الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 سبتمبر 2023

الطعن 928 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 125 ص 1435

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

----------------

(125)

القضية رقم 928 لسنة 4 القضائية

(أ) موظف. 

إجازة اعتيادية. ترخص الإدارة بحسب الأصل في منحها للموظف أو منعها عنه بحسب مقتضيات العمل - تحول هذه الرخصة إلى حق في حالة مرض الموظف ومطالبته باحتساب مدة المرض الزائدة عن إجازته المرضية من رصيد إجازاته الاعتيادية - ليس لرئيس المصلحة في هذه الحالة منع هذا الحق عن الموظف.
(ب) بدل سكن. 

بدل السكن المقرر في لائحة تفاتيش مصلحة الأملاك الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 17/ 8/ 1954 - مناط صرفه أن يكون الموظف قائماً فعلاً بأعمال وظيفة من وظائف تفتيش لا توجد بمقره مساكن.
(ج) مسئولية. 

مسئولية الإدارة. الخطأ الذي تسأل عنه الإدارة - التمييز بين الخطأ المصلحي والخطأ الشخصي - فيصل التفرقة بين النوعين - مسئولية الإدارة عن أخطاء الموظف المصلحية دون أخطائه الشخصية.

----------------
1 - إن الإجازات الاعتيادية هي في الأصل منحة تترخص جهة الإدارة في منحها أو منعها حسبما تقتضيه مصلحة العمل، وقد نصت على ذلك المادة 188 فصل 2 قسم 2 من القانون المالي؛ حيث تقول "الإجازة منحة، فلرؤساء المصالح الحق في منح الإجازات أو رفضها وتقصير مدتها أو إبطالها على حسب مقتضيات المصلحة"، إلا أن هذه الرخصة تنقلب إلى حق يكفله القانون لصالح الموظف في حالة المرض التي يثبت قيامها وفقاً لأحكام القانون، فالموظف المريض لا يستطيع أن يؤدي واجبات وظيفته على خير وجه؛ ومن أجل ذلك قسمت المادة 58 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الإجازات إلى: إجازة عارضة وإجازة اعتيادية وإجازة مرضية، كما حددت المادة 67 مدى استحقاق الموظف للإجازات المرضية فنصت على أنه "يستحق الموظف كل ثلاث سنوات تقضى في الخدمة إجازة مرضية على الوجه الآتي: (1) ثلاثة شهور بمرتب كامل. (2) ثلاثة شهور بنصف مرتب. (3) ثلاثة شهور بربع مرتب. وتمنح الإجازة المرضية بناء على قرار من القومسيون الطبي المختص". وقد بينت المادة 60 من هذا القانون حدود الإجازات الاعتيادية، وذكرت في الفقرة الأخيرة منها ما يفيد صراحة أن حالة مرض الموظف هي الحالة الوحيدة التي تجيز للموظف أن يطالب باحتساب مدة المرض التي زادت عن المسموح به عند المرض من رصيد إجازاته الاعتيادية، فنصت هذه الفقرة على أنه "وفي حالة المرض للموظف أن يستنفد متجمد إجازاته الاعتيادية بجانب ما يستحقه من إجازة مرضية بشرط ألا تزيد الإجازة الاعتيادية على ستة شهور". وتحويل الإجازة المرضية إلى إجازة اعتيادية ليس أمراً جوازياً لرئيس المصلحة، ولقد قطعت المادة 69 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في ذلك؛ حيث نصت على أنه: "للموظف الحق في أن يطلب تحويل الإجازة المرضية سواء بمرتب كامل أو غير كامل إلى إجازة اعتيادية إذا كان له وفر من الإجازات الاعتيادية يسمح بذلك".
2 - إن سكنى موظفي التفاتيش في المساكن المقامة في مقار عملهم هي من الميزات المتعلقة بالموظفين فعلاً لا حكماً، فكل من يكلف بأعمال وظيفة من وظائف تفاتيش مصلحة الأملاك يكون من حقه أن يقيم في المساكن المبنية في مقر التفتيش، فإن لم يكن ثمة مسكن مبني فيها، تعين أن يصرف للموظف بدل سكن مقدراً على أساس النسبة المئوية المحددة من المرتب، وذلك بالتطبيق لأحكام لائحة تفاتيش مصلحة الأملاك الأميرية الصادرة بقرار من مجلس الوزراء في 17 من أغسطس سنة 1954.
3 - إن القاعدة التقليدية في مجال قيام مسئولية الإدارة على أساس ركن الخطأ قد حرصت على التمييز بين الخطأ المصلحي أو المرفقي Faute de service الذي ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته، وبين الخطأ الشخصي Faute personnelle الذي ينسب إلى الموظف؛ ففي الحالة الأولى تقع المسئولية على عاتق الإدارة وحدها، ولا يسأل الموظف عن أخطائه المصلحية، والإدارة هي التي تدفع التعويض، ويكون الاختصاص بالفصل في المنازعة قاصراً على القضاء الإداري. وفي الحالة الثانية تقع المسئولية على عاتق الموظف شخصياً، فيسأل عن خطئه الشخصي، وينفذ الحكم في أمواله الخاصة. ويعتبر الخطأ شخصياً إذا كان العمل الضار مصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره. أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف معرض للخطأ وللصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون مصلحياً. فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته، فكلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطؤه شخصياً يتحمل هو نتائجه. وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف، فإذا كان يهدف من القرار الإداري الذي أصدره إلى تحقيق الصالح العام، أو كان قد تصرف ليحقق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها الإدارية فإن خطأه يندمج في أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام، ويكون خطأ الموظف هنا مصلحياً. أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية أو كان خطؤه جسيماً بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، كالموظف الذي يستعمل سطوة وظيفته في وقف تنفيذ حكم أو أمر أو طلب من المحكمة (المادة 123 من قانون العقوبات)، فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً ويسأل عنه الموظف الذي وقع منه هذا الخطأ في ماله الخاص.


إجراءات الطعن

في 4 من سبتمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 928 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 17 من يوليه سنة 1958 في الدعوى رقم 1175 لسنة 5 ق المقامة من مراد توفيق أنطونيوس ضد وزارة المالية والاقتصاد ومصلحة الأملاك الأميرية، والذي يقضي: "بأحقية المدعي لبدل السكن عن المدة من 29 من يناير سنة 1949 إلى 31 من مارس سنة 1951 طبقاً للائحة التفاتيش، وبدل التخصص عن مدة قيامه بالعمل الهندسي، وكذا مرتب الانتقال طبقاً للتعليمات المالية، وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة لما حكم به ضدها". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه على أساس القضاء بإلغاء القرار الصادر في 31 من يناير سنة 1951 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثالثة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، والقضاء له بالمبلغ الذي خصم من مرتبه على اعتبار أنه تغيب في إجازة مرضية تجاوزت مدتها المقررة له من الإجازات، وتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة". وقد أعلن هذا الطعن إلى الخصم في 6 من أكتوبر سنة 1958، وإلى الحكومة في 13 منه. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من إبريل سنة 1959، فقررت إحالتها إلى المحكمة العليا لجلسة 9 من مايو سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقدم المطعون لصالحه مذكرة في 30 من مايو سنة 1959 انتهى فيها إلى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وموضوعاً، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 1175 لسنة 5 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 31 من مايو سنة 1951 طلب فيها الحكم (أولاً) بإلغاء قرار ترقية كل من: عبد المنعم وهبى وحامد العسكري وفيكتور إسرائيل وعزت عبد الوهاب، وبأحقيته هو للدرجة الثالثة الفنية ابتداء من تاريخ صدور هذا القرار في 31 من يناير سنة 1951، وبإلغاء قرار انتدابه للعمل بمصلحة الإحصاء والتعداد، والقضاء بإعادته لوظيفته الأصلية بالمصلحة، وهي مدير الهندسة الميكانيكية. (ثانياً) القضاء له بالمبالغ المستحقة له من بدل سكنى وبدل تخصص وبدل سيارة واستمارة بدل السفر والمبالغ المخصومة على أساس عدم استحقاقه لإجازات..... ومجموع هذه المبالغ 500 م و318 ج. (ثالثاً) القضاء له بتعويض قدره قرش صاغ واحد ضد السيد مدير عام مصلحة الأملاك بصفته الشخصية. وذلك مع إلزام المعلن إليهم بالمصاريف ومقابل الأتعاب. وقال المدعي شرحاً لدعواه: إنه التحق بمصلحة الأملاك الأميرية في وظيفة مهندس على كادر التفاتيش بالدرجة السادسة الفنية في 7 من يوليه سنة 1926، وظل يعمل في تفاتيش المصلحة حتى أول فبراير سنة 1941؛ حيث نقل إلى الإدارة العامة بالقاهرة، وعندئذ بدأت سلسلة من الإجراءات التعسفية صادرة ضده من موظف كبير صار فيما بعد مديراً عاماً للمصلحة، فنقل المدعي في 16 من نوفمبر سنة 1942 إلى مديرية الجيزة في وظيفة معاون أملاك، ثم نقل من الهندسة المدنية إلى الهندسة الميكانيكية في 10 من ديسمبر سنة 1942، وعين بالإدارة العامة، وبهذا النقل ابتعد عن الموظف الذي كان يضطهده، ثم رقي المدعي منسياً إلى الدرجة الخامسة في أول يوليه سنة 1943، ثم رقي لوظيفة مساعد مدير أعمال في 23 من ديسمبر سنة 1943، وعين وكيلاً لإدارة الهندسة الميكانيكية في 10 من يوليه سنة 1946، وقام بعمل مدير إدارة الهندسة الميكانيكية في 13 من مارس سنة 1947، فمديراً لإدارة الهندسة الميكانيكية في 30 من أغسطس سنة 1947، ومنح الدرجة الرابعة الفنية، وهذا دليل على كفايته. وفي خلال ذلك كان الموظف الكبير الذي يخاصمه قد وصل في ترقياته إلى وظيفة وكيل عام مصلحة الأملاك، فسارع المدعي إلى طلب نقله من المصلحة نهائياً حتى يبتعد عنه، فصدر قرار بنقل المدعي إلى وظيفة مدير للورش الأميرية، ولكن الوزير عدل عن تنفيذ هذا القرار استمساكاً بالمدعي في مصلحة الأملاك. ولقد عارض المدعي رئيسه في مسألتين: (1) موضوع شراء سيارات نقل للمصلحة (لوريات)، وكان المدعي قد كلف بمعاينتها، فقرر أنها غير صالحة لعمل المصلحة. (2) موضوع شراء ماكينات ديزل بالممارسة، وكان المدعي قد أبدى رأياً مخالفاً لرأي الموظف الذي صار فيما بعد وكيلاً ثم رئيساً للمصلحة. ثم استصدر الموظف المذكور أمراً بضم قسم الهندسة المدنية للهندسة الميكانيكية وجعلهما قسماً واحداً تحت رياسته، ثم استصدر قراراً بنقل المدعي إلى الإسكندرية، وخلق له وظيفة جديدة اسمها (المهندس المقيم بإدكو مريوط)، وذلك اعتباراً من 5 من فبراير سنة 1949. ثم وجه الموظف الكبير للمدعي تهمة سرقة أوراق من ملفات المصلحة، وأبلغ النيابة بذلك، وانتهى الأمر بحفظ البلاغ. ولقد أوقفت المصلحة المدعي عن العمل أربعة أشهر، وأمرته بعد ذلك باستلام العمل من جديد بالإسكندرية في أول فبراير سنة 1950، وخلال ذلك أصدر الموظف الكبير قراراً بنقل المدعي من الكادر الدائم بالمصلحة إلى كادر الأقاليم في 8 من أكتوبر سنة 1950، وفي نفس هذا التاريخ أصدر سيادته أمراً بنقل جميع المهندسين من كادر التفاتيش إلى كادر الديوان العام، وقد صدرت هذه القرارات بعد أن عين الموظف الكبير المشار إليه مديراً عاماً لمصلحة الأملاك. واستمر مدير المصلحة في عدوانه على امتيازات وظيفة المدعي وكان من أمثلة ذلك: (1) منع المدعي من استعمال سيارة المصلحة المخصصة للمهندس المعين بمريوط وإدكو لبعد المسافة بين السكن والعمل. (2) منع عنه صرف بدل السكن المخصص له وقيمة هذا البدل عن 25 شهراً اعتباراً من فبراير سنة 1949 إلى مارس سنة 1951 بواقع 600 م و3 ج في الشهر فيكون مجموع ذلك 90 ج بدل السكن. (3) منع عنه صرف بدل التخصص للمهندسين اعتباراً من أول فبراير سنة 1950 (تنفيذاً للمادة الأولى من القانون رقم 67 لسنة 1950)، أي 15 شهراً، باعتبار 9 ج شهرياً، فيكون مجموع ذلك 135ج بدل تخصص. (4) خصم مبلغ 44 ج من مرتب المدعي على اعتبار أنه تغيب في إجازة مرضية تجاوزت مدتها المقرر له من الإجازات الاعتيادية والمرضية سنتي 1950 و1951. (5) خصم مبلغ 37.5 ج بدل استعمال سيارته الخصوصية في الأعمال المصلحية أثناء وجوده بالمصلحة مديراً لإدارة الهندسة الميكانيكية بمصر، والمصرح له بصرف 250 م و2 ج من وزارة المالية عن كل شهر. (6) خصم منه مبلغ 12ج عن استمارة بدل سفر أثناء قيامه بمأمورية مصلحية من أول سبتمبر سنة 1949 لغاية 17 من سبتمبر سنة 1949، وذلك بدون وجه حق. كذلك سعى مدير المصلحة حتى وفق إلى أن يندب المدعي للعمل بمصلحة التعداد والإحصاء، والمدعي مهندس ميكانيكي لا عمل له في تلك المصلحة التي ندب إليها. وبعد ذلك كله أصدر المدير العام قراراً في 31 من يناير سنة 1951 بترقية كل من: وهبى والعسكري وإسرائيل وعزت إلى الدرجة الثالثة على الرغم من أقدمية المدعي وكفايته، وقد تخطاه بذلك في الترقية مخالفاً أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من مايو سنة 1950 الخاص بنسب الترقية في الكادرين الفني والعالي والإداري، وجعل 50% من الدرجات وقفاً على الأقدمية المطلقة. وقد قال المدعي إنه لو فرضنا جدلاً أنه لا يرقى بالامتياز فإنه، وباعتباره أقدم موظف يستحق الدرجة سواء في مدة الخدمة كلها أو في مدة أقدميته في الدرجة الرابعة، كان يتعين أن يُرقىَّ إلى الدرجة الثالثة في القرار المطعون فيه بالإلغاء. وقد تظلم المدعي من القرار المذكور في 4 من إبريل سنة 1951، ثم بادر إلى رفع هذه الدعوى في 31 من مايو سنة 1951. وفي 29 من مايو سنة 1952 أودعت الحكومة مذكرة بدفاعها فقالت: (1) عن طلب إلغاء قرار انتداب المدعي والحكم بإعادته لوظيفته الأصلية بالمصلحة إنه يخرج عن ولاية القضاء الإداري؛ لأن الانتداب موقوت بطبيعته؛ ومن ثم فإنه ليس قراراً نهائياً يجوز الطعن فيه بالإلغاء. (2) عن طلب إلغاء قرار ترقية بعض زملاء المدعي إلى الدرجة الثالثة في 31 من يناير سنة 1951 فإنه لا يقوم على سند من القانون؛ لأن: "أ" المطعون في ترقيتهم حاصلون جميعاً على دبلومات عالية، ومرتبون في كادر الوظائف الدائمة بند أول حرف ( أ ) أي في الكادر الفني العالي. بينما المدعي حاصل على دبلوم فني متوسط، وهو دبلوم الفنون والصنايع، ومرتب في الكادر الفني المتوسط بند 32 حرف ( أ ) بميزانية المديريات والمحافظات. وقد جرت المصلحة منذ سنوات طويلة على أن تكون الترقيات في حدود كل بند على حدة بالنسبة للدرجات التي تخلو به. "ب" ولأنه لو تمشينا جدلاً مع المدعي ووضعناه ضمن أقدمية موظفي الدرجة الرابعة بالديوان العام المرتبين بالكادر الفني العالي، فإن أقدميته بالنسبة لمن رقوا إلى الدرجات الثالثة في قرار 31 من يناير سنة 1951 لا تسمح بترقيته؛ لأن الدرجات محل الطعن هي أربع درجات خالية يخصص اثنتان منها للترقية بالأقدمية واثنتان للترقية بالاختيار طبقاً لقواعد التيسير. ولما كان ترتيب المدعي هو الرابع حسبما يدعى فإن الدور في الترقية لا يمكن أن يلحقه؛ ذلك مع ملاحظة أن حامد العسكري وفيكتور إسرائيل يسبقان المدعي في أقدمية الدرجة الرابعة. وحاصل هذا القول أن المدعي غير محق في طلبه الترقية إلى الدرجة الثالثة بالأقدمية؛ لأن الدرجات موضوع المنازعة مندرجة ضمن الكادر الفني العالي في حين أن المدعي يدخل في صلب الكادر المتوسط. وعلى أية حال فإن أقدميته لا تسمح له بالترقية. (3) أما بالنسبة للمبالغ التي يقول المدعي إنه يستحقها وأن المصلحة منعت صرفها إليه، فدفاع الحكومة عنها ما يأتي: "أ" عن المطالبة بمبلغ 44 ج فرق مرتب عن مدد الإجازات المرضية قدمت الحكومة كشفاً بتلك المدد وتواريخها، وقالت إن الإجازات التي حصل عليها المدعي كان بعضها اعتيادية بماهية كاملة بناء طلبه، والبعض الآخر كان بموجب كشوف طبية، وأن تسويتها إلى أنواعها المبينة بالكشف المقدم للمحكمة قرين كل فترة كان متمشياً مع القواعد العامة للإجازات، وأن طلب المدعي رد ما خصم منه عن مدد الإجازات التي بنصف ماهية أو بربع ماهية هو طلب في غير محله ويستحق الرفض. "ب" عن المطالبة بمبلغ 90 ج بدل السكنى تقول الحكومة إنه تحدد بالأمر الصادر في 29 من يناير سنة 1949 بنقله لوظيفة مهندس مقيم بمريوط وإدكو لمباشرة العمل بهاتين المنطقتين اعتباراً من 5 من فبراير سنة 1949 أن يسكن المدعي بالإسكندرية بصفة مؤقتة لحين بناء المنزل اللازم لسكنه بمركز التفتيش. وظاهر من كشف الإجازات التي حصل عليها المدعي وتبلغ في مجموعها 270 يوماً منذ أول يناير سنة 1949 لغاية آخر مارس سنة 1951 مضافاً إليها مدة الإيقاف وقدرها أربعة أشهر من 28/ 9/ 1949 لغاية 20/ 1/ 1950 أن هذا الموظف لم يسكن بمدينة الإسكندرية؛ ولهذا فإنه لا يمكن أن يصرف له بدل السكن الذي يطالب به. "ج" عن المطالبة بصرف بدل التخصص اعتباراً من شهر فبراير سنة 1950 بواقع 9 ج شهرياً تقول الحكومة إن خطاب وزارة المالية الدوري في 27 من يونيه سنة 1950 رقم ف 245 - 1/ 105 بصرف بدل تخصص قدره 9 ج شهرياً لموظفي الدرجة الرابعة يخصم منه الفرق في زيادة إعانة الغلاء وقدرها ثلاثة جنيهات شهرياً طبقاً لكتاب وزارة المالية الدوري في 26 من فبراير سنة 1950 رقم ف 234 - 13/ 27 يشترط للصرف أن يتوافر في الموظفين الشرطان الأساسيان الآتي بيانهما: (1): أن يكون المهندس حاصلاً على شهادة جامعية أو ما يعادلها، وهي ما يؤهل للتعيين في الدرجة السادسة وأن يكون حاصلاً على لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية. (2) أن يكون الموظف مشتغلاً بأعمال هندسية بحتة. ونظراً لأن الشرط الثاني غير متوافر للمدعي؛ لأنه لم يباشر أعمالاً هندسية بالمنطقة التي تحددت مدة وجوده بها، فإنه لا يكون له حق المطالبة ببدل التخصص لعدم أحقيته له. (4) عن المطالبة بصرف مبلغ 500 م و37 ج بدل استعمال سيارته الخاصة في الأعمال المصلحية أثناء وجوده بالمصلحة قبل تفتيش مريوط، ففي ذلك تقول الحكومة إن المدعي قدم طلباً للمصلحة في 18 من نوفمبر سنة 1947 لتصرف له مرتب انتقال ثابت نظير استعماله سيارته الخاصة في الأعمال المصلحية، فوافقت الوزارة بخطابها في 5 من أكتوبر سنة 1948 على صرف مرتب انتقال ثابت له على أساس ما يصرف للموظفين الذين يستعملون الموتوسيكلات في الأعمال المصلحية، أي بواقع ثلاث مليمات عن كل كيلو متر يقطعه بالسيارة بحد أقصى قدره 350 م و2 ج شهرياً، فالتمس المدعي إعادة النظر في هذا الرد من جانب الوزارة التي أصرت أخيراً على رأيها؛ ومن أجل هذا فقد عمل له إذن صرف بالمبلغ الذي يستحقه وقدره 306 م و4 ج عن المدة من 5 من أكتوبر سنة 1948 تاريخ موافقة الوزارة على طلبه لغاية تاريخ نقله من وظيفة مدير إدارة الهندسة الميكانيكية إلى تفتيش مريوط، ولكن المدعي رفض استلامه مدعياً أحقيته في مرتب الانتقال من 18 من نوفمبر سنة 1947 تاريخ تقديم طلبه. وقد رفض المدعي طلب المصلحة منه تقديم كشف تفصيلي ببيان انتقالاته وموضوع المأمورية الخاصة بكل انتقال. وقد رأت المصلحة قصر الصرف على المدة من تاريخ موافقة الوزارة على الصرف وتعلية المبلغ وقدره 306 م و4 ج بقائمة الأمانات. ثم ردت الوزارة على ما أثاره المدعي فيما يتعلق بشراء سيارات النقل (لوريات) وبشراء ماكينات الديزل، فقالت إن المدعي أراد بذلك أن يدرأ مقدماً عن نفسه الشبهات التي حامت حوله في هاتين المسألتين: فأما عن موضوع اللوريات فإنه يتضح من المستند رقم 167 ملف 102/ 4/ 43 جـ 10: أن الشركة الشرقية للسيارات والنقل عرضت استعدادها لتوريد خمسة لوريات، ورأت المصلحة حجز اللوريات المطلوبة، وشكلت لجنة لمعاينتها من موظفين بإدارات الهندسة والحسابات والتجارة والمخازن، وأخذت المصلحة اللازم منها على أساس السعر الذي أقرته مصلحة النقل الميكانيكي ووزارة التجارة والصناعة، ولم يكن للمدعي دخل في مشترى هذه اللوريات. وقد رأت المصلحة أن من المصلحة العامة إبعاد المدعي عن هذه العملية لسوء سمعته وما ترامى إليها من اتصاله بالشركات والجمهور اتصالاً مريباً لمصلحته الخاصة. أما عن موضوع ماكينات الديزال فقد تقدم المدعي إلى المصلحة بمذكرة في سنة 1948 يشيد فيها ببعض ماكينات من طراز معين عثر عليها بالسوق ووصفها بأنها في حكم الجديدة تقريباً، ولا تزال بصناديقها لدى أحد التجار (إميل عوض)، ويوصي المدعي بمشتراها، وقال إنه يمكنه الحصول عليها بثمن مخفض حوالي ستمائة جنيه للماكينة الواحدة. وقد تأشر على هذه المذكرة بالاتصال بأصحاب هذه الماكينات والتعرف على ثمنها النهائي. وبعد أيام أفاد المدعي أنه اتصل بالتاجر وأنه يطلب ثمناً للواحدة منها من 900 جنيه إلى ألف جنيه، فلم توافق المصلحة إلا إذا قبل التاجر تخفيض الثمن. وبعد ذلك عاد المدعي فكتب يقول إن التاجر لم يقبل أقل من تسعمائة جنيه للواحدة، فأشرت المصلحة بعدم الموافقة. وبعد ذلك تصادف قيام المدعي في إجازة، ولزيادة الاطمئنان ولتعرف أثمان السوق كلفت المصلحة وكيل إدارة الهندسة الميكانيكية بتعرف أثمان الماكينات بالسوق بمحلات كوك أو غيره، فعرف أن ثمن الواحدة منها يوازي حوالي ألف جنيه تقريباً. ولما كانت الحاجة ماسة إلى ماكينات، بالتطبيق لتصريح وزارة المالية في 14 من نوفمبر سنة 1948 بشراء آلات زراعية وماكينات وطلبات للري والصرف وخلافه، سواء أكانت جديدة أم مستعملة بالممارسة، فقد كلفت المصلحة مدير إدارة التجارة والمخازن بالاتصال شخصياً ومباشرة بالتاجر إميل عوض ومحاولة تخفيض الثمن إلى ما يقارب أثمان التوريد السابق، وقد نفذ ذلك فعلاً واستدعى التاجر ووصل معه إلى ثمن حوالي سبعمائة جنيه للماكينة الواحدة. ثم عرض الموضوع على لجنة الممارسة فأقرت توريد الماكينات المطلوبة بالسعر المعروض وقدره 732 ج للواحدة. فلما أن عاد المدعي من إجازته هاله ما وصلت إليه المصلحة عن غير طريقه، وأبدى للمدير العام شفوياً بأنه في إمكانه تخفيض الثمن لأكثر من هذا الرقم، فأرجأت المصلحة إجراءات اعتماد توصية اللجنة أملاً في أن يصل المدعي إلى تخفيض جديد كما يزعم، ولكن الأيام انقضت دون الوصول إلى نتيجة، وانتهت المصلحة إلى اعتماد توصيات لجنة المشتريات. وبعد ذلك قال المدعي للمدير إن التاجر قبل شفوياً تخفيض مائة جنيه عن كل ماكينة؛ ولذلك أوقفت المصلحة إرسال الاعتماد وأمر التوريد إلى التاجر أملاً في وصول المدعي إلى التخفيض المزعوم، ولكن تبين للمصلحة أن كل ما قاله المدعي غير صحيح، وبلغ المصلحة أن اتصال المدعي بالتاجر هو اتصال غير شريف، وحصل بينهما خلاف انقلب إلى عداء. وقد استدعى مدير عام المصلحة ذلك التاجر، واطلع بنفسه على فواتير مشتراة من السلطة العسكرية، وبعد ذلك أمر المدير بإرسال الاعتماد وأمر التوريد إلى التاجر. وقد لمست المصلحة في خطوات المدعي على النحو المتقدم مسلك الاعوجاج وعدم الاستقامة وشكت في نزاهته واتصالاته بالتجار والجمهور مما حدا بالمصلحة إلى استبعاده من عضوية لجنة المشتريات بالممارسة ثم التوصية بإسناد عمل أقل مسئولية إليه ووضعه تحت رقابة رئيس حازم يقظ. وترتب على ذلك إدماج الهندسة الميكانيكية في الهندسة المدنية، ونقل المدعي إلى مريوط وإبعاده عن كل عمل يتطلب الاستقامة والنزاهة. ثم تقول الحكومة في دفاعها إنه في 11 من سبتمبر سنة 1949 أبلغ الموظف المختص بحفظ الدوسيهات بإدارة التجارة والمخازن أن المدعي دخل غرفة الإدارة وتحصل على الملف المختص بموضوع شراء ماكينات الديزل ونسخ بعض أوراقه، ونزع من الملف ست ورقات، فشكلت المصلحة لجنة إدارية لعمل تحقيق تهميدي أسفر عن صحة فقد هذه الأوراق، وانحصرت تهمة السرقة في المدعي، وأبلغ الأمر إلى البوليس والنيابة التي أمرت بتفتيش منزله. ونظراً لأن التحقيق كان قبل الظهر وحصول التفتيش كان في الساعة السابعة مساء فقد شعر المدعي بحرج موقفه. وطبعي أنه كان من اليسير عليه تمزيق أو حرق الأوراق في لحظات قبل إجراء التفتيش. أما الأوراق المفقودة فتقول الحكومة إنها كانت كلها هي الماسة بنزاهة المدعي والناطقة باعوجاجه، ولا مصلحة لغيره في إزالتها من الملف؛ لأنها عبارة عن المذكرة التي تقدم بها إلى المصلحة والتي يشيد فيها بالماكينات الديزل المشتراة للمصلحة والتي أوضح فيها أن ثمن الواحدة منها لا يقل عن تسعمائة جنيه إلى ألف جنيه تقريباً، في حين أن المصلحة اشترتها بثمن قدره 732 جنيهاً للواحدة عن غير طريقه. فما أن أدرك أن أمر تلاعبه وعدم استقامته أصبح مفضوحاً بادر إلى نزع مذكراته عن هذا الموضوع من الملف ليتخلص من أثرها. وقد ثبت ذلك في مذكرة السيد مستشار قسم الرأي بمجلس الدولة (مستند رقم 617 من ملف خدمته، الجزء الثالث)؛ حيث جاء بها أن المدعي استولى على الملف المذكور بدون إذن أحد الرؤساء بالإدارة، كما أنه لم يكن هناك مبرر لأخذ الملف سوى انتزاع الأوراق التي له وحده مصلحة في تلاشيها. وقالت الحكومة في آخر دفاعها إن المدعي منذ أن التحق بخدمتها لم يبد أي نشاط أو غيرة على العمل، كما وأنه لم يكن على وفاق مع زملائه، وكانت تصرفاته دائماً موضع شك وريبة. وخلصت الحكومة إلى طلب الحكم برفض طلبات المدعي؛ لأنها تقوم على غير سند من القانون، والقضاء بعدم اختصاص المحكمة بطلب إلغاء قرار الندب وإعادته لوظيفته بالمصلحة، مع إلزامه بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وبجلسة 17 من يوليه سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") "بأحقية المدعي لبدل السكن عن المدة من 29 من يناير سنة 1949 إلى 31 من مارس سنة 1951 طبقاً للائحة التفاتيش، وبل التخصص عن مدة قيامه بالعمل الهندسي، وكذا مرتب الانتقال طبقاً للتعليمات المالية، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة لما حكم به ضدها". وذهبت محكمة القضاء الإداري في أسباب رفضها طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 31 من يناير سنة 1951 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية إلى أن المدعي كان مقيداً وقت إجراء حركة الترقيات المطعون فيها على ميزانية الأقاليم، وكان بالكادر الفني المتوسط، بينما كان المطعون في ترقيتهم مقيدين على ميزانية الديوان العام وكانوا بالكادر الفني العالي والإداري. والثابت من محضر لجنة شئون الموظفين أن الترقيات المطعون فيها قد تمت في كادر الإدارة العامة. وظاهر من ميزانية سنة 1950/ 1951 أن كادر الديوان العام منفصل عن كادر الأقاليم. فلكل منهما درجات خاصة مسلسلة. ولما كانت الترقية من درجة إلى أخرى لا تكون إلا من نوع الوظيفة التي يشغلها الموظف، فنية أو إدارية أو كتابية، طبقاً لنص المادة 33 من القانون رقم 210 لسنة 1951، فإن المدعي لا يكون له مصلحة في الطعن في القرار المذكور، وبالتالي يتعين رفضه. ولا يجدي في ذلك ما ذهب إليه المدعي من أنه يعتبر مقيداً في الكادر الإداري؛ نظراً لأنه كان يشغل وظيفة مدير إدارة الهندسة الميكانيكية، وهي من الوظائف المندرجة تحت الوظائف الإدارية في الميزانية - لا يجدي قوله هذا في ذلك، طالما أنه كان مقيداً في ميزانية الأقاليم، وهي ميزانية منفصلة عن ميزانية الديوان العام. أما فيما يتعلق بالطلب الثاني الخاص بصرف المبالغ التي أشار إليها المدعي في صحيفة دعواه وفي مذكرته الختامية، فإنه: (1) عن المبالغ التي خصمت منه نظير الإجازات المرضية التي حصل عليها في المدة من 20 من يناير سنة 1951 لغاية 21 من مارس سنة 1951، أي 61 يوماً، فإن الثابت من الاطلاع على ملف خدمة المدعي (ص 709) أن مذكرة من إدارة المستخدمين بالمصلحة قد رفعت في 10 من إبريل سنة 1951 إلى السيد المدير العام جاء فيها أنه يجوز بمقتضى التعليمات الخاصة بالإجازات: إما احتساب المدة المذكورة إجازة اعتيادية؛ لأن المدعي لم يحصل على إجازات اعتيادية في ذلك العام، وإما احتسابها إجازة مرضية، فوافق المدير العام على احتسابها إجازة مرضية. ثم قالت المحكمة إنه لما كان تحويل الإجازة المرضية إلى إجازة اعتيادية هو أمر جوازي لرئيس المصلحة، وليس هناك دليل من الأوراق على أن رئيس المصلحة قد تعسف في استعمال السلطة مع المدعي، ولما كانت الإجازة الاعتيادية تعتبر منحة، ولا إلزام على جهة الإدارة في منحها للمدعي، طالما أن حالة العمل لا تسمح بذلك؛ فمن ثم يكون طلب المدعي في رد المبالغ التي خصمت من راتبه نظير الإجازات المرضية طلباً في غير محله متعيناً رفضه. (2) وعن الطلب الخاص بصرف قيمة بدل السكن فإن المدعي محق في ذلك عن المدة من تاريخ تعيينه مهندساً مقيماً في مريوط من 29 من يناير سنة 1949 إلى تاريخ ندبه بمصلحة التعداد والإحصاء في 31 من مارس سنة 1951. (3) وعن الطلب الخاص بصرف مقابل بدل استعمال سيارته الخاصة، فإنه لا يوجد في لوائح الحكومة ما يسمح بذلك، ما لم يعتبر طلب المدعي في هذا الشق بمثابة مرتب انتقال، وتأسيساً على ذلك وافقت وزارة المالية على صرف مرتب الانتقال هذا للمدعي قياساً على ما يصرف للموظفين الذين يستعملون الموتوسيكلات في الأعمال المصلحية بالتطبيق للتعليمات المالية التي أقرتها وزارة المالية بكتابها رقم ع 60 - 10/ 11 في 5 من أكتوبر سنة 1948. (4) وعن الطلب الخاص بصرف بدل سفر عن قيامه بأعمال مصلحية في المدة من 1/ 9/ 1949 لغاية 17 منه فإن الثابت أن المصلحة قد صرفت للمدعي بدل السفر عن المدة من 1/ 9/ 1949 لغاية 5 منه؛ لقيامه بعمل مصلحي. أما عن المدة الباقية التي يطالب بها فإن المدعي قد قضاها في التحقيق بالنيابة. وأياً كانت نتيجة التحقيق معه فإن المصلحة لا تكون مسئولة عن مصاريف مثل هذا السفر لمثل ذلك الغرض؛ فيتعين رفض هذا الطلب. (5) وعن الطلب الخاص بصرف بدل التخصص اعتباراً من أول فبراير سنة 1950 بالتطبيق لأحكام القانون رقم 67 لسنة 1950 فإن المدعي محق في طلبه ويتعين قبوله. أما فيما يتعلق بالبند الثالث من طلبات المدعي، وهو الرامي إلى طلب القضاء له بالتعويض المؤقت بقرش صاغ واحد ضد السيد مدير مصلحة الأملاك الأميرية السابق، وبصفته الشخصية، فإن محكمة القضاء الإداري قالت في ذلك إن من المقرر فقهاً وقضاء بأنه يشترط في دعوى التعويض هذه توافر أركان المسئولية الثلاثة وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، ولم يقدم المدعي ما يفيد توافر واحد من هذه الأركان. وعلى الأخص فقد انعدم ركن الضرر الذي لم يقدم المدعي عنه أي دليل. وثابت من الأوراق أن ركني الخطأ والضرر غير متوافرين؛ فمن ثم يكون طلب التعويض بغير سند من القانون، متعيناً رفضه.
ومن حيث إن مبنى الطعن ينحصر في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في: (1) رفض طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في 31 من يناير سنة 1951 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية. (2) وفي رفض طلب استرداد المبالغ التي خصمت منه نظير الإجازات المرضية. واستند تقرير الطعن في الشق الأول منه على أن المدعي كان يشغل عند صدور القرار المطعون فيه وظيفة مدير إدارة الهندسة الميكانيكية، وهي إحدى وظائف الدرجة الرابعة المنقولة إلى ميزانية الإدارة العامة؛ ومن ثم فإن المدعي يعتبر بحكم قانون الميزانية منقولاً بدرجته إلى الإدارة العامة اعتباراً من أول سنة 1950 تاريخ نفاذ تلك الميزانية. والثابت أن ميزانية مصلحة الأملاك الأميرية لسنة 1950/ 1951 وما بعدها قد تضمنت نقل وظائف المهندسين المدنيين والميكانيكيين من كادر الوظائف الدائمة بميزانية التفاتيش بند (11) فصل (2) إلى مثيلاتها بميزانية الإدارة العامة بند (1) ألف. والحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن المدعي كان مقيداً على ميزانية الأقاليم وقت صدور القرار المطعون فيه يكون قد خالف مقتضى قانون الميزانية. كما أخطأ الحكم المطعون فيه إذ استند فيما قضى به من رفض طلب إلغاء القرار الوزاري المذكور إلى نص المادة 33 من قانون نظام موظفي الدولة، مع أن الواقعة المطروحة لا يحكمها القانون رقم 210 لسنة 1951 لصدورها قبل العمل به، وأن المدعي بحكم وظيفته في الميزانية يشغل الدرجة الرابعة في الكادر الإداري، وقد تمت الترقيات المطعون فيها بين رجال هذا الكادر. وفضلاً عن ذلك فإن القرار المطلوب إلغاؤه قد تضمن ترقية فيكتور إسرائيل الذي كان يتبع الكادر الكتابي ويلي المدعي في أقدمية الدرجة الرابعة بالتطبيق لقواعد التنسيق. واستند تقرير الطعن في الشق الثاني منه على أن الإجازة الاعتيادية في الأصل منحة، ولكنها تنقلب إلى حق في حالة وحيدة هي حالة المرض، وقد أكد هذا الأصل العام ما نصت عليه المادة 60 من قانون الموظفين. وفيما عدا هذين الشقين من الحكم المطعون فيه فقد انتهى تقرير الطعن إلى طلب تأييد الحكم المذكور، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول من الطعن، وهو طلب إلغاء القرار الوزاري الصادر في 31 من يناير سنة 1951 بترقية السادة حامد العسكري وفيكتور إسرائيل وعبد المنعم وهبى إلى الدرجة الثالثة بالكادر الإداري اعتباراً من أول يناير سنة 1951 فيما تضمنه ذلك القرار من تخطي المدعي في الترقية إلى تلك الدرجة، فقد انحصر دفاع الحكومة فيما اعتنقه الحكم المطعون فيه من أن المدعي كان وقت صدور قرار الترقيات مقيداً بالكادر الفني المتوسط؛ لأنه كان على ميزانية الأقاليم بالمصلحة، في حين كان السادة الذين رقوا في القرار المطعون فيه بالكادر الإداري على ميزانية الديوان العام.
ومن حيث إنه يبين من استظهار ملف خدمة المدعي أنه حاصل على دبلوم مدرسة الفنون والصنايع (قسم الكهرباء والميكانيكا سنة 1924)، واشتغل مدرساً للرياضة بمجلس مديرية أسيوط، ثم عين في وظيفة مساعد مهندس بوزارة الأشغال في أول إبريل سنة 1926، ثم ملاحظ هندسة بالدرجة السادسة الفنية بقسم التفاتيش بمصلحة الأملاك في 7 من يوليه سنة 1926، وظل يعمل في هذه الوظيفة بتفاتيش المصلحة حتى أول فبراير سنة 1941، حيث نقل إلى الإدارة العامة بالقاهرة، ثم نقل في 16 من نوفمبر سنة 1942 إلى مديرية الجيزة للقيام بعمل معاون أملاك، فتظلم من هذا النقل وطلب أن ينقل من قسم الهندسة المدنية إلى قسم الهندسة الميكانيكية، فتم له ذلك في10 من ديسمبر سنة 1942، وعين بالإدارة العامة من جديد، ثم رقي منسياً إلى الدرجة الخامسة في أول يوليه سنة 1943، ومنح لقب مساعد مدير أعمال في 22 من ديسمبر سنة 1943، ثم وكيلاً لإدارة الهندسة الميكانيكية في العاشر من شهر يوليه سنة 1946، وقام بعمل مدير إدارة الهندسة الميكانيكية في 13 من مارس سنة 1947، ثم رقي إلى الدرجة الرابعة الفنية في 19 من يوليه سنة 1947، وقام بعمل مدير الإدارة الهندسية الميكانيكية في 30 من أغسطس سنة 1947، وقد أرجعت أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة إلى أول يوليه سنة 1947 بالتطبيق لقواعد التنسيق.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى ميزانية وزارة الاقتصاد الوطني قسم 7 فرع 2 مصلحة الأملاك الأميرية لسنة 1950/ 1951 وما بعدها من ميزانيات، يبين للمحكمة أنها قد صدرت متضمنة نقل وظائف المهندسين والميكانيكيين من كادر الوظائف الدائمة بميزانية التفاتيش إلى مثيلاتها بميزانية الإدارة العامة؛ فقد جاء في مجلد ميزانية الدولة المصرية لتلك السنة - ص 128 تحت بند (1) ماهيات وأجور ومرتبات - ( أ ) الدرجات الدائمة "في الوظائف الفنية العالية والإدارية: المدير عام درجة واحدة مدير عام ( أ )، ووكيل المدير العام درجة واحدة مدير عام (ب)، ثم درجتان أولى لكل من وكيل المدير العام والمراقب العام، ثم خمس درجات ثانية لمدير إدارة، ثم ست درجات ثالثة لمدير إدارة، ثم درجة رابعة واحدة لرئيس مهندس، ثم أربع درجات رابعة لمدير إدارة، ثم ثلاث درجات رابعة لوكلاء إدارة ثم ست درجات خامسة لوكلاء إدارة، ثم ثلاث درجات خامسة لمهندسين، ثم عشر درجات سادسة لمهندسين". وتنفيذاً لقانون الميزانية هذا أصدر السيد مدير عام المصلحة القرار رقم 719 اعتمد بمقتضاه نقل جميع المهندسين المدنيين والميكانيكيين الذين كانوا مقيدين على غير البند الأول ألف بميزانية الإدارة العامة. كما أصدر المدير العام في سبتمبر سنة 1950 قراراً ثانياً رقم 720 جاء فيه: (بما أنه تقرير بميزانية المصلحة 1950/ 1951 نقل وظائف مفتشي الأملاك من كادر الوظائف الدائمة بميزانية الديوان العام بند أول حرف ألف إلى مثيلاتها بميزانية الأقاليم...)، ثم أورد هذا القرار أسماء السادة مفتشي الأملاك، وجاء خطأ بينهم اسم المدعي، وهو كما سلف البيان من واقع ملف خدمته والوظائف التي شغلها أو قام بأعمالها منذ التحق بخدمة المصلحة، بل وعلى مقتضى المؤهل الذي يحمله، هو مهندس مدني أو ميكانيكي منبت الصلة تماماً بوظائف هذه الطائفة من مفتشي الأملاك وهو يعتبر بالتنفيذ لقانون الميزانية منقولاً إلى ميزانية الإدارة العامة بند أول، وذلك ما لم يكن مقيداً من الأصل على ميزانية الإدارة العامة، كما هو ثابت من ملف خدمته. فالمطعون لصالحه كان قد نقل إلى الإدارة العامة منذ أول فبراير سنة 1941، ومنح لقب مساعد مدير أعمال هندسية بالأعمال الميكانيكية سنة 1944. ومما يؤكد القاعدة التي اتبعتها ميزانية المصلحة لسنة 1950/ 1951 أن ميزانية السنة التالية لها وما بعدها قد جاءت خالية من وظائف المهندسين في الفصل 2 الخاص بميزانية التفاتيش بالمصلحة. ففي صفحة 134 من ميزانية الدولة لسنة 1951/ 1952 جاء بالبند 11 فقرة ألف الخاصة بالدرجات الدائمة في الوظائف الفنية العالية والإدارية ما يأتي: (خمس درجات رابعة لمفتشي الأملاك، وست درجات خامسة لمأموري زراعة درجة أولى، وإحدى وعشرون درجة سادسة لمأموري زراعة درجة ثانية...). ويلاحظ أنه ليس في ميزانية كادر التفاتيش درجات ثالثة، ولا ذكر لوظائف مهندسين مدنيين أو ميكانيكيين. ومما تقدم يكون دفاع المصلحة - القاصر على أن المدعي في الكادر المتوسط ويعمل في وظيفة مفتش تحصيلات وهي تابعة لميزانية الأقاليم، بينما المطعون في ترقيتهم (العسكري وإسرائيل ووهبى) هم بالكادر الإداري بميزانية الديوان العام - دفاعاً لا سند له من قانون ميزانية الدولة ولا من ملف خدمة المدعي، ويتعين بعدئذ فحص قرار الترقية المطعون فيه والصادر في 31 من يناير سنة 1951 على ضوء الأقدمية في الدرجة وما أحاط بمن رقوا من ملابسات لها أثرها عند تقدير مشروعية ذلك القرار.
ومن حيث إن المطعون لصالحه ينعى على القرار المطعون فيه أنه تخطاه في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية بالديوان العام، ورقي بالمخالفة لأحكام القانون كلاً من: (1) حامد العسكري، وهو أول المرقين إلى هذه الدرجة في قرار 31 يناير سنة 1951. (2) فيكتور سليمان إسرائيل، وهو الثاني في ترتيب هذا القرار. وقد بان للمحكمة من الاطلاع على القرار المذكور وعلى محضر لجنة شئون موظفي ومستخدمي مصلحة الأملاك الأميرية بجلستها المنعقدة في 28 من ديسمبر سنة 1950 أن الدرجات الثالثة الخالية وعددها ثلاث درجات، والتي رقي إليها على الترتيب العسكري وإسرائيل ووهبى، كانت مخصصة لوظائف مديري إدارات، ولم يكن حامد العسكري مدير إدارة، وإنما كان مساعداً لمدير أعمال، وكان إلى يوم صدور قرار الترقية المطعون فيه مقيداً بالباب الثالث الوارد بالميزانية تحت عنوان (الأعمال الجديدة)، ثم قامت المصلحة بنقله، في ذات يوم صدور القرار المطعون فيه، إلى الباب الأول فصل (1) الديوان العام، وذلك حتى تدركه الترقية، وقد شمله فعلاً القرار محل الطعن. وقد أغفل الحكم المطعون فيه بحث وضع المطعون في ترقيته الأول، واقتصر على التصدي لوضع فيكتور سليمان إسرائيل، ومع ذلك فقد أخطأ الحكم في النتيجة التي انتهت إليها المقارنة التي عقدها بين أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة من جهة، وبين أقدمية إسرائيل من جهة أخرى. ووجه الخطأ في ذلك أن المدعي كان قد رقي حقيقة إلى الدرجة الرابعة في 19 من يوليه سنة 1947، في حين أن السيد إسرائيل لم يرق إليها فعلاً إلا في 21 من سبتمبر سنة 1947، ثم أرجعت أقدمية الاثنين معاً إلى أول يوليه سنة 1947، تاريخ إتمام كل منهما أربع سنوات في الدرجة الخامسة؛ وذلك بالتطبيق لقواعد التنسيق. وغني عن القول إن هذه القواعد ترتب الأقدمية في مثل هذه الحالة بحسب الأسبقية في تاريخ الترقية الفعلية إلى الدرجة الرابعة؛ ومن ثم يكون المدعي هو الأسبق، وكان يتعين ترقيته في القرار المطعون فيه قبل السيد فيكتور إسرائيل. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه في هذا الشق من طلبات المدعي غير هذا المذهب؛ فإنه يكون قد خالف القانون، ويتعين إلغاؤه، والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية، وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب استرداد المدعي ما خصم منه بدون وجه حق نظير إجازاته المرضية التي حصل عليها في المدة من 30 من يناير سنة 1951 إلى 31 من مارس سنة 1951، وجملتها 61 يوماً، فقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض هذا الطلب استناداً إلى أن تحويل الإجازة المرضية إلى إجازة اعتيادية أمر جوازي لرئيس المصلحة، وأن الإجازة الاعتيادية منحة، ولا إلزام على الإدارة في منحها طالما أن حالة العمل لا تسمح بذلك. ووجه الخطأ في ذلك أنه ولئن كانت الإجازات الاعتيادية هي في الأصل منحة تترخص جهة الإدارة في منحها أو منعها حسبما تقتضيه مصلحة العمل، وقد نصت على ذلك المادة 188 فصل 2 قسم 2 من القانون المالي، بقولها إن "الإجازة منحة فلرؤساء المصالح الحق في منح الإجازات أو رفضها وتقصير مدتها أو إبطالها على حسب مقتضيات المصلحة"، إلا أن هذه الرخصة تنقلب إلى حق يكفله القانون لصالح الموظف في حالة المرض التي يثبت قيامها وفقاً لأحكام القانون. فالموظف المريض حقاً، لا يستطيع أن يؤدي واجبات وظيفته على خير وجه؛ ومن أجل ذلك قسمت المادة 58 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الإجازات إلى: "إجازة عارضة وإجازة اعتيادية وإجازة مرضية"، كما حددت المادة 67 مدى استحقاق الموظف للإجازات المرضية، فنصت على أنه: "يستحق الموظف كل ثلاث سنوات تقضي في الخدمة إجازة مرضية على الوجه الآتي: (1) ثلاثة شهور بمرتب كامل. (2) ثلاثة شهور بنصف مرتب. (3) ثلاثة شهور بربع مرتب وتمنح الإجازة المرضية بناء على قرار من القومسيون الطبي المختص". وقد بينت المادة 60 من هذا القانون حدود الإجازات الاعتيادية، وذكرت في الفقرة الأخيرة منها ما يفيد صراحة أن حالة مرض الموظف هي الحالة الوحيدة التي تجيز للموظف أن يطالب باحتساب مدة المرض التي زادت عن المسموح به عند المرض من رصيد إجازاته الاعتيادية، فنصت هذه الفقرة على أنه "وفي حالة المرض للموظف أن يستنفد متجمد إجازاته الاعتيادية بجانب ما يستحقه من إجازة مرضية بشرط ألا تزيد الإجازة الاعتيادية على ستة شهور". ولم تغب هذه القاعدة عن مدير مستخدمي المصلحة فتقدم إلى السيد المدير العام بمذكرة في 10 من إبريل سنة 1951 جاء فيها: "أن السيد مراد توفيق أنطونيوس طلب الترخيص له بإجازة عرضية في 20 و21 من يناير سنة 1951 لعذر قهري، ولم يعد لعمله بعد انتهائها، ثم أرسل طلباً في 22 من يناير سنة 1951 أوضح فيه أنه مريض وملازم للفراش، وطلب توقيع الكشف الطبي عليه، ثم كشف عليه طبياً، ومنح الإجازات الطبية الآتي بيانها: 10 أيام من 6 من مارس سنة 1951 إلى 15 منه لإصابته بنزيف بالأنف، 10 أيام من 26 من مارس سنة 1951 إلى 7 من إبريل سنة 1951 بسبب خراج وناسور وعمل عملية جراحية، 20 يوماً من 8 من إبريل سنة 1951 إلى 27 منه بسبب شق جراحي بأسفل الخلف وبذلك تكون جملة المدة الممنوحة له 67 يوماً من 20 من يناير سنة 1951 إلى 27 من مارس سنة 1951 وأنه في يوم 28 من إبريل سنة 1951 قدم طلباً لاحتساب المدة التي تغيبها من 20 من يناير سنة 1951 إلى 21 من مارس سنة 1951 وقدرها 61 يوماً لأنه عاد إلى العمل قبل انتهاء الإجازة، وذلك بصفة إجازة اعتيادية. وتبدي الإدارة أنه يجوز للسيد المدير العام بمقتضى التعليمات الخاصة بالإجازات في القانون المالي إما الموافقة على احتساب هذه المدة إجازة اعتيادية؛ لأن هذا الموظف لم يحصل على إجازات اعتيادية هذا العام، وإما احتسابها بصفة إجازة مرضية، ما دام أنه أخذها بكشوف طبية، وفي هذه الحالة تحسب مدة غيابه كالآتي: يومان هما 20 و21 من يناير سنة 1951 بصفة إجازة اعتيادية، لأنه لا يجوز منح إجازة عرضية سابقة لإجازة اعتيادية أو مرضية. 4 أيام من 22 من يناير سنة 1951 لغاية 25 منه بصفة إجازة مرضية بنصف ماهية تكميلاً للستين يوماً التي يجوز منحها إليه بهذه الصفة. 55 يوماً من 26 من يناير سنة 1951 لغاية 21 من مارس سنة 1951 بصفة إجازة مرضية بربع ماهية، ويكون مجموعها 61 يوماً". ولكن السيد المدير العام رفض أن يوافق على احتساب مدة مرض المدعي الزائدة عن المستحق قانوناً من رصيد الإجازات الاعتيادية؛ استناداً خاطئاً منه إلى أن تحويل الإجازة المرضية إلى إجازة اعتيادية أمر جوازي لرئيس المصلحة. ولقد قطعت المادة 69 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في ذلك، وأبرزت وجه الخطأ فيما ذهب إليه السيد مدير المصلحة؛ فقد نصت على أن: "للموظف الحق في أن يطلب تحويل الإجازة المرضية سواء بمرتب كامل أو غير كامل إلى إجازة اعتيادية إذا كان له وفر من الإجازات الاعتيادية يسمح بذلك". ومن ثم فإن المدعي يستحق أن يقضي له برد ما استقطع منه بدون حق مقابل مدة انقطاعه بسبب المرض، وذلك في الفترة المحددة في مذكرة مدير المستخدمين بالمصلحة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه، في هذا الشق من الطلبات، غير هذا المذهب، فإنه يكون قد أخطأ في تفسير القانون وتأويله، ويكون الطعن عليه قد قام على أساس سليم من القانون متعيناً قبوله، والقضاء للمدعي بأحقيته فيه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب صرف قيمة بدل السكن للمدعي، فإن الثابت من ملف خدمته (ص 518) أنه قد جاء في قرار نقله مهندساً مقيماً بمريوط في 29 من يناير سنة 1949 ما يأتي: "على أن يسكن بالإسكندرية بصفة مؤقتة لحين بناء المنزل اللازم لسكنه". ولما كان المدعي معاملاً بلائحة التفاتيش، وهي تبيح لموظفي التفاتيش المعاملين بها ميزة السكن بالمجان في المساكن المقامة في التفاتيش أو يصرف لهم بدل سكن بالفئات المقررة، فمن حق المدعي أن يطالب بصرف بدل السكن عن المدة من تاريخ تعيينه مهندساً مقيماً بمريوط في 29 من يناير سنة 1949 إلى تاريخ ندبه بمصلحة التعداد والإحصاء في 31 من مارس سنة 1951. ولا حجة في القول بأن المدعي تابع لميزانية الإدارة العامة وليس موظفاً بقسم التفتيش - لا حجة في ذلك؛ لأن سكنى موظفي التفاتيش في المساكن المقامة في مقار عملهم هي من الميزات المتعلقة بالموظفين، فعلاً لا حكماً، فكل من يكلف بأعمال وظيفة من وظائف التفتيش يكون من حقه أن يقيم في المساكن المبنية في مقر التفتيش، فإن لم يكن ثمة مسكن مبنى فيها، كما هو الشأن في مريوط خلال سنة 1949 إلى أوائل سنة 1951، تعين أن يصرف للموظف بدل سكن مقدراً على أساس النسبة المئوية المحددة من المرتب، وذلك بالتطبيق لأحكام لائحة تفاتيش مصلحة الأملاك الأميرية الصادرة بقرار من مجلس الوزراء. ويؤكد هذا المعنى ويؤيد الاتجاه السليم الذي أخذ به الحكم المطعون فيه في هذا الشق من الطلبات، ما تضمنته مذكرة اللجنة المالية المرفوعة إلى مجلس الوزراء والتي أقرها بجلسته المنعقدة في 17 من أغسطس سنة 1954: فقد جاء في هذه المذكرة (رقم 1/ 435) ما يأتي: "تبيح لائحة تفاتيش مصلحة الأملاك لموظفي هذه التفاتيش المعاملين بلائحتها ميزة السكن المجاني في منازل المصلحة المقامة هناك، وقد ترتب على ذلك أن تقدم فريق من هؤلاء الموظفين الذين نقلوا في ديوان عام المصلحة أو إلى جهات أخرى غير تلك التفاتيش بتظلم إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد، مطالبين بتقرير حقهم في صرف بدل سكن بواقع 10% من مرتباتهم، فأصدرت هذه اللجنة القضائية في يوليه سنة 1953 قرارها بأحقيتهم في صرف مرتب بدل السكن المذكور استناداً إلى حكم في قضية مماثلة صادر من مجلس الدولة ومحكمة القضاء الإداري بأحقية الموظفين المعينين بمقتضى لائحة التفاتيش في صرف هذا المرتب، وأبدت إدارة قضايا الحكومة أن قرار اللجنة هذا سليم لا جدوى من الطعن فيه. ونظراً لما أشارت إليه مصلحة الأملاك من أنها استطلعت رأي الشعبة المالية والاقتصادية في هذا الشأن، فقد رؤى علاجاً لهذا الموضوع، وإيقافاً لصرف البدل المذكور أن ينقل الموظفون المعاملون بلائحة التفاتيش الذين يعملون بالديوان العام لمصلحة الأملاك أو بالأقاليم والمحافظات إلى وظائف الميزانية العامة للمصلحة وفروعها، وأن يحد من إجراء تنقلات أخرى بين موظفي المصلحة، ما لم تكن هناك درجات خالية تصلح للنقل إليها من كادر التفاتيش وإليها، إلا أنه لما كان موظفو هذه التفاتيش الذين لا يعملون الآن بها يبلغ عددهم نحو 90 موظفاً من مختلف الدرجات، ونقل وظائفهم إلى الميزانية العامة للمصلحة وفروعها وقيد التنقلات المقترح قد لا يتفقان وصالح العمل، فقد رأت مصلحة الأملاك - وأيد رأيها ديوان الموظفين - إنهاء الأمر في موضوع بدل السكن الذي قد يطالب به هؤلاء الموظفون جميعاً باتخاذ إجراء قانوني يقصر منح هذا البدل أو ميزة السكن المجاني على الموظفين الذين يعملون فعلاً في التفاتيش الزراعية وحدهم، وذلك باستصدار قرار من مجلس الوزراء على غرار قراره الصادر في 22 من يوليه سنة 1954 الخاص بموظفي وزارة الزراعة، وهو يقضي بإعفاء الذين يعملون منهم بالمزارع الحكومية من دفع أجور السكن وتوابعها، ومع منح بدل سكن لمن يعمل بهذه المزارع ويضطر إلى السكن على حسابه الخاص لعدم وجود سكن حكومي له. وقد بحثت اللجنة المالية هذا الموضوع، ورأت الموافقة على أن يقتصر الانتفاع بميزة السكن المجاني على موظفي مصلحة الأملاك الذين يعملون بالتفاتيش الزراعية وحدهم، سواء منهم المعاملين بلائحة التفاتيش أو المعاملين بالكادر العام، فيعفى بذلك الموظف ما دام في التفاتيش من دفع أجر السكن وتوابعه، أو يمنح بدل سكن بالفئات المقررة إذا لم يوجد له سكن حكومي فيها. كما ترى اللجنة المالية ألا يصرف بدل سكن لمن ينقل من موظفي تفاتيش مصلحة الأملاك إلى ديوانها العام أو الأقاليم أو المحافظات، سواء في ذلك المعاملون بلائحة التفاتيش والمعاملون بالكادر العام. وقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 17 من أغسطس سنة 1954 على رأي اللجنة المالية المبين في هذه المذكرة. وقد أبلغت وزارة المالية والاقتصاد هذا القرار". وتأسيساً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بأحقية المدعي لبدل السكن عن المدة التي قضاها بمريوط من 29 من يناير سنة 1949 إلى 31 من مارس سنة 1951 طبقاً للائحة التفاتيش قد أصاب الحق في قضائه، ويتعين تأييده في هذا الشق منه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب صرف بدل التخصص للمدعي اعتباراً من أول فبراير سنة 1950 بالتطبيق لأحكام القانون رقم 67 لسنة 1950 بتقرير بدل تخصص للمهندسين، فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت [(1)] بأن استحقاق بدل التخصص للمهندسين منوط بتوافر شرطين: (1) أن يكون المهندس مشتغلاً بأعمال هندسية بحتة. (2) أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية أو ما يعادلها مما يؤهل للتعيين في الدرجة السادسة أو حاصلاً على لقب مهندس. وقد سلف البيان من واقع ملف خدمة المدعي أنه حاصل على مؤهل هندسي (دبلوم مدرسة الفنون والصنايع قسم الكهرباء والميكانيكا سنة 1924)، والتحق بخدمة مصلحة الأملاك الأميرية في وظيفة مهندس بالدرجة السادسة الفنية من 7 من يوليه سنة 1926 على كادر التفاتيش، وظل يعمل بالمصلحة في الهندسة المدنية والميكانيكية حتى رقي لوظيفة مساعد مدير أعمال، ثم وكيلاً لإدارة الهندسة الميكانيكية، وقام بعمل مدير إدارتها إلى أن بلغ الدرجة الرابعة الفنية منذ عام 1947، وقد منح لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية، فيحق للمدعي، والحالة هذه، أن يطالب ببدل التخصص على النحو الذي قضى به، وبحق، الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب صرف بدل استعمال المدعي لسيارته الخاصة في أعمال إدارة الهندسة الميكانيكية بمصلحة الأملاك، فقد تقدم المدعي بهذا الطلب في 18 من نوفمبر سنة 1947، فوافقت عليه الإدارة العامة للتوريدات والخزانة بوزارة المالية بكتابها في 5 من أكتوبر سنة 1958 وقالت: "إن وزارة المالية توافق على صرف مرتب انتقال للسيد مراد توفيق مدير إدارة الهندسة الميكانيكية بالمصلحة نظير استعماله سيارته الخاصة في الأعمال المصلحية على أساس ما يصرف للموظفين الذين يستعملون الموتوسيكلات في الأعمال المصلحة، أي بواقع ثلاثة مليمات عن كل كيلو متر يقطعه بسيارته، وذلك بحد أقصى 250 م و2 ج شهرياً". ولكن المدعي اعترض على تلك الفئة، وطلب إعادة النظر في قرار المالية، فأفادت بكتابها في 24 من نوفمبر سنة 1948 وجاء فيه أن المدعي "يطلب تعديل مرتب الانتقال السابق تقريره له وطالب بجعله 7.5 مليماً عن كل كيلو متر بحد أقصى خمسة جنيهات شهرياً، أسوة بما كان يصرف لسلفه السيد حسين فؤاد الذي كان مديراً لإدارة الهندسية بشقيها الميكانيكية والمدنية، وكان مرتباً في الدرجة الثانية. وقد فات المدعي أنه مرتب بالدرجة الرابعة المخصصة لوظيفة رئيس مهندسين بالمصلحة، وليس له الحق في استعمال السيارة في الانتقالات المصلحية؛ لذلك لا تزال وزارة المالية عند رأيها الأول، وهو تقرير مرتب انتقال لسيادته بواقع ثلاثة مليمات عن كل كيلو متر يقطعه بسيارته الخاصة، وذلك بحد أقصى قدره 250 م و2 ج شهرياً". وقد قدم المدعي كشفين ببيان الكيلو مترات التي قطعها بسيارته الخاصة في الأعمال المصلحية بمنطقة القاهرة وضواحيها، ولم تعترض المصلحة على ذلك، فيكون من حقه الحصول على مرتب الانتقال هذا بالتطبيق للتعليمات المالية التي أقرتها وزارة المالية بكتابها رقم ع 60 - 10/ 11 في 5 من أكتوبر سنة 1948، وهو تطبيق سليم للوائح المالية التي كانت سارية المفعول عندئذ في شأن مرتبات الانتقال نظير استعمال السيارات والموتوسيكلات الخصوصية في الأعمال المصلحية، وقد فرقت هذه اللائحة في المعاملة وفئة الحساب بين: الموظفين من الدرجة الثالثة وما فوقها من جهة، والموظفين من الدرجتين الرابعة والخامسة من جهة أخرى، فسمحت اللائحة بصرف مرتبات الانتقال بالسيارة الخاصة للطائفة الأولى من الموظفين، أما عن الطائفة الثانية فإنهم يعاملون معاملة الموظفين الذين يتقاضون مرتبات انتقال نظير استعمال موتوسيكلاتهم الخصوصية في الانتقالات المصلحية، فأولئك يصرف لهم مرتب انتقال على أساس عدد الكيلو مترات التي يقطعها كل منهم بموتوسيكل؛ بحيث يكون التعويض عن كل كيلو متر ثلاثة مليمات فقط وبحيث لا يتجاوز ما يصرف لكل منهم 250 و2 ج شهرياً. وقد قضى الحكم المطعون فيه للمدعي بأحقيته في هذا الشق من طلباته، ولم يعترض عليه تقرير هذا الطعن. أما عن طلب المدعي صرف بدل السفر عن قيامه بأعمال مصلحية في المدة من أول سبتمبر سنة 1949 إلى 17 منه، فثابت من الأوراق أن المصلحة حررت للمدعي شيكاً بمبلغ يزيد على أربعة جنيهات مقابل بدل السفر الذي يستحقه عن المدة من أول سبتمبر إلى 5 منه؛ لأن هذه المدة هي وحدها التي قام فيها المدعي بعمل مصلحي. أما عن باقي هذه المدة من 6 من سبتمبر إلى 17 منه فإن المدعي قد قضاها في مرحلة التحقيقات بالنيابة العامة لاتهامه بواقعة لم تثبت ضده، والمصلحة لا تسأل عن مصاريف هذا السفر لمثل هذا الغرض؛ لأن ذلك لا يعتبر عملاً مصلحياً، ويكفي أن تسمح المصلحة للموظف بالتغيب عن عمله أياماً طويلة لتباشر النيابة العامة تحقيقاً معه. وغني عن القول أن تقرير هذا الحق يجب أن يقف عند حد استرداد المصروفات الفعلية والضرورية التي ينفقها الموظف في سبيل خدمة الدولة، ولا يجوز أن يكون راتب بدل السفر مصدر ربح للموظف. وقد أصاب الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض هذا الشق الأخير من طلب المدعي، فإنه لا يقوم على أساس من القانون.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض المؤقت بقرش صاغ واحد ضد السيد مدير عام مصلحة الأملاك الأميرية السابق، بصفته الشخصية، بمقولة إن تصرفاته مع المدعي انبعثت كلها عن رغبته في الانتقام منه والتنكيل به بسبب موقفه من صفقة شراء ماكينات الديزل، وقد اتسمت هذه التصرفات وكانت بسمة اللدد في الخصومة والإمعان في تسخير السلطة العامة شفاءً للأغراض الخاصة، ولم يقدم المدعي في سبيل التدليل على ذلك سوى ما يقوله من أن الخصومة ذهبت بالسيد المدير العام للمصلحة إلى حد اصطناع الأخطاء المادية في القرار رقم 720 الصادر في أكتوبر سنة 1950 بنقل مفتشي الأملاك من ميزانية الإدارة العامة بالمصلحة إلى ميزانية الأقاليم، فزج باسم المدعي بين أسماء أولئك المفتشين مع أن المدعي مهندس، ولا صلة له بوظائف التفتيش على الأملاك، مما أدى بالمدعي إلى أن يظل حتى اليوم في الدرجة الرابعة، في حين أن زملاءه قد بلغوا الدرجة الأولى، ومنهم من اختيروا لمناصب وكلاء الوزارات.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن أعمالها غير التعاقدية، أي عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة، هو قيام خطأ من جانبها؛ بأن يكون القرار الإداري غير مشروع لعيب أو أكثر يكون قد شابه من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن إعادة تنظيمه، والقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، وهذه العيوب هي: مخالفة قواعد الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، بشرط أن يتحقق الضرر الناجم عنها، وأن تقوم رابطة السببية بين الخطأ والضرر. فإذا كان القرار سليماً مطابقاً للقانون، من جميع نواحيه فإن الإدارة لا تسأل عن نتائجه؛ لانتفاء ركن الخطأ.
ومن حيث إن القاعدة التقليدية في مجال قيام مسئولية الإدارة على أساس ركن الخطأ قد حرصت على التمييز بين الخطأ المصلحي أو المرفقي Faute de service الذي ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته، وبين الخطأ الشخصي Faute personnelle الذي ينسب إلى الموظف؛ ففي الحالة الأولى تقع المسئولية على عاتق الإدارة وحدها، ولا يسأل الموظف عن أخطائه المصلحية، والإدارة هي التي تدفع التعويض ويكون الاختصاص بالفصل في المنازعة قاصراً على القضاء الإداري. وفي الحالة الثانية تقع المسئولية على عاتق الموظف شخصياً، فيسأل عن خطئه الشخصي، وينفذ الحكم في أمواله الخاصة. ويعتبر الخطأ شخصياً إذا كان العمل الضار مصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره، أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي، وينم عن موظف معرض للخطأ وللصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون مصلحياً. فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف، وهو يؤدي واجبات وظيفته، فكلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية، كان خطؤه شخصياً يتحمل هو نتائجه. وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي يكون بالبحث وراء نية الموظف، فإذا كان يهدف من القرار الإداري الذي أصدره إلى تحقيق الصالح العام، أو كان قد تصرف ليحقق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها، والتي تدخل في وظيفتها الإدارية، فإن خطأه يندمج في أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها، ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام، ويكون خطأ الموظف هنا مصلحياً. أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية أو كان خطؤه جسيماً بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، كالموظف الذي يستعمل سطوة وظيفته في وقف تنفيذ حكم أو أمر أو طلب من المحكمة (المادة 123 من قانون العقوبات)، فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً ويسأل عنه الموظف الذي وقع منه هذا الخطأ من ماله الخاص.
ومن حيث إن مساءلة السيد مدير عام مصلحة الأملاك الأميرية شخصياً ومن ماله الخاص، مناطه، على ضوء ما تقدم من أصول إدارية وأحكام، وأن تكون التصرفات الإدارية التي صدرت منه في شأن المدعي معيبة بخطأ شخصي، وأن يكون قد ترتب عليها ضرر لحق بالمدعي، وأن تقوم علاقة السببية بين عدم مشروعية تلك التصرفات التي يدعيها المدعي وبين الضرر. وقد بان للمحكمة من الأوراق ومن القرارات التي أصدرها السيد المدير العام في شأن المدعي منذ أن التحق بخدمة تلك المصلحة، أن ثمة خطأ شخصياً، بمفهوم ما تقدم من معايير، لم يقع من مدير المصلحة، ولم يقم المدعي الدليل على أن القرارات الإدارية التي أصدرها المدير لم تكن تهدف إلى تحقيق الصالح العام، أو أنها خرجت عن الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها الإدارية، فإن كانت بعض تلك القرارات قد خالفت التطبيق السليم للقانون أو جانبت الصواب في تفسيره وتأويله، فإن عدم مشروعيتها هذا لا يعدو أن يكون خطأ مصلحياً تترتب عليه مساءلة الإدارة وحدها؛ بحيث لا تلحق المسئولية مدير المصلحة شخصياً. وقد جاء بدفاع المصلحة أنها لمست في خطوات المدعي، عند شراء ماكينات الديزل وشراء السيارات اللوري، الاعوجاج وعدم الاستقامة والشك في نزاهته واتصاله بالجمهور والتجار. مما حدا بالمصلحة إلى استبعاده من عضوية لجنة المشتريات بالممارسة، ثم إسناد عمل أقل مسئولية إليه ووضعه تحت رقابة رئيس حازم يقظ. وترتب على ذلك إدماج إدارتي الهندسة الميكانيكية والهندسية المدنية، ونقل المدعي إلى مريوط وإبعاده عن كل عمل يتطلب الاستقامة والنزاهة. وختمت المصلحة دفاعها بأن المدعي لم يبد أي نشاط أو غيرة على العمل منذ أن التحق بخدمتها، وكان دائماً على غير وفاق مع زملائه الموظفين. وقد بان للمحكمة أن لهذا الدفاع صدى في الأوراق وفي ملف خدمة المدعي؛ مما يبدد زعم المدعي بأن تصرفات السيد مدير عام المصلحة نحوه قد انبعثت كلها عن رغبة في الانتقام منه والتنكيل به، وكانت سمتها اللدد في الخصومة والإمعان في تسخير السلطة العامة شفاء للأغراض الخاصة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض هذا الطلب لانتفاء أركان مسئولية السيد مدير المصلحة، وخاصة ركن الضرر الذي لم يقدم عنه المدعي أي دليل؛ ومن ثم لا يكون لطلب التعويض المؤقت ضد مدير المصلحة سند من القانون، ويتعين القضاء برفضه، مع إلزام المدعي بمصروفات هذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر في 31 من يناير سنة 1951 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثالثة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام الحكومة بصرف ما خصم منه نظير إجازاته المرضية التي حصل عليها في المدة من 20 من يناير سنة 1951 إلى 31 من مارس سنة 1951، وبتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة.


