جلسة 12 من مايو سنة 1994
برئاسة السيد المستشار/
محمد رأفت خفاجي - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد بدر الدين
المتناوي، شكري جمعة، فتيحة قرة - نواب رئيس المحكمة، وماجد قطب.
------------
(157)
الطعن رقم 2740 لسنة 59
القضائية
(1)حكم
"حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم قاصرة على
طرفي الخصومة حقيقة أو حكماً. أسباب الحكم التي تحوز الحجية. ماهيتها. ما لم تنظر
فيه المحكمة لا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
(2)إيجار "إيجار الأماكن". عقد "آثار العقد". خلف.
آثار العقد. قاصرة على
طرفيه والخلف العام أو الخاص. المستأجر الأصلي لا ينوب عن المقيمين معه في التعاقد
على الإيجار. أثر ذلك. عدم جواز اعتبارهم مستأجرين أصليين.
(3)إيجار "إيجار الأماكن". أحوال شخصية "مسكن الزوجة".
قيام الزوجة المستأجرة
بإعداد مسكن الزوجية. إقامة زوجها معها. اعتبار إقامته على سبيل التسامح. علة ذلك.
(4)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الأدلة وفهم الواقع في الدعوى".
تحصيل فهم الواقع في
الدعوى. من سلطة محكمة الموضوع. شرطه. أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
عدم التزامها بالرد استقلالاً على كل حجة ما دام في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها
وأوردت دليلها فيه الرد الضمني المسقط لما يخالفها.
--------------
1 - نص المادة 101 من
قانون الإثبات يدل على أن حجية الأحكام القضائية في المسائل المدنية لا تقوم إلا
بين من كان طرفاً في الخصومة أو حكماً وأنها لا تلحق بأسباب الحكم إلا ما كان منها
مرتبطاً بمنطوقه ارتباطاً وثيقاً وفيما فصل فيه الحكم بصفة صريحة أو ضمنية حتمية
أما ما لم تنظر فيه المحكمة فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي.
2 - المقرر - في قضاء
محكمة النقض - أن النص في المادة 152 من القانون المدني على أنه "لا يرتب
العقد التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقاً" يدل على أن مبدأ نسبية
العقد يهيمن على قوته الملزمة بالنسبة للأشخاص والموضوع بما يقتضي أن أثر العقد
إنما يقتصر على طرفيه والخلف العام أو الخاص أو الدائنين في الحدود التي بينها
القانون، فلا تنصرف الحقوق الناشئة عنه والالتزامات المتولدة منه إلا إلى عاقديه
ولئن كان لعقد إيجار الأماكن طابع عائلي وجماعي لا يتعاقد فيه المستأجر ليسكن فيه
بمفرده بل ليعيش معه أفراد أسرته ولمن يتراءى له إيواؤهم الذين لا تترتب في ذمتهم
التزامات قبل المؤجر خلال فترة مشاركتهم المستأجر الأصلي في السكن، ويبقى هذا
الأخير هو الطرف الأصلي والوحيد في التعامل مع المؤجر، ولا يسوغ القول بأن
المقيمين مع المستأجر يعتبرون مستأجرين أصليين أخذاً بأحكام النيابة الضمنية
انحرافاً عن المبادئ العامة في نسبية أثر العقد لأن هؤلاء ليسوا طبقاً للقانون
أطرافاً في عقد الإيجار ولا تربطهم بالمؤجر أية علاقة تعاقدية مباشرة أو غير
مباشرة سواء كانت إقامتهم في بداية الإيجار أو بعده وإنما تمتعهم بالإقامة في
العين كان قياماً من المستأجر بالتزامات وواجبات أدبية ذات طابع خاص قابلة للتغيير
والتعديل متعلقة به هو ولا شأن لها بالمؤجر.
3 - المقرر شرعاً أن
الزوج هو المكلف بإعداد مسكن الزوجية فإذا قامت الزوجة بإعداده وأقام معها زوجها
فإن ذلك يكون على سبيل التسامح وتكون إقامة الأخير مع زوجته وانتفاعه بالسكنى بشقة
النزاع هو انتفاع متفرغ عن حق زوجته وتابع لها في استمرارها في شقتها ما دامت قد
بقيت هي فيها.
4 - المقرر - في قضاء
محكمة النقض - أن لمحكمة الموضوع تحصيل فهم الوقائع في الدعوى، وهي متى أقامت
قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله فإنها لا تكون ملزمة بتعقب الخصوم في شتى مناحي
دفاعهم وكافة ما يعرضونه من مستندات أو التحدث في حكمها عن كل قرينة يدلي بها
الخصوم استدلالاً على دعواهم عن طريق الاستنباط ولا تثريب عليها إن لم تفرد
أسباباً ببيان مسوغات ما ارتأت إطراحه منها، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها
وأوردت دليلها التعليل الضمني لإطراح هذه القرائن وتلك المستندات.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون
ضدهما الدعوى رقم 5515 لسنة 1986 أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم
بثبوت العلاقة الإيجارية فيما بينه وبين المطعون ضدها الأولى عن الشقة المبينة
بالصحيفة وتمكينه من الانتفاع بها وكف منازعة المطعون ضدها الثانية في هذا
الانتفاع، وقال بياناً لذلك إنه استأجر شقة النزاع من المدعو "........"
المالك السابق ونظراً لظروف عمله بالخارج فقد تحرر عقد الإيجار المؤرخ 1/ 11/ 1967
باسم زوجته "........" وإزاء تردد الأخيرة عليه بدولة الكويت فقد استضاف
المطعون ضدها الثانية - والدة زوجته - للإقامة بالشقة لرعاية أولاده، ولإسباغ
الشرعية على إقامتها فقد تنازلت زوجته لها عن عقد الإيجار تنازلاً صورياً وتم
تحرير عقد إيجار باسمها مؤرخ 1/ 11/ 1968، واستمر يقيم بعين النزاع وأسرته والمطعون
ضدها بوصفها المستأجر الأصلي حتى 15/ 7/ 1981 حيث قامت المطعون ضدها الثانية
وابنها باغتصاب الشقة وتحرر عن ذلك المحضر رقم 4039 لسنة 1981 إداري النزهة والذي
صدر فيه قرار النيابة العامة بتمكينه من شقة النزاع، وإذ تصالح مع المطعون ضدها
الثانية فقد حرر مشارطة تحكيم مؤرخة 2/ 11/ 1981 تنازل بمقتضاها عن تنفيذ قرار
النيابة العامة بتمكينه من شقة النزاع ورفضت المطعون ضدها الثانية إعادة منقولاته،
فأقامت زوجته على المطعون ضدهما الدعوى رقم 7704 لسنة 1981 مدني كلي شمال القاهرة
بطلب إلزام المطعون ضدها الأول بتحرير عقد إيجار لها عن الشقة محل لنزاع وقضى فيها
بالرفض كما أقام هو الدعوى رقم 6132 لسنة 1982 مدني كلي شمال القاهرة بطلب بطلان
مشارطة التحكيم حيث قضى له في الاستئناف رقم 1249 لسنة 100 ق القاهرة بالطلبات
فأقام الدعوى. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد سماع شهود الطرفين، حكمت
برفض الدعوى استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 6707 لسنة 105 ق القاهرة.
وبتاريخ 24/ 5/ 1989 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم
بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على
المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
سببين ينعي الطاعن بالوجه الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة
القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقول إن الثابت من أسباب الحكم الصادر في
الاستئناف رقم 1249 لسنة 100 ق القاهرة أنه يقيم وأسرته بشقة النزاع كمستأجرين
أصليين لها وبها منقولاتهم وهو قضاء في مسألة أولية يحوز قوة الأمر المقضي، وإذ
أهدر الحكم المطعون فيه حجية هذا الحكم بمقولة أن المطعون ضدها الثانية هي
المستأجرة لعين التداعي فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 101 من قانون
الإثبات على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من
الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية
إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً
وسبباً، وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها "يدل على أن حجية الأحكام
القضائية في المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفاً في الخصومة حقيقية أو
حكماً وأنها لا تلحق بأسباب الحكم إلا ما كان منها مرتبطاً بمنطوقه ارتباطاً
وثيقاً وفيما فصل فيه الحكم بصفة صريحة أو ضمنية حتمية أما ما لم تنظر فيه المحكمة
فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز قوة الأمر المقضي. لما كان ذلك، وكان البين من
الحكم الصادر في الاستئناف رقم 1249 لسنة 100 ق القاهرة أنه لم يتعرض لواقعة إقامة
الطاعن وأسرته بشقة النزاع كمستأجرين أصليين لها، وأن المطعون ضدها الأولى لم تكن
طرفاً فيه، فإن مؤدى ذلك أن هذا الحكم لا يحوز حجية في النزاع المطروح وإذ التزم
الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعي
بباقي أوجه الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور
في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إن الثابت من أقوال شاهديه
أمام محكمة الموضوع والمحاضر أرقام 3515، 4039 لسنة 1981، 3717 و5655 لسنة 1982،
7822 لسنة 1984 إداري النزهة، 3154 لسنة 1981 جنح النزهة وقرار النيابة العامة
بتمكينه وأسرته من العين موضوع النزاع وإقرار مالكة العقار المطعون ضدها الأولى
بأنه هو المستأجر الحقيقي لعين التداعي، وأنه وأسرته لم يتركوا الإقامة بها حتى
بعد تحرير عقد الإيجار الصادر للمطعون ضدها الثانية، كما جاءت أقوال شاهدي الأخيرة
متناقضة مع الثابت بالأوراق وأخصها الحكم رقم 1249 لسنة 100 ق القاهرة، وإذ ذهب
الحكم المطعون فيه إلى القول بأن المطعون ضدها الثانية هي المستأجرة لعين النزاع
بعد أن تنازلت زوجته لها عن عقد الإيجار بما يمتنع معه على المالكة المطعون ضدها
الأولى أن تحرر عقد إيجار آخر له عملاً بنص المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977
وانتهى إلى تأييد الحكم المستأنف الصادر برفض الدعوى، في حين أنه لا يحاج بهذا
التنازل المقول به ولا يسقط حقه في الانتفاع بشقة التداعي سواء بصفته مستأجراً
أصلياً أو مساكناً منذ بدء الإجارة دون انقطاع، هذا إلى أن الحكم لم يحقق صورية
التنازل الصادر من زوجته لوالدتها المطعون ضدها الثانية ولم يتحدث عن المستندات
المقدمة منه في الدعوى بشيء رغم مالها من دلالة فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة 152 من القانون
المدني على أنه لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقاً يدل
على أن مبدأ نسبية العقد يهيمن على قوته الملزمة بالنسبة للأشخاص والموضوع بما
يقتضي أن أثر العقد إنما يقتصر على طرفيه والخلف العام أو الخاص أو الدائنين في
الحدود التي بينها القانون، فلا تنصرف الحقوق الناشئة عنه والالتزامات المتولدة
منه إلا إلى عاقديه، ولئن كان لعقد إيجار الأماكن طابع عائلي وجماعي لا يتعاقد فيه
المستأجر ليسكن فيه بمفرده بل ليعيش معه أفراد أسرته ولمن يتراءى له إيواؤهم الذين
لا تترتب في ذمتهم التزامات قبل المؤجر خلال فترة مشاركتهم المستأجر الأصلي في
السكن، ويبقى هذا الأخير هو الطرف الأصلي والوحيد في التعامل مع المؤجر، ولا يسوغ
القول بأن المقيمين مع المستأجر يعتبرون مستأجرين أصليين أخذاً بأحكام النيابة
الضمنية انحرافاً عن المبادئ العامة في نسبية أثر العقد، لأن هؤلاء ليسوا طبقاً
للقانون أطرافاً في عقد الإيجار ولا تربطهم بالمؤجر أية علاقة تعاقدية مباشرة أو
غير مباشرة سواء كانت إقامتهم في بداية الإيجار أو بعده وإنما تمتعهم بالإقامة في
العين كان قياماً من المستأجر بالتزامات وواجبات أدبية ذات طابع خاص قابلة للتغيير
والتعديل متعلقة به هو لا شأن لها بالمؤجر، ومن المقرر شرعاً أن الزوج هو المكلف
بإعداد مسكن الزوجية، فإذا قامت الزوجة بإعداده وأقام معها زوجها فإن ذلك يكون على
سبيل التسامح، وتكون إقامة الأخير مع زوجته وانتفاعه بالسكنى بشقة النزاع هو
انتفاع متفرغ عن حق زوجته وتابع لها في استمرارها في شقتها ما دامت قد بقيت هي
فيها، ومن المقرر أيضاً أن لمحكمة الموضوع تحصيل فهم الوقائع في الدعوى، وهي متى
أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله فإنها لا تكون ملزمة بتعقب الخصوم في شتى
مناحي دفاعهم وكافة ما يعرضونه من مستندات أو التحدث في حكمها عن كل قرينة يدلي
بها الخصوم استدلالاً على دعواهم عن طريق الاستنباط ولا تثريب عليها إن لم تفرد
أسباباً ببيان مسوغات ما ارتأت إطراحه منها، إذ في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها
وأوردت دليلها التعليل الضمني لإطراح هذه القرائن وتلك المستندات، لما كان ذلك،
وكان الواقع في الدعوى أن الطاعن ليس هو المستأجر الأصلي لشقة النزاع وإنما
المستأجر الأصلي لتلك الشقة هي زوجته طبقاً للثابت بالحكم الصادر في الدعوى رقم 7704
لسنة 1981 مدني كلي شمال القاهرة واستئنافها رقم 3792 لسنة 102 ق القاهرة والذي
بموجبه تنازلت زوجة الطاعن بمحض إرادتها عند عقد استئجارها لشقة التداعي لوالدتها
المطعون ضدها الثانية والتي تحرر لها عقد إيجار جديد باسمها عن تلك الشقة في 1/
11/ 1981 من المالك السابق للعقار وأصبحت بموجب هذا التعاقد هي المستأجرة الأصلية
لشقة النزاع، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في حدود سلطته الموضوعية من أقوال
الشهود في الدعوى ولأسباب كافية لحملة أن المطعون ضدها الثانية هي المستأجرة لعين
النزاع بعد أن تنازلت زوجة الطاعن لها عن عقد استئجارها وبالتالي لا يسوغ للمالكة
المطعون ضدها الأولى أن تحرر عقد إيجار آخر للطاعن عملاً بنص المادة 24 من القانون
رقم 49 لسنة 1977 ورتب الحكم على ذلك تأييد الحكم المستأنف الصادر برفض الدعوى
فإنه يكون قد أنزل القانون منزله الصحيح على واقعة الدعوى، ولا يعيبه بعد ذلك إن
هو أطرح ما قد يكون لمستندات الطاعن من دلالة مخالفة ولم يرد عليه استقلالاً ما
دام أن في الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها الرد الضمني المسقط لها ويكون
النعي عليه في هذا الصدد على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض
الطعن.