القضية رقم 180 لسنة 24 ق " دستورية " جلسة 6 / 7 / 2014
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السادس من يوليو سنة 2014م،
الموافق الثامن من رمضان سنة 1435 هـ .
برئاسة السيد المستشار / أنور رشاد العاصي النائب الأول لرئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبد الرازق والدكتور / حنفي
على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو
والدكتور / عادل عمر شريف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد على غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 180 لسنة 24
قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / نادر سالم نجيب عبد اللطيف
ضد
1 - السيد رئيس مجلس الوزراء
2 - السيد / زكى نجيب عبد اللطيف
3 - السيد / حسنى نجيب عبد اللطيف
4 - السيدة / نبيلة نجيب عبد اللطيف
ورثة رينيه نجيب عبد اللطيف، وهم :
5 -السيد / أشرف البرت ناثان
6 -السيدة / ليليان البرت ناثان
7- السيدة / أستر نجيب عبد اللطيف
8 -السيدة / راشيل نجيب عبد اللطيف
9- السيدة / جانيت حنا معوض
10- السيد / نبيل سالم عبد اللطيف
11 -السيدة / تريز سالم نجيب عبد اللطيف
12 -السيدة /ماريا سالم نجيب عبد اللطيف
13 -السيد المستشار المحامى العام لنيابات الزقازيق الكلية
14 -السيد محضر أول محكمة بندر أول الزقازيق
الإجراءات
-بتاريخ 4/6/2002، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا
صحيفة هذه الدعوى ، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة (955) من القانون المدني .
-وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها طلبت في ختامها رفض الدعوى .
-وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
-ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل
في أن مورث المدعى المرحوم / سالم نجيب عبد اللطيف كان شريكًا بحق النصف في المحل
الكائن بالعقار رقم (12) ( مدن – عوايد) بميدان الصاغة بالزقازيق مع مورث المدعى
عليهم / يوسف نجيب عبد اللطيف – وهم المدعى عليهم من الثاني حتى التاسع – والمسمى
محل أولاد نظيم داود لتجارة المشغولات الذهبية ،وقد توفى – مورث المدعى – في غضون
عام 1978، وبتاريخ أول يناير سنة 1983 تم الاتفاق بين مورث المدعى عليهم يوسف نجيب
عبد اللطيف مع أرملة مورث المدعى السيدة / لولى نزهان المعمد – بصفتها وصية على
أولادها القصر آنذاك ومن بينهم المدعى – على تصفية هذه الشركة وإنهائها بحيث يؤول
المحل المذكور وعقارات أخرى إلى المدعى وأشقائه مقابل أن تؤول مصوغات المحل
المذكور إلى مورث المدعى عليهم من الثاني حتى التاسع، وقد أقامت الوصية ضد مورث
المدعى عليهم من الثاني وحتى التاسع الدعاوى أرقام 1536 لسنة 1983، 6247 لسنة
1983، 6254 لسنة 1983، 4947 لسنة 1987 كلى الزقازيق طلبًا للحكم بصحة ونفاذ هذه
العقود، وقد انتهت جميعها صلحًا .
وإذ توفى مورث المدعى عليهم
من الثاني وحتى التاسع بتاريخ 22/4/1984، فقد أقاموا الدعوى رقم 5641 لسنة 1984
مدنى كلى الزقازيق، بطلب إبطال هذا العقد وقد قضى في هذه الدعوى استئنافيًا في الاستئناف
رقم 486 لسنة 29 ق استئناف عالي المنصورة بجلسة 20/12/1994 برفض دعوى البطلان، وتأيد
هذا الحكم بالطعن بالنقض رقم 2022 لسنة 65 ق بجلسة 27/6/1999 والقاضي بعدم قبول الطعن؛
واستنادًا لهذا الحكم أقام المدعى وورثة سالم نجيب عبد اللطيف الدعوى رقم3104 لسنة
1996 مدنى كلى الزقازيق بطلب الحكم بإلزام ورثة / يوسف نجيب عبد اللطيف بتسليم
المحل موضوع العقد وطلبات أخرى ، فقضى لصالحهم بإلزام الورثة المذكورين بالتسليم،
وطعن على هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 1613 و1777 لسنة 40 ق أمام محكمة استئناف
المنصورة مأمورية الزقازيق، وقضى فيهما بجلسة 21/4/1998 بتأييد الحكم المستأنف
فيما قضى به من إلزام بالتسليم، وبتاريخ 10/11/1998 تم تنفيذ هذا الحكم بموجب محضر
التسليم وأصبح المحل في حوزة ورثة سالم نجيب عبد اللطيف ومنهم المدعى ،مع الإشارة
إلى أن النيابة العامة كانت قد تحفظت على المحل موضع التداعي بناء على طلب الوصية
على المدعى اعتبارًا من عام 1984، وظل تحت التحفظ مغلقًا حتى 7/2/1995عند ما تسلم
المدعى وإخوته المحل من النيابة العامة بموجب محضر تسليم؛ كما أنه في غضون عام
1995 – وقبل صدور حكم التسليم لصالح المدعى وإخوته وتنفيذه بتاريخ10/11/1998 – ثار
نزاع على حيازة هذا المحل بين المدعى وورثة سالم نجيب عبد اللطيف من جهة ، وورثة
يوسف نجيب عبد اللطيف من جهة أخرى تحرر عنه المحضران رقما 1354 لسنة 1995 و4368
لسنة 1995 قسم أول الزقازيق وانتهى قرار المحامي العام بتاريخ18/12/1995 إلى تمكين
طرفي النزاع جميعًا من حيازة المحل .
وإذ لم يرتض الطرفان هذا
القرار، فطعن عليه ورثة / سالم نجيب عبد اللطيف بالتظلم رقم 326 لسنة 1995 مستعجل
الزقازيق، كما طعن المدعى عليهم – الثاني والثالث والرابعة – في الدعوى الدستورية
بالتظلم رقم 4لسنة 1996 مستعجل الزقازيق، فقررت تلك المحكمة ضم التظلم رقم 4 لسنة
1996 إلى التظلم رقم 326 لسنة 1995 ليصدر فيهما حكم واحد؛ وحال نظرهما دفع المدعى
بعدم دستورية المادة (955) من القانون المدني ؛ وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع،
وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (955) من
القانون المدني تنص على أن " 1- تنتقل الحيازة للخلف العام بصفاتها، على أنه
إذا كان السلف سيئ النية وأثبت الخلف أنه كان في حيازته حسن النية جاز له أن يتمسك
بحسن نيته .
2- ويجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه في كل ما يرتبه
القانون على الحيازة من أثر " .
وحيث إن من المقرر في قضاء
هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية –
مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، وذلك
بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية
المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، فإذا لم يكن له بها من صلة كانت الدعوى
غير مقبولة .
لما كان ذلك وكان حكم البند
(2) من نص المادة (955) المشار إليها يدور حول انتقال حيازة السلف إلى الخلف الخاص
دون الخلف العام، وكانت الخصومة في الدعوى الموضوعية تدور حول انتقال الحيازة إلى
الخلف العام دون الخلف الخاص، ومن ثم فلا يكون للقضاء في دستورية هذا البند اثر
على الدعوى الموضوعية ، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى في الطعن على هذا
البند، ومن ثم يتحدد نطاق المنازعة الدستورية الماثلة بنص البند (1) من المادة
(955) من القانون المدني وحدها .
وحيث إن المدعى ينعى على النص
المطعون فيه أنه يقرر توريث الحيازة لورثة الحائز بغض النظر عن شرعية حيازة السلف
بينما الحق في الحيازة لصيق بشخص المالك ومن ثم يترتب على وفاة الحائز – من وجهة
نظره –انقطاعها وعودتها إلى المالك، وإلا عُد ذلك افتئاتًا على الحق في الملكية
يحول دون أن يخلص الملك لأصحابه؛ كما أن انتقال الحيازة إلى الورثة ينطوي على
إخلال بالتوازن والمساواة بين مصالح الحائز والمالك، ويجرد الملكية الخاصة من
لوازمها، وهو ما يتناقض وأحكام المواد (32) و(34) و(40) من دستور 1971 .
وحيث إنه من المقرر – في قضاء
هذه المحكمة – أن الطبيعة الآمرة للدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد
القانونية ، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة ، تقتضى إخضاع القواعد
القانونية جميعها –وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم لضمان
اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم
مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي
تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
وحيث إن المناعي التي وجهها
المدعى إلى النص المطعون عليه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها
على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي ، ومن ثم فإن
المحكمة تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص في ضوء الدستور الصادر سنة 2014 .
وحيث إن ما نعاه المدعى على
النص الطعين في جملته مردود بأن الوثيقة الدستورية القائمة قد حرصت على تأكيد مبدأ
العدالة الاجتماعية في المواد (1 و8 و27 و78) منها لتكشف بيقين عن حق المشرع في تنظيم
الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة بما يحقق النفع العام والخير العام، ولو اقتضى
الأمر تحميل الملكية الخاصة بقيود يبررها الصالح العام، الأمر الذى يمنح المشرع
السلطة التقديرية لتنظيم الحقوق جميعًا ومن بينها الحق في الملكية ، وما يتفرع عنه
بشأن مسألة الحيازة ؛ إلا أن القيود التي يفرضها الدستور لصون هذه الحقوق من صور
العدوان المحتمل عليها هي التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يكون تدخلا
لتنظيم التشريعي فيها هادمًا للحقوق التي كفلها الدستور أو مؤثرًا في محتواها بما
ينال منها، ومرد ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر من فراغ ولا يعتبر مقصودًا لذاته
بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام
المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها وطريق الوصول إليها .
ومن حيث إن النص المطعون فيه
– البند (1)من المادة (955) من القانون المدني – يتعلق بالحيازة ، وهى تلك السلطة
الفعلية أو الواقعية التي يباشرها الحائز على شيء بحيث تكون في مظهرها الخارجي وفى
قصد الحائز مزاولة للملكية أو لحق عيني آخر، وهذه السلطة الفعلية في الحيازة قد
تكون مستندة إلى حق يعترف به القانون للحائز، وقد لا تكون هذه السلطة مستندة إلى
حق، فالحيازة ليست مزاولة لحق، إذ ليس هناك تلازم حتمي بين الحيازة ووجود حق
للحائز، ومن ثم فالحيازة مجرد وضع فعلى أو واقعى ، الأمر الذى جعل الحيازة من حيث
الحماية المقررة لها والآثار التي تترتب عليها واقعة لها خطورتها، مما دعا المشرع
إلى كفالة هذه الحماية وترتيب الآثار عليها لاعتبارات قدَّرها، باعتبار أن حماية
الحيازة تعتبر في الحقيقة حماية للحق من خلال الواقع الظاهر، إلى جانب أن ضرورة
حفظ النظام في المجتمع تقتضى ألا يعتدى على الأوضاع الواقعية القائمة تجنبًا للجوء
لانتزاع الحيازة بالقوة بما يؤدى إلى الفوضى والاضطراب .
وإذ كان ما تقدم، وكان
التنظيم التشريعي الذى استند إليه المشرع في البند (1) من المادة (955) المطعون
عليها، إنما استهدف الصالح العام محققًا أبلغ درجات العدالة في حفاظه على حق الخلف
العام حسن النية ،ليقرر له الحماية القانونية الواجبة كقرينة قانونية – قابلة
لإثبات العكس – خاضعة لتقدير ورقابة القضاء، الأمر الذى لا ينال بذاته من حقوق
الغير – سواء المالك أو غيره – ولا ينتقص منها، والمشرع في تنظيمه للنص الطعين
إنما استصحب حيازة السلف متدخلاً لحماية مؤقتة لحسن نية الخلف العام قاصدًا تحقيق
السلام الاجتماعي حتى يصير التنازع على الحيازة من خلال الوسائل القانونية ، وذلك
كله في إطار محدد تتوازن فيه المصالح ولا تتنافر، ومن ثم فلا توريث لحيازة في هذا
الشأن، ولا إخلال بتوازن بين الحائز والمالك على النحو الذى ينعاه المدعى على هذا
النص بل هو تحقيق لمصلحة مشروعة تتفق وأحكام الدستور.
وحيث إنه عما ينعاه المدعى عن
مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة المقرر بالمادة (53) من الدستور، فلما كان
هذا المبدأ– في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر
تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك
إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما
يرتأيه محققًا للصالح العام؛ وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد
الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير
عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق
أغراض بذاتها من خلال الوسائل التي حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو
مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائمًا على أسس
موضوعية ،مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية في
شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، كان واقعًا في إطار
السلطة التقديرية التي يملكها المشرع ولو تضمن تمييزًا، ولا ينال من مشروعية
الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابيًا عن الكمال .
وحيث إنه متى كان ذلك وكان
المشرع لم يخرج في النص المطعون فيه عن الحدود والضوابط الدستورية الحاكمة لسلطته
التقديرية ، وإنما تغيا تقنين الحماية القانونية للخلف العام الحائز حسن النية تحت
رقابة القضاء، الأمر الذى يكون مسلكه التشريعي في هذا الشأن قد جاء متفقًا وصحيح
الدستور.
وحيث إنه متى كان ما تقدم،
فإن النص محل الطعن الماثل لا يخالف أحكام المواد ( 1، 8، 27، 53، 78) من الوثيقة
الدستورية ، أو أي حكم آخر منها .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .