الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 11 مارس 2015

دستورية المغايرة في تقادم دعوى انقاص الثمن

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من فبراير سنة 2015م، الموافق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عدلي محمود منصور        رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبدالوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم
وبولس فهمى إسكندر                    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم       رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع                أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
          فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 200 لسنة 32 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / إيهاب محمد محمد درويش
ضــــــــد
1ــــ السيد رئيس الجمهوريـــــــــــة
2ــــ السيد وزير العــــــــــــــــــــــــــــــدل
3ــــ السيد رئيس مجلس الـوزراء
4ــــ السيد محافظ أســـــــــــــــــــــــوان
5ــــ السيد رئيس الوحدة المحليـة
لمدينة ومركز أسوان
الإجراءات
بتاريخ التاسع من ديسمبر سنة 2010، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا،طالبًا الحكم بعدم دستورية المادة (434) من القانون المدنى، فيما تضمنته من سقوطحق المشترى فى طلب إنقاص الثمن بمقدار العجز فى المساحة إذا انقضت سنة من وقتتسليم المبيع تسليمًا فعليًّا .
وقدمت هيئة قضاياالدولة مذكرة، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى،أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة،وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم المحكمة
بعد الاطلاع علىالأوراق، والمداولة .
          حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفةالدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 43 لسنة 2009مدنى أمام محكمة أسوان الجزئية، طالبًا الحكم بإلزام المدعى عليهما الرابع والخامسبصفتيهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغ خمسين ألف جنيه تعويضًا عن إخلالهمابمسئوليتهما العقدية المترتبة على شرائه المحل التجارى المبين بالأوراق، وإلزامهمابتعديل سعر الفائدة المستحقة على هذا المبيع فى حدود المساحة الفعلية بواقع 3% . وأوضحالمدعى أنه اشترى من المدعى عليهما الرابع والخامس بصفتيهما المحل المذكور، وتضمنتكراسة الشروط أن مساحته تبلغ 30,78 م2، إلا أنه فوجئ بعد استلام المحل أن مساحتهالفعلية تبلغ 17,86 م2، بما يفيد إخلال المدعى عليهما بصفتيهما بتعاقدهما المبرممعه مما يستحيل تنفيذه عينًا ويحق له أن يرجع عليهما بالتعويض استنادًا إلى قواعدالمسئولية العقدية . وبجلسة 20/6/2009، قضت المحكمة بعدم اختصاصها قيميًّا بنظرالدعوى، وأحالتها إلى محكمة أسوان الابتدائية فقيدت أمامها برقم 406 لسنة 2009،وبجلسة 26/10/2009، قضت المحكمة بندب خبير لتنفيذ ما جاء بمنطوق ذلك القضاء، وبعدأن أودع الخبير تقريره، قضت بجلسة 31/1/2010، بسقوط حق المدعى فى المطالبة بإنقاصالثمن استنادًا إلى ما قررته المادة (434) من القانون المدنى، من تقادم دعوى إنقاصالثمن بانقضاء سنة من تاريخ التسليم الفعلى للمبيع، وإذ كان المدعى قد تسلم العينفى 12/2/2000، وأقام دعواه فى 12/5/2009، فإن مطالبته بإنقاص ثمن المبيع تكون قدسقطت بالتقادم الحولــى . وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فقد طعن عليه بالاستئنافرقم 268 لسنة 29 ق مدنى. استئناف قنا . كما طعن عليه المدعى عليهما الرابع والخامسبالاستئناف رقم 358 لسنة 29 ق مدنى أمام المحكمة ذاتها. وبعد أن ضمت تلك المحكمةالاستئنافين المشار إليهما، دفع الحاضر عن المدعى بجلسة 1/11/2010، بعدم دستوريةالمادة (434) من القانون المدنى فيما تضمنته من سقوط حق المشترى فى طلب إنقاصالثمن بمقدار العجز فى المساحة إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًافعليًّا، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامدعواه الماثلة .
          وحيث إن المادة (434) من القانون المدنىتنص على أنه :- " إذا وجد فى المبيع عجز أو زيادة، فإن حق المشترى فى طلبإنقاص الثمن أو فى طلب فسخ العقد وحق البائع فى طلب تكملة الثمن يسقط كل منهمابالتقادم إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًّا " .
          وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى بهقضاء هذه المحكمة – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهوشرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلكبأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بهاالمطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك، وكان المدعى يبتغى بدعواه الموضوعيةإنقاص ثمن المحل الذى اشتراه بما يوازى مساحته الفعلية، إلا أن دعواه ووجهت بقضاءمحكمة أول درجة بسقوط حقه فى المطالبة بإنقاص الثمن بالتقادم الحولى لمرور أكثر منسنة على تسلمه العين المبيعة إعمالاً لحكم المادة (434) من القانون المدنى، فإنمصلحته الشخصية المباشرة تتحقق بالفصل فى دستورية ما تضمنته المادة (434) منالقانون المدنى من أنه إذا وجد فى المبيع عجز فإن حق المشترى فى طلب إنقاص الثمنيسقط بالتقادم إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليمًا فعليًّا . وبهذا النصوحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة .
          وحيث إن من المقرر – فى قضاء هذهالمحكمة – أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعيةالتى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابةتستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوصهذا الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارةبين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها منالتشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وترتيبًا على ما تقدم، فإن هذه المحكمةتباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال الدستور المعَدَّل الصادر فى سنة 2014.
          وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعونفيه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم – إخلاله بمبدأ المساواة المقرر فى المادة (40)من دستور سنة 1971، التى تقابل المادة (53) من دستور سنة 2014، إذ جعل أجل سقوط حقالمشترى فى طلب إنقاص الثمن ينقضى بالتقادم الحولى من وقت استلامه المبيع فعليًّا،فى حين أن المادة (140) من القانون المدنى تعطى للمتعاقد الذى يقع فى غلط جوهرىالحق فى طلب إبطال العقد خلال مدة تقادم تبلغ ثلاث سنوات، الأمر الذى يفصح عنالمغايرة فى مسلك المشرع، فقد تبنى التقادم الحولى فى شأن المطالبة بإنقاص الثمن،ولكنه أخذ بالتقادم الثلاثى فى حال إبطال العقد للغلط الجوهرى، بالرغم من تماثلالمراكز القانونية ففى كلا الحالين، فإن المشترى هو الذى يقيم الدعوى، وكلاهمادائن للبائع، مما يستوجب توحيد القاعدة القانونية التى تسرى على التقادم المسقطلهما، وإذ مايز المشرع فى الحكم بينهما فإنه يكون قد أخل بمبدأ المساواة المقرر فىالمادة (40) من دستور عام 1971.
          وحيث إن هذا النعى غير سديد، ذلك أن منالمقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن مبدأ مساواة المواطنين أمامالقانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية، معاملة قانونيةمتكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلىعلاقة منطقية بين النصوص القانونية التى تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين،والنتائج التى رتبها عليها ليكون التمييز بالتالى موافقًا لأحكام الدستور، وكلماكان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكانتقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع فى مشروعيتها،وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلباتهذه الغايات، كان واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجالتنظيم الحقوق ولو تضمن تمييزًا، ولا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواةالتى توخاها وسعى إليها بعيدة حسابيًّا عن الكمال . لما كان ذلك، وكان المشرع قررسقوط دعوى إنقاص ثمن المبيع إذا وجد فيه المشترى عجزًا بالتقادم الحولى من وقتتسليم المبيع تسليمًا فعليًّا، مراعيًا فى ذلك وجوب استقرار التعامل، حتى لا يبقىالبائع مهددًا مدة طويلة برجوع المشترى عليه بإنقاص الثمن أو فسخ البيع، وبالتالىفإن هذه الدعوى تتعلق بآثار عقد البيع وحده دون غيره من العقود، ولا تنال من صحةانعقاد العقد أو اكتمال أركانه . فى حين أن المادة (140) من القانون المدنى تقررسقوط الحق فى طلب إبطال العقد بصفة عامة، إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنواتفى حالات محددة هى نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه، على أن يبدأ سريان هذهالمدة فى حالة نقص الأهلية من اليوم الذى يزول فيه هذا السبب وفى حالة الغلط أوالتدليس من اليوم الذى ينكشف فيه، وفى حالة الإكراه، من يوم انقطاعه، وهو ما يبينمنه أن أصل العقد قد اعتوره عيب من العيوب المذكورة، لذا كان من المناسب أن يتركالمشرع للمتعاقد الذى شابت إرادته أحد تلك العيوب، فترة زمنية مقبولة، يتمكنخلالها من تقدير التعاقد، بعد أن أدرك حقيقة العقد الذى أبرمه، هذا بالإضافة إلىأن دعوى إنقاص الثمن لا تنهى العلاقة العقدية، وإنما تعيد للعقد توازنه المالىالذى سعى إليه المتعاقدان ابتداءً . فى حين أن دعوى إبطال العقد المقررة بالمادة (140)سالفة الذكر تؤدى إلى إنهاء التعاقد كلية بعد أن شابه أحد العيوب المحددة بالمادةالمذكورة .
          ومما تقدم جميعه يتبين أن ثمة اختلافًافى المركز القانونى للمشترى فى دعوى إنقاص الثمن والمركز القانونى للمتعاقد الذىشابت إرادته عيب من العيوب، فالأول يعد مركزًا قانونيًّا يتعلق بتنفيذ العقد، أماالثانى فهو مركز قانونى يتصل بأصل صحة العقد ذاته، وإذ اختلف المركزان، وبررالمشرع التقادم الحولى باستقرار المعاملات وهو تقادم كثيرًا ما لجأ إليه فى أحوالعدة، مرتأيًا فى مدة السنة مدة كافية لبقاء العلاقة العقدية غير مستقرة، يكون فيهاالبائع مهددًا بالرجوع عليه فى ماله، مقدرًا أن الصالح العام يقتضى إنهاء هذاالوضع فى مدة لا تزيد على سنة حتى تستقر الأوضاع . وهو ما يؤدى إلى استقرارالعلاقات القانونية داخل المجتمع وكان تقديره هذا قائمًا على أسس موضوعية مستهدفًاغايات مشروعة واقعًا فى إطار سلطته التقديرية فإن قالة إخلال النص الطعين بمبدأالمساواة تضحى لا سند لها .
          وحيث إن النص الطعين لم يخالف حكمًا آخرمن أحكام الدستور .
فلهــــذه الأسبــــاب
          حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

دستورية قواعد مخاصمة القضاة في قانون المرافعات

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

          بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع  عشر من فبراير سنـة 2015م، الموافـق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436هـ .

برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى والسيد عبدالمنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليـم وبولــس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى         نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم         رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع            أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 178 لسنة 32 قضائية "دستورية " .

المقامة من

السيد/ عثمـــان محمـــد عثمــــان

ضــــــــــــــد

1-  السيد رئيس الجمهوريـة

2-  السيد رئيس مجلس الـوزراء

3-  السيد رئيس مجلس الشعــب

4-  السيد / وائل فاروق بسيونى  الفيشاوي

5-  السيد / زياد محمد خليل مباشــر

6-  السيد / وسام على إبراهيم

7-  السيد وزير العــــدل

8-  السيد رئيس محكمة الإسكندرية الابتدائية

-------------------

الإجــــــــــراءات

          بتاريخ الرابع من نوفمبر سنة 2010،أودع  المدعى صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا في ختامها الحكم بعدم دستورية نصوص المواد (495)و(496) و(497) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.

          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكــرة بدفاعهــا، طلبت في ختامها الحكم؛ أصليًّا : بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا : برفضها.

          وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .

          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

------------------

المحكمــــــــة

     بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .

   حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد أقام ضد القضاة المدعى عليهم الرابع والخامس والسادس دعوى المخاصمة رقم 14 لسنة 66 قضائية أمام محكمة استئناف الإسكندرية؛ على سند من القول بارتكابهم خطأً مهنيًّا جسيمًا عند نظرهم الدعوى رقم5966 لسنة 2009 مدنى كلى الإسكندرية؛ طالبًا الحكم؛ أولاً : بقبول طلب المخاصمة شكلاً، ثانيًا : بإلغاء القرار الصادر من هيئة المحكمة المشكلة منهم بجلسة 1/3/2010،مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المُخاصمين بالتعويض المؤقت وقدره 10001 جنيه. وأسس المدعى طلباته على أنه كان قد صدر لصالحه الحكم في الدعوى رقم 1553 لسنة 2006مدنى كلى الإسكندرية؛ بأحقيته في أخذ العقار رقم 19 تنظيم إبراهيم نصير – لوران – قسم الرمل؛ بالشفعة، فطعن عليه السيد / أحمد محمد محمد مصطفى وآخرون أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 5391 لسنة 63 قضائية، حيث قضت المحكمة بعدم جواز نظر استئنافهم لإقامته بعد الميعاد المقرر قانونًا، فقام المدعى بتسجيل الحكم بالشهر العقاري تحت رقم 1465 لسنة 2007 الإسكندرية، فأقاموا ضده الدعوى رقم 5966لسنة 2009 مدنى كلى الإسكندريــة، طالبين الحكم؛ أولاً : بندب خبير في الدعوى تكون مهمته معاينة العقار محل النزاع؛ الثابت ملكيتهم له بالحكم الصادر في الدعوى رقم 146لسنة 2005 مدنى مستأنف الإسكندرية، ثانيًا : بانتقال الخبير إلى الشهر العقاري للاطلاع على السجلات والدفاتر والأوراق لبيان ما إذا كانت هناك عقود مسجلة ومشهرة بملكية المدعى وبانتفاعه بالعقار، فأصدرت هيئة المحكمة المشكلة من القضاة المُخاصمين قرارًا بجلسة 1/3/2010، باللجوء إلى الشهر العقاري بالإسكندرية لبيان ما إذا كانت هناك عقود مسجلة بملكية المدعى لحق الانتفاع بالعقار وطلبت شهادة من جهاز تصفية الحراسات لبيان ما إذا كان المدعى مالكًا لهذا الحق وبيان المتصرف إليهم وسندهم، مما حدا بالمدعى إلى إقامة دعوى المخاصمة رقم 14 لسنة 66 قضائية أمام محكمة استئناف الإسكندرية ضد القضاة المُخاصمين على سند من القول بارتكابهم خطأً مهنيًّا جسيمًا؛ بإصدارهم القرار المشار إليه دون طلب من أى من أطراف الدعوى. وبجلسة 9/10/2010، دفع المدعى بعدم دستورية نصوص المواد (495) و(496) و(497) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة .

   وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص التشريعية هو افتراض تطابقها مع أحكام الدستور، ويتعين بالتالي إعمالاً لهذا الافتراض وكشرط مبدئي لإنفاذ محتواه أن تكون المطاعن الموجهة إلى هذه النصوص جلية في معناها واضحة في الدلالة على المقصود منها لا يحيطها التجهيل أو يكتنفها الغموض، وبوجه خاص كلما كان النص التشريعي المطعون فيه مكونًا من عدة أجزاء يقوم كل منها مستقلاً عن الآخر في مضمونه، إذ يتعين على الطاعن أن يبين على وجه التحديد أيها وقع – في تقديره – منافيًا لأحكام الدستور وإلا كان الطعن غير مقبول . متى كان ذلك، وكان المدعى قد أقام دعواه الماثلة طعنًا على نصوص المواد (495و496 و497) من قانون المرافعات، وكانت مناعي المدعى الدستورية قد انصبت فقط على ما ورد بالفقرة الثانية من المادة (495) من القانون ذاته من وجوب أن يشتمل تقرير المخاصمة على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها وكذلكما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (496) من القانون ذاته من أن تحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والفاضي أو عضو النيابة المخاصم حسب الأحوال، وخلت صحيفة دعواه الدستورية من أية مطاعن دستورية تجاه نص المادة (497) من القانون ذاته، فإن طعنه عليها يكون مجهلاً، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول هذا الشق من الدعوى .

     وحيث إن المادة (495) من قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 مستبدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999تنص على أن : " تُرفع دعوى المخاصمة بتقرير في قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة يوقعه الطالب أو من يوكله في ذلك توكيلاً خاصًّا، وعلى الطالب عند التقرير أن يودع خمسمائة جنيه على سبيل الكفالة .

  ويجب أن يشتمل التقرير على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها .

    وتُعرض الدعوى على إحدى دوائر محكمة الاستئناف بأمر من رئيسها بعد تبليغ صورة التقرير إلى القاضي أو عضو النيابة وتُنظر في غرفة المشورة في أول جلسة تعقد بعد ثمانية الأيام التالية للتبليغ .

    ويقوم قلم الكتاب بإخطار الطالب بالجلسة" .

     كما تنص المادة (496) من القانون ذاته على أن : " تحكم المحكمة في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها وذلك بعد سماع الطالب أو وكيله والفاضي أو عضو النيابة المُخاصم حسب الأحوال وأقوال النيابة العامة إذا تدخلت في الدعوى .

   وإذا كان القاضي المخاصم مستشارًا بمحكمة النقض تولت الفصل في جواز قبول المخاصمة إحدى دوائر هذه المحكمة في غرفة المشورة " .

   وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مقتضى نص المادة (29/ب) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48لسنة 1979، أن يتحدد نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذى أُثير أمام محكمة الموضوع مرتبطًا بالطلبات الموضوعية وفى الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته. لما كان ذلك، وكان المدعى يهدف إلى تمكينه من إبداء دفاعه على قدم المساواة مع خصومه في دعوى المخاصمة، وذلك بعدم إلزامه ببيان أوجه المخاصمة وأدلتها وإيداع الأوراق المؤيدة لها؛ قبل نظر الدعوى بشأن جواز قبولها، وعدم تقيده في دفاعه أثناء نظرها بتلك الأوجه، وكان نص كل من الفقرة الثانية من المادة (495) والفقرة الأولى من المادة (496) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه يحولان – في نظر المدعى – دون تحقيق ذلك الأمر، فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى تتحقق بالطعن بعدم دستورية هذين النصين بحسبان أن الفصل في دستوريتهما سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية، وبهما وحدهما يتحدد نطاق الدعوى الدستورية .

          وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما – محددين نطاقًا على النحو المتقدم – مخالفتهما لنصى المادتين (40) و(69) من دستور سنة 1971، على سند من أن هذين النصين قد حرماه من إبداء دفاعه على قدم المساواة مع خصومه فيها، وذلك بإلزامه ببيان أوجه المخاصمة وأدلتها وإيداع الأوراق المؤيدة لها؛ قبل نظر الدعوى بشأن جواز قبولها، ووجوب تقيده في دفاعه أثناء نظرها بتلك الأوجه، فلا يجوز له أن يقرر سواها أو أن يودع أى أوراق أو مستندات أخرى غير ما أودعه عند رفع الدعوى، ومايزا بذلك بينه وبين القضاة المُخاصمين فيها الذين يحق لهم إبداء دفاعهم مُحررًا من كل قيد، والمطالبة بالتعويض عن طريق الطلب العارض، وتقديم ما يشاءون من أوراق ومستندات لتدعيم الأدلة على توافر أركان المسئولية في شأن المدعى، دون أن يتاح له الرد على تلك الأوراق والمستندات؛ بالرغم من وحدة طبيعة الدعوى وتكافؤ المراكز القانونية للمتداعين فيها، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزًا تحكميًّا غير مبرر، وهو ما يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة وتقييدًا لحق الدفاع .

   وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .

وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها في ضوء أحكام الدستور المعدَّل الصادر سنة 2014 .

وحيث إن مفاد نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن إجراءات وشروط مخاصمة القضاة السالف بيانها؛ أن المشرع قد أفرد دعوى مخاصمتهم بإجراءات وقواعد خاصة بهدف تحقيق ضمانات أدائهم أعمالهم؛ وتوفير الحماية اللازمة لهم من الادعاءات الكيدية التى تتغيا مجرد المساس بكرامتهم وهيبتهم والتشهير بهم، مما يتعين معه وجوب قصر مخاصمتهم على ما يقومون به من أعمال قضائية، فلا يتسع نطاقها لغير ذلك مما يباشرونه خارج هذه الأعمال، وإلا كانت المخاصمة سبيلاً لحصار القاضى في كل ما يتصل بتصرفاته وينقلب القصد من الحماية إلى الاستباحة فيضيع الأمان وينمحى استقلال القضاء، مما حدا بالمشرع إلى تقرير الالتزام بأحكام تلك الإجراءات والقواعد الخاصة بدعوى المخاصمة، ومن بينها أن الفصل فيها يتم على مرحلتين؛ أولاهما : مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، وثانيتهما : مرحلة الفصل في موضوعها –إذا قُضى بجواز المخاصمة – إما برفضها، أو بصحتها ومن ثم؛ بطلان تصرف القاضي والحكم عليه بالتعويضات والمصاريف. وقد حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، ومن بينها ارتكاب الغش أو الخطأ المهني الجسيم، والمقصود بالغش هو ارتكاب القاضي الظلم عن قصد بدافع المصلحة الشخصية أو الكراهية لأحد الخصوم أو محاباة الطرف الآخر، أما الخطأ المهني الجسيم فهو الخطأ الذى ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب، ويكون ارتكابه نتيجة غلط فادح ما كان لينساق إليه لو اهتم بواجبه الاهتمام العادي، أو يكون بسبب إهماله إهمالاً مفرطًا يعبر عن خطأ فاحش مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون، ومن ثم لا يُعتبر خطأً مهنيًّا جسيمًا فهم القاضي للقانون على نحو معين ولو خالف فيه إجماع الشراح والفقهاء، ولا تقديره لواقعة معينة أو إساءة الاستنتاج أو الخطأ في استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب، وعليه يخرج من نطاق هذا الخطأ كل رأى  أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء. وبذلك يكون المشرع قد وازن بين حق القاضي في توفير الحماية له؛ فلا يتحسّب في قضائه سوى وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه، وبين حق المتقاضي في الاطمئنان إلى أن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه، فإن جنح عنه لم تُغلق الأبواب في وجهه، بل له أن يسلك طريق الخصومة التي يدين بها قضاءه ويبطل أثره، وكل ما تقدم يجد حده في أن القضاء ولاية تقدير وأمانة تقرير، وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجور والانحراف في القصد، ولهذا رتب المشرع على القضاء بعدم جواز المخاصمة أو رفضها الحكم على طالب المخاصمة بالغرامة ومصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه، وفى مقابل ذلك رتب على القضاء بصحة المخاصمة الحكم على القاضى المخاصم ببطلان تصرفه وإلزامه بالتعويضات والمصاريف .

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مؤدى نص المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية أن المشرع قد أوجب رفع دعوى المخاصمة بتقرير في قلم كتاب المحكمة، يشتمل على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها، وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها، وتُنظر الدعوى في غرفة مشورة بعد تبليغ القاضي المُخاصم بصورة من التقرير حتى يُتاح له أن يتبين كافة أوجهها وأدلتها، ليتمكن على ضوء ذلك من إبداء رده وملاحظاته وتعقيبه عليها، كما يتضح بجلاء من نص المادة (496) من القانون ذاته أن الفصل في دعوى المخاصمة في مرحلتها الأولى، وهى مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، لا يكون إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه، ولا يجوز بالتالى في هذه المرحلة إبداء طلبات جديدة أو استحداث أوجه مخاصمة لم يتضمنها التقرير، أو تقديم أو قبول أوراق أو مستندات غير التي أودعت معه؛ وإلا تعين الالتفات عن أوجه المخاصمة الجديدة التى لم يسبق إبداؤها بتقرير المخاصمة على أساس عدم اتصالها بالمحكمة بالطريق الذى رسمته أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على النحو السالف البيان .

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – في جوهره– وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية ، وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريًّا هو ما يكون تحكميًّا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعيًّا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًّا .

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة– أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصلب الموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.

وحيث إنه من المقرر كذلك – في قضاء هذه المحكمة – أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته .

وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا في دائرة الترضية القضائية التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو القانون تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم في أسلحتهم التي يشرعونها لاقتضائها. ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالاً بالحق المقرر دستوريًا لكل مواطن في مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق في الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلاً بحق كل شخص في أن يعرض بنفسه وجهة نظره في شأن الواقعة محل التداعي، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق في أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه – لثقته فيه – أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطًا بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائيًا بالانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة .

وحيث إن الدستور القائم قد حرص في مادتيه (184) و(186) على النص على أن السلطة القضائية مستقلة، وأن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون، فدلّ بذلك على حماية استقلال القاضى من ناحية، والحيلولة كذلك دون أن يكون العمل القضائي وليد نزعة شخصية غير متجردة، ومن ثم تكون حيدة القاضي شرطًا لازمًا دستوريًّا لضمان ألا يخضع في عمله لغير سلطان القانون، وذلك على أساس أن طبيعة العمل القضائي تستوجب تحصين عمل القاضي بحسب الأصل، وهو حكم عام لا يُراد بهإ ضافة ميزة شخصية للقاضي، بل يُراد به توفير مناخ من الحرية في عمله ينأى به عن اتخاذ قراره القضائي في ظل مخافة المساءلة عنه، أو تهيّب سطوة الخصوم ونفوذهم، وقد استعاض عنها المشرع بأن أوجب على القاضي إيداع المبررات التي ارتكن إليها في أسباب حكمه أو قراره، وهى تخضع للطعن وفقًا للمنهج الذى نظمه المشرع، وأتاح لمن تضرر منها أن يلجأ إلى الطعن على هذا الحكم أو القرار سالكًا هذه السبل؛ إذ لو كان كل قرار يتخذه القاضي في دعوى منظورة أمامه يعرضه إلى المساءلة عنه، لما جرؤ قاض على الانتصاف لحق مطروح عليه، بل قعد عن ذلك مخافة تعرضه للمساءلة القضائية عنه .

وحيث إن المشرع قد تغيا من النصين المطعون فيهما تحقيق التوازن بين أمرين؛ أولهما : ألا تكون مخاصمة القضاة مدخلاً إلى التشهير بهم دون حق، وإيذاء مشاعرهم إعناتًا، أو التهوين من قدرهم عدوانًا، أو لمنعهم من نظر قضايا بذواتها توقيًا للفصل فيها كيدًا ولددًا، وثانيهما : صون حق المتقاضي بضمان ألا يفصل في الدعوى قضاة داخل عملهم غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم؛ مما يؤدى إلى ممالأة أحد أطرافها والتأثير بالتالي في حيدتهم، فلا يكون عملهم انصرافًا إلى تطبيق حكم القانون في شأنها، بل تحريفًا لمحتواه، ومن ثم أجاز المشرع مخاصمتهم سبيلاً لإبطال ما شاب عملهم من جور وانحراف في القصد عن منطق العدل لأحد الأسباب المشار إليها، وليحول دونهم وموالاة نظر الدعوى التى قام سبب مخاصمتهم بمناسبتها، وكان حتمًا مقضيًا؛ تبعًا لذلك، أن يكفل المشرع، في إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين وبما يوازن بينهما، تنظيمًا لدعوى المخاصمة لا يجاوز الحدود التى ينبغى أن تُباشر في نطاقها، ولا يكون موطئًا إلى تعطيل الفصل في النزاع الأصلي إذا كان قيد النظر، أو نكايةً في قضاته بعد الفصل فيه، وفى سبيل ذلك؛ عمد المشرع إلى إرساء هذا التوازن بتنظيمه إجراءات دعوى المخاصمة عن طريق رفعها بتقرير في قلم كتاب المحكمة، يشتمل على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها، وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها، وتُنظر الدعوى في غرفة مشورة بعد تبليغ القاضى المُخاصم بصورة من التقرير حتى يُتاح له أن يتبين كافة أوجهها وأدلتها، ليتمكن على ضوء ذلك من إبداء رده وملاحظاته وتعقيبه عليها، كما حرص المشرع على ألا يكون الفصل في دعوى المخاصمة في مرحلتها الأولى، وهى مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، إلا على أساس ما يرد في تقرير المخاصمة والأوراق المودعة معه، ولا يجوز بالتالي في هذه المرحلة إبداء طلبات جديدة أو استحداث أوجه مخاصمة لم يتضمنها التقرير، أو تقديم أو قبول أوراق أو مستندات غير التى أودعت معه؛ وإلا تعين الالتفات عن أوجه المخاصمة الجديدة التى لم يسبق إبداؤها بتقرير المخاصمة على أساس عدم اتصالها بالمحكمة بالطريق الذى رسمته أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على النحو السالف البيان، مما يمثل، في مجموعه، قاعدة موضوعية تتفق مع الطبيعة الخاصة لدعوى المخاصمة؛ تغيا بها المشرع ألا تكون هذه الدعوى وسيلة للكيد وترويع القضاة لفترة قد تطول لحين إعداد الدليل أمام المحكمة، وحتى لا يقدم على إقامتها إلا من تتوافر تحت أيديهم أسباب حقيقية وأدلة كافية على ما يدعونه، كى لا يطول أمد المرحلة الأولى لدعوى المخاصمة، وهى مرحلة استكشاف جدية الدعوى، فتنال من حجية العمل القضائي المُخاصم لأجله وتزعزع من استقراره، مما يتناقض مع الطبيعة الخاصة لهذه الدعوى وما تستلزمه من وجوب سرعة الفصل فيها؛ حتى لا تظل سيفًا مسلطًا على القاضي المُخاصم في يد رافع الدعوى إذاما تراخى، سواء عن عمد أو إهمال، في إعداد الأدلة لزمن قد يطول؛ مما مؤداه اهتزاز الشعور العام بالعدالة بغير مقتض ومن ثم فإن النصين المطعون فيها؛ وإن مايزا في هذا الصدد بين طرفى الخصومة الخاضعين لأحكامهما، إلا أن هذا التمييز؛ وقد شُيد على أساس القاعدة الموضوعية السالفة البيان، فإنه ينهض تمييزًا مبررًا غير قائم على أساس تحكمى .

