الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

الطعن 33 لسنة 4 ق جلسة 3 / 1 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 41 ص 516

جلسة 3 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

----------------------------

(41)

القضية رقم 33 لسنة 4 القضائية

(أ) مصلحة في الدعوى 

- صدور قرار بنقل موظف من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري ووضعه في كشف الأقدمية في ترتيب سابق على المدعي وترقيته إلى الدرجة الخامسة - توافر شرط المصلحة للمدعي في الطعن فيه ولو لم يتمكن مدة الثلاث السنوات اللازمة لترقيته إلى الدرجة الخامسة قد انقضت - أساس ذلك.
(ب) دعوى 

- دعوى بطلب إلغاء قرار صادر بترقية موظف - لا تقبل إلا بعد التظلم من القرار وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه - الطعن في قرارين متتاليين صدرا بالترقية بعد انتهاء المواعيد المذكورة بالنسبة للتظلم المقدم في أولهما دون الثاني - قبولها متى كان القرار الثاني يعتبر استمراراً للقرار الأول ومقتضى له وكان المدعي قد اضطر لرفعها قبل انقضاء الميعاد بالنسبة للقرار الأول - مثال.

-----------------------
1 - إذا كان القرار الصادر بنقل موظفين من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري قد وضعهم في كشف الأقدمية في ترتيب سابق على المطعون عليه وترقيتهم إلى الدرجة الخامسة, فإن له مصلحة محققة في طلب إلغاء هذا القرار, حتى ولو لم تكن قد انقضت مدة الثلاث السنوات اللازمة للترقية إلى الدرجة الخامسة؛ ذلك أنه ليس من شك في أن الأسبقية في ترتيب الدرجة السادسة لها أثرها الحاسم حالاً أو مآلاً في الترقية إلى الدرجة الخامسة, فمن مصلحته الطعن في هذا القرار بدعوى أن المطعون في ترقيتهم لا يستصحبون قانوناً أقدمياتهم في الدرجة السادسة الكتابية عند نقلهم في الكادر الإداري.
2 - إذا كان القرار الثاني المطعون فيه لا يعدو أن يكون في حقيقته استمراراً للقرار الأول ومقتضى له؛ إذ ينبع من نفس الفكرة التي صدر عنها القرار الأول, وهي أن المنقولين جميعاً من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري يستصحبون جميعاً أقدمياتهم في الدرجة السادسة في هذا الكادر عند نقلهم إلى الكادر الأعلى, وأنه بناء على هذه الأقدمية يحل دورهم في الترقية إلى الدرجة الخامسة, فصدر القراران المطعون فيهما بالإلغاء على هذا الأساس - إذا كان ذلك كذلك, فإن المطعون عليه إذ يطعن فيهما إنما يقيم طعنه على أساس قانوني واحد بالنسبة إليهما معاً, هو أن هؤلاء المنقولين من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى لا يستصحبون أقدمياتهم في الدرجة السادسة الكتابية, فلا يحل دورهم في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وأن المطعون عليه يعتبر أسبق منهم في هذه الدرجة السادسة الإدارية, وأولى بالترقية قبلهم إلى الدرجة الخامسة. وبهذه المثابة يعتبر طعنه بإلغاء القرارين متضمناً القرارين معاً بما يغني عن انتظار الفصل في تظلمه, ما دام قد اضطر لإقامة الدعوى بالطعن في القرار الأول في آخر الميعاد.


