باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية السبت (ب)
المؤلفة برئاسة السيد القاضي/ علي سليمان " نائب رئيس المحكمة
" وعضوية السادة القضاة/ خالد الجندي و أحمد كمال الخولي وهاني نجاتي "
نواب رئيس المحكمة " وخالد سويلم
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / محمد العربي.
وأمين السر السيد / طاهر عبد الراضي.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة
القاهرة.
في يوم السبت 7 من جمادي الأول لسنة 1443 ه الموافق 11 من ديسمبر سنة
2021 م.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 7327 لسنة 89 القضائية.
المرفوع من:
.............. "محكوم عليه"
ضد
النيابة العامة
------------------
" الوقائع "
اتهمت النيابة العامة الطاعن في الجناية رقم 5131 لسنة ٢٠١٥ قسم ثان
الزقازيق (والمقيدة بالجدول الكلي برقم 1405 لسنة ٢٠١٥ کلي جنوب الزقازيق).
بأنه وآخر سبق محاكمته في يومي 9، 10 من أبريل سنة ٢٠١٥ - بدائرة قسم
ثان الزقازيق - محافظة الشرقية.
1- صنعا بقصد الإتجار جوهرا مخدرا "ميثامفيتامين" في غير
الأحوال المصرح بها قانونا.
۲- حازا
وأحرزا بقصد التعاطي جوهرا مخدرا "حشيش" في غير الأحوال المصرح بها
قانونا.
3- حازا وأحرزا بقصد التعاطي جوهرا مخدرا "نبات الحشيش الجاف"
في غير الأحوال المصرح بها قانونا.
وأحالته إلى محكمة جنايات الزقازيق لمعاقبته طبقا للقيد والوصف
الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بجلسة 12 من ديسمبر سنة ۲۰۱۸، عملا
بالمواد ۱/۱، ۲، ۷/ 1، ۳۳ /1 بند "ب"، ۳۷ /1، ٤٢/ 1 من القانون رقم ١٨٢ لسنة
1960 المعدل والبندين رقمي "56، 91" من القسم الثاني من الجدول رقم
"۱" الملحق به، مع إعمال نص المادة 17 من قانون العقوبات.
بمعاقبة/ ..... بالسجن المؤبد وتغريمه
مائتي ألف جنيه للتهمة الأولى وبالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وتغريمه خمسين ألف
جنيه للتهمتين الثانية والثالثة ومصادرة المضبوطات وألزمته المصاريف الجنائية.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في 16 من ديسمبر سنة 2018.
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن في 23 من يناير سنة 2019 موقع عليها من
الأستاذ/ .... المحامي.
وبجلسة اليوم نظرت المحكمة الطعن حيث سمعت المرافعة كما هو مبين بمحضر
الجلسة.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر
والمرافعة وبعد المداولة قانونا: -
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي صنع جوهر
مخدر "ميثامفيتامين" بقصد الإتجار وحيازة جوهر ونبات الحشيش المخدرين بقصد
التعاطي وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا قد شابه القصور في التسبيب والفساد في
الاستدلال وانطوى على الإخلال بحق الدفاع واعتراه الخطأ في تطبيق القانون وفى
الإسناد، ذلك بأنه حرر في صورة غامضة مبهمة وصيغ في عبارات عامة مجهلة غير كاف في
بيان واقعة الدعوى بركنيها المادي والمعنوي ودون بيان مؤدى أدلة الثبوت بيانا
كافيا، وخلا من بيان الأفعال التي أتاها الطاعن في ارتكاب الواقعة، واكتفى بإيراد
نتيجة المعمل الكيماوي دون بيان مضمونه وفحوى التقارير التي تثبت خلو الأدوات
المضبوطة من أية مواد مخدرة، ولم يدلل على حيازته للمواد المخدرة، وسيطرته المادية
عليها وانتفاء القصد الجنائي لديه لانتفاء علمه بأن المادة المضبوطة معه مدرجة
بجداول مخدرات القوانين المصرية وجهله بها حال كونه مقيما بدولة الولايات المتحدة
الأمريكية ويحمل جنسيتها، وأطرح بما لا يسوغ دفعه بانتفاء جريمة صنع المخدر في حقه
سيما وأن ضآلة كمية المخدر والمبلغ المضبوطين بحوزته تنبئ عن إحرازها بقصد
التعاطي، وبطلان إجراءات تنفيذ إذن النيابة العامة لتجاوز القائم به نطاق اختصاصه
المكاني، ولم يحفل بدفاعه القائم على انقطاع صلته بالمضبوطات وانعدام سيطرته عليها
وانفراد ضباط الواقعة بالشهادة وحجبهم أفراد القوة المرافقة لهم عن أدائها، كما
عول على الاعتراف المنسوب للطاعن بالتحقيقات رغم دفعه ببطلانه وبطلان ما تضمنه من
اعتراف بتصنيع المواد المخدرة بقصد الإتجار، وتساند إلى التحريات وأقوال مجريها
رغم أنها لا تصلح دليلا بذاتها سيما ولم يفصح عن مصدرها فضلا عن عدم ارتدادها إلى
أصل ثابت بالأوراق، ملتفتا عن دفعه بعدم جديتها وانعدامها لدلائل عددها منها عدم
توصلها إلى أسماء عملائه وعدم ضبطه أثناء عملية بيع وشراء، فبنى الحكم على رأى
لسواه، كما أن للواقعة صورة أخرى أيدتها أقوال شاهد نفيه/ ملاك عطيه عبد الملاك
تخالف الصورة التي رواها ضابط الواقعة بشأن ضبطه قبل صدور الإذن بذلك وبشأن أن محل
التفتيش مسكنا مهجورا لا يقطن به الطاعن بدلالة ضبطه بمدينة الغردقة، بيد أن
المحكمة عولت على أقوال الثاني ولم تحفل بدفاع الطاعن في هذا الشأن وأقوال شاهده،
ولم تجر المحكمة تحقيقا تستجلي به حقيقة الواقعة وإزالة ما شابها من تناقض، سيما
وأن التفتيش قد جرى في غيبته، كما ألتفت عن أقوال شهود الإثبات التي تخالف ما جاء
بمعاينة النيابة للمسكن محل التفتيش بعثورها على أعقاب سجائر وهو قول لم يقل به،
هذا إلى أن النيابة العامة أغفلت الاستعانة بمترجم حال التحقيق معه لعدم إجادته
اللغة العربية لكونه يحمل الجنسية الأمريكية وفي الأخير ألتفتت المحكمة عما ورد
بحافظة مستنداته وما حوته من دفاع مسطور بها، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب
نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية لجريمتي تصنيع جوهر مخدر "ميثامفيتامین" بقصد الإتجار
وحيازة جوهر ونبات الحشيش المخدرين بقصد التعاطي وفي غير الأحوال المصرح بها
قانونا التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي
إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها
محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من
تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا أو نمطا يصوغ
فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع
ما أورده الحكم كافيا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة -
كما هو الحال في الدعوى الراهنة - فإن ذلك يكون محققا لحكم القانون، ومن ثم فإن
منعى الطاعن في هذا الشأن يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات
الحكم المطعون فيه أنه أثبت في حق الطاعن إسهامه بنصيب في الأفعال المادية المكونة
للجريمة وتواجده على مسرحها وقيامه بحيازة المواد المخدرة وهو ما يكفي لاعتباره
فاعلا أصليا فيها، فإن منعاه في هذا الشأن لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلا موضوعيا
في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز إثارته أمام
محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مؤدى تقرير المعمل الكيميائي وأبرز
ما جاء به من أن المواد المضبوطة هي مادة الميثامفيتامين وجوهر ونبات الحشيش
المخدرين، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بعدم إيراده مضمون تقرير المعمل
الكيميائي لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده
نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة لا تلتزم في
أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ومن
ثم فلا يقدح في سلامة الحكم إغفاله ما جاء بتقارير المعمل الكيماوي بخلو ما تم
ضبطه من أحراز من مواد مخدرة مدرجة بجداول المخدرات والتحدث عنها لأنها لم تكن ذات
أثر في قضاء المحكمة ولم تعول عليها. فضلا عن أن الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير
المعامل الكيماوية أن المضبوطات مادة الميثامفيتامين وجوهر ونبات الحشيش المخدرين،
فإن في ذلك ما يكفي بيانا للجواهر المخدرة المؤثم حيازتها، ويكون ما يدعيه الطاعن
من قصور شاب تقرير المعامل الكيماوية في بيان المادة الفعالة المؤثمة ولا محل له.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط المسئولية في حالتي إحراز وحيازة الجواهر
المخدرة هو ثبوت اتصال الجاني بالمخدر اتصالا مباشرا أو بالواسطة وبسط سلطانه عليه
بأية صورة عن علم وإرادة إما بحيازة المخدر حيازة مادية أو وضع اليد عليه على سبيل
الملك والاختصاص ولو لم تتحقق الحيازة المادية - أو كان المحرز لها شخصا غيره –
وكان القصد الجنائي في جريمة حيازة أو إحراز المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز
بأن ما يحوزه أو يحرزه من المواد المخدرة وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث
استقلالا عن هذا الركن إذا كان ما أوردته في حكمها كافيا في الدلالة على علم
المتهم من أن ما يحوزه أو يحرزه مخدر، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته
كافيا في الدلالة على حيازة الطاعن للمخدر المضبوط وعلمه بكنهه، ولا يقدح في ذلك
ما ينعاه الطاعن من ادعاء جهله بإدراج عقار الميثامفيتامين "الأيس"
بجدول المخدرات، وبأن إحراز هذا العقار في محل إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية
والتي يحمل جنسيتها - بفرض صحة إدعائه بذلك - غير مجرم إذ إنه من المقرر أن الجهل
بالقانون أو الغلط في فهم نصوصه لا يعدم القصد الجنائي باعتبار أن العلم بالقانون
وفهمه على وجهه الصحيح أمر مفترض في الناس كافة، وإن كان هذا الافتراض يخالف
الواقع في بعض الأحيان بيد أنه افتراض تمليه الدواعي العملية لحماية مصلحة
المجموع، ولذا قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن العلم بالقانون الجنائي والقوانين
العقابية المكملة له مفترض في حق الكافة، ومن ثم فلا يقبل الدفع بالجهل أو الغلط
فيه كذريعة لنفي القصد الجنائي، فإن ما ينعاه في هذا الخصوص لا يكون مقبولا. فضلا
عن أنه لا حرج على القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها على أي
نحو يراه ما دام أنه يتضح من مدونات الحكم توافره توافرا فعليا. كما أنه من المقرر
أن الدفع بعدم سيطرة المتهم على مكان الضبط من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من
المحكمة ردا خاصا اكتفاء بما تورده من أدلة الثبوت التي تطمئن إليها بما يفيد
إطراحها، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن على ما ثبت من
انبساط سلطانه على المخدر المشروط تأسيسا على أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق
وتتفق والاقتضاء العقلي والمنطقي، وكان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من
تلك الأدلة، فإن منعاء في هذا يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يكفي في بيان
جريمة تصنيع المخدر بقصد الإتجار أن يكون فيما أورده الحكم من وقائع والظروف ما
يكفي للدلالة على إتيان الفعل المادي بما لابسه مما ينبئ عن قصد الإتجار، وكان
الثابت مما أورده الحكم المطعون فيه أنه أستند في إدانة الطاعن إلى أدلة صحيحة
وسائغة استمدها من أقوال شهود الإثبات وتقرير التحليل للقمع والبرطمان الزجاجي
الذي وجد بغسالتهما آثار لجوهر ميثامفيتامين وكذلك القطعة البنية وغسالة السجائر
الملفوفة لجوهر الحشيش والقطع النباتية الخضراء لنبات الحشيش الجاف وما أسفر عنه
الضبط من آلات وأدوات مخصصة لتصنيع الجواهر المخدرة وتنوع تلك الجواهر
"میثامفيتامین وحشيش" ودلل على توافر قصد الإتجار بما ينتجه من أسباب
وكان فيما أورده الحكم على ذلك النحو ما يكفي في بيان توافر أركان جريمة تصنيع
المخدر بقصد الإتجار وأدلتها قبل الطاعن، ويضحى ما يثيره في هذا الصدد غير سديد.
لما كان ذلك، وكان لا يجدي الطاعن المنازعة في تهمة تصنيع جوهر مخدر بغرض الإتجار
في المواد المخدرة إذ إن الحكم المطعون فيه قضى عليه بالسجن المؤبد والغرامة مائتي
ألف جنيه وهي عقوبة مبررة لتهمة إحراز جوهر الميثامفيتامين المخدر بقصد الإتجار،
ومن ثم يكون هذا المنعى في غير محله. لما كان ذلك، وكان القانون لم يصف حدا أدنى
للمحكمة بشأن الكمية المحرزة من المادة المخدرة إذ العقاب واجب حتما مهما كان
القدر ضئيلا متى كان له كيان محسوس أمكن تقديره - كما هو الحال في الدعوى المطروحة
- فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص من ضآلة كمية المخدر والمبلغ النقدي
المضبوطين لا يكون مقبولا. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بتجاوز
ضابط الواقعة لاختصاصه المكاني وأطرحه في قوله "بأن الإذن قد صدر من النيابة
العامة وهي وحدة واحدة لا تتجزأ في شأن ضبط وتفتيش شخص ومسكن المتهم وقد تم تنفيذ
ذلك الإذن في حدود نطاقه المكاني على نحو ما ضمنه محضر التنفيذ وهو ما تطمئن إليه
النيابة العامة" وكان رد الحكم على دفاع الطاعن في هذا الشأن كافيا ويستقيم
به ما خلص إليه من إطراحه. فضلا عن أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن ما ورد
على لسان المدافع عن الطاعن من أنه يدفع ببطلان إجراءات تنفيذ الإذن لتجاوز ضابط
الواقعة لاختصاصه المكاني، فقد سيق في عبارة مرسلة مجهلة مما لا يعد معه دفعا جديا
تلتزم المحكمة بالرد عليه. لما كان ذلك، وكان النعي بالتفات الحكم عن الرد على
دفوعه بانقطاع صلة الطاعن بالمضبوطات وانعدام سيطرته عليها وانفراد ضباط الواقعة
بالشهادة وحجبهم أفراد القوة المرافقة لهم عن أدائها، مردودا بأن نفي التهمة من
أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردا طالما كان الرد عليها مستفادا ضمنا من
القضاء بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة
الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة
النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر
الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات
بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة
– ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل
عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى سلامة الدليل المستمد من هذا الاعتراف، ومن ثم يكون
النعي على اعتراف الطاعن على غير أساس. هذا فضلا عن أن البين من محضر جلسة
المحاكمة أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان اعتراف المتهم بعبارة مرسلة هي بطلان
الإقرار المنسوب صدوره للمتهم بشأن الإتجار والتصنيع دون أن يبين وجه ما ينعاه على
هذا الاعتراف مما يشكك في سلامته التي ساقها تشكل دفعا ببطلان الإقرار وكل ما يمكن
أن تنصرف إليه هو التشكك في الدليل المستمد من الإقرار توصلا إلى عدم تعويل
المحكمة عليه، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض لما
يتطلبه من إجراء تحقيق موضوعي تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان
المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة
باعتبارها معززة لما ساقته أدلة مادامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، ولا
يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها، ومن ثم فان ما يثيره
الطاعن بشأن تعويل من الحكم على تحريات الشرطة وشهادة مجريها لا يعدو أن يكون جدلا
موضوعيا في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى وهو ما لايقبل
إثارته أمام محكمة النقض. فضلا عن أن ما أورده الحكم المطعون فيه للتدليل على ثبوت
الاتهام في حق الطاعن قد جاء مقصورا على أقوال شهود الإثبات وما أسفر عنه التفتيش
من إحراز المخدر المضبوط، وما ورد بتقرير المعمل الكيماوي ولم يتساند في ذلك إلى
التحريات التي لم يعول عليها إلا كمسوغ لإصدار الإذن بالتفتيش فحسب، ومن ثم فإن
منعى الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديدا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير
جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل
الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد
اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره
وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك، فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه
بالموضوع لا بالقانون، ولما كانت المحكمة قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد
الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة وكان عدم إيراد أسماء
عملاء الطاعن في محضر الاستدلال لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحريات، كما لا
ينال من هذه التحريات ولا يقدح فيها أن يمسك مجريها عن ذكر مصدر تحرياته حفاظا منه
عليه وحرصا على إخفائه، فإن منعى الطاعن في صدد ما تقدم لا يكون سديدا. هذا فضلا
عن أنه لم يثر شيئا من ذلك أمام محكمة الموضوع كأساس لهذا الدفع. لما كان ذلك،
وكان الحكم قد أقام قضاءه على ما أستخلصه من أقوال شاهد الإثبات والتي أنصبت على
التحريات والإجراءات التي قام بها وما أقر به الطاعن بتحقيقات النيابة العامة وما
أنتهى إليه تقرير المعمل الكيماوي وما ثبت من معاينة النيابة العامة لمكان الضبط
ومن ثم فإنه لم يبن حكمه على رأي لسواه، ويضحى ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد غير
سديد. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود
وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما
يؤدي إليه إقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى مادام استخلاصها سائغا مستندا
إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود
وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي
تطمئن إليه بغير معقب، وكان اطمئنان المحكمة إلى حدوث التفتيش في مكان معين هو من
المسائل الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها ولا تجوز إثارتها أمام محكمة النقض،
وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات وصحة تصويره للواقعة، فإن ما
يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به
محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض، ولا
عليها من بعد إن هي التفتت عن دفاع الطاعن في شأن مكان ضبطه إذ في أخذ المحكمة
بشهادة ضباط الواقعة ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها
على عدم الأخذ بها. هذا فضلا عن أن الطاعن لم يبين أوجه التناقض بين أقوال شهود
الإثبات وشاهد نفيه، بل جاء قوله في هذا الصدد مرسلا غير محدد. لما كان ذلك وكان
من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا
به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها في قضائها
بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن لأقوال هؤلاء الشهود
فأطرحتها، فإن منعى الطاعن على الحكم إغفاله الإشارة إلى أقوال شاهد النفي يكون
غير مقبول ولا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع
في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة
إجراء تحقيق بشأن ما أثاره في أسباب طعنه، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة
قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه ولم تر هي من جانبها حاجة لإجرائه. لما كان ذلك،
وكان من المقرر أن حصول التفتيش بغير حضور المتهم أو من ينيبه عنه لا يترتب عليه
البطلان، ومن ثم فحضوره هو أو من ينيبه عنه التفتيش الذي يجري في مسكنه لم يجعله
القانون شرطا جوهريا لصحة التفتيش ولا يقدح في صحة هذا الإجراء أن يكون قد حصل في
غيبة الطاعن أو غيبة من ينيبه عنه ومن ثم لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع
الطاعن في هذا الخصوص لأنه دفع قانوني ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان من المقرر
أنه لا يلزم قانونا إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد التي أعتمد عليها الحكم، بل
يكفي أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشهود لأن
فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعني أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة
من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به
ما دام أنها قد أحاطت بأقوال الشهود ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو
مسخ لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها - كما هو الحال في الدعوى
المطروحة - ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من إغفاله تحصيل بعض أقوال
الشهود على النحو الذي يردده بأسباب طعنه لا يكون له محل. فضلا عن أن لمحكمة
الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك
بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى وفى إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما
يفيد ضمنا عدم اطمئنانها إليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يخرج عن كونه
جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى
واستنباط معتقدها، وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان
ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر ما يدعيه من وجود نقص
بتحقيقات النيابة العامة لعدم إحضار مترجم التحقيق ولم يطلب من المحكمة تدارك هذا
النقص إذ هو لا يعدو أن يكون تعييبا للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن
يكون سببا للطعن في الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن
أن يكون واضحا محددا، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية المستندات وأوجه
الدفاع التي ساقها أمام المحكمة ولم يعرض الحكم لها حتى يتضح مدى أهميتها في
الدعوى المطروحة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولا. فضلا عن أن
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو
حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت
إليها من باقي الأدلة في الدعوى، فإن ما يثيره الطاعن من إعراض الحكم عن المستندات
التي قدمها تدليلا على صحة دفاعه لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الأدلة
وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض. لما كان
ذلك، وكان المقرر أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم مما يدخل
في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى على
النحو الذي حصله الحكم لا تتفق قانونا مع ما انتهى إليه من عدم قيام الارتباط بين
الجرائم وتوقيعه عقوبة مستقلة عن كل منها، فإن ذلك يكون من قبيل الأخطاء القانونية
التي تستوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح، ولما كان الحكم
المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بعقوبة مستقلة عن كل من جريمتي صنع جوهر
الميثامفيتامين المخدر بقصد الإتجار وحيازة جوهر ونبات الحشيش المخدرين بقصد
التعاطي اللتين دانه بهما رغم أن الجريمتين اللتين دين بهما قد نشأتا عن فعل واحد
هو إحراز المخدر وإن تعددت أنواعه واختلفت القصود بما كان يتعين معه وفق صحيح
القانون تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة ٣٢ من قانون العقوبات والحكم عليه
بالعقوبة المقررة لجريمة تصنيع جوهر الميثامفيتامين المخدر بقصد الإتجار باعتبارها
الجريمة الأشد دون العقوبة المقررة لجريمة حيازة جوهر ونبات الحشيش المخدر بقصد
التعاطي، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأوقع على الطاعن عقوبة مستقلة عن
كل تهمة من التهمتين المسندتين إليه فإنه يكون قد أخطا في تطبيق القانون، ومن ثم
فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا وتصحيحه بإلغاء عقوبة السجن المشدد
والغرامة المقضي بهما عن التهمتين الثانية والثالثة والاكتفاء بالعقوبة المقضي بها
عن التهمة الأولى باعتبارها الجريمة الأشد، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: - بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه
وتصحيحه بإلغاء العقوبة عن التهمتين الثانية والثالثة ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق