جلسة 13 من مارس سنة 1996
برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل وعمار إبراهيم فرج ومحمد إسماعيل موسى نواب رئيس المحكمة ومحمد علي رجب.
------------------
(50)
الطعن رقم 7707 لسنة 64 القضائية
(1) مواد مخدرة. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره".
التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن بإجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه. شرط صحته؟
(2) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره. بياناته". استدلالات. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". دفوع "الدفع ببطلان إذن التفتيش". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش. موضوعي.
عدم إيراد عمر الطاعن ومهنته ومحل إقامته وحالته الاجتماعية في محضر الاستدلال. لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحر.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة التعويل على أقوال شهود الإثبات والإعراض عن قالة شهود النفي. ما دامت لا تثق بما شهدوا به.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(6) إجراءات "إجراءات التحقيق". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم. النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير جائز.
مثال:
(7) مواد مخدرة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة عدم إجرائها تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع بعدم اتساع جيب صديري الطاعن للمخدر المضبوط.
(8) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره" "بطلانه". مواد مخدرة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نعى الطاعن ببطلان تفتيش مسكنه بمقولة إنه تم دون إذن من النيابة العامة. غير مقبول. متى أثبت الحكم أن التفتيش وقع على شخصه أثناء تواجده بالطريق دون مسكنه.
(9) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة".
مواد مخدرة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اطمئنان محكمة الموضوع إلى أن المخدر المضبوط هو الذي أرسل إلى التحليل وأخذها بالنتيجة التي انتهى إليها. مجادلتها في ذلك. غير مقبولة.
(10) محضر الجلسة. إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طلب المدافع عن الطاعن إجراء تحقيق فيما أثاره من حصول عبث بحرز المخدر إذا رأت المحكمة ما يبرره. طلب غير جازم. أثر ذلك؟
(11) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره. بياناته". استدلالات. مأمورو الضبط القضائي. دفوع "الدفع بانعدام إذن التفتيش ومحضري التحريات والضبط". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وجوب أن يكون إذن التفتيش موقعاً عليه من مصدره ومحاضر الاستدلال موقعاً عليها من مأموري الضبط القضائي القائمين بتحريرها. عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لهذا التوقيع. متى صدر من مصدر الإذن أو من مأمور الضبط القضائي محرر محضر الاستدلال. كون الإذن أو المحضر ممهور بتوقيع غير مقروء. غير مخالف للقانون.
2 - لما كان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في شأن ذلك فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لا ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت في الأوراق، وكان عدم إيراد عمر الطاعن ومهنته ومحل إقامته وحالته الاجتماعية وسبب وتاريخ قدومه إلى مدينة القاهرة في محضر الاستدلال لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحر، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. ويكون تعويل الحكم على ما أسفر عنه هذا التفتيش وأخذ الطاعن بنتيجته وبشهادة الضبط الذي أجراه صحيحاً.
3 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزلها المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب.
5 - لما كان للمحكمة أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وصحة تصويره الواقعة وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - أقوال شاهدي النفي فإن ما يثيره الطاعن في شأن زمان ومكان ضبطه إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
6 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن نعى على النيابة العامة قعودها عن سؤال سكان العقار الذي قال أنه ضبط فيه وعدم استجابتها لطلبه ضم دفتر الأحوال والتصريح له باستخراج شهادة من إدارة الجوازات دون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين أو إجراء تحقيق ما في هذا الخصوص، فإن ما أثاره فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، وليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشاهد، ومن ثم فإن منعى الطاعن في صدد ما تقدم لا يكون قويماً.
7 - لما كان الحكم قد رد على دفاع الطاعن في شأن عدم اتساع جيب الصديري للمخدر المضبوط بقوله "وحيث إنه عما أثاره الدفاع بشأن عدم اتساع جيب الصديري للفافة المضبوطة فإنه لما كان الثابت في صور تحقيقات النيابة أن حرز الصديري قد أرسل للنيابة وبجيبه الأيسر لفافة المخدر وبالجيب الآخر المبلغ النقدي الذي تم ضبطه فمن ثم يغدو هذا الدفع على غير أساس سليم من الواقع أو القانون". وإذ كان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم فيما تقدم له أصله الثابت في التحقيقات، وكان ما أورده الحكم يستقيم به إطراح دفاع الطاعن وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما في هذا الصدد فليس له من بعد أن يعيب عليها عدم اتخاذها إجراء لم يطلبه منها، ويكون منعاه على الحكم في شأن ما تقدم غير سديد.
8 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التفتيش لم يقع على مسكن الطاعن بل على شخصه أثناء وجوده في الطريق فلا محل لما يثيره من بطلان تفتيش مسكنه بمقولة إنه تم دون إذن من النيابة العامة.
9 - لما كان الحكم قد أفصح عن اطمئنان المحكمة إلى أن المخدر المضبوط هو الذي جرى وزنه وتحريزه وهو الذي أرسل إلى معامل التحليل وتم تحليله وثبت أنه لعقار الهيروين المخدر وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه متى كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أن المخدر المضبوط هو الذي أرسل للتحليل وصار تحليله واطمأنت كذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك ويكون ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص.
10 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما في شأن دفاعه المار ذكره وكان ما أثبت بمحضر الجلسة من أن المدافع عنه قد طلب في مرافعته إجراء تحقيق فيما أثاره من حصول عبث بالحرز إذا رأت المحكمة مبرراً لذلك لا يعد من قبيل الطلب الجازم إذ أنه مما يعتبر تفويضاً منه للمحكمة إن شاءت أجابت هذا الطلب وإن لم تجد هي له من مبرر غضت الطرف عنه، وإذ كانت المحكمة لم تر من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء بعد أن وضحت لديها الواقعة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد.
11 - لما كان القانون وإن أوجب أن يكون إذن التفتيش موقعاً عليه بإمضاء مصدره وأن تكون محاضر الاستدلال موقعاً عليها من مأموري الضبط القضائي القائمين بتحريرها، إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً لهذا التوقيع ما دام موقعاً عليها فعلاً ممن أصدر الإذن أو من مأمور الضبط القضائي محرر محضر الاستدلال وكون الإذن أو المحضر ممهوراً بتوقيع غير مقروء لا يفصح عن شخص مصدر الإذن أو محرر المحضر ليس فيه مخالفة للقانون.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "هيروين" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 38/ 1 - 2، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم (2) من القسم الأول من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط وذلك باعتبار أن الإحراز كان مجرداً من القصود.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض......... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحقه في الدفاع، ذلك بأن أطرح دفعه ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التي بني عليها برد غير سائغ، كما قام دفاعه على أنه لم يتم ضبطه في المكان والزمان اللذين حددهما ضابط الواقعة وإنما ضبط في مكان يخرج عن نطاق اختصاص مصدر الإذن وفي وقت سابق على الوقت الذي حدده الضابط، وقد تأيد ذلك بأقوال شهود نفيه بالتحقيقات وطلب تحقيقاً لهذا الدفاع ضم دفتر أحوال إدارة مكافحة المخدرات وسؤال جيران العقار الذي تم ضبطه فيه وتمكينه من استخراج شهادة من إدارة الجوازات بشأن سفر قريب له إلى الخارج بيد أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع اطمئناناً منها لأقوال الضابط رغم عدم صحتها ودون أن تجرى هذا التحقيق، والتفت الحكم عما أثاره من عدم صحة تصوير الضابط لواقعة الضبط لأن جيب صديريه لا يتسع لكمية المخدر المضبوطة دون أن تقوم المحكمة بضم حرز الصديري ومعاينته لاستجلاء حقيقة هذا الدفاع، كما أن تفتيش مسكنه وقع باطلاً لإجرائه دون إذن من النيابة المختصة، هذا إلى أن الحكم أطرح دفاعه القائم على وجود اختلاف بين المخدر المضبوط وبين ذلك الذي أجرى تحليله برد غير سائغ دون إجراء تحقيق للوقوف على سبب هذا الاختلاف، وأخيراً فقد تمسك الطاعن بتزوير توقيعات الضابط ووكيل النيابة على محاضر التحريات والضبط وإذن التفتيش والتحقيقات لاستحالة قراءة التوقيعات بيد أن المحكمة أطرحت هذا الدفاع برد غير سائغ دون أن تعنى بتحقيقه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز جوهر مخدر التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهد الإثبات ومن تقرير المعامل الكيميائية بمصلحة الطب الشرعي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التي بني عليها بقوله "وحيث إنه عن الدفع بعدم جدية التحريات ومن ثم بطلانها وبطلان الإذن المترتب عليها وما تلاه من إجراءات فإنه لما كان الثابت من مطالعة محضر التحريات الذي صدر بناء عليه إذن النيابة العامة أنه قد تضمن اسم المتهم وبلدته ومحل إقامته والأقسام التي يتردد عليها وبأنه يحرز مادة مخدرة خاصة الهيروين، وأن مجريها قد تأكد من هذه التحريات عن طريق المراقبة السرية التي أجراها بنفسه تحديداً وافياً خالياً من التجهيل مما ينبئ في وضوح وتطمئن معه المحكمة إلى جدية هذه التحريات وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وبالتالي يكون الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لعدم جدية التحريات في غير محله متعيناً رفضه، وينبني على ذلك، صحة الاستناد إلى الدليل المستمد منه وشهادة من أجراه وما ترتب عليه" لما كان ذلك، وكان من المقرر أن كل ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن في إجرائه في مسكن المتهم أو ما يتصل بشخصه هو أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة - جناية أو جنحة - قد وقعت من شخص معين وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية أو الشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تعرض التحقيق لحريته أو حرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في شأن ذلك فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لا ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت في الأوراق، وكان عدم إيراد عمر الطاعن ومهنته ومحل إقامته وحالته الاجتماعية وسبب وتاريخ قدومه إلى مدينة القاهرة في محضر الاستدلال لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحر فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، ويكون تعويل الحكم على ما أسفر عنه هذا التفتيش وأخذ الطاعن بنتيجته وبشهادة الضابط الذي أجراه صحيحاً. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزلها المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان للمحكمة أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط وصحة تصويره الواقعة وأطرحت - في حدود التقديرية - أقوال شاهدي النفي فإن ما يثيره الطاعن من شأن زمان ومكان ضبطه إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن نعى على النيابة العامة قعودها عن سؤال سكان العقار الذي قال أنه ضبط فيه وعدم استجابتها لطلبه ضم دفتر الأحوال والتصريح له باستخراج شهادة من إدارة الجوازات دون أن يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء معين أو إجراء تحقيق ما في هذا الخصوص، فإن ما أثاره فيما سلف لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، وليس له من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي حاجة إلى إجرائه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة كما رواها الشاهد، ومن ثم فإن منعى الطاعن في صدد ما تقدم لا يكون قويماً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن في شأن عدم اتساع جيب الصديري للمخدر المضبوط بقوله "وحيث إنه عما أثاره الدفاع بشأن عدم اتساع جيب الصديري للفافة المضبوطة فإنه لما كان الثابت في صور تحقيقات النيابة أن حرز الصديري قد أرسل للنيابة وبجيبه الأيسر لفافة المخدر وبالجيب الآخر المبلغ النقدي الذي تم ضبطه فمن ثم يغدو هذا الدفاع على غير أساس سليم من الواقع أو القانون". وإذ كان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم فيما تقدم له أصله الثابت في التحقيقات، وكان ما أورده الحكم يستقيم به إطراح دفاع الطاعن وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما في هذا الصدد فليس له من بعد أن يعيب عليها عدم اتخاذها إجراء لم يطلبه منها، ويكون منعاه على الحكم في شأن ما تقدم غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التفتيش لم يقع على مسكن الطاعن بل على شخصه أثناء وجوده في الطريق فلا محل لما يثيره من بطلان تفتيش مسكنه بمقولة إنه تم دون إذن من النيابة العامة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنان المحكمة إلى أن المخدر المضبوط هو الذي جرى وزنه وتحريزه وهو الذي أرسل إلى معامل التحليل وتم تحليله وثبت أنه لعقار الهيروين المخدر وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه متى كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أن المخدر المضبوط هو الذي أرسل للتحليل وصار تحليله واطمأنت كذلك إلى النتيجة التي انتهى إليها التحليل فلا تثريب عليها إن هي قضت في الدعوى بناء على ذلك ويكون ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً في الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما في شأن دفاعه المار ذكره وكان ما أثبت بمحضر الجلسة من أن المدافع عنه قد طلب في مرافعته إجراء تحقيق فيما أثاره من حصول عبث بالحرز إذا رأت المحكمة مبرراً لذلك لا يعد من قبيل الطلب الجازم إذ أنه مما يعتبر تفويضاً منه للمحكمة إن شاءت أجابت هذا الطلب وإن لم تجد هي له من مبرر غضت الطرف عنه، وإذ كانت المحكمة لم تر من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء بعد أن وضحت لديها الواقعة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يتمسك بتزوير التوقيع على إذن التفتيش أو محاضر التحريات والضبط والتحقيق وإنما كان دفاعه وارداً على مجرد شكل التوقيع على إذن التفتيش ومحضري التحريات والضبط لأنها وقعت بتوقيعات يستحيل قراءتها ولم يطلب إجراء تحقيق ما في شأن ذلك، وكان الحكم قد أطرح هذا الدفاع استناداً إلى أن هذه الأوراق قد أثبت في صدر كل منها اسم محررها وذيلت كل منها بتوقيع له بطريق "الفرمة" وأن الضابط شهد بالتحقيقات بأنه هو محرر محضري التحريات والضبط كما أن القضية عرضت على وكيل النيابة مصدر الإذن وقام بإجراء التحقيق فيها. لما كان ذلك، وكان القانون وإن أوجب أن يكون إذن التفتيش موقعاً عليه بإمضاء مصدره وأن تكون محاضر الاستدلال موقعاً عليها من مأموري الضبط القضائي القائمين بتحريرها، إلا أنه لم يرسم شكلاً خاصاً لهذا التوقيع ما دام موقعاً عليها فعلاً ممن صدر الإذن أو من مأمور الضبط القضائي محرر محضر الاستدلال وكون الإذن أو المحضر ممهوراً بتوقيع غير مقروء لا يفصح عن شخص مصدر الإذن أو محرر المحضر ليس فيه مخالفة للقانون، وإذ كان الحكم قد التزم - في رده على الدفع بانعدام إذن التفتيش ومحضري التحريات والضبط لخلوها من توقيع مقروء لمصدر الإذن ومحرر المحضرين - هذا النظر وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم في هذا الخصوص له معينه الصحيح من الأوراق فإنه ما ينعاه على الحكم في هذا الصدد لا يكون قويماً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.