برياسة السيد المستشار/ مختار مصطفى رضوان نائب رئيس المحكمة, وعضوية
السادة المستشارين: محمد عبد المنعم حمزاوي, ومحمد نور الدين عويس, ومحمد أبو
الفضل حفني, وأنور خلف.
-----------
- 1 رشوة. جريمة. "أركان
الجريمة". موظفون عموميون.
كفاية أن يكون للموظف نصيب من الأعمال المطلوب أداؤها يسمح له بتنفيذ
الغرض من الرشوة.
لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها
داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة - بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ
الغرض منها, وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس.
2 ، 3 - رشوة.
جريمة. "أركان الجريمة". موظفون عموميون.
متى تتحقق جريمة الرشوة في حق الموظف العام ومن في حكمه؟
2 - تتحقق جريمة الرشوة في جانب الموظف ومن
في حكمه - طبقاً لنص المادتين 103 و103 مكرراً من قانون العقوبات - متى قبل أو أخذ
وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل
عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك
كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد.
- 3 تقع جريمة الرشوة تامة بمجرد
طلب الموظف الجعل، أو أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير
حق، ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام
العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف.
- 4 رشوة. جريمة. "أركان
الجريمة". موظفون عموميون.
الزعم بالاختصاص. توافره بمجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل
الذي لا يدخل في اختصاصه.
يتوافر الزعم بالاختصاص ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به، إذ يكفي
إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك
منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص.
- 5 رشوة. جريمة. "أركان الجريمة".
موظفون عموميون.
تنفيذ الغرض من الرشوة. ليس ركنا في الجريمة.
إن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة.
- 6 رشوة. جريمة. "أركان الجريمة".
موظفون عموميون.
تسوية الشارع، بما استحدثه من نصوص، بين ارتشاء الموظف وبين احتياله
باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه.
سوى الشارع، في نطاق جريمة الرشوة، بما استنه في نصوصه التي استحدثها
بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن
طريق الاتجار فيها.
--------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 24/5/1965 بدائرة قسم شبرا
محافظة القاهرة: بصفته موظفا عموميا "وكيل قلم شئون الأفراد بالإدارة المالية
بهيئة السكة الحديد" طلب لنفسه وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب
وأخذ من ..... "الكاتب بالإدارة المالية بقلم الفرز" مبلغ جنيهين لضم
مدة خدمته السابقة بشركة ترام القاهرة سابقا لمدة خدمته الحالية بهيئة السكة
الحديد في المعاش. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته
طبقا للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام, فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت
في الدعوى حضوريا عملا بالمواد 103 و111/1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم
بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق
النقض... إلخ.
-------------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة
الارتشاء قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه الفساد في التسبيب، ذلك بأن تحرير
الخطاب - الذي دفع الجعل من أجله - إلى هيئة النقل العام للاستعلام عن مدة الخدمة
السابقة للمبلغ لا يندرج تحت اختصاص الطاعن ولا هو زعم باندراجه فيه، بل ليس من
أعمال سواه من الموظفين كذلك، ومن ثم فإن ما طلب أو أخذ يكون من عمل غير وظيفي
وغير مزعوم اتصاله بالوظيفة، وقد ربط الحكم بين تحرير الخطاب وبين ضم مدة الخدمة
لقاء جعل يتفق عليه فيما بعد مع أن الشاهد المبلغ لم يذكر أن الجعل دفع من أجل ضم
مدة الخدمة السابقة إلى معاشه ومع أن ذلك ممتنع قانوناً لما سبق للطاعن أن رفضه
لهذه العلة، كما خلا الحكم من بيان العمل الذي رأى أن له علاقة بالوظيفة مما يعيبه
بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى أن من يدعى ...
