الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 أكتوبر 2018

دستورية انتقال حيازة السلف إلى الخلف الخاص دون الخلف العام


القضية رقم 180 لسنة 24 ق " دستورية " جلسة 6 / 7 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من يوليو سنة 2014م، الموافق الثامن من رمضان سنة 1435 هـ .
برئاسة السيد المستشار / أنور رشاد العاصي النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور / حنفي على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور / عادل عمر شريف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد على غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 180 لسنة 24 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / نادر سالم نجيب عبد اللطيف
ضد
1 - السيد رئيس مجلس الوزراء
2 - السيد / زكى نجيب عبد اللطيف
3 - السيد / حسنى نجيب عبد اللطيف
4 - السيدة / نبيلة نجيب عبد اللطيف
ورثة رينيه نجيب عبد اللطيف، وهم :
5 -السيد / أشرف البرت ناثان
6 -السيدة / ليليان البرت ناثان
7- السيدة / أستر نجيب عبد اللطيف
8 -السيدة / راشيل نجيب عبد اللطيف
9- السيدة / جانيت حنا معوض
10- السيد / نبيل سالم عبد اللطيف
11 -السيدة / تريز سالم نجيب عبد اللطيف
12 -السيدة /ماريا سالم نجيب عبد اللطيف
13 -السيد المستشار المحامى العام لنيابات الزقازيق الكلية
14 -السيد محضر أول محكمة بندر أول الزقازيق
الإجراءات
-بتاريخ 4/6/2002، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى ، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (955) من القانون المدني .
-وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت في ختامها رفض الدعوى .
-وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
-ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن مورث المدعى المرحوم / سالم نجيب عبد اللطيف كان شريكًا بحق النصف في المحل الكائن بالعقار رقم (12) ( مدن – عوايد) بميدان الصاغة بالزقازيق مع مورث المدعى عليهم / يوسف نجيب عبد اللطيف – وهم المدعى عليهم من الثاني حتى التاسع – والمسمى محل أولاد نظيم داود لتجارة المشغولات الذهبية ،وقد توفى – مورث المدعى – في غضون عام 1978، وبتاريخ أول يناير سنة 1983 تم الاتفاق بين مورث المدعى عليهم يوسف نجيب عبد اللطيف مع أرملة مورث المدعى السيدة / لولى نزهان المعمد – بصفتها وصية على أولادها القصر آنذاك ومن بينهم المدعى – على تصفية هذه الشركة وإنهائها بحيث يؤول المحل المذكور وعقارات أخرى إلى المدعى وأشقائه مقابل أن تؤول مصوغات المحل المذكور إلى مورث المدعى عليهم من الثاني حتى التاسع، وقد أقامت الوصية ضد مورث المدعى عليهم من الثاني وحتى التاسع الدعاوى أرقام 1536 لسنة 1983، 6247 لسنة 1983، 6254 لسنة 1983، 4947 لسنة 1987 كلى الزقازيق طلبًا للحكم بصحة ونفاذ هذه العقود، وقد انتهت جميعها صلحًا .
 وإذ توفى مورث المدعى عليهم من الثاني وحتى التاسع بتاريخ 22/4/1984، فقد أقاموا الدعوى رقم 5641 لسنة 1984 مدنى كلى الزقازيق، بطلب إبطال هذا العقد وقد قضى في هذه الدعوى استئنافيًا في الاستئناف رقم 486 لسنة 29 ق استئناف عالي المنصورة بجلسة 20/12/1994 برفض دعوى البطلان، وتأيد هذا الحكم بالطعن بالنقض رقم 2022 لسنة 65 ق بجلسة 27/6/1999 والقاضي بعدم قبول الطعن؛ واستنادًا لهذا الحكم أقام المدعى وورثة سالم نجيب عبد اللطيف الدعوى رقم3104 لسنة 1996 مدنى كلى الزقازيق بطلب الحكم بإلزام ورثة / يوسف نجيب عبد اللطيف بتسليم المحل موضوع العقد وطلبات أخرى ، فقضى لصالحهم بإلزام الورثة المذكورين بالتسليم، وطعن على هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 1613 و1777 لسنة 40 ق أمام محكمة استئناف المنصورة مأمورية الزقازيق، وقضى فيهما بجلسة 21/4/1998 بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزام بالتسليم، وبتاريخ 10/11/1998 تم تنفيذ هذا الحكم بموجب محضر التسليم وأصبح المحل في حوزة ورثة سالم نجيب عبد اللطيف ومنهم المدعى ،مع الإشارة إلى أن النيابة العامة كانت قد تحفظت على المحل موضع التداعي بناء على طلب الوصية على المدعى اعتبارًا من عام 1984، وظل تحت التحفظ مغلقًا حتى 7/2/1995عند ما تسلم المدعى وإخوته المحل من النيابة العامة بموجب محضر تسليم؛ كما أنه في غضون عام 1995 – وقبل صدور حكم التسليم لصالح المدعى وإخوته وتنفيذه بتاريخ10/11/1998 – ثار نزاع على حيازة هذا المحل بين المدعى وورثة سالم نجيب عبد اللطيف من جهة ، وورثة يوسف نجيب عبد اللطيف من جهة أخرى تحرر عنه المحضران رقما 1354 لسنة 1995 و4368 لسنة 1995 قسم أول الزقازيق وانتهى قرار المحامي العام بتاريخ18/12/1995 إلى تمكين طرفي النزاع جميعًا من حيازة المحل .
 وإذ لم يرتض الطرفان هذا القرار، فطعن عليه ورثة / سالم نجيب عبد اللطيف بالتظلم رقم 326 لسنة 1995 مستعجل الزقازيق، كما طعن المدعى عليهم – الثاني والثالث والرابعة – في الدعوى الدستورية بالتظلم رقم 4لسنة 1996 مستعجل الزقازيق، فقررت تلك المحكمة ضم التظلم رقم 4 لسنة 1996 إلى التظلم رقم 326 لسنة 1995 ليصدر فيهما حكم واحد؛ وحال نظرهما دفع المدعى بعدم دستورية المادة (955) من القانون المدني ؛ وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
 وحيث إن المادة (955) من القانون المدني تنص على أن " 1- تنتقل الحيازة للخلف العام بصفاتها، على أنه إذا كان السلف سيئ النية وأثبت الخلف أنه كان في حيازته حسن النية جاز له أن يتمسك بحسن نيته .
2- ويجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه في كل ما يرتبه القانون على الحيازة من أثر " .
 وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، فإذا لم يكن له بها من صلة كانت الدعوى غير مقبولة .
 لما كان ذلك وكان حكم البند (2) من نص المادة (955) المشار إليها يدور حول انتقال حيازة السلف إلى الخلف الخاص دون الخلف العام، وكانت الخصومة في الدعوى الموضوعية تدور حول انتقال الحيازة إلى الخلف العام دون الخلف الخاص، ومن ثم فلا يكون للقضاء في دستورية هذا البند اثر على الدعوى الموضوعية ، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى في الطعن على هذا البند، ومن ثم يتحدد نطاق المنازعة الدستورية الماثلة بنص البند (1) من المادة (955) من القانون المدني وحدها .
 وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه أنه يقرر توريث الحيازة لورثة الحائز بغض النظر عن شرعية حيازة السلف بينما الحق في الحيازة لصيق بشخص المالك ومن ثم يترتب على وفاة الحائز – من وجهة نظره –انقطاعها وعودتها إلى المالك، وإلا عُد ذلك افتئاتًا على الحق في الملكية يحول دون أن يخلص الملك لأصحابه؛ كما أن انتقال الحيازة إلى الورثة ينطوي على إخلال بالتوازن والمساواة بين مصالح الحائز والمالك، ويجرد الملكية الخاصة من لوازمها، وهو ما يتناقض وأحكام المواد (32) و(34) و(40) من دستور 1971 .
 وحيث إنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الطبيعة الآمرة للدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية ، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة ، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها –وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
 وحيث إن المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون عليه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي ، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص في ضوء الدستور الصادر سنة 2014 .
 وحيث إن ما نعاه المدعى على النص الطعين في جملته مردود بأن الوثيقة الدستورية القائمة قد حرصت على تأكيد مبدأ العدالة الاجتماعية في المواد (1 و8 و27 و78) منها لتكشف بيقين عن حق المشرع في تنظيم الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة بما يحقق النفع العام والخير العام، ولو اقتضى الأمر تحميل الملكية الخاصة بقيود يبررها الصالح العام، الأمر الذى يمنح المشرع السلطة التقديرية لتنظيم الحقوق جميعًا ومن بينها الحق في الملكية ، وما يتفرع عنه بشأن مسألة الحيازة ؛ إلا أن القيود التي يفرضها الدستور لصون هذه الحقوق من صور العدوان المحتمل عليها هي التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يكون تدخلا لتنظيم التشريعي فيها هادمًا للحقوق التي كفلها الدستور أو مؤثرًا في محتواها بما ينال منها، ومرد ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر من فراغ ولا يعتبر مقصودًا لذاته بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها وطريق الوصول إليها .
 ومن حيث إن النص المطعون فيه – البند (1)من المادة (955) من القانون المدني – يتعلق بالحيازة ، وهى تلك السلطة الفعلية أو الواقعية التي يباشرها الحائز على شيء بحيث تكون في مظهرها الخارجي وفى قصد الحائز مزاولة للملكية أو لحق عيني آخر، وهذه السلطة الفعلية في الحيازة قد تكون مستندة إلى حق يعترف به القانون للحائز، وقد لا تكون هذه السلطة مستندة إلى حق، فالحيازة ليست مزاولة لحق، إذ ليس هناك تلازم حتمي بين الحيازة ووجود حق للحائز، ومن ثم فالحيازة مجرد وضع فعلى أو واقعى ، الأمر الذى جعل الحيازة من حيث الحماية المقررة لها والآثار التي تترتب عليها واقعة لها خطورتها، مما دعا المشرع إلى كفالة هذه الحماية وترتيب الآثار عليها لاعتبارات قدَّرها، باعتبار أن حماية الحيازة تعتبر في الحقيقة حماية للحق من خلال الواقع الظاهر، إلى جانب أن ضرورة حفظ النظام في المجتمع تقتضى ألا يعتدى على الأوضاع الواقعية القائمة تجنبًا للجوء لانتزاع الحيازة بالقوة بما يؤدى إلى الفوضى والاضطراب .
 وإذ كان ما تقدم، وكان التنظيم التشريعي الذى استند إليه المشرع في البند (1) من المادة (955) المطعون عليها، إنما استهدف الصالح العام محققًا أبلغ درجات العدالة في حفاظه على حق الخلف العام حسن النية ،ليقرر له الحماية القانونية الواجبة كقرينة قانونية – قابلة لإثبات العكس – خاضعة لتقدير ورقابة القضاء، الأمر الذى لا ينال بذاته من حقوق الغير – سواء المالك أو غيره – ولا ينتقص منها، والمشرع في تنظيمه للنص الطعين إنما استصحب حيازة السلف متدخلاً لحماية مؤقتة لحسن نية الخلف العام قاصدًا تحقيق السلام الاجتماعي حتى يصير التنازع على الحيازة من خلال الوسائل القانونية ، وذلك كله في إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ومن ثم فلا توريث لحيازة في هذا الشأن، ولا إخلال بتوازن بين الحائز والمالك على النحو الذى ينعاه المدعى على هذا النص بل هو تحقيق لمصلحة مشروعة تتفق وأحكام الدستور.
 وحيث إنه عما ينعاه المدعى عن مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة المقرر بالمادة (53) من الدستور، فلما كان هذا المبدأ– في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام؛ وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التي حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائمًا على أسس موضوعية ،مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعًا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع ولو تضمن تمييزًا، ولا ينال من مشروعية الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابيًا عن الكمال .
 وحيث إنه متى كان ذلك وكان المشرع لم يخرج في النص المطعون فيه عن الحدود والضوابط الدستورية الحاكمة لسلطته التقديرية ، وإنما تغيا تقنين الحماية القانونية للخلف العام الحائز حسن النية تحت رقابة القضاء، الأمر الذى يكون مسلكه التشريعي في هذا الشأن قد جاء متفقًا وصحيح الدستور.
 وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص محل الطعن الماثل لا يخالف أحكام المواد ( 1، 8، 27، 53، 78) من الوثيقة الدستورية ، أو أي حكم آخر منها .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

دستورية إلغاء طريق الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية


القضية رقم 24 لسنة 33 ق " دستورية " جلسة 6 / 4 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من أبريل سنة 2014م، الموافق السادس من جمادى الآخرة سنة 1435 هـ.
برئاسة السيد المستشار / أنور رشاد العاصي النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفي على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 24 لسنة 33 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / .........
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد رئيس مجلس الشعب
4- السيد النائب العام
5- السيد وزير العدل
6- السيدة / ..........
الإجراءات
بتاريخ السابع عشر من فبراير سنة 2011، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً في ختامها الحكم: 
أولاً: بعدم دستورية نص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004.
ثانياً: بعدم دستورية القرار والكتاب الدوري الصادر عن محكمة النقض المانع لقبول الطعون بالنقض في أحكام الدوائر الاستئنافية بمحاكم الأسرة .
ثالثاً: بعدم دستورية نصي المادتين (62) و (63) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية .
رابعاً: بإلزام أجهزة الدولة المطعون ضدها المتمثلة في الحكومة ، بإلغاء النصوص المطعون عليها مع العمل على إزاحة كل الآثار المترتبة عليها، والعمل على تمكين الطاعن في الملاذ إلى قضاء محكمة النقض لعرض الدعاوى المذكورة عليها مع تكليفها بإزالة جميع العوائق الإجرائية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق في أن المدعى عليها السادسة كانت قد أقامت ضد المدعي الدعوى رقم 162 لسنة 2008 أمام محكمة الأسرة بمنيا القمح؛ بطلب الحكم بإثبات نسب صغيرها "نادر" من والده " المدعي "، على سند من القول بأنها تزوجت منه بموجب عقد رسمي برقم 5430 في 7/12/2003، ورزقت منه على فراش الزوجية الصحيح بالطفل المذكور، إلا أن المدعي رفض قيد ميلاده بمكتب الصحة المختص، وبجلسة 25/11/2009 قضت المحكمة لها بطلباتها؛ فطعن المدعي على هذا الحكم أمام محكمة استئناف المن صورة "مأمورية الزقازيق" وقُيد استئنافه برقم 4483 لسنة 52 ق، وبجلسة 26/12/2010 دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة . وبجلسة 27/4/2011 قضت محكمة استئناف المنصورة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف .
وحيث إن المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004 تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض".
وحيث إن المادة (62) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، تنص على أن "للخصوم وللنيابة العامة الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، كما يكون لهم الطعن بالنقض في القرارات الصادرة من هذه المحاكم في مواد الحجر والغيبة والمساعدة القضائية وعزل الوصي وسلب الولاية أو وقفها أو الحد منها أو ردها واستمرار الولاية أو الوصاية أو الحساب".
كما تنص المادة (63) من القانون ذاته على أنه "لا تنفذ الأحكام الصادرة بفسخ عقود الزواج أو بطلانها أو بالطلاق أو التطليق إلا بانقضاء مواعيد الطعن عليها بطريق النقض، فإذا طعن عليها في الميعاد القانوني، استمر عدم تنفيذها إلى حين الفصل في الطعن.
وعلى رئيس المحكمة أو من ينيبه تحديد جلسة لنظر الطعن مباشرة أمام المحكمة في موعد لا يجاوز ستين يوماً من تاريخ إيداع صحيفة الطعن قلم كتاب المحكمة أو وصولها إليه، وعلى النيابة العامة تقديم مذكرة برأيها خلال ثلاثين يوماً على الأكثر قبل الجلسة المحددة لنظر الطعن.
وإذا نقضت المحكمة الحكم كان عليها أن تفصل في الموضوع".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مقتضى نص المادة (29/ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979، أن يتحدد نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أُثير أمام محكمة الموضوع وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته . ولما كان المدعي قد قصر دفعه بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع على نص المادة (14) من قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004، وهو ما انصب عليه التصريح الصادر منها بإقامة الدعوى الدستورية ، فإن نطاق الدعوى الراهنة يتحدد في هذا النص دون سواه، وبه تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي بحسبان أن الفصل في دستوريته سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية ، وينحل الطعن على سائر النصوص الأخرى السالفة البيان طعناً مباشراً بطريق الدعوى الأصلية ؛ بالمخالفة للأوضاع التي رسمها القانون، متعيناً عدم قبوله.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (40) و (65) و(68) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذا النص قد حرمه من درجة من درجات التقاضي، وحال بينه وبين اللجوء إلى قاضيه الطبيعي المتمثل في محكمة النقض التي تفصل في المسائل القانونية التي تتضمنها الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية ، ومايز بينه وبين النائب العام الذي يحق له استثناءً الطعن بالنقض طبقاً للمادة (250) من قانون المرافعات، كما مايز بينه وبين سائر الخصوم الذين صدرت في شأنهم أحكام من غير محاكم الأسرة ، بالرغم من وحدة طبيعة الدعوى وتكافؤ المراكز القانونية للمتداعين في كلتا الحالتين، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزاً تحكمياً غير مبرر، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة وتقييداً لحق التقاضي وإهداراً لمبدأ سيادة القانون.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام دستور سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية .
وحيث إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (40، 65، 68) من دستور سنة 1971، وكانت نصوص هذه المواد تتضمن الأحكام الدستورية ذاتها التي تنص عليها المواد (53، 2/94، 97) من دستور سنة 2014 المشار إليه.
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافة ً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتأيه محققاً للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضاً أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستورياً هو ما يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يُعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبياً لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهياً، كان التمييز انفلاتاً وعسفاً، فلا يكون مشروعاً دستورياً.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنها سلطة تقديرية ، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرناً، فلا يكون إفراطاً يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافاً بها عن أهدافها، ولا تفريطاً مجافياً لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواماً، التزاماً بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً. ومن هنا فإن ضمان سرعة الفصل في القضايا غايته أن يتم الفصل في الخصومة القضائية بعد عرضها على قضاتها خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهياً، وقصر حق التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة ، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين؛ أولهما: أن يكون هذا القصر قائماً على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة وخصائص الحقوق المثارة فيها، وثانيهما: أن تكون الدرجة الواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل في عناصر النزاع جميعها الواقعية منها والقانونية فلا تراجعها فيما تخلص إليه من ذلك أية جهة أخرى ، تبعًا لذلك فلا يجوز من زاوية دستورية انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها إلا وفق أسس موضوعية ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا.
وحيث إنه من المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية ، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعاً، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصوراً على بعضهم، ولا منصرفاً إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفراً من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، من ضبطاً وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن المشرع قد تغيا من النص المطعون فيه وعلى ما تضمنته الأعمال التحضيرية لقانون إنشاء محاكم الأسرة الم تضمن لهذا النص سرعة حسم المنازعات المتصلة بالأسرة ؛ لما تتسم به هذه المنازعات من طبيعة خاصة تتعلق، في جوهرها، بأخص أمور العلاقات الإنسانية ، والقضاء على تكدس القضايا بالمحاكم وتوفير جهد القضاة ، ورفع العنت عن كاهل الزوجة لضمان استقرار الأسرة ، وتحقيق مصالح الصغار بوجه خاص وتجنيبهم كضحايا للخلافات الزوجية الكثير من المعاناة في أروقة المحاكم، وفض تعارض الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم بدرجاتها في مسائل الأحوال الشخصية ، وفي سبيل ذلك؛ عمد المشرع إلى استحداث نظام قضائي متكامل يجمع منازعات الأسرة أمام محكمة واحدة تتمتع بالخبرة والتخصص؛ تُشكل من ثلاثة قضاة ؛ أحدهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة ، وتختص بمسائل كان ينفرد بنظر العديد منها قاض فردى ، وتستأنف أحكامها أمام دائرة من دوائر محكمة الاستئناف المشكلة من ثلاثة مستشارين؛ أحدهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة استئناف، على حين كانت أحكام المحاكم الجزئية قبل العمل بقانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه تستأنف أمام إحدى دوائر المحكمة الابتدائية التي تُشكل من ثلاثة قضاة . كما أضفى المشرع على محاكم الأسرة مكنة تحقيق الصلح بين أفراد الأسرة الواحدة بما يُسمى بالبعد الاجتماعي لدور محكمة الموضوع، عن طريق معاونتها بنيابة متخصصة في شئون الأسرة ؛ تتولى تهيئة الدعوى ، ومكتب لتسوية المنازعات الأسرية ، وفريق من الإخصائيين في المجالين الاجتماعي والنفسي، مما أدى بالمشرع إلى الاستغناء عن طريق طعن غير عادي يتمثل في الطعن بالنقض يكون من شأنه إطالة أمد النزاع وزعزعة المراكز القانونية لأفراد الأسرة ، واكتفى في حسم تلك المنازعات بقضاء محاكم الاستئناف المشكلة من عناصر تتمتع بالخبرة الطويلة والتخصص، بما يجعل إلغاء طريق الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية متفقاً وطبيعة الدعاوى التي تصدر فيها هذه الأحكام.
وحيث إن النص المطعون فيه قد أجاز للنائب العام الطعن بطريق النقض لمصلحة القانون في الأحوال المقررة بالمادة (250) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ، دون إفادة الخصوم من هذا الطعن، وقد استند هذا النص في ذلك وعلى ما يتبين من الأعمال التحضيرية في شأنه إلى قاعدة موضوعية تتمثل في استهداف توحيد المبادئ القانونية في شأن إعمال أحكام النص المطعون فيه، لوضع حد للخلاف حول تطبيقه في المنازعات المنظورة أمام المحاكم وقت صدور حكم محكمة النقض بناءً على ذلك الطعن؛ وبالتالي استقرار المراكز القانونية لأطراف هذه المنازعات. ومن ثم فإن النص المطعون فيه؛ وإن مايز في هذا الصدد بين المتداعين الخاضعين لأحكامه من جهة والنائب العام من جهة أخرى ، إلا أن هذا التمييز؛ وقد شُيد على أساس القاعدة الموضوعية السالفة البيان، فإنه ينهض تمييزاً مبرراً غير قائم على أساس تحكمى .
وحيث إن النص المطعون فيه، ولئن ترتب على تطبيقه كذلك تمايز بين المتداعين في مسائل الأحوال الشخصية ، مقتضاه عدم إمكان الخاضعين لحكمه الطعن بالنقض على الأحكام النهائية الصادرة في شأنهم، في حين أنه إعما لاً لأحكام المادتين الثانية والثالثة من مواد القانون رقم 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة ؛ فإن غير المخاطبين بالنص المطعون فيه من سائر المتداعين في مسائل الأحوال الشخصية وهم الذين صدرت في شأنهم أحكام من غير محاكم الأسرة يتمتعون بحق الطعن بالنقض أو الاستمرار في نظره أمام محكمة النقض، حسب الحالة التي توجد عليها منازعاتهم قبل تاريخ العمل بهذا القانون، إلا أن هذا التمييز قد ورد على أساس قاعدة موضوعية تبرره؛ تتمثل على ما فصلته الأعمال التحضيرية لقانون إنشاء محاكم الأسرة المشار إليه في ضرورة مواجهة ما أفرزه الواقع من الكثير من المشكلات العملية الناجمة عن حالات تعارض الأحكام والقرارات التي تصدر عن المحاكم بدرجاتها في مسائل الأحوال الشخصية وعدم ملاءمة هذا التعارض مع طبيعة البنيان الخاص بالأسرة المصرية على النحو السالف البيان مما دعا إلى ضرورة استحداث تنظيم تشريعي متكامل للتقاضي في هذه المسائل؛ يستهدف وضع حد لاستمرار تلك المشكلات العملية ، وهو ما يقع في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في إطار القيام بوظيفته في تطوير النظم القانونية القائمة ، وتبعًا لذلك فلا يقوم هذا التمييز على أساس تحكمي، بعد أن استند على قاعدة موضوعية تبرره.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النص المطعون فيه المشار إليه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائي للخصومة في المنازعات والدعاوى التي تختص بنظرها محاكم الأسرة ، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين أمامها نظاماً للتداعي يقوم على أساس نوع المنازعة ، بحيث تعرض الدعاوى على محكمة أول درجة ، وأجاز استئناف الأحكام الصادرة منها أمام الدوائر الاستئنافية ، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع من هذا القانون، والتي تتمثل على ما يتضح جلياً من أعما له التحضيرية في تحقيق المصلحة العامة عن طريق إقامة قضاء متخصص في نظر المنازعات ذات الطابع الأسري وما يستلزمه ذلك من حسم هذه المنازعات بالسرعة التي تتفق مع الطبيعة الخاصة لهذه المنازعات التي يعُتبر الزمن عنصراً جوهرياً في حسمها، وعام لاً أساسياً لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال في الوقت ذاته بكفالة الضمانات الأساسية لحق التقاضي، ولا بأركانه التي كفلها الدستور على النحو السالف البيان، بما يكفل لأى من المتقاضين أمام هذه المحاكم، عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعاً بفرص متكافئة في الطعن على الحكم الصادر من أول درجة من درجات التقاضي أمام الدائرة الاستئنافية ، بما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلاً منصفاً يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً منهياً عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضي، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، ومن ثم تكون المغايرة التي اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات التقاضي أمام محاكم الأسرة على أساس نوع المنازعة باعتبارها تعكس أهميتها النسبية قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها ، وتبعًا لذلك تنتفي قالة الإخلال بمبدأ المساواة أو تقييد حق التقاضي.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفاً لأحكام المواد (53، 2/94، 97) من دستور سنة 2014، كما لا يخالف أى أحكام أخرى من هذا الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى .
وحيث إن محكمة استئناف المن صورة ، ولئن استمرت في نظر الدعوى الموضوعية وقضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وكان يتعين عليها بعد تقديرها جدية الدفع بعدم الدستورية وتصريحها للمدعي بإقامة دعواه الدستورية الراهنة أن تتربص قضاء هذه المحكمة في المسألة الدستورية ، إلا أن حكمها في الدعوى الموضوعية لا يناقض في أثره ما انتهى إليه الحكم في الدعوى الدستورية الراهنة برفضها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

دستورية تفويض وزير الداخلية في تعديل جداول الأسلحة


القضية رقم 205 لسنة 25 ق "دستورية " جلسة 12 /10 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الثانى عشر من أكتوبر سنة 2014م، الموافق الثامن عشر من ذى الحجة سنة 1435 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد عبد العزيز الشناوي وسعيد مرعى عمرو والدكتور / عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر والدكتور/ حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /عمرو محمد رمضان أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 205 لسنة 25 قضائية "دستورية " .
المقامة من
السيد/ عبد الكريم صابر حسن
ضد
1 - السيد رئيس مجلس الوزراء
2 - السيد وزير العدل
3 - السيد وزير الداخلية
"الإجراءات"
بتاريخ الخامس عشر من شهر يوليو سنة 2003،أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية قرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995 فيما تضمنه من استبدال الجدول رقم (3) " الأسلحة المششخنة "، بالجدول الصادر بالقانون رقم 394لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم أصليًا : بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيًا : برفضها .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أحالت المدعى إلى محكمة الجنايات، في القضية رقم 13902 لسنة 2002 جنايات مركز نجع حمادي بمحافظة قنا، بوصف أنه في يوم 9/8/2002، أحرز سلاحًا ناريًّا مششخنًا ( بندقية آلية ) مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه، وأحرز ذخائر
(عدة طلقات ) مما تستعمل في ذلك السلاح، والذى أحدث بالمجنى عليه، مصطفى إبراهيم تمام، الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي ، والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد على عشرين يومًا . وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد ( 1/2) ، (6) ، (26/3، 5) ، (30/1 ) من القانون رقم394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر، المعدل بالقانونين رقمى 26 لسنة 1978، 165لسنة 1981، والبند رقم (ب) من القسم الثاني من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول، والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995 بتعديل الجدول رقم (3)الملحق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، والمادة ( 241/1، 2 )من قانون العقوبات . وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى (المتهم) بعدم دستورية قرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995 المشار إليه . وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى المعروضة .
 وحيث إن إحراز وتداول الأسلحة والذخائر على اختلاف أنواعها قد نظمه القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانون رقم 101 لسنة 1980، والقانون رقم 165 لسنة 1981، والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والذى أُرفق به وقت صدوره ثلاثة جداول : الأول خاص بالأسلحة البيضاء، والثاني تعلق بالأسلحة غير المششخنة ، والثالث أو رد الأسلحة المششخنة في قسمين : الأول يضم المسدسات بجميع أنواعها والبنادق المششخنة من أي نوع؛ والثاني يتضمن المدافع والمدافع الرشاشة . ونصت المادة (1) من هذا القانون، بعد تعديلها بالقانونين رقمي 101 لسنة 1980 و165 لسنة 1981، على أنه " يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية ، أو من ينيبه عنه، حيازة أو إحراز الأسلحة النارية المبينة بالجدول رقم (2)، وبالقسم الأول من الجدول رقم (3)، وكذلك الأسلحة البيضاء المبينة في الجدول رقم (1) المرفق .
 ولا يجوز بأي حال الترخيص في الأسلحة المبينة في القسم الثاني من الجدول رقم (3)، وكاتمات أو مخفضات الصوت، والتليسكوبات التي تركب على الأسلحة النارية .
ولوزير الداخلية ، بقرار منه، تعديل الجداول الملحقة بهذا القانون، بالإضافة أو الحذف، عدا الأسلحة المبينة بالقسم الثانى من الجدول رقم (3)، فلا يكون التعديل فيها إلا بالإضافة " .
وحيث إن المواد من (25) إلى (31) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، قد بينت العقوبات المقررة على مخالفة الأحكام السابقة ، وكذلك أحوال الإعفاء من العقاب . إذ حددت المادة (25 مكررًا) من ذلك القانون عقوبة الحبس والغرامة لكل من يحوز أو يحرز بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة البيضاء المبينة بالجدول رقم (1)، ورصدت المادة (26)بعد تعديلها بالقانونين رقمى 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 - وقبل استبدالها بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 - عقوبة السجن وغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه لكل من يحوز أو يحرز بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2)،وعقوبة السجن المشدد لكل من يحوز أو يحرز بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأول من الجدول رقم (3)، وعقوبة السجن المؤبد لكل من يحوز أو يحرز سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثاني من الجدول رقم (3) .
 وحيث إنه وفقًا لما تقدم يكون المشرع، وهو بصدد تنظيم حيازة وإحراز الأسلحة ، قد وضع تنظيمًا لحيازة وإحراز الأسلحة البيضاء والأسلحة النارية غير المششخنة والمششخنة ، والتى حددها جميعها في الجداول الملحقة بالقانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه . وبمقتضى هذا التنظيم، فقد حظر المشرع إطلاقًا الترخيص في الأسلحة المبينة في القسم الثاني من الجدول رقم (3)،وأجاز حيازة أو إحراز باقي أنواع الأسلحة المبينة في الجداول المشار إليها بترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه، وأخضع المخالف للعقوبات الجنائية المقررة بهذا القانون، وفى الوقت ذاته، أجاز لوزير الداخلية ، بقرار منه، تعديل تلك الجداول، إضافة ً وحذفًا، باستثناء القسم الثاني من الجدول رقم (3)؛ والخاص بالمدافع والمدافع الرشاشة ؛ إذ لم يجز إدخال تعديل عليه إلا بالإضافة دون الحذف . وإعمالاً لهذه الرخصة ، فقد أصدر وزير الداخلية القرار رقم 13354 لسنة 1995 بتعديل الجدول رقم (3) سالف الإشارة ، بإضافة البنادق المششخنة ، نصف الآلية والآلية ، سريعة الطلقات، والمسدسات سريعة الطلقات، إلى القسم الثاني من هذا الجدول.
 وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن المصلحة الشخصية المباشرة تُعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية ، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك، وكان المدعى قد أحيل إلى المحاكمة الجنائية بوصف ارتكابه عدة جرائم، من بينها إحرازه سلاحًا ناريًّا مششخنًا ( بندقية آلية ) مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه؛ وكان قرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، المطعون عليه، قام بنقل ذلك السلاح، وغيره، من القسم الأول من الجدول رقم (3) - والتى كان يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها-إلى القسم الثاني من الجدول ذاته، لتكون ضمن الأسلحة التى لا يجوز الترخيص بها، وهو ما ينعكس بدوره على قدر العقوبة التي توقع بشأنها، من السجن المشدد إلى السجن المؤبد . ومن ثم، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى في الطعن على دستورية ذلك القرار تكون متوافرة ؛ وبه وحده يتحدد نطاق الدعوى المعروضة .
 وحيث إن المدعى ينعى على قرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995 المشار إليه أنه قد نقل البنادق الآلية سريعة الطلقات من القسم الأول من الجدول رقم (3) المرفق بالقانون رقم 394 لسنة 1954المشار إليه إلى القسم الثانى منه، وبذلك يكون قد شدد العقوبة على المتهم لتصبح السجن المؤبد بعد أن كانت السجن المشدد، بما يستتبعه ذلك من حرمان المتهم من الاستفادة بالرخصة المخولة للمحكمة في النزول بالعقوبة ، وإيقاف تنفيذها طبقًا لقانون العقوبات . ومن جانب آخر، فإن هذا القرار إذ صدر عن وزير الداخلية ، ولم يصدر بقانون، فإنه يكون قد افتأت على مبدأ مشروعية العقوبة ، وعلى سلطة مجلس الشعب في سن القوانين، ومتجاوزًا لصلاحيات السلطة التنفيذية التي تنصب على تنفيذ القانون، الأمر الذى يشكل مخالفة لأحكام المواد ( 66 و86 و144 ) من دستور سنة 1971.
 وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره. إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛ وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . لما كان ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية القرار المطعون عليه في ضوء أحكام الدستور القائم، الصادر في 18/1/2014، والذى ألغى بموجب المادة (246) منه ما سبق عليه من وثائق دستورية ؛ فأصبح بذلك هو المرجع الوحيد للرقابة الدستورية في البلاد .
 وحيث إن ما أثاره المدعى من مناعٍ على القرار المطعون عليه مردود بأن النص في المادة (95) من الدستور القائم، المقابلة لنص المادة (66) من دستور سنة 1971، من أنه " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، يدل على أن الأصل هو تولى السلطة التشريعية بنفسها- من خلال قانون بالمعنى الضيق تقره وفقًا للدستور - تحديد الجرائم وبيان عقوبتها، وليس لها بالتالي أن تتخلى كلية عن ولايتها هذه، بأن تعهد بها بأكملها إلى السلطة التنفيذية ، وإن كان يكفيها وفقًا للنص الدستوري المشار إليه أن تحدد إطارًا عامًّا لشروط التجريم وما يقارنها من جزاء، وأن تعهد إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم والعقاب، وذلك لاعتبارات تقدرها سلطة التشريع، وفى الحدود وبالشروط التى يعينها القانون الصادر منها .
 وحيث كان ذلك، وكان المشرع، بموجب أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، قد استعمل الرخصة الواردة بالمادة (66) من دستور سنة 1971، المقابلة للمادة (95) من الدستور القائم، فأو رد في المادة (26) منه الجزاءات الجنائية التى توقع على من يخالف الحظر الوارد في المادة (1) منه، والتي حددت إطارًا عامًا لشروط التجريم، بحظرها حيازة أو إحراز الأسلحة البيضاء والنارية المبينة في الجداول المرفقة بذلك القانون إلا بترخيص من وزير الداخلية ،وناطت به تعديل تلك الجداول، إضافة وحذفًا، مع قصر التعديل في القسم الثانى من الجدول رقم (3) على الإضافة دون الحذف . وقد جاء ذلك بمراعاة أن الهدف المبتغى والمبرر للترخيص بحمل الأسلحة يرتبط أساسًا بدواعي المحافظة على النفس والمال دون إخلال بأمن المجتمع وسلامته؛ واستشعارًا من المشرع لما يتطلبه تنظيم هذا الأمر، على مبلغه من الأهمية والخطورة ، من تقدير دقيق للدواعي الأمنية ، على ضوء أوضاعا لتطور المستمر في صناعة تلك الأسلحة ، وما يترتب على حيازتها وإحرازها من خطورة وأضرار من شأنها تهديد الأمن العام؛ وهو الأمر الذى يقتضى ضرورة مجابهتها وحسمها على وجه السرعة ، وبالمرونة اللازمة . وإذ التزم القرار اللائحي المطعون عليه حدود وضوابط تلك الرخصة التشريعية ، متوخيًا تحقيق الهدف المرجو منها، فإنه لا يكون قد خالف قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون؛ ولا يتضمن افتئاتًا على اختصاص سلطة التشريع بسن القوانين؛ ولا تغولاً من جانب السلطة التنفيذية عليها . ومن ثم، يضحى النعى عليه بمخالفة الدستور فاقدًا لسنده؛ وهو الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى .
فلهذه الأسباب
 حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

دستورية المادة 341 عقوبات (منقولات زوجية عارية الاستعمال)

القضية رقم 127 لسنة 30 ق " دستورية " جلسة 6 / 4 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
          بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من أبريل سنة 2014م، الموافق السادس من جمادى الأخرة سنة 1435 هـ.
برئاسة السيد المستشار / أنور رشاد العاصى      النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور حنفى على جبالى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف      نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع       أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 127 لسنة 30 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / سامى محمد حافظ الرفاعى
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية
2 السيد رئيس مجلس الشعب
3 السيد رئيس مجلس الوزراء
4 السيد وزير العدل
5 السيدة / هانم البندارى محمد هشام
الإجراءات
          بتاريخ الرابع عشر من إبريل سنة 2008، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى ، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (341) من قانون العقوبات .
     وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم، أولاً : بعدم اختصاص هذه المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى في خصوص مخالفة النص المطعون فيه لأحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، ثانيًا : برفض الدعوى فيما جاوز ذلك .
    وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
          بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
          حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى إلى المحاكمة الجنائية ، في الجنحة رقم 20835 لسنة 2007 جنح زفتى ، بطلب عقابه بالمادة (341) من قانون العقوبات، بوصف أنه قام بتبديد منقولات الزوجية المملوكة للمدعى عليها الخامسة ، والمسلمة إليه على سبيل عارية الاستعمال، فاختلسها لنفسه إضرارًا بها . وعن الواقعة ذاتها، أقامت المدعى عليها الخامسة ، الجنحة المباشرة رقم 23906 لسنة 2007 جنح زفتى ، ضد المدعى ، بطلب عقابه بالنص العقابي المشار إليه، وإلزامه بأن يؤدى لها تعويضًا مؤقتًا مقداره (2001) جنيهًا، فقررت المحكمة ضم تلك الجنحة ، للجنحة المقامة من النيابة العامة ، للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد . وحال نظرهما، دفع المدعى بعدم دستورية المادة (341) من قانون العقوبات . وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى المعروضة .
  وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى ، فيما يتعلق بمخالفة النص المطعون فيه لأحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، باعتبار أن تلك الاتفاقية – التي انضمت لها مصر – بعد التصديق عليها ونشرها، تكون لها قوة القانون، إعمالاً للمادة (151) من دستور 1971، المقابلة للمادة (151) من الدستور الحالى . فذلك الدفع مردود بأن قاعدة مخالفة نص في قانون لقانون آخر، وإن كانت لا تشكل في ذاتها خروجًا على أحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها، إلا أن ذلك لا يستطيل إلى حالة إذا ما كانت تلك المخالفة تشكل إخلالاً بأحد المبادئ الدستورية التي تختص هذه المحكمة بحمايتها والذود عنها . متى كان ذلك، وكانت قاعدة وجوب إعمال القانون الأصلح للمتهم، تجد سندها في صون الحرية الشخصية ، التي كفلتها المادة (41) من دستور سنة 1971، وأكدت عليها المادة (54) من الدستور الحالي . ومن ثم، يخضع أي نص قانوني يخالفها – إذا توافرت شروط إعمالها – للرقابة على الدستورية ، التي تقوم عليها هذه المحكمة ، الأمر الذى يكون معه الدفع المبدى بعدم اختصاصها مفتقدًا لسنده، ويجب الالتفات عنه .
وحيث إن المادة (341) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 تنص على أن " كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقودًا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك، إضرارًا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها، وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن، أو كانت سلمت له بصفة كونه وكي لاً بأجره أو مجانًا بقصد عرضها للبيع أو بيعها أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره، يحكم عليه بالحبس، ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى " .
          وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية ، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع .
          وحيث كان ذلك، وكان المدعى قد قدم للمحاكمة الجنائية ، بوصف قيامه بتبديد المنقولات المملوكة للمدعى عليها الخامسة ، والمسلمة إليه على سبيل عارية الاستعمال، فاختلسها لنفسه إضرارًا بمالكتها . وكان ذلك الفعل هو إحدى صور التجريم التي تضمنتها المادة (341) من قانون العقوبات، ويستأهل من يثبت اقترافه لأى منها، معاقبته بالحبس، الذى يجوز أن يقترن بعقوبة الغرامة . ومن ثم، فإن الفصل في مدى دستورية خضوع الفعل المشار إليه لنموذج التجريم الوارد بذلك النص، يرتب انعاكسًا أكيدًا ومباشرًا على الدعوى الموضوعية ، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريته، ويتحدد فيه – وحده – نطاق الدعوى المعروضة، دون سائر الأفعال الأخرى التي اشتمل عليها ذلك النص، وأخضعها للتجريم .
          وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - محددًا نطاقه على النحو المتقدم – انه إذ رصد عقوبة الحبس، التي يجوز أن تقترن بها عقوبة الغرامة ، على مجرد امتناع المتهم عن رد المال أو المنقول المسلم إليه، فإنه يكون قد أخل بأصل البراءة ، الذى لا يجوز نقضه بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة ، وتتكون منها عقيدتها. فضلاً عن أنه ينال من الحرية الشخصية ، ويخل بمبدأي شرعية الجرائم والعقوبات، وشخصية العقوبة ، ويتعارض مع نص المادة (11) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، الذى انضمت إليه مصر، فيما نصت عليه من أنه " لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي "، ويخل باستقلال السلطة القضائية ، وذلك كله بالمخالفة لنصوص المواد (41، 64، 65، 66، 67، 151، 165، 166) من دستور سنة 1971، الذى أقيمت الدعوى الدستورية المعروضة في ظل العمل بأحكامه .
          وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية ، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة ، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
          إذ كان ذلك، فإن المحكمة تتناول بحث دستورية النص المطعون فيه على ضوء أحكام الدستور الحالى الصادر في 18/1/2014، ممثلة في المواد (54، 94، 95، 96، 151، 184، 186) المقابلة للأحكام ذاتها التي تضمنتها المواد (41، 64، 65، 66، 67، 151، 165، 166) من دستور سنة 1971، التي ارتأى المدعى أن النص المطعون فيه قد خالفها .
          وحيث إن المقرر كذلك في قضاء هذه المحكمة أن الحرية الشخصية من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكام المادة (41) من دستور 1971، المقابلة للمادة (54) من الدستور الحالى ، والتى تنص على أن " الحرية الشخصية حق طبيعى ، وهى مصونة لا تمس "، وتُعد بمثابة القاعدة التي يرتكز عليها مبدأ رجعية النصوص العقابية الأصلح للمتهم بالنسبة لما اقترفه من جرائم في تاريخ سابق عليها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ، إلا أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقًا بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التي تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأسًا، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم في مجال تطبيقها بالنسبة إليه . وشرط إعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم، أن ينصب على المحل ذاته الذى أثمه القانون الأسبق عليه، وأن يتفقا وأحكام الدستور . إذ كان ذلك، وكانت المادة 93 من الدستور الحالى تنص على أن " تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة "، وكانت المادة (11) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، إذ نصت على أنه " لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدى فقط "؛ فمؤدى ذلك النص عدم جواز إنزال عقوبة سالبة للحرية على شخص، لمجرد إخلاله بالتزام تعاقدى ، طالما أن هذا الإخلال غير مقترن بسوء قصد . حال أن نص المادة (341) من قانون العقوبات – المطعون فيه – لا ترصد عقوبة الحبس، وما قد يقترن بها من غرامة ، على مجرد عدم رد المال أو المنقول لمالكه عند طلبه، بل يفترض لإنزال تلك العقوبة أن يكون الجانى سئ النية ، بتعمده اغتيال المال المسلم إليه، وحرمان صاحبه منه، إضرارًا به . ومن ثم، لا يُعد نص المادة (11) من العهد الدولى المشار إليه بمثابة قانون أصلح للمتهم، عن الأفعال التي أثمها النص المطعون فيه وحيث إن افتراض أصل البراءة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية ، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها . وقد غدا حتميًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة ، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة ، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة . لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أو رد بيانًا لصور الركن المادى المكون للجريمة ، وما يجب أن يقارنه من قصد عمدى من علم وإرادة ، ووجوب توافر قصد خاص فيه يتمثل في نية الإضرار بمالك المال، وكلها عناصر تتناضل النيابة العامة والمتهم في إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، والتى لا تقضى بإنزال العقوبة بالمتهم بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها، وتكوّن من مجموعها عقيدتها .
          وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها . إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه، في النطاق السالف تحديده – قد صيغت عباراته بطريقة واضحة لا خفاء فيها أو غموض، تكفل لأن يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها .
          وحيث إنه من المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائي على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائي ، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعي ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية ، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية .
          إذ كان ذلك، وكان المشرع قد توخى بالنص المطعون فيه حماية مصلحة اجتماعية معتبرة ، بهدف الحفاظ على كيان المجتمع ولحمته، تتمثل في وجوب توافر الثقة في المعام لات بين أفراد المجتمع، وصون حق الملكية وحمايته من العدوان عليه، وتوقى خيانة الائتمان ومكافحة اغتيال الأموال، وما ذلك إلا امتثالاً لقول الله تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .... " – الآية 58 من سورة النساء – وإذ رصد المشرع في النص المطعون فيه عقوبة الحبس الذى يجوز أن يقترن بعقوبة الغرامة لكل من بدد الأموال المسلمة إليه على سبيل عارية الاستعمال، وأوجب لاكتمال التجريم أن يتوافر لدى الجانى علم وإرادة باحتباس المال لنفسه، وزيد على ذلك قصد خاص يتمثل في انصراف نية الجانى إلى الإضرار بمالك المال . وجاءت العقوبة التي رصدها النص المطعون فيه، في إطار العقوبات المقررة للجرائم المعتبرة جنحًا، والمعاقب عليها بالحبس الذى يتراوح بين يوم واحد، وثلاث سنوات، ويجوز أن تقترن بها عقوبة الغرامة التي لا تتجاوز مائة جنيه مصري ، وتلك العقوبة فضلاً عن أنها تتناسب مع الإثم الجنائي لمرتكب تلك الجريمة ، دون أن يصيبها غلو أو يداخلها تفريط، فإنها تدخل في إطار سلطة المشرع التقديرية في اختيار العقاب، ودون مصادرة أو انتقاص من سلطة القاضي في تقريرها في ضوء الخطورة الإجرامية للمتهم، إذ احتفظ النص المطعون فيه للقاضي بسلطة تقديرية واسعة في الحكم بمدة الحبس المناسبة للفعل الذى قارفه الجانى ، بحسب ظروف كل جريمة وظروف مرتكبها، وله أن يقرن عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة ، بما لا يجاوز مائة جنيه .
          ومؤدى ما تقدم جميعه، أن النص المطعون فيه قد التزم جميع الضوابط الدستورية المتطلبة في مجال التجريم والعقاب، موضوعًا وصياغة ، بما لا مخالفة فيه لأى من المواد (54، 94، 95، 96، 151، 184، 186) من الدستور الحالي ، أو أى ًّ من أحكامه الأخرى ، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى .
فلهذه الأسباب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى ، ومصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .