حكم المحكمة الادارية العليا
في الطعن رقم 27412 لسنة 52 قضائية عليا بجلسة 3/4/2010
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
دائرة توحيد المبادئ
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 3/4/2010م.
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد أحمد الحسيني ...... رئيس مجلس الدولة و رئيس المحكمة
وعضـوية السادة الأســاتذة المستشارين / أحمد شمس الدين خفاجي ومحمد منير السيد جويفل والسيد محمد السيد الطحان ورمزي عبدالله محمد أبو الخير وغبريال جاد عبد الملاك وأحمد أمين حسان وأدوارد غالب سيفين والصغير محمد محمود بدران وعصام عبد العزيز جاد الحق ويحيي أحمد راغب دكروري. .......... نواب رئيس مجلس الدولة
بحضور السيد الأستاذ المستشار / مصطفي حسين السيد أبو حسين ......... نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب رمسيس ...... سـكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن رقم 27412 لسنة 52 القضائية عليا
المقام من : .....................
ضــــد
رئيس الجمهورية ..........بصفته.
وزير العدل ..................بصفته.
رئيس مجلس الدولة......بصفته.
الإجراءات
في يوم الخميس الموافق 6/7/2006 أودع الأستاذ / ...... المحامي نائباً عن الأستاذ / ...... بصفته وكيلاً عن الطاعن ، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 27412 لسنة52ق.ع ، مختصماً فيه المطعون ضدهم بصفاتهم ، وانتهي إلي طلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية الرقيم 27 لسنة2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها تعيينه في هذه الوظيفة مع أقرانه ، وتنفيذ الحكم بمسودته ودون إعلان.
وذكر الطاعن شرحاً لطعنه انه حاصل على ليسانس الشريعة والقانون من جامعة الأزهر في دور مايو 2004 بتقدير عام جيد جداً ، وأنه في خلال شهر يوليو2005 أعلن في الصحف عن تعيين مندوبين مساعدين بمجلس الدولة ، ونظراً لتوافر الشرائط المتطلبة فيه تقدم بطلبه وأجريت المقابلة الشخصية معه، وفي 18/1/2006 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة2006 خالياً من اسمه فبادر بالتظلم عنه في 19/2/2006 وقيد برقم 408 ولم يتلق رداً ، فلجأ إلي لجنة توفيق المنازعات وقيد طلبه برقم 209 لسنة2006 وأصدرت توصيتها في 25/6/2006 بإحالة الطلب إلي أمين عام مجلس الدولة لاتخاذ ما يراه في شأنه ، فأقام طعنه الماثل ناعياً على القرار الطعين مخالفته لأحكام قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة1972 ، حيث أن جميع الشرائط المتطلبة للتعيين متوافرة في حقه ، فهو حاصل على تقدير تراكمي جيد جداً بنسبة مقدارها 83.5% بمجموع درجات 1085من 1300 درجة وهو ما يعلو على بعض أقرانه ممن شملهم القرار ، وهو ما يشكل إخلالاً بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص ومن ثم خلص إلي طلباته السالفة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلي قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الطعين فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة
وقد حدد لنظر الطعن أمام الدائرة السابعة ( موضوع ) بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 13/5/2007 وتم تداوله بجلسات المحكمة على النحو الموضح بمحاضرها ، وبجلسة 19/10/2008 تقرر حجز الطعن للحكم بجلسة 23/11/2008مع مذكرات خلال أسبوعين ، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 28/12/2008 لإتمام المداولة ، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إحالة الطعن إلي دائرة توحيد المبادئ المشكلة بموجب المادة ( 54مكرراً ) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة1972 للعدول عن المبدأ الذي قررته الأحكام السابق صدورها من المحكمة الإدارية العليا من عدم الأخذ بقرينة النكول في الطعون المتعلقة بقرارات التعيين في الهيئات القضائية عند عدم تقديمها لمحاضر المقابلات الشخصية ، اكتفاء بما قررته الهيئة القضائية المطعون ضدها من أسباب في دفاعها من عدم اجتياز الطاعن للمقابلة حتى لا تحل المحكمة محل تلك اللجان في التقييم ولآن الأخذ بهذه القرينة يأباه النظام القضائي ويتعارض معه ، وسوف يترتب عليه تعيين كافة الطاعنين . بينما ذهبت تلك الدائرة إلي أنه لا يجوز طرح قرينة النكول في مثل هذه الحالات والأخذ بها في الحالات أخري سيما وأن المستندات الدالة على اجتياز أو عدم اجتياز المقابلة الشخصية لا توجد إلا لدي جهة الإدارة ويستحيل على الطاعن تقديمها أو الحصول عليها.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة بدائرة توحيد المبادئ تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلي ترجيح الاتجاه الذي يؤيد الأخذ بالتسليم بطلبات المدعي استناداً إلي نكول جهة الإدارة عن تقديم محاضر المقابلات الشخصية التي تجريها اللجان المختصة بالجهات القضائية مع المتقدمين لشغل وظائف قضائية .
وحدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 11/4/2009 وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها ، وبجلسة 6/2/2010 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 6/3/2010 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة ، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات ، وبعد المداولة .
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعن أقام طعنه الماثل بتاريخ 6/7/2006 طالباً في ختامه الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة مع مايترتب على ذلك من أثار أخصها تعيينه في هذه الوظيفة مع تنفيذ الحكم بمسودته ودون إعلان.
ومن حيث إن مقطع النزاع – حسبما ارتأته الدائرة السابعة عليا عند إحالة هذا الطعن إلي هذه الدائرة – يدور حول الأخذ أو عدم الأخذ بقرينة النكول في الطعون المتعلقة بقرارات التعيين في الوظائف القضائية عند عدم تقديم الجهة الإدارية لمحاضر المقابلات الشخصية التي تجريها اللجان المختصة بالهيئات القضائية مع المتقدمين لشغل تلك الوظائف ، حيث ذهبت تلك الدائرة إلي الأخذ بقرينة النكول في هذه الطعون، وهو ما يتعارض مع أحكام سابقة تري عدم الأخذ بهذه القرينة ، ومن ثم العدول عن ذلك.
ومن حيث إن البين مما سبق أن هناك اتجاها في أحكام المحكمة الإدارية العليا ذهب إلي عدم الأخذ بقرينة النكول في الطعون المشار إليها عند عدم تقديم أو إيداع الهيئة القضائية المعنية لمحاضر المقابلات الشخصية التى أجريت مع المتقدمين لشغل الوظائف القضائية سواء كان ذلك نتيجة صعوبة تقديمها أو العثور عليها لكثرتها بالنسبة إلي مجموع المتقدمين ، والاكتفاء في هذه الحالات بما ذكرته الهيئة القضائية المطعون ضدها من أسباب في دفاعها ، لأن القول بغير ذلك يؤدي إلي حلول المحكمة محل تلك اللجان في التقييم والتسسليم بما يقرره الطاعن عن كفايته للتعيين وهو ما يأباه نظام التعيين بالوظائف القضائية ويتعارض معه لكونها ذات طبيعة خاصة ( الأحكام الصادرة بجلسات 29/1/2006 في الطعنين رقمي 6533 لسنة48ق.ع و 7663 لسنة48ق.ع ، و15/1/2006 في الطعن رقم 6901 لسنة48ق.ع ، و 8/1/2006 في الطعنين رقمي 6933 لسنة 48ق.ع و 9263 لسنة48ق.ع ) وهو الاتجاه المطلوب العدول عنه.
ومن حيث إن المادة (1) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25لسنة1968 تنص على أن : " على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه " وبذلك حددت القاعدة العامة في الإثبات ، وهي تحمل المدعي عبء إثبات ما يدعيه أي إثبات الواقعات التي يترتب عليها الآثار القانونية المتنازع عليها ، وهذه القاعدة قوامها ، التكافؤ والتوازن بين طرفي الخصومة فكل منهما في ذات المركز القانوني وبمكنته إثبات ما يراه بكل وسائل الإثبات وللأخر أن يدرأ عن نفسه كل ما ينسب إليه أيضاً بذات الوسائل . ولئن كانت هذه هي القاعدة العامة في الإثبات ، بيد أن الأمر يختلف في القضاء الإداري، لأن الجهة الإدارية وهي الطرف في كل دعوى إدارية تحوز وتمتلك أدلة الإثبات، وفي الأغلب الأعم تكون في مركز المدعي عليه في الدعاوى الإدارية ، في حين يقف الطرف الأخر وهو المدعي أعزل من هذه الأدلة ، الأمر الذي يفتقد معه التوازن والتكافؤ المفترض بين أطراف الدعوى الإدارية ، وهو ما يجعل عبء الإثبات في الدعاوى الإدارية ينتقل إلي المدعي عليه وهي الجهة الإدارية ، وبات عليها إثبات عدم صحة الواقعات الواردة بعريضة الدعوى أو الطعن ، بينما يكتفي المدعي بالقول بوجودها وتأكيدها ، ويترتب على ذلك أن إذا ما تقاعست الجهة الإدارية عن تقديم الأوراق والمستندات الدالة على نقى ادعاء المدعي ، فإن هذا يكون قرينة على صحة ما يدعيه رافع الدعوى إذا ما أكدتها شواهد وقرائن أخري من الواقع وصحيح حكم القانون ، وهنا يبرز الدور الايجابي للقاضي الإداري وإمكاناته في تقصي الحقيقة محافظاً على حياده ، فلا يحل محل أحد طرفي المنازعة ولا ينحاز لأي منهما في هذا الخصوص .
ومن حيث إنه قد سبق لهذه الدائرة في حكمها الصادرين بجلستهما المعقودة في 6/5/2004 في الطعنين رقمي 12414 لسنة46ق.ع و 5850 لسنة47 ق.ع أن ذهبت إلي أن لجان المقابلات الشخصية " لم تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توافر أو عدم تلك الأهلية ، كما لم تتقيد بأي ضوابط أخري ، وبالتالي فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدها سوي استهداف المصلحة العامة ، وليس من شك في أن القول بغير ذلك إنما يؤدي إلي إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة وحلول المحكمة محلها بناء على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدي توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة ، وتلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي ، ومبدأ الفصل بين السلطات ، وإذا كانت المهمة التي أسندت إلي اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة ، فإن ذلك لا يعني حتماً أنها مارست عملها دون ضوابط أو معايير فلا جدال في إنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية بسياج منيع من المعايير الدقيقة والقيم الرفيعة والضوابط القاطعة والصفات السامية والخصال الحميدة وهي أركان لا تخضع للحق في عناصر ثوابتها أو القصر على أسس بعينها دون غيرها لأنها تستخلص بين الوسط الذي ينتمي إليه المتقدم للوظيفة وشخصيته ... ولا وجه للقول بأن السلطة التقديرية للجان المقابلة تعد امتيازاً يتعيين الحد منه برقابه قضائية حاسمة ، ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجب يستهدف الصالح العام باختيار أكفأ العناصر وأنسبها وهو أمر سيبقي محاطاً بإطار المشروعية التي تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها وذلك بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوي ، وفضلاً عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين حق كل من توافرت فيه الشروط العامة لشغل الوظائف القضائية وبين فاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره ، فلا يتقلد وظائفه إلا من توافرت له الشروط العامة وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التى تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل ، ومن ثم فإنه إذا اتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدي أهليته في تولي الوظيفة القضائية والمشكلة من قمم الجهة التي تقدم لشغل أحدي وظائفها ، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الذي تخطاه في التعيين سوي التمسك بعيْب الانحراف عن المصلحة العامة وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب".
ومن حيث إن البين من مطالعة الحكمين السابقين ، أن لم يشترط شكلاً معيناً لإجراء المقابلة الشخصية فليس يلازم أن يكون هناك محضراً مكتوباً ، بل يكفي أن تتاح للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المعنية لتقيميه والحكم على مدي صلاحيته لشغل الوظيفة القضائية التي يتقدم لشغلها ، ومن ثم فإن المحكمة أن تستوثق من إتاحة الفرصة للمتقدم للمثول أمام اللجنة لتحديد مدي توافر الأهلية المتطلبة لشغل الوظيفة دون تعقيب عليها طالما أنها تغيت الصالح ، وإثبات عدم التزامها الصالح العام لا شك تقع على عاتق المدعي ، كذلك فأن الحكمين المشار إليهما لم يتضمن أي منهما أن السبيل الوحيد للفصل في الدعوى هو محضر المقابلة وبغيره يستكمل الفصل فيها ، بل أن محضر المقابلة هو أحد العناصر التي يستند إليها في التقييم ، فإذا ما حوت الدعوى من الأوراق ما يمكن المحكمة من الفصل فيها ، فعليها أن تفصل فيها دون أن تتذرع بقرنية النكول لعدم تقديم محضر المقابلة الشخصية من جانب الجهة الإدارية ، لأن لجنة المقابلة في هذه الحالة بما تملكه من سلطة تقديرية في وضع ما تراه من ضوابط لاختيار أصلح المتقدمين لشغل الوظائف القضائية بحسبان أنها الأقدر على ذلك أنه لا يحدها فيه سوي مراعاة الصالح العام – تكون قد تخلت وتنازلت عن حقها في إقامة الدليل على سلامة قرارها الطعين ، وتعود للمحكمة سلطتها في تقييم القرار في ضوء باقي أوراق الدعوى ومستنداتها وما تبديه الجهة الإدارية في مذكراتها وتقدمه من مستندات وكذا ما يقدمه المدعي من مذكرات ومستندات لتنزل حكمها وفق عقيدتها على ضوء ذلك كله.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم فأن قرينة النكول لا تجد مجالاً لها ، إلا إذا كان المستند الذي لم يقدم في الدعوى هو المستند الوحيد المؤثر واللازم للفصل في الدعوى ، وفي هذه الحالة يتم التسليم بطلبات المدعي ، إما إذا طويت أوراق الدعوي على مستندات وأوراق تمكن المحكمة من إنزال حكم القانون عليها فإن تقاعس الجهة الإدارية عن تقديم أي مستند غير منتج وحده لا يعد نكولاً يفسر لصالح المدعي ، بل يتعين أن تفصل المحكمة في الدعوي ضوء باقي الأوراق والمستندات الأخرى الموجودة بملفها .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بترجيح الاتجاه السائد في أحكام المحكمة الإدارية العليا ، والذي من مقتضاه عدم الأخذ بقرينة النكول في الطعون الخاصة بقرارات التعيين في الوظائف القضائية إلا إذا كان المستند الذي لم يقدم في الدعوى هو المستند الوحيد المؤثرة واللازم للفصل في الدعوى ، وذلك على النحو الوارد بالأسباب ، وأمرت بإعادة الطعن إلي الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هدي ما تقدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق