الطلب رقم 1 لسنة 2020 - هيئة توحيد المبادئ القضائية
الاتحادية والمحلية
بالجلسة المنعقدة بتاريخ 7/ 7/ 2021
برئاسة المستشار محمد بن حمد البادي رئيس الهيئة وعضوية السادة
المستشارين القضاة شهاب عبد الرحمن الحمادي ومحمد عبد الرحمن الجراح وعبد العزيز
يعكوبي والمبارك العوض حسن وسعد محمد زويل وعمر يونس جعرور وعلي عبد الفتاح جبريل
وأحمد مصطفى أبو زيد
------------------
1 - مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين
مبدأين قضائيين نهائيين في المسألة الواحدة أن يكون أحد المبدأين صادراً عن
المحاكم العليا في الدولة أياً كان مسماها سواء محكمة نقض أم تمييز أم عليا والآخر
صادراً من جهة أخرى من ذات المحاكم أو أكثر بحيث يكون المبدأن قد تصادما بما يتعذر
تغليب أحدهما على الأخر واجتماع تنفيذها معاً يستوجب أن تتولى الهيئة حسم هذا
التعارض بالمفاضلة بين المبدأين أو التوفيق بينهما من حيث الأثر القانوني على
المنازعات المتعلقة بين المبدئين المتعارضين، وينتفي هذا المناط إذا كان المبدأن
صادرين عن جهة قضائية واحدة. مما مؤداه: بأن المحكمة العليا لهذه الجهة وحدها هي
التي تكون لها ولاية الفصل في التعارض وفقاً للقواعد الإجرائية المعمول بها في
نطاقها، حيث تتولى المحكمة بتلك الجهة إقرار أحد المبدأين المتعارضين أو العدول عن
مبدأ مستقر وإصدار مبدأ أخر يخالفه.
2 - مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح
النزاع في المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع بصفة
صريحة أو ضمنية في المنطوق أو في الأسباب المرتبطة بالمنطوق في مسألة أساسية بعد
أن تناقض فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقراراً جامعاً يمنع ذات الخصوم
والمحكمة من العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو
واقعية لم يسبق إثارتها.
3 - الحكم الصادر قبل البائع ببطلان سند
ملكيته على العقار المبيع بعد تسجيل عقد البيع باعتباره غير مالك للمبيع لا يعتبر
حجة على المشتري الذي سجل عقد شرائه قبل صدور الحكم بالبطلان السالف بيانه ولم
يختصم في الدعوى باعتبار أن دعوى البطلان لا تنتج أثرها بالنسبة إلى الغير الذي
تلقى حقاً على الشيء موضوع التصرف الباطل ألا إذا تم إدخاله في الدعوى كخصم حقيقي.
فإن لم يخصتم فيها فإن الحكم بالبطلان حال صدوره ينتج أثره فيما بين طرفي الخصومة
فقط، ولا يمتد أثره إلى الغير الذي لم يكن طرفاً في العقد الباطل منذ نشأته، لكنه
تلقى من أحد المتعاقدين (المتصرف أليه) حقاً على الشيء محل العقد الذي تقرر
بطلانه، وهو على خلاف الأصل في أن العقد الباطل في حكم العدم ويؤدي بطلانه إلى
زوال آثاره كلها بما يقتضي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام
العقد. مما يعبر عنه بالأثر الرجعي للبطلان، ولا يقتصر على طرفيه بل يسري أثره حتى
على الغير.
4 - الأخذ بفكرة البطلان المطلق في العقود
وامتداد أثرها إلى الغير يؤدي إلى زعزعة استقرار المعاملات ويتعارض مع مبدأ ضرور
حماية من اطمأن إلى ظهر له من تصرف صحيح تلقى من صاحب الحق واعتقد بحسن نية
بمطابقته للحقيقة الظاهرة فتعامل على أساسه، لإن إبطال العقود التي أبرمت على اساس
هذا الظاهر وإزالة ما يترتب عليها من آثار من وقت إبرامها سيؤدي حتماً إلى اضطراب
المعاملات وعدم استقرارها، فضلاً عن ان العدالة ومقتضيات الثقة في المعاملات
وحمايتها تقتضي حماية الأغيار حسني النية من مغبة عقود سلفهم الذي تعاقدوا معهم
بعد أن اطمأنوا واعتقدوا بصحة تلك العقود، وأن المصلحة العامة تقتضي منحهم هذه
الحماية لما فيه من رعاية للائتمان العام والاعتداد بالثقة المشروعة التي يعتمد
عليها الناس في معاملاتهم، وتجد هذه الحماية سندها في أن بطلان العقد من لا يمنع من
وجوده وجوداً واقعياً، إذ ينشئ العقد رغم بطلانه وضعاً ظاهراً يتعامل الناس على
أساسه متوهمين بحسن نية كونه عقداً صحيحاً قانونياً طالما لم ينسب إليهم أي خطأ أو
تقصير في هذا الاعتقاد.
5 - المظهر الواقعي المخالف للقانون بالنسبة
للعقد الباطل ينبغي أن يتولد عنه بالنسبة للغير حسن النية نفس الآثار التي كانت
تتولد عنه لو استجمع العناصر التي تحقق له الوجود القانوني الصحيح أخذاً بنظرية
الأوضاع الظاهرة مما يببر حمال الغير حال تملكه للشيء محل التصرف الباطل من خلال
تعاقده مع صاحب الوضع الظاهر المخالف للحقيقة متى توافر حسن النية لديه (أي
الغير)- ولئن كانت نظرية الأوضاع الظاهرة لم ينص عليها صراحة أو ضمناً في قانون
المعاملات المدنية، إلا أنه يمكن الأخذ بها استناداً إلى مقتضيات المصلحة
والعدالة، إذ طبقاً للمادة (1) من هذا القانون تعتبر قواعد العدالة والمصلحة
مصدراً للقاعدة القانونية وذلك بعد التشريع والعرف ومبادئ الشريعة الإسلامية.
6 - مؤداه: أن التصرف المبرم بين صاحب الوضع
الظاهر والغير حسن النية يعد نافذاً في مواجهة صاحب الحق بمظهر صاحبه مما يدفع
الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد
الاعتقاد الشائع لدى الكافة بمطابقة هذا المظهر للحقيقة دون أن يرتكب هذا الغير
خطأ أو تقصيراً في تحري الحقيقة والوقوف عليها، ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة
تقدير الأدلة وفهم الواقع في الدعوى استخلاص تلك الشواهد ومدى إسهام صاحب الحق في
قيامها والجهد الذي بذله المتعاقد مع صاحب المركز الظاهر في استطلاع حقيقة هذا
المظهر.
7 - من المقرر أن ملكية العقار لا تنتقل ولا
الحقوق العينية العقارية الأخرى بين المتعاقدين وفي حق الغير إلا بالتسجيل وفقاً
لأحكام القوانين الخاصة به، وأن عدم تسجيل التصرفات التي من شأنها حق ملكية أو حق
عقاري أخر أو نقله أو تغييره أو زواله- ومنها عقد بيع العقار- يترتب عليه أن تلك
الحقوق لا تنشأ ولا تنتقل بين ذوي الشأن ولا بالنسبة للغير ولا يكون للعقود غير
المسجلة من الاثر سوى الإلتزامات الشخصية بين المتعاقدين، فإذا ما تم التسجيل
صحيحاً فإن المتصرف إليه تكون قد انتقلت إليه ملكية العقار وتكون له سلطة المالك
في التصرف في ملكه وتصبح تصرفاته نافذة في حق الغير من تاريخ التسجيل، وبالتالي
فلا يحاج المشتري بالحكم الذي يصدر ضد البائع بخصوص العقار المبيع متى كان تسجيل
البيع سابقاً على هذا الحكم وذلك رغبة في حماية الغير حسن النية متى كان قد تلقى
حقاً عينياً على عقار تم تسجيله قبل الحكم، ويكون التسجيل حجة في مواجهة الكافة
ولا يجوز الطعن في بياناته إلا إذا كان نتيجة غش أو تزوير، وتكون ملكية العقار قد
انتقلت إلى المشترين بأمرين متلازمين أحدهما يستند إلى الآخر هما التصرف الصحيح
الناقل للمكية، والتسجيل المستند إلى هذا التصرف الصحيح. أثره:
حجية عقد بيع المشتري حسن النية قبل الورثة.
---------------
الهيئة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص والمداولة.
حيث إن الوقائع- على ما يبين من الطلب وسائر الأوراق- تتحصل في أن
.... في غضون عام 2006 قام مع والده .... حال حياته بتأسيس "شركة ...."
ذات مسؤولية محدودة بغرض الاستثمار العقاري وإدارة ثروته العقارية، وقد تم توزيع
حصص الشركة في عقد التأسيس بحيث اختص .... بنسبة 99% من الأسهم، بينما اختص ابنه
.... بنسبة 1%.
قام المورث بتحرير وكالتين لصالح ابنه المذكور لمباشرة أعمال الإدارة
والتصرف الأولي بتاريخ 22/ 12/ 1999، والثانية بتاريخ 26/ 3/ 2006.
قام .... وفي الفترة من عام 2006 حتى عام 2011 بنقل أمواله بجميع
عناصرها وصورها بطريق الهبة إلى الشركة المذكورة آنفة لتصبح ضمن أصولها العقارية،
كما تم نقل البعض منها إلى ذمة .... الشخصية، وقد قام الأخير بموجب الوكالة
الصادرة لصالحه بتعديل الحصص الواردة في عقد الشركة بحيث أصبح يمتلك 25% من حصص
الشركة، بينما يمتلك والده نسبة 75%.
ثم قام بتعديل العقد مرة أخرى بحيث أصبح يمتلك نسبة 76% من أسهمها،
بينما يمتلك والده نسبة 24%، وبعد ذلك قام .... ببيع أسهمه في شركة .... بحيث أصبح
لا يمتلك فيها أي نسبة من أسهمها.
أقام أبناء ....- حال حياته- بعد علمهم بهذه التصرفات الدعوى رقم ...
لسنة ... مدني كلي أبو ظبي بطلب وقف العمل بالوكالات الممنوحة من والدهم إلى
شقيقهم المذكور وإبطال تصرفات الهبة التي قام بها الأخير على سند من الأمر السامي
الذي اصدره الشيخ زايد رحمه الله بالتسوية في الهبات بين الأولاد والزوجات حال
حياة الواهب، ونص المادة (62/ 2) من قانون الأحوال الشخصية التي تنص على أنه
"تجب التسوية في الهبة وما في حكمها بين الأولاد وبين الزوجات ما لم تكن
مصلحة يقدرها القاضي، فإن لم يسو سوى القاضي بينهم واخرجها من التركة".
وقد قام شقيقهم ببيع عقار تجاري عبارة عن .... واستولى على ثمن المبين
وادخله في ذمته، وبيع مجمع سكني في إمارة .... واستعمال تلك الأموال في شراء فندق
.... باسمه بقيمة 46 مليون يورو، كما قام باثقال العقارات برهون تجاوزت مئات
الملايين، وكانت أغلب العقارات المملوكة لوالدهم قد آلت إليه بطريق المنح من حاكم
إمارة أبو ظبي وبقية حكام الإمارات، إلا إنه قام بنقل ملكيتها إلى ولده .... بطريق
الهبة دون موافقة الجهات المانحة مما تكون معه هذه الهبات باطلة، لذا أقاموا
دعواهم بوقف وإلغاء العمل بالوكالتين الصادرتين لصالح شقيقهم وإبطال جميع الهبات
والتصرفات الواردة في الأملاك التي وهبها المورث لشركة .... إضرارا بحقوقهم مع رد
العقارات والمبالغ النقدية إلى ذمة والدهم.
وبتاريخ 28/ 11/ 2012 توفى .... فتم تصحيح شكل الدعوى وإدخال خصوم
جدد، وبتاريخ 30/ 4/ 2013 اصدر سمو رئيس دائرة القضاء بإمارة أبو ظبي قرارا بتشكيل
هيئة قضائية خاصة للنظر في جميع النزاعات والخلافات المثارة بين ورثة ....
المرفوعة من أحد الورثة أو بعضهم ضد الورثة الآخرين سواء كانت محل نزاع قضائي مثار
حاليا أم لم يسبق إثارتها أمام المحاكم.
وبتاريخ 10/ 12/ 2013 قضت الهيئة القضائية المشكلة بمحكمة استئناف أبو
ظبي في الدعوى رقم .... لسنة .... مدني أبو ظبي ببطلان الهبات المنصبة على مجموعة
من أملاك المورث وعددها (22) عقارات وتوزيعها على الورثة وفق الفريضة الشرعية، على
سند أن هذه الهبات قصد بها التحايل على أحكام الميراث إذا استفاد منها أحد الورثة
وهو ابنه.
وأقام الورثة الدعوى رقم ... لسنة ... لتنفيذ الحكم المشار إليه.
استشكل واضعو اليد على بعض العقارات في الحكم المراد تنفيذه، فاصدر
قاضي التنفيذ قراره برفض التنفيذ بالنسبة للعقارات التي تم تصرف فيها، مما حدا
بالوارثين .... إلى إقامة دعاوى ضد حازي العقارات المقضي ببطلان جميع التصرفات
المتعلقة بها، ومن بينها تلك الدعاوى:-
أولا: الدعوى رقم ... لسنة ... تجاري كلي الشارقة ضد المدعو .... حائز
القطعة رقم ... بمنطقة .... بطلب الحكم ببطلان التصرف فيها.
وبتاريخ 30/ 7/ 2019 حكمت محكمة الشارقة الابتدائية برفض الدعوى،
تأسيسا على أن المشتري لم يختصم في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي بإبطال
التصرف بالهبة.
استأنف المدعيان هذا الحكم أمام محكمة استئناف الشارقة بالاستئناف رقم
... لسنة ... مدني، ومحكمة الاستئناف قضت بالتأييد.
طعن على هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة ... تجاري،
وبتاريخ 12/ 5/ 2020 قضت المحكمة الاتحادية العليا بنقض الحكم المطعون فيه
والإحالة، تأسيسا على أنه يترتب على بطلان العقد إعادة الحالة إلى ما كانت عليه
قبل التعاقد، وهو أن يرد كل من طرفي العقد ما تسلمه من الطرف الآخر، لأن احتفاظه
به يكون دون وجه حق، وأن الملكية تنتقل بأمرين أحدهما أصلي وأساسي وهو العقد
الصحيح الناقل للملكية، والثاني تبعي ومكمل وهو التسجيل، فإذا انعدم الأصل فلا
يغني عنه المكمل وبالتالي فالعقود الباطلة لا يصححها التسجيل الذي لا يحول دون
الطعن في العقد بإنه باطل ومعدوم وأنه غير نافذ في حق الغير.
وعابت المحكمة الاتحادية العليا على الحكم المنقوض إنه لم يفطن إلى أن
الدعوى رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي رفعت من ورثة .... ضد مورثهم الواهب وشركة
... وشقيقهما .... الموهوب له بطلب إبطال كافة الهبات والتنازلات التي أتاه المورث
لصالح الشركة المذكورة والشقيق بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال
الشخصية والنظام العام وقانون المعاملات المدنية، ولم يكن موضوع الدعوى رجوعا عن
الهبة من طرف الواهب عملا بالمادة (646) من القانون الأخير، ويكون من أثر ذلك وفقا
لأحكام المادتين (210، 275) من هذا القانون أصبح الورثة هم الملاك الحقيقيين
للقطعة محل النزاع، ويمتد أثر هذا البطلان إلى الغير ... الذي انتقلت له الشركة
الموهوب لها ملكية الأرض بموجب عقد البيع المؤرخ 23/ 7/ 2009، ورتبت المحكمة على
ذلك أن تصرف الموهوب لها بالبيع غير نافذ في حق المالكين الحقيقيين- الورثة- ولو
قام الغير- المشتري- بتسجيل عقد البيع في السجل العقاري لأن التسجيل لا يصحح العقد
الباطل، ولا ينال من ذلك حسن النية الذي أوردها لحكم المنقوض والذي- أيا كان وجه
الرأي فيها- يضحى غير منتج.
ثانيا: الدعوى رقم ... لسنة ... مدني كلي أبو ظبي ضد .... بطلب الحكم
بعدم نفاذ عقد البيع المحرر بينه وبين الشركة .... الموهوب لها بخصوص العقار رقم
(205)، وإلزامه برده وتسليمه خاليا من الشواغل لورثة ....، وتكليف المدعى عليها
.... بمحو قيد الملكية من إدارة تسجيل العقارات وإعادة قيده باسم الورثة استنادا
إلى الحكم الصادر في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي.
وبتاريخ 27/ 10/ 2019 حكمت محكمة أبو ظبي الابتدائي برفض الدعوى،
تأسيسا على أن واضع اليد على العقار محل التداعي من الغير حسن النية، وقد تأيد هذا
القضاء بالاستئناف رقم ... لسنة ... مدني أبو ظبي.
طعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم ... لسنة ... مدني، وبتاريخ
30/ 6/ 2020 قررت محكمة النقض في غرفة مشورة بعدم قبول الطعن على سند من أن قانون
المعاملات المدنية لم ينص على الحالة التي يقع فيها الشيء في يد من انتقلت إليه
بعقد صحيح إذا كان حسن النية وغير عالم بالبطلان الذي شاب العقد السابق عليه، وكان
المشتري .... وهو حسن النية بحسب الأصل قد اشترى العقار سالف البيان استنادا إلى
ملكية البائعة له المسجلة لدى دائرة البلدية وتم تسجيل عقد شرائه وكان ذلك قبل
إقامة الدعوى رقم ... لسنة ... ببطلان الهبات، ومن ثم فلا يعد هذا الحكم حجة على
المشتري عملا بنسبية الأحكام وتكون ملكية العقار قد انتلقت بأمرين متلازمين أحدهما
يستند إلى الأخر هما التصرف الصحيح الناقل للملكية والتسجيل المستند إلى هذا
التصرف الصحيح.
وقد أسفر عن الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم
... لسنة ... تجاري، والحكم الصادر من محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن رقم ... لسنة
... مدني، صدور مبدأيين متعارضين حول مسألة واحدة ذلك أن الحكم الأول اعتبر الحكم
الصادر في الدعوى رقم ... لسنة ... مدني ببطلان الهبات الصادر من الواهب إلى أحد
ابنائه لا يعدو أن يكون حكما كاشفا وليش منشئا، ومن ثم يمتد اثر البطلان إلى التصرفات
التي أبرمها الموهوب إليه مع الغير حتى ولو تم تسجيل عقده، لأن التسجيل لا يصحح
العقد الباطل.
بينما الحكم الثاني لم يعتد بالأثر الرجعي لبطلان الهبات في حق الغير،
تأسيسا على أن الغير حسن النية وعقده صحيح وأن الملكية انتقلت إليه بالتسجيل.
وعلى أثر هذا التعارض بين المبدأين السالفين تقدم النائب العام بطلب
إلى هيئة توحيد المبادئ القضائية
الاتحادية والمحلية بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بالمحكمة الاتحادية
العليا بتاريخ 18/ 10/ 2020 قيدت برقم (1 لسنة 2020- هيئة توحيد المبادئ) طلب في
ختامها النظر في التعارض السالف بيانه.
وحيث أن الهيئة تنوه ابتداء إلى أن نص المادة (15) من القانون
الاتحادي رقم (10 لسنة 2019) بشأن تنظيم العلاقات القضائية بين السلطات القضائية
الاتحادية والمحلية على أن "تختص الهيئة بتوحيد المبادئ القضائية المتعارضة الصادرة من محكمتين أو أكثر من المحاكم العليا في
الدولة، كما تختص بالنظر في طلبات العدول عن مبدأ سابق لها أن قررته وفقا
للإجراءات المحددة في المادة (16) من هذا القانون". يدل على
أن مناط قبول طلب الفصل في التناقض بين مبدأين قضائيين نهائيين في المسألة الواحدة
أن يكون أحد المبدأين صادرا عن المحاكم العليا في الدولة أيا كان مسماها سواء
محكمة نقض أو تمييز أو عليا، والآخر صادر من جهة أخرى من ذات المحاكم أو أكثر،
بحيث يكون المبدآن قد تصادما بما يتعذر تغليب أحدهما على الآخر واجتماع تنفيذها
معا، مما يستوجب أن تتولى الهيئة هذا التعارض بالمفاضلة بين المبدأين أو التوفيق
بينهما من حيث الأثر القانوني على المنازعات المتعلقة بين المبدأين المتعارضين.
وينتفي مناط قبول الطلب إذا كان المبدأين صادرين من جهة قضائية واحدة
فأن المحكمة العليا لهذه الجهة وحدها هي التي تكون لها ولاية الفصل في التعارض
وفقا للقواعد الإجرائية المعمول بها في نطاقها، حيث تتولى المحكمة بتلك الجهة
إقرار أحد المبدأين المتعارضين أو العدول عن مبدأ مستقر وإصدار مبدأ آخر يخالفه.
لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا
في الطعن رقم ... لسنة ... تجاري، والحكم الصادر من محكمة النقض بأبو ظبي في الطعن
رقم ... لسنة ... مدني، أن الحكمين أصدرا مبدأين قضائيين متعارضين حول مسألة واحدة
على النحو المبين في المساق المتقدم، مما ينعد معه الاختصاص لهيئة توحيد المبادئ القضائية الاتحادية والمحلية بنظر طلب النائب العام بخصوص هذا التعارض،
على ألا يمتد اختصاص الهيئة إلى بحث أوجه النزاع الموضوعية بين الخصوم والفصل فيه.
وحيث أن الهيئة وقبل الفصل في التعارض بين المبدأين المتعارضين على
النحو السالف بيانه- تنوه ابتداء إلى أن هناك مسألة أساسية لازمة يتوقف عليها
الفصل في التعارض وهي مدى سريان الحكم الصادر ببطلان الهبات الصادرة من المورث حال
حياته بأثر رجعي في حق المشتري حسن النية بموجب عقد بيع مسجل وما رتبه من استحقاق
المبيع وحجية هذا العقد قبل الورثة، فإن المستقر عليه- وعلى ما جرى عليه نص المادة
(49) من قانون الاثبات - أن مناط حجية الحكم المانعة من إعادة طرح النزاع في
المسألة المقضي فيها بين الخصوم أنفسهم أن يكون هذا الحكم قد قطع بصفة صريحة أو
ضمنية في المنطوق أو في الأسباب والمنطوق المرتبطة بالمنطوق في مسألة أساسية بعد
أن تناقش فيها الطرفان واستقرت حقيقتها بينهما استقرارا جامعا يمنع ذات الخصوم
والمحكمة من العودة إلى مناقشة ذات المسألة التي فصل فيها ولو بأدلة قانونية أو
واقعية لم يسبق إثارتها، ومؤدى ذلك أن أثر حجية الحكم الصادر ببطلان الهبات
الصادرة من المورث .... يكون مقصورا على من كان طرفا في هذا الحكم، بما يترتب عليه
بقاء العقارات والأعيان على ملك المورث وينسحب الحكم بأثر رجعي إلى وقت نشوء عقد
الهبة ولا يمتد هذا الأثر ولا يعتد بحجية الحكم في شأن التصرفات التي أبرمها
المورث في صحته لصالح الغير مثل البيع أيا كانت صفته فيه لانتفاء وجود علاقات
قانونية بين المورث حال حياته وهذا الغير يمكن أن ترتب أثرا قانونيا لنقل الملكية
لصالح المشترين حسني النية، وعليه فإن الحكم الصادر قبل البائع ببطلان سند ملكيته
على العقار المبيع بعد تسجيل عقد البيع باعتباره مالك المبيع لا يعتبر حجة على
المشتري الذي سجل عقد شرائه قبل صدور الحكم بالبطلان سالف البيان ولم يختصم في
الدعوى باعتبار أن دعوى البطلان لا تنتج أثرها بالنسبة إلى الغير الذي تلقى حقا
على الشيء موضوع التصرف الباطل إلا إذا تم إدخاله في الدعوى كخصم حقيقي، فإن لم
يختصم فيها فإن الحكم بالبطلان حال صدوره ينتج أثره فيما بين طرفي الخصومة فقط ولا
يمتد اثره إلى الغير الذي لم يكن طرفا في العقد الباطل منذ نشأته لكنه تلقى من أحد
المتعاقدين (وتحديدا المتصرف إليه في العقد الباطل) حقا على محل العقد الذي تقرر
بطلانه، وهو على خلاف الأصل في أن العقد الباطل في حكم العدم ويؤدي بطلانه إلى
زوال آثاره كلها بما يقتضي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام
العقد وهذا ما يعبر عنه بالأثر الرجعي للبطلان، ولا يقتصر على طرفيه بل يسري أثره
على الغير، وهو ما اعتنقه الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا في الطعن رقم
... لسنة ... تجاري كما سلف بيانه، إلا أن الأخذ بفكرة البطلان المطلق في العقود
يؤدي إلى زعزعة استقرار المعاملات ويتعارض مع مبدأ ضرورة حماية من اطمأن إلى ما
ظهر له من تصرف صحيح تلقى من صاحب الحق واعتقد بحسن نية بمطابقته للحقيقة الظاهرة
فتعامل على أساسه، لأن إبطال العقود التي أبرمت بين الناس على أساس هذا الظاهر وإزالة
ما يترتب عليها من آثار وقت إبرامها سيؤدي حتما إلى اضطراب المعاملات وعدم
استقرارها، أضف إلى ذلك أن العدالة ومقتضيات الثقة في التعاملات وحمايتها تقتضي
حماية الأغيار حسني النية من مغبة عقود سلفهم الذين تعاقدوا معهم بعد أن اطمأنوا
واعتقدوا بصحة تلك العقود، وأن المصلحة العامة تقتضي منحهم هذه الحماية لما فيها
من رعاية للائتمان العام والاعتداد بالثقة المشروعة التي يعتمد عليها الناس في
معاملاتهم، وتجد هذه الحماية سندها في أن بطلان العقد لا يمنع من وجوده وجودا
واقعيا، إذ ينشئ العقد رغم بطلانه وضعا ظاهرا يتعامل الناي على أساسه متوهمين بحسن
نية كونه عقدا صحيحا قانونا طالما لم ينسب إليهم أي خطأ أو تقصير في هذا الاعتقاد،
وبالتالي فإن المظهر الواقعي المخالف للقانون بالنسبة للعقد الباطل ينبغي أن يتولد
عنه بالنسبة للغير حسن النية نفس الآثار التي كانت تتولد عنه لو استجمع العناصر
التي تحقق له الوجود القانوني الصحيح أخذا بنظرية الأوضاع الظاهرة مما يبرر حماية
الغير حال تملكه للشيء محل التصرف الباطل من خلال تعاقده مع صاحب الوضع الظاهر
المخالف للحقيقة متى توافر حسن النية لديه (أي الغير)، ومن ثم يعد حسن النية
متوافرا إذا لم يكن في وسع ذلك الغير التوصل إلى معرفة المركز الحقيقي المخالف
للوضع الظاهر ولو بذل ذلك الغير عناية الشخص العادي ولم يقصر في استطلاع حقيقة
الأمر وتقصيه المخالف للظاهر، فإذا قصر الغير في ذلك زال عنه افتراض حسن النية
وفقد الحماية المقررة بمقتضى الوضع الظاهر، لذلك فإن التصرف المبرم بين صاحب الوضع
الظاهر (المالك الظاهر الذي بطل تصرفه أو سند ملكيته) والغير حسن النية يعد نافذا
في مواجهة صاحب الحق متى كان الأخير أسهم بخطئه سلبا أو إيجابا في ظهور المتصرف
على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة
بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع لدى الكافة بمطابقة هذا
المظهر للحقيقة دون أن يرتكب هذا الغير خطأ أو تقصير في تحري الحقيقة والوقوف
عليها، ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة وفهم الواقع في الدعوى
استخلاص تلك الشواهد ومدى إسهام صاحب الحق في قيامها والجهد الذي بذله المتعاقد مع
صاحب المركز الظاهر في استطلاع حقيقة هذا المظهر. ولئن كانت نظرية الأوضاع الظاهرة
لم ينص عليها صراحة في ضمنا في قانون المعاملات المدنية، إلا أنه يمكن الأخذ بها
استنادا إلى مقتضيات المصلحة والعدالة، إذ طبقا للمادة (1) من هذا القانون تعتبر
قواعد العدالة والمصلحة مصدرا للقاعدة القانونية وذلك بعد التشريع والعرف ومبادئ
الشريعة الإسلامية.
أما فيما يتعلق بحجية عقد بيع المشتري حسن النية قبل الورثة، فإن من
المقرر أن ملكية العقار لا تنتقل ولا الحقوق العينية العقارية الأخرى بين
المتعاقدين وفي حق الغير إلا بالتسجيل وفقا لأحكام القوانين الخاصة به، وأن عدم
تسجيل التصرفات التي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني عقاري آخر أو نقله أو
تغييره أو زواله- ومنها عقد بيع العقار- يترتب عليه أن الحقوق المذكورة لا تنشأ
ولا تنتقل بين ذوي الشأن ولا بالنسبة للغير، وأنه لا يكون للعقود غير المسجلة من
أثر سوى الإلتزامات الشخصية بين المتعاقدين، فإذا ما تم التسجيل صحيحا فإن المتصرف
إليه تكون قد انتقلت إليه ملكية العقار وتكون له سلطة المالك في التصرف في ملكه،
وتصبح (تصرفاته) نافذة في حق الغير من تاريخ التسجيل، وبالتالي فلا يحاج المشتري
بالحكم الذي يصدر ضد البائع بخصوص العقار المبيع متى كان تسجيل المبيع سابقا على
هذا الحكم وذلك رغبة في حماية الغير حسن النية متى كان قد تلقى حقا عينيا على عقار
وتم تسجيله قبل الحكم، ويكون التسجيل حجة في مواجهة الكافة، ولا يجوز الطعن في
بياناته إلا إذا كان نتيجة غش أو تزوير، وتكون ملكية العقار قد انتقلت إلى
المشترين بأمرين متلازمين احدهما يستند إلى الآخر هما التصرف الصحيح الناقل
للمكية، والتسجيل المستند إلى هذا التصرف الصحيح.
لما كان ذلك وكان المورث .... رحمه الله باعتباره المالك الحقيقي
للعقار موضوع النزاع- وهو سلف الورثة الذي يتلقون الحق عنه- قد اسهم بموجب إبرامه
للهبة الباطلة في ظهور شركة .... على الحق بمظهر صاحبه بما دفع المشتري حسن النية
إلى التعاقد معها للشواهد المحيطة بالتعاقد والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد
بمطابقة هذا المظهر الحقيقي- بما مؤداه نفاذ التصرف المبرم بين صاحب الوضع الظاهر
والغير حسن النية في مواجهة المالك الحقيقي وورثته من بعد، ذلك أن ما وقع من
المورث من التصرف بالهبة إلى الشركة المذكورة وقيدها بالسجل باعتبارها مالكة
للعقار إنما كان ينبئ في ظاهر الأمر عن انصراف إرادته إلى نقل الملكية إلى الشركة،
وإلى إجازته لها بالتعامل باسمها وكشف عن مظهر خاص من شأنه أن يوهم الغير ويجعله
معذورا في اعتقاده بأن الشركة ومديرها ....- أحد الورثة- هي المالكة الحقيقية
للعقار، ومن ثم يكون من حق المشتري حسن النية في هذه الحالة أن يتمسك بانصراف أثر
التعامل الذي أبرمه مع من اعتقد بحق أنه مالك المبيع الذي انتقل إليه ولا سيما أن
عقد البيع الصادر من الشركة كان قبل صدور الحكم ببطلان الهبة، مما يكون صحيحا
ومنتجا لأثاره القانونية، وكان الورثة لم يطعنوا على ذلك البيع بالصورية المطلقة،
وإنما إقامة دعواهم بعد نفاذ العقد في مواجهتهم باعتبارهم قد كسبوا حقا- بصفتهم
الورثة- على المبيع بغرض إزالة العوائق القائمة على سبيل عدم سريان أثر ذلك
التعاقد المسجل في مواجهتهم، وكان الحكم الصادر في دعوى بطلان التصرفات لم يثبت
صورية العقد المبرم بين الشركة والمشتري فإنه يبقى صحيحا مرتبا أثره القانوني من
حيث انتقال الملكية ويكون حجة على الوارث، وإنما ما خلصت إليه الهيئة من تقريرات
قانونية في نطاق النزاع المطروح إنما يسري على جميع عقود البيع التي أبرمتها شركة
.... متى توافرت موجبات صحتها واستكملت شرائطها القانونية وفق الأسباب المشار
إليها في المساق المتقدم.
وحيث أنه ترتيبا على ما تقدم فأن الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية
العليا في الطعن رقم ... لسنة ... تجاري قد اعتد بالأثر الرجعي للحكم الصادر
ببطلان سند ملكية البائع في حق مشتري العقار حسن النية بعقد مسجل بعد تمام
التسجيل، مما ترى معه الهيئة إقرار المبدأ القانوني الذي خلص إليه الحكم الصادر من
محكمة نقض بأبو ظبي في الطعن رقم ... لسنة ... وترتيب الآثار القانونية على واقعة
النزاع.
فلهذه الأسباب
قررت الهيئة الاعتداد بالمبدأ القانوني الذي قررته محكمة النقض بأبو
ظبي في الطعن رقم ... لسنة ... مدني.