جلسة 14 من يونيه سنة 1951
-----------------
(155)
القضية رقم 67 سنة 18 القضائية
1 - (أ وب وجـ). جمارك.
البضاعة العابرة (ترانزيت) والبضاعة الواردة. فيصل التفرقة بينهما. البضاعة العابرة "ترانزيت". هي البضاعة التي ترد من الخارج إلى الدولة في رحلة تبدأ وتنتهي خارج حدودها دون أن تتداول داخل بلادها ويحصل مرورها بأراضيها سواء بنقلها من سفينة إلى أخرى في نفس الميناء أو من ميناء إلى أخرى أو بإيداعها المخازن المعدة لذلك بالدائرة الجمركية حتى تصدر إلى الخارج أو بغير ذلك. البضاعة التي ترد في الأصل من الخارج بقصد الاستهلاك داخل البلاد ثم يعن لصاحبها تغيير اتجاهها بتصديرها إلى دولة أخرى أو يضطر إلى ذلك نتيجة لمنع دخولها البلاد بناء على أي سبب كان. تعتبر بضاعة عابرة "ترانزيت". القول بأن البضاعة العابرة تعتبر بضاعة واردة إذا مضى على بقائها في الدائرة الجمركية أكثر من ستة شهور وأنه من باب أولى ينتهي اعتبار البضاعة الواردة بضاعة عابرة بعد مضى هذا الميعاد استناداً إلى المادتين 24/ 25 من لائحة الجمارك. على غير أساس. حكم هاتين المادتين لا ينطبق إلا على البضاعة العابرة التي تجتاز البلاد المصرية من جمرك إلى آخر لتصديرها منه إلى الخارج.
2 - جمارك.
رسوم الأرضية المفروضة على "الجلود برسم المرور (ترانزيت) غير المصحوبة بشهادة أو المصحوبة بشهادة غير قانونية" بموجب الفقرة (د) من رقم (2) من الحرف (ج) من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943. هي رسوم مقررة بمقتضى القانون وليست أجرة مقابل التخزين بمخازن مصلحة الحجر الصحي أو مخازن حكومية أخرى. استحقاقها لا يتطلب سوى وضع البضاعة تحت إشراف سلطات الحجر الصحي.
هذا الإشراف لا يستلزم حيازة المصلحة للبضاعة حيازة مادية أو تخزينها بالمخازن الحكومية بل يتحقق بقطع النظر عن مكان وجودها أو تخزينها.
3 - (أ وب). جمارك.
الحجز الإداري الذي يحق لمصلحة الحجر الصحي توقيعه عملاً بالمادة الخامسة من القانون رقم 76 لسنة 1943 والأمر العالي الصادر في 25 من مارس سنة 1880 - محله. مقصور على ذات البضاعة المستحق عليها الرسم المراد بتوقيع الحجز وفاء له. لا تلازم بينه وبين حق الامتياز المقرر للحكومة على جميع أموال المدين وفقاً للمادة 601 من القانون المدني - القديم.
(المواد 24/ 25 من لائحة الجمارك، 5 من القانون رقم 76 لسنة 1943، 2 من الحرف ج البند العاشر من الجدول الملحق بهذا القانون، الأمر العالي الصادر في 25 من مارس سنة 1880 و601 من القانون المدني القديم).
وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحجز الإداري الذي أوقعته مصلحة الحجر الصحي وفاء لرسوم الأرضية المستحقة على بضاعة قد أقام قضاءه على أن البضاعة التي توقع عليها الحجز هي خلاف البضاعة المستحقة عليها الرسوم فإن النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.
الوقائع
في يوم 30 من أغسطس سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 12 من مايو سنة 1948 في الاستئناف رقم 305 سنة 3 ق وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنتان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بشطريه ورفض دعوى المطعون عليه بشطريها وإلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 4 من سبتمبر سنة 1948 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 19 منه أودعت الطاعنتان أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهما ولم يقدم المطعون عليه دفاعاً. وفي 19 من نوفمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنتين بالمصروفات. وفي 28 من ديسمبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.
المحكمة
من حيث إن وقائع الدعوى، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق المقدمة في الطعن والتي كانت تحت نظر محكمة الموضوع، تتحصل في أن المطعون عليه استورد من كابوتزو بليبيا رسالة من الجلد الخام وصلت بطريق السكة الحديدية إلى جمرك الإسكندرية في 14 من يوليه سنة 1944 ثم خزنت بمخازن شركة الشرق الأدنى بالدائرة الجمركية. وفي 29 من يوليه سنة 1944 طلبت هذه الشركة نيابة عن المطعون عليه إلى مصلحة الحجر الصحي التصريح بدخول هذه الجلود البلاد المصرية، ولما تبين من فحص أوراقها أنها مصحوبة بشهادة غير قانونية وضعتها المصلحة المذكورة تحت إشرافها وأخذت منها عينات لتحليلها فاتضح أنها مصابة بالجمرة الخبيثة، ولذا قررت رفض التصريح بدخولها البلاد وأمرت بإعادتها إلى مصدرها. وعندئذ طلب المطعون عليه من المصلحة أن توافق على بقاء الجلود لإجراء تجارب فنية عليها لإبادة الجمرة الخبيثة منها، فوافقته على ذلك لحاجة البلاد إلى الجلود في ذلك الوقت. وما أن أسفرت هذه التجارب عن النجاح حتى تبين أن المطعون عليه تمكن من تصدير الجلود إلى بيروت بغير علم مصلحة الحجر الصحي وذلك على دفعتين في 14 من إبريل سنة 1945 و12 من نوفمبر سنة 945 فاعتبرتها المصلحة جلوداً عابرة (ترانزيت) وطالبت المطعون عليه بمبلغ 2420 جنيهاً و653 مليماً رسوم أرضية مستحقة عنها وفقاً للفقرة (د) من الرقم (2) من الحرف (ج) من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943 بشأن الرسوم الصحية ورسوم الحجر الصحي عن مدة وضعها تحت إشرافها من تاريخ إخطارها بها حتى تاريخ تصديرها. ثم أن المطعون عليه استورد بعد ذلك رسالة صوف من ليبيا فأوقعت عليها المصلحة في 22 من أكتوبر سنة 1946 حجزاً إدارياً وفاء للرسوم المشار إليها وذلك استناداً إلى المادة الخامسة من القانون رقم 76 لسنة 1943 والأمر العالي الصادر في 25 من مارس سنة 1880 فأقام المطعون عليه دعواه الحالية رقم 358 كلي الإسكندرية سنة 1947 على الطاعنتين طالباً فيها الحكم بعدم أحقيتهما في هذه الرسوم وإلغاء الحجز الإداري الموقع على رسالة الصوف. وفي 15 من يونيه سنة 1947 قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية برفض الدعوى بالنسبة إلى رسوم الأرضية وبإلغاء الحجز الإداري، وذلك بناء على ما قررته من أن الجلود تعتبر بضاعة عابرة ولو كانت أصلاً بضاعة واردة ما دامت لم تتعد الدائرة الجمركية وصدرت في النهاية إلى جهة أخرى وأنها كانت في المدة الآنف بيانها تحت إشراف سلطات الحجر الصحي فاستحقت عنها رسوم الأرضية وأن الحجز الإداري لم يكن في محله لوقوعه على بضاعة أخرى غير المفروضة عليها هذه الرسوم. وفي 10 من سبتمبر سنة 1947 استأنف المطعون عليه هذا الحكم طالباً إلغاءه فيما قضى به من رفض دعواه بالنسبة إلى رسوم الأرضية وقيد هذا الاستئناف برقم 305 سنة 3 قضائية استئناف الإسكندرية، كما رفعت الطاعنتان استئنافاً فرعياً قيد برقم 42 سنة 4 قضائية طلبنا فيه إلغاء الحكم فيما قضى به من إلغاء الحجر الإداري. وفي 12 من مايو سنة 1948 قضت محكمة استئناف الإسكندرية في هذين الاستئنافين بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من إلغاء الحجز الإداري وبإلغائه فيما عدا ذلك وبعدم أحقيته الطاعنتين في رسوم الأرضية. وذلك بناء على ما قررته من أن الجلود لم تكن بضاعة عابرة وإنما كانت بضاعة واردة إذ العبرة هي بوصفها وقت ورودها لا بالمآل الذي انتهت إليه، وأن مصلحة الحجر الصحي لم يكن لها أي إشراف عليها من جهة لتخزينها بمخازن شركة الشرق الأدنى لا بمخازن مصلحة الجمارك أو مخازن مصلحة الحجر الصحي أو أي مخازن حكومية أخرى ومن جهة أخرى لأنه لم يكن لهذا الإشراف من أثر سوى منعها من دخول البلاد كما أن المصلحة لم تتخذ بشأنها أي إجراء من إجراءات التطهير المكلفة بها قانوناً في حالة البضاعة العابرة، وأن قضاء الحكم الابتدائي بإلغاء الحجز في محله للأسباب سالفة الذكر وللأسباب الأخرى التي بني عليها.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين: حاصل أولهما أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون رقم 76 لسنة 1943 - ذلك أن المحكمة، فيما قضت به من عدم أحقية الطاعنتين في رسوم الأرضية موضوع الدعوى، اعتمدت على ما قررته من أن "الجلود برسم المرور (ترانزيت) غير المصحوبة بشهادة أو المصحوبة بشهادة غير قانونية والتي يصير تفريقها بقصد إعادة شحنها في نفس الميناء على سفينة أخرى لتصديرها إلى الخارج" لا تستحق عنها رسوم الأرضية المفروضة عليها "أثناء مدة حجزها تحت إشراف الحجر الصحي" وفقاً (د) من الرقم (2) من الحرف (ج) من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون المشار إليه إلا بتوافر شرطين. أولهما أن تكون هذه الجلود قد وردت على اعتبار أنها بضاعة عابرة من بادئ الأمر لا أن تكون بضاعة واردة وأعيد تصديرها إلى الخارج لأسباب عارضة. وثانيهما أن تكون هذه الجلود في حيازة مصلحة الحجر الصحي حيازة مادية أثناء مدة وضعها تحت إشرافها وأن تكون قد خزنت بمخازنها أو مخازن مصلحة الجمارك أو أي مخازن حكومية أخرى" مع أن العبرة في اعتبار البضاعة عابرة هي بالنتيجة التي تؤول إليها ولو كانت أصلاً بضاعة واردة متى كانت لم تتداول في البلاد وأعيد تصديرها إلى الخارج لأي سبب كان كما هو الحال في الدعوى إذ الثابت بأوراقها أن المطعون عليه بعد أن استورد الجلود المطالب برسوم الأرضية عنها وأبقاها مدة بالدائرة الجمركية بجمرك الإسكندرية صدرها في النهاية إلى بيروت وأن إشراف مصلحة الحجر الصحي الذي فرضت من أجله رسوم الأرضية وفقاً للفقرة (د) الآنف ذكرها لا يستلزم الحيازة المادية ولا التخزين بالمخازن الحكومية ذلك أن هذه الرسوم ليست أجرة ولا مقابل تخزين وإنما هي مفروضة بمقتضى القانون الذي لا يتطلب لاستحقاقها سوى مجرد قيام الإشراف على البضاعة بقطع النظر عن مكان وجودها. ولما كان الثابت بأوراق الدعوى أن الجلود المشار إليها كانت تحت إشراف سلطات الحجر الصحي من تاريخ إخطارها بها حتى تاريخ تصديرها إلى بيروت فتكون قد استحقت عنها رسوم الأرضية المطالب بها.
ومن حيث إنه وإن كانت القوانين المصرية التي تحدثت عن البضاعة العابرة (ترانزيت) وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت بشأنها لا تتضمن تعريفاً منضبطاً لها يتناول جميع صورها المعروفة في التجارة الدولية بل يؤخذ من مقارنة ما ورد عنها في شتى النصوص أن معناها كان يتسع حيناً ويضيق حيناً تبعاً لمقتضيات حالة البلاد إلا أنه مع ذلك يمكن أن يستخلص من صورها المختلفة وصف جامع مميز لها هو أنها بضاعة ترد من الخارج إلى الدولة في رحلة تبدأ وتنتهي خارج حدودها دون أن تتداول داخل بلادها ويحصل مرورها بأراضيها سواء بنقلها من سفينة إلى أخرى في نفس الميناء أو من ميناء إلى أخرى أو بإيداعها المخازن المعدة لذلك بالدائرة الجمركية حتى تصدر إلى الخارج أو بغير ذلك ومتى تحقق هذا الوصف في أية بضاعة صح اعتبارها عابرة ما لم يوجد نص خاص في قوانين الدولة يحول دون هذا الاعتبار ومن ثم تعتبر بضاعة عابرة البضاعة التي ترد من الخارج وتودع مخازن الاستيداع الكائنة بالدائرة الجمركية ثم يعاد تصديرها إلى الخارج ولو كانت أصلاً بضاعة واردة بقصد الاستهلاك داخل البلاد بأن عن لصاحبها تغيير اتجاهها بتصديرها إلى دولة أخرى أو اضطر إلى ذلك نتيجة لمنع دخولها البلاد بناء على أي سبب كان - ولما كانت عبارة (والتي يصير تفريغها بقصد إعادة شحنها في نفس الميناء على سفينة أخرى لتصديرها إلى الخارج) الموصوفة بها "الجلود برسم المرور (ترانزيت) غير المصحوبة بشهادة أو المصحوبة بشهادة غير قانونية" في الرقم (2) من الحرف (ج) من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943 بشأن الرسوم الصحية ورسوم الحجر الصحي هي عبارة عامة لا يقتصر مدلولها على الجلود التي ترد من مبدأ الأمر بوصف أنها بضاعة عابرة وإنما تشمل كذلك الجلود التي ترد أصلاً بوصف أنها بضاعة واردة بقصد الاستهلاك داخل البلاد ولكنها لا تدخلها لأي سبب كان فيعاد تصديرها إلى جهة أخرى ذلك أنها في الحالتين ينطبق عليها وصف البضاعة العابرة وفقاً - لما سبق ذكره - وكان لا يمنع من هذا النظر أن البضاعة المطالب بالرسوم عنها لبثت في الدائرة الجمركية أكثر من ستة شهور، وأن المادة 24 من لائحة الجمارك حددت لنقل البضائع (الترانزيت) التي تجتاز البلاد المصرية من جمرك إلى آخر ميعاد عشرة أيام على الأقل وستة شهور على الأكثر، وأن المادة 25 نصت على أن هذه البضائع تعتبر "كأنها أدخلت برسم الاستهلاك" إذ انقضت ستة شهور دون أن يقدم فيها إلى جمرك الإرسال علم الخبر الخاص بها مؤشراً عليه من جمرك الخروج، وهو ما استدلت به النيابة العمومية على أن البضاعة العابرة تعتبر بضاعة واردة إذا مضى على بقائها في الدائرة الجمركية أكثر من ستة شهور وأنه من باب أولى ينتفي اعتبار البضاعة الواردة بضاعة عابرة بعد مضي هذا الميعاد، ذلك أنه يتضح من المادتين المذكورتين أن حكمهما لا ينطبق إلا على صورة واحدة من صور البضاعة العابرة هي الصورة التي تجتاز فيها البضاعة البلاد المصرية من جمرك إلى آخر أي من ميناء إلى أخرى لتصديرها منها إلى الخارج وهي غير الصورة التي ترد فيها إلى ميناء لتفرغ فيها ويعاد شحنها منها مباشرة إلى الخارج، لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن المطعون عليه وإن كان استورد الجلود المطالب برسوم الأرضية عنها من كابوتزو بليبيا على اعتبار أنها بضاعة واردة بقصد الاستهلاك في مصر إلا أنه بعد أن أودعها مخازن شركة الشرق الأدنى بالدائرة الجمركية بجمرك الإسكندرية قام في النهاية بتصديرها إلى بيروت فتكون لما تقدم بيانه بضاعة عابرة أي "جلود برسم المرور (ترانزيت) يجرى عليها حكم الفقرة (ج) من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943 - ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون إذ قرر أن الجلود المذكورة هي بضاعة واردة.
ومن حيث إنه لما كانت رسوم الأرضية المفروضة على "الجلود برسم المرور (ترانزيت) غير المصحوبة بشهادة أو المصحوبة بشهادة غير قانونية" بموجب الفقرة (د) من الرقم (2) من الحرف (ج) من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943 بواقع خمسة مليمات عن كل طرد في اليوم الواحد "أثناء مدة حجز البضاعة تحت إشراف سلطات الحجر الصحي" ليست أجرة مقابل تخزينها بمخازن مصلحة الحجر الصحي أو مخازن الجمارك أو أي مخازن حكومية أخرى، وإنما هي رسوم مقررة بمقتضى القانون، وواضح من النص أنه لا يتطلب لاستحقاقها سوى وضع البضاعة تحت إشراف سلطات الحجر الصحي، وهذا الإشراف لا يستلزم حيازة المصلحة للبضاعة حيازة مادية أو تخزينها بالمخازن الحكومية، بل يتحقق بقطع النظر عن مكان وجودها أو تخزينها وسواء أكان هذا المكان مخازن مصلحة الحجر الصحي أم مخازن مصلحة الجمارك أم مخازن شركات الاستيداع أم أي مكان آخر حتى ولو كان لصاحب البضاعة نفسها - وكان الثابت بالأوراق أن الجلود المطالب برسوم الأرضية عنها كانت تحت أشراف سلطات الحجر الصحي في الفترة من 29 من يوليه سنة 1944 حتى تاريخ تصديرها إلى بيروت على دفعتين في 14 من إبريل سنة 1945 و12 من نوفمبر سنة 1945، لما كان ذلك كذلك يكون شرط استحقاق هذه الرسوم قد تحقق، دون حاجة إلى بحث المظاهر المادية لهذا الإشراف - كما ذهبت محكمة الاستئناف ويكون حكمها المطعون فيه قد أخطأ في القانون إذ نفى إشراف مصلحة الحجر الصحي على الجلود المطالب برسوم الأرضية عنها.
ومن حيث إنه، وقد بان مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون أولاً في اعتبار الجلود المطالب برسومها بضاعة واردة مع أنها بضاعة عابرة وثانياً في نفي إشراف مصلحة الحجر الصحي عليها مع تحقق قيامه، فإنه يكون من المتعين نقص هذا الحكم فيما قضى به في الاستئناف رقم 305 سنة 3 القضائية استئناف الإسكندرية المرفوع من المطعون عليه من إلغاء الحكم الابتدائي وعدم أحقية الطاعنتين في الرسوم موضوع الدعوى.
ومن حيث إن موضوع الدعوى في هذا الخصوص صالح للحكم فيه، ولما كان الحكم المستأنف لما سبق ذكره وللأسباب التي بني عليها والتي تقرها هذه المحكمة قد أصاب فيما قضى به من رفض دعوى المطعون عليه بعدم أحقية الطاعنتين في الرسوم المذكورة فإنه يتعين تأييده.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون فيما قضى به من إلغاء الحجز الإداري الذي أوقعته مصلحة الحجر الصحي في 22 من أكتوبر سنة 1946 على رسالة الصوف وفاء لرسوم الأرضية المستحقة على الجلود - ذلك أن المحكمة - إذ أخذت بأسباب الحكم الابتدائي اعتمدت على ما قرره من أن الحجز الإداري الذي يحق للحكومة توقيعه عملاً بالمادة الخامسة من القانون رقم 76 لسنة 1943 والأمر العالي الصادر في 25 من مارس سنة 1880 مقصور محله على ذات البضاعة المستحق عليها الرسوم المراد توقيع الحجز وفاء له - مع أن للحكومة وفقاً للمادة 601 من القانون المدني (القديم) حق امتياز عام على جميع أموال المدين، وأن هذا الامتياز يتكون من شطرين أولهما الرخصة التي خولها القانون للحكومة في استيفاء أموالها الأميرية بطريق الحجز الإداري وثانيهما درجة الامتياز المقررة لها على سائر الدائنين، وأنه وإن كان محل النظر في هذه الدرجة أن يقوم التزاحم بينها وبين الدائنين الآخرين إلا أنه إذا انعدم هذا التزاحم فيكون الامتياز قائماً ومن مقتضاه أن يكون للحكومة الحق في توقيع الحجز الإداري على أي مال مملوك للمدين حتى ولو كان غير المال المستحق عليه الرسم المراد توقيع الحجز وفاء له.
ومن حيث إن هذا السبب مردود أولاً بالأسباب التي أقيم عليها الحكم الابتدائي في هذا الخصوص - وأخذ بها الحكم المطعون فيه وهي "وحيث إنه عن طلب إلغاء الحجز المتوقع على رسالة الصوف التي وردت تالية لرسالة الجلود السالفة الذكر فإن مصلحة الحجر الصحي قد أوقعت حجزاً إدارياً على رسالة الصوف المذكور باعتبار أن معها الحق في قيمة رسوم الأرضية المستحقة على رسالة الجلود فلما أن وردت رسالة الصوف باسم المدعي المستحق عليه رسوم الأرضية سالفة الذكر فقد أوقعت مصلحة الحجر الصحي الحجز على رسالة الصوف وفاء للدين المستحق لما على المدعي عن رسالة الجلود وقد فات مصلحة الحجر الصحي أن الحجز الإداري هو امتياز منح للحكومة استثناء لسهولة حصولها على الأموال والعشور المستحقة لها وأن هذا الاستثناء مقيد وهو أن تكون الأموال المتوقع الحجز من أجلها مستحقة على نفس الأشياء المتوقع الحجز الإداري عليها. هذا هو ما نصت عليه المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 25/ 3/ 1880 بشأن الحجز الإداري "عدم دفع الأموال والعشور والرسوم في مواعيد استحقاقها المقررة لسدادها بناء على اللوائح والأوامر والمنشورات يستوجب إجراء الحجز بالكيفية الآتي ذكرها على الأثمار والمحصولات والموجودات والمواشي الموجودة بالعقار وعلى نفس العقار المستحقة عليه تلك الأموال أو العشور أو الرسوم" ذلك هو النص الصريح الذي يجيز توقيع الحجز الإداري ويتعين أن يقع على الأثمار والمحصولات والموجودات في العقار المستحقة عليه الأموال. وحيث إن المادة الخامسة من القانون رقم 16 سنة 1943 جوزت لمصلحة الحجر الصحي تحصيل الرسوم المستحقة بطريق الحجز الإداري طبقاً لأحكام الأمر العالي الصادر في 25 مارس سنة 1880 وأنه يجوز لرئيس مكتب الحجر الصحي عدم الترخيص بالسفر للسفينة أو المركب أو الطائرة وعدم الإفراج عن البضائع والأمتعة المفروضة عليها الرسوم لحين دفعها. وحيث إن الحجز الإداري هو حق منح للحكومة لسهولة الحصول على مطلوباتها بطريق خلاف طريق الحجز العادي المنصوص عليه في قانون المرافعات لذلك فهو قانون استثنائي بحيث لا يصح التوسع فيه وقد أجازت المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 25 مارس سنة 1880 سالفة الذكر لتوقيع الحجز الإداري على الحاصلات وخلافها القائمة على العين المستحقة عليها الرسوم أو على العين نفسها وقياساً على ذلك وتطبيقاً لظروف الدعوى الحالية فإن مصلحة الحجر الصحي لو كانت أوقعت الحجز الإداري على رسالة الجلود فإن حقها في ذلك ما كانت تشوبه شائبة وقد أجازت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون رقم 76 سنة 1943 لرئيس مكتب الحجر الصحي عدم الترخيص بالسفر للسفينة أو المركب أو الطائرة وعدم الإفراج عن البضائع أو الأمتعة المفروض عليها الرسوم لحين دفعها - والقصد من ذلك تمكين الحجز الإداري على نفس الأشياء المستحقة عليها الرسوم وهو إجراء آخر لإمكان التنفيذ فلو جاز الحجز الإداري على أشياء أخرى للحصول على رسوم أميرية مستحقة لأمكن بيان ذلك - ولذلك فقد كان لزاماً على مصلحة الحجر الصحي أن تستصدر أمر حجز قضائي وفقاً للطريق الذي رسمه قانون المرافعات. وحيث إنه يتبين مما تقدم أن الحجز الإداري المتوقع من مصلحة الحجر الصحي على رسالة الصوف حجز في غير محله لوقوعه على بضائع خلاف تلك التي استحق عليها الرسوم المنفذ بها ولذلك يتعين إلغاء الحجز الإداري على رسالة الصوف مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف المناسبة" ومردود ثانياً بأنه لا تلازم بين الحجز الإداري الذي يحق للحكومة توقيعه عملاً بالمادة الخامسة من القانون رقم 76 لسنة 1943 التي تحيل على الأمر العالي الصادر في 25 من مارس سنة 1880 وفاء للرسوم الصحية ورسوم الحجر الصحي المستحقة لها بموجب القانون المشار إليه، وبين حق الامتياز المقرر لها على جميع أموال المدين وفقاً للمادة 601 من القانون المدني (القديم) إذ لكل منهما شروطه ومجال تطبيقه، ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق