جلسة أول يونيه سنة 1978
برئاسة السيد نائب رئيس المحكمة المستشار عبد العال السيد وعضوية السادة المستشارين أحمد صلاح الدين زغو، الدكتور عبد الرحمن عياد، إبراهيم فوده وعماد الدين بركات.
--------------
(269)
الطعن رقم 1174 لسنة 47 القضائية
(1) استئناف. دفوع. تزوير.
أثر الاستئناف. انتقال النزاع إلى محكمة الاستئناف بما سبق أن أبداه المستأنف عليه من دفاع ودفوع. لا حاجة لاستئناف فرعي فيما فصلت فيه المحكمة الابتدائية لغير مصلحته متى انتهت إلى القضاء له بكل طلباته. شرطه. عدم تنازله عن دفاعه صراحة أو ضمناً. مثال بشأن رفض الادعاء بالتزوير.
(2) دفاع. صورية.
الطلب أو الدفاع الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه. وجوب أن يكون في صيغة صريحة جازمة. مثال بشأن الادعاء بالصورية.
2 - إن ما قالت به الطاعنة من إن المطعون عليها لم تكن تملك الثمن الوارد بالعقد وأن ذلك الثمن يقل كثيراً عن قيمة المبيع وأن المورث كان يضع اليد على المبيع حتى وفاته، لا يفصح عن أنها تدفع بصورية العقد إذ أنها أوردت ذلك في سياق تدليلها على أن المطعون عليها استغلت المورث واستوقعته على عقد البيع، وإذ كان الطلب أو الدفاع الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ذلك الذي يقدم إلى المحكمة في صيغة صريحة جازمة تدل على تصميم صاحبه عليه فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن بحث الصورية لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو أخل بحق الدفاع أو شابه القصور أو الفساد في الاستدلال.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن - المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 6736 سنة 1971 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعنة - للحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 19/ 2/ 1969 الصادر لها من مورث الطاعنة المرحوم....... وإذ ادعت الطاعنة بتزوير العقد قضت المحكمة بتاريخ 13/ 11/ 1974 برفض الادعاء بالتزوير ثم مضت في نظر الموضوع فطعنت المدعى عليها (الطاعنة) ببطلان عقد البيع لصدوره من مورثها وهو مصاب بعته شيخوخي شائع كانت المدعية المطعون عليها على بينة منه وبتاريخ 16/ 1/ 1975 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعى عليها أن المورث كان مصاباً بحالة من العته وأن هذه الحالة كانت قائمة لديه وشائعة وقت إبرام عقد البيع الصادر منه للمدعية بتاريخ 19 فبراير سنة 1969 وأن المدعية كانت على بينة منها وبتاريخ 24/ 4/ 1975 قضت المحكمة برفض الدعوى، استأنفت المطعون عليها هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة، طالبة إلغاءه والقضاء بطلباتها وقيد الاستئناف برقم.... وبتاريخ 30/ 5/ 1977 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقد البيع، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالسببين الأول والخامس مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والبطلان في الإجراءات الذي أثر في الحكم وفي بيان ذلك تقول إنها طعنت بالتزوير على عقد البيع المؤرخ 19/ 2/ 1969 المنسوب صدوره من مورثها ولما قضت محكمة أول درجة برفض الادعاء بالتزوير ثم برفض الدعوى فلم يكن لها مصلحة في الطعن على هذا الحكم، فإذا ما استأنفت المطعون عليها الحكم الصادر في الموضوع برفض الدعوى فإن هذا الاستئناف يطرح على المحكمة دفاع الطاعنة بتزوير العقد دون أن ترفع عنه استئنافاً فرعياً ويكون على محكمة الاستئناف أن تمحص كل الموضوع، وأوجه الدفاع التي أثيرت أمام محكمة الدرجة الأولى إلا إذا تنازلت المستأنف عليها عن التمسك بشيء منها صراحة أو دلالة بقرائن تفيد ذلك، ولما كان الثابت بالأوراق أن المستأنف عليها (الطاعنة) حضرت أمام محكمة ثاني درجة وصممت على الطلبات ومؤدى ذلك تمسكها بدفاعها الأصلي والاحتياطي الذي أبدته أمام محكمة أول درجة فإن المحكمة إذ حجبت نفسها عن مواجهة الادعاء بالتزوير بمقولة أن كلاً من طرفي الخصومة لم يعرض لمناقشة قضاء محكمة أول درجة في شأنه بما يعتبر تسليماًً من الطاعنة بهذا القضاء، وكانت المحكمة قد حكمت في الدعوى دون أن تطلع على عقد البيع محل الادعاء بالتزوير فإنها تكون قد خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه وتأويله وشاب حكمها القصور.
وحيث إن هذا النعي بسببيه غير سديد ذلك أنه وإن كان الاستئناف ينقل النزاع إلى محكمة الدرجة الثانية بما سبق أن أبداه المستأنف عليه أمام محكمة الدرجة الأولى من دفوع وأوجه دفاع ولو لم يتمسك بها أمامها أو برفع استئنافاً فرعياً عما تكون محكمة أول درجة قد فصلت فيه لغير مصلحته متى كان الحكم قد انتهى إلى القضاء له بكل طلباته، إلا أن ذلك مشروط بألا يتخلى الطاعن عن دفاعه الذي قضى الحكم المستأنف برفضه وألا يكون قد تنازل عنه صراحة أو ضمناً، وقاضي الموضوع هو الذي يقدر إذا كان ما صدر من الخصم يعتبر قبولاً ضمنياً منه للحكم أو لا يعتبر دون رقابة من محكمة النقض عليه في ذلك متى استند إلى أسباب سائغة، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص قبول الطاعنة وتسليمها بالحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض الادعاء بالتزوير بقوله "وحيث إن كلاً من طرفي الخصومة لم يعرض لما قضت به محكمة أول درجة من رفض الادعاء بالتزوير" مما يعتبر تسليماً منها بهذا القضاء يمنع المحكمة من إعادة بحثه، وكان الثابت من الصورتين الرسميتين من مذكرتي الطاعنة أمام محكمة الاستئناف خلوهما من التمسك بالادعاء بالتزوير أو النعي على حكم محكمة أول درجة برفضه وقصرها دفاعها - وحتى صدور الحكم المطعون فيه - على الحكم في الموضوع فإن استخلاص الحكم المطعون فيه تخلى الطاعنة عن هذا الدفاع بما يفيد منها تنازلاً ضمنياً عنه هو استخلاص سائغ له ما يسانده من أوراق الدعوى، ولما كان النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لعدم اطلاع المحكمة على العقد المطعون عليه بالتزوير غير منتج بعد أن انتهت المحكمة - وعلى ما سلف البيان - إلى أن ما استخلصه الحكم المطعون فيه من تنازل الطاعنة عن التمسك بالادعاء بالتزوير استخلاص سائغ، وكان النزاع في الدعوى يدور حول أهلية البائع، وكانت الطاعنة لم تبين وجه المصلحة التي تهدف إلى تحقيقها من النعي على الحكم المطعون فيه بالقضاء في الدعوى دون اطلاع المحكمة على العقد باقتراض صحة ادعائها في هذا الشأن - ولم تبين أثر ذلك على قضائها فإن النعي بهذين السببين يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الثاني والثالث أن الطاعنة إذ تمسكت في دفاعها أمام محكمة الاستئناف بأن المطعون عليها لا تملك ثمن المبيع الوارد بالعقد وأنها لم تضع اليد عليه وظل في وضع يد المورث، وأن المورث كان مستحوذاً عليه من المطعون عليها وأهلها الذين سيطروا عليه سيطرة كاملة أعدمت إرادته في التعاقد، وكانت محكمة الاستئناف قد حجبت نفسها عن مواجهة ما دفعت به الطاعنة من صورية العقد بمقولة إنها لم تدفع بالصورية كما لم تفطن إلى جوهر دفاعها الذي كان يقوم على انعدام إرادة المورث وقت التعاقد بما يشوبه بالانعدام وهو دفاع لو كانت المحكمة فهمته على وجهه الصحيح لتغير وجه الرأي في الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بصحة العقد دون أن يرد على ذلك الدفاع يكون معيباً بمخالفة الثابت في الأوراق والإخلال بحق الدفاع والقصور والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي بهذين السببين في غير محله ذلك أن الثابت بمذكرة الطاعنة أمام محكمتي الدرجة الأولى والثانية أنها أقامت دفاعها على ثبوت حالة العته الشائعة لدى المورث وبعد أن عددت القرائن التي تركن إليها في إثبات ذلك انتهت إلى أن المورث كان منذ تاريخ التصرف بالبيع مصاباً بحالة عته شائعة تعدم إرادته فيكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً طبقاً لنص المادة 114 من القانون المدني ومؤدى ذلك انصراف الطعن على العقد إلى ثبوت حالة العته التي تعدم الإرادة دون غيرها من أسباب البطلان، لما كان ذلك وكان ما قالت به الطاعنة من أن المطعون عليها لم تكن تملك الثمن الوارد بالعقد وأن ذلك الثمن يقل كثيراً عن قيمة المبيع وأن المورث كان يضع اليد على المبيع حتى وفاته، لا يفصح عن أنها تدفع بصورية العقد إذ أنها أوردت ذلك في سياق تدليلها على أن المطعون عليها استغلت المورث واستوقعته على عقد البيع، وكان الطلب أو الدفاع الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة هو ذلك الذي يقدم إلى المحكمة في صيغة صريحة جازمة تدل على تصميم صاحبه عليه، فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن بحث الصورية لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو أخل بحق الدفاع أو شابه القصور أو الفساد في الاستدلال ويكون النعي عليه بهذين السببين على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه إذ عول في قضائه على الحكم الصادر في الاستئناف رقم........ في شأن صحة زواج المورث بالمطعون عليها في 9/ 4/ 1969 واتخذ منه قرينة على ثبوت أهليته عندما تصرف بالبيع في 19/ 2/ 1969 فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه الفساد في الاستدلال ذلك أن أهلية الشخص وما يطرأ عليها من عوارض قابلة للتغيير بمرور الزمن بالتالي فلا يتصور أن يكون الفصل في الأهلية اللازمة للزواج قرينة على ثبوت الأهلية الكاملة للتصرف بالبيع الحاصل قبل هذا الزواج بأكثر من خمسين يوماً.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بثبوت أهلية المورث وقت إبرام عقد البيع محل النزاع على قوله (وحيث إن الأصل في الإنسان البالغ سن الرشد هو كمال أهليته إلى أن يثبت عكس ذلك بدليل يقدمه من يدعي مخالفة هذا الأصل؛ لما كان ذلك وكان دليل المستأنف عليها "الطاعنة" في ثبوت عته البائع للمستأنفة المطعون عليها "هو أقوال شاهديها الذين استمعت محكمة أول درجة لأقوالهما وقد شهد أولهما... إنه يقيم في نفس المنزل الذي كان يقيم فيه المورث وأنه يعلم إنه ظل لمدة ثلاث سنوات سابقة على وفاته في سنة 1969 عديم الإدراك لكبر سنه ومرضه بمرض الشيخوخة وعدم استطاعته قضاء حاجاته الضرورية وشهد الثاني... بأن المورث ابن عمته وإنه كان معتوهاً بسبب شيخوخته وضعفه الذي حال بينه وبين القدرة على إدراك تصرفاته مما حدا به إلى تقديم طلبه لتوقيع الحجر عليه... ولا تطمئن هذه المحكمة إلى أقوال هذين الشاهدين لما ثبت لها من صحيفة الدعوى المعلنة بتاريخ 21/ 12/ 1971 - المودعة حافظة مستندات المستأنفة المقدمة لجلسة 29/ 3/ 1977 - من أن المستأنف عليها "الطاعنة" ذكرت في هذه الصحيفة أن المورث البائع المرحوم...... كان يعيش بالإسكندرية ولم ينتقل للإقامة بالقاهرة إلا بعد وفاة شقيقه في 18/ 1/ 1969 وقد تردد ذلك أيضاً في أقوال......... في محضر تحقيق نيابة الأحوال الشخصية الخاص بطلب الحجز... وهو ما يكذب أقوال الشاهد الأول من أنه كان يقيم من مدة طويلة في نفس المنزل الذي كان يقيم فيه المورث وإنه شاهد عليه أعراض العته كما يكذب أقوال هذين الشاهدين أيضاً ما أثبته السيد وكيل النيابة في التحقيق المذكور بتاريخ 15/ 4/ 1969 من أن المطلوب الحجر عليه يجيب على الأسئلة بدقة وانتظام ولا تبدو عليه أية أعراض مرض عقلي أو نفسي فأنه كان هادئاً أثناء المناقشة وهو ما تلاحظه هذه المحكمة أيضاً من إجابات المذكور على الأسئلة التي وجهها إليه السيد وكيل النيابة من إنه مدين للضرائب بمبلغ 200 جنيهاً إلى 300 جنيهاً محجوز عليه في البنك... ومن ذكره ذكراً صحيحاً لاسم اليوم والشهر والتاريخ الذي كان ماثلاً فيه أمام النيابة ولمقدار ما ورثه من أخيه من عقارات وموقعها ومن زواجه بالمستأنفة وتاريخ وسبب هذا الزواج وإنها زوجته الأولى وبيان اسم وكيله الذي وكله في إدارة شئونه...) وكانت هذه الدعامة تكفي لحمل قضائه بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم بصحة العقد لكمال أهلية البائع فأن ما استطرد إليه الحكم تأييداً لوجهة نظره استناداً إلى ما قضى به في الدعوى رقم 596 سنة 1969 وراثات مصر الجديدة المؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 98 سنة 90 ق القاهرة هو استطراد زائداً عن حاجة الدعوى يستقيم الحكم بدونه والخطأ فيه - بفرض صحته - يكون غير منتج ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.