الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 7 يونيو 2015

احكام الدستورية ببطلان مجلس الشعب كاشفة وليست منشئة

قضية رقم 6 لسنة 34 قضائية المحكمة الدستورية العليا "منازعة تنفيذ"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
          بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنـة 2015م، الموافـق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور        رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى وسعيد مرعى عمـــــــرو ورجب عبد الحكيـم سليم وبولس فهمى اسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى                                   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم         رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /محمد ناجى عبد السميع                      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 6 لسنة 34 قضائية " منازعة تنفيذ " .
المقامة من
السيد / جورج إسحاق جرجس
ضـــــــــــــد
السيد رئيسالجمهوريــــة
الإجـــراءات
بتاريخ التاسع من شهر يوليو سنة 2012 ، أودع المدعى صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة طلبا للحكم بصفة مستعجلة : بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012 الصادر بتاريخ8/7/2012 .
وفى الموضوع: الاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية"دستورية" ، بمنطوقـه وأسبابـه، وإزالة أية عقبات تحول دون استمرار هذاالتنفيذ .
ونظرت المحكمة الشق العاجل من الدعوى، وبجلسة 10/7/2012 قضت بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11لسنة 2012 .
وأودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها فى الشق الموضوعى من الدعوى .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم 
المحكمة
بعد الاطلاع علىالأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى شيد طلباته فيها على سند من القول بأن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن أصدرت حكمهـا فى الدعــوىرقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية"  بجلسة 14/6/2012 والذى يقضى بعدم دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب التى تمت بناء عليها انتخابات ذلك المجلس، وهو ما يترتب عليه بطلان تشكيل مجلس الشعب برمته، وقد نُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية ، وأصبح طبقاً لنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا ملزمً الكافة سلطات الدولة . وبتاريخ 15/6/2012 أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القرار رقم 350 لسنة 2012 ناصًّا على أنه " نفاذًّا لحكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية " دستورية " يُعتبر مجلس الشعبمنحلًّا اعتبارًا من يوم الجمعة الموافق 15 يونيه سنة 2012 ".
وبتاريخ 8/7/2012 ،أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 11 لسنة 2012 متضمنًا سحب القرار رقم 350 لسنة2012 باعتبار مجلس الشعب منحلًّا، وعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها بالمادة (33) من الإعلان الدستورى .
وأضاف المدعى ، بعداستعراضه أحكام المواد ( 46 ، 48 ، 49 ، 50) من قانون المحكمة الدستورية العليا،أن قرار رئيس الجمهورية المشار إليه من شأنه إهدار حجية حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر ، ومن ثم يُعد عقبة تحول دون تنفيذه،وذلك  بالمخالفة لنص المادتين (48 ، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا ، وكذلك أحكام المواد (24 ، 30 ، 46) من الإعلانالدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس 2011، فضلًا عن أنه قد نال من مبدأ سيادة القانون وخضوع الدولة له والذى يمثل الأساس الوحيد لمشروعية أية سلطة. واستطرد المدعى أنه كان قد ترشح على المقعد الفردى فئات فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فى دائرة بورسعيد ، ولم يحالفه النجاح ، لما شاب النصوص القانونية التى أجريت الانتخابات على أساسها من عوار دستورى على نحو ما استظهرته المحكمة الدستورية العليا فى حكمها سالف الإشارة ، مما تتوافر به المصلحة الشخصية المباشرة. وإذ ارتأى المدعى أنتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا لم يتم وفقًا لطبيعته وعلى ضوء الأصل فيه قانونًا ، بل اعترضته عوائق تحول بمضمونها وأبعادها دون اكتمال مداه ، فقد خلص إلىطلباته المتقدمة.
وبجلسة 10/7/2012 حكمت المحكمة فى الشق العاجل من الدعوى بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة2012، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان .
وحيث إن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى ممارستها لسلطاتها – أيًّا كانت وظائفها أو غاياتها – بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هى جاوزتهـا، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه – وأيًّا كان القائمون عليها – لا تُعتبرامتيازًا شخصيًّا لمن يتولونها، ولا هى من صنعهم ، بل أسستها إرادة الجماهير فى تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لايجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعما لها وتصرفاتها، فلا تأتيهـا إلا فى الحدود التىرسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.
وحيث إن من المقرر أنقضاء المحكمة الدستورية العليا – فيما فصل فيه من المسائل الدستورية - إنما يحوزحجية مطلقة فى مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها، وعلى امتدادتنظيماتها المختلفة ، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى لنقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته. ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية –وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية – قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريًا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية ، أو هى بالأحرى محلها، وإهدارها بقدرتهاترها مع أحكام الدستور ، هى الغاية التى تبتغيها هذه الخصومة . وقضاء المحكمة فى شأن تلك النصوص ، هو القاعدة الكاشفة عن حقيقة الأمر فى شأن صحتها أو بطلانها ،ومن ثم لا يعتبر قضاء هذه المحكمة باستيفاء النص التشريعى المطعون فيه لأوضاعه الشكلية أو انحرافـه عنهـا، أو اتفاقه مع الأحكام الموضوعية فى الدستور أو مروقهمنها ، من صرفًا إلى كل من كان طرفًا فى الخصومة الدستورية دون سواه ، بل منسحبًاإليه وإلى الأغيار كافة، ومتعديًا إلى الدولة التى ألزمها الدستور بالخضوع للقانون، وجعل من علوه عليها، وانعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها ومحورًا لبناء أساس الحكم فيها، بما يردهم عن التحلل من قضاء هذه المحكمة أو مجاوزة مضمونه ، ويلزم كلشخص بالعمل على مقتضاه، وضبط سلوكه وفقًا لفحواه ، ذلك أن هذه المحكمة تستمدمباشرة من الوثيقة الدستورية ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية، وكلمتها فى شأندلالة النصوص التى يضمها الدستور بين دفتيه هى القول الفصل، وضوابطها فى التأصيل،ومناهجها فى التفسير، هى مدخلها إلى معايير من ضبطة تحقق لأحكام الدستور وحدتهاالعضوية، وتكفل الانحياز لقيم الجماعة فى مختلف مراحل تطورها، وليس التزامهابإنفاذ الأبعاد الكاملة للشرعية الدستورية إلا إرساء لحكم القانون فى مدارجهالعليا وفاء بالأمانة التى حملها الدستور بها ، وعقد لها ناصية النهوض بتبعاتها،وكان حتمًا أن يكون التقيد بأحكامها مطلقًا ساريًا على الدولة والناس أجمعين،  وعلى قدم من المساواة الكاملة .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام المنازعة المتعلقة بتنفيذ حكم صادر عنها بعدم الدستورية؛ أن يكون تنفيذ هذا الحكم لم يتم وفق طبيعته، وعلى ضوء الأصــــل فيه،بل اعترضته عوائق تحول قانونًا – بمضمونها أو أبعادها – دون اكتمال مداه؛ وتعطل بالتالى أو تقيد اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان . ومن ثم،تكون عوائق التنفيذ هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ ؛ تلك المنازعة التى تتوخى فىختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبةعليها ؛ ولايكــون ذلك إلا بإسقاطها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلىحالته السابقة على نشوئها . بيد أن تدخل هذه المحكمة لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها فى  الدعاوى الدستورية؛وتنال من جريان آثارها ؛ إنما يفترض أن تكون هذه العوائق – سواء بطبيعتها أوبالنظر إلى  نتائجها – قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحاً مكتملاً،  أو مقيدة لنطاقها، على أن يكون مفهومًا أنالتنفيذ لا يبلغ غايته إلا إذا كان كافلاً انسحاب أثر الحكم إلى يوم صدور النص المقضى بإبطاله؛ فإذا أعاق انسيابه أى عارض، ولو كان تشريعًا أو حكمًا قضائيًّا أوقرارًا إداريًّا أو عملاً ماديًّا ؛ جاز لهــذه المحكمـة التدخل لترفع من طريقهذلك العارض، وسبيلها إلى ذلك – تعينهــا عليه سلطات الدولة كل فى مجال اختصاصها –الأمر بالمضى فى تنفيذ الحكم بعـدم الدستورية، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذىعطَّل مجراه .
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا كانت قد أصدرت بجلسة 14/6/2012 حكمها فى الدعوى رقم 20 لسنة 34قضائية " دستورية" ، والذى يقضى :
أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعبالمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011.
ثانياً: بعدم دستوريةما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 من إطلاق الحق فى التقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب فى الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى للمن تمين للأحزاب السياسية إلى جانبالمستقلين غير المن تمين لتلك الأحزاب.
ثالثاً: بعدم دستورية المادة التاسعة مكرر ( أ ) من القانون المشار إليه المضافة بالمرسوم بقانون رقم108 لسنة 2011 فيما نصت عليه من تضمين الكشف النهائى لأسماء المرشحين بالنظامالفردى بيان الحزب الذى ينتمى إليه المرشح .
رابعاً: بعدم دستورية نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011، وبسقوط نص المادة الثانية منه.
وقد أو ردت المحكمة فىأسباب حكمها أنه :" متى كان ذلك، وكانت انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، فإن مؤدى ذلك ولازمه -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوالوجوده بقوة القانون اعتبارًا من التاريخ المشار إليه، دون حاجة إلى اتخاذ أى إجراءآخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة، وإنفاذًا لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، طبقًا لصريح نص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إلا أن ذلك لا يؤدى البته إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة، وذلك ما لم يتقررإلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً، أو يُقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بنى عليه هذا الحكم" .
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وإذ أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 11 لسنة 2012 بتاريخ 8/7/2012 مشيرًا فىديباجته إلى الحكم المشار إليه – وناصاًّ فى مادته الثانية على عودة مجلس الشعبالمنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى ، ومن ثم يكون ذلك القـرار عقبـة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الإشارة، بحيث يجوز لكل من أُضير من إعما له أن يتقدم إلى هذه المحكمة طالبًا إزالة هذهالعقبة .
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا بقضائها فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية" ،قد كشفت عن بطلان تكوين مجلس الشعب بكامله منذ انتخابه ، وذلك نزولاً على أنالأصـل فى الأحكام القضائيـة أنها كاشفة وليست منشئة، إذ هى لا تستحـدث جديدًا ولا تنشئ مراكز أو أوضاعًا لم تكن موجودة من قبل، بل هى تكشـف عن حكـم الدستـور أو القانون ، الأمر الذى يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعى كنتيجة حتمية لطبيعتهالكاشفة، بيانًا لوجه الصواب فى دستوريـة النص التشريعـى المطعون فيه منذ صـدوره ،وما إذا كان هذا النص قد جاء موافقًا للدستور ، فتتأكد للنص شرعيته الدستوريةويستمر نفاذه، أم أنه صدر متعارضًا مع الدستور فينسلخ عنه وصفه وتنعدم قيمته بأثرينسحب إلى يوم صدوره.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، فإن قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012، يعد عقبة تحول دون تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية" ، وترتيب آثاره كاملة دون أمت ولا عوج ، الأمر الذى يتعين معه عدما لاعتداد بذلك القرار، والاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية " دستورية " .
وحيث إن القرار موضوعالمنازعة يشكل كلًّا لا يتجزأ فإن القضاء بعدم الاعتداد به برمته يكون لازمًا ،إعما لاً للسلطة المخولة لهذه المحكمة بموجب حكم المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر فى القضية رقم 20 لسنة 34 قضائية " دستورية" بجلسة 14/6/2012 وعدم الاعتداد بقرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012 .

دستورية النصاب الانتهائي للاستئناف

قضية رقم 149 لسنة 33 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنة 2015م، الموافق ‏الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ.‏
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور              رئيس المحكمة
وعضـوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى ‏ومحمد خيرى طـه ورجب عـبد الحكيم سليم وبـولس فهمـى إسكـندر والدكتور حمدان ‏حسن فهمى              ‏ نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم     رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/محمد ناجى عبدالسميع                 أمين السر ‏
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 149 لسنة 33 قضائية"دستورية".‏
‏      المقامة من
‏  السيد/ على إبراهيم محمد داود
ضد
‏1-‏      السيد رئيس الجمهورية ‏
‏2-‏      السيد رئيس مجلس الشعب
‏3-‏      السيد المستشار وزير العدل
‏4-‏      السيدة/ زينب كمال أحمد محمود
‏5-‏      السيد رئيس مجلس الوزراء
‏"الإجراءات"‏
          بتاريخ 25 من يوليو سنة 2011، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم ‏كتاب المحكمة، طالباًً الحكم بعدم دستورية نصوصالمواد 42، 221، 222 من ‏قانون المرافعات المدنية والتجارية.‏
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص ‏المادة221 من قانون المرافعات، ورفضها فيما عدا ذلك.‏
‏وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.‏
ونُظرتالدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم ‏فيها بجلسة اليوم.‏
‏"المحكمة"‏
          بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.‏
          حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- ‏تتحصل فى أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أقامت ضد المدعىالدعوى رقم 295 ‏لسنة 2009 إيجارات كلى أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية، بطلب الحكم بإخلائه ‏من الشقة موضوع عقد الإيجار المؤرخ 1/12/2003، وتسليمها لها خالية،على ‏سند من انتهاء عقد الإيجار بانتهاء مدته، وبجلسة 27/12/2009 قضت المحكمة ‏بإخلائه من العين محل التداعى، وتسليمها للمدعية – المدعى عليها الرابعة فى‏الدعوى الماثلة – وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء فقد طعن عليه بالاستئناف رقم ‏‏180 لسنة 35 قضائية أمام محكمة استئناف الإسماعيلية، وبجلسة 27/4/2010 ‏قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص محكمة الإسماعيلية ‏الابتدائية قيمياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القنطرة غرب الجزئية، وأضحى ‏هذا الحكمباتًّا بعدم الطعن عليه فى المواعيد القانونية، ونفاذًا لذلك أحيلت الدعوى ‏إلى محكمة القنطرة غرب الجزئية، وقيدت أمامها برقم 106 لسنة 2010 مدنى ‏جزئى القنطرة غرب، وبجلسة 25/10/2010 قضت المحكمة بانتهاء عقد الإيجار ‏موضوع الدعوى، وإخلاء المدعى من عين النزاع، وإلزامه بتسليمها خالية، فطعن ‏المدعى على هذا الحكم بالاستئناف رقم 551 لسنة 2010 مدنى مستأنف أمام ‏محكمة الإسماعيلية الابتدائية، وأثناء نظر الاستئناف دفعت المستأنف ضدها بعدم ‏جواز نظر الاستئناف لانتهائيةالحكم المستأنف، وردًّا لذلك دفع المدعى بعدم ‏دستورية نصوص المواد 42، 221، 222من قانون المرافعات، وإذ قدرت المحكمة ‏جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة، وبجلسة ‏‏27/11/2011 قضت محكمة الإسماعيلية الابتدائية بعدم جواز الاستئناف لصدور ‏الحكم المستأنف فى حدود النصاب الانتهائىللمحكمة الجزئية، بعد أن قدرت قيمة ‏الدعوى الموضوعية بمائة جنيه بحكم بات.‏
وحيث إن المادة 42 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة ‏‏2007 تنص على أن"تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيًّا فى الدعاوى ‏المدنية والتجاريةالتى لا تجاوز قيمتها أربعين ألف جنيه ويكون حكمها انتهائيًّا إذا ‏كانت قيمةالدعوى لا تجاوز خمسة آلاف جنيه.‏
وذلكمع عدم الإخلال بما للمحكمة الابتدائية من اختصاص شامل فى ‏الإفلاس والصلح الواقىوغير ذلك مما ينص عليه القانون".‏
وتنص المادة 221 من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 على ‏أن "يجوزاستئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى بسبب ‏مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام أو وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان ‏فى الإجراءاتأثر فى الحكم.‏
وعلىالمستأنف فى هذه الأحوال أن يودع خزانة المحكمة الاستئنافية عند تقديم ‏الاستئنافعلى سبيل الكفالة مائة جنيه، ويكفى إيداع أمانة واحدة فى حالة تعدد ‏الطاعنين إذاأقاموا طعنهم بصحيفة واحدة ولو اختلفت أسباب الطعن ويعفى من ‏إيداع الكفالة منأعفى من أداء الرسوم القضائية.‏
ولا يقبل قلم الكتاب صحيفة الطعن إذ لم تصحب بما يثبت هذا الإيداع، ‏وتصادر الكفالةبقوة القانون متى حكم بعدم جواز الاستئناف لعدم مخالفة قواعد ‏الاختصاص أو لانتفاءالبطلان".‏
وتنص المادة 222 من القانون المذكور على أن "ويجوز أيضًا استئناف جميع ‏الأحكام الصادرة فى حدود النصاب الانتهائى إذا كان الحكم صادرًا على خلاف حكم ‏سابق لم يحزقوة الأمر المقضى، وفى هذه الحالة يعتبر الحكم السابق مستأنفًا بقوة ‏القانون إذا لم يكن قد صار انتهائيًّا عند رفعالاستئناف".‏
وحيث إن المقرر فى قضاء هـذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة - ‏وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – قوامها أن يكون الحكم فى المسألة الدستورية ‏لازمًا للفصل فىمسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو فى شق ‏منها فى الدعوى الموضوعية، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين أوليين يحددان ‏مضمونها، أولهما: أنيقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص ‏التشريعى المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون ‏هذا الضرر مباشرًا، مستقًلابعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، ‏وليس ضررًا  متوهمًا أو نظريًا أو مجهًلا، وثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا ‏الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على ‏المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو ‏كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة ‏تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعًا،لن يحقق ‏للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى ‏الدستورية، عما كان عند رفعها.‏
وحيث إن الثابت من الأوراق أن محكمة القنطرة غرب الجزئية أصدرت بجلسة ‏‏25/10/2010 حكمها بصفة انتهائية فى الدعوى رقم 106 لسنة 2010 مدنى ‏جزئى ضد المدعى بانتهاءعقد الإيجار المؤرخ 1/12/2003، وإخلائه من العين ‏موضوع النزاع، وإلزامه بتسليمها للمدعى عليها الرابعة، واستأنف المدعى هذا القضاء ‏أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية بالاستئناف رقم 551 لسنة 2010 مدنى ‏مستأنف، لأسباب حاصلها وقوع بطلانفى الحكم، وبطلان فى الإجراءات أثر فى ‏الحكم، وكذا الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، وقد دفعت المدعى عليها الرابعة– فى ‏الدعوى الماثلة – الاستئناف بعدم جواز نظره لكون الحكم المستأنف صدر فى حدود ‏النصاب الانتهائى لمحكمة أول درجة،وردًّا لذلك دفع المدعى أمام محكمة الموضوع ‏بعدم دستورية نصوص المواد 42، 221،222 من قانون المرافعات، وهى ‏النصوص التى اختصمها فى دعواه الراهنة، لما كان ذلك،وكان عجز الفقرة الأولى ‏من المادة 42 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 76لسنة 2007 هو الحاكم ‏للمسألة المعروضة، بما قرره من انتهائية الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية فى ‏الدعاوى التى لا تجاوز قيمتها خمسة آلاف جنيه، فإن القضاء فى المسألة المتعلقة ‏بدستورية هذا النص، سيكون له انعكاس على النزاع الموضوعى والطلبات المطروحة ‏به وقضاء محكمة الموضوع فيها، ومن ثم تضحى للمدعى مصلحة شخصية‏ومباشرة فى الطعن على هذا النص.‏
وحيث إن المادة 221 من قانون المرافعات تجيز استئناف الأحكام الصادرة ‏بصفة انتهائيةبسبب مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام أو وقوع ‏بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم، كما أجازت المادة 222 ‏من القانون ذاته استئنافهذه الأحكام إذا كانت صادرة على خلاف حكم سابق لم ‏يحز قوة الأمر المقضى، بما لازمه إفادة المدعى من هذه  الأحكام التىتجيز له ‏استئناف الأحكام الانتهائية التى تصدر من المحاكم الجزئية، الأمر الذىتنتفى معه ‏مصلحته الشخصية المباشرة فى الطعن عليها، أما بالنسبة لما لم يتضمنه نص الفقرة ‏الأولى من المادة ذاتها من إجازة الطعن بالاستئناف فى الأحكام الصادرة من ‏المحاكم الجزئية بصفة انتهائية بسبب الخطأ فى تطبيق القانون أو تأويله فقد سبق‏للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة به، وذلك بحكمها ‏الصادر بجلسة 9/6/2002 فى الدعوى رقم 148 لسنة 22 قضائية "دستورية" الذى ‏قضى برفض الدعوى، وإذ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بعددها رقم 25 ‏‏(تابع) بتاريخ20/6/2002، وكان مقتضى نص المادة (48، 49) من قانون ‏المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة 195 من ‏الدستور الحالى، أن يكون لقضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية ‏حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، وهى حجية ‏تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، ومن ثم ‏فإن الخصومة فى هذا الشق من الدعوىتضحى غير مقبولة.‏
وحيث إن المدعى يهدف من دعواه الدستورية إطلاق أسباب الطعن بالاستئناف ‏على الأحكاما لانتهائية الصادرة من المحاكم الجزئية، ومن ثم فإن مصلحته ‏الشخصية المباشرة تتحدد بالطعن على عجز الفقرة الأولى من المادة (42) من ‏قانون المرافعات فيما نصت عليه من أنه "....... ويكون حكمها انتهائيًّا إذا كانت ‏قيمة الدعوى لا تجاوز خمسة آلاف جنيه، وبهذا النص وحده يتحدد نطاق الدعوى ‏الماثلة.   ‏
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه – محددًا نطاقًا على النحو ‏المتقدم – مخالفة نصوص المواد 4، 8، 40، 68 من دستور سنة 1971، قولاً منه ‏بأن اتخاذ قيمة المنازعةأساساً لجواز الطعن فى الحكم الصادر فيها بالاستئناف ‏يُخل بالحق فى التقاضى، كماأن التمييز فى فرص الطعن فى الأحكام استنادًا إلى ‏قيمة المنازعة فيه إخلال بمبدأالمساواة وانحياز للأثرياء على حساب الفقراء بما ‏يتعارض مع الأسس الاشتراكية التى أقرها دستور عام 1971، فضلاً عن أن ‏التقاضى على درجتين فيه تمكين للقضاة من إصدار أحكام بعيدة عن الظلم، كما أنه ‏يتيح فرصًا متساوية أمام المتقاضين جميعًا للطعن على الأحكام الصادرة ضدهم.‏
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث ‏مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور ‏القائم دون غيره، إذ إنهذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به ‏وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد ‏والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، ‏التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى ‏القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه، ‏من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014.‏
وحيث إن المشرع الدستورى المصرى بدءًا من التعديل الذى أدخل على ‏الدستور الصادر سنة1971 فى سنة 2007، قد عدل عن انتهاج الفكر الاشتراكى ‏وإتخاذ النظام الإشتراكى أساسًا للنظام الاقتصادى، وترك للمشرع العادى حرية ‏اختيار النظام الاقتصادى للدولة، وهو ما سلكه الدستور الحالى الذى لم يحدد نظامًا ‏اقتصاديًّا معينًاللدولة، واكتفى بتحديد مجموعة من الأهداف التى يتعين على النظام ‏الاقتصادى تحقيقها، ضمنها نص المادة 27 منه، ومن بينها تحقيق العدالة ‏الاجتماعية والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، وضمان تكافؤ الفرص والتوزيع ‏العادل لعوائد التنمية.‏
وحيث إن الدستور الحالى، وإن حرص فى المادة 4 منه على كفالة مبادئ ‏المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، باعتبارها أساسًا لبناء المجتمع وتحقيق وحدته ‏الوطنية، وقواعد ضابطة لسلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق والحريات والواجبات ‏العامة للمواطنين،كما قرن العدل بالعديد من نصوصه كالمواد 8، 27، 81، 91، ‏‏99 منه، غير أنه خلا فى الوقت ذاته من تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل سواء ‏بمبناه أو أبعاده لا يعدو –كما جرى قضاء هذه المحكمة – أن يكون منهجًا ‏متواصًلا منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى ‏يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها ‏فيما بينهم إنصافًا، والإ صار القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه، متصادمًا ‏لمبادئ العدل، وغدا إلغاؤه لازمًا.‏
وحيث إن مضمون مبدأ تكافؤ الفرص الذى تلتزم الدولة بتحقيقه بين جميع ‏المواطنين دون تمييز، طبقًا لنصوص المواد 4، 9، 27 من الدستور الحالى، إنما ‏يتصل – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة بالفرص الى تتعهد الدولة بتقديمها، ‏وأن إعما له يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير ‏أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد ‏وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام.‏
وحيث إن مبدأ المساواة الذى كفلته المادتان 4، 53 من الدستور الحالى ‏مؤداه– على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه لا يجوز لأى من السلطتين ‏التشريعية أو التنفيذية أنتباشر اختصاصاتها التشريعية التى ناطها الدستور بها بما ‏يخل بالحماية المتكافئة التى كفلها للحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص ‏عليها أو التى حددها القانون، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التى اعتد ‏الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير ‏عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التى تضمنها ‏تحقيق أغراض بذواتهامن خلال الوسائل التى حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين ‏أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا ‏على أسس موضوعية، مستلهمًا أهدافًا لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة ‏القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يتجاوز متطلباتها، كان القانون ‏واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع.‏
‏وحيث إن من المقرر أن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق ‏أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدودًا لها، وفواصل لا ‏يجوز تجاوزها، وعلى ذلك فليس ثمة تناقض بين كفالة المادة 97 من الدستور لحق ‏التقاضى كحق دستورى وبين تنظيمه تشريعيًّا، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم ‏وسيلة إلىحظر حق التقاضى أو إهداره، كما أن قصر التقاضى على درجة واحدة، ‏هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين: أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على ‏أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة، وخصائص الحقوق المثارة فيها، وثانيهما: ‏أن تكون الدرجةالواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها ‏وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل فى ‏عناصر النزاع جميعها– الواقعية منها والقانونية– فلا تراجعها فيما تخلص إليه فى ‏ذلك جهة أخرى.‏
وحيث إنه متى كان ما تقدم – وكان الأصل هو عدم جواز استئناف الأحكام ‏الصادرة فى حدود النصاب الانتهائى للمحكمة الجزئية، وهى الدعاوى التى لا تجاوز ‏قيمتها خمسة آلافجنيه، ويرجع الأساس فى عدم جواز استئناف هذه الأحكام – ‏كما أوضحت المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة ‏‏1968 وتعديلاته بالقوانين أرقام 91 لسنة 1980 و23 لسنة 1992 و18 لسنة ‏‏1999 و76 لسنة 2007 – إلى ضآلة قيمة هذه الدعاوى، وأن هذا التحديد يأخذ ‏فى اعتباره أثر القيم المالية على أهمية الدعوى ذاتها، وهى الأهمية التى تحدد ‏المستوى الذى يجب أن تحسم الدعوى عنده نهائيًّا، والذى يكون من شأنه كذلك ‏تخفيف العبء عن محاكم الاستئناف ومحكمة النقض،لما يترتب عليه من تقليل ‏عدد القضايا القابلة للطعن عليها أمامها، ومن ثم فإنتبنى المشرع لقيمة الدعوى ‏كمعيار لجواز استئناف الحكم الصادر فيها، وقصره التقاضى بالنسبة لبعض ‏الدعاوى على درجة واحدة تأسيسًا على ذلك، إنما يستند إلى أسس موضوعية تبرره، ‏التزم فيها المشرع نطاق سلطته التقديرية فى تنظيم حق التقاضى، دون افتئات منه ‏على مبادئ العدالة، أو إهدار لمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، الأمر الذى تضحى ‏معه مناعى المدعى على النص الطعين مخالفته لنصوص الدستور المتقدمة فى‏غير محلها حقيقة بالالتفات عنها.‏
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع حكم آخر فى الدستور، فإن ‏القضاء برفض الدعوى يكون متعينًا. ‏
‏"فلهذه الأسباب"‏
    حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى ‏المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.‏

دستورية العقاب على عدم موافاة هيئة سوق المال بالقوائم السنوية

قضية رقم 107 لسنة 32 ق المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من شهر مارس سنة ‏‏2015م، الموافق الثالث والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1436 هـ .‏
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور ‏  رئيس المحكمـــة
وعضويـة السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى ومحمد ‏خيرى طه النجار ورجب عبدالحكيم سليـم وبولس فهمى إسـكندر والدكتور حمدان ‏حسن فهمى  نواب رئيس المحكمـة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبدالسميع‏         أمين السر ‏
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا
برقم 107 لسنة 32قضائية "دستورية"‏
المقامة من
السيد/ سميح أنسى نجيبساويرس عن نفسه
وبصفته رئيس مجلس إدارةشركة أوراسكوم للفنادق والتنمية
ضـــد
‏1-‏      السيد رئيس الجمهورية
‏2-‏      السيد رئيس مجلس الوزراء
‏3-‏      السيد وزير الاستثمار
‏4-‏      السيد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية
الإجراءات
بتاريخ 20 مايو سنة2010، أودع المدعى عن نفسه وبصفته  رئيس مجلس ‏إدارة شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبًا ‏الحكم بعدم دستورية نص المادة 65 مكررًا والفقرة الأولى من المادة 68 من قانون ‏سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992.‏
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.‏
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.‏
          ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار ‏الحكم فيها بجلسة اليوم .‏
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .‏
حيث إن الوقائع– على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى ‏أن النيابة العامة كانت قدمت المدعى – بناء على طلب رئيس الهيئة العامة لسوق ‏المال- إلى المحاكمة الجنائية فى الجنحة رقم 2230 لسنة 2009 جنح اقتصادى ‏القاهرة، متهمة إياه بأنه فى غضون أعوام2004، 2005، 2006، وبصفته ‏المسئول عن الإدارة الفعلية لشركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، لم يواف الهيئة العامة ‏لسوق المال بصورة من القوائم المالية السنوية وربع السنوية وتقرير مجلس الإدارة ‏السنوى عن نشاط الشركة، وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقيد وشطب ‏الأوراق المالية خلال المواعيد القانونية المقررة، وطلبت عقابه بالمواد 16، 65 ‏مكررًا، 68، 69 من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، ‏والمادة 20 من قرار مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال رقم 30 لسنة 2002 ‏بشأن قواعد قيد واستمرار قيد وشطب الأوراق المالية ببورصتى القاهرة والإسكندرية ‏المعدل بالقرار رقم 17 لسنة 2004، وبجلسة 26/12/2009قضت المحكمة ‏بتغريمه ألفى جنيه عن كل يوم تأخير عن مدة 482 يومًا، وإذ لم يرتض المدعى ‏هذا القضاء، فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 24 لسنة 2010 جنح مستأنف‏ اقتصادى القاهرة، وأثناء نظر الاستئناف دفع بعدم دستورية نص المادتين (65‏ مكررًا، 68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا ‏الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة.‏
     وحيث إن المادة (65 مكررًا) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم ‏‏95 لسنة 1992 المضافة بالقانون رقم 143 لسنة2004 تنص على أن "يعاقب ‏بغرامة قدرها ألفا جنيه على كل يوم من أيام التأخير فى تسليم القوائم المالية وفقًا ‏لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقواعد قيد وشطب الأوراق المالية المنصوص ‏عليها فى المادة (16) من هذا القانون.‏
ويجوز لرئيس مجلس إدارة الهيئة أو من يفوضه أن يعرض التصالح عن هذه ‏الجريمة فى أية حالة كانت عليها الدعوى مقابل أداء نصف الغرامة المستحقة.‏
ويترتب على التصالح وتنفيذه انقضاء الدعوى الجنائية".‏
وتنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته على أن "يعاقب ‏المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التى ترتكب ‏بالمخالفة لأحكام هذا القانون".‏
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى ‏الدستورية- مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى ‏الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات ‏الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكانت ‏رحى النزاع الموضوعى تدور حول المسئولية الجنائية للمدعى بصفته المسئول عن ‏الإدارة الفعلية لشركة أوراسكوم للفنادق والتنمية، عن عدم موافاة الهيئة العامة لسوق ‏المال بصورة القوائم المالية السنوية وربع السنوية وتقرير مجلس الإدارة السنوى عن ‏نشاط الشركة وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقيد وشطب الأوراق ‏المالية، عن الأعوام 2004، 2005، 2006 فى المواعيد القانونية، وهو الفعل ‏المؤثم بنص الفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) من قانون سوق رأس المال المشار ‏إليه، ونص الفقرة الأولى من المادة (68) من هذا القانون فى مجال انطباقه على ‏نص المادة (65 مكررًا) سالفة الذكر، والتى قدم المدعى للمحاكمة الجنائية فى ‏الجنحة رقم 2230 لسنة 2009 جنح اقتصادى القاهرة طبقًا لهما، وطلبت النيابة ‏العامة معاقبته استنادًا إليهما، وصدر الحكم بجلسة 26/12/2009 بمعاقبته بالغرامة ‏إعمالاً لهما، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى تكون متحققة فى الطعن ‏عليهما ذلك أن الفصل فى دستوريتهما سيكون له أثره وانعكاسه على الدعوى ‏الموضوعية، وبهذين النصين وحدهما يتحدد نطاق الدعوى الدستورية، ولا يمتد إلى‏ باقى أحكام المادتين المذكورتين.‏
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما – محددين نطاقًا على ‏النحو المتقدم- مخالفتهما لنصوص المواد (32، 34، 40، 41، 66، 67، 86، ‏‏165) من الدستور الصادر سنة 1971 قولاً منه أنهما يخالفان مبدأى المساواة ‏والعدالة بما يتضمناه من معاملة فى مجال التجريم والعقاب تخالف غيرها من الجرائم ‏المالية والضريبية، فضلاً عما فيهما من اعتداء على حق الملكية، وعدم تحديد هذين ‏النصين أركان الجريمة على سبيل الجزم واليقين، ومخالفتهما كذلك لمبدأ شخصية ‏المسئولية الجنائية وشخصية العقوبة، وتناسبها معالجريمة، وافتراضهما المسئولية ‏الجنائية.‏
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث ‏مطابقتهما للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور ‏القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا صون الدستور المعمول به ‏وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد ‏والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى ‏يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد ‏الآمره، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون فيهما من ‏خلال أحكام الدستور الحالى الصادر عام2014.‏
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة – الذى كفلته ‏المادتان (4، 53) من الدستور الحالى –ليس مبدأ تلقينيًّا جامدًا منافيًا للضرورة ‏العملية، ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها، ولا كافلاً لتلك الدقة ‏الحسابية التى تقتضيها موازين العدل المطلق بين الأشياء، وإذ جاز للدولة أن تتخذ ‏بنفسها ما تراه ملائمًا من التدابير لتنظيم موضوع محدد، أو توقيًا لشر تقدر ضرورة ‏رده ، فإنه يكون من الجائز تبعًا لذلك أن تغاير السلطة التشريعية- ووفقًا لمقاييس ‏منطقية – بين مراكز لا تتحدد معطياتها أو تتباين فيما بينها فى الأسس التى تقوم ‏عليها، على أن تكون الفوارق بينها حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل، ذلك أن ما ‏يصون مبدأ المساواة، ولا ينقض محتواه هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًا ‏ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض التى يتوخاها.‏
وحيث إن الدستور الحالى وإن حرص فى المادة (4) منه على كفالة مبادئ ‏العدل باعتبارها أساساً لبناء المجتمع وتحقيق وحدته الوطنية، وقاعدة ضابطة لسلطة ‏المشرع فى مجال تنظيم الحقوق والحريات والواجبات العامة للمواطنين، كما قرن ‏العدل بالعديد من نصوصه كالمواد (8، 27، 81،91، 99) منه، غير أنه خلى فى ‏الوقت ذاته من تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل سواء بمبناه أو أبعاده لا يعدو- ‏كما جرى قضاء هذه المحكمة- أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من ‏الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، ‏فلا يكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافاً، وإلا صار ‏القانون منهياً للتوافق فى مجال تنفيذه، مصادمًا لمبادئ العدل، وغدا إلغاؤه لازمًا.‏
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل فى الجريمة أن ‏عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن ‏وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء ‏عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، ‏وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد قانوناً مسئولاً عن ‏ارتكابها، ومن ثم تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد ‏تلازمهما، ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا ‏باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية فى مفهومها ‏الحق.‏
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة كذلك أن الجريمة فى مفهومها ‏القانونى تتمثل فى الإخلال بنص عقابى، وكان وقوعها لا يكون إلا بفعل أو امتناع ‏يتحقق به هذا الإخلال، وكان المشرع قد أثم بالفقرة الأولى من المادة (65 مكررًا) ‏من قانون سوق رأس المال واقعة التأخير فى تسليم القوائم المالية إلى الهيئة العامة ‏لسوق المال، وفقًا لقواعد الإفصاح المرتبطة بها والمتعلقة بقواعد قيد وشطب الأوراق ‏المالية المنصوص عليها فى المادة (16) من القانون المذكور، واعتبر تلك الجريمة ‏جنحة معاقب عليها بالغرامة وقدرها ألفا جنيه عن كل يوم من أيام التأخير فى تسليم ‏القوائم عن المواعيد المقررة قانونًا، ويسأل عن هذه الجريمة المسئول عن الإدارة ‏الفعلية بالشركة طبقًا لنص الفقرة الأولى من المادة 68 من قانون سوق رأس المال، ‏والذى يجب دومًا أن يكون من الأشخاص الذين يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة ‏يمارسه نيابة عنها ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانونى الذى فرضه المشرع عليها، وجعل ‏الإخلال به جريمة، حرصًا منه على مبدأ الإفصاح وتحقيق الشفافية، وهو يسأل عن ‏فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها ‏وباستخدام أحد وسائلها، ويفترض هذا النص لقيام الجريمة أن يكون الامتناع عن ‏تسليم القوائم فى المواعيد القانونية نشاطًا سلبيًّا قصد به الجانى التنصل من الالتزام ‏القانونى الذى فرضه المشرع على نحو آمر، وتتحقق تلك الجريمة بتوافر أركانها ‏والتى يتعين على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، بما ينتفى معه منعى التجهيل بأركان ‏هذه الجريمة أو افتراض المسئولية الجنائية بالنسبة لها، وبذلك يتحقق توافقها مع مبدأ ‏شخصية المسئولية الجنائية .‏
وحيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المقرر بنص المادة (95) من ‏الدستور القائم، لا يقتضى لزومًا-على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن يكون ‏الجزاء الجنائى فى شأن الأفعال التى أثمها المشرع محددًا تحديدًا مباشرًا، بل يكفى ‏أن يتضمن النص العقابى تلك العناصر التى يكون معها هذا الجزاء قابلاً للتحديد، ‏ومعينًا بالتالى من خلالها، فلا يكون الجزاء الوارد به مبهمًا، ولا مفضيًا إلى التحكم، ‏بل قائماً على أسس حدد المشرع سلفًا ركائزها، وهو ما يقع على الأخص كلما ربط ‏النص العقابى بين الغرامة التى فرضها، وامتناع المخالفين عن الوفاء بالتزامهم ‏القانونى بتسليم القوائم المالية فى المواعيد المقررة قانونًا، محددًا مقدارها بقدر المدة ‏التى امتد إليها الإخلال بواجباتهم التى فرضها القانون، ليكون الحمل على التقيد بها ‏غاية نهائية للغرامة التى يقتضيها، وليس لازمًا بالتالى أن يكون مقدارها واقعًا فى ‏إطار حدين يكون أدناهما وأقصاهما مقررين سلفاً، ليحدد القاضى مبلغها فيما بينهما، ‏بل يجوز أن يتخذ المشرع معيارًا لضبطها يكون به مبلغها محددًا على ضوء المدة ‏التى استغرقها الامتناع عن تسليم هذه القوائم، دون أن يعد ذلك سلبًا لسلطة القاضى ‏فى تفريد عقوبة الغرامة المقررة بالنص المطعون فيه أو مساسًا بوجوب تناسب ‏العقوبة مع الأفعال المؤثمة ومع الخطورة الإجرامية للفاعل، كما لا يتضمن إهدارًا ‏لمبدأ المساواة، ذلك أن ارتباط تحديد مقدار الغرامات بمدة الامتناع عن تقديم القوائم ‏المالية والتى تختلف من شخص لآخر، لا يغير من وحدة التنظيم القانونى للجرائم ‏التى ارتبط بها الجزاء الجنائى، ولا يعدو هذا أن يكون تغايرًا فى الوقائع التى تقرر ‏الجزاء الجنائى بمناسبتها، وليس من شأن تباينها أن يكون تحديد الجرائم وعقوباتها‏ وتطبيقها على المخالفين قد انتقل من المشرع والقاضى إلى أيديهم، أو يمثل تغييرًا ‏فى جوهر الجزاء الجنائى المقرر على إتيان هذه الأفعال وتناسبه مع الجريمة محلها،‏أو يتضمن إخلالاً بقواعد العدالة، أو تمييزًا لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره بين ‏المخاطبين بأحكام النص العقابى أو بينهم وبين غيرهم، كما لا يحوى تقرير هذه ‏الغرامة كعقوبة على امتناع أثَّمه القانون مساسًا بحق الملكية الذى كفله الدستور،‏الأمر الذى يكون معه النصان المطعون فيهما غير مصادمين لنصوص المواد (33، ‏‏35،53، 54، 96، 101، 184) من الدستور القائم، كما لا يخالفان أى حكم آخر ‏من أحكامه، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.‏
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى ‏المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة. ‏

عدم جواز تاييد المحاكم لاحكام التحكيم الاجباري لعدم دستوريته

قضية رقم 2 لسنة 26 قضائية المحكمة الدستورية العليا "منازعة تنفيذ"

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

  بالجلسةالعلنيـة المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من شهر مارس سنة 2015م، الموافق الثالثوالعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور          رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين:أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمـى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى.                                         نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم                   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع                      أمينالسر

 

أصدرت الحكم الآتى

فى الدعوىالمقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا
برقم 2 لسنة26 قضائية " منازعة تنفيذ".

المقامة من

السيد/ إيهاب عبد الفتاح أحمد

ضـــــــــد

1- السيد رئيس الجمهورية

2- السيد وزير العدل
3- السيد رئيس الهيئة العامة لسوق المال
4- السادة شركة السلام للوساطة فى الأوراق الماليةوإمساك السجلات

الإجراءات
       بتاريخ السابع من مارس سنة 2004، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة طالبًافى ختامها الحكم بالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 13/1/2002 ، فى القضية رقم 55 لسنة 23 قضائية "دستورية"، وانعدامالحكم الصادر فى طلب التحكيم رقم 6 لسنة 2000 الصادر من الهيئة العامة لسوق المال،والمؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 26/2/2003 ، فى الاستئناف رقم 44 لسنة 117 قضائية.
            وقدمت الشركة المدعى عليها الرابعة مذكرة بدفاعها طلبت فى ختامها الحكم أولاً: بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى . ثانيًا: بعدم جواز نظر الدعوى لسابقةالفصل فيها. ثالثًا: برفض الدعوى.
وبعد تحضيرالدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الواقعات تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- فى أن المدعى كان قد أقام طلب التحكيمرقم 6 لسنة 2000 ضد الشركة المدعى عليها الرابعة، بطلب الحكم بإلزام ها بأن تدفعإليه مبلغ خمسين ألف جنيه على سبيل التعويض لما أصابه من أضرار جراء قيام هذه الشركة بشراء ألف سهم من أسهم بنك التعمير والإسكان خصمًا من حسابه بغير مبررقانونى، ثم عدل المدعى طلباته بإضافة طلب آخر بإلزام تلك الشركة بأن تدفع إليه مبلغًاآخر، وبجلسة 27/6/2000 ، قضت هيئة التحكيم برفض الطلب، فطعن المدعى على هذا الحكمأمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 44 لسنة 117 قضائية، ودفع بعدم دستوريةالمواد أرقام (52) و (60) و (61) من قانون هيئة سوق المال، وصرحت له المحكمة برفعالدعوى الدستورية، فأقام الدعوى رقم 65 لسنة 23 قضائية "دستورية"،وبجلسة 13/1/2002 ، حكمت المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 55 لسنة 23قضائية "دستورية" بعدم دستورية المادة (52) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 وسقوط المواد من (53) إلى (62) من القانون ذاتهوالمادتين (210) و (212) من قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 135 لسنة1993 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال، وبناء على هذا الحكم قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 3/11/2002 ، بانتهاء الخصومة فى الدعوى الدستوريةرقم 65 لسنة 23 قضائية "دستورية" المقامة من المدعى، إلا أن محكمة الاستئناف قضت بجلسة 26/2/2003 ، برفض الاستئناف المقام من المدعى وتأييد حكمالتحكيم. وإذ ارتأى المدعى أن حكم محكمة استئناف القاهرة المشار إليه المؤيِّدللحكم الصادر فى طلب التحكيم، إذ فصل فى النزاع الموضوعى باعتبار أنه صاحبالاختصاص الأصيل،  فإنه يتصادم مع حكم المحكمة الدستورية العليا السالف الذكر، ويعتبر عقبة فى تنفيذه، ومن ثم فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة،قد جرى على أن قوام المنازعة المتعلقة بتنفيذ حكم صادر بعدم الدستورية، أن تنفيذالحكم لم يتم وفق طبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا، دوناكتمال مداه، وتعطل بالتالى اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة، دوننقصان، ومن ثم تكون عوائق التنفيذ هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ التى تتوخى – فىختام مطافها – إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبةعليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاطها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، بيد أن تدخل هذه المحكمة، لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترضأحكامها فى الدعاوى الدستورية، وتنال من جريان آثارها، إنما يفترض أن تكون هذه العوائق – سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها – قد حالت فعلاً، أو من شأنها أنتحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدًا لنطاقها.


وحيث إن حكم المحكمة الدستوريةالصادر بجلسة 13/1/2002 ، فى القضية رقم 55 لسنة 23 قضائية "دستورية"والذى نشر بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (4) تابع بتاريخ 24/1/2002 ، قد قضى :أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (10) والمادة (52) من قانون سوقرأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 "ثانيًا" بسقوط نصوص المواد(53) و (54) و (55) و (56) و (57) و (58) و (59) و (60) و (61) و (62) من القانونالمشار إليه، ونص المادتين (210) و (212) من قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجيةرقم 135 لسنة 1993 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال.

وحيث إن المادة (52) من قانونرأس المال تنص على أن "يتم الفصل فى المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام القانون فيما بين المتعاملين فى مجال الأوراق المالية عن طريق التحكيم دون غيره.
وتشكل هيئة التحكيم........." وكانت المحكمة الدستورية العليا قد أقامت قضاءها المشار إليه على أنه لا يجوز أن يكون التحكيم إجباريًا يذعن له أطرافه أو بعضهم إنفاذًا لقاعدةقانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، الأمر الذى يكون منطويًا بالضرورة علىإخلال بحق التقاضى بحرمان ذوى الشأن من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعى بغير الاتفاق الإرادىعلى ذلك، وهو ما يخالف المادة (68) من الدستور.متى كان ما تقدم، وكانت هيئة التحكيم قد قضت فى طلب التحكيم رقم 6 لسنة 2000 برفض الطلب، وقضت محكمة استئناف القاهرة بجلسة 26/2/2003 ، برفض الاستئناف رقم 44 لسنة 117 قضائية وتأييد حكمالتحكيم، فإنها تكون قد فصلت فى النزاع الموضوعى باعتبار هيئة التحكيم هى صاحبةالولاية فى الفصل فى النزاع الموضوعى استنادًا إلى النصوص المقضى بعدم دستوريتهابالحكم المنازع فى تنفيذه، ومن ثم يكون حكم محكمة الاستئناف المشار إليه عقبة فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 13/1/2002 ، فى القضية رقم 55لسنة 23 قضائية "دستورية" الأمر الذى يستتبع تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزالة هذه العقبة والقضاء بالاستمرار فى تنفيذ حكمها.
فلهــذهالأسبــاب
حكمت المحكمة بالاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 13/1/2002 ، فى القضية رقم 55 لسنة 23 قضائية "دستورية"، وعدما لاعتداد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة بجلسة 26/2/2003، فى القضية رقم44 لسنة 117 قضائية.

دستورية العقاب على البلاغ الكاذب

قضية رقم 22 لسنة 25 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
          بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنـة 2015م، الموافـق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور         رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبدالرازق ومحمد عبدالعزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجــــــــار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى اسكندر                          نواب رئيس ا لمحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم       رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /محمد ناجى عبد السميع                        أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 22 لسنة 25 قضائية "دستورية " .
المقامة من
السيدة /افتراج مختــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار على
ضــــــد
1 - السيد رئيس الجمهوريــــــــــــــــــــــــــة
2 - السيد رئيس مجلسالـــــــــــــــــوزراء
3 - السيد المستشار وزير العـــــــــــــــدل
4 - السيد المستشار النائب العــــــــــــــــام
5 – السيد / عصام زكىعبد العـــــــــــــال
الإجـــــــــراءات
          بتاريخ السادس عشر من يناير سنة 2003،أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة (305) من قانون العقوبات .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكـرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
          وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضينتقريرًا برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمـــــة
          بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
          حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس أقام بطريق الادعاءالمباشر الجنحة رقم 6342 لسنة 2002 جنح قسم بولاق الدكرور قِبَلَ المدعية، بطلبعقابها بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة (305) من قانون العقوبات، وإلزام ها أنتؤدى له تعويضاً مؤقتاً مقداره (2000) جنيه، بوصف أنها أبلغت كذباً، وبسوء قصد،باعتدائه عليها بالضرب. فقضت محكمة جنح بولاق الدكرور بمعاقبة المتهمة بالحبس شهرًا مع الشغل، وإلزام ها أن تؤدى للمدعى بالحقوق المدنية (2000) جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وإذ لم ترتض المتهمة هذا الحكم فاستأنفته، وقُيِّدَ استئنافها برقم 16546 لسنة 2002 جنح مستأنف بولاق الدكرور، وحال نظر الاستئناف، دفعت بعدم دستورية المادة (305) من قانون العقوبات . وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعية بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى الماثلة .
   وحيث إن المادة (305) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 تنص على أن " وأما منأخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الأخبار المذكورة ولم تقم دعوى بما أخبر به " .
    وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة أمام محكمة الموضوع . إذ كان ذلك،وكانت المدعية قد قدمت للمحاكمة الجنائية، بوصف قيامها بالإبلاغ كذباً، وبسوء قصد، باعتداء المدعى عليه الخامس عليها بالضرب، وكان ذلك الفعل هو صورة التجريم التي تضمنتها المادة (305) من قانون العقوبات . ومن ثم، فإن الفصل فى دستورية خضوع الفعل المشار إليه لنموذج التجريم الوارد بذلك النص، يرتب انعاكسًا أكيدًاومباشرًا على الدعوى الموضوعية، وتتوافر للمدعية مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على دستوريته، ويتحدد به نطاق الدعوى الماثلة .
    وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه أنه ورد خالياً من تحديد العقوبة الواجبة التطبيق على من يخالف شق التكليف الوارد بها، فلم تحدد المادة العقوبة لا تصريحاً ولا إحالة إلى غيرها من المواد،مخالفة بذلك ما أوجبه الدستور من أن تحدد الجرائم تحديداً من ضبطاً، من خلال نصوصقانونية واضحة، يبين منها أركان الجريمة، والعقوبة المقررة لها، مما يصم النص المطعون فيه بالغموض؛ على نحو يكون معه إنفاذه مرتبطاً بمعايير شخصية قد تخالطها الأهواء، وهو ما يخل بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. كما أن تقييد المحكمة التىتفصل فى دعوى البلاغ الكاذب بالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وبالحكم الصادر عنالواقعة التى كانت محلًّا للجريمة، يمثل إخلالاً بحق المتهم فى محاكمة من صفة، يكفلله فيها ضمانات الدفاع عن نفسه؛ الأمر الذى يتعارض مع ما توجبه المادتان (10) ،(11) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، كما يتعارض مع المواد (64) ، (65)، (165)من دستور سنة 1971 .
    وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ماجرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه؛وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم،ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . لما كان ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه فى ضوء أحكام الدستور الحالىالصادر فى 18/1/2014 .
    وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة، لا خفاء فيها أو غموض. فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًاباتساعها، أو بخفائها، من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها . متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه، قد صيغت عباراته بطريقة واضحة لا خفاء فيها أو غموض، تكفل لأن يكون المخاطبون بها علىبينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها؛وكان البين من مطالعة الباب السابع من الكتاب الرابع من قانون العقوبات، أن المادة (302) منه عرفت جريمة القذف، وحددت المادة (303) منه عقوبة تلك الجريمة، ثم أحالنص المادة (305) "النص المطعون عليه" فى بيان العقوبة على أقرب عقوبة مذكورة، وهى عقوبة جريمة القذف، الواردة فى المادة (304)، وبحسبان أن البلاغ الكاذب،صورة خاصة من صور جريمة القذف؛ فإن ما تنعاه المدعية على النص المطعون عليه من عدمتقريره لعقوبة ما لجريمة البلاغ الكاذب، يكون قد جاء على غير سند .
   وحيث إن افتراض أصـل البراءة – وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة – يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها . وقد غدا حتميًّا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتكوّن من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها،بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة . ولما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أو رد بيانًا لصورة الركن المادى المكون للجريمة، وما يجب أن يقارنها من قصد عمدى من علم وإرادة، وكلها عناصر تتناضل النيابة العامة، والمتهم، فى إثباتها ونفيها أمام محكمة الموضوع، والتى لاتقضى بإنزال العقوبة بالمتهم بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها، وتكوّن من مجموعها عقيدتها. ومن ثم، فإن ما تنعاه المدعية على النص الطعين من إخلال بضمانات المحاكمة المنصفة، والحق فى الدفاع، يكون لا أساس له .
وحيث إنه من المقررأيضًا فى قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التيتضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذهالجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلى عن تلكالتي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوزالتسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًاللدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة منمراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفةالدستورية . متى كان ذلك، وكان المشرع قد توخى بالنص المطعون فيه حماية مصلحةاجتماعية معتبرة، بهدف الحفاظ على كيان المجتمع ولحمته،تتمثل فى وجوب حمايةالأعراض، وصون سمعة الأفراد، وتجنيبهم مغبة المكايدة وجرهم إلى ساحات المحاكم، أومجالس التحقيق، دون ما ذنب جنوه أو جريرة اقترفوها، إلا رغبة الجانى التشهيربالمجنى عليه، واغتيال سمعته، والنيل من مكانته، فضلاً عن صون مرفق العدالة من الاضطراب، وحمايته من شغله بما لا طائل من ورائه ولا جدوى من إشغاله به، فتتعطلمصالح من يلجأ له من المواطنين، وتضحى الحقوق عرضة للضياع، أو تأخير اقتضائها علىأفضل الفروض. وإذ رصد المشرع فى النص المطعون فيه عقوبة الغرامة التى لا تقل عنخمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه، لكل من أبلغ السلطات بواقعةمكذوبة، وأوجب لاكتمال التجريم أن يتوافر لدى الجانى علم بكذب البلاغ، وإرادةالإبلاغ رغم ذلك، وأن يثبت فوق ما تقدم سوء قصد الفاعل؛ بانتوائه الإضرار بالمجنىعليه، واغتيال سمعته، والتشهير به، وجاءت العقوبة التي رصدها النص المطعون فيه، فىإطار العقوبات المقررة للجرائم المعتبرة جنحًا، وتلك العقوبة فضلاً عن أنها تتناسبمع الإثم الجنائى لمرتكب تلك الجريمة، دون أن يصيبها غلو، أو يداخلها تفريط، فإنهاتدخل فى إطار سلطة المشرع التقديرية فى اختيار العقاب، ودون مصادرة أو انتقاص منسلطة القاضى فى تقديرها فى ضوء الخطورة الإجرامية للمتهم، إذ احتفظ النص المطعون فيه للقاضى بسلطة تقديرية فى الحكم بمقدار الغرامة المناسبة للفعل الذى قارفهالجانى، بحسب ظروف كل جريمة وظروف مرتكبها. ومؤدى ما تقدم جميعه، أن النص المطعون فيه قد التزم جميع الضوابط الدستورية المتطلبة فى مجـال التجريـم والعقـاب،موضـوعًا وصياغة، بما لا مخالفة فيه لأى من المواد ( 94، 95، 96، 151، 184) من الدستور الحالى، أو أىٍّ من أحكامـه الأخرى، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى .
فلهـــذهالأسبـــاب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرةالكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
          صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره،أما السيد المستشار الدكتور عادل عمر شريف، الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقععلى مسودة الحكم، فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار رجب عبد الحكيم سليم .