[(1)] راجع الحكم المنشور بالسنة الأولى من هذه المجموعة، ص 438 بند 53.

الطعن 47 لسنة 55 ق جلسة 4 /12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 221 ص 1076

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: عبد المنصف هاشم نائب رئيس المحكمة، أحمد شلبي، محمد عبد الحميد سند ومحمد جمال شلقاني.

----------------

(221)
الطعن رقم 47 لسنة 55 القضائية

(1) إعلان "بطلان الإعلان". بطلان "بطلان الإجراءات". دعوى "إقامة الدعوى"، "بطلان الصحيفة".
إيداع صحيفة الدعوى قلم الكتاب. وجوبه لإجراء المطالبة القضائية. إعلان المدعى عليه بها. إجراء لازم لانعقاد الخصومة. م 63 مرافعات. عدم تحقق ذلك. أثره. بطلانها. حضور المطلوب إعلانه. لا يصححه. علة ذلك.
(2) التزام "أوصاف الالتزام: التضامن". تضامن.
نقض "أثر نقض الحكم".
نقض الحكم الصادر في التزام بالتضامن. أثره. نقضه بالنسبة للخصم الآخر ولو لم يطمئن فيه.
(3) إعلان "بطلان الإعلان". بطلان "بطلان الإجراءات". حكم "بطلان الأحكام".
البطلان الناشئ عن عدم انعقاد الخصومة أمام محكمة أول درجة لعدم إعلان صحيفة افتتاحها. مؤداه. وقوف محكمة الاستئناف عند حد القضاء بالبطلان دون المضي في نظر موضوعها.

---------------
1 - مؤدى ما نصت عليه المادة 63/ 1 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان يلزم لإجراء المطالبة القضائية إيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة، وهو ما يترتب عليه، كأثر إجرائي بدء الخصومة، إلا أن إعلان صحيفة الدعوى إلى المدعى عليه يبقى كما كان في ظل قانون المرافعات الملغي إجراء لازماً لانعقاد الخصومة بين طرفيها يترتب على عدم تحققه بطلانها، ذلك أن الخصومة إنما وحدت لتسير حتى تحقق الغاية منها بالفصل في الدعوى، وهو بطلان لا يصححه حضور المطلوب إعلانه، إذ البطلان الذي يزول بحضور المعلن إليه، إنما هو بطلان أوراق التكليف بالحضور الناشئ عن عيب في الإعلان أو في بيان المحكمة أو تاريخ الجلسة.
2 - إذ كان التزام المطعون عليه.... مع الطاعن قبل - باقي - المطعون عليهم... هو التزام بالتضامن، فإن نقض الحكم لصالح الطاعن يستتبع نقضه بالنسبة للمطعون عليه المذكور - ولو لم يطعن فيه.
3 - مؤدى البطلان الناشئ عن عدم انعقاد الخصومة أمام محكمة أول درجة لعدم إعلان صحيفة افتتاحها، أن تقف محكمة الاستئناف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عند حد القضاء بالبطلان دون المضي في نظر موضوعها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليهما الأولين أقاما الدعوى رقم 5866 سنة 1980 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون عليه الخامس بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا لهما مبلغ 15000 ج، وقالا بياناً للدعوى إن الطاعن بصفته صاحب ومدير مدرسة..... قد تسبب في وفاة ابنهما..... بإهماله في صيانة جدار المدرسة المذكورة فسقط على ابنهما أثناء مروره بجواره مما أدى إلى وفاته وإذ كان المطعون عليه الخامس مسئولاً عن أعمال تابعه الطاعن وقد أصابتهما أضراراً مادية وأدبية يقدران التعويض عنها بالمبلغ آنف الذكر فقد أقاما الدعوى بطلبهما سالف البيان. كما أقام المطعون عليهما الثالث والرابع الدعوى رقم 5865 سنة 1980 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون عليه الخامس بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا إليهما مبلغ 5000 ج إذ تسببا بخطئهما سالف الذكر في وفاة ابنهما...... مما ألحق بهما أضراراً مادية وأدبية يقدران التعويض عنها بالمبلغ المذكور فقد أقاما بدورهما الدعوى بطلبهما سالف البيان. وبتاريخ 28/ 1/ 1981 حكمت المحكمة بوقف الدعوى رقم 5866 سنة 1980 حتى يتصل نهائياً في الجنحة رقم 670 سنة 1979 روض الفرج، كما حكمت بتاريخ 31/ 1/ 1981 بوقف الدعوى رقم 5865 سنة 1980 لذات السبب. وبعد الفصل فيها استئنافياً عجل المطعون عليهم الأربعة الأول السير في الدعويين قبل المطعون عليه الخامس واختصموا فيها رئيس مجلس إدارة جمعية...... للحكم عليهما بذات الطلبات في الدعوى رقم 5866 سنة 1980، وبمبلغ 10000 ج في الدعوى رقم 5865 سنة 1980. وبتاريخ 25/ 1/ 1984 حكمت المحكمة في الدعويين بإلزام الطاعن والمطعون عليه الخامس متضامنين بأن يدفعاً، أولاً: للمطعون عليهما الأولين مبلغ 5000 ج، ثانياً: للمطعون عليهما الثالث والرابعة مبلغ 3000 ج. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2206 سنة 101 ق مدني وبتاريخ 8/ 11/ 1984 حكمت بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه إذ لم يعلن بصحيفة كل من الدعويين المقامتين ضده من المطعون عليهم الأربعة الأول، كما أنهم حين عجلوا السير فيهما بعد الفصل نهائياً في الجنحة رقم 670 سنة 1979 روض الفرج أعلنوا بصحيفة التعجيل كلاً من المطعون عليه الخامس ورئيس مجلس إدارة جمعية...... فحسب دونه، ومع ذلك فقد صدر الحكم ضده دون انعقاد الخصومة بالنسبة له فوقع باطلاً لقيامه على إجراءات باطلة، ثم قضى الحكم المطعون فيه بتأييده بدعوى إعلانه لشخصه في الدعوى رقم 5866 سنة 1980 وتقديمه مذكرة بدفاعه في الدعوى الثانية بعد حجزها للحكم بما يعد بمثابة حضور فيها مع أن هذا غير صحيح، فخالف بذلك القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن مؤدى ما نصت عليه المادة 63/ 1 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان يلزم لإجراء المطالبة القضائية إيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة، وهو ما يترتب عليه كأثر إجرائي بدء الخصومة إلا أن إعلان صحيفة الدعوى إلى المدعى عليه يبقى كما كان في ظل قانون المرافعات الملغي، إجراءً لازماً لانعقاد الخصومة بين طرفيها يترتب على عدم تحقيقه بطلانها ذلك أن الخصومة إنما وجدت لتسير حتى تحقق الغاية منها بالفصل في الدعوى، وهو بطلان لا يصححه حضور المطلوب إعلانه، إذا البطلان الذي يزول بحضور المعلن إليه، إما هو بطلان أوراق التكليف بالحضور الناشئ عن عيب في الإعلان أو في بيان المحكمة أو تاريخ الجلسة، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الطاعن لم يعلن بأي من صحيفتي الدعويين آنفاً كما لم يختصم في صحيفة تعجيل السير فيهما بعد وقفها واختصم فيهما رئيس مجلس إدارة الجمعية للحكم عليه بذات الطلبات ثم صدر الحكم الابتدائي ضده، مما مفاده أن الخصومة لم تنعقد بالنسبة له في كل من الدعويين، ومن ثم يكون الحكم الصادر فيهما باطلاً، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد الحكم الابتدائي رغم بطلانه فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه مما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن التزام المطعون عليه الخامس مع الطاعن قبل المطعون عليهم الأربعة الأول هو التزام بالتضامن، فإن نقض الحكم لصالح الطاعن يستتبع نقضه بالنسبة للمطعون عليه الخامس ولو لم يطعن فيه.
وحيث إنه لما كان مؤدى البطلان الناشئ عن عدم انعقاد الخصومة أمام محكمة أول درجة لعدم إعلان صحيفة افتتاحها أن تقف محكمة الاستئناف وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عند حد القضاء بالبطلان دون المضي في نظر موضوعها، فإنه لا محل لإحالة القضية - بعد نقض الحكم المطعون فيه - إلى محكمة الاستئناف.
وحيث إن موضوع الاستئناف صالح للفصل فيه.

الطعن 903 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 124 ص 1423

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

------------------

(124)

القضية رقم 903 لسنة 4 القضائية

جريمة تأديبية 

- تردد مدرس على منزل زميلات له يقمن بمفردهن - اعتباره من قبيل الخروج على مقتضى الواجب في أداء الوظيفة؛ لمخالفته لتقاليد المجتمع المصري وللتعليمات الإدارية الصادرة في هذا الشأن - في محله - محاولة تبرير المخالفة بالقول بسلامة الدوافع إليها ونبل الغرض منها - غير مجد - وجوب البعد عن مواطن الريب درءاً للشبهات.

---------------
إن تعاليم الدين وتقاليد المجتمع المصري لا يمكن أن تتفق مع دخول رجل غير محرم في منزل أنثى لا يقيم معها أحد من أهلها، مهما كانت الدوافع نبيلة والمبررات شريفة، وأنه كان أسلم للمدعي وأطهر له أن يبتعد عن مواطن الريب درءاً للشبهات، وأن يمتنع عن الاقتراب من منزل المدرسات تنفيذاً للتعليمات الإدارية وأوامر رئيسه ناظر المدرسة، وأن يترك المدرسات وشأنهن؛ حتى لا تتأذى سمعتهن ويطمع الذي في قبله مرض. ومن ثم يكون المدعي قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته كمدرس حين زار المدرسات في مسكنهن الخاص وعندما زرنه في منزله بناء على دعوته لهن للقيام بهذه الزيارة، كما خالف أوامر الرؤساء الصادرة إليه في حدود التعليمات الإدارية.


إجراءات الطعن

في أول سبتمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها برقم 903 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بجلسة 3 من يوليه سنة 1958 في القضية رقم 355 لسنة 4 ق المقامة من راغب شعبان جودة ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات. وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار التأديبي المطعون فيه، مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وقد أعلنت الحكومة في 25 من أكتوبر سنة 1958، كما أعلن المدعي في 29 منه، وتحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25 من إبريل سنة 1959، وأبلغت الحكومة والمدعي في 18 من فبراير سنة 1959 بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 23 من إبريل سنة 1957 أودع المدعي سكرتارية المحكمة الإدارية عريضة دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير التربية والتعليم بمنطقة دمنهور التعليمية والمبلغ إلى المدعي بكتاب تاريخه 5 من ديسمبر سنة 1956 بمجازاته باستقطاع سبعة أيام من راتبه، ومع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه تلقى في 8 من ديسمبر سنة 1956 إخطاراً من منطقة دمنهور التعليمية يتضمن أن المنطقة قررت مجازاته باستقطاع سبعة أيام من راتبه للأسباب الآتية: خروجه على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته، ودعوته للمدرسات إلى منزله، ومحاولته إفساد الجو المدرسي. ويستطرد المدعي قائلاً إنه قد سبق توقيع هذا الجزاء تحقيقات أجراها مفتش التعليم المنوط به تفتيش مدرسة كوم شريك المجمعة، وأن هذه التحقيقات اتسمت بالانحراف عن الطريق القويم والتماس الذرائع للإيقاع والتنكيل به، وأنه قد شكا إلى المنطقة ميل المحقق وتنكبه طريق الحق وتواطؤه مع ناظر المدرسة على الانتقام منه والإساءة إليه، فكلفت المنطقة المحقق بإعادة التحقيق. ويقول المدعي إن سلوك المحقق في المرة الثانية لم يكن بأفضل من سلوكه في المرة الأولى، وأن المفتش خلص من تحقيقاته إلى اقتراح توقيع الجزاء الذي أبلغ إليه في 8 من ديسمبر سنة 1956، وقد تظلم منه للوزير بكتاب مسجل بعلم وصول بتاريخ 19 من يناير سنة 1957 وقيد تظلمه برقم 2710 بمكتب التظلمات الإدارية لوزارة التربية والتعليم، وتلقى بتاريخ 27 من فبراير سنة 1957 إخطاراً مؤرخاً 23 من فبراير سنة 1957 يتضمن أن نتيجة فحص التظلم قد عرضت على الوزارة فقررت رفضه في 18 من فبراير سنة 1957. وناقش المدعي التهم المنسوبة إليه والتي جوزي من أجلها، فذهب بالنسبة للواقعة الأولى، التي تخلص في أن المنطقة تقول إنه خرج على التقاليد لأنه دعا سيدة لزيارته ودعا مدرسات المدرسة التي يعمل بها إلى منزله، ذهب إلى أنه من أبناء بلدة كوم شريك التي يعمل بها، وهي بلدة صغيرة تجمع أهلها روابط القربى وصلات المعرفة، وهو - بحكم هذا الوضع وبحكم أقدميته في الوظيفة باعتباره التالي مباشرة لناظر المدرسة في الأقدمية ولأن الناظر غير مقيم بمقر عمله - يقع على عاتقه وحده عبء تقديم أية معونة لمدرسات المدرسة باعتبارهن غريبات عن القرية ويقمن في منزل مملوك لإحدى السيدات قريباته، وهو متزوج وله أولاد يعيشون معه وليس في دعوته للسيدة قريبته هذه أي خروج على التقاليد، قد حضرت مع المدرسات المقيمات بمنزلها واستقبلتهن السيدة زوجته. وقال المدعي إن المخالفة الثانية مختلقة وأوضح أنها ترجع لوشاية ناظر المدرسة به لدى المفتش الذي أجرى التحقيق، وذلك بعد ما أدلى في التحقيق بالمخالفات التي نسبها إلى ذلك الناظر كتغيبه بانتظام في أيام معينة وكاستخدامه لفراش المدرسة وزوجته في شئونه الخاصة، الأمر الذي يدخل في معنى استغلال الوظيفة، وشروعه بالتصرف في جهاز الراديو الخاص بالمدرسة والمشترى بنقود تلاميذها ومدرسيها إلى ناظر مدرسة واقد المجمعة لأنه كبير بين النظار باعتباره نقيب المعلمين بالمدرية وعضو النقابة عن المنطقة، وأنه لما قاوم هذه الرغبة وانضم إليه زملاؤه وشى به الناظر إلى زميله المذكور وحرضه عليه فأثار هذا المفتش ضد المدعي وكان ما كان. وانتهى المدعي إلى القول بأن التهم المسندة إليه والتي جوزي من أجلها لا سند لها ولا تعبر عن الحقيقة، وأن مبعثها الأهواء الشخصية والغايات التي استبدت بالمفتش المحقق وناظر المدرسة المتآمر معه. وقالت إدارة الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم رداً على الدعوى بأن أسباب الجزاء محل القضية تتلخص في أن المدعي يعمل مدرساً بمدرسة الوحدة المجمعة بكوم شريك التابعة لمنطقة دمنهور، وارتكب المخالفات الآتية: أولاً - اتهم ناظر المدرسة بعدة تهم ثبت من التحقيق عدم صحتها وأنها كيدية. ثانياً - قام بزيارة الآنسة زينب الجزار المدرسة في مسكنها الخاص وحدها عدة مرات، كما زار زميلاتها بحجة قضاء ما يحتجن إليه، وتناولن الطعام في منزله أكثر من مرة. ثالثاً - تشجيعه المدرسة المذكورة على عدم تنفيذ أمر المنطقة القاضي بندبها إلى مدرسة أخرى. وقد قام مفتش كوم حمادة بالتحقيق في المخالفات السابقة مع المدعي وثبت صحتها واقترح توقيع عقوبة على المدعي. وقد خصمت المنطقة التابع لها سبعة أيام من مرتبه؛ لخروجه على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته ودعوته للمدرسات إلى منزله ومحاولته إفساد الجو بالمدرسة. وتقول الوزارة إنه يبين أن مثار دفاع المدعى: (أولاً) أنه لم يواجه بما نسب إليه وبالحجج التي سيقت ضده. (ثانياً) أن السيدة، التي نسب إليه عدم اللياقة لدعوته لها، من أقاربه وأنه متزوج وله أولاد. (ثالثاً) أنه لا يعرف السبب فيما نسب إليه من أنه أفسد الجو المدرسي. وتذكر الوزارة أنه يبين من الاطلاع على أوراق التحقيق أن المحقق واجهه بواقعة تردده على مسكن المدرسات فاعترف بها، كما اعترف بترددهن على منزله بالرغم من تنبيه الناظر له. وبرر تصرفه بأنه المسئول عن راحتهن، وهو تبرير غير مستساغ؛ لأنه لا يخرج عن كونه أحد مدرسي المدرسة، والناظر هو المسئول عن جميع ما يتعلق بالمدرسة في هذه الناحية. ويدعي المدعي أن السيدة التي دعاها لمنزله هي مالكة المنزل الذي كانت تسكنه المعلمات وأنها قريبته، ولم يذكر هذا القول في التحقيق؛ مما يتنافى مع دفاعه بالرغم من أنه ذكر واقعة ترددها عليه مع المعلمات. أما واقعة إفساد الجو المدرسي فكل أوراق التحقيق تنطق بها. وانتهت الوزارة إلى القول بأن أدلة الإثبات بناء على ذلك تكون مستمدة من أصول ثابتة في أوراق التحقيق، ويكون دفاع المدعي في غير محله؛ مما يتعين معه رفض دعواه. وبجلسة 3 من يوليه سنة 1958 حكمت المحكمة الإدارية برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصاريف. وأسست قضاءها على أنه يبين من الأوراق أنه قد أجري تحقيق بمعرفة مفتش قسم كوم حمادة أثبتت فيه أقوال ناظر وأعضاء هيئة التدريس بمدرسة كوم شريك المجمعة، وثبت بالتحقيق من إقرار المدعي نفسه أنه كثيراً ما زار الآنسات المدرسات بالمدرسة لقضاء حوائجهن والاطمئنان عليهن بوصفه من أهل البلد التي بها المدرسة ويقوم بأعمال الناظر الذي لا يقيم بالبلد، كما أقر بأن المدرسة الآنسة زينب الجزار قد تناولت الطعام بمنزله وحدها، ثم تناولت الطعام مع زميلاتها عنده بعد ذلك أكثر من مرة، كما أقر بأنه دعا الآنستين زينب وانتصار المدرستين بالمدرسة إلى زيارته بمنزله، وتمت الزيارة فعلاً، وذلك رغم إقراره أن ناظر المدرسة لفت نظره إلى عدم زيارة الآنسات المدرسات في منزلهن. ويذكر الحكم أن الآنسة زينب الجزار قد أقرت بأنها تعتبر المدعي ممثلاً لولي أمرها بالبلدة ومسئولاً عنها. ويقول الحكم إن الثابت من التحقيق أن المدعي نسب إلى ناظر المدرسة وإلى أحد المدرسين بها أخطاء في تصرفاتهما بالمدرسة ولم يؤيده في ذلك من سئلوا بالتحقيق من المدرسين، وأن التحقيق انتهى بمذكرة حررها مفتش قسم كوم حمادة ضمنها ما ثبت لديه من زيارة المدعي للمدرسة زينب الجزار في مسكنها الخاص وكذلك للمدرسات جميعاً ودعوته لهن لتناول الطعام في منزله ومحاولته إلصاق تهم باطلة بزملائه، وقرر مدير منطقة دمنهور التعليمية توقيع جزاء بخصم سبعة أيام من مرتب المدعي لخروجه على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته ودعوته للمدرسات بمنزله ومحاولته إفساد الجو المدرسي. ويستطرد الحكم قائلاً؛ بأنه لما كانت رقابة المحكمة على القرار التأديبي - متى تبينت صدوره من مختص وفي الشكل المقرر قانوناً - إنما تنصرف إلى التثبت من أن القرار قد أسس على واقعة صحيحة لها أصل ثابت بالأوراق ولم يقصد به غير المصلحة العامة، وإذ تبينت المحكمة فيما سلف أن القرار الإداري الصادر بالخصم من مرتب المدعي محل الطعن قد استكمل عناصر المشروعية فإن طلب المدعي الحكم بإلغاء هذا القرار يكون غير مستند إلى أساس من القانون، ويتعين الحكم برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصاريف.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرار التأديبي المطعون فيه قام على سببين الأول خروج المدعي على التقاليد بدعوته سيدة لزيارته ودعوته المدرسات إلى منزله، والثاني محاولته إفساد الجو المدرسي. ويقول الطعن إنه بالنسبة للسبب الأول فإنه ولئن كان الثابت من أوراق التحقيق أن المدعي كان يقوم بزيارة المدرسات في مسكنهن الخاص، كما كن يقمن بزيارته في منزله فإن هذه الوقائع لا تنهض في ذاتها - على ضوء ما أبداه المدعي في التحقيق من مبررات - إلى الخروج على التقاليد المرعية خاصة إذا ما لوحظ أن المدعي متزوج وله أولاد، ولم تثر هذه الزيارات شكوكاً أو ريباً في القرية ولم يقم دليل في التحقيق على أن المدعي أساء إلى وظيفته بتلك الزيارات أو استغلها استغلالاً غير مشروع، وبالنسبة للسبب الثاني فإنه لم يثبت من أوراق التحقيق أن المدعي ارتكب أفعالاً تنبئ عن اتجاهاته وانحرافه نحو إفساد الجو المدرسي، اللهم إلا ما أدلى به المدعي في التحقيق من أقوال في شأن تصرفات ناظر المدرسة وبعض المدرسين من ناحية العمل ومن الناحية الأخلاقية، وهذه الأقوال في مجموعها إنما جاءت في مجال الرد على استفسارات المحقق عن أحوال العمل في المدرسة بمناسبة ما أثارته إحدى المدرسات في شأن تصرفات ناظر المدرسة وبعض المدرسين. ويقول الطعن إنه لا جدال في أن الإدلاء بالمعلومات المجردة وأن قصر الدليل عليها لا يمكن حمله على أنه اتجاه من جانب المدعي لإيقاع الاضطراب وتعكير صفو الجو المدرسي مما يعتبر خروجاً على مقتضيات الوظيفة وواجباتها. وينتهي الطعن إلى التقرير بأنه على هذا المقتضى يكون القرار التأديبي المطعون فيه قد استخلص استخلاصاً غير سائغ من أصول لا تنتجه قانوناً؛ ومن ثم يكون قد صدر فاقداً لركن السبب مخالفاً للقانون حرياً بالإلغاء. ويقول الطعن إنه إذ جرى الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون، وقامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن منطقة دمنهور التعليمية قد عينت الآنسة زينب الجزار وزميلتين لها مدرسات بمدرسة الوحدة المجمعة بكوم شريك ولم يكن بناء الوحدة قد استكمل بعد، فقامت المدرسات بالعمل في المدرسة الابتدائية بقسم الصباح، ولما كان مبنى تلك المدرسة متصدعاً ولا يصلح لمبيت المعلمات تنازل محمد الأشقر ناظر المدرسة عن سكنه الخاص بأثاثه للمدرسات وصرح لهن مفتش منطقة كوم حمادة بالمبيت فيه بعد معاينته واستئذانه المنطقة. وفي 18 من أكتوبر سنة 1956 أرسل ناظر المدرسة لمفتش التربية بكوم حمادة كتاباً ضمنه شكواه من الآنسة زينب الجزار لحضورها إلى المدرسة في الفترة المسائية ولزيارتها بعض الأهالي من قطان البلد في بيوتهم، وأنه لما تحدث إليها في هذا الشأن أجابت بأنها حرة في تصرفاتها ومسئولة عن نفسها وليس للمدرسة أو المنطقة أن تتدخل في هذه الأمور. ولخشية الناظر من هذه التصرفات رفع الأمر للتفتيش، فانتدب مفتش قسم كوم حمادة في 20 من أكتوبر سنة 1956 الآنسة زينب الجزار وزميلتها الآنسة لطيفة الشخيبي، وهما المدرستان القائمتان بالعمل في مدرسة كوم شريك للعمل بمدرسة الوحدة المجمعة بواقد، وعلى أن يحل محلهما بمجمعة كوم شريك مدرسان من مجمعة واقد، بيد أن هذا الندب لم يرق للمدرسة المذكورة، فذهبت إلى المفتش يوم 22 من أكتوبر سنة 1956 معترضة على ذلك وطالبة إبقاءها بمجمعة كوم شريك، فلما أوضح لها أن هذا الندب من مصلحتها أصرت على موقفها وأعقبت ذلك بتقديم استقالة مسببة من العمل. وإزاء هذا أفهمها المفتش أن عليها الاستمرار في العمل حتى يبت في أمر استقالتها ولكنها لم تنصع للأمر وانقطعت عن العمل. ولما كان بالاستقالة المقدمة من الآنسة زينب الجزار المدرسة المشار إليها ما يستدعي التحقيق قام مفتش المنطقة التعليمية بكوم حمادة بإجراء هذا التحقيق بادئاً بسؤال المدرسة المذكورة التي وجهت تهماً عديدة إلى ناظر مدرسة كوم شريك وبعض مدرسيها، وبسؤال هؤلاء دافعوا عن أنفسهم قائلين إن ما نسب إليهم من تهم هو من تلفيق المدرسة والمدعي؛ لأن بينهما صلة معينة، وقد آلمهما أن تنقل هذه المدرسة إلى مدرسة واقد وما يترتب على ذلك من انقطاع صلتهما ببعض؛ ومن ثم عمدا معاً إلى تلفيق هذه التهم للإيقاع بالناظر وبعض المدرسين لظنهما أنهم هم الذين وشوا بهما إلى المفتش. ومن الإجابات المختلفة ظهر أن الآنسة زينب الجزار والمدعي يتهمان الناظر بعدة تهم هي: (1) سوء الإدارة. (2) خضوعه في إدارة المدرسة لتأثير بعض المدرسين من بلدته (قرية الصواف). (3) استخدامه التلاميذ والفراش في قضاء حوائجه. (4) وانفرد المدعي باتهام الناظر بأنه يتأخر في الحضور في الصباح وينصرف قبل الموعد الرسمي في نهاية اليوم المدرسي، كما يتغيب يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وفي شهر رمضان الماضي بالذات، ويتهمان الأستاذين عبد الله سلام ومحمد المؤذن بالسيطرة على الناظر وإخضاعه لأمرهما وتوجيه كلام مبتذل للمدرسة الآنسة زينب الجزار والتلميذات. ويبين من التحقيق أن هذه التهم لم تنسب للناظر والمدرسين إلا بعد صدور أمر ندب الآنسة زينب الجزار واعتقاد المدعي والمدرسة المذكورة أن الناظر هو الذي وشى بهما عند التفتيش بإيعاز من المدرسين المذكورين وحرمهما من التزاور، وأن المدعي عمل في مدرسة كوم شريك ست سنوات كان الناظر عنده خلالها المثل الأعلى، وهو الذي كان يخلفه عند غيابه. ويفهم من إجابة المدعي بالتحقيق أنه يرغب ويطمع في نظارة مدرسة الوحدة المجمعة بكوم شريك. ويقرر مفتش منطقة التعليم بكوم حمادة أنه زار وفتش المدرسة ست سنوات ولم يلحظ تقصيراً أو إهمالاً، وأن العمل فيها يفوق الكثير من المدارس الأخرى، وأن الناظر والمدرسين يتمتعون بسمعة طيبة في بلادهم وفي كوم شريك بالذات حيث يعملون بمدرستها، وأنه بحث كراسة غياب المدرسين فوجد أن الناظر غاب أربعة أيام وتأخيرا ته 45 ق و3 س في أربعة أيام ولم يكن من بينها أي يوم اثنين أو خميس في شهر رمضان، كما بان من التحقيق أن المدعي زار الآنسة زينب الجزار المدرسة في مسكنها الخاص، ثم تكررت زياراته لها ولزميلتيها بمسكنهن الخاص بحجة قضاء ما يحتجن إليه، وتناولت هذه المدرسة الطعام بمفردها بمنزل المدعي، ثم تناولته وزميلتاها بمنزله أكثر من مرة رغم نصح الناظر للمدعي وللمدرسات بالإقلاع عن هذه الزيارات تنفيذاً للتعليمات، كما يتضح أن المدعي حاول إلصاق التهم بالناظر والمدرسين الذين عمل معهم طويلاً لمجرد ظنه أنهم وشوا به وبالمدرسة ولاعتقاده أنه بهذا الاتهام سيتسبب في نقل الناظر، وبالتالي يحل محله في نظارة المدرسة؛ لأنه كما يرى أحق بنظارة مدرسة بلده. ويقول المدعي - تبريراً لزيارته للمدرسة زينب الجزار وزميلاتها ودعوتها ودعوتهن لزيارة منزله - إنه قام بذلك بدافع المروءة والنخوة باعتبارهن غريبات عن البلدة، وقد تعوزهن بعض الحوائج فأفهمهن أنهن يستطعن أن يجدن كل ما يحتجن إليه في بيته، وهو رجل متزوج معروف بالصلاح والسمعة الطيبة بين أهل قريته. وعن محاولة إفساد جو المدرسة يقول المدعي إنه اتهام غير صحيح؛ لأن موظفي المدرسة جميعاً غرباء عنها، والمدرسة مدرسة بلدته، وهو أحرص الناس على رفعة شأنها، فلا يعقل أن يعمل على إفساد جوها.
ومن حيث إنه يبدو من ذلك بجلاء أن زيارة المدعي للمدرسات - وعلى الأخص للآنسة زينب الجزار - وهن غريبات عن البلدة ولسن بمتزوجات ويقمن بمفردهن في مسكن خاص بهن، أمر ثابت على وجه اليقين؛ إذ المدعي نفسه معترف بأنه دعاهن مراراً لزيارته بمنزله وأنهن ذهبن إلى هناك وتناولن الطعام كثيراً في بيته.
ومن حيث إن المدعي لا ينازع في هذا ولكنه يحاول تبرير ذلك بأنه كان يبسط عليهن رعايته، ولا يجوز تأويل عمله هذا تأويلاً سيئاً؛ لما هو معروف عنه من حسن الأخلاق وجميل السمعة، وينسى المدعي أو يتناسى أن تعاليم الدين وتقاليد المجتمع المصري لا يمكن أن تتفق مع دخول رجل غير محرم في منزل أنثى لا يقيم معها أحد من أهلها، مهما كانت الدوافع نبيلة والمبررات شريفة، وأنه كان أسلم للمدعي وأطهر له أن يبتعد عن مواطن الريب درءاً للشبهات وأن يمتنع عن الاقتراب من منزل المدرسات تنفيذاً للتعليمات الإدارية وأوامر رئيسه ناظر المدرسة وأن يترك المدرسات وشأنهن، حتى لا تتأذى سمعتهن، ويطمع الذي في قبله مرض.
ومن حيث إنه يبين من المساق المتقدم أن المدعي قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته كمدرس حين زار المدرسات في مسكنهن الخاص وعندما زرنه في منزله بناء على دعوته لهن للقيام بهذه الزيارة، كما خالف أوامر الرؤساء الصادرة إليه في حدود التعليمات الإدارية.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتهمة الثانية وهي محاولة المدعي إفساد الجو المدرسي باتهامه ناظر المدرسة وبعض مدرسيها وإصراره على ما جاء بهذا الاتهام حسبما ظهر من التحقيق الذي أجراه مفتش منطقة كوم حمادة وما صدر من المدعي من أقوال في هذا التحقيق ضد ناظر المدرسة وبعض مدرسيها رغم ما بان من أن المدعي قضى سنوات عدة بالمدرسة تحت رياسة ذلك الناظر ومزاملاً لهؤلاء المدرسين، وكانت العلاقة بينه وبينهم طيبة، فلما حضرت الآنسة زينب الجزار وبدأ الناظر - قياماً بواجبه - يتدخل في العلاقة بين المدعي وتلك المدرسة لفصم عراها أراد المدعي أن يثير حول الناظر التهم، فنسب إليه سوء الإدارة وخضوعه لبعض المدرسين من بلدته واستخدامه لتلاميذ المدرسة وفراشها في قضاء حوائجه واتهامه بكثرة تغيبه عن المدرسة وانقطاعه عن العمل، ولم يثبت ضد الناظر شيء من هذا كله، الأمر الذي يتضح منه أن هذه الاتهامات تنطوي على تحدي المدعي لرئيسه ناظر المدرسة وزملائه من المدرسين وتطاوله عليهم، وأن هذا السلوك المستفاد من جماع هذه الاتهامات يكون المخالفة الإدارية، وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن القرار التأديبي - كأي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها، وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعة أو القانونية التي تكون ركن السبب تجد حدها الطبعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً، فإذا كانت منتزعة عن غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً ومنضبطاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه فتنتجه إرادة الإدارة لتوقيع جزاء عليه بحسب الأشكال والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إن القرار التأديبي المطعون فيه قام على سببين، الأول: خروج المدعي على التقاليد بدعوة سيدة لزيارته ودعوته للمدرسات إلى منزله. والثاني: محاولة إفساد الجو المدرسي.
ومن حيث إنه قد وضح أن الأسباب التي استند إليها مدير المنطقة التعليمية بدمنهور في قراره بتوقيع الجزاء المطعون فيه هي أسباب قويمة تقوم على استخلاص سائغ من وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق؛ ومن ثم فإن قراره يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون، ولا ينال من ذلك تجريح المدعي للمحقق أو ما وجهه من مطاعن إلى ما أجراه من تحقيق لتقرير المدعي لارتياحه لهذا التحقيق وأنه تم بمحض إرادته (صفحة 24 من تحقيقات مفتش التعليم بمنطقة كوم حمادة).
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون، حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.

الطعن 129 لسنة 49 ق جلسة 2 /12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 220 ص 1071

جلسة 2 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار د/ جمال الدين محمود نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمود مصطفى سالم نائب رئيس المحكمة، أحمد طارق البابلي، شمس ماهر، وأحمد زكي غرابة.

----------------

(220)
الطعن رقم 129 لسنة 49 القضائية

(1 - 2) تأمينات اجتماعية "تعويض الدفعة الواحدة". حكم "محكمة الموضوع".
(1) تعويض الدفعة الواحدة. حالات استحقاقه. ق 63 لسنة 1964 قبل تعديله بالقانون 4 لسنة 1969. لا ارتباط بينها وتستقل كل منها بذاتها عن الأخرى. استحقاق العامل للتعويض دون التقيد بسنه في الاختيار بين معاش الشيخوخة وتعويض الدفعة الواحدة.
(2) مخالفة المحكمة للثابت بالأوراق. فساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون.

---------------
1 - مفاد نص المادة 81 (ب) من القانون رقم 63 لسنة 1964 - قبل تعديلها بالقانون رقم 4 لسنة 1969 - بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حالات استحقاق تعويض الدفعة الواحدة المشار إليها في هذه الفقرة لا ارتباط بينها وتستقل كل منها بذاتها عن الأخرى، فإذا تحقق خروج المؤمن عليه نهائياً عن نطاق تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية، وكانت مدة الاشتراك تقل عن 240 شهراً، استحق تعويض الدفعة الواحدة ولا يشترط لصرفه له بلوغه سن الستين، وإذا بلغت مدة الاشتراك 240 شهراً على الأقل كان له الخيار بين الحصول على التعويض المذكور - دون تقيد ببلوغ السن - وبين الحصول على معاش الشيخوخة الذي يصرف له عند استحقاقه.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض طلب الطاعن تعويض الدفعة الواحدة على أن مغادرته للبلاد سنة 1959 للدراسة والحصول على المؤهل لم تكن هجرة نهائية تستوجب تعويض الدفعة الواحدة في حين أن الثابت بالأوراق أن دعوى الطاعن قامت على استحقاقه لتعويض الدفعة الواحدة بسبب هجرته للولايات المتحدة الأمريكية عقب استقالته من عمله في 31/ 8/ 1967 وليس بسبب مغادرته البلاد سنة 1959، فإن الحكم المطعون فيه فضلاً عن مخالفته الثابت بالأوراق يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1682 سنة 1971 عمال كلي شمال القاهرة على المطعون ضدهما طالباً الحكم بإلزام المطعون ضدها الأولى (الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية) في مواجهة المطعون ضدها الثانية (......) بأن تدفع له مبلغ 7815 ج و600 م وقال بياناً لها إنه التحق بالعمل لدى المطعون ضدها الثانية في 1/ 9/ 1954 بوظيفة مسجل وفي أغسطس 1959 منح إجازة وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على شهادة الدكتوراه وعاد في 1/ 9/ 1962 واستمر في عمله إلى أن استقال منه في 31/ 8/ 1967 وهاجر للولايات المتحدة الأمريكية. وإذ كانت مدة خدمته لا تتيح له الحق في الحصول على المعاش فقد طالب المطعون ضدها الأولى بأن تؤدى إليه تعويض الدفعة الواحدة إلا أنها امتنعت، فأقام الدعوى بطلبه السالف البيان. وبتاريخ 16/ 2/ 1972 قضت المحكمة بندب مكتب الخبراء لأداء المهمة المبينة بمنطوق الحكم، وبعد أن قدم الخبير تقريره الأخير حكمت في 25/ 12/ 1977 بإلزام المطعون ضدها الأولى في مواجهة المطعون ضدها الثانية بأن تؤدي للطاعن مبلغ 7815 ج و600 م.
استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة برقم 248 سنة 95 ق، وبتاريخ 25/ 11/ 1978 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم بالمستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض دعواه بطلب تعويض الدفعة الواحدة المنصوص عليه في المادة 81 من القانون رقم 63 لسنة 1964 على أنه لم يكن لدى مغادرته البلاد سنة 1959 مهاجراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإنما كان في مهمة دراسية، وأن ذلك لا يعد من قبيل الهجرة التي توجب دفع تعويض الدفعة الواحدة مهما طالت مدة الدراسة لأنه لم يهاجر من البلاد. في حين أن الطاعن أسس دعواه على أنه هاجر بعد استقالته من عمله في 31/ 8/ 1967 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الحكم يكون فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون مشوباً بالفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 81 (ب) من القانون رقم 63 لسنة 1964 - قبل تعديلها بالقانون رقم 4 لسنة 1969 - بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية - الذي يحكم واقعة الدعوى - على أنه "إذا انتهت خدمة المؤمن عليه لأحد الأسباب التالية. صرف له تعويض الدفعة الواحدة طبقاً للقواعد والنسب الآتية عن كل سنة من سنوات الاشتراك في التأمين...... ( أ )...... (ب) في حالة خروج المؤمن عليه نهائياً من نطاق تطبيق هذا القانون وكانت مدة اشتراكه في التأمين تقل عن 240 شهراً أو في حالة مغادرة البلاد نهائياً أو الهجرة يكون التعويض وفقاً للنسب الآتية.... ولا يشترط في صرف التعويض في الحالتين المتقدمتين بلوغ المؤمن عليه السن المقررة وفقاً لأحكام المادة 77 ويجوز للعاملة المتزوجة أن تستقيل من الخدمة أو المؤمن عليه في حالة خروجه نهائياً عن نطاق تطبيق هذا القانون وكانت مدة الاشتراك 240 شهراً على الأقل أن يختار بين الحصول على التعويض المشار إليه في هذه المادة وبين الحصول على معاش الشيخوخة الذي يصرف له عند استحقاقه" مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حالات استحقاق تعويض الدفعة الواحدة المشار إليها في هذه الفقرة لا ارتباط بينها وتستقل كل منها بذاتها عن الأخرى، فإذا تحقق خروج المؤمن عليه نهائياً عن نطاق تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية، وكانت مدة الاشتراك تقل عن 240 شهراً، استحق تعويض الدفعة الواحدة ولا يشترط لصرفه له بلوغه سن الستين، وإذا بلغت مدة الاشتراك 240 شهراً على الأقل كان له الخيار بين الحصول على التعويض المذكور - دون تقيد ببلوغ السن - وبين الحصول على معاش الشيخوخة الذي يصرف له عند استحقاقه. لما كان ذلك وكان الطاعن قد أقام دعواه بطلب تعويض الدفعة الواحدة تأسيساً على استقالته من عمله في 31/ 8/ 1967 بسبب الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على قوله "وحيث إن المحكمة تستبين من كل ذلك الذي سلف ومن عودته فعلاً وتعيينه للتدريس في الجامعة أنه لم يكن في نيته أبداً حين سافر إلى الولايات المتحدة مغادرة الجمهورية العربية المتحدة بنية الإقامة في أمريكا بصفة دائمة، وليس أدل على ذلك من أن كل مراسلاته التي قدمت عن إجازة ودراسة لمدة عامين وعن غياب ثم عودة بعد عامين وعن تعيين بعد العودة بالدراسة وأن الجامعة ستقوم بدفع نفقاته وأسرته أثناء إقامته بالولايات المتحدة كل ذلك يقطع بأنه ما كان مهاجراً إلى الولايات المتحدة وإنما كان في مهمة دراسية وتعتبر من قبيل الهجرة التي توجب دفع تعويض الدفعة الواحدة له مهما طالت مدة الدراسة نظراً لاستقرار ودوام علاقته ببلده لأن الهجرة لا تعد في حكم المغادرة النهائية بشرط جدية الأمر.... إلخ بما مؤداه أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض طلب الطاعن تعويض الدفعة الواحدة على أن مغادرته للبلاد سنة 1959 للدراسة والحصول على المؤهل لم تكن هجرة نهائية تستوجب تعويض الدفعة الواحدة في حين أن الثابت بالأوراق أن دعوى الطاعن قامت على استحقاقه لتعويض الدفعة الواحدة بسبب هجرته للولايات المتحدة الأمريكية عقب استقالته من عمله في 31/ 8/ 1967 وليس بسبب مغادرته البلاد سنة 1959، فإن الحكم المطعون فيه فضلاً عن مخالفته الثابت بالأوراق يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون.
مما يتعين معه نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 866 لسنة 4 ق جلسة 6/ 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 123 ص 1404

جلسة 6 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

------------------

(123)

القضية رقم 866 لسنة 4 القضائية

(أ) موظفو المصانع الحربية 

- سريان أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 على موظفي المصانع الحربية - مناطه ألا يكون ثمة حكم مخالف في القرار رقم 159 لسنة 1953 الصادر من مجلس إدارة المصانع الحربية بشأن نظام موظفي تلك المصانع.
(ب) موظفو المصانع الحربية 

- نقل موظفي المصانع الحربية إلى مصالح أخرى - جوازه دون ما تقيد بالقيود المنصوص عليها في المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - يشترط لإمكان هذا النقل قيام حالة ضرورة تقتضيه - تقدير قيام مثل هذه الحالة - من إطلاقات الإدارة بشرط عدم إساءة استعمال السلطة.
(ج) موظف 

- المادة 47/ 2 من قانون نظام موظفي الدولة - عدم جواز النظر في ترقية الموظف المنقول من مصلحة إلى مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة من تاريخ نقله - مناط ذلك أن يكون النقل مما يجرى عليه حكم الفقرة الأولى من المادة المذكورة - عدم انطباق حكم المادة 47 بشطريها على من ينقل من المصانع الحربية إلى مصلحة أخرى.

---------------
1 - إن القانون رقم 619 لسنة 1953 بإنشاء مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات نص في مادته الثالثة على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على المصانع التابعة لوزارة الحربية، وهو المشرف على تصريف الأمور طبقاً لهذا القانون دون التقيد بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في مصالح الحكومة"، وبينت المادة الرابعة منه اختصاصات مجلس الإدارة، ومن بينها ما نص عليه في الفقرة 15 منه، وهي "إصدار اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي المصانع الحربية ومصانع الطائرات ومستخدميها وعمالها وترقيتهم ونقلهم وتأديبهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم، دون التقيد بالقوانين واللوائح والنظم الخاصة بموظفي الحكومة، وكذا إصدار اللوائح الخاصة بتنظيم أعمال المخازن والمشتريات واللوائح المالية".واستناداً إلى الفقرة 15 من المادة الرابعة من القانون المشار إليه أصدر مجلس إدارة المصانع الحربية القرار رقم 159 م لسنة 1953 بنظام موظفي تلك المصانع، وقد نص في المادة الأولى منه على أنه "فيما عدا ما هو منصوص عليه في المواد التالية تسري على موظفي المصانع الحربية ومصانع الطائرات أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له الخاص بنظام موظفي الدولة".ومفاد هذه المادة أن الأصل أن تسري أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بصفة عامة على جميع موظفي المصانع الحربية أسوة بباقي موظفي الدولة، باعتبار أنه القانون العام المنظم لعلاقة الحكومة بموظفيها، كل ذلك ما لم يتضمن القرار المذكور تنظيماً خاصاً، ففي هذه الحالة يطبق الحكم الخاص الوارد بالقرار، وإن تعارض مع ما ورد بهذا القانون؛ وذلك للظروف الخاصة بالعمل في المصانع الحربية التي تختلف تماماً عن ظروف العمل بالوزارات والمصالح من حيث ضرورة إحاطتها بكثير من السرية التي تقتضي بسط يد إدارة المصانع في شئون موظفيها وعدم تقييدها بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعارض مع ظروف العمل بالمصانع.
2 - يبين من استعراض نصوص المادة 14 من القرار رقم 159 م لسنة 1953 الصادر من مجلس إدارة المصانع الحربية بشأن نظام موظفي المصانع الحربية والمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة أن النقل الذي نظمته المادة 47 في فقرتها الأولى بالشروط والقيود الواردة بها قد نظمته المادة 14 من القرار المشار إليه، دون أن تتضمن أي قيد على حق إدارة المصانع الحربية في إجرائه على نحو ما قيدته به المادة 47 في فقرتها الأولى؛ وذلك تحقيقاً للحكمة التي قام عليها القانون رقم 619 لسنة 1953 وأشارت إليه مذكرته الإيضاحية، وكل ما اشترطه القرار لإمكان إجراء النقل قيام حالة ضرورة تقتضي ذلك، وتقرير قيام مثل هذه الحالة أمر متروك لمطلق تقدير الإدارة تقدره على هدى المصلحة العامة لا يحدها في ذلك إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا وجد وقام الدليل عليه.
3 - ما دام نقل المدعي لا يخضع لحكم الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة فإن ذلك يستتبع بحكم اللزوم عدم انطباق حكم الفقرة الثانية من المادة المذكورة التي تقضي بعدم جواز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً.


إجراءات الطعن

في 17 من أغسطس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 19 من يونيه سنة 1958 في الدعوى رقم 1165 لسنة 11 قضائية المرفوعة من يوسف عز الدين علام ضد وزارة الحربية، القاضي "أولاً - برفض الدعوى بالنسبة للطعن في القرار المطعون فيه الصادر اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957 بنقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية.ثانياً - بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن في قرار الترقية رقم 376 الصادر في 31 من مارس سنة 1957.ثالثاً - بإلزام المدعي بالمصروفات".وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء للمدعي بطلباته، مع إلزام الوزارة بالمصروفات".وقد أعلن الطعن للحكومة في 31 من أغسطس سنة 1958 وللمدعي في 6 من سبتمبر سنة 1958، وعين لنظره جلسة 28 من مارس سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 27 من يوليه سنة 1957 أقام المدعي الدعوى رقم 1165 لسنة 11 قضائية ضد وزارة الحربية طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرارين الصادرين من السيد وزير الحربية: الأول رقم 386 في 6 من إبريل سنة 1957 بنقله إلى وزارة الشئون الاجتماعية، والثاني رقم 376 في 31 من مارس سنة 1957 بترقية السيدين جمال الدين مشرفة ومحمد أنور علي عمارة إلى الدرجة الرابعة الإدارية فيما تضمنه من تخطيه في الترقية لهذه الدرجة، وأحقيته في الترقية إليها اعتباراً من تاريخ القرار المذكور، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.وقال في بيان ذلك إنه في 31 من أكتوبر سنة 1955 طلبت إدارة المصانع الحربية من وزارة الشئون الاجتماعية الموافقة على نقله إليها بعد اطلاعها على ملف خدمته، والتأكد من نزاهته وكفايته، وبعد أن قامت المخابرات بالتحري عنه وتقديمها تقريراً لصالحه، وقد باشر المدعي عمله بإدارة المصانع في 5 من ديسمبر سنة 1955 وقام بعمله خير قيام بمصنعي 27 و99 كأخصائي اجتماعي، وكانت أعماله موضع تقدير الجميع، وقد قام نزاع بينه وبين الصاغ نائب مدير مصنع 27 وأجري تحقيق بينهما حفظت أوراقه بملف المدعي، ومنذ ذلك الحين أخذ السيد نائب مدير المصنع يكيد له، وكان هذا النزاع الشخصي سبباً في صدور قرار بنقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية، وقد صدر هذا القرار في 6 من إبريل سنة 1957 بنقله اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957، وكان السبب في ذلك هو الرغبة في تخطي المدعي وتفويت الفرصة عليه في الترقية إلى الدرجة الرابعة؛ إذ قامت إدارة المصانع بإجراء حركة ترقيات في 30 من مارس سنة 1957 تتضمن ترقية كل من السيدين جمال الدين مشرفة ومحمد أنور علي عمارة لدرجة الرابعة الإدارية بالأقدمية المطلقة، وكان المدعي هو الأولى بالترقية؛ إذ كان ترتيبه الأول بين موظفي الدرجة الخامسة الإدارية، ولكن إدارة المصانع خالفت القانون فعملت على التخلص منه بإصدار قرار نقله سالف الذكر، ثم أجرت حركة الترقيات.وقرار النقل المذكور يعتبر جزاء مقنعاً ذا حدين القصد منه حرمان المدعي من الترقية إلى الدرجة الرابعة بالمصانع الحربية وكذلك تفويت الترقية عليه مدة عام على الأقل بوزارة الشئون الاجتماعية، ولو توافر حسن النية لدى إدارة المصانع لقامت بترقيته أولاً ثم نقلته بعد ذلك إذ لم يكن ثمة مانع قانوني يحول دون الترقية؛ فآخر تقرير سري له كان بدرجة جيد جداً (100%).ولما كان قرار النقل باطلاً لصدوره بأثر رجعي تحايلاً على تخطي المدعي، فضلاً عن مخالفة قرار النقل لنص المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة التي تحرم نقل الموظف إذا كان عليه الدور للترقية؛ لذلك تظلم المدعي من ذلك القرار في 31 من مارس سنة 1957، وكان من رأي السيد مفوض الدولة سحب قراري النقل والترقية، ولكن لم يعتمد هذا الرأي؛ ومن أجل ذلك أقام المدعي هذه الدعوى.وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي كان قد نقل من وزارة الشئون الاجتماعية للعمل كمشرف اجتماعي بمصنع 27، ولما تبين أنه لم يحرز التعاون الكامل بينه وبين إدارة المصنع، وتطور الأمر حتى أصبح من العسير عليه الاستمرار في أداء رسالته كرسول خير بين العمال وإدارة المصنع فقد رؤى إعطاؤه فرصة أخرى بنقله إلى مصنع 99 بحلوان، بيد أن الحال استمر على ما هو عليه بحيث اضطر مدير المصنع إلى إعادته للإدارة، ولما كان وجود المدعي بالمصانع الحربية مدعاة إلى إحداث شغب واضطرابات بين صفوف العمال فقد استقر الرأي على إبعاده عن المصانع، وطلب إلى وزارة الشئون الاجتماعية في 19 من ديسمبر سنة 1956 الموافقة على إعادته إليها، فردت في 17 من فبراير سنة 1957 بأن لجنة شئون موظفيها قد وافقت على النقل؛ وبناء على ذلك وافقت لجنة شئون موظفي المصانع على نقله في 9 من مارس سنة 1957 واعتمد قرارها من السيد الوزير في 16 من مارس سنة 1957، ثم صدر القرار الوزاري رقم 386 لسنة 1957 في 6 من إبريل سنة 1957 برفع اسمه من عداد موظفي المصانع نقلاً إلى وزارة الشئون الاجتماعية اعتباراً من تاريخ اعتماد السيد الوزير لقرار اللجنة في 16 من مارس سنة 1957.وأما فيما يختص بما ذكره المدعي من مخالفة النقل لحكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإن إدارة المصانع ترى أنه نظراً لما يقتضيه صالح الأمن بالمصانع، وخشية أن يتأثر مستوى الإنتاج الحربي بعوامل القلق والاضطراب النفسي بين العاملين بها، كان لا بد من نقل المدعي نهائياً؛ نظراً لما يتطلبه الصالح العام دون ما حرج من نص المادة 47 سالفة الذكر.ثم ناقشت الوزارة في مذكرة أخرى حكم القانون في تطبيق المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة، فقالت إنه جاء بالمادة 14 من القرار رقم 159 لسنة 1953 الصادر من مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات عن نظام موظفي المصانع ما يأتي: "يجوز نقل الموظف من مصنع إلى آخر بموافقة مدير المصنع المختص أو نقله إلى أية مصلحة أخرى بعد موافقة الجهة المنقول إليها إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك، ويكون ذلك بقرار من وكيل الوزارة المختص بعد موافقة مدير المصنع"، وطبقاً للمادة الرابعة فقرة 15 من القانون رقم 619 لسنة 1953 بإنشاء مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات فإن للمجلس المذكور أن يصدر اللوائح الخاصة بموظفي المصانع ولو كانت مخالفة للوائح والقوانين المعمول بها في الحكومة.هذا وتنص المادة الأولى من القرار رقم 159 لسنة 1953 على أنه فيما عدا ما هو منصوص عليه في مواد ذلك القرار يسري على موظفي المصانع ومصانع الطائرات أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951، والمجلس - حين تعرض لمسألة نقل الموظف من المصانع إلى مصلحة أو وزارة أخرى ونص في المادة 14 على جواز ذلك - لم يتقيد بالقيد الوارد بالمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الذي يحظر النقل إذا كان يفوت دور الموظف في الترقية بالأقدمية؛ ومن ثم تكون الإدارة مستثناة من تطبيق المادة 47، بشرط مراعاة المصلحة العامة عند إجراء النقل.ولما كان الثابت أن المدعي نقل لأكثر من جهة بالمصانع؛ لأنه لم يستطع التفاهم مع مديري المصانع؛ ونظراً لما كان يثيره بصفته أخصائياً اجتماعياً من قلاقل بين العمال مما يؤثر على الإنتاج ويضر بصالح العمل، فقد أصدرت المصانع قرار نقله مستهدفة في ذلك الصالح العام، وهو وجوب إبعاد المدعي عن وسط عمال المصانع.وبجلسة 19 من يونيه سنة 1958 حكمت المحكمة "أولاً - برفض الدعوى بالنسبة للطعن في القرار المطعون فيه الصادر اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957 بنقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية.ثانياً - بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن في قرار الترقية رقم 376 الصادر في 31 من مارس سنة 1957.ثالثاً - بإلزام المدعي بالمصروفات".وأقامت المحكمة قضاءها على أنه "ثابت من أوراق الدعوى أنه قد طلب من وزارة الشئون الاجتماعية في 19 من ديسمبر سنة 1956 الموافقة على إعادة المدعي إليها، وقد تضمن كتاب الوزارة المذكورة رقم 4906 المؤرخ 17 من فبراير سنة 1957 أن لجنة شئون الموظفين بها قد وافقت بجلستها المنعقدة في 7 و8 من يناير سنة 1957 على إعادته للعمل بها؛ وبناء على ذلك وافقت لجنة شئون موظفي المصانع الحربية في 9 من مارس سنة 1957 على هذا النقل، واعتمد الوزير قرارها في 16 من مارس سنة 1957، وصدر بذلك القرار الوزاري رقم 386 لسنة 1957 في 6 من إبريل سنة 1957 برفع اسم المدعي من عداد موظفي المصانع نقلاً إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957"، وأنه "على الصورة الموصوفة فيما تقدم يكون المدعي قد نقل قانوناً إلى وزارة الشئون الاجتماعية اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957، وهو تاريخ اعتماد الوزير لقرار اللجنة، ولا يؤثر في هذا النظر صدور قرار الوزير في تاريخ لاحق برفع اسم المدعي من عداد موظفي المصانع الحربية اعتباراً من تاريخ اعتماد قرار اللجنة، وهذا القرار لم يتضمن سوى رفع اسم المدعي من عداد موظفي المصانع تنفيذاً للنقل الذي تم واستكمل شكله القانوني من تاريخ اعتماد الوزير في 16 من مارس سنة 1957، وقد كان نقل المدعي - كما هو ثابت من ملف خدمته - من وزارة الشئون الاجتماعية إلى إدارة المصانع الحربية اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1955 تاريخ استلامه العمل على هذه الصورة أيضاً؛ إذ أن القرار رقم 1538 لسنة 1955 قد صدر في 29 من ديسمبر سنة 1955 بنقله اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1955.....وتأسيساً على ما تقدم فإنه لا مقنع فيما أبداه المدعي من أن قرار النقل قد تضمن أثراً رجعياً"، ثم قالت المحكمة عن أسباب النقل إنه "لا جدال في أن ملف خدمة المدعي قد تضمن تحقيقاً أجري فيما حدث بين المدعي ونائب مدير المصنع 27 الحربي، وقد انتهى التحقيق بمجازاة المدعي بخصم يومين من مرتبه طبقاً للقرار الصادر في 27 من يونيه سنة 1956 الذي تضمن ما أثبته التحقيق من إدانته، وتبع ذلك إلحاق المدعي بالإدارة المالية بموجب خطاب مؤرخ 12 من يوليه سنة 1956، كما تظلم المدعي من هذا الجزاء، وقد رفع تقرير عن المدعي من نائب مدير مصنع 27 إلى سكرتير عام المصانع الحربية بكتاب مدير المصنع المؤرخ 30 من يوليه سنة 1956 الذي جاء فيه ما نصه (وإننا نرى إزاء ذلك عدم جدوى وجود السيد يوسف عز الدين خالد علام بالمصنع، كذلك تنبه على سيادته بتقديم نفسه لمراقبة الأفراد بإدارة المصانع اعتباراً من 5 من يوليه سنة 1956)، ومرفق بملف خدمة المدعي كتاب مؤرخ 10 من يوليه سنة 1956 موجه إلى سكرتير عام المصانع جاء فيه (أتشرف بإحاطة سيادتكم أنه بلغني بأني سألحق بالإدارة المالية (حسابات)، وحيث إن هذا العمل لا يتفق مع مؤهلي ومع سابق عملي بوزارة الشئون الاجتماعية وبالمصانع الحربية، فالرجا التفضل بتعييني في عمل يتناسب مع مؤهلي وسابق خبرتي...)، وقد أشر على هذا الكتاب بأن هذا الإلحاق بصفة مؤقتة إلى أن يبحث له عن محل لباحث اجتماعي في أحد المصانع التي لا يوجد بها باحثون اجتماعيون" ثم عقبت المحكمة على ذلك بأن "الصورة المتقدمة المستخلصة من ملف خدمة المدعي والتي انتهت بتوقيع جزاء عليه ثم نقله إلى إدارة المصانع واعتراضه على هذا النقل تكفي في نظر المحكمة لأن يتأثر بها صالح العمل في المصانع، وتكون ضرورة العمل قد اقتضت ذلك، على أن المحكمة، وقد اطلعت على ما وصف به المدعي أعماله في مجال الرد على الحكومة لإثبات أن نقله لم يكن بمراعاة الصالح العام، فإنها قد اطلعت كذلك على ما جاء في كتاب وكيل وزارة الدفاع الوطني رقم 94/ 2/ 948 المؤرخ 8 من إبريل سنة 1943 من أن المدعي في ناحية أخلاقه العمومية مشاغب ولا يحسن اختيار الألفاظ لرؤسائه ويميل للاضطرابات".وانتهت المحكمة من ذلك إلى أن "الأسباب التي انتهت بنقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية كانت سابقة بشهور على التاريخ الذي صدر فيه القرار المطعون فيه، كما أن المدة التي مكثها المدعي في المصانع الحربية من 13 من ديسمبر سنة 1955 إلى 16 من مارس سنة 1957 كانت من القصر بحيث تتأيد بها دوافع النقل، ولا مقنع بعد ذلك فيما أثاره المدعي للربط بين قرار نقله وقرار الترقية المطعون فيه"، وقالت المحكمة رداً على ما نعاه المدعي على قرار النقل من مخالفته للمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 إن "المادة 3 من القانون رقم 619 لسنة 1953 بإنشاء مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات نصت على أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على المصانع التابعة لوزارة الحربية، وهو المشرف على تصرف الأمور طبقاً لهذا القانون دون التقيد بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في مصالح الحكومة، كما نصت الفقرة 15 من المادة 4 بأن يختص مجلس إدارة المصانع بإصدار اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي المصانع الحربية ومصانع الطائرات ومستخدميها وعمالها وترقيتهم ونقلهم وتأديبهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم دون التقيد بالقوانين واللوائح والنظم الخاصة بموظفي الحكومة، وكذا إصدار اللوائح الخاصة بتنظيم أعمال المخازن والمشتريات واللوائح المالية، وقد صدر قرار مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات رقم 159 لسنة 1953، ووردت المادة الأولى منه على النحو التالي "فيما عدا ما هو منصوص عليه في المواد التالية تسري على موظفي المصانع الحربية ومصانع الطائرات أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له" كما نص في الفقرة الأخيرة من المادة 11 المعدلة بالقرار رقم 203 لسنة 1955 على أنه لا يجوز النظر في ترقية الموظفين الذين ينقلون إلى المصانع إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقلهم، كما نصت المادة 14 من القرار المذكور على أنه لا يجوز نقل الموظف من مصنع إلى آخر بموافقة مدير المصنع المختص أو نقله إلى أية مصلحة أخرى بعد موافقة الجهة المنقول إليها إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك، ويكون ذلك بقرار من وكيل الوزارة المساعد المختص بعد موافقة مدير المصنع بالنسبة للموظفين من الدرجة الثالثة فما دونها، وبقرار من مجلس الإدارة بالنسبة لمن عداهم"، وأنه "إعمالاً للنصوص المتقدمة لا تسري أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بالنسبة للأحكام الخاصة المنصوص عليها في القرارين رقمي 159 لسنة 1953 و203 لسنة 1955، ويجوز نقل الموظف على الصورة المذكورة في المادة 14 من القرار رقم 159 لسنة 1953 إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك، ولا توافق المحكمة على ما ذهبت إليه هيئة المفوضين من أن الشق الأخير من الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة (القيود والضمانات) يسري على موظفي المصانع؛ وذلك للأسباب الآتية: أولاً - لو صح سريان الشق الأخير من الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة لسرت في شأنهم باقي فقرات المادة 47، في حين أن قيد السنة بالنسبة لترقية الموظف المنقول قد ورد بشأنه نص خاص في المادة 11 من القرار 203 لسنة 1955 رغم وروده في الفقرة الثانية من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة.ثانياً - لو صح القول بأن باقي فقرات المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة تسري في شأن موظفي المصانع لعدم ورود نصوص في قرار مجلس إدارة المصانع تعالج الحالات المقررة لها فإنه لا يصح قانوناً ومنطقاً القول بأن بعض كلمات من الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون موظفي الدولة تسري في شأن موظفي المصانع بجانب المادة 14 من القرار رقم 159 لسنة 1953، ونصها كامل المعالم بحسب عبارته بلا مزيد.ثالثاً - لا يستقيم عملاً القول بأن جملة "إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناء على طلبه" الواردة في نهاية الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة تسري على موظفي المصانع الحربية، مع أن المادة 14 من القرار رقم 159 لسنة 1953 السارية في حقهم تجيز النقل إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك.ويبين من ذلك أنه يتعذر التوفيق بين الحكمين فيما لو اجتمعا في مادة واحدة، ويمتنع النقل بحسب رأي المدعي وهيئة مفوضي الدولة إذا كان يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية حتى ولو اقتضت ضرورة العمل ذلك"، وأنه "لا يغير من النظر المتقدم قول المدعي بأنه كان الأول في ترتيب الأقدمية، وأنه ليس من باعث على إجراء النقل في وقت صدور الترقية، لا مقنع في ذلك؛ لأن الجهة الإدارية تترخص في إجراء الترقيات بحسب الأصول المرعية في الوقت المناسب بما يتفق والصالح العام، كما أن إدارة المصانع هي التي تقدر ملاءمة نقل الموظفين من المصانع وإليها، وما من شك في أن طبيعة العمل في المصانع الحربية تتأثر بما قد لا تتأثر به طبيعة العمل في الجهات الإدارية الأخرى"، وأنه "تأسيساً على ما تقدم يكون القرار الوزاري رقم 386 الصادر في 6 من إبريل سنة 1957 قد صدر على أساس سليم من القانون....".ثم استطردت المحكمة تقول إنه "وقد نقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957 نقلاً صحيحاً متفقاً مع أحكام القانون، فمن ثم لا تتوافر لديه المصلحة الشخصية المباشرة للطعن في قرار الترقية المطعون فيه رقم 376 الصادر في 31 من مارس سنة 1957 فيما تضمنه من ترقية بعض موظفي المصانع؛ ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة لانعدام المصلحة بالنسبة للطعن في هذا القرار...".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من نصوص الفقرة 15 من المادة 4 من القانون رقم 619 لسنة 1953 بإنشاء مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات والمادة 14 من القرار رقم 159 لسنة 1953 بنظام موظفي المصانع أن مجلس الإدارة كان في صدد تحديد الجهة المختصة بنقل موظفي المصانع إذا اقتضت ضرورة العمل نقلهم، أما القيود التي ترد على سلطة الإدارة في النقل والضمانات التي يجب توفيرها للموظفين فهذه أمور سكت عنها ويرجع في بيان أحكامها إلى قانون موظفي الدولة بمقتضى الإحالة الواردة في المادة الأولى من قرار مجلس الإدارة رقم 159 لسنة 1953.ولا جدال في أن القيد الذي أوردته المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة في شأن عدم جواز النقل إذا كان يفوت على الموظف دوره في الترقية بالأقدمية - هذا القيد الذي يمثل أصلاً عاماً في شئون الموظفين قنن به المشرع قضاء مستقراً مطرداً بألا يكون النقل قد قصد به الإضرار بالموظف بحيث يخفي في طياته جزاء تأديبياً مقنعاً، ولا أدل على صحة هذا النظر في هذه القضية من أن قرار ترقية اثنين ممن يلون المدعي في الأقدمية قد صدر بعد أسبوعين من موافقة الوزير على نقله وقبيل تنفيذ هذا النقل، ومن مقتضى نقل المدعي أن تمتنع ترقيته في الجهة المنقول إليها لمدة سنة كاملة بحيث يضار ضرراً مضاعفاً، وهو ما حرص المشرع على تفاديه بنصه على ألا يكون النقل مفوتاً على الموظف دوره في الترقية بالأقدمية.
ومن حيث إنه في 12 من ديسمبر سنة 1953 صدر القانون رقم 619 لسنة 1953 بإنشاء مجلس إدارة المصانع الحربية ومصانع الطائرات، ونص في مادته الثالثة على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على المصانع التابعة لوزارة الحربية، وهو المشرف على تصريف الأمور طبقاً لهذا القانون دون التقيد بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في مصالح الحكومة"، وبينت المادة 4 منه اختصاصات مجلس الإدارة، ومن بينها ما نص عليه في الفقرة 15، وهي "إصدار اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي المصانع الحربية ومصانع الطائرات ومستخدميها وعمالها وترقيتهم ونقلهم وتأديبهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم دون التقيد بالقوانين واللوائح والنظم الخاصة بموظفي الحكومة، وكذا إصدار اللوائح الخاصة بتنظيم أعمال المخازن والمشتريات واللوائح المالية".وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون ما يأتي: "تقتضي السياسة العامة الحالية التخفيف من أحكام المركزية على قدر المستطاع، كما تقضي بالعمل على إحاطة المصانع الحربية بسياج من الاستقلال حتى تتمكن من أداء الرسالة الخطيرة الموكولة إليها دون أن تصطدم بالإجراءات المالية والإدارية العادية التي تخضع لها المصالح الحكومية حسب القوانين واللوائح المعمول بها...".وجاء بختام المذكرة خاصاً بالمادة الرابعة ما يأتي: "كما تضمنت المادة الرابعة بعض تعديلات للأحكام التي كانت متبعة في القانون القديم قصد منها تيسير عمل المصانع وتوسيع اختصاصات مجلس الإدارة؛ تمشياً مع سياسة اللامركزية، وحتى تقوم المصانع بواجباتها المفروضة عليها في جو من الاستقلال والاستقرار". واستناداً إلى الفقرة 15 من المادة 4 من القانون رقم 619 لسنة 1953 المشار إليه أصدر مجلس إدارة المصانع القرار رقم 159 م لسنة 1953 بنظام موظفي تلك المصانع، وقد نص في المادة الأولى منه على أنه "فيما عدا ما هو منصوص عليه في المواد التالية تسري على موظفي المصانع الحربية ومصانع الطائرات أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له الخاص بنظام موظفي الدولة"، ونصت المادة 7 على أن "يعتمد وزير الحربية - بناء على اقتراح وكيل الوزارة المساعد المختص - نقل أي موظف من مصلحة أخرى أو وزارة إلى المصانع"، كما نصت المادة 14 على أنه "يجوز نقل الموظف من مصنع إلى آخر بموافقة مدير المصنع المختص أو نقله إلى أية مصلحة أخرى بعد موافقة الجهة المنقول إليها إذا اقتضت ضرورة العمل ذلك، ويكون ذلك بقرار من وكيل الوزارة المساعد المختص بعد موافقة مدير المصنع بالنسبة للموظفين من الدرجة الثالثة فما دونها وبقرار من مجلس الإدارة بالنسبة لمن عداهم".
ومن حيث إن المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - وهي المنظمة لأحكام نقل الموظفين - تنص على أنه "يجوز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى ويجوز نقله من مصلحة أو وزارة إلى مصلحة أو وزارة أخرى إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناء على طلبه، ومع ذلك لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً...".
ومن حيث إن مفاد نص المادة الأولى من القرار رقم 159 م لسنة 1953 سالف الذكر أن الأصل أن تسري أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بصفة عامة على جميع موظفي المصانع الحربية أسوة بباقي موظفي الدولة باعتبار أنه القانون العام المنظم لعلاقة الحكومة بموظفيها، كل ذلك ما لم يتضمن القرار المذكور تنظيماً خاصاً، ففي هذه الحالة يطبق الحكم الخاص الوارد بالقرار، وإن تعارض مع ما ورد بالقانون رقم 210 لسنة 1951؛ وذلك للظروف الخاصة بالعمل في المصانع الحربية التي تختلف تماماً عن ظروف العمل بالوزارات والمصالح من حيث ضرورة إحاطتها بكثير من السرية التي تقتضي بسط يد إدارة المصانع في شئون موظفيها وعدم تقييدها بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعارض مع ظروف العمل بالمصانع.وقد كشفت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 619 لسنة 1953 الخاص بإنشاء مجلس إدارة خاص بالمصانع حين قالت "تقتضي السياسة العامة الحالية التخفيف من أحكام المركزية على قدر المستطاع، كما تقضي بالعمل على إحاطة المصانع الحربية بسياج من الاستقلال حتى تتمكن من أداء الرسالة الخطيرة الموكولة إليها دون أن تصطدم بالإجراءات المالية والإدارية العادية التي تخضع لها المصالح الحكومية حسب القوانين واللوائح المعمول بها..."، وحين قالت في صدد المادة الرابعة المتعلقة باختصاصات مجلس الإدارة أنه قصد بالتعديلات التي أدخلت على تلك المادة "تيسير عمل المصانع وتوسيع اختصاصات مجلس الإدارة؛ تمشياً مع سياسة اللامركزية، وحتى تقوم المصانع بواجباتها المفروضة عليها في جو من الاستقلال والاستقرار".
ومن حيث إنه يبين من استعراض نصوص المادة 14 من القرار رقم 159 م لسنة 1953 والمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أن النقل الذي نظمته المادة 47 في فقرتها الأولى بالشروط والقيود الواردة بها قد نظمته المادة 14 من القرار المشار إليه دون أن تتضمن أي قيد على حق إدارة المصانع في إجرائه على نحو ما قيدته به المادة 47 في فقرتها الأولى؛ وذلك تحقيقاً للحكمة التي قام عليها القانون رقم 619 لسنة 1953 وأشارت إليها مذكرته الإيضاحية حسبما سلف البيان، وكل ما اشترطه القرار لإمكان إجراء النقل قيام حالة ضرورة تقتضي ذلك، وتقرير قيام مثل هذه الحالة أمر متروك لمطلق تقدير الإدارة تقدره على هدي المصلحة العامة لا يحدها في ذلك إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا وجد وقام الدليل عليه.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أنه نقل من وزارة الشئون الاجتماعية إلى إدارة المصانع اعتباراً من 13 من ديسمبر سنة 1955، وألحق بالمصنع رقم 27 بوظيفة أخصائي اجتماعي، وأنه في 27 من يونيه سنة 1956 صدر قرار بمجازاته بخصم يومين من مرتبه نظراً لما نسب إليه في الشكوى المقدمة من نائب مدير المصنع وما أثبته التحقيق الذي أجرى معه من إدانته في الآتي: 1 - خطؤه في صدور ألفاظ وجهها إلى السيد نائب مدير المصنع بدعوى أنه لحقه إهانة منه.2 - خروجه عن الحدود اللائقة وثورته وتلويحه بيده في وجهه.3 - عدم اتخاذه الطريق القانوني السليم بتوجهه إلى السيد مدير المصنع بالشكوى إن كان هناك ما يدعو إلى ذلك.وفي أول يوليه سنة 1956 قدم المدعي لمدير المصنع رقم 27 طلباً يذكر فيه أنه "لما كانت عملية الإشراف على المطعم ليست من اختصاصي فألتمس إعفائي منها، ولقد قمت بها طوال هذه المدة لصالح العمل والعمال، ونظراً لما ألاقيه من متاعب أرجو أن يكون عملي في حدود اختصاصي، وهو أخصائي اجتماعي للمصنع، كما أرجو التنبيه بتزويد قسم الشئون الاجتماعية بالمصنع بالعدد اللازم من الموظفين حتى أتمكن من إتمام رسالتي على أتم وجه".وقد رفع هذا الطلب إلى السيد المدير بتأشيرة جاء بها ما يأتي: "(1) الموظف المذكور لا يصلح للإشراف على المطعم نظراً لعدم مقدرته على حسن التصرف ومعاملة الأفراد والتعاون، وقد ثبت فشله في هذه المهمة، وأوافق على إعفائه من مهمة الإشراف على المطعم.(2) فيما يختص بتزويد قسم الخدمة الاجتماعية بالعدد اللازم من الموظفين، فقد سبق نقل السيد الجارحي للعمل به بناء على طلب السيد يوسف علام نفسه، ولكنه أساء معاملته ثم طلب إعادته للحسابات، ولقد اشتكى جميع الموظفين الذين عملوا تحت رياسة السيد المشرف من معاملته علماً بأنهم من الموظفين المشهود لهم بالكفاية.(3) أرى أن المشرف السيد يوسف علام لا ينفع المصنع بشيء".وقد أشر السيد المدير على طلب المدعي في 2 من يوليه سنة 1956 بإخلاء طرفه وتحويله لإدارة المصانع.وفي 2 من يوليه سنة 1956 أيضاً قدم نائب مدير المصنع رقم 27 تقريراً إلى السيد مدير المصنع في شأن المدعي أشار فيه إلى عدم قيام المدعي بأي نشاط ملموس منذ إنشاء قسم الخدمات الاجتماعية وإلى كثرة الشكاوى التي قدمت بشأن سوء إدارة المدعي للمطعم الذي يشرف عليه، وإلى شكوى جميع الموظفين الذين يعملون معه والذين اختارهم بنفسه للعمل معه وطلبهم النقل لعدم إمكانهم التعاون معه لسوء معاملته لهم، مع أنهم من الموظفين المشهود لهم بالكفاية وحسن الخلق، وإلى أنه دائم الشكوى ويشغل الكثير من وقت نائب المدير في أمور تافهة، ثم قال بعد ذلك إن "المفروض في المشرف الاجتماعي أن يكون رسول سلام بين إدارة المصنع والعمال حيث يعمل على بحث حالاتهم والاتصال بإدارة المصانع للعمل على راحتهم وتحسين حالتهم في حدود إمكانيات المصنع، ولكنه يعتبر نفسه خارجاً عن الإدارة في هذا الخصوص ويحاول تفهيم العمال أنه فقط يعمل لمصلحتهم، بينما الجميع لا يرغبون في ذلك، ولا يخفى ما لهذا التصرف من آثار وخيمة، وأن معاملته لزملائه مبنية على عدم الثقة، ويعتقد أن الجميع يتآمرون ضده، ومن هنا جاءت تصرفاته مع زملائه شاذة، واعتقد أن هذا مرض نفسي وليس حالة طبيعية، والخلاصة أن الموظف المذكور السيد يوسف علام ثبت أنه غير منتج وضعيف جداً من الناحية الإدارية حيث تنقصه قوة الشخصية وحسن التصرف والمعاملة وأنه غير قادر على التعاون مع زملائه أو رؤسائه أو مرءوسيه، وأرى أن استمرار وجوده بالمصنع غير مفيد بالمرة، بل على العكس يسبب لنا الكثير من المتاعب"، وقد رفع مدير المصنع هذا التقرير إلى السيد وكيل الوزارة بتأشيرة جاء فيها أن المصنع لا يرى الاحتفاظ به ضمن موظفيه، ثم أرسل مدير المصنع صورة من التقرير إلى السكرتير العام للمصنع، وأخبره أنه نبه على السيد يوسف علام بتقديم نفسه لمراقبة الأفراد اعتباراً من 5 من يوليه سنة 1956، وفي 12 من يوليه سنة 1956 صدر قرار بإلحاق المدعي بالإدارة المالية، فتظلم من هذا النقل، والتمس تعيينه في عمل يتناسب ومؤهله، ثم اتخذت بعد ذلك إجراءات نقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية، وقد وافقت لجنة شئون الموظفين بالوزارة المذكورة بجلستيها المنعقدتين في 3 و8 من يناير سنة 1957 على نقل المدعي إليها، واعتمد السيد الوزير قرارها في 5 من فبراير سنة 1957، ووافقت لجنة شئون موظفي المصانع على نقل المدعي إلى وزارة الشئون بجلسة 9 من مارس سنة 1957، واعتمد السيد وزير الحربية قرارها في 16 من مارس سنة 1957، ثم صدر بعد ذلك القرار الوزاري رقم 386 لسنة 1957 في 6 من إبريل سنة 1957 برفع اسم المدعي من عداد موظفي المصانع الحربية نقلاً إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل اعتباراً من 16 من مارس سنة 1957.
ومن حيث إنه ظاهر من كل ما تقدم أن إدارة المصانع إنما لجأت إلى نقل المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية (وزارته الأولى) بعد ما تبين لها من سيرته خلال الفترة الوجيزة التي قضاها في العمل بالمصانع أنه غير منتج، وأن التعاون مفقود بينه وبين زملائه ورؤسائه ومرءوسيه؛ مما يوجب الاضطراب في العمل في هذه الجهة الحساسة، فضلاً عما ورد بتقرير نائب المدير العام من أنه يحاول تفهيم العمال أنه هو وحده الذي يعمل لمصلحتهم دون باقي موظفي ورؤساء المصنع؛ ومن ثم أصبح نقله في تقديرها ضرورة تقتضيها مصلحة العمل بالمصانع.وليس من شك في أن تقدير حالة الضرورة أمر متروك زمامه للجهة الإدارية المختصة لا يحدها في ذلك - على ما سلف البيان - سوى عيب إساءة استعمال السلطة، ولم يقم أي دليل من الأوراق على أن إدارة المصانع إذ نقلت المدعي إلى وزارة الشئون الاجتماعية قد صدرت في ذلك عن ميل أو هوى أو غرض شخصي لا يمت للمصلحة العامة، كما لم يدع المدعي أن نقله قد شابه عيب إساءة استعمال السلطة وإن كان قد أشار إلى أن النزاع الشخصي الذي قام بينه وبين نائب مدير المصنع كان هو الدافع لهذا النقل، وهذا السبب - إن صح - لا ينهض دليلاً على إساءة استعمال السلطة، وإنما يعتبر دليلاً على أن إدارة المصانع حريصة على أن يسود الانسجام والتعاون بين موظفي المصانع حتى تؤدي رسالتها على النحو المرجو، وغني عن القول إنه ما دام نقل المدعي من المصانع الحربية إلى وزارة الشئون الاجتماعية لا يخضع لحكم الفقرة الأولى من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة فإن ذلك يستتبع بحكم اللزوم عدم انطباق حكم الفقرة الثانية من المادة المذكورة التي تقضي بعدم جواز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله، ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار أو في درجات المصالح المنشأة حديثاً؛ ذلك أن القيد الوارد في الفقرة المذكورة هو - على ما سبق أن قضت هذه المحكمة (1) - استثناء من الأصل العام الذي يجيز النقل كما يجيز ترقية الموظف المنقول طبقاً للقواعد العامة، فلزم - والحالة هذه - تفسيره تفسيراً ضيقاً في حدود الحكمة التشريعية التي قام عليها، وهي منع التحايل عن طريق النقل لإيثار الموظف المنقول بترقيته في الجهة المنقول إليها في نسبة الأقدمية؛ ومن ثم فإن النقل الذي يرد عليه القيد الاستثنائي المعني بهذا النص - وهو عدم جواز ترقية الموظف المنقول قبل مضي سنة على الأقل - لا ينصرف إلا إلى نقل الموظف نقلاً عادياً، أما إذا كان النقل قد ترتب بحكم اللزوم على نقل الدرجة التي يشغلها الموظف من ميزانية الوزارة أو المصلحة المنقول منها إلى ميزانية الوزارة أو المصلحة المنقول إليها، أو أنشئت درجة جديدة في ميزانية المصلحة، وكان نقله عليها ضرورة اقتضتها المصلحة العامة تنظيماً للأوضاع المصلحية أو كان النقل - كما في خصوصية هذا النزاع - قد تم بسبب قيام حالة ضرورة اقتضت هذا النقل واستند في إجرائه إلى قواعد تنظيمية عامة وضعت تنفيذاً لقانون خاص، فلا يجوز أن يضار الموظف بمثل هذا النقل الذي اقتضته المصلحة العامة، - وهو لا دخل لإرادته فيه - بتفويت دوره في الترقية في نسبة الأقدمية.
ومن حيث إنه لما كان نقل المدعي من المصانع الحربية إلى وزارة الشئون الاجتماعية قد تم صحيحاً مطابقاً للقانون، وكان هذا النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية في نسبة الأقدمية في الوزارة المنقول إليها؛ فمن ثم لا تتوافر لديه المصلحة الشخصية المباشرة للطعن في قرار الترقية المطعون فيه رقم 376 الصادر في 31 من مارس سنة 1957 فيما تضمنه من ترقية بعض موظفي المصانع، وتكون دعواه في هذا الخصوص غير مقبولة؛ لانعدام المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن - والحالة هذه - غير قائم على أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.


(1) راجع الحكم المنشور في السنة الثالثة من هذه المجموعة بند 172، ص 1681.

الطعن 549 لسنة 52 ق جلسة 28 /11 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 219 ص 1067

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ مصطفى صالح سليم نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم زغو، محمد حسن العفيفي، ممدوح السعيد ولطفي عبد العزيز.

------------------

(219)
الطعن رقم 549 لسنة 52 القضائية

(1) ملكية "أسباب كسب الملكية". تقادم "التقادم المكسب".
وضع اليد المدة الطويلة. سبب مستقل لكسب الملكية.
(2) دعوى "الطلبات في الدعوى". دفاع "الدفاع الجوهري". محكمة الموضوع. إثبات "الإحالة للتحقيق" حكم " ما يعد قصوراً".
الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بحثه والبت فيه. شرطه.
(3) تسجيل. بيع "تزاحم المشترين".عقد "عيوب الرضا" "تواطؤ". صورية "الصورية المطلقة". تسجيل. بطلان.
العقد المسجل يفضل العقد غير المسجل. ولو ثبت التواطؤ بين طرفيه على حرمان مشتر آخر. اختلاف التواطؤ عن الصورية. ماهية كل منهما. ثبوت الصورية المطلقة للعقد. يرتب بطلانه. أثر ذلك.

-----------------
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن وضع اليد المدة الطويلة إذا توافرت فيه الشروط القانونية يعد بذاته سبباً لكسب الملكية مستقلاً عن غيره من أسباب اكتسابها.
2 - الدفاع الذي يجب على محكمة الموضوع بحثه والبت فيه يلزم - وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - أن يكون دفاعاً جوهرياً مما يتغير به وجه الرأي في الدعوى وأن يكون مقترناً بالدليل المثبت له أو مطلوباً من المحكمة تحقيقه بإحدى الطرق المقررة في القانون، وإذ تخلف هذا الوصف عن الدفاع فلا على المحكمة إن هي التفتت عنه.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقد المسجل ولو ثبت التواطؤ بين طرفيه على حرمان مشتر آخر من ذات الصفقة - يفضل العقد غير المسجل.
والصورية تختلف عن التواطؤ مدلولاً وحكماً لأن الصورية إنما تعني عدم قيام المحرر أصلاً في نية المتعاقدين، أما التواطؤ فإنه غير مانع من جدية التعاقد ومن قيام الرغبة في إحداث آثار قانونية له وثبوت صورية عقد البيع صورية مطلقة وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، يرتب بطلانه، فلا تنتقل به ملكية القدر المبيع ولو كان مسجلاً، إذ ليس من شأن التسجيل أن يصحح عقداً باطلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 765 لسنة 1974 مدني المنصورة الابتدائية بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد الابتدائي المؤرخ 1/ 8/ 1965 وبالتسليم، وقال بياناً لها إن المرحوم...... - مورث باقي المطعون ضدهم - باع له بموجب العقد المذكور أرضاً زراعية مبينة الحدود والمعالم به مقابل ثمن مقداره 1750 ج، وإذ تقاعس عن تقديم مستندات الملكية فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان، التمست الطاعنة قبول تدخلها في الدعوى وطلبت رفضها على سند أنها سبق أن اشترت الأرض موضوع الدعوى من نفس البائع بعقد عرفي مؤرخ 25/ 6/ 1963 وسجلت الحكم الصادر بصحته ونفاذه، وبتاريخ 26/ 10/ 1976 حكمت المحكمة بقبول التدخل الطاعنة ورفض طلبها وبصحة ونفاذ عقد البيع الصادر للمطعون ضده الأول المؤرخ 1/ 8/ 1965، استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 481 لسنة 28 ق مدني، وبتاريخ 30/ 12/ 1981 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بملكيتها لأرض النزاع بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، وهو سبب مستقل لكسبها لو صح لتغير به وجه الرأي في الدعوى، لكن الحكم المطعون فيه لم يحقق هذا الدفاع ولم يرد عليه بما يشوبه بالقصور المبطل ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن وضع اليد المدة الطويلة إذا توافرت فيه الشروط القانونية يعد بذاته سبباً لكسب الملكية مستقلاً عن غيره من أسباب اكتسابها، إلا أن الدفاع الذي يجب على محكمة الموضوع بحثه والبت فيه يلزم - وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - أن يكون دفاعاً جوهرياً مما يتغير به وجه الرأي في الدعوى وأن يكون مقترناً بالدليل المثبت له أو مطلوباً من المحكمة تحقيقه بإحدى الطرق المقررة في القانون، وإذ تخلف هذا الوصف عن الدفاع فلا على المحكمة إن هي التفتت عنه، لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أن الطاعنة لم تقدم إلى محكمة الموضوع الدليل على اكتسابها ملكية الأرض موضوع الدعوى بالتقادم المكسب الطويل المدة ولا هي طلبت من المحكمة تحقيق هذا الدفاع بإحدى وسائل الإثبات القانونية، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي أغفلت بحث هذا الدفاع أو الرد عليه، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن هذا الحكم أهدر عقد بيع الصادر لها من نفس البائع عن الأرض موضوع الدعوى لصوريته على الرغم من أن ملكية تلك الأرض انتقلت إليها بالتسجيل دون المطعون ضده الأول، وإذ كان ذلك وكانت الصورية لا تعدو أن تكون هي الوجه الآخر للتواطؤ، وهو لا يرتب إهدار العقد المسجل، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن العقد المسجل - ولو ثبت التواطؤ بين طرفيه على حرمان مشتر آخر من ذات الصفقة - يفصل العقد غير المسجل، إلا أن الصورية تختلف عن التواطؤ مدلولاً وحكماً، لأن الصورية إنما تعني عدم قيام المحرر أصلاً في نية المتعاقدين، أما التواطؤ فإنه غير مانع من جدية التعاقد ومن قيام الرغبة في إحداث آثار قانونية له، لما كان ذلك وكان ثبوت صورية عقد البيع صورية مطلقة وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة، يرتب بطلانه، فلا تنتقل به ملكية القدر المبيع ولو كان مسجلاً، إذ ليس من شأن التسجيل أن يصحح عقداً باطلاً، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه إنه بعد أن خلص إلى أن عقد البيع الصادر إلى الطاعنة - من زوجها بشأن الأرض موضوع الدعوى - صوري صورية مطلقة رتب على ذلك انعدام العقد المذكور على الرغم من تسجيل الحكم الصادر بصحته ونفاذه، وأيد حكم محكمة الدرجة الأولى الذي قضى بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي الصادر إلى المطعون ضده الأول عن ذات الأرض المشار إليها، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد طبق القانون على وجهه الصحيح، ويكون هذا النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.