جلسة 14 من ديسمبر سنة 1999
برئاسة السيد المستشار/ فتحي خليفة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جابر عبد التواب وعمر بريك ورشاد قذافي نواب رئيس المحكمة وعبد التواب أبو طالب.
---------------
(151)
الطعن رقم 23107 لسنة 67 القضائية
(1) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "بوجه عام" "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على المرافعة الشفوية أمام القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي يجريه القاضي ويسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً. علة ذلك؟
عدم جواز الافتئات على هذا الأصل لأية علة كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
حق الدفاع في سماع شاهد. لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات. بل بما يبديه بجلسة المحاكمة ويسع الدفاع مناقشته إظهار لوجه الحقيقة. أساس ذلك؟
عدم تعويل الحكم بإدانة الطاعن على شهادة الشهود. لا يؤثر على حق الدفاع. في طلب سماعهم. علة ذلك؟
التفات المحكمة عن طلب سماع ومناقشة المجني عليها قولاً منها بأنها لم تعول عليها. إخلال بمبدأ شفوية المرافعة وبحق الدفاع.
2 - من المقرر أن مصادرة الدفاع فيما تمسك به من طلب مناقشة المجني عليها، يهدر المعنى الذي قصده الشارع إلى تحققه من المادة السالفة الذكر، لأن حق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات بما يطابق أو يخالف غيره من الشهود بل بما يبديه في جلسة المحاكمة ويسع الدفاع مناقشته إظهار لوجه الحقيقة، ولا يؤثر في ذلك أن تكون المحكمة أسقطت في حكمها من عناصر الإثبات شهادة المجني عليها التي تمسك الدفاع بسماعها ولم تعول عليها في إدانة الطاعنة لاحتمال أن تجيء الشهادة التي تسمعها ويباح للدفاع مناقشتها، بما يقنعها بغير ما اقتنعت به من الأدلة الأخرى التي عولت عليها. فضلاً عن أن الدفاع لا يستطيع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته، لأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه، ولأن وجدان القاضي قد يتأثر بما يبدو له أن أطرحه عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً ونفياً. لما كان ذلك، وكان المدافع عن الطاعن قد طلب سماع ومناقشة المجني عليها، ورفضت المحكمة هذا الطلب قولاً إن المحكمة لم تعول عليها، فإنها تكون قد أخلت بمبدأ شفوية المرافعة وجاء حكمها مشوباً بالإخلال بحق الدفاع. بما يوجب نقضه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً/ سرق المصوغات الذهبية المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات المملوكة للمجني عليها...... وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع عليها بأن دس لها مواد مخدرة في مشروب قدم لها فأفقدها الوعي وشل بذلك مقاومتها وتمكن بتلك الوسيلة من سرقتها على النحو المبين بالأوراق. ثانياً/ واقع المجني عليها سالفة الذكر بغير رضاها بأن دس لها مواد مخدرة في مشروب قدم لها فأفقدها الوعي وشل بذلك مقاومتها وتمكن بتلك الوسيلة من معاشرتها جنسياً. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة مذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 267/ 1، 314/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس عشرة سنة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي مواقعة أنثى بغير رضاها وسرقة بالإكراه قد شابه الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عن الطاعن تمسك بسماع شهادة المجني عليها، إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب بما لا يسوغ رفضه. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن اكتفى في مستهلها بتلاوة أقوال المجني عليها، بيد أنه عاد فاختتم مرافعته طالباً مناقشتها، ويبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة أسقطت في حكمها شهادة المجني عليها وعرضت لطلب مناقشة المجني عليها وردت عليها في قولها "وعن طلب مناقشة المجني عليها، فإن المحكمة لا تعول في قضائها على أقوالها ومن ثم تلتفت عنه...". لما كان ذلك، وكان الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام نفس القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه، إذ أساس المحاكمة الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه بنفسه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، محصلاً هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي، وفي التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه، وهو ينصت إليها، مما ينبني عليه أن المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشهادة من الشاهد نفسه ما دام سماعه ممكناً ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً، لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ومراوغاته أو اضطرابه وغير ذلك، مما يعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها، ولا يجوز للمحكمة الافتئات على هذا الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية، والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب، أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً - وهو ما لم يحصل في الدعوى - ومن ثم فإن مصادرة الدفاع فيما تمسك به من طلب مناقشة المجني عليها، يهدر المعنى الذي قصده الشارع إلى تحققه من المادة السالفة الذكر، لأن حق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات بما يطابق أو يخالف غيره من الشهود، بل بما يبديه في جلسة المحاكمة ويسع الدفاع مناقشته إظهاراً لوجه الحقيقة، ولا يؤثر في ذلك أن تكون المحكمة قد أسقطت في حكمها من عناصر الإثبات شهادة المجني عليها التي تمسك الدفاع بسماعها ولم تعول عليها في إدانة الطاعن لاحتمال أن تجيء الشهادة التي تسمعها ويباح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بغير ما اقتنعت به من الأدلة الأخرى التي عولت عليها. فضلاً عن أن الدفاع لا يستطيع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته لأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه، ولأن وجدان القاضي قد يتأثر بما يبدو له أن أطرحه عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً ونفياً. لما كان ذلك، وكان المدافع عن الطاعن قد طلب سماع ومناقشة المجني عليها، ورفضت المحكمة هذا الطلب قولاً إن المحكمة لم تعول عليها، فإنها تكون قد أخلت بمبدأ شفوية المرافعة وجاء حكمها مشوباً بالإخلال بحق الدفاع، بما يوجب نقضه والإعادة. دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.