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائى للخصومة في دعوى مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين فيها نظامًا للتداعى يقوم على أساس نوع المنازعة، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع من هذا التنظيم، والتى تتمثل في تحقيق التوازن بين طرفيها – على النحو السالف البيان – عن طريق تنظيم إجراءات تقديم الأوراق والمستندات المتضمنة الأدلة التى تقوم عليها دعوى المخاصمة وما يستلزمه ذلك من حسم المنازعة فيها بالسرعة التى تتفق مع الطبيعة الخاصة لها التى يُعتبر الزمن عنصرًا جوهريًّا في حسمها، وعاملاً أساسيًّا لاستقرار المراكز القانونية المتعلقة بها، مع عدم الإخلال– في الوقت ذاته – بكفالة الضمانات الأساسية لكل من حق التقاضى وحق الدفاع، ولا بأركانهما التى كفلها الدستور، بما يكفل لأى من المتقاضين عرض منازعته ودفاعه ودفوعه على قاضيه الطبيعي، متمتعًا بفرص متكافئة في ممارسة حقه في الدفاع الذى كفله له الدستور بنص المادة (98) منه، بما يجعل للخصومة في هذا النوع من المنازعات حلاًّ منصفًا يرد العدوان على الحقوق المدعى بها فيها، وفق أسس موضوعية لا تقيم فىمجال تطبيقها تمييزًا منهيًّا عنه بين المخاطبين بها، مما يتفق مع سلطة المشرع في المفاضلة بين أكثر من نمط لتنظيم إجراءات التقاضى، دون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، ومن ثم تكون المغايرة التى اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات التقاضي في دعوى المخاصمة وفقًا للنصين المطعون فيهما، على أساس اختلاف المركز القانونى لكل من طرفيها وقصد المشرع في إحداث التوازن بينهما على النحو الذى يتفق مع طبيعتها، قائمة على أسس مبررة تستند إلى واقع مختلف يرتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها، وبالتالى تنتفى قالة الإخلال بمبدأ المساواة أو تقييد حق الدفاع .

وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصين المطعون فيهما لا يخالفان أحكام المادتين (53 و98)من الدستور، كما لا يخالفان أية أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى .

فلهــــذه الأسبــــاب

          حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

التعويض عن الوفاة اثناء الخدمة العسكرية او بسببها منازعة ادارية يختص بها مجلس الدولة

باسم الشعب
المحكمةالدستورية العليا
          بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من فبراير سنـة 2015م، الموافـق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436 هـ .
برئاسة السيدالمستشار / عدلى محمود منصور       رئيس المحكمة
وعضوية السادةالمستشارين : عبدالوهاب عبدالرازق ومحمد عبدالعزيز الشناوى ومحمد خيرى طــــــه النجار والدكتور عادل عمـــر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى اسكندر                           نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدالمستشار / محمود محمد غنيم        رئيس هيئةالمفوضين
وحضور السيد / محمدناجى عبد السميع                     أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 12 لسنة 29 قضائية "تنازع " 
المقامة من
السيد / طارق محمد سمير محمود إبراهيم
ضـــــــــــد
1 -     السيد وزيـــــــــــر الدفـــــــــــــــــــــــــــــــــــاع
2 -     السيد /أحمـــــد حســـــــــن إبراهيــــــــم
الإجــــــــــــــــراءات
          بتاريخ الحادى والعشرين من شهر مارس سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتابالمحكمة، طالبًا الحكم، بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة القضاءالإدارى ( الدائرة العاشرة ) بجلسة 25/6/2000، فى القضية رقم 9360 لسنة 50 قضاءإدارى، وفى الموضوع بالاعتداد بحكم محكمة استئناف القاهرة ( الدائرة 30 مدنى )،الصادر بجلسة 3/2/1998، فى الاستئنافين رقمى 7732 و8889 لسنة 114 قضائية، معاعتبار حكم محكمة القضاء الإدارى فى الطعن رقم 9360 لسنة 50 القضائية كأن لم يكن .
          وقدمتهيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الاعتداد بالحكم الصادر من محكمــــــــةاستئناف القـــــــــــــاهرة فى الاستئنافين رقمى 7732 و8889 لسنة 114 قضائية .
          وأعدتهيئة المفوضين تقريرًا فى الشق العاجل، وبتاريخ 19/5/2007 قرر السيد المستشار رئيسالمحكمة الدستورية العليا رفض طلب وقف التنفيذ .
          وبعدتحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
          ونُظرتالدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسةاليوم .
المحكمــــــــــــــــــة
          بعدالاطلاع على الأوراق، والمداولة .
          حيث إنالوقائع - على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه بتاريخ14/3/1993، قام المدعى، باعتباره قائد السرية التى يتبعها الجندى / ياسر أحمد حسنإبراهيم، بتكدير هذا الأخير بعنف، لإفطاره فى نهار رمضان، وامتناعه عن تنفيذالأوامر العسكرية الصادرة له منه، مما دفع الجندى أثناء قيامه بخدمة ليلية إلىالانتحار . وقد حققت النيابة العسكرية مع المدعى وأحالته إلى المحاكمة أمام القضاءالعسكرى فى القضية رقم 785 لسنة 1993 جنح عسكرية – الإسماعيلية، بتهمة إساءةمعاملة الجندى المتوفى، بما مارسه ضده من تكدير اتخذ صورة عنيفة وقاسية، فأصدرت المحكمةحكمها بحرمان المدعى من أقدميته فى الرتبة عدد عشرة ضباط من كشف الأقدمية، وأصبح هذاالحكم نهائيًّا بعد التصديق عليه بتاريخ 5/7/1993، ورفض الالتماس الذى قُدم منالمدعى فى شأنه . وعلى إثر ذلك أقام المدعى عليه الثانى – بصفته والد الجندىالمتوفى – الدعوى رقم 4475 لسنة 1995 تعويضات كلى، أمام محكمة جنوب القاهرةالابتدائية، ضد المدعى عليه الأول بصفته، طالبًا الحكم بإلزامه أن يؤدى له مبلغمائة ألف جنيه تعويضًا ماديًّا وأدبيًّا عن وفاة نجله . وأقام المدعى عليه الأولدعوى ضمان فرعية ضد المدعى طلبًا للحكم بإلزامه بما عسى أن يحكم به عليه فى الدعوىالأصلية . وقد قضت المحكمة بجلسة 31/3/1996 بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى،وإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة للاختصاص. فطعن المدعى عليه الثانىعلى هذا الحكم بموجب الاستئناف رقم 5911 لسنة 113 قضائية، حيث قضت محكمة الاستئنافبإلغائه، وأعادت الأوراق إلى محكمة جنوب القاهرة الكلية للفصل فى الموضوع، وبعد أنأُعيدت الدعوى إليها قيدت بذات رقمها قبل الطعن عليها بالاستئناف . وبجلسة29/5/1997، قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية – بعد أن ثبت لديها خطأ المدعى بحكمبات من المحكمة العسكرية على نحو يحمله بالمسئولية عن تعويض الضرر – بإلزام المدعىعليه الأول بصفته أن يؤدى للمدعى عليه الثانى مبلغ ثلاثة عشر ألف جنيه تعويضًا ماديًّاوأدبيًّا، ورفض ما عدا ذلك من طلبات . وبجلسة 24/6/1998، قضت المحكمة، فى دعوىالضمان الفرعية، بإلزام المدعى بأن يؤدى للمدعى عليه الأول ما حكم به عليه فىالدعوى الأصلية . وإذ لم يرتض كل من المدعى عليه الأول والثانى هذا القضاء، فقدقام كل منهما بالطعن عليه بالاستئناف أمام محكمة استئناف القاهرة، حيث قيد طعنالمدعى عليه الثانى برقم 7732 لسنة 114 قضائية، وقيد طعن المدعى عليه الأول برقم8889 لسنة 114 قضائية. وبعد أن ضمت المحكمة هذين الاستئنافين للارتباط قضت فيهمابحكم واحد، بجلستها المعقودة بتاريخ 3/2/1998، حيث قضت فى الاستئناف رقم 8889 لسنة114 قضائية بإلغاء الحكم المستأنف، وبرفض الدعوى المستأنفة، وذلك على سند منانتفاء علاقة السببية، التى تتطلبها المادة (163) من القانون المدنى، بين خطأالمدعى والضرر الحاصل إزاء استغراق خطأ المضرور لخطأ المدعى . وفى الاستئناف رقم7732 لسنة 114 قضائية، قضت المحكمة برفضه لوروده على غير محل بعد إلغاء الحكمالمستأنف بموجب القضاء ذاته الصادر فى الاستئناف رقم 8889 لسنة 114 قضائية سالفالإشارة. وقد أصبح هذا الحكم باتًّا بعد أن قضى فى 10/3/1999 برفض الالتماس الذىأقامه المدعى عليه الثانى، والذى قُيد برقم 3199 لسنة 115 قضائية – استئنافالقاهرة . ومن ناحية أخرى، كان المدعى عليه الثانى قد أقام الدعوى رقم 9360 لسنة50 ق . أمام محكمة القضاء الإدارى مختصمًا المدعى عليه الأول بصفته، طالبًا إلزامهبأن يؤدى له تعويضًا مقداره خمسون ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التى حاقتبه نتيجة وفاة نجله أثناء تجنيده بالقوات المسلحة . وقد أقام المدعى عليه الأولبصفته دعوى ضمان فرعية ضد المدعى بطلب إلزامه بأن يؤدى له بصفته ما عسى أن يقضى بهفى الدعوى الأصلية . وقد قضت المحكمة ( الدائرة العاشرة ) بجلسة 25/6/2000، فىالدعوى الأصلية بإلزام المدعى عليه الأول بصفته أن يؤدى للمدعى مبلغًا مقدارهثلاثون ألف جنيه، إزاء ثبوت خطأ المدعى وإدانته انضباطيًّا على نحو يقيم مسئوليتهطبقًا لنص المادة (163) من القانون المدنى، ومسئولية المدعى عليه الأول بصفته باعتبارهمتبوعًا طبقًا لنص المادة (174) من ذات القانون . وفى دعوى الضمان الفرعية، قضتالمحكمة بإلزام المدعى بأن يؤدى إلى المدعى عليه الأول بصفته مبلغ التعويض المقضىبه عليه، فى حال قيام الجهة الإدارية بتنفيذ التزامها بالتعويض. وقد طعن المدعىعليه الأول بصفته على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد طعنه برقم10424 لسنة 46 ق عليا. وبجلسة 25/9/2004 قضت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء برفضالطعن. وإذ تراءى للمدعى أن ثمة تناقضًا بين الحكم الصادر من محكمة استئنافالقاهرة فى الاستئنافين 7732 و8889 لسنة 114 قضائية، بإلغاء حكم محكمة جنوبالقاهرة الابتدائية فى الدعوى رقم 4457 لسنة 1995 مدنى كلى جنوب القاهرة؛ والحكمالصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 9360 لسنة 50 ق، فقد أقام الدعوىالماثلة .
          وحيثإنه عن الشق العاجل من الدعوى، فقد أعدت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها فى هذاالشق، عُرض على السيد الأستاذ المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا طبقًا لنصالمادة (32) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فأصدر قرارهبتاريخ 19/5/2007 برفض الطلب .
          وحيث إنقضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التناقض بين حكمين نهائيين صادرين من جهتينقضائيتين مختلفتين – فى تطبيق أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا – يفترض وحدةموضوعهما محددًا على ضوء نطاق الحقوق التى فُصل فيها . بيد أن وحدة الموضوع، لاتفيد بالضرورة تناقضهما فيما فصلا فيه، كذلك فإن تناقضهما – إذا قام الدليل عليه –لا يدل لزومًا على تعذر تنفيذهما معًا، بما مؤداه أن مباشرة المحكمة الدستوريةالعليا لولايتها فى مجال فض التناقض بين حكمين نهائيين تعذر تنفيذهما معًا،يقتضيها أن تتحقق أولاً من وحدة موضوعهما، ثم من تناقض قضائيهما وبتهادمهما معًافيما فصلا فيه من جوانب ذلك الموضوع، فإذا قام الدليل لديها على وقوع هذا التناقض. كان عليها عندئذ أن تفصل فيما إذا كان تنفيذهما معًا متعذرًا، وهو ما يعنى أنبحثها فى تعـــــــذر تنفيــــــــــذ هذين الحكمين، يفترض تناقضهمـــــا، ولا يقــومهذا التناقض – بداهة – إذا كان موضوعهما مختلفًا .
          وحيثإنه متى كان ما تقدم، وكان الحكمان اللذان يشكلان حدى التناقض المعروض، يتصلانفيما فصلا فيه، بطلب التعويض الذى طرحه المدعى عليه الثانى أمام جهتى القضاء المدنىوالإدارى، جبرًا للأضرار التى لحقته جراء وفاة ابنه المجند بعد أن قام المدعى،باعتباره قائده، بتكديره تكديرًا عنيفًا وقاسيًا ثبت عنه مسئوليته الانضباطية،وتمت مجازاته عنه أمام القضاء العسكرى؛ فإن تحديد أولى هاتين الجهتين بالفصـــل فىتلك الخصومة – ويفترض ذلك بالضرورة وحدة موضوعهما – يتطلب بداءة تحديد ما إذا كانتتلك المنازعة تعد منازعة إدارية أم منازعة مدنية .
          وحيث إنالخطأ الذى ارتكبه المدعى، وأثبته حكم المحكمة العسكرية بتأديبه، ارتكب منه أثناءمباشرة العمل وبمناسبته، وباستخدام أحد وسائله التى منحها إياه المرفق، ودون أنينفصل فى ذلك عن مباشرته العمل، وما خول له من صلاحيات بموجبه، على نحو ساهمبالضرورة فى إحداث النتيجة النهائية، وهى الوفاة، بما يقيم علاقة السببية بينالخطأ والضرر على نحو تقوم به المسئولية عن تعويضه.
          وحيث إندعوى التعويض التى كان المدعى عليه الثانى قد أقامها أمام القضاء المدنى قداستهدفت تعويضه عن الضرر الذى لحق به نتيجة لخطأ المدعى الذى أدى إلى وفاة نجله،وهو ما قضت به محكمة أول درجة، إلا أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم، وقضت برفض طلبالتعويض لما قدرته من انتفاء علاقة السببية بين الخطأ والضرر؛ واستغراق خطأ المجنىعليه لخطأ الجانى. وكذلك الدعوى التى أقامها أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلسالدولة، فقد استهدفت أيضًا تعويضه عن الأضرار ذاتها، وانتهت فيها المحكمة إلىإجابة طلب التعويض لثبوت خطأ المدعى، وتوافر علاقة السببية المباشرة بين الخطأوالضرر مما يقتضى إلزام المدعى عليه الأول، بتعويض الضرر . وإذ كان ذلك، وكاناختصاص القضاء العادى بالتعويض إنما ينحصر فى دعوى المسئولية التى تقوم على عمل مادى،وكانت حقيقة النزاع موضوع الحكمين المعروضين بالدعوى الماثلة تتعلق بتعويض والدالجندى المتوفى عن الأضرار التى أصابته جراء وفاة نجله أثناء الخدمة العسكريةوبسببها، وهو ما يدخل فى نطاق المنازعات الإدارية التى ينعقد الاختصاص بنظرهاوالفصل فيها لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها طبقًا لنص المادة (10/14) من القانونرقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والمادة (190) من الدستور الحالى لتعلقه ابإدارة مرفق الدفاع، وصلاحيات وزارة الدفاع، وما تتمتع به وتابعيها من مظاهرالسلطة العامة فى هذا الخصوص، وما يرتبط بذلك بحكم اللزوم العقلى والقانونى منتقرير أن الأخطاء الواقعة فى دائرة المرفق تعد خطأً مرفقيًّا، مما يستلزم التعويضعنها، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بالاعتداد بالحكم الصادر من جهة القضاء الإدارىدون الحكم الصادر من جهة القضاء العادى .
فلهــــــــذه الأسبـــــــاب
          حكمت المحكمة بالاعتداد بالحكـــــــــم الصـــــادر من محكمـــة القضاء الإدارى ( الدائرةالعاشرة ) بجلسة 25/6/2000، فى القضية رقم 9360 لسنة 50 قضاء إدارى، دون الحكمالصادر من محكمة استئناف القاهرة (الدائرة 30 مدنى) بجلســــــــــة 3/2/1998،فـــــــى الاستئنافيـــــــــن رقمــى 7732 و8889 لسنة 114 قضائية .