كان يعمل بشركة ترام القاهرة قبل أن تتبع هيئة النقل العام في الفترة من عام 1937
إلى عام 1949 ثم التحق بهيئة السكة الحديد بوظيفة أمين مخزن في عام 1951 إلى أن
صدر القانون رقم 50 لسنة 1953 الخاص بالتأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها،
فتقدم إلى المدير العام المالي للهيئة التي يعمل بها بعدة طلبات لضم مدة خدمته
السابقة بشركة الترام إلى المعاش كان آخرها الطلب المؤرخ 30/5/1964 والذي طلب فيه
الاستعلام من هيئة النقل العام عن مدة خدمته السابقة بعد أن رفضت تسليمه شهادة
عنها وكلفته طلبها رسمياً من الجهة التي يعمل فيها، وذلك توطئة لضمها إلى معاشه،
وقد أشر مساعد المدير المالي بتحويل الطلب المذكور إلى رئيس شئون الأفراد بالإدارة
المالية الذي أحاله بدوره في 31/5/1964 إلى المتهم الطاعن (وكيل قلم المستخدمين
بالإدارة المالية) لاختصاصه بفحص هذه الطلبات وإبداء الرأي النهائي بشأنها، فأثبت
بالطلب أن الطالب يشغل درجة يومية ولا يجوز ضم مدة شركة الترام إلى مدة اليومية،
وأنه لا مبرر لذلك للاستعلام عن مدة خدمته السابقة وأشر بحفظ الطلب. وبتاريخ
19/5/1965 تقابل الطالب مع المتهم بمكتبه ليستفسر عن سبب عدم تنفيذ طلباته السابقة
فكلفه أن يتقدم إليه بطلب جديد لا يثبت تاريخه يطلب فيه الاستعلام من هيئة النقل
العام عن مدة خدمته بشركة الترام توطئة لضمها إلى معاشه، وطلب المتهم منه لنفسه
مبلغ جنيهين يدفعه على سبيل الرشوة ليخاطب هيئة النقل العام بشأن مدة عمله السابقة
ثم يتخذ بعد ذلك إجراءات ضم مدة خدمته وذلك لقاء مبلغ آخر يتفق عليه مستقبلاً بعد
ضم المدة. وإذ قابله قدم له طلبه ونقده جعل الرشوة مبلغاً معلماً ثم ضبطه معه بناء
على أمر من النيابة العامة بذلك. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه
الأدلة، وأثبت على الطاعن بإقراره وشهادة رؤسائه والعاملين معه تحديداً لاختصاصه
الوظيفي أنه يعمل وكيلاً لقلم المستخدمين بالإدارة المالية، ويدخل في اختصاصه فحص
الشروط التي يتطلبها ضم مدة الخدمة السابقة للخدمة الحالية في المعاش، أما القرار
الذي يصدر بالضم فهو من اختصاص قسم المعاشات، وانتهى من تقريره واستدلاله إلى
إدانة المتهم بجريمة الرشوة المقامة، وهو تقرير صحيح في الواقع سديد في القانون،
ذلك بأنه يبين من المساق المتقدم أن المتهم طلب الرشوة وأخذها ليقوم بعمل معين هو
توجيه الخطاب إلى هيئة النقل العام للاستفسار منها عن مدة الخدمة السابقة للطالب
بعد أن تعذر عليه الحصول منها على إفادة رسمية بذلك بناء على طلبه توطئة لطلب ضم
تلك المدة إلى معاشه، وأن هيئة النقل هي التي كلفته بالالتجاء إلى الجهة الرسمية
التي يعمل بها لمخاطبتها في هذا الشأن. ولما كان المتهم مختصاً بالتحقيق من
استيفاء الشروط التي يتطلبها ضم مدة الخدمة السابقة إلى الخدمة الحالية في المعاش،
وكان بالضرورة مختصاً بمخاطبة الجهة التي كان يعمل بها طالب الضم لإفادته عن تلك
المدة، وهو كل العمل الوظيفي الذي دفع الجعل مقابلاً له، ولا يمكن اعتبار الموظف
المتهم مقحماً نفسه على ما لا شأن له به إذا قام بالاستفسار عن أمر لازم لمباشرة
اختصاصه بحسب النطاق المرسوم لأعمال الوظيفة كما حددها القانون أو كلفه به رؤساؤه
تكليفاً صحيحاً. وتحرير الخطاب بهذا المضمون أمر مستقل عن ضم مدة الخدمة السابقة
للموظف الطالب سواء كان هذا الضم جائزاً أو ممتنعاً قانوناً لأن بحث أحقية طالب
الضم لا يعرض بالبداهة إلا بعد معرفة المدة المطلوب ضمها، وهو ما تفطن إليه الحكم
وبينه. لما كان ذلك، وكان قضاء محكمة النقض قد جرى على أنه لا يشترط في جريمة
الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة
- بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها، وأن يكون من عرض
الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس، وكان المستفاد من نص المادتين 103 و103 مكرراً
من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو
طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو
خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو
يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد، وكان الزعم
بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي مجرد إبداء الموظف
استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك منه يفيد
ضمناً زعمه ذلك الاختصاص، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو
أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق، ولا يستطيعه الموظف
أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب في ذاته
وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف، وما دام أن زعم الاختصاص يكفي لتمام
الجريمة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة، ولأن الشارع سوى
في نطاق جريمة الرشوة بما استنه في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين
احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن
الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس
موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين هما الاحتيال
والارتشاء، فلا جدوى للطاعن من جراء ما يثيره من دعوى انتفاء الاختصاص الوظيفي،
وتعذر تنفيذ العمل المطلوب بحسب القانون. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه
قد تفطن إلى المعاني القانونية المتقدمة، وكان لم يقصر في بيان حدود اختصاص الموظف
ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض
موضوعاً.