي أثيرت في الخصومة بحيث تعتبر استمرار لها وعوداً إليها.
(5، 6) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
(5) حجية الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي. مناطها. وحدة الموضوع والخصوم والسبب.
 (6)حجية الحكم. اقتصارها على ما فصلت فيه المحكمة. ما لم تفصل فيه المحكمة بالفعل لا يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
(7، 8) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة". "سلطتها في تقدير أقوال الشهود". إثبات. تزوير.
(7) محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير أدلة التزوير متى كان تقديرها سائغاً
 (8)ترجيح شهادة شاهد على آخر. من إطلاقات محكمة الموضوع.
(9) استئناف "الحكم في الاستئناف: تسبيبه". حكم "تسبيبه". 
أخذ الحكم الاستئنافي بأسباب الحكم الابتدائي والإحالة إليه. لا عيب. شرطه.
(10)  حكم "تسبيب الحكم".
عدم التزام الحكم بالرد على أقوال وحجج الخصم. شرطه. أن يكون في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج.
(11،12 ) تزوير "الادعاء بالتزوير". بطلان "بطلان الإعلان". إعلان "بطلان الإعلان".
 (11)قبول الادعاء بالتزوير. شرطه. أن يكون منتجاً في النزاع. م 52 إثبات. علة ذلك.
 (12)البطلان الناشئ عن التزوير في أوراق التكليف بالحضور زواله بحضور المعلن إليه الجلسة المحددة بالإعلان. علة ذلك.
 (13)إثبات "الدفع بالإنكار". تزوير.
الدفع بالإنكار أو الجهالة. لا يحول دون الادعاء بعد ذلك بتزوير المحرر. علة ذلك.
 (14)تزوير. حكم "تسبيب الحكم: ما يعد قصوراً".
عدم جواز الحكم بصحة الورقة أو تزويرها وفي موضوع الدعوى معاً. م 44 إثبات. صدور الحكم من المحكمة الاستئنافية. وجوب التقيد بهذه القاعدة سواء كان الحكم بالتأييد أو الإلغاء. علة ذلك.
----------------
1 - ضم الاستئنافات تسهيلاً للإجراءات لا يترتب عليه دمج أحدهما في الآخر بحيث لا يفقد كل منها استقلاله، ومن ثم فإذا رفعت استئنافات عن أحكام في دعاوى تختلف كل منها عن الأخرى موضوعاً أو سبباً فإنه يجوز الطعن فيما فصلت فيه المحكمة من هذه الاستئنافات باعتباره حكماً منهياً للخصومة فيها ولو صدر قبل الفصل فيما استبقته المحكمة منها للقضاء في موضوعه.
2 - إذ كانت المادة 141 من قانون المرافعات تجيز إبداء ترك الخصومة ببيان صريح من التارك في مذكرة موقع عليها منه مع اطلاع خصمه عليها وكان الإقرار المكتوب الموقع عليه من الطاعنة الثالثة والذي صدق عليه بمكتب توثيق دمنهور قد تضمن بياناً صريحاً بتركها الخصومة في هذا الطعن فإن هذا الإقرار الذي قدم إلى المحكمة واطلع عليه الخصوم يقوم مقام المذكرة الموقع عليها من هذه الطاعنة، ومن ثم يتعين القضاء بقبول ترك الطاعنة الثالثة الخصومة في الطعن.
3 - النص في المادة 146 من قانون المرافعات يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن علة عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى التي سبق له نظرها قاضياً هي الخشية من أن يلتزم برأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم، استناداً إلى أن أساس امتناع القاضي عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، أخذاً بأن إظهار الرأي قد يدعوا إلى التزامه مما يتنافى مع حرية العدول عنه.
4 - لئن كان ظاهر سياق المادة 146 من قانون المرافعات يفيد بأن إبداء الرأي يلزم أن يكون في ذات القضية المطروحة إلا أنه ينبغي أن يفسر ذلك بالمعنى الواسع، فيؤخذ به متى كانت الخصومة الحالية مرددة بين ذات الخصوم، ويستدعي الفصل فيها الإدلاء بالرأي في نفس الحجج والأسانيد التي أثيرت في الخصومة الأخرى بحيث تعتبر الخصومة الحالية استمراراً لها وعوداً إليها.
5 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن مناط حجية الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي هو وحدة الموضوع والخصوم والسبب بحيث إذا تخلف أحد هذه الشروط انتفت تلك الحجية
6 - المقرر أن حجية الحكم تقتصر على ما فصل فيه من الحقوق وما لم تفصل فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
7 - المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطان المطلق في تقدير أدلة التزوير المطروحة أمامها وفي تكوين اعتقادها في تزوير الورقة المدعى بتزويرها أو صحتها بناء على هذا التقدير ولا رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك متى كان تقديرها سائغاً.
8 - المقرر أن ترجيح شهادة شاهد على شهادة شاهد آخر هو من إطلاقات محكمة الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانها
9 - لا يعيب الحكم المطعون فيه إذ هو أيد الحكم الابتدائي أن يحيل على أسبابه التي أقيم عليها متى كانت تكفي لحمله ولم يكن الخصوم قد استندوا أمام محكمة الاستئناف إلى أوجه دفاع جديدة، تخرج في جوهرها عما قدموه لمحكمة أول درجة.
10 - لا يعيب الحكم سكوته عن الرد على ما ساقه الطاعنون من أقوال وحجج استدلالاً على التزوير خلافاً لما أخذ به وانتهى إليه، لأن في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليله عليها التعليل الضمني المسقط لكل قول أو حجة تخالفه.
11 - يشترط لقبول الادعاء بالتزوير طبقاً للمادة 52 من قانون الإثبات أن يكون منتجاً في النزاع، فإن كان غير ذي أثر في موضوع الدعوى تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله دون أن تبحث شواهده أو تحققها إذ لا جدوى من تكليف الخصوم بإثبات ما لو ثبت بالفعل ما كان منتجاً في موضوع الدعوى.
12 - بطلان أوراق التكليف بالحضور الناشئ عن عيب في الإعلان أو في بيان المحكمة أو تاريخ الجلسة يزول - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بحضور المعلن إليه الجلسة في الزمان والمكان المعينين لحضوره، اعتباراً بأن حضور الخصم في الجلسة التي دعي إليها بمقتضى الورقة الباطلة قد حقق المقصود منها، ويعد تنازلاً منه عن التمسك ببطلانها وإذ أقام الحكم المطعون فيه ......... قضاءه بعدم قبول الادعاء بتزوير إعلاني الطاعن الأول بصحيفتي الدعويين رقمي 2254 لسنة 1975، 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية لكون هذا الادعاء غير منتج، على أن حضور المعلن إليه الجلسة المحددة بالإعلان يزيل البطلان الناشئ عن التزوير المدعى به فإنه يكون قد التزم صحيح القانون.
13 - لئن كان الادعاء بتزوير محرر يحول دون التمسك بعد ذلك بالدفع بالإنكار أو الجهالة على التوقيع الوارد على هذا المحرر إلا أن الدفع بالإنكار أو الجهالة والإخفاق فيه لا يحول - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دون الادعاء بعد ذلك بتزوير المحرر. ذلك أن الدفع بالإنكار أو الجهالة على التوقيع الوارد بالمحرر سواء كان بالإمضاء أو البصمة أو الختم يقتصر مجاله على صحة التوقيع محل هذا الدفع فحسب أما الطعن بالتزوير على التوقيع - بعد الإقرار به أو الإخفاق في الطعن بإنكاره - فإنه يتناول كيف وصل التوقيع من يد صاحبه إلى المحرر الذي يحتج به خصمه عليه.
14 - النص في المادة 44 من قانون الإثبات يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه لا يجوز الحكم بصحة الورقة أو بتزويرها وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون القضاء في الادعاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى حتى لا يحرم الخصم من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة أخرى تؤيد دفاعه في موضوع الدعوى لا فرق في ذلك بين أن يكون إنكار المحرر أو الادعاء بتزويره حاصلاً أمام محكمة أول درجة أو محكمة ثاني درجة ولا يكون القضاء في أيهما صادراً بصحته أو برده وبطلانه وسواء كان الحكم من محكمة ثاني درجة بالتأييد أو الإلغاء، لاتحاد الحكمة التشريعية في جميع الأحوال السابقة وهي ألا يحرم الخصم الذي تمسك بالورقة وحكم بتزويرها أو ادعى التزوير وأخفق في ادعائه من تقديم ما يكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراد إثباته بالمحرر الذي ثبت تزويره أو التخلص من الالتزام الذي يثبته وفشل في الطعن عليه، إذ المحرر المحكوم بصحته أو بطلانه لا يعدو أن يكون دليلاً في الدعوى وقد تتعدد الأدلة على إثبات الالتزام أو نفيه.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما الأول والثاني أقاما الدعوى - رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقود البيع الابتدائية المؤرخة 4/ 3/ 1950، 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 الصادر أولها من المرحومة..... مورثة المطعون ضدهم من الثالث إلى السادس متضمناً بيعها إلى الطاعن الأول مساحة 12 قيراطاً مبينة بالصحيفة لقاء ثمن مقداره 130 جنيهاً. والصادر ثانيها من الطاعن الأول متضمناً بيعه لهما ذات هذه المساحة بثمن مقداره 500 جنيه، والصادر ثالثهما من الطاعن الأول أيضاً متضمناً بيعه لهما مساحة 18 قيراطاً مبينة بالصحيفة لقاء ثمن مقداره 750 جنيهاً، وذلك تأسيساً على أن البائع لهما تقاعس عن تقديم المستندات اللازمة للتسجيل وهو ما حدا بهم إلى إقامة هذه الدعوى بطلباتهما سالفة البيان. دفع الطاعن الأول بإنكار توقيعه ببصمة الختم على العقدين الثاني والثالث فأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق في صدد هذا الدفع واستمعت إلى شهود الطرفين ثم حكمت بتاريخ 30 من يونيه سنة 1976 برفض الدفع بالإنكار وبصحة التوقيع على عقدي البيع المؤرخين 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 كما رفع المطعون ضدهما الأول والثاني على الطاعن الأول الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 5/ 1/ 1973 المتضمن بيعه لهما مساحة فدان مبينة بالصحيفة لقاء ثمن مقداره 1000 جنيه، تدخلت الطاعنات من الثانية إلى الأخيرة في هذه الدعوى تدخلاً انضمامياً إلى والدهن الطاعن الأول في طلب رفض الدعوى واستندن في ذلك إلى أن القدر المبيع للمطعون ضدهما المذكورين يدخل ضمن مساحة 6 س و1 ط و1 ف التي اشتريتها من الطاعن الأول لقاء ثمن مقداره 3000 جنيه بموجب عقد البيع الابتدائي المؤرخ 1/ 1/ 1976 وأنهن رفعن في شأنه دعوى صحة التعاقد رقم 923 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية، فأمرت المحكمة بضم الدعوى الأخيرة إلى الدعويين السابقتين ليصدر في الدعاوى الثلاثة حكم واحد، وتبين أن طرفي عقد البيع المؤرخ 1/ 1/ 1976 قدما في الدعوى المشار إليها عقد صلح مؤرخ 30/ 5/ 1976 وطلبا من المحكمة التصديق عليه وأن المطعون ضدهما الأول والثاني تدخلا فيها هجومياً وطلبا الحكم برفضها على أساس أن عقد البيع المؤرخ 1/ 1/ 1976 انصب على ذات المساحة المبيعة لهما من نفس البائع بموجب عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 المرفوعة بشأنه دعوى صحة التعاقد رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية وادعى الطاعن الأول بتزوير التوقيع المنسوب إليه على عقود البيع المؤرخة 5/ 1/ 1973، 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974، كما طعن المطعون ضدهما الأول والثاني بالصورية المطلقة على عقد البيع المؤرخ 1/ 1/ 1976 وعقد الصلح المؤرخ 30/ 5/ 1976 وبتاريخ 2 من نوفمبر سنة 1977 حكمت المحكمة في الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية بعدم قبول الادعاء بالتزوير بالنسبة لعقدي البيع المؤرخين 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 وفي الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بإحالتها إلى التحقيق بشأن الادعاء بالتزوير بالنسبة لعقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 وفي الدعوى رقم 923 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بوقف الفصل في الطعن بالصورية إلى حين الفصل في الادعاء بتزوير عقد البيع سالف الذكر، وبعد أن استمعت المحكمة إلى شهود الطرفين في الادعاء بتزوير ذلك العقد عاد الطاعن الأول فادعى بتزوير إعلانه بصحيفة الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية. وبتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1978 حكمت المحكمة في الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية بعدم قبول ادعاء الطاعن الأول بتزوير إعلانه بصحيفتها وفي موضوعها بصحة ونفاذ عقود البيع المؤرخة 4/ 3/ 1950، 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 وفي الدعوى رقم 888 لسنة 1976، مدني دمنهور الابتدائية برفض الادعاء بتزوير عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973، ثم عادت وحكمت بتاريخ 28 من مارس سنة 1979 في موضوع هذه الدعوى بصحة ونفاذ عقد البيع سالف الذكر، وفي الدعوى رقم 923 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بإحالتها إلى التحقيق لإثبات دفع المطعون ضدهما الأول - والثاني بصورية عقد البيع المؤرخ 1/ 1/ 1976 وعقد الصلح المؤرخ 30/ 5/ 1976 وبعد أن استمعت إلى شهود الطرفين حكمت المحكمة برفض هذه الدعوى. استأنف الطاعن الأول الحكم الصادر في الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية لدى محكمة استئناف الإسكندرية - مأمورية دمنهور - بالاستئناف رقم 116 لسنة 35 قضائية كما استأنف هو وباقي الطاعنات الحكم الصادر في الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بالاستئناف رقم 468 لسنة 35 قضائية واستأنفت الطاعنات من الثانية إلى الأخيرة الحكم الصادر في الدعوى رقم 923 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بالاستئناف رقم 286 لسنة 38 قضائية. أمرت المحكمة بضم الاستئنافين الأخيرين إلى الأول ليصدر فيهما حكم واحد ثم ادعى الطاعنان الأول والثانية بتزوير إعلان الأول في مواجهة الثانية بصحيفة افتتاح الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية. وبتاريخ 28 من مارس سنة 1984 حكمت المحكمة في الاستئناف رقم 116 لسنة 35 قضائية بتأييد الحكم المستأنف وفي الاستئناف رقم 468 لسنة 35 قضائية بعدم قبول الادعاء بتزوير صحيفة افتتاح الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية وتأييد الحكم المستأنف وفي الاستئناف رقم 286 لسنة 38 قضائية وقبل الفصل في موضوعه بندب خبير ثم عادت المحكمة وقضت بتاريخ 20 من يونيه سنة 1987 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون بطريق النقض في الحكم الصادر في الاستئنافين رقمي 116، 468 لسنة 35 قضائية ثم تنازلت الطاعنة الثالثة عن الطعن بموجب إقرار مصدق عليه بمكتب توثيق دمنهور في 27 من يوليه سنة 1986 وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي أصلاً بعدم جواز الطعن واحتياطياً نقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره فيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة العامة بعدم جواز الطعن أن الحكم المطعون فيه صدر في الاستئنافين رقمي 116، 468 لسنة 35 قضائية قبل الفصل في موضوع الاستئناف رقم 268 لسنة 38 قضائية المنضم - الذي ندبت فيه المحكمة خبيراً - ولم يكن من بين الحالات المستثناة التي تقبل الطعن استقلالاً طبقاً لنص المادة 212 من قانون المرافعات ومن ثم فإنه لا يجوز الطعن فيه قبل صدور الحكم في موضوع الاستئناف المشار إليه.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك بأن ضم الاستئنافات تسهيلاً للإجراءات لا يترتب عليه دمج أحدها في الآخر بحيث يفقد كل منها استقلاله. ومن ثم فإذا رفعت استئنافات عن أحكام في دعاوى تختلف كل منها عن الأخرى موضوعاً أو سبباً فإنه يجوز الطعن فيما فصلت فيه المحكمة من هذه الاستئنافات باعتباره حكماً منهياً للخصومة فيها ولو صدر قبل الفصل فيما استبقته المحكمة منها للقضاء في موضوعه. إذ كان ذلك وكانت دعوى الطاعنات من الثانية إلى الأخيرة رقم 923 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية التي أقيمت بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 1/ 1976 بالنسبة لمساحة 6 س و1 ط و1 ف من أرض النزاع محل الاستئناف رقم 286 لسنة 38 قضائية الإسكندرية تغاير في موضوعها وسببها دعوى المطعون ضدهما الأول والثاني رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية التي أقاماها بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقود البيع المؤرخة 4/ 3/ 1950، 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 بالنسبة لمساحتين أخيرتين مقدار أولهما 12 ط والثانية 18 ط من تلك الأرض محل الاستئناف رقم 116 لسنة 35 قضائية الإسكندرية، كما تختلف دعوى الطاعنات آنفة الذكر كذلك سبباً عن دعوى المطعون ضدهما المذكورين رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية التي طلبا فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 بالنسبة لمساحة فدان من أرض النزاع محل الاستئناف رقم 468 لسنة 35 قضائية الإسكندرية وذلك لاستناد كل منهما في دعواه إلى عقد يغاير العقد الصادر للآخر من نفس البائع، إذا كان ذلك وكان الاختلاف بين تلك الدعاوى من شأنه عدم القيام وحده في الخصومة بينها تشملها جميعاً وإن اتحد الخصوم فيها، وكان لا يغير من ذلك ورود العقدين المؤرخين 5/ 1/ 1973 و1/ 1/ 1976 على ذات القدر المبيع لكل مشتر من نفس البائع، فهذا لا يمنع من النظر في دعوى صحة ونفاذ كل عقد والقضاء فيها استقلالاً عن الأخرى لما هو مقرر من أن العبرة عند تزاحم المشترين للقدر المبيع من نفس البائع تكون بالأسبق منهم تسجيلاً لعقده. فإن كلاً من الاستئنافات أرقام 116، 468 لسنة 35، 286 لسنة 38 قضائية الإسكندرية المرفوعة عن الأحكام الصادرة في الدعاوى المشار إليها تكون له ذاتية وكيانه المستقل بعد ضمها - وينبني على ذلك أن قضاء الحكم المطعون فيه في الاستئنافين الأول والثاني بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من صحة ونفاذ عقود البيع آنفة البيان وندب خبير قبل الفصل في موضوع الاستئناف الثالث يعتبر منهياً للخصومة فيما فصل فيه وحسمه في موضوع الاستئنافين الأولين ومن ثم يكون هذا الدفع في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إن الطاعنة الثالثة - ..... - قدمت إقراراً بتنازلها عن الطعن صدق على توقيعها عليه بتاريخ 17 من يوليه سنة 1986 بمكتب توثيق دمنهور، ولما كانت المادة 141 من قانون المرافعات تجيز إبداء ترك الخصومة ببيان صريح من التارك في مذكرة موقع عليها منه مع اطلاع خصمه عليها وكان الإقرار المكتوب آنف الذكر الموقع عليه من الطاعنة الثالثة والذي صدق عليها بمكتب توثيق دمنهور قد تضمن بياناً صريحاً بتركها للخصومة في هذا الطعن فإن هذا الإقرار الذي قدم إلى المحكمة واطلع عليه الخصوم يقوم مقام المذكرة الموقع عليها من هذه الطاعنة، ومن ثم يتعين القضاء بقبول ترك الطاعنة الثالثة الخصومة في الطعن.
وحيث إن الطعن بالنسبة لباقي الطاعنين قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبعة أسباب ينعى الطاعنون بالسابع منها على الحكم المطعون فيه البطلان، وفي بيان ذلك يقولون إن السيد المستشار/.... عضو اليسار في الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه قد سبق له إبان عمله قاضياً بمحكمة بندر دمنهور - إصدار الحكم في الدعوى المدنية رقم 581 لسنة 1976 ببطلان عقد البيع المؤرخ 4/ 3/ 1950 ومن ثم يكون غير صالح لنظر الدعوى الراهنة طبقاً لنص المادتين 146، 147 من قانون المرافعات ويترتب عليه بطلان الحكم الصادر منه وهذا البطلان متعلق بالنظام العام يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأنه لما كان النص في المادة 146 من قانون المرافعات على أنه "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية....... إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى......... أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً......." يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن علة عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى التي سبق له نظرها قاضياً هي الخشية من أن يلتزم برأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم، استناداً إلى أن أساس امتناع القاضي عن نظر الدعوى هو قيامه بعمل يجعل له رأياً في الدعوى أو معلومات شخصية تتعارض مع ما يشترط في القاضي من خلو الذهن عن موضوعها ليستطيع أن يزن حجج الخصوم وزناً مجرداً، أخذاً بأن إظهار الرأي قد يدعوا إلى التزامه مما يتنافى مع حرية العدول عنه - وأنه وإن كان ظاهر سياق المادة 146 آنفة الذكر يفيد بأن إبداء الرأي يلزم أن يكون في ذات القضية المطروحة إلا أنه ينبغي أن يفسر ذلك بالمعنى الواسع، فيؤخذ به متى كانت الخصومة الحالية مرددة بين ذات الخصوم، ويستدعي الفصل فيها الإدلاء بالرأي في نفس الحجج والأسانيد التي أثيرت في الخصومة الأخرى بحيث تعتبر الخصومة الحالية استمراراً لها وعوداً إليها. لما كان ذلك وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه ومن الرجوع إلى الصورة الرسمية للحكم في الدعوى رقم 581 لسنة 1976 مدني بندر دمنهور - المودع ملف الدعوى - أن تلك الدعوى رفعت من....... على ورثة المرحومة....... بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 4/ 3/ 1950 الصادر من المورثة المذكورة بالنسبة إلى مساحة 12 ط من الأرض المبيعة لها وقد قضي فيها برفضها بحالتها لعدم تقديم المستندات، بينما رفعت الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية من المطعون ضدهما الأول والثاني على ورثة البائعة في العقد سالف الذكر بطلب الحكم بصحته ونفاذه بالنسبة لمساحة أخرى مقدارها 12 ط من الأرض التي باعتها إلى الطاعن الأول، وبالتالي فإن وحدة الخصومة لا تكون متوافرة في الدعويين السابقة والحالية لاختلافهما خصوماً ومحلاً، لهذا فلا يمتنع قانوناً على السيد المستشار عضو اليسار في الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه الاشتراك في إصداره بسبب قضائه في الدعوى السابقة إبان عمله قاضياً بمحكمة بندر دمنهور ولا يعد قضاؤه فيها سبباً من أسباب عدم صلاحية القاضي المتعلقة بالنظام العام ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولون إنهم دفعوا أمام محكمة الموضوع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 581 لسنة 1976 مدني بندر دمنهور المرفوعة من........ على ورثة البائعة لهما بالعقد المؤرخ 4/ 3/ 1950 بطلب صحة ونفاذ هذا العقد بالنسبة للحصة المبيعة لها والتي قضى فيها بالرفض تأسيساً على عدم ملكية البائعة لما باعته وتأيد الحكم استئنافياً، واستندوا في هذا الدفع إلى أن القضاء ببطلان البيع في تلك الدعوى ينسحب على القدر المبيع إلى الطاعن الأول بموجب هذا العقد مما كان يتعين معه الحكم بعدم جواز نظر دعوى المطعون ضدهما الأول والثاني الحالية المرفوعة بطلب صحته ونفاذه والعقود المتوالية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك بأن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 101 من قانون الإثبات على أن "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً......." يدل على أن مناط حجية الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي هو وحدة الموضوع والخصوم والسبب بحيث إذا تخلف أحد هذه الشروط انتفت تلك الحجية. كما أن من المقرر أن حجية الحكم تقتصر على ما فصل فيها من الحقوق وما لم تفصل فيه المحكمة بالفعل لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي. لما كان ذلك وكان البين من الرد على السبب السابق أن الدعوى السابقة رقم 581 لسنة 1976 مدني بندر دمنهور والدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية مختلفان محلاً وخصوماً بما لا تتوافر معه شروط حجية الأمر المقضي للحكم الصادر في الدعوى السابقة, وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في قضائه برفض دفع الطاعنين بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى سالفة الذكر، فإنه يكون قد صادف صحيح القانون، ومن ثم يكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إنه لم يتناول إدعاءهم بتزوير عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 موضوع الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية ولم يرد على الأدلة التي ساقوها على تزوير هذا العقد ومنها اعترافات المطعون ضدهما الأول والثاني بعدم وجود عقود أخرى لديهما في تحقيقات الشكويين رقمي 2045، 2759 لسنة 1975 إداري دمنهور المقدمين ضمن مستنداتهم في الدعوى، كما لم يقل كلمته بشأن تقدير أقوال شهود الطرفين في تحقيق الإدعاء بتزوير ذلك العقد وما عابه الطاعنون على أقوال شهود المطعون ضدهما الأول والثاني مكتفياً بالإحالة على أسباب الحكم الابتدائي في هذا الخصوص فتخلت بذلك محكمة الاستئناف عن وظيفتها في مراقبة سلامة تقدير محكمة الدرجة الأولى للأدلة، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأنه لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطان المطلق في تقدير أدلة التزوير المطروحة أمامها وفي تكون اعتقادها في تزوير الورقة المدعى بتزويرها أو صحتها بناء على هذا التقدير ولا رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك متى كان تقديرها سائغاً، وكان من المقرر أيضاً أن ترجيح شهادة شاهد على شهادة شاهد آخر من إطلاقات محكمة الموضوع لا شأن فيه لغير ما يطمئن إليه وجدانها، لما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد اعتمد في صحة عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 على أقوال شاهدي المطعون ضدهما الأول والثاني التي اطمأن إليها وأفادت بأنهما حضرا مجلس هذا العقد المدعى بتزويره وأن الطاعن الأول وقع عليه ببصمة ختمه الذي يحتفظ به كما وقعا هما عليه كشاهدين وقت تحريره، وكان هذا الاستخلاص سائغاً ولا خروج فيه على مدلول ما أخذ به الحكم من أقوال الشهود ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان لا يعيب الحكم المطعون فيه إذا هو أيد الحكم الابتدائي أن يحيل على أسبابه التي أقيم عليها متى كانت تكفي لحمله ولم يكن الخصوم قد استندوا أمام محكمة الاستئناف إلى أوجه دفاع جديدة تخرج في جوهرها عما قدموه لمحكمة أول درجة كما لا يعيب الحكم كذلك سكوته عن الرد على ما ساقه الطاعنون من أقوال وحجج استدلالاً على التزوير خلافاً لما أخذ به وانتهى إليه، لأن في قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليله عليها التعليل الضمني المسقط لكل قول أو حجة تخالفه، ومن ثم فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع وتنحسر عنه رقابة محكمة النقض وبالتالي فهو غير مقبول.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إنه قضى بعدم قبول ادعائهم بتزوير إعلان أولهم بصحيفتي الدعويين رقمي 2254 لسنة 1975، 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية وأقام قضاءه على أن تلك الادعاء غير منتج لأن حضور المعلن إليه الجلسة المحددة يزيل البطلان الذي لحق بإعلانه، في حين أن إعلان صحيفة دعوى صحة التعاقد لا يقتصر أثره على مجرد حضور المعلن إليه الجلسة إنما تبدو في الأثر الذي يرتبه القانون على أسبقية تسجيل تلك الصحيفة، وقد تحدى المطعون ضدهما الأول والثاني بأسبقيتهما في تسجيل صحيفتي الدعويين آنفي الذكر وهو ما يجعل للطاعنين مصلحة في الإدعاء بالتزوير، كما فات الحكم المطعون فيه أن إعلان صحيفة الدعوى شرط لانعقاد الخصومة إذا تخلف حتى صدور الحكم الابتدائي زالت الخصومة كأثر للمطالبة القضائية، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأنه لما كان يشترط لقبول الإدعاء بالتزوير طبقاً للمادة 52 من قانون الإثبات أن يكون منتجاً في النزاع، فإن كل غير ذي أثر في موضوع الدعوى تعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبوله دون أن تبحث شواهده أو تحققها إذ لا جدوى من تكليف الخصوم بإثبات ما لو ثبت بالفعل ما كان منتجاً في موضوع الدعوى. وكان بطلان أوراق التكليف بالحضور الناشئ عن عيب في الإعلان أو في بيان المحكمة أو تاريخ الجلسة يزول - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بحضور المعلن إليه الجلسة في الزمان والمكان المعينين لحضوره، اعتباراً بأن حضور الخصم في الجلسة التي دعي إليها بمقتضى الورقة الباطلة قد حقق المقصود منها ويعد تنازلاً منه عن التمسك ببطلانها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم قبول الإدعاء بتزوير إعلاني الطاعن الأول بصحيفتي الدعويين رقمي 2254 لسنة 1975، 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية لكون هذا الإدعاء غير منتج، على أن حضور المعلن إليه الجلسة المحددة بالإعلان يزيل البطلان الناشئ عن التزوير المدعى به فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ولا يجدي الطاعنين التحدي بقيام مصلحتهم في تحقيق ذلك الإدعاء توصلاً لزوال أثر تسجيل صحيفتي الدعويين المدعى بتزوير إعلانهما بالنسبة لعقد البيع المؤرخ 1/ 1/ 1976 موضوع دعوى صحة التعاقد رقم 923 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية طالما كان الثابت من الأوراق أن هذه الدعوى قد قضي فيها نهائياً بالرفض لصورية ذلك العقد صورية مطلقة، مما تنتفي معه مصلحة الطاعنين في تحقيق الادعاء بالتزوير قصداً إلى زوال أثر تسجيل صحيفتي الدعوى محل هذا الادعاء على عقدهم بعد أن زال هذا العقد من الوجود، لما كان ذلك وكان غير صحيح ما أثاره الطاعنون مع عدم انعقاد الخصومة أمام محكمة أول درجة لعدم إعلان أولهم بصحيفتها أصلاً لما هو ثابت من حصول هذا الإعلان وزوال ما شابه من بطلان بحضوره الجلسة ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول ادعائهم بالتزوير بالنسبة لعقدي البيع المؤرخين 15/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 موضوع الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية قولاً منه بأن المحكمة إذ قضت في حكمها السابق برفض الطعن المبدى من الطاعن الأول - البائع - بإنكار توقيعه على هذين العقدين فإنها تكون قد حسمت النزاع بشأن صحتهما مما لا يجوز معه لهذا الأخير معاودة الطعن بالتزوير عليهما في حين أن لكل من الطعن بالإنكار والطعن بالتزوير مجاله وأن إخفاق الطاعن بإنكار توقيعه على العقد لا يحول بينه وبين اللجوء إلى الإدعاء بتزويره بعد ذلك، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه للادعاء بتزوير العقدين سالفي الذكر ولم يقل كلمته فيه رغم إصرار الطاعن الأول على التمسك به أمام محكمة الاستئناف فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأنه وإن كان الادعاء بتزوير محرر يحول دون التمسك بعد ذلك بالدفع بالإنكار أو الجهالة على التوقيع الوارد على هذا المحرر إلا أن الدفع بالإنكار أو الجهالة والإخفاق فيه لا يحول - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - دون الإدعاء بعد ذلك بتزوير المحرر. ذلك أن الدفع بالإنكار أو الجهالة على التوقيع الوارد بالمحرر سواء كان بالإمضاء أو البصمة أو الختم - يقتصر مجاله على صحة التوقيع محل هذا الدفع فحسب أما الطعن بالتزوير على التوقيع - بعد الإقرار به أو الإخفاق في الطعن بإنكاره - فإنه يتناول كيف وصل التوقيع من يد صاحبه إلى المحرر الذي يحتج به خصمه عليه. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن الأول قد دفع أمام محكمة أول درجة بإنكار التوقيع ببصمة الختم المنسوب إليه بعقدي البيع المؤرخين 15/ 7/ 1973، 1/ 5/ 1974 موضوع الدعوى رقم 2254 لسنة 1975 مدني دمنهور الابتدائية، وإذ أخفق في دفعه بالإنكار بقضاء المحكمة بتاريخ 30/ 6/ 1976 برفض هذا الدفع وبصحة توقيعه عليهما عاد وادعى تزوير التوقيع المنسوب إليه في كل منهما وركن في إدعائه إلى أن المطعون ضده الثاني اختلس ختمه القديم ووقع به على العقدين، إذ كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 2/ 11/ 1977 الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال على أسبابه قد قضى بعدم قبول الادعاء بالتزوير استناداً إلى أن قضاء الحكم السابق برفض دفع الطاعن الأول بإنكار توقيعه على عقدي البيع المشار إليهما وبصحة هذا التوقيع قد حسم النزاع بين الطرفين بشأن صحة هذين العقدين مما يمتنع معه على هذا الطاعن سلوك سبيل الادعاء بالتزوير بعد إخفاقه في الطعن بالإنكار فإنه يكون قد جانب صحيح القانون، وإذ اعتنق الحكم المطعون فيه قضاء الحكم الابتدائي وأحال إلى أسبابه التي لا تصلح سنداً له ودون أن يتناول الإدعاء بالتزوير وأدلته المطروحة بالبحث والتمحيص فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب أيضاً مما يوجب نقضه في خصوص قضائه في الادعاء بتزوير عقدي البيع المؤرخين 5/ 7/ 1973، 1/ 10/ 1974 ويستتبع نقض الحكم بصحتهما ونفاذهما الذي اتخذه أساساً له.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في الادعاء بتزوير عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 وفي الموضوع معاً في حين أنه طبقاً لنص المادة 44 من قانون الإثبات يجب أن يكون الحكم في الادعاء بالتزوير سابقاً على القضاء في موضوع الدعوى وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن النص في المادة 44 من قانون الإثبات يدل على أنه "إذا قضت المحكمة بصحة المحرر أو برد أو قضت بسقوط الحق في إثبات صحته أخذت في نظر موضوع الدعوى في الحال أو حددت لنظره أقرب جلسة" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه لا يجوز الحكم بصحة الورقة أو بتزويرها وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون القضاء في الإدعاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى حتى لا يحرم الخصم من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة أخرى تؤيد دفاعه في موضوع الدعوى لا فرق في ذلك بين أن يكون إنكار المحرر أو الإدعاء بتزويره حاصلاً أمام محكمة أول درجة أو محكمة ثاني درجة ولا يكون القضاء في أيهما صادراً بصحته أو برده وبطلانه وسواء كان الحكم من محكمة ثاني درجة بالتأييد أو الإلغاء، لاتحاد الحكمة التشريعية في جميع الأحوال السابقة وهي ألا يحرم الخصم الذي تمسك بالورقة وحكم بتزويرها أو ادعى التزوير وأخفق في إدعائه من تقديم ما يكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراد إثباته بالمحرر الذي ثبت تزويره أو التخلص من الالتزام الذي يثبته وفشل في الطعن عليه، إذ المحرر المحكوم بصحته أو بطلانه لا يعدو أن يكون دليلاً في الدعوى وقد تتعدد الأدلة على إثبات الالتزام أو نفيه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى في إدعاء الطاعن الأول بتزوير عقد البيع المؤرخ 5/ 1/ 1973 موضوع الدعوى رقم 888 لسنة 1976 مدني دمنهور الابتدائية بتأييد قضاء الحكم الابتدائي برفض الادعاء بالتزوير وفي الموضوع معاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقض قضائه في موضوع هذه الدعوى أيضاً.

الطعنان 13313 ، 13460 لسنة 80 ق جلسة 12 / 5 / 2015 مكتب فني 66 ق 108 ص 714

جلسة 12 من مايو سنة 2015
برئاسة السيد القاضي/ عبد المنعم دسوقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ محمد القاضي، صلاح عصمت، شحاتة إبراهيم نواب رئيس المحكمة وأحمد العزب.
--------------
(108)
الطعنان رقما 13313، 13460 لسنة 80 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن: السبب المفتقر للدليل".
الطعن بالنقض. وجوب تقديم الخصوم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. عدم تقديم الطاعنة الدليل على ما تتمسك به من أوجه النعي. نعي بغير دليل. غير مقبول.(2 - 4) تحكيم "ماهية التحكيم" "حكم التحكيم: بطلان حكم التحكيم: دعوى بطلان حكم التحكيم".
(2) التحكيم. ماهيته. طريق استثنائي لفض الخصومات. قوامه. الخروج عن طرق التقاضي العادية. اكتساب حكم المحكمين حجية الشيء المحكوم به ما بقى قائما. م 55 ق 27 لسنة 1994.
(3) الالتجاء لدعوى ببطلان حكم المحكمين. حالاته. م 53 ق 27 لسنة 1994. وقوع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر فيه. أثره. بطلانه.(4) بطلان شرط التحكيم لعدم موافقة الوزير المختص عليه. إندراجه ضمن حالات الالتجاء إلى دعوى بطلان حكم المحكمين. م 53/ ز ق 27 لسنة 1994. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(5 - 9) قانون "تفسير القانون: التفسير القضائي: ضوابط التفسير القضائي".
(5) تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى. من صميم عمل المحكمة.
(6) التفسير اللغوي للنص. يكون باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات المكونة للنص.
(7) تعذر التفسير اللغوي للوقوف على قصد الشارع. مؤداه. الاستعانة بعناصر خارجية. ماهيتها.
(8) تفسير النصوص. العبرة فيها بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. التعرف على الحكم الصحيح للنص. مقتضاه. تقصي الغرض المرمى إليه والقصد الذي أملاه.
(9) الأحكام القانونية. تدور مع علتها لا مع حكمتها. مؤداه. عدم جواز إهدار العلة للأخذ بالحكمة.
(10 ، 11) نظام عام "المسائل المتعلقة بالنظام العام".
(10) القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام. ماهيتها.
(11) النظام العام. فكرة نسبية. تحديد القاضي لمضمونها. مناطه. التقيد بالتيار العام السائد بشأنها في بلده وزمانه. مؤداه. اعتبارها مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
(12 - 14) تحكيم "اتفاق التحكيم: شرط التحكيم" "بطلان حكم التحكيم: دعوى بطلان حكم التحكيم".
(12) المحكمة التي تنظر دعوى البطلان. قضاؤها ببطلان حكم التحكيم من تلقاء ذاتها. شرطه. تضمنه ما يخالف النظام العام في مصر. م 53 /2 ق 27 لسنة 1994.
(13) التحكيم في منازعات العقود الإدارية. جواز الاتفاق عليه. شرط صحته. موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة. عدم جواز التفويض في ذلك الاختصاص. صحة أو بطلان شرط التحكيم القائم على حصول الموافقة. تعلقه بالنظام العام. تخلف الموافقة. أثره. حق طرفي التعاقد في التمسك بالبطلان. م 1/2 ق 27 لسنة 1994 المضافة بق 9 لسنة 1997.
(14) تكييف العقد الوارد به شرط التحكيم على أنه عقد إداري لتوصيل الغاز الطبيعي. مؤداه. وجوب موافقة وزير البترول على شرط التحكيم أو اعتماده أو إجازته دون الرئيس التنفيذي للهيئة. علة ذلك. خلو الأوراق من تلك الموافقة. أثره. بطلان اتفاق التحكيم. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.
(15) محكمة الموضوع" سلطة محكمة الموضوع بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود: سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقد".
محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص الإجازة الضمنية للعقد والقبول الضمني وعدمها. شرطه.
(16) تحكيم" اتفاق التحكيم: شرط التحكيم".
إثبات صدور الإجازة أو القبول الضمني من جانب وزير البترول لشرط التحكيم الوارد في العقد الإداري المبرم بين طرفي التداعي. وقوعه على عاتق أطرافه. علة ذلك.
(17) نقض" أسباب الطعن بالنقض: الأسباب الموضوعية".
إغفال الحكم لبعض مستندات الطاعنة غير المؤثرة في الدعوى أو الرد عليها، النعي عليه. جدل موضوعي. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.

----------------

1 - عد الشارع- وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون، وإذ لم تقدم الطاعنة رفق طعنها الاتفاقية المبرمة بينها وبين الهيئة المطعون ضدها بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 حتى يمكن التحقق من تضمنها إضافتين مثبت بهما موافقة وزير البترول واعتماده شرط التحكيم، إعمالا لحكم المادة 255 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007، فإن النعي على الحكم المطعون بهذا الوجه يكون مفتقرا لدليله، ومن ثم غير مقبول.

2 - التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، ولئن كان في الأصل وليد إرادة الخصوم إلا أن أحكام المحكمين- شأن أحكام القضاء- تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائما ولم يقض ببطلانه، وهو ما أكدته المادة 55 من القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية.

3 - إذ كانت المادة 53 من ذات القانون "القانون رقم 27 لسنة 1994" تقضي ببطلان حكم التحكيم وقبول الدعوى بذلك في الحالات التي عددتها ومن بينها ما أوردته في الفقرة (ز) منها من وقوع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم.

4 - إذ كانت الهيئة المطعون ضدها "الهيئة المصرية العامة للبترول" قد أقامت الدعوى المطروحة بطلب بطلان حكم التحكيم موضوع النزاع لأسباب عددتها في صحيفة دعواها ومنها بطلان شرط التحكيم لعدم موافقة الوزير المختص عليه "وزير البترول" وهو ما يندرج في مفهوم الفقرة (ز) من المادة 53 سالفة البيان التي تجيز الالتجاء إلى دعوى بطلان حكم المحكمين، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى بطلان شرط التحكيم لهذا السبب، ورتب على ذلك قضاءه ببطلان حكم التحكيم، فإنه لا يكون قد أهدر حجيته وإنما قضى بالبطلان لتحقق إحدى الحالات التي تستوجب القضاء ببطلانه، ويضحى النعي على غير أساس.

5 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى المطروحة على المحكمة هو من صميم عملها وأولى واجباتها للوصول إلى معرفة حكم القانون فيما هو معروض عليها.

6 - إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي للنص باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عبارته أو إشارته أو دلالته.

7 - إذ تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي، فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص كالأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية والحكمة من النص والجمع بين النصوص.

8 - إن العبرة في تفسير النصوص هي بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فإن التعرف على الحكم الصحيح في النص يقتضي تقصي الغرض الذي رمى إليه والقصد الذي أملاه.

9 - الأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمتها، ومن ثم لا يجوز إهدار العلة، وهي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم للأخذ بحكمة النص، وهو ما شرع الحكم لأجله من مصلحة أريد تحقيقها أو مفسدة أريد رفعها.

10 - المقرر أنه وإن خلا التقنين المدني من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد، فيجب على الجميع مراعاة هذه المصلحة- المصلحة العامة للبلاد- وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص يحرمها أو لم يرد.

11 - "النظام العام" فكرة نسبية فالقاضي في تحديد مضمونها مقيد بالتيار العام السائد بشأنها في بلده وزمانه، مما تعتبر معه مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، وفي ذلك ضمانة كبرى لإقامة هذا التحديد على أسس موضوعية.

12 - إذ كان قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 قد خول بنص الفقرة الثانية من المادة 53 منه للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان سلطة القضاء ببطلان حكم التحكيم من تلقاء ذاتها، إذا تضمن الحكم ما يخالف النظام العام في مصر، وقد تحدث المخالفة بسبب ما ينص عليه القانون بالنسبة للعملية التحكيمية، وقد تكون المخالفة هي فقط القضاء بما يخالف النظام العام في مصر، فلا يكفي مخالفة الحكم لقاعدة آمرة في القانون المصري.

13 - إذ كان النص في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 على أنه "وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك "يدل- وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع تعديل بعض أحكام قانون التحكيم وتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن هذا التعديل- أنه رغبة في حسم الخلاف حول مدى جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية بنص فاصل لا تتوزع الآراء معه وتلتقي عنده وتستقر كل الاجتهادات جاء التعديل بالإضافة على المادة الأولى من قانون التحكيم سالف الذكر بنص يقرر صراحة جواز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية، ويحدد السلطة الإدارية التي يرخص لها بإجازة مثل هذا الاتفاق واعتماده، ضبطا لاستعمالها وضمانا لوفاء اتفاق التحكيم عندئذ باعتبارات الصالح العام، وبحيث يكون المرد في هذا الشأن للوزير المختص أو من يمارس اختصاصاته في الأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيرا كالجهاز المركزي للمحاسبات، وإحكاما لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر مشروع القانون التفويض في ذلك الاختصاص فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه المهمة، إعلاء لشأنها وتقديرا لخطورتها ولاعتبارات الصالح العام وباعتبار أن الوزير يمثل الدولة في وزارته، ومفاد ذلك هو وجوب موافقة الوزير المختص على الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية أو موافقة من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وليست الهيئات العامة التي تتبع الوزير ويحظر التفويض في ذلك الاختصاص، وترتيبا على ذلك فإن صحة أو بطلان شرط التحكيم القائم على مدى حصول موافقة الوزير المختص دون غيره عليه هي من القواعد المتعلقة بالنظام العام باعتبارها قد شرعت لمصلحة عامة بما يحق معه التمسك بالبطلان لطرفي التعاقد حال تخلفها.

14 - إذ كان الواقع في الدعوى- حسبما حصله الحكم المطعون فيه- أن الهيئة المطعون ضدها تعاقدت مع الشركة الطاعنة بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 على توصيل الغاز الطبيعي إلى المناطق السكنية والتجارية والصناعية ومحطات القوى بمحافظة الشرقية، وقد تضمن هذا العقد من الشروط وتوفر له مقومات تكييفه بأنه عقد إداري- بلا خلاف بين طرفيه- واتفق فيه على حسم المنازعات التي تنشأ بينهما عن تطبيقه عن طريق التحكيم، وإذ كانت الهيئة المطعون ضدها وفقا لقانون إنشائها رقم 20 لسنة 1976 وقرار رئيس الجمهورية رقم 164 لسنة 2007 بتشكيل مجلس إدارتها تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة إلا أنها تمارس اختصاصات محددة لا تملك فيها سلطة وزير البترول، إذ إن قراراتها خاضعة لإشرافه ورقابته، ومن ثم فلا يتمتع الرئيس التنفيذي للهيئة بسلطات الوزير بالمعنى المقصود بالفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم، وكانت الأوراق قد خلت مما يدل على موافقة وزير البترول على شرط التحكيم الوارد بالعقد أو اعتماده وإجازته، فإن هذا الشرط يكون قد وقع باطلا، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم المستند إلى شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين طرفي التداعي تأسيسا على بطلان الاتفاق على التحكيم لعدم موافقة وزير البترول عليه، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه على غير أساس.

15 - المقرر- في قضاء محكمة النقض- أن استخلاص الإجازة الضمنية للعقد والقبول الضمني وعدمها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بشرط أن يكون بيانها سائغا.

16 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنة الوارد بسببي الطعنين "أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاع حاصله أن الموافقة على شرط التحكيم الوارد في اتفاقية توصيل الغاز المبرمة مع الهيئة المطعون ضدها تستفاد ضمنا من حضور وزير البترول لمراسم توقيع العقد، وكذا صدور حكمين لصالحها في التحكيمين رقمي ... لسنة 2004 و... لسنة 2006 من مركز القاهرة الإقليمي بشأن نزاعين آخرين عن ذات العقد وقامت الهيئة بتنفيذهما دون أن تتمسك ببطلانهما لعدم موافقة وزير البترول على شرط التحكيم، فضلا عن استمرار الهيئة المطعون ضدها في تنفيذ الاتفاقية حتى الآن، وهو ما يعد قبولا ضمنيا منها لشرط التحكيم وملزما لها ويمنعها من التمسك ببطلانه، وخلص إلى عدم صدور إجازة ضمنية أو قبول ضمني من جانب وزير البترول لشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين طرفي التداعي واللذين يقع على عاتقهما إبرامه وفق صحيح القانون لكون الخطاب التشريعي بوجوب موافقة الوزير المختص على شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية موجه إلى طرفي التعاقد، وأن تنفيذ الاتفاق تم من جانب الهيئة المطعون ضدها وليس الوزير المختص والذي لا يصح هذا الشرط إلا بموافقته، وكان هذا الاستخلاص سائغا له مأخذه الصحيح من الأوراق بما يكفي لحمله.

17 - لا يعيب الحكم إغفاله لبعض مستندات الطاعنة أو عدم رده عليها ما دام أنها غير مؤثرة في الدعوى، ومن ثم يكون النعي بهذين السببين جدلا موضوعيا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره، وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى غير مقبول.

---------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الهيئة المطعون ضدها في الطعنين أقامت أمام محكمة استئناف القاهرة الدعوى رقم ... لسنة 126ق على الشركة الطاعنة فيهما بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التحكيم رقم ... لسنة 2008 الصادر من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 2009 لحين الفصل في الموضوع، وفي الموضوع ببطلان حكم التحكيم سالف البيان، وقالت بيانا لذلك إن الطاعنة لجأت إلى التحكيم بناء على شرط التحكيم المنصوص عليه في العقد المبرم بينهما بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 والذي التزمت الأخيرة بموجبه بتوصيل الغاز الطبيعي إلى بعض المناطق بمحافظة الشرقية، فأصدرت هيئة التحكيم حكمها، وإذ شاب هذا الحكم البطلان لعدم موافقة وزير البترول على شرط التحكيم قبل اللجوء للتحكيم فقد أقامت الدعوى ببطلانه، وبتاريخ 27 من مايو سنة 2010 قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم الصادر في الدعوى التحكيمية رقم ... لسنة 2008 تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي الصادر بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 2009. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 13313، 13460 لسنة 80ق، وقدمت النيابة مذكرة في كل طعن أبدت فيهما الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة- في غرفة مشورة- حددت جلسة لنظرهما، وفيها ضمت الطعن الثاني إلى الأول، والتزمت النيابة رأيها.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الطعنين قد أقيم كل منهما على سببين من عدة وجوه، تنعى الطاعنة بالوجه الأول من السبب الأول منها في الطعن الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ قضى ببطلان حكم التحكيم موضوع النزاع لبطلان شرط التحكيم الوارد في الاتفاقية الأصلية المبرمة بين طرفي التداعي بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 لعدم موافقة وزير البترول عليه، في حين أنه وافق على هذه الاتفاقية وفقا للإضافة رقم (2) المدونة بها وكذا الإضافة رقم (1) الموقعة في 29 من أبريل سنة 2001 باعتماده للتنازل عن الاتفاقية بما تضمنته من بنود ومنها شرط التحكيم من الهيئة المطعون ضدها إلى الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأن الشارع- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- عد من الإجراءات الجوهرية في الطعن بطريق النقض أن يناط بالخصوم أنفسهم تقديم الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن في المواعيد التي حددها القانون. وإذ لم تقدم الطاعنة رفق طعنها الاتفاقية المبرمة بينها وبين الهيئة المطعون ضدها بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 حتى يمكن التحقق من تضمنها إضافتين مثبت بهما موافقة وزير البترول واعتماده شرط التحكيم، إعمالا لحكم المادة 255 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007، فإن النعي على الحكم المطعون بهذا الوجه يكون مفتقرا لدليله، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الأول من سببي الطعن الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، إذ أهدر حجية الأمر المقضي لحكم التحكيم رقم ... لسنة 2008 الصادر من مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي مخالفا بذلك نص المادة 55 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، وقضى ببطلانه، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، ولئن كان في الأصل وليد إرادة الخصوم إلا أن أحكام المحكمين- شأن أحكام القضاء- تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائما ولم يقض ببطلانه، وهو ما أكدته المادة 55 من القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، وكانت المادة 53 من ذات القانون تقضي ببطلان حكم التحكيم وقبول الدعوى بذلك في الحالات التي عددتها ومن بينها ما أوردته في الفقرة (ز) منها من وقوع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم. لما كان ذلك، وكانت الهيئة المطعون ضدها قد أقامت الدعوى المطروحة بطلب بطلان حكم التحكيم موضوع النزاع لأسباب عددتها في صحيفة دعواها ومنها بطلان شرط التحكيم لعدم موافقة الوزير المختص عليه وهو ما يندرج في مفهوم الفقرة (ز) من المادة 53 سالفة البيان التي تجيز الالتجاء إلى دعوى بطلان حكم المحكمين، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى بطلان شرط التحكيم لهذا السبب ورتب على ذلك قضاءه ببطلان حكم التحكيم، فإنه لا يكون قد أهدر حجيته، وإنما قضى بالبطلان لتحقق إحدى الحالات التي تستوجب القضاء ببطلانه، ويضحى النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثالث من السبب الأول من سببي الطعن الأول والسبب الأول من سببي الطعن الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وفي بيان ذلك تقول إن إبرام الرئيس التنفيذي للهيئة المطعون ضدها للعقد موضوع النزاع معها متضمنا شرط التحكيم لا يوجب موافقة وزير البترول على هذا الشرط، كما أن استيفاء تلك الموافقة هي مسئولية المطعون ضدها وحدها، ومن ثم يجب إعمال آثار شرط التحكيم واعتباره صحيحا مراعاة لحسن نيتها وإعمالا لنظرية الوضع الظاهر، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم موضوع النزاع تأسيسا على بطلان شرط التحكيم الوارد في العقد لعدم موافقة وزير البترول عليه، مفسرا نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم على نحو مخالف للقواعد القانونية لتفسير النصوص التشريعية، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن تفسير النصوص القانونية المراد تطبيقها على واقعة الدعوى المطروحة على المحكمة هو من صميم عملها وأولى واجباتها للوصول إلى معرفة حكم القانون فيما هو معروض عليها، وأن إعمال التفسير اللغوي أو اللفظي للنص باستنباط المعنى الذي أراده الشارع من الألفاظ والعبارات التي يتكون منها النص سواء من عبارته أو إشارته أو دلالته فإذا تعذر على القاضي الوقوف على قصد المشرع عن طريق التفسير اللغوي فقد تعينه على الكشف عن هذا القصد عناصر خارجية أي غير مستمدة من الدلالات المختلفة للنص كالأعمال التحضيرية والمصادر التاريخية والحكمة من النص والجمع بين النصوص، وأن العبرة في تفسير النصوص هي بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، فإن التعرف على الحكم الصحيح في النص يقتضي تقصي الغرض الذي رمى إليه والقصد الذي أملاه، فالأحكام القانونية تدور مع علتها لا مع حكمتها، ومن ثم لا يجوز إهدار العلة، وهي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم للأخذ بحكمة النص، وهو ما شرع الحكم لأجله من مصلحة أريد تحقيقها أو مفسدة أريد رفعها، ومن المقرر أنه وإن خلا التقنين المدني من تحديد المقصود بالنظام العام، إلا أن المتفق عليه أنه يشمل القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح الأفراد، فيجب على الجميع مراعاة هذه المصلحة وتحقيقها، ولا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت هذه الاتفاقات لهم مصالح فردية باعتبار أن المصلحة الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة، وسواء ورد في القانون نص يحرمها أو لم يرد، وهي فكرة نسبية فالقاضي في تحديد مضمونها مقيد بالتيار العام السائد بشأنها في بلده وزمانه، مما تعتبر معه مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض وفي ذلك ضمانة كبرى لإقامة هذا التحديد على أسس موضوعية، وكان قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 قد خول بنص الفقرة الثانية من المادة 53 منه للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان سلطة القضاء ببطلان حكم التحكيم من تلقاء ذاتها، إذا تضمن الحكم ما يخالف النظام العام في مصر، وقد تحدث المخالفة بسبب ما ينص عليه القانون بالنسبة للعملية التحكيمية، وقد تكون المخالفة هي فقط القضاء بما يخالف النظام العام في مصر، فلا يكفي مخالفة الحكم لقاعدة آمرة في القانون المصري. لما كان ذلك، وكان النص في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 على أنه "وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك "يدل- وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع تعديل بعض أحكام قانون التحكيم وتقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عن هذا التعديل- أنه رغبة في حسم الخلاف حول مدى جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية بنص فاصل لا تتوزع الآراء معه وتلتقي عنده وتستقر كل الاجتهادات جاء التعديل بالإضافة على المادة الأولى من قانون التحكيم سالف الذكر بنص يقرر صراحة جواز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية، ويحدد السلطة الإدارية التي يرخص لها بإجازة مثل هذا الاتفاق واعتماده، ضبطا لاستعمالها وضمانا لوفاء اتفاق التحكيم عندئذ باعتبارات الصالح العام، وبحيث يكون المرد في هذا الشأن للوزير المختص أو من يمارس اختصاصاته في الأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيرا كالجهاز المركزي للمحاسبات، وإحكاما لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر مشروع القانون التفويض في ذلك الاختصاص فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه المهمة، إعلاء لشأنها وتقديرا لخطورتها ولاعتبارات الصالح العام وباعتبار أن الوزير يمثل الدولة في وزارته، ومفاد ذلك هو وجوب موافقة الوزير المختص على الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية أو موافقة من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وليست الهيئات العامة التي تتبع الوزير ويحظر التفويض في ذلك الاختصاص، وترتيبا على ذلك فإن صحة أو بطلان شرط التحكيم القائم على مدى حصول موافقة الوزير المختص دون غيره عليه هي من القواعد المتعلقة بالنظام العام باعتبارها قد شرعت لمصلحة عامة بما يحق معه التمسك بالبطلان لطرفي التعاقد حال تخلفها. لما كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى- حسبما حصله الحكم المطعون فيه- أن الهيئة المطعون ضدها تعاقدت مع الشركة الطاعنة بتاريخ 6 من يناير سنة 1999 على توصيل الغاز الطبيعي إلى المناطق السكنية والتجارية والصناعية ومحطات القوى بمحافظة الشرقية، وقد تضمن هذا العقد من الشروط وتوفر له مقومات تكييفه بأنه عقد إداري- بلا خلاف بين طرفيه- واتفق فيه على حسم المنازعات التي تنشأ بينهما عن تطبيقه عن طريق التحكيم، وإذ كانت الهيئة المطعون ضدها وفقا لقانون إنشائها رقم 20 لسنة 1976 وقرار رئيس الجمهورية رقم 164 لسنة 2007 بتشكيل مجلس إدارتها تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة إلا أنها تمارس اختصاصات محددة لا تملك فيها سلطة وزير البترول، إذ إن قراراتها خاضعة لإشرافه ورقابته، ومن ثم فلا يتمتع الرئيس التنفيذي للهيئة بسلطات الوزير بالمعنى المقصود بالفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون التحكيم، وكانت الأوراق قد خلت مما يدل على موافقة وزير البترول على شرط التحكيم الوارد بالعقد أو اعتماده وإجازته، فإن هذا الشرط يكون قد وقع باطلا، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ببطلان حكم التحكيم المستند إلى شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين طرفي التداعي تأسيسا على بطلان الاتفاق على التحكيم لعدم موافقة وزير البترول عليه فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويضحى النعي عليه على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني من سببي الطعنين على الحكم المطعون فيه البطلان للقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاع حاصله أن الموافقة على شرط التحكيم الوارد في اتفاقية توصيل الغاز المبرمة مع الهيئة المطعون ضدها تستفاد ضمنا من حضور وزير البترول لمراسم توقيع العقد، وكذا صدور حكمين لصالحها في التحكيمين رقمي ... لسنة 2004 و... لسنة 2006 من مركز القاهرة الإقليمي بشأن نزاعين آخرين عن ذات العقد وقامت الهيئة بتنفيذهما دون أن تتمسك ببطلانهما لعدم موافقة وزير البترول على شرط التحكيم، فضلا عن استمرار الهيئة المطعون ضدها في تنفيذ الاتفاقية حتى الآن، وهو ما يعد قبولا ضمنيا منها لشرط التحكيم وملزما لها ويمنعها من التمسك ببطلانه، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لهذا الدفاع الجوهري المؤيد بالمستندات فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن استخلاص الإجازة الضمنية للعقد والقبول الضمني وعدمها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بشرط أن يكون بيانها سائغا. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنة الوارد بسببي الطعنين وخلص إلى عدم صدور إجازة ضمنية أو قبول ضمني من جانب وزير البترول لشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين طرفي التداعي واللذين يقع على عاتقهما إبرامه وفق صحيح القانون لكون الخطاب التشريعي بوجوب موافقة الوزير المختص على شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية موجه إلى طرفي التعاقد، وأن تنفيذ الاتفاق تم من جانب الهيئة المطعون ضدها وليس الوزير المختص والذي لا يصح هذا الشرط إلا بموافقته، وكان هذا الاستخلاص سائغا له مأخذه الصحيح من الأوراق بما يكفي لحمله، فلا يعيب الحكم إغفاله لبعض مستندات الطاعنة أو عدم رده عليها ما دام أنها غير مؤثرة في الدعوى، ومن ثم يكون النعي بهذين السببين جدلا موضوعيا فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى غير مقبول.