القضية رقم 42 لسنة 31 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 22 مكرر (ط) في 6 / 6 / 2018 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من يونيه سنة 2018م،
الموافق السابع عشر من رمضان سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر
شريف وبولـس فهمـى إسكندر ومحمــود محمد غنيم وحاتـم حمـد بجاتو والدكتور
عبدالعزيز محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في القضية
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 42 لسنة 31 قضائية " دستورية
".
المقامة من
حنان محمد الساعدى
ضد
أولاً - رئيس مجلـــس الـــــــوزراء
ثانيًا- وزير العـــــــــــــدل
ثالثًا- محافظ الفيــــــــــــــــــوم
رابعًا- رئيس مجلس مدينة الفيوم
خامسًا- ورثة المرحوم / أمين محمود على، وهم:
(أ) كريمة صالح صالح حسن
(ب) ليلى أمين محمود علــــــى
(ج) فاتن أمين محمود علـــــــى
سادسًا- مغاورى خليفة أبو سيف
سابعًا- محمد هلال عبد شمــــــــردن
ثامنًا - زينب رجــــــــــب محمـــــــــــــــد
الإجراءات
بتاريخ الحادي
والعشرين من فبراير سنة 2009، أقامت المدعية هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادتين (18، 59) من القانون
رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت
فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير
الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر
الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكـم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعى عليهم خامسًا كانوا قد أقاموا بتاريخ 22/11/2007، الدعوى رقـم 323
لسنة 2007 مدنى كلى حكومة - طعون، أمام محكمة الفيوم الابتدائية، طلبًا للحكم
بتعديل قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط رقم 132 لسنة 2007، إلى إزالة العقار،
المبين بصحيفة الدعوى، جميعه حتى سطح الأرض، وذلك على سند من أن ذلك القرار صدر
بشأن العقار ملكهم، وانتهى إلى إجراء ترميمات وإصلاحات به، حال كونه مشيدًا بالطـوب
الأخضر، وآيل للسقوط ولا تجدى فيه أعمال ترميم. وانتدبت المحكمة خبيرًا لمعاينة
العقار وبيان حالته، وباشر الخبير المأمورية، وأودع تقريره عنها، اعتمدته المحكمة،
وقضت بجلسة 26/6/2008، بتعديل القرار المطعون فيه، إلى إزالة العقار جميعه حتى سطح
الأرض تحت إشراف هندسي، وذلك خلال شهر من صيـرورة الحكم نهائيًّا. طعنت المدعية
والمدعى عليه سابعًا على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 1722 لسنة 44 قضائية، أمام
محكمة استئناف بنى سويف "مأمورية الفيوم"، وحال نظــــره بجلسة 20/11/2008،
قدمت المدعية مذكرة ضمنتها دفع بعدم دستورية المادتين (18) و(59) مــــن القانون
رقـم 49 لسنة 1977 المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت لها بإقامة
الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (18) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع
الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص فقرتها الأولى على أن
"يكون الطعن على قرارات لجان تحديد الأجرة خلال ثلاثين يومًا من تاريخ
الإخطار بصدور قرار اللجنة أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها المكان المؤجر،
ويلحق بتشكيلها مهندس معماري أو مدنى مقيد بنقابة المهندسين من الدرجة الثانية على
الأقل، ومن غير القائمين بتحديد الأجرة، يختاره المحافظ لمدة سنتين قابلة للتجديد،
ولا يكون له صوت معدود في المداولة". وتنص الفقرة الثانية من تلك المادة على
أن "ويحلف المهندس يمينًا أمام إحدى دوائر الاستئناف المختصة بأن يؤدى عمله
بصدق وأمانة".
وقد ناطت المادة (57) من القانون ذاته باللجان المشكلة في وحدات
الإدارة المحلية - بعد إجراء المعاينات على الطبيعة، وفى ضوء التقارير التي ترد
إليها من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم على النحو الذى بينته المادتان
(55، 56) - إصدار قرارات بشأن المباني والمنشآت الآيلة للسقوط كليًّا أو جزئيًّا،
وتلك التي تحتاج إلى ترميم أو صيانة، ويتم إعلان القرار لذوى الشأن من الملاك وشاغلي
العقار وأصحاب الحقوق وفقًا للمادة (58) من ذلك القانون، ونصت الفقرة الأولى من
المادة (59) منه على أن " لكل من ذوى الشأن أن يطعن في القرار المشار إليه
بالمادة السابقة، في موعد لا يجاوز خمسة عشر يومًا من تاريخ إعلانه بالقرار، أمام
المحكمة المنصوص عليها في المادة (18) من هذا القانون".
وحيث إنه من المقرر أن اشتمال نص في قانون على الإحالة إلى نص آخر في القانون
ذاته، ينقل أحكام النص المحال إليه إلى النص المحيل، ليصير جزءًا منه ومكملًا
لأحكامه. ومن ثم، فإن ما ورد بعجز نص الفقرة الأولـــى من المادة (59) من القانون
رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، من إحالة إلى نص المادة (18) من القانون ذاته، بشأن
المحكمة المختصة بنظر الطعون على قرارات لجان الهدم والترميم والصيانة، "
ويلحق بتشكيلها مهندس معماري أو مدنى مقيد بنقابة المهندسين ... يختاره المحافظ
لمدة سنتين قابلة للتجديد، ولا يكون له صوت معدود في المداولة"، ينقل حكم ذلك
النص إلى المادة (59) ليصير جزءًا منه ومكملاً لأحكامه.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن حسمت مدى دستورية نص
الفقرة الأولى من المادة (59) من القانون المشار إليه، في شأن عقد الاختصاص
للمحكمة الابتدائية بنظر الطعون على قرارات لجان المنشآت الآيلة للسقوط والترميم
والصيانة، وذلك بقضائها الصادر بجلسة 10/12/2006، في القضية رقم 50 لسنة 24 قضائية
"دستورية"، والذى انتهت فيه إلى رفض الدعوى. وقد نشر هذا الحكم في العدد
50 (مكرر) من الجريدة الرسمية بتاريخ 24/12/2006. وكان من المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على
النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة
فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل،
فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر في القضية الدستورية المشار
إليها، قد اقتصر على الفصل في دستورية النص على اختصاص المحكمة الابتدائية الكائن
بدائرتها العقار بنظر الطعن على قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط والترميم
والصيانة - إعمالاً للإحالة الواردة بالمادة (59/1) من القانـون رقم 49 لسنة 1977
المشار إليه، لنص المادة (18) من ذلك القانون - فإن حجية ذلك الحكم تكون بدورها
مقصـــورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلى ما يجاوز ذلك من أحكام شملها عجز
الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون المشار إليه، فيما نص عليه من أن
"ويلحق بتشكيلها مهندس معماري أو مدنى مقيد بنقابة المهندسين ... يختاره
المحافظ لمدة سنتين قابلة للتجديد، ولا يكون له صوت معدود في المداولة"،
ليبقى هذا النص قابلاً للطرح على هذه المحكمة، لتقول كلمتها فيه بشأن مدى اتفاقه
وأحكام الدستور.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة -
وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، مناطها أن
يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون
الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها
والمطروحة أمام محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان ما تهدف إليه المدعية من دعواها
الموضوعية المطروحة على محكمة الاستئناف، إلغاء الحكم الصادر من محكمة الفيوم
الابتدائية، بهدم العقار المبين بصحيفة الدعوى حتى سطح الأرض، والقضاء مجددًا
بتأييد القرار المطعون فيه. وكان الثابت بديباجـــــة ذلك الحكم، أن تشكيل هيئة
المحكمة قد اشتمل على اسم مهندس من مجلس مدينة الفيـوم. ومن ثم فإن الفصل في دستورية
ما ورد بعجز نص الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار
إليه، من أن "يلحق بتشكيل المحكمة مهندس معماري أو مدنى يختاره المحافظ لمدة
سنتين قابلة للتجديد ولا يكون له صوت معدود في المداولة"، في مجال إعماله على
نص الفقرة الأولى من المادة (59) من القانون ذاته، يرتب انعكاس أكيد ومباشر على
الطلبات المعروضة على محكمة الموضوع - محكمة الاستئناف - وقضائها فيها، الأمر الذى
تتوافر معه للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على ذلك النص، في النطاق المشار
إليه، دون ما اشتمل عليه من أحكام أخرى.
وحيث إنه لا ينال من توافر المصلحة في الدعوى المعروضة أن المادة
الثالثة من مواد إصدار قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، نصت على
إلغاء الفصل الثاني من الباب الثاني من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه،
والمشتمل على نص المادة (59)، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء المشرع
لقاعدة قانونية بذاتها، أو استبدال قاعدة أخرى محلها، لا يحول دون الطعن عليها
بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار
قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق
القاعدة القانونية هو سريانها على الوقائع التى تتم خلال الفترة من تاريخ العمل
بها حتى إلغائها، فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية جديدة، سرت القاعدة الجديدة من
الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد
النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين، فما ينشأ من المراكز القانونية في ظل
القاعدة القانونية القديمة، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعًا لها وحدها.
متى كان ذلك، فإن إلغاء الفصل الثاني من الباب الثاني من القانون رقم 49 لسنة 1977
- المشتمل على نص المادة (59) - بموجب المادة الثالثة من مواد إصدار قانون البناء
رقم 119 لسنة 2008 - المعمول بأحكامه اعتبارًا من 12/5/2008 - لا يمنع هذه المحكمة
من إعمال رقابتها الدستورية عليه، باعتباره قد طبق على المدعية خلال فترة نفاذه،
وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة لها. خاصة أن نص الفقرة الأولى من المادة
(114) من قانون البناء المشار إليه، قصر اختصاص محكمة القضاء الإداري على
"الفصل في الطعون على جميع القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية تطبيقًا
لأحكام هذا القانون".
وحيث إن
المدعية تنعى على نصى المادتين (18، 59) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه
- في النطاق السالف تحديده - أنه إذ ألحق بتشكيل المحكمة التى تنظر الطعن على قرارات
لجان المنشآت الآيلة للسقوط والترميم والصيانة، مهندسًا معماريًّا أو مدنيًّا،
يختاره المحافظ لمدة سنتين قابلة للتجديد، إخلاله بحق التقاضي، وبمبدأي تكافؤ
الفرص والمساواة بين المتقاضين، نظرًا لتبعية المهندس الذى يلحق بتشكيل المحكمة
للمحافظ الذى قام باختياره، وكلاهما من السلطة التنفيذية، وتأثيره بالتالي على رأى
قضاة الدعوى، بما ينال من حيدتهم، ويمثل في الآن ذاته افتئات على استقلال السلطة
القضائية والقضـــاة، وينال من سيادة القانون كأساس للحكم في الدولة، وذلك كله
بالمخالفة لأحكام المواد (8، 40، 64، 65، 68، 165، 166) من دستور سنة 1971، الذى
أقيمت الدعوى المعروضة في ظل العمل بأحكامه.
وحيث إنه من
المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن الرقابة التي تباشرها على دستورية
القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام
الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور
وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم
عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها
ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. إلا
أنه لما كان الدستور القائم ليس له أثر رجعى، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور
السابق الذى صدر القانون المشتمل على النص المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه،
طالما أن هذا النص قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة
سريان ذلك الدستور. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها المدعية إلى النصين
التشريعيين المطعون عليهما، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على
مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان نص المادة (59)
من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، ضمن نصوص المواد التي اشتمل عليها الفصل
الثاني من الكتاب الثاني من ذلك القانون، والذى صدر وعمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاء
ذلك الفصل بموجب المادة الثالثة من مواد إصدار قانون البناء رقم 119 لسنة 2008،
إبان العمل بأحكام دستور سنة 1971، ومن ثم تتولى هذه المحكمة الرقابة على دستورية
نص الفقرة الأولى من المادة (59) من القانون رقم 49 لسنة 1977، في خصوص ما ورد بها
من إحالة لنص المادة (18) من القانون ذاته - في النطاق السالف تحديده - في ضوء
أحكام دستور سنة 1971، الذى صدر القانون المشتمل على النص المطعون فيه، وعمل
بمقتضى هذا النص إلى أن تم إلغاؤه في ظل العمل بأحكام ذلك الدستور.
وحيث إن
الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق - ومن ذلك حق التقاضي - أنها سلطة
تقديريـــة ما لم يقيدها الدستور بضوابط تُعد تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو
تخطيها، وتتمثل جوهر سلطة المشرع في تنظيم الحقـوق، في المفاضلة التي يجريها بين
بدائل متعددة تتزاحم فيما بينها وفق تقديره لتنظيم موضوع معين، فلا يختار منها إلا
ما يكون مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها أو ما يراه أكفل لتحقيق
المصالح التي قصد حمايتها.
وحيث إن قضاء
هذه المحكمة قد جرى على أن إسباغ الصفة القضائية على أعمال أية جهة عهد إليها
المشرع بالفصل في نزاع معين يفترض أن يكون اختصاص هذه الجهة محددًا بقانون، وأن
يغلب على تشكيلها العنصر القضائي الذى يلزم أن تتوافر في أعضائه ضمانات الكفاءة
والحيدة والاستقلال، وأن يعهد إليها المشرع بسلطة الفصل في خصومة بقرارات حاسمة،
دون إخلال بالضمانات القضائية الرئيسية التي لا يجوز النزول عنها، والتي تقوم في جوهرها
على إتاحة الفرص المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة
قانونية نص عليها المشرع سلفًا، ليكون القرار الصادر في النزاع مؤكدًا للحقيقة
القانونية مبلورًا لمضمونها في مجال الحقوق المدعى بها أو المتنازع عليها.
وحيث إن
المقرر في قضاء هذه المحكمة - أيضًا - أن استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون
تقدير كل قاضٍ لوقائع النزاع، وفهمه لحكم القانون بشأنها، متحررًا من كل قيد، أو
تأثير، أو إغواء، أو وعيد، أو تدخل، أو ضغوط أيًّا كان نوعهـــــا أو مداها أو
مصدرها. وكان ما يعزز هذه الضمانة ويؤكدها استقلال السلطة القضائية عن السلطتين
التشريعية والتنفيذية، وأن تنبسط ولايتها على كل مسألة من طبيعة قضائية. فيتعين
على السلطة التنفيذية بوجه خاص ألا تقوم من جانبها بفعل أو امتناع يجهض قرارًا
قضائيًّا قبل صدوره، أو يحول بعد صدوره دون تنفيذه تنفيذًا كاملاً، وليس لعمل تشريعي
أن ينقض قرارًا قضائيًّا، ولا أن يحور الآثار التي رتبها، ولا أن يعدل تشكيل جهة
قضاء ليؤثر في أحكامها. ومن المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أن استقلال السلطة
القضائية وإن كان لازمًا لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على
الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن
حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأنًا عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما.
وحيث إن
استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة وإن كفلتهما المادتان (165، 168) من
دستور سنة 1971، توقيًا لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضي انحرافًا عن ميزان الحق،
إلا أن الدستور نص كذلك على أنه لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون، وهذا
المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القاضي، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائي
وليد نزعة شخصية غير متجردة، وهو أمر يقع غالبًا إذا فصل القاضي في نزاع سبق أن
أبدى فيه رأيًا، ومن ثم تكون حيدة القاضي شرطًا لازمًا دستوريًّا لضمان ألا يخضع
في عمله لغير سلطان القانون.
وحيث إن
ضمانة المحاكمة المنصفة التي كفلها دستور سنة 1971 بنص المادة (67) منه، تعنى أن
يكون لكل خصومة قضائية قاضيها - ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية -
وأن تقوم على الفصل فيها محكمة مستقلة ومحايدة ينشئها القانون، يتمكن الخصم في إطارها
من إيضاح دعواه، وعرض أدلتها والرد على ما يعارضها من أقوال غرمائه أو حُججهم، على
ضوء فرص يتكافئون فيها جميعهم، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها، وطبيعة النظم
المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها عملاً محددًا للعدالة مفهومًا تقدميًّا يلتئم
مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
وحيث إن
دستور سنة 1971 بما نص عليه في المادة (68) من أن " لكل مواطن حق الالتجاء
إلى قاضيه الطبيعي" قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة،
تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعًا عن مصالحهم
الذاتية. وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه المقرر دستوريًّا بما
لا يجوز معه مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها. كما
أن هذا الحق باعتباره من الحقوق العامة التي كفل ذلك الدستور بنص المادة (40)
المساواة بين المواطنين فيها، لا يجوز حرمان طائفة منهم من هذا الحق مع تحقق مناطه
- وهو قيام منازعة في حق من الحقوق - وإلا كان ذلك إهدارًا لمبدأ المساواة بينهم
وبين غيرهم من المواطنين الذى لم يحرموا من الحق ذاته.
وحيث إن
التنظيم الذى أورده المشرع في المواد (57، 58، 59) من القانون رقم 49 لسنة 1977
المشار إليه، قد ناط بالمحافظ المختص تشكيل لجان الهدم والترميم والصيانة في كل
وحدة من وحدات الحكم المحلى، تضم كل لجنة اثنين من المهندسين المعماريين أو
المدنيين، تتولى دراسة التقارير المقدمة من الجهة المختصة بشئون التنظيم في شأن المباني
المبينة في المادة (55)، وإجراء المعاينات على الطبيعة، وإصدار قرارات في شأنها
على وجه السرعة، تعلن إلى ذوى الشأن من الملاك وشاغلي العقار وأصحاب الحقوق، ويكون
لأى منهم الطعن في القرار أمام المحكمة المنصوص عليها في المادة (18) من هذا
القانون، والتي يلحق بتشكيلها مهندس معماري أو مدنى، من غير القائمين بتحديد
الأجرة، يختاره المحافظ لمدة سنتين قابلة للتجديد، ولا يكون له صوت معدود في المداولة.
وحيث إن إلحاق
مهندس - معماري أو مدنى - يختاره المحافظ، بتشكيل المحكمة التي تنظر الطعن على
قرارات لجان الهدم والترميم والصيانة، وفقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (18) من
القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه في مجال إعمالها على نص الفقرة الأولى من
المادة (59) من القانون ذاته، يخالف أحكام دستور سنة 1971 من أوجه عدة:
أولها: إن
المهندس الملحق - وجوبًا - بتشكيل المحكمة، "و لا يكون له صوت معدود في المداولة"،
مؤداه مشاركته في المداولة، حال كونه من غير القضاة، ولا يتوافر في شأنه شرط
التأهيل القانوني، ويفتقد لضمانتي الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما في القاضي،
وذلك بحكم تبعيته للمحافظ الذى قام باختياره، وكونه أكثر انحيازًا لتأييد القرار
المطعون فيه الصادر من قرنائه من المهندسين، المختارين - أيضًا - من المحافظ، هذا
إن لم يكن منهم، لعدم اشتراط النص ألا يكون المهندس الملحق بتشكيل المحكمة التي
تنظر الطعن على قرارات لجان الهدم والترميم والصيانة، ضمن أعضاء تلك اللجنة، إذ
اقتصر الحظر - وفقًا لنص الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون المشار إليه -
على ألا يكون من القائمين بتحديد الأجرة.
ثانيهما: وجود مهندس يختاره المحافظ
ضمن تشكيل المحكمة التي تنظر الطعن على القرارات المشار إليها، يحمل في طياته
تمثيل لأحد الخصوم - الجهة الإدارية المطعون على قرارهـا - في هيئة المحكمة التي
تفصل في الطعن، بما يخل بمبدأ المساواة بين خصوم الدعوى، فضلاً عما يمثله من
افتئات على استقلال القضاء وحيدته.
ثالثها: وجود المهندس - المختار من
المحافظ - ضمن تشكيل المحكمة التي تنظر الطعن، ولا يكون له صوت معدود في المداولة،
مؤداه اتصال علمه بما يجرى في المداولة، وإفشاء لسريتها، فضلاً عن أنه يتيح له
فرصة التأثير على قضاة الدعوى بالانحياز لرأيه.
رابعها: ما ورد بالمذكرة الإيضاحية
لمشروع القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه، من أن إلحاق مهندس بتشكيل المحكمة،
كان "مراعاة لما يتسم به موضوع المنشآت الآيلة للسقوط والترميم والصيانة من
جوانب فنية، لسرعة الفصل في مثل هذه الموضوعات التي قد تهدد الجيران والمارة
والشاغلين أنفسهم"، لا يصلح سندًا لتبرير مسلك المشرع في أن يكون اختيار ذلك
المهندس عن طريق المحافظ، وأن يلحق المهندس بتشكيل المحكمة، وأن يحضر المداولة،
ولم لم يكن له صوت معدود فيها، ذلك أنه ليس لعمل تشريعي أن يعدل من تشكيل جهة قضاء
بما يؤثر في أحكامها، لما ينطوي عليه ذلك من افتئات على استقلال القضاة وحيدتهم.
وإخلال بمبدأ المساواة بين خصوم الدعوى. ولا يرفع هذا العوار كون رأى المهندس قاصر
على المسائل الفنية - الهندسية - دون القانونية، ذلك أن الاستعانة بأهل الخبرة يجب
أن يكون قاصرًا على معاونة المحكمة من خلال تقديم الرأي الفني، وأن يطرح هذا الرأي
على خصوم الدعوى لإبداء ملاحظاتهم بشأنه، ليخلص القضاة، وحدهم، دون إقحام أغيار
عليهم في مداولتهم، إلى الحكم في الدعوى وفقًا للعقيدة التي يخلصون إليها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه، في النطاق السالف
تحديده، يكون قد خالف أحكام المواد (40) و(64) و(65) و(68) و(165) من دستور سنة
1971، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستوريته يكون متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عبارة " ويلحق
بتشكيل المحكمة مهندس معماري أو مدنى ..... يختاره المحافظ لمدة سنتين قابلة للتجديد،
ولا يكون له صوت معدود في المداولة"، الواردة في نص المادة (18) من القانون
رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر،
في مجال إعمالها على نص الفقرة الأولى من المادة (59) من القانون ذاته، وألزمت
الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.