عدم دستورية تقييد رأفة القاضي في السلاح (الفقرة الثانية)

باسم الشعب
المحكمة الدستوريةالعليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من فبراير سنة 2015م، الموافق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436 هـ.
برئاسة السيدالمستشار / عدلي محمود منصور          رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور حنفي على جبالي والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم
والدكتور حمدان حسن فهمى                     نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدالمستشار / محمود محمد غنيم      رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمدناجى عبد السميع          أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
          فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 36 قضائية " دستورية
المقامة من
السيد / عبدالصادق أبو السعود عبد الصادق
ضــــــــد
1-      السيد رئـيس الجمهوريــة
2-      السيد رئيس مجلس الـوزراء
3-      السيد وزير العـــــــدل
4-      السيد النائب العــــــام
الإجراءات
          بتاريخ 14/5/2014، أودع المدعى صحيفةهذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الرابعة وصحتها ( السابعة)من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلةبالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 .
          وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبتفيها الحكم برفض الدعـوى .
          وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضينتقريرًا برأيها .
          ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرالجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
          بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع، على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق، تتحصل فى أن النيابةالعامة قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية بالقضية رقم 14990 لسنة 2012 جنايات الوراقوالمقيدة برقم 3569 لسنة 2012 كلى شمال الجيزة بوصف أنه فى يوم 27/9/2012، بدائرةقسم شرطة الوراق، محافظة الجيزة، أحرز بغير ترخيص سلاحًا ناريًّا مششخنًا ( مسدسًافردى الإطلاق)، وأحرز ذخيرة ( طلقة واحدة ) مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكونمرخصًا له بحيازتها أو إحرازها . وطلبت النيابة العامة معاقبة المدعى وفقًا للمواد(1/1) و(6) و(26/2، 4) و(30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونينرقمى 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والبند ( أ ) منالقسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزيرالداخلية رقم 13354 لسنة 1995 . وتدوولت الدعوى الجنائية أمام محكمة جنايات الجيزة، وبجلسة 18/3/2014، دفع المدعى أمام تلك المحكمة بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 17/5/2014، لاتخاذ إجراءات الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقام الدعوى الماثلة .
          وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنصعلى أن :
الفقرةالأولى : " يعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرزبالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق" .
الفقرة الثانية : " ويعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه كل منيحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليهابالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق " .
الفقرة الثالثة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذاكان الجانى حائزًا أو محرزًا بالذات أو بالواسطة سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليهابالقسم الثانى من الجدول رقم (3) " .
الفقرة الرابعة : " ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أويحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقم(2 و3) " .
الفقرة الخامسة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذاكان الجانى من الأشخاص المذكورين بالبنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذاالقانون " .
الفقرة السادسة : " ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى مكررًا من قانون العقوباتتكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد ......... " .
الفقرة السابعة : " واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوزالنزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة " .
وحيثإن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكونثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكمفى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمةالموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعى قد أحيل إلى المحكمة الجنائية بوصف أنه أحرزبغير ترخيص سلاحًا ناريًّا مششخنًا، وأحرز ذخيرة مما تستعمل على هذا السلاح دون أنيكون مرخصًا له بإحرازها وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد ( 1/1 و6 و26/2، 4 و30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والبند ( أ) من القسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 والمستبدلبقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، وكان الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانونرقم 6 لسنة 2012 برمته، والفقرة الرابعة وصحتها ( السابعة ) من المادة (26) منالقانون رقم 394 لسنة 1954 الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع يهدف فى حقيقتهإلى إبطال الحكم الوارد بنص الفقرة السابعة من المادة (26) من قانون الأسلحةوالذخائر سالف الذكر والذى يقرر عدم جواز النزول بالعقوبة المحددة للجرائم فى هذهالمادة استثناءً من حكم المادة (17) من قانون العقوبات، أملاً منه فى أن تستعيدمحكمة الموضوع سلطتها التقديرية فى اختيار العقوبة التى تراها مناسبة للجرائمالمنسوب إلى المدعى ارتكابها، ومن ثم فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرة فى الدعوىالدستورية الماثلة تنحصر فى الطعن على الفقرة السابعة من المادة (26) من القانونرقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر معدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012،فيما نصت عليه من ( واستثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوزالنزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة ) .
وحيثإن الجريمتين المنسوب إلى المدعى ارتكابهما وهما إحراز سلاح نارى مششخن بدون ترخيصوإحراز ذخيرة مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكون مرخصًا له بإحرازهما واردتانبالفقرتين الثانية والرابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر، ومن ثم فإننطاق الدعوى الماثلة يتحدد بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من قانون الأسلحةوالذخائر فى مجال إعماله بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما فى الفقرتين الثانيةوالرابعة من المادة ذاتها .
وحيثإن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة بالنسبةللجريمة الواردة بنص الفقرة الرابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائرالمشار إليه، وذلك بقضائها الصادر بجلسة 8/11/2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35قضائية " دستورية " والذى قضى ( بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة منالمادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلةبالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيقأحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتينالثالثة والرابعة من المادة ذاتها )، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعددرقم 45 مكرر (ب) بتاريخ 12/11/2014، ومن ثم وعملاً بحكم المادتين ( 48 و49 ) منقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فإن الخصومة فىهذا الشق من الدعوى تغدو منتهية .
وحيثإن المدعى ينعى على المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 أنه صدر فى فترة حل مجلسالشعب، ولم يتم عرضه على مجلس الشورى إعمالاً لأحكام الدستور الصادر سنة 2012 .
ومنحيث إن استيثاق المحكمة الدستورية العليا من استيفاء النصوص التشريعية المطعونفيها للأوضاع الشكلية المقررة دستوريًّا فى شأن إصدارها، يعد أمرًا سابقًابالضرورة على خوضها فى عيوبها الموضوعية . لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة قد سبقأن عُرض عليها أمر دستورية بعض نصوص المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 المشار إليهبحكمها الصادر بجلسة 8/11/2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية " دستورية "والذى قضى " بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوباتبالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها ." وذلك لمخالفته للأحكام الموضوعية الواردة فى الدستور الصادر عام 2014 التىتضمنتها المواد (94) و(96) و(99) و(184) و(186) منه مما مؤداه استيفاء هذا المرسومبقانون للأوضاع الإجرائية المقررة فى شأن إصداره، بما يحول دون بحثها من جديد ومنثم فإن المناعى الشكلية التى نسبها المدعى إلى المرسوم بقانون الطعين تكون غيرمقبولة .
          وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين،من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستورالقائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاءهذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن نصوص هذاالدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقامالصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار مايخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . ومن ثم فإن هذه المحكمةتباشر رقابتها على النص المطعون عليه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه - منخلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة فى 18 يناير سنة 2014 .
          وحيث إن المدعى ينعى على نص الفقرةالسابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه أنها أهدرت السلطةالتقديرية للقاضى فى تقرير العقوبة بالمخالفة لنصوص الدستور التى أكدت استقلالالسلطة القضائية وكفلت حق التقاضى .
          وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ذلك أنالدستور كفل فى مادته السادسة والتسعين، الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه منأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تُكفل له فيها ضماناتالدفاع عن نفسه . وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرةوالحادية عشرة التى تقرر أولاهما : أن لكل شخص حقًّا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره فىمحاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقهوالتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه . وتُرَدَّدُ ثانيتهما : فىفقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تُفترض براءته إلى أن تثبتإدانته فى محاكمة علنية تُوفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهذه الفقرة تؤكدقاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة منالضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييسالمعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعدتنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحيةالعملية، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى، وثيقة الصلة بالحرية الشخصيةالتى كفلها الدستور، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هىضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعهبها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها - وإن كان لا يقتصر على الاتهامالجنائى - إنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية،إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزومًا فى الدعوى الجنائية وذلك أيًّا كانتطبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها .
          وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابطالمحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نطاقًا متكاملالملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحولبضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا منإيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحريةالشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صونًاللنظام الاجتماعى، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكونإدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته علىضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة بل يتعين أنتلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى منالحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها .
          وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمةأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عنأن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائى، وإناتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بينبعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فىاتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها . وهو بذلكيتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعى - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأنيسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء علىأفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلكالحدود التى لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور .
          وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى علىأن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أنصورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لاتعميمها، وتقرير استثناء تشريعى من هذا الأصل - أيًّا كانت الأغراض التى يتوخاها -مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغايرفيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزنالجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض .ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فىمجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، فى الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحدهالطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بهاوبمرتكبها .
          وحيث إنه من المقرر أن شخصية العقوبةوتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوءدوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًالخياراته بشأنها . متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطارالخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهمفى مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فىكل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلاتنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها دالاًّ علىقسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًّا، منافيًا لقيم الحق والعدل .
وحيثإن الدستور الصادر عام 2014 إذ نص فى المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون وأناستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكدعلى هذه المبادئ فى المادتين (184) و(186) من الدستور ذاته، فقد دلَّ على أنالدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها- وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها -بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالهاالمختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد ولكنها تباشر نيابةعن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفهاالضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار منالمشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدةالقانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان .
          وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبةالتخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد – عند توافرعذر قانونى جوازى مخفف للعقوبة – أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجناياتبالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك عملاً بنصالمادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة أو الحبس الذى لاتزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروفالعينية التى لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانونعلى ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هى أدوات تشريعية يتساندإليها القاضى – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة ومن ثم ففى الأحوالالتى يمتنع عليه إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص المنوط به فى تفريد العقوبةيكون قد انتُقص منه، بما يفتئت على استقلاله وحريته فى تقدير العقوبة وينطوى علىتدخل محظور فى شئون العدالة والقضايا .
وحيثإن العقوبة المقررة لجريمة حيازة سلاح نارى من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأولمن الجدول رقم (3) المرفق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012، والمسندة للمتهم فى الدعوى الموضوعية هى السجن المشدد وغرامة لا تجاوزخمسة عشر ألف جنيه، ومن ثم فإن هذه العقوبة تعد من العقوبات غير التخييرية، والتىلم يُنص على أعذار قانونية جوازية مخفضة لها، ويمتنع بالنص المطعون فيه النزولعنها فيما لو اتضح لقاضى الموضوع قسوتها فى ضوء أحوال الجريمة التى تقتضى رأفته،بما يحول بينه وبين إعمال سلطته فى تفريد العقوبة .
وحيثإنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد أهدر من خلال الانتقاص من سلطةالقاضى فى تفريد العقوبة جانبًا جوهريًا من الوظيفة القضائية، وجاء منطويًا كذلكعلى تدخل فى شئون العدالة، مقيدًا الحرية الشخصية فى غير ضرورة، ونائيًا عن ضوابطالمحاكمة المنصفة، ومخلاً بمبدأ خضوع الدولة للقانون، وواقعًا بالتالى فى حمأةمخالفة أحكام المواد (94)، (96)، (99)، (184)، (186) من الدستور .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة ذاتها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغمائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .