الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 سبتمبر 2023

الطعن 850 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 122 ص 1386

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

----------------

(122)

القضية رقم 850 لسنة 4 القضائية

موظف مؤقت 

- وقفه عن العمل - من اختصاص وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه دون مجلس التأديب - تقرير مجلس التأديب وقف موظف مؤقت عن عمله مع عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف - باطل - لا محل مع ذلك للحكم بإلغائه متى كان وكيل الوزارة المختص قد أقر ذلك.

-----------------
إذا تبين أن المدعي بوصفه مستخدماً مؤقتاً معيناً على وظيفة مؤقتة إنما تنطبق في حقه - بحكم المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - الشروط الواردة بصيغة عقد الاستخدام التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1952 فيما يتعلق بتوظيفه وتأديبه وفصله، فإنه طبقاً للمادة الخامسة من شروط هذا العقد يكون لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه سلطة وقف المستخدم عن العمل احتياطياً، ويترتب على الوقف عدم صرف المرتب، ما لم يقرر أحدهما صرفه كله أو بعضه؛ وبناء على هذا يكون مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة التربية والتعليم غير مختص بالنظر في وقف المدعي عن عمله أو مجازاته تأديبياً، بل المختص بذلك هو وكيل الوزارة. على أنه لما كان هذا الأخير قد أقر وقف المذكور، ولم يقرر صرف مرتبه إليه عن مدة وقفه، بل استصدر قراراً وزارياً بفصله من الخدمة، فإن طلب المدعي إلغاء القرار الصادر من مجلس التأديب بوقفه عن العمل يكون على غير أساس سليم من القانون.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 850 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 12 من يونيه سنة 1958 في الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية المقامة من: مهدي أحمد عثمان ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 10 من يوليه سنة 1956 بفصل المدعي من الخدمة، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 15 من أكتوبر سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 20 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من إبريل سنة 1959. وفي 18 من فبراير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.



المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 478 لسنة 3 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم ومنطقة القناة التعليمية أمام المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 28 من يونيه سنة 1956 طلب فيها الحكم قبل المدعى عليهما متضامنين "أولاً : بوقف تنفيذ القرار الصادر بوقف الطالب عن عمله اعتباراً من 13 من يوليه سنة 1953. ثانياً: بإلغاء هذا القرار بكافة مشتملاته وأجرائه واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار. ثالثاً: إلزام المعلن إليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وذكر بياناً لدعواه أنه موظف بمنطقة القناة التعليمية، وقد عرّضه جده وأمانته وحرصه على المصلحة العامة إلى سخط بعض ذوي الأعراض الشخصية، فكان هدفاً لشكاوى كيدية قدمت ضده وأجريت فيها تحقيقات انتهت ببراءته وحفظ هذه الشكاوى. إلا أن الشكاوى جددت ضده، فقامت إدارة التحقيقات بندب أحد مفتشيها للتحقيق؛ وعندئذ أحس بجو من التحامل يسود التحقيق، فلما لجأ إلى إدارة التحقيقات مطالباً بندب محقق آخر استصدرت الإدارة أمراً بوقفه عن عمله بالمنطقة اعتباراً من 13 من يوليه سنة 1953، ثم أحالت الأوراق إلى نيابة بور سعيد للتحقيق. وبعد ذلك عرضت أمر استمرار وقفه عن العمل على مجلس التأديب بجلسة 23 من سبتمبر سنة 1953، ثم بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1953؛ حيث قرر المجلس استمرار وقفه لمدة ثلاثة أشهر أخرى ابتداء من 14 من أكتوبر سنة 1953؛ وذلك طبقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ولائحته التنفيذية. وقد باشرت نيابة بور سعيد التحقيق، ثم حررت مذكرة أبانت فيها أنه بريء، ورفعتها مع أوراق التحقيق إلى المحامي العام، طالبة حفظ التحقيقات وقيد الموضوع شكوى إدارية، فأصدر قراره بالموافقة على ذلك، وقيدت الأوراق شكوى إدارية برقم 134 لسنة 1955 إداري قسم ثان بور سعيد، وأبلغت منطقة القناة التعليمية بهذا القرار للعلم به والعمل بمقتضاه، فقامت بدورها بإبلاغه إلى الوزارة، وكان طبعياً - والحالة هذه - أن تبادر الوزارة بإنصاف المدعي برفع وقفه عن العمل وصرف مرتبه إليه عن مدة الوقف ولكنها لم تفعل، مع أن قرار الوقف هو قرار مؤقت لحين إتمام التحقيق الذي انتهى منذ بضعة أشهر ولا يزال الوقف قائماً، وكان يتعين وفقاً لأحكام قانون نظام موظفي الدولة عودته إلى عمله من اليوم التالي لانقضاء الثلاثة الأشهر التي امتد إليها وقفه بقرار من مجلس التأديب؛ ومن ثم فإن استمرار وقفه زهاء ثمانية أشهر دون عرض أمره على المجلس المذكور ينطوي على إهدار لأحكام القانون المشار إليه ولائحته التنفيذية، ويكون قد وقع مشوباً بالبطلان وأصبح عديم الأثر؛ مما يتعين معه إلغاؤه لمخالفته للقانون، هذا فضلاً عما شابه من إساءة استعمال السلطة بإصرار الوزارة على موقفها حتى مضت على المدعي أربع سنوات وهو موقوف عن عمله ومحروم من راتبه على الرغم من أن قرار النيابة العامة بحفظ التحقيق جاء قاطعاً في عدم صحة ما نسب إليه، ومن زوال الأسباب التي دعت إلى إصدار قرار الوقف بناء على ذلك، ومن أنه تظلم إدارياً إلى السيد وزير التربية والتعليم في 12 من إبريل سنة 1956 من هذا الوضع طالباً إلغاء قرار وقفه دون جدوى.
ومن حيث إن الجهة الإدارية أجابت عن هذه الدعوى بتقديم مذكرة إدارة الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم المؤرخة 11 من مارس سنة 1956 التي تضمنت أنه في 30 من مارس سنة 1953 قرر السيد وكيل الوزارة إحالة المدعي، الكاتب بقلم التعليم الحر بمنطقة القناة التعليمية ببور سعيد، إلى مجلس التأديب لتسببه في تأخير خطاب مراعاة لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة وهو محمد خليل بدرة، مدير مدارس النهضة بالسويس، وقد عاصر ارتكب هذه المخالفة أن أسندت إلى المدعي تهم أخذ رشوة من مدرسات روضة العصفوري الخاصة؛ إذ اعترفت المدرسات بأنهن أعطينه خمسة جنيهات في منتصف عام 1951، كما تبين أن هناك اتهامين آخرين ضده بالرشوة: الأول من محمد أحمد غنيم بملف التحقيق رقم 10911، وقد حفظ لعدم كفاية الأدلة، والثاني من محمد فوزي البرعي بملف التحقيق رقم 11818. وإزاء كل هذا وإزاء اعترافات المدرسات الصريح ضده رأت الوزارة وقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953 وإحالة الموضوعات الخاصة به إلى نيابة بور سعيد الجزئية للتحقيق معه، وقد تم ذلك فعلاً. وتطبيقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ولائحته التنفيذية عرض أمره على مجلس التأديب، فقرر بجلسته المنعقدة في 22 من سبتمبر سنة 1953 عدم صرف مرتبه عن مدة الوقف مع مراعاة إعادة عرض أمر استمرار وقفه عن العمل على المجلس قبل مضي المدة المقررة قانوناً إذا اقتضى الأمر استمرار هذا الوقف. وفي 18 من أكتوبر سنة 1953 رأت مراقبة التحقيقات أن الأسباب الداعية لوقفه لا تزال قائمة؛ لأن تحقيق النيابة لا يزال جارياً لم يتم التصرف فيه. وعلى هذا عرض الموضوع ثانية على مجلس التأديب المنعقد في 27 من أكتوبر سنة 1953، فقرر استمرار وقف هذا الموظف لمدة ثلاثة أشهر أخرى ابتداء من 14 من أكتوبر سنة 1953، مع عدم صرف مرتبه خلال مدة الوقف. وبعرض الأمر على المجلس بجلسته المنعقدة في 22 من فبراير سنة 1954 قرر استمرار وقفه حتى 16 من مارس سنة 1954. وفي 13 من إبريل سنة 1954 مثل المذكور أمام المجلس الذي قرر استمرار وقفه عن العمل حتى تنتهي إجراءات محاكمته الجنائية، مع الاستمرار في وقف صرف مرتبه عن مدة الوقف بأكملها، وقد تلي عليه هذا القرار ووقع بعلمه به. وفي 14 من ديسمبر سنة 1954 وافق السيد وكيل الوزارة على إضافة تهمة الرشوة إلى تلك التي تقرر إحالة المدعي من أجلها إلى مجلس التأديب لكي ينظرها المجلس نظرة شاملة، كما وافق في 15 من يناير سنة 1955 على إضافة تهمة أخرى أسفر فيها التحقيق في الملف رقم 15087 عم مسئوليته هو ومحمود عبد السلام أبو زيد الكاتب بمنطقة القناة التعليمية في تعيين الشيخ محمد صادق محمد سليمان بمدرسة العصفوري للبنات، دون أن يقدم مسوغات تعيينه وصرف مرتبه له دون استيفاء هذه الإجراءات، مع ما في ذلك من مخالفة للتعليمات، ومع ما ظهر من أن المدرس المذكور سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية. والاطلاع على أوراق الشكوى رقم 134 لسنة 1955 إداري قسم ثان بور سعيد تبين أن السيد المحامي العام وافق في 4 من سبتمبر سنة 1955 على حفظ الشكوى إدارياً مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها المدعي لإقصائه عن عمله ونقله إلى جهة أخرى. وقد وردت لإدارة الشئون القانونية أوراق التحقيق الذي أجراه التفتيش الإداري بمنطقة القناة التعليمية في شكوى إبراهيم عطية أبى خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية بخصوص نقص مرتبه 182 مليماً شهرياً ابتداء من نوفمبر سنة 1950 حتى يناير سنة 1952، ولما كان هذا التحقيق قد كشف عن مسئولية المدعي في ذلك؛ لأنه تسلم المذكرة الخاصة بهذا الموضوع ولم يتخذ في شأنها أي إجراء ولم يستطع إثبات تسليمها لموظف مختص بالذات، فقد اقترح المفتش الإداري ضم هذه الشكوى إلى الأوراق التي أحيل من أجلها المدعي إلى مجلس التأديب، ووافقت منطقة القناة على ذلك؛ وإذ كان المذكور مستخدماً مؤقتاً في الدرجة التاسعة الكتابية المؤقتة بمرتب شهري قدره خمسة جنيهات رفعت إلى ستة من أول يوليه سنة 1952 تنفيذاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ويحكمه كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1953، على الرغم من عدم توقيعه على عقد الاستخدام المنصوص عليه في هذا الكتاب، إذ أن العلاقة بين الحكومة وموظفيها هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ولو اتخذت شكل عقود، فإنه تنطبق عليه الشروط الواردة بصيغة العقد المنوه عنه بقرار مجلس الوزراء الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952، ولو لم يوقع على هذا العقد من أحد؛ ومن ثم فإن مجلس التأديب الابتدائي لموظفي الوزارة يكون غير مختص بالنظر في أمره، وتكون لوكيل الوزارة سلطة توقيع العقوبة التأديبية المناسبة عليه بحكم المادة الخامسة من العقد المشار إليه، وإذا ما رؤى عزله من الوظيفة فإن هذه العقوبة تكون من سلطة الوزير. وقد رفع السيد وكيل الوزارة المساعد في 26 من يونيه سنة 1956 إلى السيد الوزير مذكرة سرد فيها الوقائع المتقدمة، وأوضح أنه تبين أن المدعي تمتنع محاكمته تأديبياً أمام مجلس التأديب، وذلك بالتطبيق للمادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، وأن الاتهامات التي أسندت إليه لا تفتقر إلى إقامة الدليل على إدانته، وكلها أمور تجعله غير جدير بالانتماء إلى طائفة الموظفين العموميين، وأن القدر المتيقن فيما أسهم به في التهمة المنسوبة إليه هو قيامه بتحرير الاستمارة 50 "ع. ح." بمرتب أحد المدرسين دون استيفائه مسوغات التعيين؛ الأمر الذي يدعو إلى مساءلته. وخلص السيد وكيل الوزارة المساعد من هذا إلى التوصية بغزل المدعي من الخدمة لما قام ضده من اتهامات. وفي 4 من يوليه سنة 1956 رفع السيد وكيل الوزارة الدائم إلى السيد الوزير مذكرة ضمنها بيان المخالفات التي ارتكبها المدعي، كما تستخلص من مذكرة إدارة الشئون القانونية المؤرخة 11 من يوليه سنة 1956 ومن أوراق التحقيقات، وتتحصل في أنه: 1 - تسبب في تأخير خطاب مراعاة لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة بقصد جلب نفع له. 2 - اتهم بقبول رشوة من المدعو محمد أحمد غنيم، وحفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة. 3 - اتهم بقبول رشوة من بعض مدرسات مدرسة العصفوري ومن السيد محمد فوزي البرعي، وقد انتهت فيها نيابة بور سعيد إلى حفظ الشكوى إدارياً مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها هو وآخر لإقصائهما عن عملهما ونقلهما إلى جهة أخرى. 4 - خالف التعليمات المالية بالاشتراك مع آخر يعمل كاتباً بمنطقة القناة في تعيين الشيخ محمد صادق محمد سليمان بمدرسة العصفوري للبنات دون أن يقدم مسوغات تعيينه، وصرف له مرتبه دون استيفاء هذه الإجراءات، وقد ظهر أن المذكور سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية. 5 - أهمل إهمالاً ترتب عليه نقص مرتب السيد/ إبراهيم عطية أبى خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية. ونظراً إلى أن المدعي سبق إحالته إلى مجلس التأديب في 30 من مارس سنة 1953 لمحاكمته على ما نسب إليه في البند رقم (1)، ثم أضيف إلى هذا الاتهام الاتهامات الأخرى السالف ذكرها، وهو موقوف عن عمله منذ 14 من يوليه سنة 1953، ومقيد على الدرجة التاسعة المؤقتة، فيكون مجلس التأديب الابتدائي غير مختص بالنظر في أمره، بل يحكمه كتاب ديوان الموظفين الدوري رقم 6 لسنة 1953. ولما كان ما نسب إلى المستخدم المذكور من اتهامات تجعل من المصلحة بتره من محيط الوظيفة، وأخذاً بالأسباب التي استندت إليها مذكرة السيد وكيل الوزارة المساعد للشئون المالية والإدارية، فقد رأى السيد وكيل الوزارة الدائم عزل المدعي الكاتب من الدرجة التاسعة الكتابية بمنطقة القناة التعليمية من الخدمة، ووافق السيد الوزير على ذلك بتأشيرة مؤرخة 10 من يوليه سنة 1956.
ومن حيث إن المدعي أقام الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم أمام المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 24 من يناير سنة 1957 طلب فيها الحكم "أولاً: بإلغاء القرار الصادر بفصل الطالب المؤرخ 16 من يوليه سنة 1956 والذي أبلغ للطالب واستلمه في 2 من سبتمبر سنة 1956 بكافة مشتملاته وأجزائه واعتباره كأن لم يكن. ثانياً: إلزام المعلن إليه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". ونعى على هذا القرار صدوره مخالفاً للقانون ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة؛ مستنداً في هذا إلى ما سبق أن أبداه في دعواه الأولى رقم 478 لسنة 3 القضائية وما أورده فيها من وقائع وأسباب، وأضاف إلى ذلك أنه بريء مما نسب إليه في التهمة الأولى من أنه تسبب في تأخير خطاب لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة، وهو السيد/ محمد خليل بدرة مدير مدارس النهضة بالسويس بقصد جلب نفع له؛ إذ الثابت من التحقيقات أن هذا الأخير كان قد تقدم إلى الوزارة طالباً ندب السيد/ عبد المنعم يوسف ناظراً لمدرسته، ثم تبين أموراً تشين الناظر المذكور، فأخطر الوزارة في أول ديسمبر سنة 1952 بعدوله عن طلب ندبه وطلب ترشيح غيره، بيد أن الوزارة كانت فد وافقت في 28 من نوفمبر سنة 1952 على ندب السيد/ عبد العزيز يوسف ناظراً للمدرسة، إلا أن خطابها بندب هذا الناظر لم يصل إلى المنطقة إلا في 10 من ديسمبر سنة 1952. ولما كان السيد/ محمد خليل بدرة قد أبلغ الوزارة بعدوله قبل ورود كتاب الوزارة بعشرة أيام فلا وجه للقول بأن المدعي تسبب في تأخير هذا الكتاب بقصد جلب نفع للمذكور، كما أن التحقيقات لم تبين وجه هذا النفع. وإذ استند قرار الفصل إلى هذا السبب فإنه يكون قد قام على وقائع غير صحيحة مما يعيبه ويجعله جديراً بالإلغاء. أما التهمة الثانية الخاصة بقبوله الرشوة سواء من محمد أحمد غنيم التي حفظ فيها التحقيق لعدم كفاية الأدلة، أو من مدرسات مدرسة العصفوري ومن محمد فوزي البرعي التي حفظت إدارياً مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها المشكو لإقصائه عن عمله ونقله إلى جهة أخرى - فقد فندتها النيابة العامة في مذكرتين أوضحت فيهما عدم صحة هذه الادعاءات واختلاقها بقصد التشهير، وما كان للوزارة - والحالة هذه - أن تستند إليها كسبب من الأسباب التي دعت إلى فصله. وأما التهمة الثالثة، وهي مخالفته للتعليمات المالية بالاشتراك مع آخر في تعيين الشيخ محمد صادق محمد سليمان بمدرسة العصفوري للبنات دون أن يقدم مسوغات تعيينه وصرف مرتبه له دون استيفاء هذه الإجراءات مع أنه سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية، فقد قامت إدارة التحقيقات بالتحقيق في هذا الموضوع، وتبين منه أن التعيين إنما جاء عن طريق السيد المراقب العام لتعليم البنات الذي أشر على الطلب بتعيين هذا المدرس، وأن مسوغات التعيين كانت قد سلمت إلى رئيس المستخدمين بمنطقة القناة، وإذا كانت ثمة مخالفات قد وقعت فإنما ارتكبها رؤساء المدعي دونه. وقد قام المدرس المذكور بالعمل فعلاً بناء على خطاب المنطقة وتأشيرة السيد المراقب العام الذي أعفاه من الكشف الطبي، وقد كان هذا المدرس يحصل على راتبه بأذونات صرف مؤقتة صادرة وموقعة من السيد المراقب العام لمنطقة القناة التعليمية. أما كونه سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية فمردود بما قررته إدارة التحقيقات ذاتها من أن العقوبة قد سقطت ورد اعتباره قانوناً؛ بحيث لم يصبح لها أثر على وظيفته الحالية. وأما التهمة الرابعة، وهي إهماله إهمالاً ترتب عليه نقص مرتب إبراهيم عطية أبي خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية، فقد مضى على هذه الواقعة أكثر من ثلاث سنوات، وقد قامت مدرسة النهضة الابتدائية بالسويس بإرسال المكاتبة رقم 255 ق 12 من مايو سنة 1952 إلى منطقة القناة لصرف المبلغ السابق استقطاعه من مرتب المدرس المذكور. وإذا كانت المخالفة المنسوبة إلى المدعي هي أنه لم يتخذ أي إجراء في شأن هذه المكاتبة، فإنه قد أوضح قد التحقيق أنه قام بتسلم المكاتبة المشار إليها وتسليمها إلى الموظف المسئول، وإن لم يستطع تحديد اسمه لبعد عهد هذه الواقعة ووقفه عن عمله فجأة وعدم تمكينه من الاطلاع على الأوراق التي كانت في عهدته. ومن هذا كله يخلص أن القرار المطعون فيه الصادر بفصله من وظيفته هو قرار مجانب للصواب ومخالف للقانون، وقد تظلم منه إدارياً إلى السيد وزير التربية والتعليم في 27 من سبتمبر سنة 1956، إلا أن الوزارة لم تجب عن تظلمه بشيء.
ومن حيث إن السيد مفوض الدولة قدم للمحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه - للأسباب التي أبداها - إلى أنه يرى "قبول الدعوى شكلاً، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الوزارة بالمصروفات".
ومن حيث إنه بجلسة أول مايو سنة 1956 قررت المحكمة الإدارية ضم الدعوى رقم 478 لسنة 3 القضائية إلى الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية للفصل فيهما بحكم واحد، وبجلسة 12 من يونيه سنة 1958 قضت "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 10 من يوليه سنة 1956 بفصل المدعي من الخدمة، وما ترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصاريف ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالطلب الأول للمدعي، الخاص بإلغاء القرار الصادر بوقفه عن العمل وما ترتب عليه من آثار، على أن القاعدة هي حرمان الموظف من مرتبه خلال مدة الوقف ما لم يقرر مجلس التأديب صرف المرتب كله أو بعضه، ولما كان مجلس التأديب لم يصدر قراراً بصرف مرتب المدعي عن مدة وقفه، بل على العكس من ذلك قرر أكثر من مرة استمرار وقفه ووقف صرف مرتبه حتى انتهاء محاكمته جنائياً فإن طلب المدعي الحكم بإلغاء قرار وقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953 وما يترتب على ذلك من آثار يكون غير مستند إلى أساس من القانون، متعيناً رفضه. وفيما يختص بالطلب الثاني للمدعي الخاص بإلغاء القرار الصادر بفصله من العمل، على أن المذكور قد أخطر بهذا القرار في 2 من أغسطس سنة 1956، وتظلم منه إلى الجهة الإدارية في 27 من سبتمبر سنة 1956، فلما لم تجب عن تظلمه أقام دعواه بطلب إلغائه في 24 من يناير سنة 1957؛ ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني. وقد بني القرار المطعون فيه الصادر من وزير التربية والتعليم على ما تضمنته مذكرة وكيل الوزارة الدائم من الاتهامات المنسوبة إلى المدعي، مع أن التهمة الأولى غير ثابتة في حقه، والثانية حفظتها النيابة إما لعدم كفاية الأدلة وإما إدارياً، بعد إذ لم تتبين من التحقيق الذي أجرته ثبوتها قبله، والثالثة رأت النيابة عدم قيام دليل على ثبوتها، ومع ذلك استخلصت الجهة الإدارية من التحقيق ما اعتبرته كافياً لتكوين اقتناعها بصحة الواقعة. ولما كان ترجيح الأدلة التي استندت إليها الإدارة في تكوين اقتناعها على الأدلة العكسية أمراً يخرج عن رقابة القضاء، فلا وجه لإهدار ما انتهى إليه اقتناع الإدارة في هذا الشأن، ولا حاجة بعد ذلك للتعرض للتهمتين الرابعة والخامسة ومدى ثبوتهما أو عدمه، ما دام قرار فصل المدعي من الخدمة قد أسس على الاتهامات الخمسة، وانصرف إلى مجازاته عنها جميعاً؛ بحيث لو سقط أحدها لجاز أن ينتهي الجزاء إلى غير ما صدر به. ولما كان الاتهامان الأول والثاني لم يقم عليهما دليل من الأوراق يؤيد صحتهما، فإنه يتعين القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من السيد وزير التربية والتعليم بفصل المدعي من الخدمة، وللجهة الإدارية أن تعيد النظر من جديد في شأن المدعي لبحث الجزاء الذي ترى ملاءمة توقيعه عليه بالنسبة إلى ما يثبت في حقه من التهم.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من أغسطس سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يتضح من المذكرة التي صدر على أساسها قرار فصل المدعي من الخدمة أنها أشارت إلى أن التهمة الموجهة إلى المذكور بقبول الرشوة من محمد أحمد غنيم قد حفظتها النيابة لعدم كفاية الأدلة، وأن الجهة الإدارية رأت أن الأدلة القائمة في حقه تكفي لإدانته فيما نسب إليه من إخلال جسيم بواجبات وظيفته يستدعي فصله، وأنه طبقاً لما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا لا تعني رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية أن يحل هذا القضاء نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لديها من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام تلك الحالة التي تكون ركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن هذه السلطات حرة في تقدير تلك الخطورة والدلائل والبيانات وقرائن الأحوال تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها أو تطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا. ولما كان القرار المطعون فيه قد بني على ثبوت التهم المنسوبة إلى المدعي وبخاصة الرشوة، وهي التهمة التي سلم الحكم المطعون فيه بقيام الأدلة الكافية عليها، فإن هذا القرار يكون قد قام على سبب ثابت، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار المذكور قد خالف القانون.
ومن حيث إن المدعي عقب على طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بما لا يعدو في جملته أن يكون ترديداً لدفاعه السابق إبداؤه أمام المحكمة الإدارية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في شأن طلب المدعي موضوع الدعوى المضمومة رقم 478 لسنة 3 القضائية من رفض هذا الطلب، وهو الخاص بوقف تنفيذ وبإلغاء القرار الصادر بوقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953 وما ترتب عليه من آثار؛ ذلك أن القاعدة هي حرمان الموظف الموقوف من مرتبه خلال مدة وقفه عن العمل، ما لم تقرر السلطة التأديبية المختصة صرف المرتب إليه كله أو بعضه؛ لأسباب موكولة إلى تقديرها. وقد قرر مجلس التأديب الذي عرض عليه أمر المدعي بجلسته المنعقدة في 22 من سبتمبر سنة 1953 عدم صرف مرتب المذكور عن مدة وقفه، كما قرر بجلسته المنعقدة في 27 من أكتوبر سنة 1953 عند إعادة عرض الأمر عليه استمرار الوقف وعدم صرف المرتب. وأيد هذا أيضاً بقراريه الصادرين بجلستي 22 من فبراير سنة 1954 و13 من إبريل سنة 1954، وذلك عن مدة الوقف بأكملها حتى انتهاء إجراءات محاكمته جنائياً عن تهمة الرشوة المسندة إليه. وإذا كان قد تبين أن المدعي بوصفه مستخدماً مؤقتاً معيناً على وظيفة مؤقتة إنما تنطبق في حقه - بحكم المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - الشروط الواردة بصيغة عقد الاستخدام التي وافق عليها مجلس الوزراء بقراره الصادر بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1952 فيما يتعلق بتوظيفه وتأديبه وفصله، وأنه طبقاً للمادة الخامسة من شروط هذا العقد يكون لوكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه سلطة وقف المستخدم عن العمل احتياطياً، ويترتب على الوقف عدم صرف المرتب ما لم يقرر أحدهما صرفه كله أو بعضه، وأنه بناء على هذا يكون مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة التربية والتعليم غير مختص بالنظر في وقف المدعي عن عمله أو مجازاته تأديبياً، بل المختص بذلك هو وكيل الوزارة، فإن هذا الأخير قد أقر وقف المذكور ولم يقرر صرف مرتبه إليه عن مدة وقفه، بل استصدر قراراً وزارياً في 10 من يوليه سنة 1956 بفصله من الخدمة؛ ومن ثم فإن طلب المدعي في هذا الخصوص يكون على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطلب الثاني للمدعي موضوع الدعوى رقم 184 لسنة 4 القضائية، وهو الخاص بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير التربية والتعليم في 10 من يوليه سنة 1956 بفصله من الخدمة، والمبلغ له في 2 من أغسطس سنة 1956، والذي لم تنازع الوزارة في قوله إنه تظلم منه إدارياً في 27 من سبتمبر سنة 1956، فإن الدعوى به قد رفعت في الميعاد القانوني؛ إذ أودعت صحيفتها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 24 من يناير سنة 1957، بعد إذ سكتت الجهة الإدارية عن الإجابة عن هذا التظلم.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه في 30 من مارس سنة 1953 صدر قرار السيد وكيل وزارة التربية والتعليم بإحالة المدعي الذي كان كاتباً بقلم التعليم الحر بمنطقة القناة التعليمية ببور سعيد إلى مجلس التأديب لتسببه في تأخير خطاب مراعاة لصالح أحد أصحاب المدارس الحرة بقصد جلب نفع له. وقد عاصر ارتكاب هذه المخالفة أن أسندت إلى المذكور تهمة الحصول على رشوة من مدرسات روضة العصفوري الخاصة؛ إذ اعترفت المدرسات بأنهن أعطينه خمسة جنيهات في منتصف عام 1951، كما اتضح علاوة على هذا أن ثمة اتهامين آخرين موجهين إليه عن جريمتي رشوة قبلها من كل من محمد أحمد غنيم ومحمد فوزي البرعي. وقد صدر قرار الوزارة بوقفه عن العمل اعتباراً من 14 من يوليه سنة 1953، وإحالة موضوعه إلى نيابة بور سعيد التي قامت بالتحقيق معه. كذلك أخذ عليه اشتراكه مع آخر يعمل كاتباً بمنطقة القناة التعليمية (قلم التعليم الحر) في إقامة الشيخ محمد صادق محمد سليمان بالعمل في وظيفة مدرس بمدرسة العصفوري للبنات ببور سعيد دون أن يصدر إذن بتعيينه أو أن يقدم مسوغات هذا التعيين، وفي صرف مرتبه إليه دون استيفاء هذه الإجراءات، مع ما في ذلك من مخالفة للتعليمات المالية. وقد اتضح أن المدرس المذكور سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية لارتكابه جريمة هتك عرض وإن كان قد زال أثرها برد اعتباره. وفضلاً عن هذا فقد أسند إليه أنه أهمل إهمالاً ترتب عليه نقص مرتب السيد/ إبراهيم عطية أبى خفرة المدرس بمدرسة النجاح الابتدائية بالإسماعيلية بواقع 182 مليماً شهرياً من شهر نوفمبر سنة 1950 إلى شهر يناير سنة 1952، إذ تسلم المذكرة الخاصة بهذا الموضوع ولم يتخذ في شأنها أي إجراء ولم يستطع إثبات تسليمها لموظف مختص بالذات، وقد أحيل المذكور في بادئ الأمر إلى مجلس التأديب لمحاكمته عن المخالفة الأولى، ثم أضيفت إليها الاتهامات الأخرى، وقد عرض أمره على المجلس في جلساته المنعقدة في 22 من سبتمبر سنة 1953 و27 من أكتوبر سنة 1953 و22 من فبراير سنة 1954 و13 من إبريل سنة 1954، فقرر استمرار وقفه عن العمل وعدم صرف مرتبه إليه عن مدة الوقف بأكملها. فلما تبين أنه يشغل وظيفة مؤقتة، وأن محاكمته تأديبياً بالتطبيق لحكم المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة واستناداً إلى شروط عقد الاستخدام الذي وافق مجلس الوزراء على صيغته بالنسبة إلى أمثاله بقراره الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952 إنما يختص بها وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة، دون مجلس التأديب، ويكون قراره نهائياً عدا عقوبة الفصل فتكون من سلطة الوزير، أعدت إدارة الشئون القانونية بالوزارة مذكرة بهذا المعنى في 11 من مارس سنة 1956 رفعتها إلى السيد وكيل الوزارة. وفي 26 من يونيه سنة 1956 أعد السيد وكيل الوزارة المساعد مذكرة للعرض على السيد وزير ذكر فيها "أن الاتهامات التي نسبت إلى الموظف المذكور لا تفتقر إلى إقامة الدليل على إدانته، وهي كلها أمور تجعله غير جدير بالانتماء إلى طائفة الموظفين العموميين". واختتمها بالتوصية "بعزل السيد/ مهدي أحمد عثمان من الخدمة لما قام ضده من اتهامات". وفي 4 من يوليه سنة 1956 تقدم السيد وكيل الوزارة الدائم إلى السيد الوزير بمذكرة أورد فيها بيان الاتهامات المنسوبة إلى المدعي وما تم في شأنها، وخلص من ذلك إلى "أن ما نسب إلى المستخدم المذكور من اتهامات تجعل من المصلحة بتره من محيط الوظيفة". وإلى أنه أخذاً بالأسباب التي استندت إليها مذكرة السيد وكيل الوزارة المساعد للشئون المالية والإدارية المتقدم ذكرها، يرى الموافقة على عزل المدعي من الخدمة. وقد وافق السيد الوزير على هذا العزل بتأشيرته المؤرخة 10 من يوليه سنة 1956 على ذيل هذه المذكرة.
ومن حيث إنه ظاهر من كل من مذكرة السيد وكيل الوزارة المساعد ومذكرة السيد وكيل الوزارة الدائم التي بني عليها القرار الصادر من السيد الوزير بفصل المدعي من الخدمة، أن أسباب الفصل لم تستند إلى ثبوت تهم الرشوة قبل المذكور؛ إذ جاء بهاتين المذكرتين أن التحقيق حفظ فيما يتعلق بتهمة قبول الرشوة من محمد أحمد غنيم، وأن نيابة بور سعيد انتهت إلى حفظ الشكوى إدارياً في تهمة الحصول على رشوة من بعض مدرسات مدرسة العصفوري ومن محمد فوزي البرعي، مع مخابرة الجهة الإدارية التابع لها المشكو في حقه لإقصائه عن عمله ونقله إلى جهة أخرى. وإنما قام الفصل على ما أحاط بسلوك المدعي من الناحية الإدارية من مآخذ على إثر هذه الاتهامات، وإن حفظتها النيابة بوصفها مجرد ادعاءات لم ينهض عليها دليل، دون أن يفوتها التوصية بإقصاء المدعي عن عمله ونقله إلى جهة أخرى، كما قام على الاتهامات الأخرى التي أسندت إليه والتي عددتها مذكرتا كل من السيد وكيل الوزارة المساعد والسيد وكيلها الدائم والتي لها أصل ثابت في الأوراق، مما رؤى معه أن هذه الأمور جميعاً تجعله غير جدير بالانتماء إلى طائفة الموظفين العموميين، وأن من المصلحة بتره من محيط الوظيفة. وإذ كان قرار الفصل قد أفصح صراحة في أسبابه عن استظهاره ما انتهى إليه تصرف النيابة في شأن بعض التهم، وأسس اقتناعه بإدانة سلوك المدعي على ما استخلصه من تواتر الشكاوى والاتهامات في حقه عن قبوله الرشوة من مغزى يتناول استقامته ونزاهته ويمس الثقة الواجب توافرها فيه، لا على ثبوت هذه التهم جنائياً، وذلك بالإضافة إلى الاتهامات الأخرى القائمة في حقه، فلا وجه - والحالة هذه - للعودة إلى بحث صحة التهم التي حفظتها النيابة أو مناقشة ثبوتها من عدمه، ما دامت الإدارة قد رأت مع ذلك أن موقفه من مجموع ما نسب إليه - سواء في هذه التهم أو في التهم الباقية، وكلها تستند إلى وقائع صحيحة لها وجود مادي ثابت في الأوراق - كاف لتبرير فصله من الخدمة لما وقع منه من إخلال جسيم بواجبات وظيفته وخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت (1) بأنه إذا توافر لدى جهة الإدارة الاقتناع بأن الموظف أو المستخدم سلك سلوكاً معيباً ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بواجباته أو خروج على مقتضيات وظيفته، أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيها أو في القائمين بها، ويدعوها إلى عدم الثقة به أو الاطمئنان إلى صلاحيته بناء على ذلك للقيام بأعباء وظيفته، وكان اقتناعها هذا مجرداً عن الميل أو الهوى وموجهاً لخير المصلحة العامة، فبنت عليه قرارها بإدانة سلوكه، ورأت لمصلحة العمل وكرامة الوظيفة العامة إقصاءه عن هذه الوظيفة، واستخلصت هذا كله استخلاصاً سائغاً من وقائع صحيحة ثابتة في عيون الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي خلصت إليها، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون وحصيناً من الإلغاء. أما تقدير تناسب الجزاء مع الذنب الإداري فمن الملاءمات التي تنفرد بتقديرها بما لا معقب عليها فيها، والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري. وإن حفظ تهمة الرشوة قبل الموظف قد لا يبرئ سلوكه من الوجهة الإدارية، ولا يمنع من مؤاخذته تأديبياً وإدانة هذا السلوك، فلا ينفي قيام سبب الجزاء التأديبي - وهو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو الخروج على مقتضياتها - وقد يثبت ذلك للسلطة التأديبية من أوراق التحقيقات الجنائية، أو من التحقيقات التي تجريها هي ومن تسمعهم من الشهود، فإذا انتهت من ذلك إلى تكوين عقيدتها واقتناعها بعدم صلاحيته للاستمرار في عمله، وإلى أنه أخل بواجبات وظيفته وخرج على مقتضيات السلوك السوي وتردى فيما يحط من كرامته ويسيء إلى سمعته ويمس اعتبار الوظيفة العامة ويشكك في نزاهته واستقامته، وصدرت في تقديرها هذا عن رغبة مجردة عن الميل أو الهوى ابتغاء وجه المصلحة العامة وحدها، فقررت إقصاءه عن وظيفته، فإن قرارها الصادر بفصله من الخدمة يكون - والحالة هذه - قائماً على سببه ومطابقاً للقانون، وليس للقضاء الإداري - في حدود رقابته القانونية لصحة قيام الوقائع المادية أو القانونية التي تبرر تدخله وسلامة تكييفها القانوني - أن يتطرق إلى بحث ملاءمة توقيع الجزاء أو مناقشة مقداره؛ إذ لا تعني هذه الرقابة أن يحل نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى هذه السلطات من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار، بل إن السلطات المذكورة حرة في تقدير هذه الخطورة وتلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها، ولا هيمنة له على ما تكون منه الإدارة عقيدتها أو اقتناعها في شيء من هذا.
ومن حيث إن الأمر في شأن المدعي لم يقتصر على تهم الرشوة التي حفظتها النيابة، والتي رأت الإدارة على الرغم من ذلك أن لها دلالتها في تقدير سلوكه الإداري، بل تناول اتهامات أخرى لها أصول موجودة بالفعل وثابتة في الأوراق، وقد استخلصت الإدارة من مجموع هذه وتلك النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً تنتجه هذه الأصول مادياً وقانوناً؛ ومن ثم فإن قرارها المطعون فيه الصادر بفصل المدعي من الخدمة بناء على ما تقدم يكون صحيحاً قائماً على سببه المبرر له ومطابقاً للقانون. وإذ قضى حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه بإلغاء هذا القرار وما ترتب عليه من آثار فإنه يكون قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض دعويي المدعي المضمومتين، مع إلزامه بمصروفاتهما.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعويي المدعي، وألزمته بمصروفاتهما.


(1) راجع على سبيل المثال الأحكام المنشورة في السنة الثالثة من هذه المجموعة، ص 768، بند 90، والمنشورة في السنة الثانية من هذه المجموعة أيضاً ص 177، بند 21، وص 861 بند 89، وص 1173 بند 123.

الطعن 678 لسنة 50 ق جلسة 28 /11 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 218 ص 1057

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ أحمد كمال سالم نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد رأفت خفاجي، الحسيني الكناني، محمد فؤاد شرباش ود. محمد فتحي نجيب.

----------------

(218)
الطعن رقم 678 لسنة 50 القضائية

(1) تزوير. دعوى "المصلحة في الدعوى".
قاعدة عدم جواز الحكم بصحة المحرر أو رده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً. م 44 إثبات. مجال إعمالها. انتفاء المصلحة في التمسك بهذه القاعدة. أثره.
(2 - 5) إيجار الأماكن "إيجار الأماكن: التأجير من الباطن". إثبات "عبء الإثبات". محكمة الموضوع "مسائل الواقع" "تقدير الأدلة".
(2) الإيجار من الباطن. ماهيته. عبء إثباته على مدعيه. علة ذلك.
(3) تقدير أقوال الشهود. مرهون بما يطمئن إليه قاضي الموضوع. شرطه. ألا يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها.
(4) تحصيل فهم الواقع في الدعوى وموازنة الأدلة وترجيح ما يطمئن إليه منها. من سلطة قاضي الموضوع. حسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب كافية لحمله. عدم التزامه بتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم والرد عليها استقلالاً. اقتناعه بالحقيقة التي أورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها.
(5) ترك المستأجر للعين المؤجرة أو تنازله عنها لآخر من مسائل الواقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديره متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
(6، 7) إعلان "أوراق المحضرين". حكم "تسبيب الحكم".
(6) أوراق المحضرين. حجيتها قاصرة على البيانات التي تتعلق بما قام به محررها عند إجراء الإعلان أو التنفيذ. ما عدا ذلك من بيانات لا حجية لها. علة ذلك.
(7) التناقض في الحكم. ماهيته.

---------------
1 - لئن كان المقرر وفقاً لنص المادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصحة المحرر أو رده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون قضاؤها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاث استهدف ألا يحرم الخصم المحكوم عليه في الادعاء بالتزوير من أن يقدم ما قد يكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً متاحاً جديداً، إلا أنه إذا ما انتفت هذه الحكمة التي ابتغاها المشرع من عدم جواز الجمع بين القضاء في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع بحكم واحد، فلا يكون هناك من مسوغ لتطبيق هذه القاعدة، وإذ كان المقرر عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون المرافعات أن لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، وكان الواقع في الدعوى أن المطعون ضده الأول هو الذي سلك سبيل الادعاء بتزوير أوراق إعلانه أمام محكمة الدرجة الأولى، فإنه يكون وحده صاحب المصلحة في النعي على قضاء الحكم المطعون فيه في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع معاً باعتباره الخصم المحكوم عليه في هذا الادعاء، والذي استهدف النص إتاحة الفرصة أمامه ليقدم ما عسى أن تكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراده من الادعاء بالتزوير أو الإنكار، أما الطاعنون وهم المدعى عليهم في هذا الادعاء، والمقضى لصالحهم فيه، فلا مصلحة لهم في النعي على الحكم بهذا السبب، ومن ثم فهو غير مقبول.
2 - الإيجار من الباطن - أو التنازل عن الإيجار - إنما يتم بالاتفاق بين المستأجر الأصلي وبين أهله في الانتفاع بالعين المؤجرة، فإذا انعدم الدليل على وجود مثل هذا الاتفاق، أو قامت إثارة من شك في حصوله انتفى هذا التخلي من جانب المستأجر الأصلي، إقامة الدليل يقع على عاتق من يدعيه، وذلك لما هو مقرر من أن الأصل براءة الذمة، وانشغالها عارض، ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعي ما يخالف الثابت أصلاً.
3 - تقدير أقوال الشهود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع، ولا سلطان عليه في ذلك إلا أن يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها.
4 - لقاضي الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها، وموازنة بعضها بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه، وهو غير ملزم بالرد على كل ما يقدمه الخصوم من مستندات، لا بالتحدث عن كل قرينة غير قانونية يدلون بها، ولا بأن يتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم، ويرد استقلالاً على كل منها ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.
5 - إثبات أو نفي ترك المستأجر للعين المؤجرة أو تنازله عنها لآخر من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها، دون معقب عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
6 - مهمة المحضر وفقاً لنص المادة السادسة من قانون المرافعات هي إجراء الإعلان أو التنفيذ، وليست - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة التحقق من إقامة المعلن إليه بالفعل بمكان إعلانه أو تركه إلى غيره، أو التحقق من شخصية المخاطب معه، فإن ما يقرره المحضر على لسان المخاطب معه في شأن هذه الإقامة لا تكون له حجة إلا في شأن واقعة انتقال المحضر إلى محل الإعلان وسؤال المعلن إليه وتلقيه الإجابة التي أثبتها بمحضره من المخاطب معه، وذلك دون التطرق إلى مدى صحة هذه الأماكن، ومن ثم فإن فصل محكمة الموضوع في الادعاء بالتزوير الذي تناول أوراق إعلان المطعون ضدهما أمام محكمة الدرجة الأولى لم يكن ليستطيل إلى بحث حقيقة إقامة المطعون ضدهما بمكان إعلانهما وإنما يقتصر على بيان حقيقة انتقال المحضر إلى مكان الإعلان وسؤاله عن المعلن إليهما وتلقيه الإجابة من المخاطب معه دون التحقق من مدى صحة هذه الإجابة.
7 - التناقض الذي يعيب الحكم هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهما الدعوى رقم 8496 لسنة 1972 مدني كلي شمال القاهرة بطلب الحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة وتسليمها لهم، وقالوا في بيان دعواهم إن المطعون ضده الأول استأجر هذه الشقة بموجب عقد مؤرخ 6/ 2/ 1959 محول إليهم من المالكة السابقة، إلا أنه تنازل عن الإجارة لشقيقه المطعون ضده الثاني بالمخالفة لشروط العقد. طعن المطعون ضده الأول بتزوير أوراق إعلانه بالدعوى، والذي تم بمحل غير شقة النزاع، وبعد سماع شهود الطرفين حكمت محكمة الدرجة الأولى بتاريخ 23/ 3/ 1974 برفض الادعاء بالتزوير وبصحة الإعلانات فيها، ثم قضت بتاريخ 26/ 4/ 1975 بالإخلاء، استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 2408 سنة 92 ق القاهرة، وبتاريخ 21/ 6/ 1976 أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون أن المطعون ضده الأول ترك الشقة موضوع التداعي للمطعون ضده الثاني متنازلاً له عن إجارتها، وبعد سماع الشهود قضت بتاريخ 21/ 1/ 1980 في موضوع دعوى التزوير الفرعية برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف بشأنها، وفي موضوع الدعوى بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعنون بأولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم قضى برفض الاستئناف المرفوع عن الحكم الصادر في دعوى التزوير الفرعية وبتأييد الحكم المستأنف في شأنها، كما قضى في ذات الوقت في موضوع الدعوى الأصلية بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين، وذلك بالمخالفة لنص المادة 44 من قانون الإثبات الذي يوجب أن يكون الحكم برفض الادعاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى الأصلية.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه ولئن كان المقرر وفقاً لنص المادة 44 من قانون الإثبات أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بصحة المحرر أو رده، أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً، بل يجب أن يكون قضاؤها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، اعتباراً بأنه يجمع بين هذه الحالات الثلاث استهداف ألا يحرم الخصم المحكوم عليه في الادعاء بالتزوير من أن يقدم ما قد تكون لديه من أدلة قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً متاحاً جديداً، إلا أنه إذا ما انتفت هذه الحكمة التي ابتغاها المشرع من عدم جواز الجمع بين القضاء في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع بحكم واحد، فلا يكون هناك من مسوغ لتطبيق هذه القاعدة، وإذ كان المقرر - عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون المرافعات لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، وكان الواقع في الدعوى أن المطعون ضده الأول هو الذي سلك سبيل الادعاء بتزوير أوراق إعلانه أمام محكمة الدرجة الأولى، فإنه يكون وحده صاحب المصلحة في النعي على قضاء الحكم فيه في الادعاء بالتزوير وفي الموضوع معاً باعتباره الخصم المحكوم عليه في هذا الادعاء، والذي استهدف النص إتاحة الفرصة أمامه ليقدم ما عسى أن تكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراده من الادعاء بالتزوير - أو الإنكار، أما الطاعنون وهم المدعى عليهم في هذا الادعاء، والمقضي لصالحهم فيه، فلا مصلحة لهم في النعي على الحكم بهذا السبب، ومن ثم فهو غير مقبول.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجهين الثاني والثالث من السبب الثاني من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إن الثابت من محضر الحجز التحفظي الموقع بشقة النزاع في 17/ 11/ 1975 وجود زوجة المطعون ضده الثاني بها، ومخاطبتها المحضر في شأن سداد زوجها للأجرة، مما يؤكد واقعة تنازل المطعون ضده الأول عن الإجارة للمطعون ضده الثاني، إلا أن الحكم أهدر دلالة هذه الواقعة وعلل وجود الزوجة بشقة النزاع وقتئذ باحتمال المصادفة، وهو تعليل غير مقبول لم تقل هي به، كما استند الحكم أيضاً في نفي ترك المطعون ضده الأول هذه الشقة إلى سكن والده الموجود بشارع الرشيد إلى إقامة والدته وشقيق آخر له وأولاده به، بينما هذا السكن هو "فيلا" من ثلاث طوابق تتسع لكل هؤلاء خاصة بعد طلاق المطعون ضده الأول لزوجته، الأمر الذي يشوب الحكم بالفساد في الاستدلال، هذا إلى أن الطاعنين قدموا لمحكمة الاستئناف مذكرة بدفاعهم أوردا بها أدلة دعواهم المستفادة مما تضمنه الشكوى رقم 5883 سنة 1972 إداري مصر الجديدة من شهادة لبواب العمارة الكائنة بها شقة النزاع بأن المطعون ضده الأول أجر هذه الشقة من باطنه لزوجة شقيقه المطعون ضده الثاني، وأقوال شهودهم كذلك أمام محكمة الموضوع، وإشهاد طلاق المطعون ضده الأول لزوجته المؤيد لأقوال شهودهم بأنها نقلت أثاث منزلها من شقة النزاع والكشف الرسمي الخاص بالمسكن الكائن بشارع الرشيد والدال على أنه مكلف باسم والد المطعون ضدهما، إلا أن الحكم لم يرد على هذه الأدلة مما يشوبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الإيجار من الباطن - أو التنازل عن الإيجار - إنما يتم بالاتفاق بين المستأجر الأصلي ومن أحله محله في الانتفاع بالعين المؤجرة، فإذا انعدم الدليل على وجود مثل هذا الاتفاق، أو قامت إثارة من شك في حصوله انتفى هذا التخلي من جانب المستأجر الأصلي، وإقامة الدليل تقع على عاتق من يدعيه، وذلك لما هو مقرر من أن الأصل براءة الذمة، وانشغالها عارض، ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعي ما يخالف الثابت أصلاً. لما كان ذلك، وكان تقدير أقوال الشهود وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان عليه في ذلك إلا أن يخرج عما يؤدي إليه مدلولها، وكان لقاضي الموضوع كذلك السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحث الأدلة والمستندات المقدمة فيها، وموازنة بعضها بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه، وهو غير ملزم بالرد على كل ما يقدمه الخصوم من مستندات، ولا بالتحدث عن كل قرينة غير قانونية يدلون بها، ولا بأن يتتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم، ويرد استقلالاً على كل منها ما دام أن قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات، وكان إثبات أو نفي ترك المستأجر للعين المؤجرة أو تنازله عنها لآخر من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون معقب عليها في ذلك متى أقامت قضاؤها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بنفي ترك المطعون ضده الأول الشقة مثار النزاع للمطعون ضده الثاني على ما أورده بمدوناته من أن "المحكمة تطمئن إلى شهادة شاهدي المستأنفين (المطعون ضدهما) وترجحها على شهادة شاهدي المستأنف عليهما، إذ أن شهادة أولهما سماعية واستنتاجيه لم يجزم فيها بيقين عن أمر من الأمور التي شهد بها وأن ثانيهما حارس العقار وتابع المستأنف عليهما وأن الاثنين لا يعرفان المحل الذي انتقل إليه المستأنف الأول حينما زعما أنه ترك شقته للمستأنف الثاني. أما شاهدا المستأنفين فقد جزما بوقائع ثابتة أيدتها مستندات الدعوى وتستخلص المحكمة منها أن المستأنف الأول ظل بعد طلاق زوجته بتاريخ 19/ 10/ 1971 مقيماً مع أولاده بالعين موضوع النزاع ولم يتركها إلى أي مكان آخر ولم يتنازل عنها إلى أخيه المستأنف الثاني المقيم بشارع....، كما دلت على ذلك شهادة هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية المقدمة من المستأنفين... أما محضر الحجز المقدمة صورته الرسمية بحافظة المستأنف عليهما رقم 11 دوسيه والذي وقعه المستأنف عليهما ضد المستأنفين وتخاطب فيه المحضر مع زوجته المستأنف الثاني، فلا يقطع بسكنى هذا الأخير وزوجته وأولاده بالعين موضوع النزاع أو بترك المستأنف الأول الإقامة بها وتنازله عنها إلى أخيه المستأنف الثاني، إذ قد يتصادف وجود زوجة المستأنف الثاني بهذه العين للزيارة أو لأي سبب آخر وانتهز المستأنف عليهما فرصة تواجدها وقاما بتوقيع هذا الحجز على منقولات لم تذكر بالمحضر أنها مملوكة لها... وكذلك الحال بالنسبة "للفيلا" رقم 28 شارع...... التي ادعى المستأنف عليهما انتقال المستأنف الأول إليها، فقد ثبت بالدليل القاطع من شهادة شاهدي المستأنفين أن أولاداً ثلاثة للشقيق الثالث للمستأنفين ولدوا بهذه الشقة في الفترة من يناير سنة 1971 حتى مارس سنة 1973 - كما ثبت من جواز سفر والدة المستأنفين المؤرخ 14/ 12/ 1972 أن محل إقامتها بهذه الفيلا، ولا يعقل أن المستأنف الأول وأولاده يشاركون أخاه وأسرته ووالدته بهذا المسكن تاركين شقتهم موضوع النزاع للأخ الثالث الذي يقيم فعلاً بمسكن مستقل"، وكان هذا الذي أورده الحكم سائغاً ومقبولاً وله أصله الثابت بالأوراق وفيه الرد الضمني المسقط لما يثيره الطاعنون على خلافه والذي لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير الأدلة بغية الوصول إلى نتيجة مغايرة لما انتهى إليه الحكم وأورد دليله، فإن النعي على الحكم بهذين الوجهين يضحى في غير محله.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الأول من السبب الثاني من سببي الطعن على الحكم المطعون فيه التناقض، إذ استند في قضائه.... برفض دعواهم إلى أن المطعون ضده الأول لا يزال يقيم بشقة النزاع ولم يتركها لشقيقة المطعون ضده الثاني الذي يقيم بالمسكن الكائن بشارع...، بينما يستفاد من قضائه برفض الادعاء بالتزوير صحة الإعلانات الموجهة إلى المطعون ضده الأول بالمسكن الأخير وإلى المطعون ضده الثاني بشقة النزاع مما يشوبه بالتناقض.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كانت مهمة المحضر وفقاً لنص المادة السادسة من قانون المرافعات هي إجراء الإعلان أو التنفيذ، وليست - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - التحقق من إقامة المعلن إليه بالفعل بمكان إعلانه أو تركه إلى غيره، أو التحقق من شخصية المخاطب معه، فإن ما يقرره المحضر على لسان المخاطب معه في شأن هذه الإقامة لا تكون له حجية إلا في شأن واقعة انتقال المحضر إلى محل الإعلان وسؤاله عن المعلن إليه وتلقيه الإجابة التي أثبتها بمحضره من المخاطب معه، وذلك دون التطرق إلى مدى صحة هذه الإجابة، ومن ثم فإن فصل محكمة الموضوع في الادعاء بالتزوير الذي تناول أوراق إعلان المطعون ضدهما أمام محكمة الدرجة الأولى لم يكن ليستطيل إلى بحث حقيقة إقامة المطعون ضدهما بمكان إعلانهما وإنما يقتصر على تبيان حقيقة انتقال المحضر إلى مكان الإعلان وسؤاله عن المعلن إليهما وتلقيه الإجابة من المخاطب معه دون التحقق من مدى صحة هذه الإجابة، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد - في شأن الادعاء بالتزوير - بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه في هذا الشأن على ما أورده بمدوناته من أن "مناط ذلك الادعاء هو ثبوت أن المحضر الذي تولى الإعلان قد أثبت على خلاف الحقيقة أنه انتقل إلى محل إقامة الطاعن (بالتزوير) المثبت بالإعلانات المطعون عليها وأنه خاطب تابعاً له يصح مخاطبته عملاً بنص المادة 10 مرافعات، وحيث إنه اقتصرت شهادة شاهد الطاعن "بالتزوير" على أن الطاعن المذكور يقيم بالعقار 98 شارع...... منذ عشر سنوات سابقة بينما المدعى عليه الثاني يقيم بالعقار 28 شارع...، ولم تتضمن شهادة هذا الشاهد ثمة طعن على ما أثبته المحضر الذي تولى الإعلان ولم يرد بأقواله أن المحضر المذكور لم ينتقل إلى المحل المبين بالإعلانات المطعون عليها أو أنه لم يخاطب من خاطبهم في تلك الإعلانات فإن الطاعن يكون قد أخفق في إثبات ما ادعاه".. كما أضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك "أن المحضر الذي باشر الإعلانات المطعون عليها بالتزوير قد قام بواجبه في حدود السلطات المخولة له قانوناً، وأن ما ينسبه له المستأنفان من أخطاء لا يرقى إلى مرتبة تعمد إخفاء الحقيقة"، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما تتعارض به الأسباب وتتهاتر ويسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم ويحمله. وهو ما لم يقم بحال بين قضاء الحكم في الادعاء بالتزوير وما قضى به في موضوع النزاع الأمر الذي يضحى معه هذا النعي ولا سند له. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 2417 لسنة 54 ق جلسة 27 /11 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 217 ص 1053

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ يحيى العموري نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: ماهر قلادة واصف، مصطفى زعزوع، حسين علي حسين وحمدي محمد علي.

----------------

(217)
الطعن رقم 2417 لسنة 54 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن" "التكليف بالوفاء بالأجرة" "الإخلاء لتكرار التأخير أو الامتناع".
التكليف بالوفاء بالأجرة غير لازم لقبول دعوى الإخلاء لتكرار امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بها "عجز الفقرة ب من المادة 18 من القانون 136 سنة 1981". مبادرة المستأجر بسداد الأجرة قبل قفل باب المرافعة لا يغني عن وجوب الحكم بالإخلاء ما لم يقدم مبررات مقبولة للتأخير أو الامتناع.
(2) نقض "سبب جديد". محكمة الموضوع.
تقدير المبرر وقبوله في تأخير المستأجر في سداد الأجرة أو امتناعه واقع تستقل به محكمة الموضوع. خلو أوراق الطعن مما يفيد تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بوجود المبرر. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.

---------------
1 - لئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع اعتبر تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة المتأخرة شرطاً أساسياً لقبول دعوى الإخلاء بسبب التأخير في الأجرة المنصوص عليها في صدر الفقرة (ب) من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المنطبق على واقعة الدعوى - فإن خلت منه الدعوى تعين الحكم بعدم قبولها، إلا أن هذا التكليف بالوفاء غير لازم لقبول دعوى الإخلاء لتكرار امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة، المنصوص عليها في عجز الفقرة سالفة البيان والتي لا يغني عن وجوب الحكم بالإخلاء فيها مبادرة المستأجر بسداد الأجرة قبل قفل باب المرافعة إلا إذا قدم مبررات مقبولة لهذا التأخير أو الامتناع، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الحكم أقام قضاءه بالإخلاء لثبوت تكرار امتناع الطاعن وتأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة دون أن يقدم مبرراً مقبولاً ملتفتاً عن التعرض لشرط التكليف بالوفاء بالأجرة، فإنه يكون قد طبق عجز الفقرة ب من المادة 18 من القانون 136 لسنة 1981 تطبيقاً صحيحاً والتي لا تستلزم هذا التكليف.
2 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير المبرر وقبوله في تأخر المستأجر في سداد الأجرة أو امتناعه عن سدادها من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع، ولما كانت أوراق الطعن قد خلت مما يدل على أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بوجود المبرر المذكور لتأخره في سداد الأجرة، فإنه لا يجوز له إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 1590 سنة 1982 مدني الزقازيق الابتدائية ضد الطاعن، بطلب الحكم بإخلائه من عين النزاع المؤجرة له بمقتضى عقد الإيجار المؤرخ 1/ 7/ 1959 والتسليم، وقالوا بياناً لها إن الطاعن إذ تأخر في الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبرر، وكان قد سبق له تكرار امتناعه عن الوفاء بأجرة سابقة مستحقة عليه عن المدة من أول يوليو سنة 1970 حتى يناير سنة 1972 وقضى بطرده من العين المؤجرة له بموجب الحكم الصادر في الدعوى رقم 18 سنة 1972 مستعجل جزئي المنصورة، فقد أقاموا دعواهم بطلباتهم سالفة البيان، إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 136 سنة 1981، قضت محكمة الدرجة الأولى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، لخلو الأوراق من تكليف الطاعن بالوفاء بالأجرة المستحقة، استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 35 سنة 36 ق المنصورة، وبتاريخ 25/ 6/ 1984 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإخلاء الطاعن من عين التداعي مع التسليم. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة، فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين، ينعى الطاعن بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بالإخلاء لتكرار التأخير في أداء الأجرة، مكتفياً ببحث تكرار التأخير في الوفاء بها على ضوء إنذارات عرض الطاعن للأجرة، واستناداً إلى سبق إقامة دعاوى مستعجلة بالطرد ضده، وخلص من ذلك إلى انتفاء المبرر للتأخير في سدادها، في حين أنه لم يبحث شروط ضرورة التكليف بالوفاء بها قبل رفع الدعوى، وهو شرط أساسي لقبول دعوى الإخلاء للتأخير في الأجرة، أو لدعوى الإخلاء لتكرار التأخير في الوفاء بها، فإذا خلت منه الدعوى، تعين الحكم بعدم قبولها، وإذ تصدى الحكم لموضوع الدعوى دون أن يعرض لتحقيق القيام بالتكليف بالوفاء بالأجرة قبل إقامة الدعوى، أو ما تم سداده منها أثناء نظر الدعوى وإلى ما قبل الجلسة الأخيرة في الاستئناف، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه ولئن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع اعتبر تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة المتأخرة شرطاً أساسياً لقبول دعوى الإخلاء بسبب التأخير في الأجرة المنصوص عليها في صدر الفقرة ب من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 - المنطبق على واقعة الدعوى - فإن خلت منه الدعوى تعين الحكم بعدم قبولها، إلا أن هذا التكليف بالوفاء غير لازم لقبول دعوى الإخلاء لتكرار امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة، المنصوص عليها في عجز الفقرة سالفة البيان والتي لا يغني عن وجوب الحكم بالإخلاء فيها مبادرة المستأجر لسداد الأجرة قبل قفل باب المرافعة إلا إذا قدم مبررات مقبولة لهذا التأخير أو الامتناع، لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الحكم - على ضوء طلبات المطعون ضده أقام قضاءه بإخلاء الطاعن من عين النزاع لثبوت تكرار امتناعه وتأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة دون أن يقدم مبرراً مقبولاً لذلك، ملتفتاً عن التعرض لشرط التكليف بالوفاء بالأجرة فإنه يكون قد طبق عجز الفقرة ب من المادة 18 من القانون 136 سنة 1981 تطبيقاً صحيحاً والتي لا تستلزم هذا التكليف، ويكون النعي عليه بمخالفة القانون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني من سببي الطعن، على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه بعدم تقديم الطاعن المبرر المقبول لامتناعه وتأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة، في حين أنه قام بسدادها لمحاميه الذي لم يسددها في حينها مما يعد سبباً أجنبياً لا يرجع إلى فعله، يجوز إثباته بالبينة.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن تقدير المبرر وقبوله في تأخر المستأجر في سداد الأجرة أو امتناعه عن سدادها من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع، ولما كانت أوراق الطعن قد خلت مما يدل على أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بوجود المبرر المذكور لتأخره في سداد الأجرة، فإنه لا يجوز له إثارة هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض، ويكون النعي على الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال غير مقبول.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 300 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 121 ص 1370

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

--------------------

(121)

القضية رقم 300 لسنة 4 القضائية

(أ) إدارة قضايا الحكومة 

- موظف فني بها - شروط تعيينه - عدم اشتراط الحصول على مؤهل معين في القانون رقم 1 لسنة 1923 الخاص بتنظيم أعمال قضايا الحكومة - الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الشأن - ضرورة الحصول على مؤهل عال - إجازة القضاء الشرعي من قبيل المؤهلات العالية التي ترشح للتعيين في ظل القانون رقم 1 لسنة 1923.
(ب) إدارة قضايا الحكومة 

- مهمتها الدفاع عن الحكومة في مختلف المنازعات - المنازعات المتعلقة بالمسائل الشرعية - التأهيل العلمي اللازم فيمن يتولون الدفاع فيها.
(ج) إدارة قضايا الحكومة - موظف فني بها - تعيينه - اشتراط القانون رقم 113 لسنة 1946 الحصول على ليسانس الحقوق 

- تطبيق هذا الحكم يكون بالنسبة لمن يعين منذ العمل بأحكام القانون المذكور - لا محل للمنازعة في صلاحية من عين قبل ذلك ولم يكن حاصلاً على المؤهل المذكور للبقاء في وظيفته، وإلا كان في ذلك تطبيق للقانون بأثر رجعي.
(د) إدارة قضايا الحكومة 

- موظف فني بها - تعيينه - صحته وفقاً للقوانين التي كانت تحكم التعيين وقتئذ - استحقاقه للترقية إلى الدرجات التالية متى توافرت فيه شروطها.

--------------
1 - إن القانون رقم 1 لسنة 1923 بتنظيم أعمال قضايا الحكومة لم ينص على شروط خاصة بشأن المؤهل الذي يعول عليه في التعيين، وإن كان قد نص في مادته السادسة على أن "يسوى الموظفون الفنيون فيما يتعلق بالمرتبة والمرتبات برجال النيابة الأهلية..." فعين مستواهم الوظيفي وجعلهم في هذا الخصوص نظراء لرجال النيابة، دون تعيين الشروط اللازمة في المرشح من حيث المؤهل، كما فعل القانون رقم 113 لسنة 1946، إذ اتجه في الصياغة اتجاهاً آخر؛ بأن عنى بالنص على وجوب حصول المرشح على درجة الليسانس. وغني عن القول أن القانون رقم 1 لسنة 1923، وقد سكت عن تعيين هذه الشروط، فإنه يرجع إلى أحكام الدكريتو الصادر في 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وهو ذلك الدكريتو الذي صرح في مادته الخامسة بأنه "لا يجوز انتخاب مستخدمي المصالح إلا من المترشحين الذين من الأنواع الآتية... (الثالث) المترشحون الحائزون على دبلومة من مدرسة عليا تابعة لنظارة المعارف العمومية أو دبلومة نالوها خارج القطر واعتبرت كالدبلومة المصرية المعادلة لها طبقاً لنص الأمر العالي الصادر في 10 من إبريل سنة 1897". ولا جدال في أن إجازة القضاء الشرعي التي حصل عليها المطعون عليه في سنة 1937 هي من قبيل المؤهلات العالية التي عناها الدكريتو سالف الذكر.
2 - إن الأوضاع الإدارية بإدارة القضايا كانت ولا تزال تقضي بأن تنشأ في تلك الإدارة أقسام متعددة تضطلع بمختلف نواحي المنازعات الخاصة بالحكومة، ومن هذه الأقسام قسم شرعي يتصل عمله بتأهيل المطعون عليه، وقد نظم هذا القسم على أن يكون من اختصاصاته تولي القضايا الشرعية الخاصة ببيت المال، وهذا يقتضي التدخل في القضايا الشرعية لإثبات حق بيت المال، ومن الطبعي أن يعين فيه من يكون تأهيله متفقاً وهذا النوع من القضايا، وإجازة القضاء الشرعي هي المؤهل الذي يعول عليه في التعيين في أمثال هذه الوظائف، سواء في القضاء الشرعي أو في الوظائف النظيرة.
3 - ما دام تعيين المدعي في إدارة قضايا الحكومة قد ثم صحيحاً في ظل القوانين التي كانت تحكم هذا التعيين وقتذاك، وهي لم تكن تتطلب إجازة الحقوق للتعيين في الوظيفة الفنية بالإدارة، فإن صلاحيته للبقاء لا يجوز أن تكون محل منازعة بالاستناد إلى ما استحدثه القانون رقم 113 لسنة 1946 من اشتراط حصول المرشح على إجازة الحقوق أو ما يعادلها؛ لأن المقصود بذلك هو المعين منذ العمل بهذا القانون، دون المساس بمن تم تعيينه صحيحاً قبل ذلك، وإلا كان ذلك تطبيقاً للقانون الأخير بأثر رجعي دون نص.
4 - متى كان تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة قد تم صحيحاً، ثم أبقى عليه عند إعادة تشكيل إدارة القضايا في سنة 1946، فمن حقه أن يأخذ حقه في الترقية متى توافرت فيه شروطها.


إجراءات الطعن

في 4 من مارس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 300 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 9 من يناير سنة 1958 في الدعوى رقم 463 لسنة 11 ق المقامة من السيد/ عبد الحفيظ عبد الواحد تركي ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة، القاضي "بإلغاء القرار الوزاري رقم 45 لسنة 1956 الصادر بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات". وقد طلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، مع إلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المدعي عليها في 16 و22 من مارس سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 22 من مارس سنة 1958، وبعد انقضاء مواعيد الطعن القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، عين لنظر الطعن جلسة 21 من مارس سنة 1959. وفي 9 من فبراير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 463 لسنة 11 ق ضد وزارة العدل وإدارة قضايا الحكومة أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيريتها في 19 من يناير سنة 1957 طالباً الحكم "بإلغاء القرار الوزاري رقم 45 لسنة 1956 الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامهما بمصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة": وقال بياناً لدعواه إنه بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1956 أصدر وزير العدل القرار رقم 45 لسنة 1956 بحركة ترقية محامين من الفئة الممتازة إلى وظائف نواب بإدارة القضايا، وقد تخطاه هذا القرار في الترقية إلى وظيفة نائب رغم أن ترتيبه في الأقدمية كان الثاني. وقال إنه تظلم من هذا التخطي في الميعاد في 3 من أكتوبر سنة 1956 بانياً تظلمه على أنه عين بتاريخ 6 من يناير سنة 1946 مندوباً من الدرجة الثالثة بقضايا الحكومة، وظل يرقى درجات السلم الوظيفي بكفاية حتى بلغ درجة محامٍ من الفئة الممتازة، ولكنه تخطى في الترقية إلى درجة نائب بمن كانوا يلونه في ترتيب الأقدمية، رغم أن ملف خدمته حافل بكل ما يزين الموظف من كفاية وأمانة وطول باع في العمل وتمرس بجوانبه. وطلب في ختام تظلمه سحب القرار المتشكى منه وترقيته في دوره في تاريخ القرار المطعون فيه. وقد ردت إدارة قضايا الحكومة على التظلم بما يتضمن الأمور الآتية: أولاً - أن المدعي يحمل إجازة القضاء الشرعي عام 1937، وأنه عين بأقلام قضايا الحكومة مندوباً ومحامياً من الدرجة الثالثة في 6 من يناير سنة 1946، ولما أعيد إنشاء إدارة القضايا بموجب القانون رقم 113 لسنة 1946 أعيد تعيينه مندوباً بها، وكان عند تعيينه قد تخلف فيه شرط الحصول على شهادة الليسانس أو الشهادة الأجنبية المعادلة لها المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 66 لسنة 1943 باستقلال القضاء وبمقتضى المادة 70 من قانون استقلال القضاء التي تشترط فيمن يعين مساعداً بالنيابة أن يكون مستكملاً للشروط المبينة في المادة الأولى منه، وهي تنص على الليسانس أو الشهادة الأجنبية المعادلة لها بشرط النجاح في امتحان المعادلة طبقاً للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وهذا النص يحيل إليه قانون إنشاء إدارة القضايا رقم 113 لسنة 1946 في المادة السابعة منه، وإذ تخلف هذا الشرط كان تعيينه باطلاً، ويظل البطلان لاصقاً بوضعه ولو ارتقى درجات سلم الوظائف الفنية في تلك الإدارة حتى أصبح محامياً من الفئة الممتازة، إلا أنه رؤى الانتفاع به في المرافعة أمام المحاكم الشرعية، وإذ ألغيت هذه المحاكم بالقانون رقم 624 لسنة 1956 فقد ترك في الترقية؛ لأنه بعد صدور هذا القانون لم يعد ممكناً الاستمرار فيما فات. ويعقب المدعي على هذا بأن مقتضى نظر إدارة القضايا - إن صح جدلاً - هو بطلان قرار تعيينه بطلاناً أصلياً بحيث لا تلحقه الإجازة، وكان يترتب منطقياً على ذلك إعفاء المدعي من وظيفته، ولكنه رقي في هذه الوظيفة خمس مرات متواليات إلى درجات عليا، فأصبح تخطيه في الترقية بعد ذلك غير جائز أن يدفع بهذه الذريعة. أما قول إدارة القضايا بأنه رغم بطلان قرار التعيين فقد رؤى الانتفاع به في المرافعة لدى المحاكم الشرعية حتى إذ ألغيت لم يعد ممكناً الاستمرار فيما فات؛ وجاز من ثم تخطيه فإنه مردود بالأوجه الآتية: أولاً - إن اختصاص المحاكم الشرعية لم يلغ بإلغاء هذه الجهة القضائية طبقاً للقانون رقم 624 لسنة 1956، وإنما انتقل هذا الاختصاص إلى محاكم القانون العام، كما أدمج رجال القضاء الشرعي في نظام القضاء العام؛ وعلى ذلك فإن القانون المذكور لم يغير في الأمر شيئاً، ولا يزال مجال الانتفاع بالمدعي منفسحاً أمام محاكم القانون العام؛ ومن ثم لا يصح التحدي بالإلغاء لتبرير التخطي في الترقية؛ لأن الصلة بينهما منقطعة. ثانياً - إن القانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن المحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة قد وفر للمحامين الشرعيين الصلاحية العامة للمرافعة أمام المحاكم الوطنية، وسوى بينهم وبين زملائهم لدى هذه المحاكم، ويترتب على ذلك أن صلاحية المدعي لم تعد مقصورة على المرافعة في المنازعات الشرعية، بل تعدتها إلى المرافعة لدى محاكم القانون العام في جميع أنواع المنازعات بلا استثناء، وليس محل منازعة أنه يمارس فعلاً المرافعة في جميع ما يطلب منه من أعمال لدى المحاكم الوطنية بجميع اختصاصاتها. ثالثاً - إن الموظفين الفنيين في القسم الشرعي بإدارة قضايا الحكومة لا يخضعون لشروط التعيين التي أشارت إليها المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة القضايا؛ لأن هذه الشروط إنما تنسحب بطبيعتها على الموظفين الفنيين الذين يعملون في الأقسام التي تباشر الدفاع عن الحكومة لدى محاكم القانون العام أو محكمة القضاء الإداري. وقد كان في أقلام القضايا الملغاة قسم شرعي، وظل هذا القسم قائماً بعد إنشاء إدارة القضايا سنة 1946، وعندما أعيد تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة ألحق بالقسم الشرعي، وقد جرى عرف إدارة القضايا طوال السنوات اللاحقة لإنشائها على تفسير حكم المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946 على هذا النحو، من حيث تخصيصه بطبيعة العمل الذي يتولاه الموظف الفني بإدارة القضايا؛ ولهذا لا يصح تطبيقه على رجال القسم الشرعي أمثال المدعي؛ نزولاً على مقتضيات المصلحة العامة وطبيعة العمل الذي يتولاه من تمرسوا بأعمال القسم الشرعي. والدليل على ذلك أن المحامين لدى المحاكم الشرعية قد أصبحوا - بعد إدماجهم بالقانون رقم 625 لسنة 1955 في شأن نظام المحامين لدى المحاكم الوطنية - صالحين للمرافعة لدى هذه المحاكم في جميع أنواع المنازعات، مع أنهم لم تكن تتوافر فيهم من قبل شروط الصلاحية التي نص عليها قانون المحاماة. وفضلاً عما تقدم فقد أدمج الأعضاء الفنيون بالقسم الشرعي بوزارة الأوقاف ضمن إدارة قضايا وزارة الأوقاف بمقتضى القانون رقم 364 لسنة 1956، وسوى بينهم وبين رجال إدارة القضايا في الدرجات المالية. وهذا الإدماج الذي تم بالقانون المذكور هو الذي كان قائماً في إدارة قضايا الحكومة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 113 لسنة 1946، وعلى أساسه فسر هذا القانون تفسيراً صحيحاً. ويترتب على ذلك أن التمسك ببطلان تعيين المدعي أصبح الآن لا يجدي؛ لأن الحصول على إجازة الحقوق أو ما يعادلها لم يصبح شرطاً للصلاحية في ممارسة مهنة المحاماة أمام محاكم القانون العام، وهي مصدر من مصادر التعيين في إدارة قضايا الحكومة عموماً، كما لم يعتبر شرطاً لإدماج الفنيين في القسم الشرعي بوزارة الأوقاف في إدارة قضاياها ووضعهم في الدرجات المماثلة في إدارة القضايا. أما ما تتحدى به إدارة القضايا من أن وظيفة النائب تؤهل لوظيفة المستشار، ولا يبلغها إلا من أحاط بكل فروع الفقه القانوني، وتمرس في ضروب العمل القضائي، فيرد عليه بأن المدعي قد فقه قانون السماء وكتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ودرس فقه أئمة المسلمين، ثم ألم فوق هذا بالقوانين الوضعية المعمول بها أمام المحاكم المصرية، وعمله بالإدارة يتناول ذلك كله. ولا مراء في أن من توافرت فيه هذه الإحاطة والخبرة تتوافر فيه الأهلية لوظيفة المستشار، ولا أدل على ذلك مما شرعه الشارع في المادة الثانية من القانون رقم 625 لسنة 1955 الخاص بالمحامين لدى المحاكم الشرعية الملغاة من تخويلهم الحضور في جميع الدعاوى والتحقيقات طبقاً لأحكام القانون رقم 98 لسنة 1944. وقد ورد المذكرة الإيضاحية تفسيراً لهذه المادة ما يأتي: "قد أطلق لهم حق الحضور في ضروب الأقضية جميعاً وفي التحقيقات وفق أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية، ذلك أن دراستهم وخبرتهم في الشريعة الغراء تتيح لهم في يسر الإحاطة بالتشريعات الوضعية التي تطبقها المحاكم الوطنية". وختم المدعي صحيفة دعواه بأن السيد مفوض الدولة قد بحث موضوع تظلمه، كما أطلع على دفاع إدارة قضايا الحكومة وتعقيب المدعي على هذا الدفاع، وانتهى إلى أن التظلم مبني على أساس من القانون؛ ويتعين من ثم سحب القرار المطعون فيه الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من ترك المدعي في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة. غير أن السيد وزير العدل قرر رغم ذلك حفظ التظلم، وعدم إجابة المدعي إلى ما يطلبه؛ الأمر الذي اضطر معه إلى الطعن في القرار بالدعوى الحالية. وقدرت ردت الحكومة على الدعوى بأن التعيين في وظيفة فنية بإدارة قضايا الحكومة طبقاً لقانون إنشائها رقم 113 لسنة 1946 (والمدعي أعيد تعيينه بتلك الإدارة في ظل هذا القانون) رهين بتوافر شروط الصلاحية التي حددتها المادة السابعة من القانون المذكور، وهي تنص على أن "شأن المستشارين الملكيين بالنسبة إلى شروط التوظف والمرتبات شأن مستشاري قسم الرأي بمجلس الدولة، وشأن باقي الموظفين الفنيين في ذلك شأن رجال النيابة العمومية. ومع ذلك يجوز أن يعفى من شرط الحصول على المعادلة المستشارون الملكيون والموظفون الفنيون الحاليون في أقسام قضايا الحكومة، وفيما عدا ما تقدم تسري في شأنهم القواعد المقررة في شأن سائر الموظفين". وبالرجوع إلى قانون استقلال للقضاء آنذاك رقم 66 لسنة 1943 في شأن شروط توظف رجال النيابة العمومية يتبين أن المادة 70 منه تنص على أنه "يشترط فيمن يعين مساعداً للنيابة أن يكون مستكملاً للشروط المبينة بالمادة الأولى من هذا القانون على ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة، ويشترط فيمن يعين ملحقاً بالنيابة العامة بصفة معاون أن يستكمل هذه الشروط على ألا تقل سنه عن تسع عشرة سنة". وبمطالعة المادة الأولى المشار إليها يتضح أنها قضت بأنه "يشترط فيمن يولي القضاء 1- ....... 2- ....... 3- أن يكون حاصلاً على درجة ليسانس من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المصرية أو على شهادة أجنبية معادلة لها، وأن ينجح في هذه الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقاً للقوانين واللوائح الخاصة بذلك". وظاهر من نص المادة الأولى التي يحيل إليها قانون إدارة القضايا أنه لم يعد جائزاً تعيين عضو فني بهذه الإدارة إلا أن يكون حاصلاً على درجة ليسانس من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المصرية أو على شهادة أجنبية معادلة بشرط أن يؤدي في الحالة الأخيرة امتحان المعادلة بنجاح طبقاً للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وهذا الشرط جوهري لا مناص من مراعاته، ولا يجوز الإعفاء منه إلا بالنسبة إلى من كان حاصلاً على شهادة أجنبية معادلة لدرجة ليسانس في الحقوق من المستشارين الملكيين والموظفين الفنيين العاملين وقتذاك في أقسام قضايا الحكومة عند صدور القانون رقم 113 لسنة 1946 والاستثناء بطبيعته مقصور على ما تناوله وانصب عليه، فلا يجوز التوسع فيه عن طريق إضافة مؤهل آخر غير ما نص عليه صراحة بمقتضاه. وإذ كانت شهادة القضاء الشرعي غير معتبرة بالبداهة شهادة أجنبية معادلة لدرجة الليسانس في الحقوق في حكم المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946، فلا يصح أن يكتفي بها للتعيين في إدارة قضايا الحكومة طبقاً لقانون إنشائها بالنسبة لأي موظف فني كان ملحقاً بأقسام قضايا الحكومة عند صدور القانون المذكور؛ ومن ثم يكون تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة قد وقع باطلاً لاعتماده على مجرد حصوله على إجازة القضاء الشرعي، والتعيين الباطل يظل مشوباً بهذا العيب أبداً مهما تقادم عليه الزمن. ومع ذلك فقد رؤى الانتفاع بجهود المدعي، في نطاق تخصصه، وهو المرافعة في أقضية الحكومة أمام المحاكم الشرعية، أما التمسك بتطبيق حكم القانون رقم 624 لسنة 1955 على حالته - وهو القانون الخاص بتنظيم شئون رجال القضاء الشرعي المنقولين إلى المحاكم الوطنية - فلا يجديه نفعاً؛ لأن هذا القانون يتمخض استثناء من أحكام المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 باستقلال القضاء؛ فلا يطبق من ثم إلا على من عنتهم نصوصه صراحة، وهم قضاة المحاكم الشرعية الملغاة والموظفون القضائيون بتلك المحاكم، حسبما صرح بذلك في المادة الأولى من القانون رقم 624 لسنة 1955. ولو قد صح القياس في هذا المعرض، لما أمكن ترقية المدعي من درجته المالية الحالية إلى الدرجة الأعلى مباشرة إلا بعد انقضاء عشرين سنة على الأقل على اشتغاله بالعمل القانوني. ولما كان المدعي قد مارس هذا العمل أول مرة منذ تعيينه بأقلام قضايا الحكومة في 6 من يناير سنة 1946 فإنه لا يتأتى ترقيته إلى درجة وكيل محكمة قبل عام 1966 طبقاً للفقرة (هـ) من المادة الثالثة من القانون رقم 624 لسنة 1955، ولا يجوز في هذا الموطن التحدي بأن راتب المدعي الآن قدره ستون جنيهاً شهرياً، وهو ذات المربوط الثابت المقرر لوظيفة "نائب بالمحكمة الشرعية" الداخلة في حكم الفقرة (د) من المادة الثالثة من القانون رقم 624 لسنة 1955 المقررة لدرجة رؤساء النيابة المعادلة لدرجة نائب بإدارة قضايا الحكومة - لا يجوز التحدي بذلك؛ لأن العبرة في الدرجة هي بأول مربوطها لا بما يصل إليه الراتب بعد ذلك عن طريق العلاوات. وأضافت الحكومة إلى ما تقدم أنه إذا امتنع القياس على الحكم الاستثنائي الذي استحدثه القانون رقم 624 لسنة 1955، ولم يصدر قانون بتطبيقه على المدعي أسوة برجال القضاء الشرعي المندمجين في القضاء الوطني، فإن حالته تغدو محكومة بأحكام قانون استقلال القضاء رقم 66 لسنة 1943 الذي أحال عليه قانون إنشاء إدارة القضايا رقم 113 لسنة 1946. والأصل المستفاد من نصوص قانون استقلال القضاء في المواد 2 و8 و67 و69 و73 منه أن شغل الموظف الفني لمختلف الوظائف القضائية يتم إما بالتعيين المبتدأ فيها، وإما بالترقية إليها من الوظائف الأدنى في مدارج سلم الوظائف؛ وعلى ذلك فإنه يشترط فيمن يقلد أية وظيفة من الوظائف القضائية أن يكون مستكملاً للشروط المبينة في المادة الأولى من قانون استقلال القضاء، مستجمعاً كذلك للشرائط الخاصة بالوظيفة المرقى إليها، ولا يجوز أن يتخلف في مستحق الترقي أي من شروط التعيين في الوظيفة القضائية، ومن بينها شرط الحصول على إجازة الليسانس في الحقوق. وختمت الحكومة دفاعها بأن نظرية الحق المكتسب لا تفلح في إزالة العيب الجوهري العالق بقرار تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة؛ لأن هذا القرار جاء مخالفاً في رأيها لنص متعلق بالنظام العام. وإذا كان القرار مشوباً بمثل هذا العيب الصارخ، امتنع أن يكتسب المستفيد منه مركزاً قانونياً قابلاً للتحصين، وبخاصة وأن الوظيفة التي تعلق بها أمله في الترقية إليها هي من الوظائف الأساسية التي تقوم على التوجيه وتؤهل لوظائف المستشارين. وبجلسة 9 من يناير سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") "بإلغاء القرار الإداري رقم 45 لسنة 1956 الصادر بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات". وأقامت قضاءها على "أنه وإن كان قرار تعيين المدعي بإدارة قضايا الحكومة قد صدر مخالفاً للقانون كما تقدم، إلا أنه من القرارات التي تكتسب حصانة قانونية تعصمه من الطعن بالإلغاء لفوات المدة المقررة للطعن فيه، ولما كان المدعي قد فات عليه أكثر من عشر سنوات في وظيفة محامٍ بإدارة قضايا الحكومة، فإنه يكون قد اكتسب مركزاً قانونياً باعتباره محامياً بتلك الإدارة، وله أن يستفيد من جميع الآثار المترتبة عليه، ومن هذه الآثار حقه في الترقية أسوة بزملائه وحقه في ممارسة أعمال وظيفته وحقه في مرتبه وعلاواته الدورية وفي التدرج والترقي إلى حيث تصل به أقدميته وكفايته. ولا اعتداد بما جاء بمذكرة إدارة القضايا من أن بطلان قرار التعيين يظل عالقاً به أبداً لتعلق موضوعه بالنظام العام، وأن الوظيفة لا تكسب شاغلها حقاً، وإنما تكسبه مركزاً قانونياً فحسب - لا اعتداد بذلك؛ إذ أنه ليس في تدرج المدعي في الترقيات حتى يصل إلى وظيفة مستشار بإدارة قضايا الحكومة ما يخالف النظام العام؛ إذ أن الاختصاص الذي كان يباشره المدعي - وهو العمل الخاص بالقسم الشرعي - لا يزال قائماً، وكل ما هنالك أن هذا الاختصاص نقل إلى المحاكم الوطنية بدلاً من المحاكم الشرعية، ولا أدل على ذلك من أن القضاة الشرعيين الذي نقلوا إلى المحاكم الوطنية تطبيقاً للقانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية قد نقلوا على اختلاف درجاتهم إلى القضاء الوطني في الدرجات المماثلة، وقد يصلون إلى وظائف المستشارين، لا فارق بينهم وبين مستشاري المحاكم الوطنية"، كما أسست هذا القضاء أيضاً على "أن عمل المدعي كمحامٍ أمام المحاكم الوطنية لن يتغير بعد أن نقل اختصاص المحاكم الشرعية إلى المحاكم الوطنية بالقانون سالف الذكر، فهو لا يخرج عمله عن عمل المحامين الذين كانوا مقبولين للمرافعة أمام المحاكم الشرعية؛ فقد أجيز لهم - بمقتضى المادة العاشرة من القانون المذكور - المرافعة أمام المحاكم الوطنية، استثناء من أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية؛ وعلى ذلك فلا يزال المجال مفتوحاً أمامه للمرافعة أمام المحاكم الوطنية في مسائل الأحوال الشخصية، ولو وصل إلى درجة مستشار أسوة بمستشاري قضايا الحكومة"، وعلى أنه "ما كان يجوز تخطي المدعي في الترقية إلى درجة نائب في القرار المطعون فيه؛ حيث إن الوزارة لا تنازع في أن ترتيبه كان الثاني في وظيفة محامٍ أولى ممتازة، وأن الترقية أجريت بالأقدمية؛ وعلى ذلك يكون طلب المدعي إلغاء القرار رقم 45 لسنة 1956 الصادر في 6 من أغسطس سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة قائماً على أساس سليم".
ومن حيث إن مبنى الطعن أن "محكمة القضاء الإداري أقامت قضاءها على أساس أن قرار التعيين المخالف للقانون الذي تحصن بفوات المدة المقررة للطعن فيه يرتب آثاره القانونية كاملة بما في ذلك الحق في الترقية مستقبلاً"، وأنه قد "فات المحكمة في هذا الصدد أن التعيين بطريق الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة هو من قبيل تولية الموظف وظيفة جديدة لها أهميتها وخطورتها في مدارج سلم الوظائف الفنية بتلك الإدارة، بحيث يتعين فيمن يتولاها أن يكون مؤهلاً تأهيلاً كافياً للقيام بأعبائها وعلى قدر كبير من الدراية القانونية الشاملة التي لا تتوافر قطعاً في شخص غير حاصل على ليسانس الحقوق أو شهادة أجنبية معادلة لها"، وأن "تعيين محامٍ بإدارة قضايا الحكومة غير حاصل على الليسانس، وإذا كانت هناك شبهة في مخالفته للقانون، فلا يمكن بحال من الأحوال الاستناد إليه في ترتيب آثار قانونية مستقبلة مهما طال عليه الزمن، ما دمنا قد خرجنا به إلى نطاق جديد بمناسبة التعيين بطريق الترقية إلى وظيفة نائب التي تتطلب قدراً من الكفاية الخاصة والدراية الشاملة".
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أنه عند إعادة تشكيل إدارة قضايا الحكومة صدرت لذلك قرارات إدارية بتعيين موظفيها تعييناً مبتدأ على مقتضى أحكام القانون رقم 113 لسنة 1946 بعد أن زالت الهيئة التي كانت تسمى بأقسام قضايا الحكومة؛ ولذلك اقتضى الحال إعادة تعيين بعض الموظفين الفنيين الذين كانوا ملحقين بأقلام القضايا في الإدارة المنشأة، وكان أن أصدر السيد وزير العدل آنذاك قراراً في 11 من سبتمبر سنة 1946 بإعادة تعيين المطعون عليه مندوباً بإدارة قضايا الحكومة، وكان من قبل مندوباً بأقلام القضايا المنحلة، وفي 20 من سبتمبر سنة 1947 أصدر وزير العدل قراراً بتثبيت المذكور في وظيفته بصورة نهائية اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1947 لقضائه مدة الاختبار على ما يرام، وفي 27 من إبريل سنة 1949 رقي المطعون عليه محامياً من الدرجة الثانية (300/ 420 ج)، وفي 24 من يناير سنة 1951 أصدر وزير العدل قراراً بترقيته إلى وظيفة محامٍ من الدرجة الأولى في الدرجة (540/ 660 ج)، وبلغ مرتبه الشهري بعد إضافة العلاوة المستحقة 500 م و48 ج في 7 من يناير سنة 1952، ثم صدر قرار وزاري في 18 من إبريل سنة 1954 بتعيين المطعون عليه محامياً من الدرجة الأولى الممتازة في الدرجة (660/ 780 ج)، وفي 29 من إبريل سنة 1954 أصدر وزير العدل قراراً بمنحه مرتباً شهرياً مقداره 25. م و52 ج في الدرجة (660/ 780 ج)، ثم زيد راتبه الشهري بالعلاوات المقررة إلى 59 ج في 7 من يناير سنة 1956، وكان ترتيب أقدميته بين محامي الدرجة الأولى الممتازة بإدارة القضايا الثاني قبل صدور القرار الوزاري المطعون فيه رقم 45 لسنة 1956 في 6 من أغسطس سنة 1956 بتخطيه في الترقية إلى وظيفة نائب بإدارة قضايا الحكومة في الدرجة (780/ 1080 ج)، وقد تظلم من القرار المذكور في الميعاد القانوني، ولما لم يجب إلى ظلامته أقام الدعوى الحالية طاعناً فيه بالإلغاء. أما خدمته السابقة على تعيينه بإدارة القضايا عام 1946 فقد قضاها كلها كاتباً بالمحاكم الشرعية؛ إذ عين في 2 من نوفمبر سنة 1938 كاتباً بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية، وظل بها كاتباً حتى عين بأقلام القضايا مندوباً في 6 من يناير سنة 1946.
ومن حيث إن الحكومة لا تطعن في كفاية المدعي، وإنما تقصر دفاعها على أن تعيينه وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لعدم حصول المدعي على المؤهل اللازم للتعيين، وهو درجة الليسانس في الحقوق أو ما يعادلها، وأن هذا البطلان يظل لصيقاً بتعيينه لا يحصنه فوات أي وقت، بينما لا يقوم الطعن على هذا الوجه، بل ذهب مذهباً آخر لم تتجه إليه الحكومة في دفاعها، وهو أن المدعي بحكم تخصصه في الناحية الشرعية قد لا يصلح لوظيفة النائب وهي وظيفة رئيسية.
ومن حيث إن المدعي عين في ظل القانون رقم 1 لسنة 1923 بتنظيم أعمال قضايا الحكومة الذي لم ينص على شروط خاصة بشأن المؤهل، وإن كان نص في مادته السادسة على أن "يسوى الموظفون الفنيون فيما يتعلق بالمرتبة والمرتبات برجال النيابة الأهلية..."، فعين مستواهم الوظيفي وجعلهم في هذا الخصوص نظراء لرجال النيابة، دون تعيين الشروط اللازمة في المرشح من حيث المؤهل، كما فعل القانون رقم 113 لسنة 1946؛ إذ اتجه في الصياغة اتجاهاً آخر؛ بأن عنى بالنص على وجوب حصول المرشح على درجة الليسانس. وغني عن القول أن القانون رقم 1 لسنة 1923 - وقد سكت عن تعيين هذه الشروط - فإنه يرجع إلى أحكام الدكريتو الصادر في 24 من يونيه سنة 1901 بالتصديق على لائحة المستخدمين الملكيين في مصالح الحكومة، وهو ذلك الدكريتو الذي صرح في مادته الخامسة بأنه "لا يجوز انتخاب مستخدمي المصالح إلا من المترشحين الذين من الأنواع الآتية.... (الثالث) المترشحون الحائزون على دبلومة من مدرسة عليا تابعة لنظارة المعارف العمومية أو دبلومة نالوها خارج القطر واعتبرت كالدبلومة المصرية المعادلة لها طبقاً لنص الأمر العالي الصادر في 10 من إبريل سنة 1897". ولا جدال في أن إجازة القضاء الشرعي التي حصل عليها المطعون عليه في سنة 1937 هي من قبيل المؤهلات العالية التي عناها الدكريتو سالف الذكر.
ومن حيث إنه ليس أدل على صحة تعيين المطعون عليه في ظل قوانين تسمح بذلك من أن الأوضاع الإدارية بإدارة القضايا كانت ولا تزال تقضي بأن تنشأ في تلك الإدارة أقسام متعددة تضطلع بمختلف نواحي المنازعات الخاصة بالحكومة، ومن هذه الأقسام قسم شرعي يتصل عمله بتأهيل المطعون عليه. وقد نظم هذا القسم على أن يكون من اختصاصاته تولي القضايا الشرعية الخاصة ببيت المال، وهذا يقتضي التدخل في القضايا الشرعية لإثبات حق بيت المال، ومن الطبعي أن يعين فيه من يكون تأهيله متفقاً وهذا النوع من القضايا، وإجازة القضاء الشرعي هي المؤهل الذي يعول عليه في التعيين في أمثال هذه الوظائف، سواء في القضاء الشرعي أو في الوظائف النظيرة.
ومن حيث إنه يجب التنبيه إلى أن إدارة القضايا قد أنشئت بأمر عال في سنة 1872، وظلت من تاريخ إنشائها إلى سنة 1946 أداة الدفاع عن مصالح الدولة أمام جهات القضاء ومرجع الحكومة في الشئون التشريعية وفي الإفتاء، ولما أنشئ مجلس الدولة في سنة 1946 وأسند إليه الاختصاص في الإفتاء وصياغة التشريعات فضلاً عما استحدث له من اختصاص في القضاء الإداري، أصبح لا مندوحة من إعادة تنظيم إدارة القضايا على مقتضى هذا الوضع الجديد واقتصار عملها على تمثيل الحكومة أما القضاء للدفاع عن مصالحها، ولما صدر القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة القضايا نقل من هذه الإدارة إلى مجلس الدولة من رؤى نقله إليه، وبقى من رؤى إبقاؤه في تلك الإدارة، وكان من بين هؤلاء المدعي. وليس من شك في أن من عمل إدارة القضايا حتى بعد إعادة تنظيمها بمقتضى القانون المذكور ما هو متصل بالأحوال الشخصية والمواريث وسائر النواحي الشرعية، ويتجلى ذلك بوجه خاص في الدفاع عن حقوق بيت المال وغير ذلك من الشئون الشرعية والأوقاف، وهو السبب في الإبقاء على المدعي بعد إعادة تنظيم الإدارة المذكورة. وغني عن القول أنه ما دام تعيين المدعي قد تم صحيحاً في ظل القوانين التي كانت تحكم هذا التعيين وقتذاك - وهي لم تكن تتطلب إجازة الحقوق للتعيين في الوظيفة الفنية بالإدارة حسبما سلف الإيضاح - فإن صلاحيته للبقاء لا يجوز أن تكون محل منازعة بالاستناد إلى ما استحدثه القانون رقم 113 لسنة 1946 من اشتراط حصول المرشح على إجازة الحقوق أو ما يعادلها؛ لأن المقصود بذلك هو المعين منذ العمل بهذا القانون، دون المساس بمن تم تعيينه صحيحاً قبل ذلك، وإلا كان ذلك تطبيقاً للقانون الأخير بأثر رجعي دون نص.
ومن حيث إنه متى كان تعيين المدعي صحيحاً ثم أبقى عليه عند إعادة تشكيل إدارة القضايا، فمن حقه أن يأخذ حظه في الترقية متى توافرت فيه شروطها، ولا يقف في سبيله في هذا الشأن ما تتحدى به الإدارة من مزاعم حول صحة تعيينه، وقد تبين مما سلف إيضاحه أن هذا التعيين ثم صحيحاً وقت حصوله، واستمر الموظف في عمله على مقتضى القانون رقم 113 لسنة 1946 بعد إذ أعملته الإدارة في حقه.
ومن حيث إنه يجب التنبيه إلى أن الكفاية هي أمر ذاتي بالنسبة إلى الموظف، فلا يجوز أن يعترض على ترقيته لمجرد أمر موضوعي هو ما تدعيه الإدارة من أن مؤهله شرعي، ما دام هو صالحاً للبقاء في الوظيفة كما سلف إيضاحه وما دامت كفايته الذاتية غير منكورة. وآية ذلك أنه لما اندمج القضاء الشرعي في القضاء الوطني بموجب القانون رقم 624 لسنة 1955 لم يكن محيص من الإبقاء على القضاة الشرعيين مع أنهم غير حاصلين على إجازة الحقوق، ولم يكن ذلك مانعاً من أن ينفسح أمامهم مجال الترقية في سلك الوظائف القضائية في القضاء الوطني، شأنهم في ذلك شأن أقرانهم من رجال هذا القضاء الأصليين فيه، دون أن يحتج عليهم بأنهم لا يصلحون بحكم تأهيلهم للوظائف القضائية بالقضاء الوطني، بل كان من اللازم أن ينالوا حظهم في الترقية، ما داموا قد اندمجوا في سلك تلك الوظائف، وأن تتاح لهم الفرصة كي يتكافئوا فيها مع أقرانهم كما يقضي القانون وتوجبه العدالة، أما تقدير الملاءمة فيكون في توزيع الأعمال بحسب استعداد كل موظف ووفقاً لمؤهلاته.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن على غير أساس سليم، حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 1421 لسنة 49 ق جلسة 27 /11 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 216 ص 1049

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ يحيى العموري نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: ماهر قلاده واصف، مصطفى زعزوع، حسين علي حسين وحمدي محمد علي.

----------------

(216)
الطعن رقم 1421 لسنة 49 القضائية

إيجار "إيجار الأماكن" "التنازل عن الإيجار". بيع "بيع جدك".
بيع المتجر. وجوب أن يكون المستأجر بائع الجدك هو المالك له دون أحد سواه. تمسك المؤجر بأنه هو الذي أنشأ الأثاث التجاري بالمحل المؤجر بمنقولاته إلى المستأجر وثبوت ذلك بعقد الإيجار. دفاع جوهري. إغفال الحكم بحثه. قصور.

-----------------
إذ كان القانون المدني قد أباح في المادة 594/ 2 منه للمستأجر أن يتنازل عن الإيجار لغيره بالرغم من وجود الشرط المانع وبالرغم من عدم تنازل المؤجر عن هذا الشرط صراحة أو ضمناً في حالة بيع المصنع أو المتجر إذا توافرت شروط معينة، فلازم ذلك أن يكون المستأجر البائع هو مالك المتجر أو المصنع باعتبار أن جوهر البيع هو نقل ملكية شيء أو حق مالي آخر مقابل ثمن نقدي، ولما كان المتجر في معنى المادة المذكورة يشمل المقومات المعنوية كما يشمل العناصر المادية ومنها المهمات كآلات المصنع والأثاث التجاري، ولئن كانت المقومات المعنوية هي عماد فكرته إلا أن ذلك لا يعني إهدار العناصر المادية إذ لا يقوم المتجر إلا بتوافر بعض العناصر المعنوية التي توائم طبيعة التجارة أو الصناعة إلى جانب أحد العناصر المادية التي لا غنى عنها لوجود المحل التجاري، وإذ كان عنصر الاتصال بالعملاء هو محور العناصر المعنوية وأهمها بحيث يترتب على غيبته انتفاء فكرة المتجر ذاتها، فإن عنصر المهمات المتمثل في آلات المصنع أو في الأثاث التجاري الذي أنشئ بالمكان المؤجر لتهيئته لمباشرة الأعمال التجارية به هو ركيزة العناصر المادية بحيث يستعصى قيام المتجر مع تخلف هذا العنصر إذ بانتفائه يضحى المكان المؤجر خالياً كما أن عدم ملكية المستأجر له مع تواجده يجعل بيعه للمحل وارداً على غير متجر في مفهوم المادة 594/ 2 مدني، لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه هو الذي أنشأ الأثاث التجاري بالمحل المؤجر بمنقولاته إلى المطعون ضده الأول كما أثبت بالعقد المحرر بينهما، وكان مؤدى ذلك أن المستأجر لا يملك ذلك الأثاث وهو ركيزة العناصر المادية الذي يتعين توافره إلى جانب بعض العناصر المعنوية لقيام المتجر وقد التفت الحكم المطعون فيه عن الرد على هذا الدفاع رغم أنه دفاع جوهري إذ من شأنه لو صح لتغير به وجه الرأي في الدعوى، وانتهى إلى رفض دعوى الإخلاء استناداً إلى توافر شروط بيع المحل التجاري، فإنه يكون إلى جانب خطئه في تطبيق القانون قد شابه قصور في التسبيب بما يوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى 249 لسنة 1975 مدني بور سعيد الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء المطعون ضدهما من المحل المؤجر بمنقولاته إلى أولهما بالعقد المؤرخ 1/ 12/ 1964 لتنازله عنه إلى ثانيهما بالمخالفة لبنود العقد. بينما ذهب المطعون ضده الثاني في دفاعه إلى أن ابتاع المحل جدكاً من المطعون ضده الأول الذي استأجره خالياً. وبعد أن أحالت محكمة الدرجة الأولى الدعوى إلى التحقيق وقعد الخصوم عن إحضار شهودهم، قضت بالإخلاء. استأنف المطعون ضده الثاني بالاستئناف 129 لسنة 17 ق الإسماعيلية (مأمورية بور سعيد) كما أقام المطعون ضده الأول استئنافاً فرعياً، وبتاريخ 29/ 4/ 1979 حكمت محكمة الاستئناف في موضوع الاستئنافين بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الأول من أسباب الطعن الإخلال بحق الدفاع والقصور والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيانه يقول إنه أثار دفاعاً أمام محكمة الموضوع حاصلة أنه هو الذي أنشأ المحل التجاري واستدل على ذلك بما أثبت بالعقد من أن المحل مؤجر بمنقولاته، ورتب على ذلك تمسكه بعدم انطباق المادة 594/ 2 من القانون المدني، طالما أن المستأجر ليس مالكاً للمحل التجاري بما يعد تصرفه نزولاً عن الإيجار بغير إذن كتابي منه يبرر طلب الإخلاء، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن الرد على هذا الدفاع الجوهري وانتهى إلى إنزال حكم المادة 594/ 2 مدني على واقعة الدعوى فإنه يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك إنه إذ كان القانون المدني قد أباح في المادة 594/ 2 منه للمستأجر أن يتنازل عن الإيجار لغيره بالرغم من وجود الشرط المانع وبالرغم من عدم تنازل المؤجر عن هذا الشرط صراحة أو ضمناً في حالة بيع المصنع أو المتجر إذا توافرت شروط معينة، فلازم ذلك أن يكون المستأجر البائع هو مالك المتجر أو المصنع باعتبار أن جوهر البيع هو نقل ملكية شيء أو حق مالي آخر مقابل ثمن نقدي، ولما كان المتجر في معنى المادة المذكورة يشمل المقومات المعنوية المتمثلة في حق الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية والحق في الإجارة والرخص والإجازات وحقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، كما يشمل العناصر المادية ومنها المهمات كآلات المصنع والأثاث التجاري، ولئن كانت المقومات المعنوية هي عماد فكرة المتجر إلا أن ذلك لا يعني إهدار العناصر المادية، إذ لا يقوم المتجر إلا بتوافر بعض العناصر المعنوية التي توائم طبيعة التجارة أو الصناعة إلى جانب أحد العناصر المادية التي لا غنى عنها لوجود المحل التجاري، وإذا كان عنصر الاتصال بالعملاء هو محور العناصر المعنوية وأهمها بحيث يترتب على غيبته انتفاء فكرة المتجر ذاتها، فإن عنصر المهمات المتمثل في آلات المصنع أو في الأثاث التجاري الذي أنشئ بالمكان المؤجر لتهيئته لمباشرة الأعمال التجارية به هو ركيزة العناصر المادية بحيث يستعصى قيام المتجر مع تخلف هذا العنصر إذ بانتفائه يضحى المكان المؤجر خالياً، كما أن عدم ملكية المستأجر له مع تواجده يجعل بيعه للمحل وارداً على غير متجر في مفهوم المادة 594/ 2 مدني لما كان ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن هو الذي أنشأ الأثاث التجاري بالمحل المؤجر بمنقولاته إلى المطعون ضده كما أثبت بالعقد المحرر بينهما، وكان مؤدى ذلك أن المستأجر لا يملك ذلك الأثاث وهو ركيزة العناصر المادية الذي يتعين توافره إلى جانب بعض العناصر المعنوية لقيام فكرة المتجر، بما يعني انحسار صفة المتجر عن محل التداعي وخروج المتصرف فيه بالبيع عن نطاق تطبيق المادة 594/ 2 من القانون المدني، وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن الرد على هذا الدفاع رغم أنه دفاع جوهري إذ من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، وانتهى إلى رفض دعوى الإخلاء، استناداً إلى توافر شرط بيع المحل التجاري، فإنه يكون إلى جانب خطئه في تطبيق القانون قد شابه قصور في التسبيب بما يوجب نقضه.

الطعن 129 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 120 ص 1362

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة محيي الدين حسن والسيد إبراهيم الديواني ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

----------------

(120)

القضية رقم 129 لسنة 4 القضائية

(أ) دعوى. صفة. 

الصفة في تمثيل المصالح التي لم تمنح الشخصية الاعتبارية - للوزير الذي تتبعه المصلحة لا لمديرها - انعدام صفة مدير مصلحة الطرق والكباري في تمثيلها أمام القضاء.
(ب) دعوى. 

قبول الدعوى - عدم توافر أسبابه لرفع الدعوى على غير ذي صفة - للمحكمة الحكم بذلك من تلقاء ذاتها ولو لم يكن ثمة دفع بذلك من المدعى عليه أو من هيئة المفوضين.

---------------
1 - إن مصلحة الطرق والكباري ليست شخصاً من الأشخاص الاعتبارية العامة، بل هي في تقسيمات الدولة مصلحة تابعة لوزارة المواصلات وفرع منها ليس لها استقلال ذاتي، ولم يمنحها القانون شخصية اعتبارية تخول مديرها النيابة عنها قانوناً وتمثيلها في التقاضي، وإنما يمثلها في ذلك وزير المواصلات باعتباره المتولي الإشراف على شئون وزارته وفروعها والهيئات التابعة لها التي من بينها هذه المصلحة.
2 - لئن كانت مصلحة الطرق والكباري لم تدفع بعدم قبول الدعوى استناداً إلى انعدام صفة مديرها في التقاضي إذ اختصم بمفرده، ولم توجه الدعوى إلى من له حق تمثيل المصلحة وصفة النيابة عنها قانوناً في التقاضي، وكانت هيئة مفوضي الدولة لم تثر هذا الدفع، إلا أن هذه المحكمة - وهي تنزل حكم القانون في المنازعة الإدارية من حيث الشكل والموضوع معاً على الوجه الصحيح - تملك بحكم رقابتها القانونية للحكم المطعون فيه القضاء من تلقاء ذاتها في هذه المرحلة بعدم قبول الدعوى بعد إذ فات الحكم ذلك، ما دامت قد تحققت لديها أسباب عدم القبول على النحو السالف إيضاحه.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 25 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 129 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بجلسة 26 من نوفمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 395 لسنة 4 القضائية المقامة من سيد أحمد منصور ضد مصلحة الطرق والكباري، والقاضي "بأحقية المدعي في تثبيت إعانة غلاء المعيشة له على أساس أجر يومي قدره 300 م اعتباراً من 17 من إبريل سنة 1951، على ألا تصرف الفروق المالية إلا من 18 من مارس سنة 1953، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت كلاً من الطرفين نصف مصروفات الدعوى، والحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ 100 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام رافعها بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى مصلحة الطرق والكباري في 4 من فبراير سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 11 منه، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 2 من مايو سنة 1959. وفي 6 من إبريل سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة لنظره بجلسة 6 من يونيه سنة 1959، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى آخر جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه النازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 395 لسنة 4 القضائية ضد السيد/ مدير عام مصلحة الطرق والكباري أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 29 من مايو سنة 1957، بناء على قرار لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة الصادر لصالحه بجلسة 16 من مارس سنة 1957 في طلب الإغفاء رقم 329 لسنة 4 القضائية المقدم منه ضد مصلحة الطرق والكباري. وقال بياناً لدعواه إنه عين بالمصلحة المذكورة في درجة صانع غير دقيق بوظيفة عطشجي في 15 من مايو سنة 1939، ولما كانت قواعد كادر العمال والكتب الدورية الصادرة من وزارة المالية وخاصة الكتاب رقم 3 لسنة 1946 والكتاب رقم 83 - 3/ 17 المؤرخ 13 من يناير سنة 1947 تقضي بأن العامل الذي دخل الخدمة بدرجة صانع يعتبر كمساعد الصانع ويمنح درجة الصانع الدقيق من التاريخ التالي لانقضاء خمس سنوات على بدء تعيينه، فإنه يطلب "الحكم على المصلحة بتسوية حالته على أساس منحه درجة صانع دقيق من التاريخ التالي لانقضاء خمس سنوات على بدء تعيينه، وتثبيت علاوة الغلاء طبقاً لقرار مجلس الوزارة الصادر في 18 من مارس سنة 1953، مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية ومالية والمصاريف والأتعاب". وقد ردت مصلحة الطرق والكباري على هذه الدعوى أمام لجنة المساعدة القضائية بأن المدعي عين في خدمتها بوظيفة عطشجي هراس من 15 من مايو سنة 1939، وعند تطبيق قواعد كادر العمال وضع في درجة صانع غير دقيق من تاريخ بدء تعيينه. ونظراً إلى عدم وجود أجل لترقية العطشجي إلى درجة صانع دقيق، وعدم ورود وظيفة عطشجي هراس بكادر العمال، فقد اتخذت المصلحة أساساً لتسوية حالته وفقاً لأحكام كادر العمال وظيفة "عامل جرار ماكينة أسفلت" أو "عامل عطشجي طلبة"، وهاتان الوظيفتان لم تشترطا قضاء مدة للترقية. ولما كان المدعي لم يؤد اختباراً عند تعيينه فقد افترضت له المصلحة مدة ثماني سنوات على أساس صبي يرقى بعدها إلى وظيفة صانع دقيق. وإذ كان التاريخ التالي لانقضاء هذه المدة يقع بعد أول مايو سنة 1945، فقد طبقت عليه قواعد الترقية العامة، وهي وجود درجات خالية، وقضاء المدة المقررة، وحلول الدور؛ وعلى هذا فقد رقي فعلاً بالأقدمية في 17 من إبريل سنة 1951 ولم تسو حالته تسوية اعتبارية؛ ومن ثم فإنه لا يكون على حق في مطالبته بوظيفة صانع دقيق بعد التاريخ التالي لانقضاء خمس سنوات على بدء خدمته، خصوصاً وأن وظيفته لم ترد بصفة صريحة في الكشوف الملحقة بكادر العمال، وأن هذا الشك يجب أن يفسر لصالح الخزانة، ولا سيما أن بالمصلحة عدداً كبيراً من هذه الطائفة يحملها مبالغ طائلة وأعباء مالية لم تدخل في الحسبان عند تقدير الاعتمادات المالية المقررة لها؛ ولذا يتعين رفض الدعوى. وقد أودع السيد مفوض الدولة في 29 من سبتمبر سنة 1957 تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى "التوصية بالحكم برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات". واستند في ذلك، فيما يتعلق بطلب المدعي تسوية حالته وفقاً لكادر العمال، إلى عدم توافر شروط استحقاق المذكور لدرجة صانع دقيق؛ لعدم ورود وظيفته وهي "عطشجي هراس" في الكشف رقم 6 من الكشوف الملحقة بالكادر المشار إليه. وفيما يختص بطلبه تثبيت إعانة غلاء المعيشة على أساس قرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مارس سنة 1953، إلى عدم أحقيته في هذا الطلب؛ لترتبه على الحكم له في الطلب الأول وهو الواجب رفضه. وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1957 قضت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي في تثبيت إعانة غلاء المعيشة له على أساس أجر يومي قدره 200 م اعتباراً من 17 من إبريل سنة 1951، على ألا تصرف الفروق المالية إلا من 18 من مارس سنة 1953، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت كلاً من الطرفين نصف مصروفات الدعوى، والحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ 100 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن الطلب الأول للمدعي الخاص بتسوية حالته بمنحه درجة صانع دقيق من التاريخ التالي لانقضاء خمس سنوات على بدء تعيينه في غير محله لتخلف شرط وضعه في تلك الدرجة بعد هذه المدة بسبب عدم ورود مهنته وهي "عطشجي هراس" في الكشف رقم 6 الملحق بكادر العمال والخاص بالوظائف التي تحتاج إلى دقة في الدرجة (300/ 400 م)؛ وبذا تكون المصلحة قد أصابت في تطبيق القانون؛ إذ لم تسو حالته تسوية اعتبارية طبقاً لأحكام كادر العمال، بل أعملت في شأنه القواعد العامة للترقية بالنسبة إلى المستقبل، وهي جواز الترقية بعد المدد المنصوص عليها بشرط وجود درجات خالية، فلم ترقه إلا ترقية فعلية بالأقدمية إلى درجة صانع دقيق في 17 من إبريل سنة 1951. واستندت المحكمة في استجابتها إلى الطلب الثاني للمدعي، وهو الخاص بتثبيت إعانة غلاء المعيشة المستحقة له طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من مارس سنة 1953، إلى أنه لما كان الثابت من ملف خدمة المذكور أنه من العمال الذين ثبتت لهم إعانة غلاء المعيشة على أجورهم في 30 من نوفمبر سنة 1950، وأنه نقل إلى درجة أعلى هي درجة صانع دقيق في 17 من إبريل سنة 1951، وأن هذا النقل كان بطريق الترقية، فإنه يكون قد استوفى شرائط الإفادة من أحكام قرار مجلس الوزراء المشار إليه، ويتعين القضاء بتقرير حقه في تثبيت إعانة غلاء المعيشة له على أساس أول مربوط درجته الجديدة وهو 300 م من تاريخ ترقيته إليها في 17 من إبريل سنة 1951، على ألا تصرف الفروق المالية إلا من 18 من مارس سنة 1953. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 25 من يناير سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام رافعها بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن الأساس الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه في تقرير حق المدعي في تثبيت إعانة غلاء المعيشة، وهو أن المذكور قد رقي إلى درجة صانع دقيق في 17 من إبريل سنة 1951، وهي درجة أول مربوطها 300 م يومياً، إنما هو أساس يخالف الواقع؛ ذلك أن المدعي قد رقي إلى درجة صانع دقيق وطبقت عليه المصلحة قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 الذي نص على أن يمنح بداية درجة الصانع الدقيق المرقون إليها من التلاميذ أو مساعدي الصناع أو من درجة صانع غير دقيق أو المعينون من الخارج في حدود النسبة المقررة إذا كان التعيين في إحدى الحرف الواردة في كشوف رقم 6، أما الحرف الواردة في الكشف رقم 5 فيكون التعيين في الدرجة (300/ 500 م) بأجرة أولية قدرها 240 م يومياً. ومقتضى تطبيق هذا القرار أن يبدأ أجر المدعي اليومي على أساس 240 م؛ لكون الوظيفة التي استمر في شغلها هي وظيفة "عطشجي هراس"، وهي غير واردة في الكشف رقم 6؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن طلب الإعفاء المقدم من المدعي في 9 من فبراير سنة 1957 إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية والمقيد بجدولها تحت رقم 329 لسنة 4 القضائية، إنما تقدم به المذكور ضد السيد مدير عام مصلحة الطرق والكباري وحده، وأبلغ به هذا الأخير في 10 من فبراير سنة 1957، ولم يوجهه إلى السيد وزير المواصلات صاحب الصفة في تمثيل الوزارة، التي تتبعها المصلحة المذكورة، والنيابة عنها في التقاضي. وقد صدر قرار اللجنة بجلسة 16 من مارس سنة 1957 بقبول هذا الطلب ضد المصلحة دون الوزارة. كما أن المدعي أقام دعواه رقم 395 لسنة 4 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات ومصلحة السكك الحديدية بعريضته المودعة سكرتيرية المحكمة في 29 من مايو سنة 1957 ضد السيد مدير عام مصلحة الطرق والكباري، مختصماً إياه وحده دون السيد وزير المواصلات الذي لم يدخله طرفاً في المنازعة، وقد أعلنت هذه العريضة في 3 من يونيه سنة 1957 إلى السيد مدير عام المصلحة المشار إليها الذي تولى الدفاع فيها بمذكرته المقدمة إلى السيد مفوض الدولة في 13 من مارس سنة 1957. وبجلسة 26 من نوفمبر سنة 1957 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها المطعون فيه ضد مصلحة الطرق والكباري. وقد أعلن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم إلى السيد مدير عام المصلحة المشار إليها في 4 من فبراير سنة 1958.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت (1) بأن تمثيل الدولة في التقاضي هو فرع من النيابة عنها، وهي نيابة قانونية، المرد في تعيين مداها وبيان حدودها إنما يكون بالرجوع إلى مصدرها وهو القانون، وأن الدولة هي من الأشخاص الاعتبارية العامة. وقد يكون من فروعها ما له الشخصية الاعتبارية كالمديريات والمدن والقرى بالشروط التي يحددها القانون، وكذا الإدارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة التي يمنحها القانون شخصية اعتبارية (المادة 52 من القانون المدني). ومتى توافرت لها هذه الشخصية تمتعت بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبعية، وذلك في الحدود التي قررها القانون، فتكون لها: "أ" ذمة مالية مستقلة. و"ب" أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائها أو التي يقررها القانون. و"ج" حق التقاضي. و"د" موطن مستقل. ويكون لها نائب يعبر عن إرادتها (المادة 53 من القانون المدني). وغني عن البيان أن هذا النائب هو الذي يمثلها عندئذ في التقاضي. وقد يكون من فروع الدولة ما ليست له الشخصية الاعتبارية، كالوزارات والمصالح التي لم يمنحها القانون تلك الشخصية الاعتبارية، والأصل عندئذ أن يمثل الدولة كل وزير في الشئون المتعلقة بوزارته، وذلك بالتطبيق للأصول العامة باعتباره المتولي الإشراف على شئون وزارته والمسئول عنها والذي يقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، إلا إذا أسند القانون صفة النيابة العامة فيما يتعلق بشئون هيئة أو وحدة إدارية معينة إلى رئيسها، فتكون لهذا الأخير عندئذ هذه الصفة بالمدى وفي الحدود التي بينها القانون.
ومن حيث إن مصلحة الطرق والكباري ليست شخصاً من الأشخاص الاعتبارية العامة، بل هي في تقسيمات الدولة مصلحة تابعة لوزارة المواصلات وفرع منها، ليس لها استقلال ذاتي، ولم يمنحها القانون شخصية اعتبارية تخول مديرها النيابة عنها قانوناً وتمثيلها في التقاضي، وإنما يمثلها في ذلك وزير المواصلات باعتباره المتولي الإشراف على شئون وزارته وفروعها والهيئات التابعة لها التي من بينها هذه المصلحة. والحال أن الوزير صاحب الصفة لم يختصم في هذه الدعوى، وإنما رفعت الدعوى وسارت إجراءاتها وحكم فيها ضد مدير المصلحة وحده.
ومن حيث إنه ولئن كانت مصلحة الطرق والكباري لم تدفع بعدم قبول الدعوى استناداً إلى انعدام صفة مديرها في التقاضي؛ إذ اختصم بمفرده ولم توجه الدعوى إلى من له حق تمثيل المصلحة وصفة النيابة عنها قانوناً في التقاضي، وكانت هيئة مفوضي الدولة لم تثر هذا الدفع، إلا أن هذه المحكمة - وهي تنزل حكم القانون في المنازعة الإدارية من حيث الشكل والموضوع معاً على الوجه الصحيح - تملك بحكم رقابتها القانونية للحكم المطعون فيه القضاء من تلقاء ذاتها في هذه المرحلة بعدم قبول الدعوى، بعد إذ فات الحكم ذلك، ما دامت قد تحققت لديها أسباب عدم القبول على النحو السابق إيضاحه.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين القضاء بإلغاء حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى، مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.


(1) راجع السنة الثالثة من هذه المجموعة بند 55 ص 466.

الطعن 272 لسنة 51 ق جلسة 26 /11 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 215 ص 1044

جلسة 26 من نوفمبر سنة 1985

برئاسة السيد المستشار/ جلال الدين أنسي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد راسم نائب رئيس المحكمة، جرجس إسحق، د. رفعت عبد المجيد والسيد السنباطي.

-----------------

(215)
الطعن رقم 272 لسنة 51 القضائية

(1) حكم "الطعن على الحكم". نقض "الأحكام الجائز الطعن عليها".
الحكم الصادر برفض الدفع بعدم قبول تعجيل الاستئناف وبإعادته إلى الإيقاف. جواز الطعن عليه استقلالاً. علة ذلك. م 212 مرافعات.
(2) دعوى "انقضاء الخصومة". استئناف.
الحكم بسقوط الخصومة في الاستئناف. أثره. زوال الخصومة أمام المحكمة وامتناع نظرها للنزاع. ترتيب ذات الأثر بالنسبة للحكم بانقضاء الخصومة ولا يحول دون ذلك سبق صدور حكم قطعي في الدعوى. علة ذلك. م 137/ 1 مرافعات.

----------------
1 - لئن نصت المادة 212 من قانون المرافعات على عدم جواز الطعن استقلالاً في الأحكام التي تصدر أثناء السير في الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها - غير أنها استثنت من ذلك طائفة من الأحكام ومنها تلك الصادرة بوقف الدعوى لأنه لا سبيل إلى إلزام المتضرر منها بالانتظار حتى يزول السبب المعلق عليه الوقف - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض الدفع بعدم قبول تعجيل الاستئناف وبإعادته إلى الإيقاف بما ينطوي على قضاء بوقف الدعوى وكانت أسباب الطعن تتعلق بما فصل فيه الحكم خاصاً بجواز تعجيل الاستئناف وإعادته إلى الإيقاف، فإن الطعن في هذا الحكم يكون جائزاً.
2 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن انقضاء الخصومة طبقاً لنص المادة 140 من قانون المرافعات يترتب عليه ذات الآثار التي تترتب على سقوطها، والنص في الفقرة الأولى من المادة 137 من هذا القانون على أنه "يترتب على الحكم بسقوط الخصومة سقوط الأحكام الصادرة فيها بإجراءات الإثبات وإلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى ولكن لا يسقط الحق في أصل الدعوى ولا في الأحكام القطعية الصادرة فيها ولا في الإجراءات السابقة لتلك الأحكام أو الإقرارات الصادرة من الخصوم أو الأيمان التي حلفوها" مفاده أن الحكم بسقوط الخصومة في الاستئناف يترتب عليه زوالها أمام المحكمة مما يخرج النزاع عن ولايتها ويمتنع عليها النظر فيه - وكان الحكم بانقضاء الخصومة - وعلى ما تقدم بيانه - له ذات الأثر الذي - لا يحول دون إعماله سبق صدور حكم قطعي في الدعوى لأن عدم سقوط هذا الحكم طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 137 المشار إليها وأياً كان موضوعه - ليس من شأنه المساس بما للحكم بانقضاء الخصومة من حجية بصدد زوالها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 6553 سنة 1972 كلي شمال القاهرة بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 15/ 2/ 1972 المتضمن بيع المطعون ضده لها الأطيان المبينة بالصحيفة مع التسليم - حكمت المحكمة بطلبات الطاعنة، استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 2759 سنة 89 ق القاهرة وبجلسة 27/ 6/ 1973 حكمت المحكمة بإيقاف الفصل في الاستئناف لحين صدور حكم نهائي في الدعوى الجنائية أو صدور قرار من النيابة العامة في التحقيق المقيد برقم 14 لسنة 1972 حصر تحقيق الخانكة بخصوص إبلاغ المطعون ضده في تزوير عقد البيع موضوع الدعوى وصحيفة إعلانها ومحضر الجلسة التي نظرت فيها أمام محكمة الدرجة الأولى - عجل المطعون ضده الاستئناف وبجلسة 30/ 12/ 1976 حكمت المحكمة بإعادته للإيقاف لعدم زوال سببه ثم أقامت الطاعنة الدعوى رقم 228 سنة 97 ق استئناف القاهرة بطلب الحكم بانقضاء الخصومة في الاستئناف - وبجلسة 26/ 5/ 1980 حكمت المحكمة بانقضاء الخصومة فيه وإذ عجله المطعون ضده دفعت الطاعنة بعدم قبول التعجيل لسابقة الحكم بانقضاء الخصومة - وفي 30/ 12/ 1980 حكمت المحكمة برفض هذا الدفع وبإعادة أوراق الاستئناف إلى الإيقاف - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي أصلياً بعدم جواز الطعن واحتياطياً رفضه - وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من النيابة بعدم جواز الطعن أن الحكم المطعون فيه غير منه للخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها وأن أسباب الطعن قد انصبت على القضاء برفض الدفع بعدم قبول التعجيل بما لا يجوز معه الطعن في الحكم استقلالاً طبقاً لنص المادة 212 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن المادة 212 من قانون المرافعات و إن نصت على عدم جواز الطعن استقلالاً في الأحكام التي تصدر أثناء السير في الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها - غير أنها استثنت من ذلك طائفة من الأحكام ومنها تلك الصادرة بوقف الدعوى لأنه لا سبيل إلى إلزام المتضرر منها بالانتظار حتى يزول السبب المعلق عليه الوقف - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض الدفع بعدم قبول تعجيل الاستئناف وبإعادته إلى الإيقاف مما ينطوي على قضاء بوقف الدعوى، وكانت أسباب الطعن تتعلق بما فصل فيه الحكم خاصاً بجواز تعجيل الاستئناف وإعادته إلى الإيقاف فإن الطعن في هذا الحكم يكون جائزاً ويكون الدفع على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون - وقالت بياناً لذلك إنه بالحكم بانقضاء الخصومة في الاستئناف تكون المحكمة قد استنفذت ولايتها فيه وإذ لم يبق أمامها ثمة خصومة للفصل فيها فلا يجوز لها بالتالي قبول تعجيله أياً كان سببه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم جواز تعجيل الاستئناف وبإعادته للإيقاف رغم سبق الحكم بانقضاء الخصومة فيه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن انقضاء الخصومة طبقاً لنص المادة 140 من قانون المرافعات يترتب عليه ذات الآثار التي تترتب على سقوطها وكان النص في الفقرة الأولى من المادة 137 من هذا القانون على أنه "يترتب على الحكم بسقوط الخصومة سقوط الأحكام الصادرة فيها بإجراءات الإثبات وإلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك رفع الدعوى ولكن لا يسقط الحق في أصل الدعوى ولا في الأحكام القطعية الصادرة فيها ولا في الإجراءات السابقة لتلك الأحكام أو الإقرارات الصادرة من أو الإيمان التي حلفوها" مفاده أن الحكم بسقوط الخصومة في الاستئناف يترتب عليه زوالها أمام المحكمة بما يخرج النزاع عن ولايتها ويمتنع عليها النظر فيه - وكان الحكم بانقضاء الخصومة - وعلى ما تقدم بيانه - له ذات الأثر الذي لا يحول دون إعماله سبق صدور حكم قطعي في الدعوى لأن عدم سقوط هذا الحكم طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 137 المشار إليها - وأياً كان موضوعه - ليس من شأنه المساس بما للحكم بانقضاء الخصومة من حجية بصدد زوالها - لما كان ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن محكمة الاستئناف بعد أن قضت بوقف الفصل في الدعوى حتى يصدر حكم نهائي في الدعوى الجنائية أو إقرار من النيابة العامة في التحقيق الذي تجريه عادت فحكمت بجلسة 26/ 5/ 1980 بانقضاء الخصومة في الاستئناف إعمالاً للمادة 140/ 1 من قانون المرافعات مما يترتب عليه حتماً عدم جواز تعجيله لنظره والفصل في موضوعه وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول تعجيل الاستئناف وبإعادته للإيقاف فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه ولما تقدم فإنه يتعين الحكم بعدم قبول تعجيل الاستئناف.