إجراءات الطعن

في 4 من ديسمبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 33 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة ثالثة "أ") بجلسة 17 من أكتوبر سنة 1957 في الدعوى رقم 234 لسنة 11 ق المقامة من عبد الوهاب قطب محمد ضد ديوان الموظفين, والذي يقضي "بقبول الدعوى شكلاً, وبإلغاء القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أحمد محمود مختار كشك وفوزي سعيد شاهين إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وبإلغاء القرار رقم 118 الصادر في 4 من أكتوبر سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أمين عيسى يوسف إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى ديوان الموظفين في 10 من ديسمبر سنة 1957, وإلى المطعون عليه في 15 من يناير سنة 1958, وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 6 من ديسمبر سنة 1958, وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 10 من نوفمبر سنة 1958 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وفي 22 من ديسمبر سنة 1958 أودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاعها, وانتهت فيها إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى كل من القرار الأول والثاني, واحتياطياً برفض الدعوى بشقيها مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل الأتعاب, ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 234 لسنة 11 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 27 من نوفمبر سنة 1956 طلب فيها "الحكم بإلغاء القرارين رقمي 24 و118 لسنة 1956 بالنسبة للترقيات التي تمت بمقتضاهما, وذلك فيما تضمناه من تخط له في الترقية وتعديل أقدميته في الدرجة الخامسة الإدارية العالية بديوان الموظفين, كادر الديوان العام, بحيث يكون سابقاً لكل من السادة فوزي سعيد شاهين وأحمد مختار محمود كشك وأمين عيسى يوسف, مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل الأتعاب". وقال شرحاً لدعواه إنه حصل على درجة الليسانس في القوانين من كلية الحقوق بجامعة القاهرة في مايو سنة 1950, وعلى دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية في عام 1952, ثم نجح في امتحان المسابقة الذي عقده ديوان الموظفين في 30 من أبريل سنة 1952 للتعيين في وظائف الدرجة السادسة بالكادر الإداري العالي بالديوان. وفي 30 من يوليه سنة 1953 صدر قرار بتعيينه وزملائه الناجحين في امتحان المسابقة في الوظائف المذكورة. وفي 16 من فبراير سنة 1956 فوجئ المدعي بالقرار رقم 24 لسنة 1956 الصادر من رئيس الديوان متضمناً نقل كل من السادة أحمد مختار كشك وأمين عيسى يوسف من الكادر الكتابي المتوسط إلى الكادر الإداري العالي بالديوان ووضعهما في كشف الأقدمية في ترتيب سابق على المدعي؛ وذلك بالرغم من أن القرار المذكور ذاته ينص على أن يكون نقل الموظفين المشار إليهما اعتباراً من 3 من فبراير سنة 1956, وفضلاً عن ذلك تضمن هذا القرار ترقية كل من أحمد مختار محمود كشك وفوزي سعيد شاهين بالأقدمية المطلقة من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري متخطياً بذلك المدعي وزملاءه الذين عينوا معه في 30 من يوليه سنة 1953. وبعد ذلك فوجئ المدعي في 29 من سبتمبر سنة 1956 بصدور القرار رقم 118 لسنة 1956, وهو يقضي بترقية كل من السادة أمين عيسى يوسف ورستم حسان والمدعي - عبد الوهاب قطب محمد - إلى الدرجة الخامسة الإدارية العالية, وهذا القرار تضمن أسبقية أمين عيسى يوسف على المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الأمر الذي يضر بالمدعي ويخالف نصوص قانون التوظف. ويقول المدعي في ذلك إن وجهة نظر ديوان الموظفين في تبرير هذه المخالفة للقانون تقوم على أساس سوء فهم وتطبيق معيب للمادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة, ولا سيما الفقرة الأخيرة منها؛ ذلك أن شاهين قد نقلت درجته في ميزانية السنة المالية 1954/ 1955, كما نقلت درجة السيدين كشك وعيسى في ميزانية السنة المالية 1955/ 1956, ويعتبر الديوان أن النقل بحسب مفهوم الفقرة الأخيرة من المادة 47 نقلاً من جميع الوجوه منتجاً لكافة آثاره, ومنها احتساب أقدمية الموظف المنقول إلى الكادر العالي من تاريخ حصوله على درجته بالكادر المتوسط. ثم يقول المدعي إن هذا التفسير يخالف القانون نصاً وروحاً, فضلاً عن مخالفته لما استقر عليه القضاء الإداري وفتاوى القسم الاستشاري بمجلس الدولة. وواضح من نص المادة 47 من قانون موظفي الدولة أنها جاءت استثناء من القواعد الأساسية لقانون التوظف, فيجب تفسيرها في أضيق الحدود؛ بحيث لا يخرج الاستثناء عن النطاق الذي حدده الشارع؛ ومن ثم فإن النقل يجب أن يقتصر على مجرد إحداث النقل من كادر إلى كادر آخر, دون أن يضاف إلى ذلك حساب مدة الموظف المنقول في أقدميته بالدرجة المنقول إليها؛ لأن في ذلك تجاوزاً واضحاً للنص الاستثنائي, فضلاً عن مخالفته لنص المادتين 23 و24 من قانون التوظف. وأضاف المدعي إلى ذلك أن نقل درجة الموظف من كادر إلى كادر آخر يترتب عليه حتماً إلغاء وظيفته الأصلية, وذلك بنقل اعتمادها إلى كادر آخر, والأصل الذي نصت عليه المادة 107 من قانون التوظف يقضي بأن إلغاء الوظيفة يترتب عليه فصل الموظف من الخدمة إلا إذا كانت هناك وظيفة مماثلة ومعادلة لوظيفته الملغاة, فعندئذ ينقل إليها وتحسب أقدميته في الوظيفة المنقول منها (المادة 113 من قانون نظام موظفي الدولة), ولكن المادة 47 قد جاءت باستثناء على هذه القاعدة, فأجازت نقل الموظف الذي ألغيت وظيفته في الكادر المتوسط إلى الوظيفة المنشأة على الدرجة المنقولة في الكادر العالي, وهذا النقل لا يمكن أن يكون نقلاً عادياً؛ إذ أن النقل بمعناه المعروف يكون من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى, ومن إدارة إلى إدارة أخرى, ومن مكان إلى آخر, أما النقل من كادر إلى كادر آخر فيطلق عليه اسم (النقل النوعي), وهو محظور أصلاً إن كان من كادر أعلى إلى كادر أدنى؛ لأنه يتضمن تنزيلاً للموظف، كما أنه محظور أيضاً إذا كان من كادر أدني إلى كادر أعلى، وذلك مع استثناء الأحوال التي ينص عليها القانون؛ إذ يكون في هذه الحالة بمثابة تعيين جديد يشترط فيه توافر الشروط والمؤهلات اللازمة للتعيين في الوظيفة الجديدة. ويلاحظ المدعي في هذا الخصوص أمرين: الأول, أن النقل بالتطبيق لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 47 يتم بقرار من الوزير المختص دون الالتجاء إلى لجنة شئون الموظفين, أي أنه يتم بأداة التعيين وليس بأداة النقل؛ إذ يشترط في الحالة الأخيرة أن يتم النقل بقرار من لجنة شئون الموظفين ثم يعتمده الوزير المختص. الثاني, أن الفقرة الأخيرة من المادة 47 استعملت تعبيرين مختلفين لنقل الموظف على وظيفة في الكادر العالي أو على وظيفة في الكادر المتوسط؛ ففي الحالة الأولى ينقل, وفي الحالة الثانية تسوى حالته, والاختلاف في التعبير في هذه الحالة يؤدي إلى اختلاف الحكم, فالتسوية يترتب عليها احتساب الأقدمية في الدرجة والوظيفة, أما النقل النوعي فيعتبر بمثابة تعيين جديد لا يترتب عليه حساب الأقدمية السابقة, ثم قال المدعي إن الجمعية العمومية للقسم الاستشاري قررت بجلستها المنعقدة في 18 من يناير سنة 1956 أن الموظف بالكادر المتوسط إذا حصل على مؤهل عال, وهو بالدرجة السادسة في الكادر المتوسط واجتاز امتحان مسابقة للتعيين على إحدى وظائف الدرجة السادسة بالكادر العالي, فإن هذا الموظف يعين في الكادر العالي تعييناً جديداً, ولا تحسب له أقدميته في الوظيفة الأولى, مع أن هذا الموظف أولى بالرعاية وأصلح لشغل الوظيفة الجديدة من الموظف الذي لم يحصل على مؤهل عال أو لم يدخل امتحان مسابقة, وإنما أصابه النقل عرضاً. ويقول المدعي أخيراً إنه تظلم في 15 من أبريل سنة 1956 من القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 وقام الديوان بعرض موضوع التظلم على الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة, فأجابت على الديوان بكتابها رقم 86/ 1/ 34 في 23 من أكتوبر سنة 1956 بأن هذا الموضوع قد عرض على الجمعية العمومية بجلستها المنعقدة في 26 من سبتمبر سنة 1956 وانتهى رأيها إلى أن الموظف الذي ينقل من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي طبقاً للمادة 47/ 4 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تحتسب أقدميته في الدرجة المنقول إليها من تاريخ النقل. ويقول المدعي إنه عند صدور القرار رقم 118 لسنة 1956 في 4 من أكتوبر سنة 1956 تظلم منه في 25 من نوفمبر سنة 1956, وقال إنه لو لا احتساب مدة خدمة زملائه المذكورين بطريق التطبيق الخاطئ للفقرة الأخيرة من المادة 47 لكان المدعي أقدم من هؤلاء الثلاثة, ولما رقى الأول والثاني والثالث في القرارين المشار إليهما؛ إذ تكون ترقيتهم غير جائزة لعدم انقضاء المدة اللازمة كحد أدنى لإمكان الترقية من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة, وهي ثلاث سنوات (القانون رقم 366 لسنة 1954)؛ إذ أن نقل درجة الأول (شاهين) تم في ميزانية 1954/ 1955, وصدر قرار نقله إلى الكادر العالي في هذه السنة المالية. وتم نقل درجة الثاني (كشك) ودرجة الثالث (عيسى) في ميزانية 1955/ 19556, وصدر قرار نقلهما إلى الكادر العالي بالقرار المطعون فيه, بينما عين المدعي في الدرجة السادسة الإدارية العالية في 30 من يوليه سنة 1953. وقد أجريت حركة ترقية الأول والثاني والثالث في النسبة المخصصة للأقدمية, وواضح للمدعي أنه أقدم من الثلاثة المطعون في ترقيتهم أخذاً بالتفسير الذي اتجهت إليه صحيفة الدعوى. ويقول المدعي إن الديوان لم يرد على تظلمه, فتقدم بطلب إعفائه من الرسوم في 13 من أغسطس سنة 1956, فأعفي منها بقرار صدر في 29 من سبتمبر سنة 1956, وأودع صحيفة هذه الدعوى سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 27 من نوفمبر سنة 1956 طالباً الحكم بإلغاء القرارين المشار إليهما فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية العالية, وبتعديل أقدميته في الدرجة الخامسة الإدارية؛ بحيث يكون سابقاً لكل من السادة شاهين وكشك وعيسى, مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وفي 23 من فبراير سنة 1957 أجاب ديوان الموظفين على هذه الدعوى بأن المدعي عين بخدمة الديوان بالدرجة السادسة الإدارية في وظيفة (باحث) في 30 من يوليه سنة 1953, وهو حاصل على ليسانس الحقوق في مايو سنة 1950 وعلى دبلوم الشريعة الإسلامية في سبتمبر سنة 1952, وأنه رقى إلى الدرجة الخامسة الإدارية في 29 من سبتمبر سنة 1956، ودفع ديوان الموظفين بعدم قبول الدعوى للأسباب الآتية: (1) صدر قرار الديوان رقم 24 في 16 من فبراير سنة 1956 وتظلم منه المدعي في 15 من أبريل سنة 1956, ولم يرد عليه الديوان, فيعتبر مضى ستين يوماً على تقديم التظلم قراراً ضمنياً بالرفض, وتبدأ للمتظلم فترة ستين يوماً أخرى لمباشرة دعواه تنتهي في 13 من أغسطس سنة 1956, وثابت أن المدعي لم يقدم دعواه إلا في 27 من نوفمبر سنة 1956؛ وبذلك تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً. ولا يغير من ذلك أن المدعي قدم في 13 من أغسطس سنة 1956 طلباً للمعافاة من الرسوم؛ فطلب المعافاة لا يقطع المواعيد, والعبرة في ذلك بتاريخ إيداع صحيفة الدعوى سكرتيرية المحكمة. (2) صدر قرار الديوان رقم 118 في 29 من سبتمبر سنة 1956, وتظلم منه المدعي في 25 من نوفمبر سنة 1956, ثم تقدم بدعواه في 27 من نوفمبر سنة 1956 دون انتظار المواعيد المقررة للبت في تظلمه؛ فيكون بذلك قد تقدم بدعواه بالنسبة لطلب إلغاء القرار رقم 118 قبل انتظار المواعيد المحددة للبت في التظلم, وفي ذلك مخالفة لنص المادتين 12 و8 من قانون تنظيم مجلس الدولة. وفضلاً عن ذلك فإن المدعي كان قد تقدم بطلب إعفائه من الرسوم المقررة لرفع دعوى يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 24 لسنة 1956, وحصل فعلاً على قرار الإعفاء من الرسوم على هذا الأساس وحده, ولكنه ضمن صحيفة هذه الدعوى طعناً بالإلغاء في قرار آخر هو رقم 118 لسنة 1956؛ ومن ثم يكون هذا الطعن الجديد في القرار الثاني بمثابة دعوى جديدة غير تلك التي تقرر الإعفاء من رسومها. أما من حيث الدفاع الموضوعي: فيقول ديوان الموظفين إنه لما كانت طبيعة أعمال وظائف المطعون في ترقيتهم - السادة: شاهين وكشك وعيسى - إدارية ولا تتناسب معها وضعهم في الكادر الكتابي, فقد رؤى تصحيحاً للأوضاع نقل درجاتهم في الميزانية إلى الكادر الإداري, وعند نقلهم تبعاً لذلك - وفقاً لنص المادة 47 من قانون التوظف - نقلوا بحالتهم, ومن مشتملات تلك الحالة المرتب والأقدمية في الدرجة المحولة؛ لأن طبيعة عملهم بها كانت إدارية, ولا يجوز أن يضاروا من تصحيح الأوضاع بإهدار أقدمياتهم السابقة في الدرجات المحولة. وترتب على ذلك اعتبارهم بالكادر الإداري (الدرجة السادسة ): الأول (شاهين) من 4 من يونيه سنة 1952, والثاني (كشك) من 17 من نوفمبر سنة 1951, والثالث (عيسى) من 30 من أبريل سنة 1953, وقد رقى الأول والثاني (شاهين وكشك) إلى الدرجة الخامسة الإدارية اعتباراً من 3 من فبراير سنة 1956, والثالث (عيسى) اعتباراً من 29 من سبتمبر سنة 1956. أما عن المدعي فقد عين بالدرجة السادسة الإدارية في 30 من يوليه سنة 1953, وما كان له أن يطعن في القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 بترقية السيدين شاهين وكشك؛ لأنه وقت صدور تلك القرار لم يكن مستوفياً شروط الترقية؛ لعدم إتمامه المدة المقررة للترقية, ولا تكن له صفة في الطعن على تلك القرارات, أما قرار ترقية أمين عيسى يوسف رقم 118 لسنة 1956 فقد تضمن أيضاً ترقية المدعي, فما يجوز له الطعن فيه لانعدام المصلحة التي هي مناط دعوى الإلغاء. وخلص ديوان الموظفين إلى طلب الحكم برفض الدعوى, وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وبجلسة 17 من أكتوبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة ثالثة "أ") بقبول الدعوى شكلاً, وبإلغاء القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أحمد محمود مختار كشك وفوزي سعيد شاهين إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وبإلغاء القرار رقم 118 لسنة 1956 الصادر في 4 من أكتوبر سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أمين عيسى يوسف إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وألزمت المدعى عليه المصروفات". وأسست قضاءها في رفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أنه يترتب على طلب المساعدة القضائية قطع التقادم وقطع مواعيد رفع دعوى الإلغاء, ويظل التقادم أو الميعاد مقطوعاً لحين صدور قرار في الطلب سواء بالقبول أو بالرفض, فإذا صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره, فإن كانت دعوى إلغاء تعيين أن يكون رفعها خلال الستين يوماً التالية. وثابت أن المدعي قدم طلب المعافاة في 13 من أغسطس سنة 1956 أي في خلال الستين يوماً من انقضاء الستين يوماً التالية على تقديم تظلمه. وبجلسة 29 من سبتمبر سنة 1956 قررت المحكمة قبول طلب المعافاة؛ فتكون دعوى المدعي قد رفعت في الميعاد القانوني, ويتعين قبولها شكلاً. فأما عن الدفع المقدم عن طلب إلغاء القرار رقم 118 لسنة 1956, فإن هذا القرار لم يكن إعراباً عن إرادة جديدة, لديوان الموظفين تستلزم بذاتها تظلماً منفرداً وانتظاراً لمواعيد جديدة, وإنما كان استمراراً من الديوان في سياسية التفسير القانوني لنص المادة 47 من قانون التوظف؛ ذلك التفسير الذي انتهجه الديوان من قبل, ولم يكن التظلم من هذا القرار الأخير إلا من قبيل الاحتياط, ويصبح هذا التظلم غير مجد ما دامت الإدارة قد أفصحت عن نيتها في صورة تؤكد عدم رغبتها في العدول عن القرار المشكو منه. وفضلاً عن ذلك فقد انقضت فعلاً مدة الستين يوماً التالية لتقديم التظلم أثناء سير الدعوى دون أن يعدل الديوان عن رأيه؛ لذلك يكون هذا الدفع الشكلي الثاني غير قائم بدوره على أساس من القانون متعيناً رفضه. أما عن موضوع الدعوى فقد أسست محكمة القضاء الإداري قضاءها على أن هذا النزاع ينحصر فيما إذا كان نقل المطعون في ترقيتهم بالتطبيق لحكم الفقرة الرابعة من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 يعتبر نقلاً عادياً, أم أنه نقل نوعي بمثابة تعيين جديد: وخلصت المحكمة إلى أنه يعتبر نقلاً نوعياً بمثابة التعيين الجديد؛ لأن نظام موظفي الدولة يقوم على أساساً على تقسيم وظائف الدولة الداخلة في الهيئة إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل فئة إلى نوعين: فني وإداري للكادر العالي, وفني وكتابي الكادر المتوسط. وأنه لا يصح نقل وظيفة من فئة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر إلا بإذن البرلمان, كما أنه يشترط في الفئتين شروط وإجراءات تختلف في كل منهما عنها في الأخرى اختلافاً أساسياً. وأن هذا الأصل العام الذي يحظر نقل الوظائف من فئة إلى أخرى يقتضي بالتبعية عدم إمكان نقل الموظف نفسه من وظيفة تنتمي إلى أي من الفئتين إلى وظيفة تتبع الأخرى, إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون. وأن هذا من قبيل النقل النوعي المخالف للقواعد العامة من قانون نظام موظفي الدولة, وأنه على هذا الأساس يعتبر الموظف المنقول من درجة في الكادر المتوسط إلى إحدى درجات الكادر العالي معيناً تعييناً جديداً.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو في التكييف الصحيح لواقعة نقل الموظفين المطعون في ترقيتهم من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري, وهل تعتبر هذه الواقعة تعييناً أم نقلاً. فقانون التوظف تناول التعيين في الفصل الثاني من الباب الأول منه, وتناول النقل في الفصل الرابع من هذا الباب, وهو إن لم يضع تعريفاً محدداً للتعيين أو النقل, إلا أنه حدد حالات الاثنين ووضع لكل شروطاً وضوابط وإجراءات تختلف في التعيين عنها في النقل؛ بحيث إذا توافر للواقعة مقومات التعيين اعتبرت كذلك, أما إذا تحقق لها مقومات النقل فهي ليست إلا نقلاً, بما يترتب على ذلك في الحالين من آثار مردها إلى النصوص المنظمة للتعيين أو للنقل بحسب الأحوال. وعلى أساس هذا الفهم نجد أن القانون لم يشترط في الواقعة التي نحن بصددها ما استوجب استيفاءه في التعيين سواء من حيث اللياقة العلمية أو الفنية أو الطبية أو غير ذلك مما يتطلب عادة في التعيين؛ إذ يكفي - طبقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة 47 أن يصدر بها قرار من الوزير متضمناً نقل الموظف شاغل الدرجة المتوسطة إلى الكادر العالي تبعاً لنقل درجته إليه, فهي ليست إذا حالة تعيين, بل هي كما وصفها القانون حالة نقل؛ لذلك أوردها ضمن حالات النقل التي عددتها المادة 47 من الفصل الخاص بالنقل. فمن ثم وجب إعمال أحكام النقل في شأنها, دون تلك التي تنتظم التعيين, ومن شأنها عدم المساس بأقدمية الموظف المنقول في الدرجة المنقول منها؛ وعلى ذلك يكون القراران المطعون فيهما بالإلغاء - إذ صدرا على مقتضى ما تقدم - قد التزما جانب القانون؛ مما كان يتعين معه رفض الطعن فيهما - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً - فإنه يكون خليقاً بالإلغاء. وفي 22 من ديسمبر سنة 1958 أودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع ديوان الموظفين طلبت فيها أصلياً عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى القرار الأول؛ إذ أن المطعون عليه لم يكن وقت صدوره في 3 من فبراير سنة 1956 قد أتم المدة المقررة للترقية إلى الدرجة الخامسة وهي ثلاث سنوات من 30 من يوليه سنة 1953؛ وبذلك لا يكون صاحب مصلحة مباشرة في إلغاء القرار؛ إذ أن مصلحته تقوم فقط في حالة بقاء هذه الدرجات شاغرة لحين استكماله للمدة المشروطة للترقية, وهذا مجرد فرض احتمالي. وطلبت الإدارة عدم قبول الدعوى أيضاً بالنسبة للقرار الثاني الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956؛ إذ أن المطعون عليه تظلم منه في 25 من نوفمبر سنة 1956, ولم يلبث أن أقام الدعوى في 27 من نوفمبر سنة 1956 دون انتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم وفقاً لأحكام المادة 12 من قانون مجلس الدولة؛ وبذلك تكون الدعوى سابقة لأوانها, ثم إن المطعون عليه لم يسدد رسماً عن طلب إلغاء هذا القرار اعتماداً على قرار الإعفاء من الرسوم الصادر لصالحه, مع أن هذا القرار مقصور عن رسوم الدعوى بإلغاء القرار الأول؛ حيث تقدم في 13 من أغسطس سنة 1956, أي قبل صدور القرار الثاني, بطلب معافاته, وتقرر قبوله في 29 من سبتمبر سنة 1958؛ ولهذا طلب ديوان الموظفين استبعاد طلب إلغاء القرار الثاني من الرول, ولم تلتفت محكمة القضاء الإداري إلى ذلك, فتعيد إدارة قضايا الحكومة طرحه على هذه المحكمة. واحتياطياً طلبت الحكومة رفض الدعوى بشقيها للأسباب السالف الإشارة إليها في تقرير طعن هيئة المفوضين, مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
أولاً - لعدم وجود مصلحة للمطعون عليه فيها:
من حيث إن هذا الدفع مردود بأن للمطعون عليه مصلحة محققة في الطعن بالإلغاء في القرارين المشار إليهما موضوع هذه المنازعة, حتى ولو لم تكن قد انقضت مدة الثلاث السنوات اللازمة للترقية إلى الدرجة الخامسة؛ ذلك أنه ليس من شك في أن الأسبقية في ترتيب الدرجة السادسة لها أثرها الحاسم حالاً أو مآلاً في الترقية إلى الدرجة الخامسة, فمن مصلحته الطعن في هذين القرارين بدعوى أن المطعون في ترقيتهم لا يستصحبون قانوناً أقدمياتهم في الدرجة السادسة الكتابية عند نقلهم في الكادر الإداري؛ ومن ثم يتعين رفض هذا الشق من الدفع بعدم قبول الدعوى.
ثانياً - بالنسبة للقرار الثاني الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن المطعون عليه تظلم من هذا القرار في 25 من نوفمبر سنة 1956, ثم طلب إلغاءه في الدعوى التي أقامها في 27 من نوفمبر سنة 1956 دون انتظار للمواعيد المقررة في هذا التظلم, كما أنه لم يدفع رسماً عن هذا الطلب؛ لأن الإعفاء مقصور عن رسم الدعوى بإلغاء القرار الأول الصادر في 16 من فبراير سنة 1956.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن القرار الثاني الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956 لا يعدو أن يكون في حقيقته استمراراً للقرار الأول ومقتضى له؛ إذ ينبع من نفس الفكرة التي صدر عنها القرار الأول, وهي أن المنقولين جميعاً من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري يستصحبون جميعاً أقدمياتهم في الدرجة السادسة في هذا الكادر عند نقلهم إلى الكادر الأعلى, وأنه بناء على هذه الأقدمية يحل دورهم في الترقية إلى الدرجة الخامسة, فصدر القراران المطعون فيهما بالإلغاء على هذا الأساس. والمطعون عليه إذ يطعن فيهما إنما يقيم طعنه على أساس قانوني واحد بالنسبة إليهما معاً, هو أن هؤلاء المنقولين من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى لا يستصحبون أقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية, فلا يحل دورهم في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وأن المطعون عليه يعتبر أسبق منهم في هذه الدرجة السادسة الإدارية, وأولى بالترقية قبلهم إلى الدرجة الخامسة. وبهذه المثابة يعتبر طعنه بإلغاء القرارين متضمناً القرارين معاً؛ بما يغني عن انتظار الفصل في تظلمه, ما دام قد اضطر لإقامة الدعوى بالطعن في القرار الأول في آخر الميعاد؛ ومن ثم يكون هذا الشق أيضاً من الدفع بعدم القبول على غير أساس من القانون.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كانت أقدمية المطعون في ترقيتهم في الدرجة السادسة تعتبر راجعة إلى تاريخ أقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية أم لا؛ ذلك أنه لو كانت الأولى لسبقوا المدعي المطعون عليه في هذا الطعن في ترتيب الأقدمية, ولما كان له وجه في الطعن في ترقيتهم على هذا الأساس. وإن كنت الأخرى فالعكس بالعكس, فمناط الفصل في الدعوى هو تفسير معنى النقل في حكم الفقرة الرابعة من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وهل يستصحب الموظف المنقول من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى أقدميته في الدرجة المنقول منها, أم تبدأ له أقدمية جديدة من تاريخ نقله إلى الكادر الأعلى.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 - إذ قسم الوظائف الداخلة في الهيئة إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وعلى أن تتضمن الميزانية بياناً بكل نوع من هذه الوظائف, وإذ نص على أنه لا يجوز بغير إذن من البرلمان نقل وظيفة من فئة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر, وإذ وضع لكل فئة من هاتين الفئتين أحكاماً خاصة بها من حيث التعيين والترقية تختلف في كل واحدة عن الأخرى - إن القانون المذكور قد جعل الأصل هو الفصل بين الكادرين؛ مما يترتب عليه أن الأقدمية في وظائف الكادر العالي تتميز عن الأقدمية في وظائف الكادر المتوسط حتى ولو كانت درجاتها متماثلة؛ ومن ثم فإذا نقل موظف من الكادر الأدنى إلى مثل درجته في الكادر الأعلى فلا يستصحب معه عند النقل أقدميته في الكادر الأدنى, بل يعتبر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى من تاريخ نقله إلى هذا الكادر الأخير؛ لأن هذا النقل هو نقل نوعي بمثابة التعيين في الكادر الأعلى الذي تختلف الوظائف فيه من حيث شروط التعيين والترقية والاختصاصات عن مثيلاتها في الكادر الأدنى, كالنقل الحاصل بطريق الترقية بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تجيز استثناء ترقية الموظف من أعلى درجة في الكادر المتوسط أو الكتابي إلى الدرجة التالية لها في الكادر الفني العالي أو الكادر الإداري بالشروط وفي الحدود المنصوص عليها فيها. وغني عن القول أن مثل هذه الترقية لا تشترط أن يكون الموظف المنقول حاصلاً على المؤهل العالي الذي كان يجيز تعيينه ابتداء في هذا الكادر, كما أن نوع كل من العملين يختلف في طبيعته عن الآخر, فترقية مثل هذا الموظف بالتطبيق لتلك المادة هي في الواقع من الأمر بمثابة تعيين في هذا الكادر من إعفاء الموظف من شرط الحصول على المؤهل العالي؛ ولذا فإن ترتيب أقدمية هذا الموظف بين أقرانه في الكادر الأعلى تتحدد على أساس الانفصال بين الكادرين, وأن أقدميته السابقة في درجات الكادر الأدنى لا تؤثر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى, بل تتحدد في هذا الكادر الأخير على أساس اعتباره معيناً فيه تعييناً جديداً, أما إذا كان النقل مترتباً على نقل الوظيفة بدرجتها من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى بناء على ما رؤى لصالح العمل ولحسن سير المرفق العام أن طبيعة العملين في الوظيفتين واحدة, فقد يستفاد من نصوص القانون ضمناً أنه قصد الاحتفاظ للموظف - الذي يرى نقله إلى الكادر العالي تبعاً لنقل الوظيفة بدرجتها - بأقدميته فيها, ومن ذلك الحالة التي تنص عليها الفقرة الرابعة من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951, وهي المضافة بالقانون رقم 586 لسنة 1953 التي تقضي بأنه: "وفي حالة نقل بعض الدرجات من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي بميزانية إحدى الوزارات أو المصالح يجوز بقرار من الوزير المختص نقل الموظف شاغل الدرجة المنقولة من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي في نفس درجته أو تسوية حالته على درجة متوسطة خالية من نوع درجته ومعادلة لها". وحكمة ذلك ظاهرة تقوم على أساس من العدالة والصالح العام؛ لأن نقل الوظيفة بدرجتها قد استدعته حاجة العمل والمصلحة العامة, فتم الاندماج على هذا الأساس وبمراعاة أن الطبيعة كانت واحدة في العملين؛ ولذا صحح الوضع في الميزانية, ولأنه لما كان نقل الوظيفة من الكادر المتوسط إلى الكادر الأعلى لا يستتبع حتماً وبقوة القانون نقل من يقوم بعملها من أحد الكادرين إلى الآخر, فقد لا يكون الموظف صالحاً للقيام بأعمال وظيفة في الكادر العالي سواء من حيث الكفاية أو المؤهل فقد أجيز لكل وزير من وزارته سلطة الترخيص في نقل أو عدم نقل كل موظف نقلت وظيفته بدرجتها إلى الكادر الأعلى؛ ومن ثم فإن الموظف الذي تثبت صلاحيته للنقل إلى الكادر العالي في تلك الوظيفة ينبغي ألا تتأثر أقدميته في الدرجة المنقولة بنقله إلى الكادر العالي, ما دام قد تم ذلك تبعاً لنقل الوظيفة بدرجتها تنظيماً للأوضاع في الوزارة أو المصلحة على الأساس المتقدم, وما دامت جدارة المنقول وأهليته للنقل الذي هو بمثابة التعيين في هذه الوظيفة ذات الطبيعة الواحدة في العمل أمراً ثابتاً. وهذا الحكم الضمني في تحديد الأقدمية المستفاد من الفقرة الأخيرة من المادة 47 - هو حكم استثنائي خاص تقتضيه الأغراض التي استهدفها القانون بإضافة تلك الفقرة؛ يقطع في ذلك أن المشرع يردد دائماً مثل هذا الحكم عند إعادة تنظيم الأوضاع الإدارية تنظيماً من شأنه نقل الوظائف بدرجتها من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى, كما تم ذلك بالقرار بقانون رقم 310 لسنة 1956 الذي أجاز لوزير التموين أن ينقل بقرار منه أية وظيفة من فئة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر بميزانية الوزارة, كما أجاز له نقل الموظف شاغل الدرجة المنقولة إلى الكادر العالي, أو نقل غيره من موظفي الوزارة إلى الدرجة المنقولة إلى الكادر العالي في نفس درجته, بشرط أن يكون حاصلاً على المؤهل اللازم للتعيين في الكادر المنقول إليه, أو تسوية حالته على درجة خالية من نوع درجته ومعادلة لها. وأن تعتبر أقدمية الموظف في الكادر العالي المنقول إليه من تاريخ حصوله على الدرجة المماثلة للدرجة المنقول إليها في ذلك الكادر, وذلك بشرط أن يتفق عمل الوظيفة المنقول إليها مع عمل الوظيفة المنقول منها في طبيعته, وإلا اعتبرت الأقدمية في الكادر المنقول إليه من تاريخ النقل [(1)].
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق أن نقل المطعون في ترقيتهم من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري قد تم, كما تبين من ديباجة القرارين رقمي 24 و118 الصادرين على التعاقب في 16 من فبراير سنة 1956 و4 من أكتوبر سنة 1956, بالاستناد إلى القانون رقم 586 لسنة 1953 المشار إليه, أي كان نقل كل منهم نتيجة لنقل وظائفهم من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري في ديوان الموظفين, فإنهم يحتفظون, والحالة هذه, بأقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية, بعد إذ ثبتت جدارتهم لنقلهم إلى الكادر الإداري.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه, فيتعين إلغاؤه, والقضاء بقبول الدعوى، ثم برفضها موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبقبول الدعوى, وبرفضها موضوعاً, وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] راجع مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا, السنة الثالثة, بند 177, صفحة 1741.

الطعن 270 لسنة 2023 تمييز دبي تجاري جلسة 11 / 7 / 2023

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 11-07-2023 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 270 لسنة2023 طعن تجاري
طاعن:
عمر فالح مضعن الدليمي
عبد الله عمر فالح الدليمي
مطعون ضده:
نادر فؤاد صعب
الحكم المطعون فيه:
الصادر بالاستئناف رقم 2022/2482 استئناف تجاري
بتاريخ 18-01-2023
أصـدرت الحكـم التـالي
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير التلخيص الذي تلاه بالجلسة القاضي المقرر -أحمد محمد عامر- والمداولة
حيث إن الوقائـع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعنين الدعوى رقم 281 لسنة 2022 تجاري كلي أمام محكمة دبي الابتدائية بطلب الحكم ب إلزامهما ب التضامن والتكافل بأن يؤديا له مبلغ 13,338105 درهماً والفائدة التأخيرية بواقع 12% سنوياً من تاريخ الاستحقاق وحتى السداد التام ، وذلك تأسيساً على أنه والطاعن الأول شركين في شركة/ كيور أمريكان هيلث لتجارة الأدوات والمستلزمات الطبية العلاجية والجراحية في إمارة دبي ، بنسبة شراكة 50% لكل منهما ، وفي 15/3/2022 باع حصته تلك للطاعن الأول مقابل مبلغ 14,307905 درهماً ، تم خصم جزء منه مقابل سيارتين ويتبقى له بذمته المبلغ المطالب به اتفق علي أن يسدد على دفعتين الأولى بمبلغ 3,388105 درهماً بموجب الشيك رقم 100141 المسحوب على حساب الطاعن الثاني لدى بنك دبي الإسلامي في تاريخ 15/5/2022 ، والثانية مبلغ 10,000000 درهم تسدد بموجب الشيك رقم 100142 المسحوب على حساب الطاعن الثاني لدى ذات البنك في 1/7/2022 . ونفاذاً لهذا الاتفاق حرر للطاعنين (مجتمعين أو منفردين ) وكالة تبيح بيع حصصه في الشركة المذكورة ، فقاما بنقل حص ت ه للطاعن الأول ، وتحويل الشركة لشركة الشخص الواحد باسم الطاعن الأول الذي أصبح مالكاً كامل حصص الشركة ، وتم إصدار رخصة تجارية للشركة الجديدة ، ولدي تقدمه بالشكين للبنك لصرفهما ارتدا لعدم كفاية الرصيد وامتنعا عن سدادهما ومن ثم فقد أقام الدعوى ، وبتاريخ 17/10/2022 حكمت المحكمة بإلزام الطاعنين بالتضامن فيما بينهما بأن يؤديا للمطعون ضده مبلغ 13,388105 درهماً والفائدة القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد ، استأنف الطاعنين هذا الحكم بالاستئناف رقم 2482 لسنة 2022 تجاري ، وبتاريخ 18/1/2023 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف ، طعن الطاعن ي ن في هذا الحكم بالتمييز الماثل بصحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى بتاريخ 9/2/2023 طلبا فيها نقضه ، قدم محامي المطعون ضده مذكرتين بدفاعه -الأولي في الميعاد- طلب فيها رفض الطعن والثانية استبعدتها المحكمة لتقديمها -بعد الميعاد- .
و حيث إن الطعن إستوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم علي ثلاثة أسباب ينعي الطاعنين بالسبب الأول منهما علي الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ذلك أن المطعون ضده يطالب هما بقيمة الشيكين رقمي 100141 ، 100142 المسحوبين على بنك دبي الإسلامي ، فكان عليه اتخاذ طريق أمر الأداء لقيد دعواه إلا أنه اتبع طريق الدعوى الموضوعيه ، فتكون دعواه غير مقبولة وهو ما تمسكا به في دفاعهما وإذ لم يقض الحكم المطعون فيه بذلك فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ، ذلك أن النص في المادة 16 من اللائحة التنظيمية لقانون الإجراءات المدنية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 57 لسنة 2018 والمعمول به اعتباراً من 17 فبراير 2019 على أن (ترفع الدعوى إلى المحكمة بناء على طلب المدعى وذلك بإيداع صحيفة دعواه لدي مكتب إدارة الدعوي إلكترونياً أو ورقياً .....) وفي المادة 62 منها -المنطبقة علي الواقعة- على أنه ( 1 - استثناء من القواعد العامة في رفع الدعوى ابتداء تتبع الأحكام الواردة في المواد التالية إذا كان حق الدائن ثابتاً بالكتابة -إلكترونيا أو مستندياً- وحال الأداء وكان كل ما يطالب به ديناً من النقود معين المقدار أو منقولاً محدداً بذاته أو معيناً بنوعه ومقداره ، 2 - تتبع الأحكام الواردة في الفقرة السابقة إذا كان صاحب الحق دائناً بورقة تجارية أو كانت المطالبة المالية محلها إنفاذ عقد تجاري. 3 - وفي جميع الأحوال لا يمنع من سلوك أمر الأداء طلب الفوائد أو التعويض أو اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التحفظية) تدل على أنه ولئن كان مفاد نص المادة (62) من اللائحة التنظيمية لقانون الإجراءات المدنية المشار إليها أن المشرع -استثناءً من القواعد العامة في رفع الدعوى ابتداءً- ألزم الدائن سلوك طريق أمر الأداء في المطالبة بدينه متى توافرت فيه الشروط التي تطلبتها تلك المادة ، وهى أن يكون الحق ثابتاً بالكتابة -إلكترونياً أو مستندياً- بموجب سند يحمل توقيع المدين ، يبين منه أو من أوراق أخرى موقعة منه أن الحق حال الأداء ، وأن محل المطالبة ديناً من النقود معين المقدار أو منقولاً معيناً بنوعه ومقداره ، ويكون الدين معين المقدار ولو نازع المدين في مقداره طالما كان تقديره وفقاً لأسس ثابتة ليس للقضاء سلطة رحبة فيه ، وتنسحب تلك الأحكام على المطالبات المالية التي يكون محلها إنفاذ عقد تجارى أو يكون صاحب الحق فيها دائنا بورقه تجارية ، ولا يمنع من سلوك أمر الأداء طلب الفوائد أو اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التحفظية ، وإن سلوك هذا الطريق على نحو ما تقدم ليس اختيارياً بل هو طريق إلزامي يتعين اللجوء إليه حال توافر شروطه ، إلا أنه يلزم لذلك أن يكون الحق محل أمر الأداء خالياً من النزاع الجدي ، فإذا رفع الدائن الدعوى بالطرق المعتادة للتقاضي وتبين أنه قد ثار فيها نزاع جدي حول الحق يتعلق بثبوته أو استحقاقه أو تحديد مقداره كانت دعواه مقبولة ، بحسبان أن تلك المنازعة اللاحقة على رفع الدعوى تكشف عن أن الدين محل المطالبة لم يكن تتوافر فيه شروط استصدار أمر الأداء سالفة الذكر حين رفعها ، ومن ثم تكون الدعوى مقبولة ، لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده قد أقام الدعوى بالطريق العادي لرفع الدعوى طبقاً للقواعد العامة طالباً إلزام المطعون ضدهما بأداء مبلغ مبلغ 13,338105 درهماً تأسيساً علي أنه مقابل بيع حصته في شركة/ كيور أمريكان هيلث لتجارة الأدوات والمستلزمات الطبية العلاجية والجراحية في إمارة دبي تلك للطاعن الأول وأن الطاعن الثاني حرر له الشيكين رقمي 100141 ، 100142 المسحوبين على حساب الطاعن الثاني لدى بنك دبي الإسلامي عن باقي قيمة حصته المباعة ، وكان البين من وقائع الدعوى ودفاع الطاعنين فيها وما أوردوه بصحيفة طعنهم من أسباب للطعن أنهم قد نازعوا المطعون ضده حول الحق المطالب به فيما يتعلق بثبوته واستحقاقه ومقداره فإذا ما رُفعت الدعوى بالطريق العادي فإنها تكون قد رفعت بالطريق القانوني فإذا ما التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي برفض الدفع تأسيساً علي ما أورده بمدوناته من أن ((الثابت أن المستأنف ضده (المدعي) -المطعون ضده- قد أقام دعواه استناداً الي العلاقة الأصلية والاخلال بالالتزامات التي حرر الشيكين من أجلها وبمناسبتها ، ولم تقم الدعوي علي الالتزام الصرفي الناشئ عنهما ، وإن استدلال المستأنف ضده بالشيكين كدليل في الدعوى وليس سبباً لها , فضلاً عن أن هناك منازعة جدية من المستأنفين في شأن أساس الدين المطالب به وبحسبان أن تلك المنازعة تكشف عن أن الدين لم تتوافر فيه شروط استصدار أمر الأداء بما يوجب على المدعى سلوك الطريق العادي لرفع الدعوى وهو السبيل الذي سلكه المستأنف ضده في دعواه بالطريق العادي لرفع الدعوي ومن ثم يكون الدفع المبدي من المستأنفين بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون قد جاء في غير محله متعينا رفضه)) وهي أسباب سائغة تكفي لحمل قضاء الحكم في هذا الخصوص ومن ثم يكون النعي على غير أساس .

وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني علي الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون إذ قضي بإلزام الطاعن الأول بالتضامن مع الطاعن الثاني بسداد المبلغ المقضي به -قيمة الشيكات- للمطعون ضده ، في حين أنهما قد تمسكا في دفاعهما بصدور حكم بالسير باجراءات الإفلاس قبل الطاعن الأول في الدعوى رقم 70 لسنة 2022 اجراءات افلاس تضمن وقف الاجراءات القضائية والتنفيذ على أموال الطاعن الأول وقد تم تعيين أمين تفليسه فيكون استمرار مخاصمة االمطعون ضده للطاعن الأول قد بنيت على غير سند قانوني ، وإذ خالف الحكم ذلك فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قاعدة المصلحة مناط الدعوى وفق ما تقضي به المادة الثانية من قانون الإجراءات المدنية تطبق في الدعوى حال رفعها أو عند الطعن على الحكم استئنافاً أو تمييزاً ومعيار المصلحة الحقة سواء كانت حالة أو محتملة إنما هو كون الحكم أو الإجراء المطعون عليه قد أضر بالطاعن حين قضى برفض طلباته أو أبقى على التزامات يريد التحلل منها أو حرمة من حق يدعيه ولا يكفي مجرد توافر مصلحة نظرية بحتة لـه متى كان لا يجني أي نفع من ورائها، لما كان ذلك وكان الثابت في الأوراق أن الطاعنين قد تمسكا في دفاعهما بصدور حكم بالسير باجراءات الإفلاس قبل الطاعن الأول في الدعوى رقم 70 لسنة 2022 اجراءات افلاس فيكون استمرار مخاصمته قد بنيت على غير سند قانوني ، لما كان ذلك وكان الثابت من مطالعة الدعوى سالفة الذكر -من خلال نظام المحكمة الإلكتروني- أن الطاعن الأول كان تقدم بها طالباً طلب قبول افتتاح اجراءات اشهار افلاسه والمؤسسة المملوكة له - خيرات الخليج فور فوود اندستري م.م.ح - والتصفية وقد صدر فيها قراراً بتاريخ 2-11-2022 بقبول طلب افتتاح إجراءات افلاسه ، إلا أنه و بتاريخ 26/4/2023 حكمت المحكمة ب إنهاء الإجراءات في حق طالبي الإفلاس وانهاء آثار قبول طلب افتتاح الإجراءات ، وللدائنين اتخاذ الإجراءات القضائية وإجراءات التنفيذ الفردية ضدهما في حال ظهور أموال جديدة له ، ومن ثم فإنه بصدور الحكم المار فإن ما يثيره الطاعنين بوجه النعي ـوأياً كان وجه الرأي فيهاـ أضحى لا يحقق لهما سوى مصلحة نظرية بحته مما ينتفى توافر مصلحة حقيقية قائمة ومشروعة لهما ، ومن ثم فإن النعي علي الحكم فيما استطرد إليه في تقريراته القانونية ـوأياً كان وجه الرأي فيهاـ يكون غير منتج وبالتالي غير مقبول.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث علي الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون إذ قضي بتأييد الحكم المستأنف بإلزامهما بالمبلغ المقضي به في حين أنهما تمسكا في دفاعهما بعدم جواز الالتزام بتنفيذ العقد سند الدعوى وماترتب عليه من اثار بشأن الشيكات المطالب بها لابتناءه على الغش والغبن والتغرير ذلك أن المطعون ضده قد انسحب من الشركة التي كان شريكاً بها رغم علمه التام بأن كافة البضائع التي قام بشرائها لن تباع وانما ستتسبب بخسارة فادحه لهما وغرر بهما بأنهما سيجنون ارباح فائقه بعد بيع هذه البضاعه وطالبهما بسداد كامل مبلغ الشراكه والأرباح المستقبلية والتي لم يتم تحصيلها فالشركه لم تحقق ثمة ارباح وكافة المكاسب ذهبت للمطعون ضده الذي كان علي علم بوقف الاجراءات الاحترازية من الدول قبل بيع حصته ، مما يؤكد على أن فسخ العقد قد تم بناء على تغرير وغبن مما يبطله ويبقى حق المطعون ضده بالشركه كما هو وعليه تحمل نصيبه بالخسارة ، كما أنهما طلبا ندب خبير للاطلاع على اصول وعائديات الشركه ورأسمالها وبيان مدى معقولية تقدير حصة المطعون ضده بالمبلغ محل المطالبة ، لإثبات وقوعهما تحت تغرير المطعون ضده والتحايل عليهما واستغلال عدم معرفتهم بالامور الفنية ووعدهم بالربح مقابل تخارجه من الشركه واخذ نسبته بالارباح المستقبليه وهذا الشق فني بحت من عمل اهل الخبرة إلا أن المحكمة رفضت طلبهما ، ومن ثم فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود ، ذلك أن نصوص المواد 185 و 186 و 187 و188 و 191 من قانون المعاملات المدنية تدل -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على أن التغرير الذي يعيب الرضا هو تدليس أحد المتعاقدين على الآخر باستعماله عند التعاقد وسائل احتيالية قولية أو فعلية ومنها سكوته عمداً عن واقعة أو ملابسة ما كان المتعاقد الآخر ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة، ويتكون الاحتيال من عنصرين مادي - بنوعيه الإيجابي والسلبي - ومعنوي، والعنصر المادي يتمثل في أعمال مادية من شأنها أن تولد في ذهن العاقد صورة تخالف الواقع أو تؤيد في ذهنه مثل هذه الصورة، أما العنصر المعنوي في الاحتيال فهو نية التضليل بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع، فإذا انعدمت نية التضليل أو وجدت ولكن بقصد الوصول إلى غرض مشروع تخلف العنصر المعنوي في الاحتيال فانتفى المقصود بالتغرير ، ويشترط لإبطال العقد بالتغرير أن تكون الوسائل الاحتيالية التي استعملها العاقد من الجسامة بصورة تؤثر في نفس المتعاقد الآخر فتحمله على ابرام العقد، وتقدر جسامة تلك الوسائل وأثرها بمعيار ذاتي يعتد بحالة المغرر به من حيث سنة وجنسه وذكائه وخبرته وظروف الحال، فالعبرة بعيب الرضا الذي ولدته تلك الوسائل لدى من وقعت عليه، فإذا لم تتوافر فيه معنى الغلط الجوهري الدافع إلى التعاقد إنتفى المقصود بالتغرير سواء أنصب على أصل العقد أم أنصب على أحد شروط العقد، ويتشرط في الكتمان أن ينصب على أمر يجهله المغرر به ولا يستطيع العلم به إلا عن طريق العاقد الآخر، وأنه فى غير حالة مال المحجور ومال الوقف وأموال الدولة لا يفسخ العقد بسبب الغبن الفاحش ما لم يكن مصحوباً بتغرير أحد المتعاقدين بالطرف الآخر ، والغبن الفاحش لا يتحقق إلا بإختلال التعادل إختلالاً فادحاً بين قيمة المبيع الحقيقية والثمن الذى إشتراه به المشترى ذلك أن الغبن فى المعاملات يصعب الإحتراز منه، ومعيار الفداحه هو معيار متغير تبعاً للظروف المحيطة بالبيع ، وأن ادعاء أحد المتعاقدين بأنه وقع عليه غرر من المتعاقد الآخر يقع عليه إثبات هذا التغرير، ومن المقرر في قضاء هذه المحكمة انه لا تثريب على محكمة الموضوع إذ هي التفتت عن دفاع للخصم لم يقدم اليها دليله ، ومن المقرر كذلك أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وتفسير الاتفاقات وسائر المحررات وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة فيها والموازنة بينها والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه متى بينت الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها مما له أصل ثابت بالأوراق دون أن تكون ملزمه بتتبع الخصوم في كافة مناحي دفاعهم أو الرد عليها استقلالا إذ في قيام الحقيقة التي اقتنعت بها بناء على أسبابها التي أوردتها فيه الرد الكافي والمسقط لما عداها، و أن ندب خبير في الدعوي ليس حقاً للخصوم في كل حالة وإنما هو أمر جوازي للمحكمة متروك لمطلق تقديرها فلها رفض ما يطلبه الخصوم في شأنها إذا ما وجدت في أوراق الدعوي ما يكفي لتكوين عقيدتها فيها مما يغني عن ندب الخبير ، لما كان ذلك ، وكان الحكم الإبتدائي - بعد أن إستعرض بمدوناته وقائع الدعوى وما قدم فيها من مستندات وأوجه دفاع قد انتهى إلى عدم وقوع عيب من عيوب الرضا و غبن أو تغرير على الطاعنين ، ورتب على ذلك قضاءه برفض دفاع الطاعنين وإلزامهما بالمبلغ المقضي به بأدائه للمطعون ضده على ما أورده بأسبابه أن (( البين للمحكمة من خلال الاطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها أن المدعي -المطعون ضده- اتفق مع المدعى عليه الأول -الطاعن الأول- على ان يقوم المدعي ببيع حصته البالغة 50% في شركة "كيور امريكان هليث لتجارة الأدوات والمستلزمات الطبية العلاجية والجراحية ذ م م" للمدعى عليه الأول مقابل مبلغ 13,388105 درهماً وذلك بموجب الاتفاقية المؤرخة 15/3/2022 ، كما تبين للمحكمة من خلال الاطلاع على الاتفاقية سالفة البيان أن مبلغ البيع سيتم سداده عن طريق شيكين مسحوبين من حساب المدعى عليه الثاني -الطاعن الثاني- ، الأول بمبلغ 3,388105 درهماً مؤرخ 15-5-2022 والثاني بمبلغ 10,000,000 مؤرخ 1-7-2022. كما تبين للمحكمة أ ن الشيكين سالفي البيان ارتدا دون صرف. مما يحق معه للمدعي مطالبة المدعى عليهما بقيمة البيع ، الأول كونه أبرم عقد البيع محل الدعوى والثاني كونه من اصدر الشيكات محل عقد البيع . ولا يقدح في ذلك دفاع المدعى عليهما أن البيع وقع تحت الاكراه كون أن استمارة الفحص الطبي صادرة بتاريخ 28/3/2022 وفقاً لتاريخ الكشف مما يعني أن الواقعة التي يستشهد بها المدعى عليهما وقعت بعد التوقيع على الاتفاقية فضلاً ان الدفع بالبطلان مردود كون أن اطراف العلاقة اقروا في الاتفاقية أنه تم التوقيع عليها بعد الاطلاع على سجلات الشركة وبيانتها ومن ثم يكون دفاع المدعى عليهما على غير ذي سند من الواقع والقانون وجدير بالرفص ، الأمر الذي تقضي معه المحكمة ووفقا للطلبات الختامية للمدعي بإلزام المدعى عليهما بالتضامن فيما بينهما بان يؤديا الى المدعي مبلغ 13,388105 درهماً )) ، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد ذلك الحكم لأسبابه وأضاف إليها بأن (( ولما كان المستأنفين -الطاعنين- قد قررا بأن المستأنف ضده -المطعون ضده- قد غرر بهما بانسحابه من الشركة رغم علمه التام بأن كافة البضائع التي قام بشرائها لم ولن تباع وانما ستتسبب بخسارة فادحة للمستأنفين وقام بمطالبتهما بسداد كامل مبلغ الشراكة بالإضافة الى الأرباح المستقبلية والتي لم يتم تحصيلها حتى تاريخه لأن الشركة لم تحقق ارباح وأن كافة المكاسب قد ذهبت للمستأنف ضده الذي غرر بالمستأنفين بالربح رغم تمام علمه بوقف الاجراءات الاحترازية من الدولة وعليه فإن كافة تعاقداته أدت إلى تحقيق خسائر للمستأنفين وهو على تمام العلم بها قبل بيع حصته مما يؤكد على أن فسخ العقد قد تم بناء على تغرير ، وكان الثابت للمحكمة أن العلاقة بين الطرفين هي أن المدعي (المستأنف ضده) -المطعون ضده- قد باع حصته في شركة/ كيور أمريكان هيلث لتجارة الأدوات والمستلزمات الطبية العلاجية والجراحية بتاريخ 15/3/2022 للمستأنف الأول (عبد الله عمر فالح الدليمي) مقابل مبلغ 14,307905 درهماً ، تم خصم جزء منه مقابل سيارتين وتبقى له بذمة المدعى عليه الأول مبلغ 13,388105 درهماً نظير ثمن بيع الحصص تحرر عنهما الشيكين سند الدعوي من حساب المدعي عليه الثاني (عمر فالح مضعن الدليمي) واللذين ارتدا دون صرف لعدم كفاية الرصيد, ورغم قيام المستأنف ضده بتنفيذ التزامه بتحرير وكالة مصدقة لدي كاتب العدل بنقل ملكية حصته في الشركة للمدعى عليه الأول بتاريخ 15/3/2022 وقد ثبت للمحكمة من مطالعة عقد بيع الحصص أ نه تضمن الاتفاق نهائياً علي الالتزامات الواردة بالعقد ولا يجوز الرجوع فيها أو العدول عنها وقد تم العقد وفق إرادة صحيحة تخلو من العيوب او تفسد الرضا أو تنال من صحة الاتفاقية وقد اطلع المشتري علي بيانات وسجلات الشركة المحاسبية وأن ما سيتم دفعه يمثل رأس المال المدفوع كأسهماً وحصصا ًبالإضافة الي الأرباح المستحقة له عن النشاط في الشركة في الفترة من 1/1/20221 حتي 10/3/2022 وفق الأسس الواردة بالتفصيل علي العقد , ومن ثم ف إ ن المحكمة تري أن ادعاء المستأنف الأول بوقوعه تحت الغبن والتغرير حال التعاقد هو مجرد قول مرسل من المستأنفين قد افتقر لديل بأوراق الدعوي وكان عبء اثبات كل ذلك يقع على عاتق المتعاقد الذي يدعى الغرر الذي أراد من هذا الدفاع أن يتحلل من التزامه التعاقدي الذي تم صحيحاً وغير مشوب بأي عيب من عيوب الإرادة ومن ثم يكون هذا الدفاع في غير محله متعيناً رفضه , وعليه يكون هذا الاستئناف قد ورد علي غير أساس متعيناً رفضه وتأييد الحكم المستأنف ، .... المحكمة .... التفتت عن طلب المستأنفين بندب خبير في الدعوي لكون المحكمة قد وجدت في أوراق الدعوي ما يكفي لتكوين عقيدتها وأن طلب المستأنفين بندب خبير غير منتج في شأن الدعوي والطلبات فيها وقصد منه إطالة أمد النزاع بغير مقتض )) ، وإذ كان هذا الذى خلصت إليه محكمة الموضوع سائغاً ولـه ما يسانده فى الأوراق ويؤدي إلى ما إنتهت إليه بنفسها من عدم صحة إدعاء الطاعنين بأنه وقع عليهما غبن فاحش مصحوباً بتغرير من المطعون ضده ، ويتضمن الرد المسقط لكل حجج الطاعنين وأوجه دفاعـهما فـى هـذا الخصوص ، ولا تثريب عليها إن هي لم تر إجابة طلب الطاعنين إلى طلب ندب خبير في الدعوى متى تبين لها أنه غير منتج في النزاع ورأت في أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها في شأن الوقائع المراد إثباتها للفصل في موضوعها ، فإن ما يثيراه بوجه النعى يكون مجرد جدل موضوعي فيما تستقل محكمة الموضوع بتحصيله وتقديره من أدلة الدعوى لا يجوز التحدى به أمام محكمة التمييز ، و من ثم يضحى النعى- برمته - على غير أساس .
وحيث إنه ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الطعن وبإلزام الطاعنين بالمصروفات وبمبلغ ألفي درهم مقابل أتعاب المحاماه مع مصادرة مبلغ التأمين.

الطعن 912 لسنة 3 ق جلسة 3 / 1 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 40 ص 507

جلسة 3 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

-------------------------

(40)

القضية رقم 912 لسنة 3 القضائية

(أ) أقدمية 

- القرار الصادر بالترقية ينشئ مركزاً قانونياً من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن - الطعن في القرار المذكور يجب أن يقدم في الميعاد وإلا كان غير مقبول.
(ب) أقدمية 

- تحديد ترتيب الأقدمية يكون بطريقين: (1) بقرار يحدد الأقدمية بين المرقين في قرار واحد. (2) يوضع كشوف بترتيب الأقدميات على أساس قرار تنظيمي عام دون أن يصدر قرار فردي محدد للأسبقية - الطعن في الحالة الأولى يكون في القرار الصادر بإنشاء المركز الذاتي في ترتيب الأقدمية - جواز الطعن في الحالة الثانية في حالة صدور قرار فردي بترقية - سبق صدور القرار التنظيمي وفوات ميعاد الطعن فيه وصدور كشوف بترتيب الأقدمية - لا يحتج به - أساس ذلك.

-----------------------------
1 - إن القرار الصادر بالترقية ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة, سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الوظيفة أو الدرجة الأعلى, أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه هذه الترقية, أو من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن, فيجب أن يكون القرار الإداري في هذه النواحي المتعددة للمركز القانوني موزوناً بميزان القانون فيها جميعاً, وإلا كان مخالفاً للقانون, كما يجب أن يقدم الطعن في القرار المذكور لمخالفته للقانون في أي ناحية من تلك النواحي في الميعاد القانوني وإلا كان غير مقبول. ومتى كان الثابت من الأوراق أنه وإن كان المدعي وزملاؤه قد رقوا جميعاً في 9 من أكتوبر سنة 1946 إلى وظيفة مساعدي مديري أعمال ووكلاء هندسة من الدرجة الرابعة, إلا أنه في ترتيب الأقدمية بينهم وضع المدعي بعد زملائه؛ إذ اتجهت نية الإدارة قصداً إلى ذلك للموازنة بينهم على أساس هذا الترتيب, فكان يتعين على المدعي أن يطعن بالإلغاء في هذا القرار في الميعاد القانوني, أياً كان الأساس الذي استند إليه هذا القرار فيما ذهب إليه من ترتيب في الأقدمية, ولو كان مخالفاً للقانون, أما وهو لم يطعن فيه في الميعاد فقد أصبح حصيناً من الإلغاء.
2 - في الطعن في ترتيب الأقدمية يجب التفرقة بين وضعين: الأول إذا كان القرار قد حدد ترتيب الأقدمية بين المرقين في قرار واحد, وكان هذا الترتيب مقصوداً لينتج أثره في خصوص الأسبقية بين الزملاء, فليس من شك عندئذ في أن هذا القرار قد أنشأ هذا المركز الذاتي في ترتيب الأقدمية قصداً, ويتعين الطعن فيه في الميعاد, والوضع الثاني ألا يصدر مثل هذا القرار الفردي المحدد لأسبقية الأقدمية بين الزملاء, وإنما قد توضع كشوف بترتيب الأقدميات على أساس قرار تنظيمي عام دون أن يصدر قرار فردي محدد لهذه الأسبقية بين الزملاء, فيجوز لصاحب الشأن إذا ما صدر بعد ذلك قرار فردي بترقية أن يطعن فيه في الميعاد دون الاحتجاج عليه لا يسبق صدور القرار التنظيمي العام وفوات ميعاد الطعن فيه ولا بكشوف ترتيب الأقدمية, ما دامت الدعوى تنصب بالذات على إلغاء القرار الفردي المتضمن تحديد الأقدمية بين الأقران, كما يجوز الطعن في القرارات التنظيمية العامة بأحد طريقين: إما بالطريق المباشر؛ أي بطلب إلغائها في الميعاد القانوني, أو بالطريق غير المباشر في أي وقت عند تطبيقها على الحالات الفردية, أي بطلب عدم الاعتداد بها لمخالفتها للقانون, وذلك عند الطعن في القرارات الفردية بالإلغاء, كما أن كشوف ترتيب الأقدميات التي لم يصدر بها قرار إداري ينشئ المركز القانوني في خصوص تحديد الأقدمية ممن يملكه لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري ولا تعدو أن تكون مجرد عمل مادي.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 20 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 1742 لسنة 9 ق المرفوعة من وزارة الأشغال ضد الحسيني السيد فايد القاضي, "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه, وبعدم قبول التظلم شكلاً, وبإلزام المطعون ضده المصروفات".
وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم, طالباً "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام الوزارة المصروفات". وأعلن هذا الطعن إلى المطعون لصالحه في 26 من أغسطس سنة 1957, وإلى الحكومة في 19 من أكتوبر سنة 1957, وعين لنظر الطعن جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة, وقررت إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من الأوراق, تتحصل في أن المطعون لصالحه تقدم بتظلمين إلى اللجنة القضائية لوزارة الأشغال العمومية برقمي 483 و1659 لسنة 2 ق قال فيهما إنه وضع في كشف أقدمية مديري الأعمال بعد السادة المهندسين مصطفى عبد العال ومحمد أحمد الحسيني وإبراهيم عارف وعبد السلام إبراهيم هاشم وحامد خليل ومحمود عبد الوهاب الملاحظ مع أنه رقى معهم في تاريخ واحد إلى جميع الدرجات والوظائف التي تعلو الدرجة السادسة ويسبقهم في تاريخ الالتحاق بالخدمة والحصول على الدرجة السادسة, مما يستتبع اعتباره أقدم منهم في وظيفة مدير أعمال التي رقى إليها اعتباراً من 31 من مارس سنة 1953؛ وذلك وفقاً للقواعد المالية الخاصة بحساب الأقدمية والتي تقضي بأنه عند الاتحاد في تاريخ الترقية إلى درجة ما يرجع إلى الدرجة السابقة وهكذا. وانتهى إلى طلب تصحيح وضعه في كشوف الأقدمية بالنسبة لزملائه سالفي الذكر. وقد أجابت الوزارة على التظلم أمام اللجنة القضائية قائلة إن المتظلم وزملاءه الذين ذكرهم في تظلمه يتساوون في تاريخ الحصول على الدرجات والألقاب التالية, وهي وظيفة مدير أعمال من الدرجة الثالثة, ووظيفة باش مهندس, ووظيفة باش مهندس بالنيابة, والدرجة الثالثة الشخصية, ووظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة بصفة أصلية. غير أن المتظلم ندب لوظيفة مساعد مدير أعمال رابعة ووكيل هندسة من 10 من مايو سنة 1945, بينما عين زملاؤه بهذه الوظيفة اعتباراً من 25 من ديسمبر سنة 1944؛ لذلك تكون أقدمية المتظلم تالية لأقدميتهم وفقاً لأحكام القانون رقم 134 لسنة 1953. وعلى هذا الأساس وضع اسمه في كشف أقدمية مديري الأعمال من الدرجة الثالثة بعدهم كما أضافت أن المتظلم والمهندسين سالفي الذكر حصلوا على الدرجات المالية الرابعة والخامسة في تاريخ واحد, أما الدرجة السادسة فقد حصل عليها المتظلم قبل زملائه. وبجلسة 18 من فبراير سنة 1954 أصدرت اللجنة القضائية قرارها قاضياً بأحقية المتظلم في أن يعدل وضعه في كشف أقدمية مديري الأعمال من الدرجة الثالثة ليسبق زملاءه السادة مصطفى عبد العال ومحمد أحمد الحسيني وإبراهيم عارف وعبد السلام هاشم وحامد خليل ومحمد عبد الوهاب الملاحظ. واستندت اللجنة في إصدار هذا القرار إلى أن القانون رقم 134 لسنة 1953 لم يصبح نافذاً إلا من 26 من مارس سنة 1953 تاريخ نشره في الجريدة الرسمية, فلا يسري على موضوع النزاع الحالي, وأنه يتعين معرفة القواعد الخاصة بالأقدمية والتي كانت سارية قبل صدور هذا القانون, وأن وزير الأشغال العمومية أصدر القرار رقم 48088 في 14 من يونيه سنة 1948 تنفيذاً للقواعد المالية التي كانت سارية في ذلك الوقت, وردد في مادته الثانية فقرة "ب" ألا تعطى الأسبقية في الأقدمية في حالة توافق تاريخ الترقية على أساس الأسبقية في الدرجة السابقة أو الدرجة الأسبق واحدة تلو الأخرى حتى تاريخ الدخول في الخدمة, فترتيب الدبلوم أو الشهادة الدراسية. ثم أضاف حكماً جديداً في نفس المادة في فقرتها "و" تقضي بأن "يعتبر الندب الصادر به قرار وزاري للقيام بأعمال وظيفة أعلى بالنيابة بمثابة قرار ترقية, ويعتبر تاريخ الانتداب أساساً للأسبقية", وأنه لما كان قرار الندب الذي استندت إليه الوزارة في ترتيب أقدمية المتظلم بين زملائه قد صدر في سنة 1944 أي قبل صدور القرار الوزاري سالف الذكر, فإن أقدمية المتظلم تحكمها لقواعد العامة التي تضمنها قرار الوزير المشار إليه في الفقرة "ب" من المادة الأولى, وأن الثابت أن المتظلم وإن اتحد مع زملائه في تاريخ الترقية في جميع الدرجات والوظائف عدا الدرجة السادسة فقد حصل عليها قبل هؤلاء الزملاء. وانتهت اللجنة إلى أنه يتعين إجابة المتظلم إلى طلبه وتعديل وضعه في كشف أقدمية مديري الأعمال من الدرجة الثالثة ليسبق زملاءه المذكورين في الأقدمية, وأخطرت الوزارة بهذا القرار في 6 من فبراير سنة 1955, فرفعت الدعوى الحالية بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من مارس سنة 1955 طلبت فيها الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر لصالح المطعون عليه مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. واستندت في ذلك إلى أن الوزارة قد جرت منذ سنة 1932 عند ترقية الموظفين الفنيين بمصلحة الري على تفضيل من يشغلون وظائف تتميز بأهميتها على الوظائف الأخرى؛ لأن بها عدة وظائف تعلو بعضها بعضاً من الناحية المصلحية مراعاة للطابع الفني لكل وظيفة ووضعها في تسلسل الوظائف تبعاً لأهميتها ونظام العمل في كل مصلحة؛ ولذلك فإن الوزارة تشغل ما يخلو من الوظائف العليا من بين الموظفين الأكفاء في الوظائف التالية لها في الترتيب الذي وضعته لتلك الوظائف بغض النظر عن أقدمياتهم في الدرجة الواحدة، وقد يكون في الدرجة أكثر من وظيفة مسلسلة ومرتبة بحسب أهميتها بحيث لا تجوز الترقية من درجة إلى درجة إلا بمراعاة النقل من وظيفة إلى أخرى أرقى منها, ولو اتحدت الدرجة المالية الواحدة؛ ولذلك أصدرت الوزارة القرار الوزاري رقم 48088 في 14 من يونيه سنة 1948 بما يؤيد القواعد السابق اتباعها في ترقية مهندسي الري وترتيب أقدمياتهم. وبمناسبة صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة استصدرت القانون رقم 134 سنة 1953 الخاص بترتيب الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الري والمباني. ولا يخفى أن إقرار القواعد التي سارت عليها منذ القدم في الترقيات وترتيب أقدمية مهندسي الري بصدور القرار الوزاري ثم القانون سالف الذكر لما يدل على سلامة هذه القواعد لإدارة المرفق العام للدولة وفق صالح العمل واختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء الوظائف الرئيسية. وأن اللجنة القضائية لم تراع في قرارها كل هذه الاعتبارات, وأنه لذلك فإن الوزارة تطلب الحكم بإلغاء القرار. وقد عقب المدعى عليه على طعن الوزارة بمذكرة أنكر فيها ما ذكرته الوزارة من قواعد ثابتة كانت تسير عليها منذ القدم في ترتيب أهمية الوظائف في الدرجة المالية الواحدة وفي ترتيب الأقدميات, كما أنكر عليها أن التشريعات التي صدرت أخيراً في شأن الترقيات والأقدميات لمهندسي الري قد أقرت تلك القواعد التي وضعتها الوزارة في هذا الشأن من قديم. وقال إن القواعد التي كان معمولاً بها عند صدور قرار الندب في 20 من ديسمبر سنة 1944 هي التي تضمنها كتاب المالية الدوري الصادر في 25 من يونيه سنة 1941 وتقضي بمراعاة الأقدمية في الدرجة دون اعتبار الوظيفة وعدم ترتيب أي أثر قانوني على الندب للوظيفة. وأنه لا القرار الوزاري الصادر في سنة 1948 ولا القانون رقم 134 لسنة 1953 يمتد إلى حالات تمت في سنة 1944. وانتهى إلى طلب رفض الدعوى، وتأييد قرار اللجنة القضائية, مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وفي 20 من يونيه سنة 1957 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها القاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه, وبعدم قبول التظلم شكلاً, وبإلزام المطعون ضده المصروفات".
وقد أسست المحكمة حكمها على أنه وإن كان القرار الوزاري رقم 48088 الصادر في 14 من يونيه سنة 1948 وكذلك القانون رقم 134 سنة 1953 لا ينصرفان إلى ما قبل التاريخ المحدد لسريانهما, إلا أن طلبات المدعى عليه تستلزم حتماً تعديل أقدميته السابقة التي تقررت في قرار الترقية الصادر في 9 من أكتوبر سنة 1946, الذي رقى بمقتضاه مع المطعون في ترقيتهم إلى مساعد مدير أعمال ووكلاء هندسات من الدرجة الرابعة, ووردت أسماء المطعون على أقدميتهم قبل المدعى عليه, وأن المدعى عليه سبق أن تظلم في 26 من مايو سنة 1947 وفي 20 من أبريل سنة 1949 وفي 14 من فبراير سنة 1951, مطالباً بتصحيح أقدميته, وأنه قد فات أوان الطعن جزئياً في قرار الترقية سالف الذكر والذي استقرت به الأقدميات في الدرجة السابقة, الأمر الذي لا يجوز معه التعرض لها؛ ومن ثم يكون تظلمه بعد فوات الميعاد المقرر في القانون رقم 9 لسنة 1949, ويكون قرار اللجنة القضائية قد صدر على غير أساس, ويتعين القضاء بإلغائه, وبعدم قبول التظلم شكلاً لرفعه بعد الميعاد. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم, طالباً "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام الوزارة المصروفات". وقد بني الطعن على أن ترتيب الأقدمية في ذاته لا ينتج أثره بالنسبة إلى الموظف إلا عند اتخاذه أساساً لإجراء الترقيات إلى الدرجات الخالية؛ إذ عندئذ فقط يسوغ لأصحاب المصلحة الطعن في قرار الترقية استناداً إلى ترتيب الأقدمية الذي بني عليه في المواعيد المقررة للطعن من تاريخ صدور هذا القرار؛ ومن ثم فإن المدعي إذ يطعن في قرار الترقيات الأخيرة فهو يطعن بحكم اللزوم في ترتيب الأقدمية الذي اتخذ أساساً له, مما يتعين معه رفض الدفع بعدم القبول في خصوص ترتيب الأقدمية, ثم قدمت هيئة المفوضين مذكرة شارحة أشارت فيها إلى وجود رأيين يتنازعان هذا الطعن: أولهما, هو رأي الحكم المطعون فيه, والرأي الثاني, هو الرأي الذي بني عليه الطعن السالف الإشارة إليه؛ لأنه إزاء اختلاف جهات القضاء الإداري في حل هذا الإشكال كان لا بد من عرض المسألة على هذه المحكمة لتقول فيها كلمة القانون بحكم تستقر به الأوضاع.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت (1) بأن القرار الصادر بالترقية ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة, سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الوظيفة أو الدرجة الأعلى, أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه هذه الترقية, أو من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن, فيجب أن يكون القرار الإداري في هذه النواحي المتعددة للمركز القانوني موزوناً بميزان القانون فيها جميعاً, وإلا كان مخالفاً للقانون, كما يجب أن يقدم الطعن في القرار المذكور لمخالفته للقانون في أي ناحية من تلك النواحي في الميعاد القانوني، وإلا كان غير مقبول. وقد بان للمحكمة من الأوراق أنه وإن كان المدعي وزملاؤه قد رقوا جميعاً في 9 من أكتوبر سنة 1946 إلى وظائف مساعدي مديري أعمال ووكلاء هندسة من الدرجة الرابعة إلا أنه في ترتيب الأقدمية بينهم وضع المدعي بعد زملائه؛ إذ اتجهت نية الإدارة قصداً إلى ذلك للموازنة بينهم على أساس هذا الترتيب, فكان يتعين على المدعي أن يطعن بالإلغاء في هذا القرار في الميعاد القانوني أياً كان الأساس الذي استند إليه هذا القرار فيما ذهب إليه من ترتيب في الأقدمية ولو كن مخالفاً للقانون, أما وهو لم يطعن فيه في الميعاد فقد أصبح حصيناً من الإلغاء, ويكون الحكم المطعون فيه - إذ انتهى إلى عدم القبول - قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها بصرف النظر عما استطرد إليه هذا الحكم في أسبابه من تزيد يتصل بأثر القانون رقم 134 سنة 1953 في خصوص إقرار الأوضاع التي استقر عليها العرف في الوزارة من قبل.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الطعن في شأن الدفع من أن ترتيب الأقدمية في ذاته لا ينتج أثره بالنسبة إلى الموظف إلا عند اتخاذه أساساً لإجراء الترقيات المالية؛ إذ عندئذ فقط يسوغ لأصحاب المصلحة الطعن في قرار الترقية استناداً إلى ترتيب الأقدمية الذي بني عليه في المواعيد المقررة للطعن من تاريخ صدور القرار, ويكون الطعن في قرار الترقية الأخير متضمناً بحكم اللزوم في ترتيب الأقدمية الذي اتخذ أساساً له, ويكون الطعن بهذه المثابة مقدماً في الميعاد القانوني - لا وجه لذلك؛ إذ يجب التفرقة بين وضعين: الأول، إذا كان القرار قد حدد ترتيب الأقدمية بين المرقين في قرار واحد, وكان هذا الترتيب مقصوداً لينتج أثره في خصوص الأسبقية بين الزملاء, فليس من شك عندئذ في أن هذا القرار قد أنشأ هذا المركز الذاتي في ترتيب الأقدمية قصداً, ويتعين الطعن فيه في الميعاد, وهو ما ينطبق على خصوصية هذا النزاع, أياً كان مبلغ صحة القرار قانوناً أو عدم صحته في خصوص هذا الترتيب. والوضع الثاني، ألا يصدر مثل هذا القرار الفردي المحدد لأسبقية الأقدمية بين الزملاء, وإنما قد توضع كشوف بترتيب الأقدميات على أساس قرار تنظيمي عام دون أن يصدر قرار فردي محدد لهذه الأسبقية بين الزملاء فيجوز لصاحب الشأن إذا ما صدر بعد ذلك قرار فردي بترقية أن يطعن فيه في الميعاد دون الاحتجاج عليه لا بسبق صدور القرار التنظيمي العام وفوات ميعاد الطعن فيه ولا بكشوف ترتيب الأقدمية, ما دامت الدعوى تنصب بالذات على إلغاء القرار الفردي المتضمن تحديد الأقدمية بين الأقران, كما يجوز الطعن في القرارات التنظيمية العامة بأحد طريقين: إما بالطريق المباشر، أي بطلب إلغائها في الميعاد القانوني, أو بالطريق غير المباشر في أي وقت عند تطبيقها على الحالات الفردية, أي بطلب عدم الاعتداد بها لمخالفتها للقانون, وذلك عند الطعن في القرارات الفردية بالإلغاء. كما أن كشوف ترتيب الأقدميات التي لم يصدر بها قرار إداري ينشئ المركز القانوني في خصوص تحديد الأقدمية ممن يملكه لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري. ولا تعدو أن تكون مجرد عمل مادي؛ ومن ثم يكون الحكم قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها, فيتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً.


(1) راجع مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا السنة الثانية, بند 72, صفحة 695.

الطعن 911 لسنة 3 ق جلسة 3 / 1 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 39 ص 487

جلسة 3 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

-----------------------

(39)

القضية رقم 911 لسنة 3 القضائية

(أ) بطلان 

- تجهيل صحيفة الطعن في قرار اللجنة القضائية موضوع الطعن - خلو رد الوزارة من توضيح هذا التجهيل - جزاء ذلك البطلان - حضور ممثل من الجهة الإدارية في الدعوى لا يزيل هذا البطلان - تواؤم ذلك مع ما تنص عليه المواد 14 من القانون رقم 9 لسنة 1949 و21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 و79 و405 من قانون المرافعات.
(ب) ترقية 

- قرار وزير الأشغال في 10/ 6/ 1948 - قيامه على أساس أن التعيين في الوظائف هو الأساس في الترقيات إلى ما يعلوها من وظائف دون الاعتداد بالأقدمية في الدرجة المالية - تعارض هذه القاعدة مع تعليمات المالية رقم 30 لسنة 1924 والقواعد التي أقرها مجلس الوزراء في 17/ 5/ 1950 وأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 - صدور القانون رقم 134 لسنة 1953 لتصحيح ضوابط الترقي بين مهندسي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية - قيامه على أساس القواعد المنصوص عليها بقرار 10/ 6/ 1948 القصد من إصدار هذا القانون ربط الماضي بالحاضر في هذا الخصوص وإقرار ما تم من أوضاع لتكون أساساً لتطبيقه في مرحلته الأولى - حجة ذلك.

----------------------
1 - إذا كان الثابت أن بيانات صحيفة الطعن في قرار اللجنة القضائية قد جهلت موضوع الطعن, سواء من حيث إغفال تحديد القرار المطعون فيه وتاريخه, أو من ناحية ترك بيان موضوع التظلم الذي قضى فيه هذا القرار أو من جهة عدم تعيين فحوى القرار أو المعنى الذي صدر به, بل لقد أوردت صحيفة الطعن عن قرار اللجنة القضائية بيانات خاطئة تضلل الأفهام عن حقيقة مضمون هذا القرار ومنطوقه, وساقت له أسباباً غير الأسباب الحقيقية التي بني عليها, ثم نسبت إليه تاريخاً غير الذي صدر فيه؛ فقد ورد في صحيفة الدعوى أن قرار اللجنة القضائية موضوع الطعن قد صدر برفض التظلم في حين أنه صدر بعدم اختصاص اللجنة القضائية بالنسبة إلى أحد الطلبات, وبعدم قبول التظلم فيما يتعلق بطلب إلغاء قرارات الترقية, وجاء في صحيفة الطعن أن القرار المطعون فيه قد أصدرته اللجنة القضائية في 25 من فبراير سنة 1954 مع أنه صدر منها في 23 من يونيه سنة 1953 - إذا كان الثابت هو ما تقدم, فإن هذا كله قد أعان على تجهيل القرار محل الطعن تجهيلاً لم يجله جواب الوزارة المدعى عليها عن الدعوى, فقد خلا ردها من توضيح ما خفي, وتبيين ما جهل من أمر قرار اللجنة القضائية سالف الذكر, وبعد إذ استبان لمحكمة القضاء الإداري وجه التخلف البين بين ما جعل موضوعاً للطعن في صحيفته المودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في اليوم الأول من أغسطس سنة 1954, وبين القرار الحقيقي الذي أصدرته اللجنة القضائية لوزارة الأشغال في 23 من يونيه سنة 1953, كان حقاً عليها أن تورد في أسباب حكمها المطعون فيه ما لابس بيانات صحيفة الطعن من تجهيل صارخ وإغفال واضح للبيانات الجوهرية الواجب استيفاؤها لبيان موضوع الطعن, وأن تنتقل بعد ذلك - كما فعلت بحق - إلى تحصيل بطلانها, وإلى القضاء بعدم قبول الطعن لبطلان صحيفته. وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يتواءم مع ما فرضته المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم, موضوع الطلب, وبياناً للمستندات المؤيدة له, وأن تقرن بصورة أو ملخص من القرار المطعون فيه...", وما رددته المادة 21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الطالب ومن يوجه إليهم الطلب وصفاتهم ومحال إقامتهم - موضوع الطلب وتاريخ التظلم من القرار إن كان مما يجب التظلم منه, ونتيجة التظلم وبياناً بالمستندات المؤيدة للطلب...", وما أوضحته المادة 405 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أن الاستئناف "يرفع بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة المختصة بنظره موقعة من محام مقبول للمرافعة, وتشمل - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المستأنف وتاريخه والأسباب التي بني عليها الاستئناف وطلبات المستأنف... وإذا لم يحصل الاستئناف على الوجه المتقدم كان باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه", ثم ما أرسته المادة 79 من هذا القانون من قواعد لبطلان صحيفة افتتاح الدعوى, والتي فرق بموجبها بين خطأ أو نقص تبطل به تلك الصحيفة, وبين خطأ أو نقص يجوز أن يترتب عليه الحكم ببطلانها؛ ولهذا جرى نصها بما يأتي "إذا كان الخطأ أو النقص في بيانات صحيفة افتتاح الدعوى من شأنه أن يجهل بالمحكمة أو بالمدعي أو بالمدعى عليه أو المدعي به أو بتاريخ الجلسة بطلت الصحيفة, فإن وقع الخطأ أو النقص فيما عدا ذلك من بياناتها جاز الحكم بالبطلان". وعليه لا يكون شخوص الجهة الإدارية في الدعوى مزيلاً لذلك البطلان المطلق, وخاصة وأن هذه الجهة لم تبد جواباً في موضوع الطعن في قرار اللجنة القضائية لما أحاط به من تجهيل هذا إلى أن حضورها في ذاته ليس من شأنه أن يمحو صحيفة الطعن من عيوب جوهرية تبطلها على الوجه الذي حسمته المادة 26 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
2 - في 10 من يونيه سنة 1948 أصدر وزير الأشغال قراراً يقضي في مادته الأولى بأنه "في حالة الدرجات المخصصة لوظيفة أو أكثر يعلو بعضها فوق بعض من الوجهة المصلحية تعطى الأسبقية للمرقين للوظائف الأعلى من تاريخ الترقية إليها, ولا تتقيد هذه الأسبقية بسبب ترقية الأقدم في الدرجة المالية بعد الأحدث منه". وقد درجت وزارة الأشغال على هذه السنة من زمان بعيد يرجع إلى تاريخ صدور "كادهارفي", كما يبين ذلك بجلاء من المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 134 لسنة 1953. وهذا الذي جرت عليه وزارة الأشغال وطابقه قرار وزير الأشغال على ما سبق القول يتعارض مع تعليمات المالية رقم 30 لسنة 1924 التي نصت على جعل المدة التي يقضيها الموظف في الدرجة المالية أساساً الأقدمية, كما لا يتلاقى لا مع القواعد التي أرساها قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من مايو سنة 1950 في شأن قواعد التيسير وفصلها كتاب المالية الدوري رقم ف 234/ 5/ 24 المؤرخ 24 من مايو سنة 1950, ولا مع الأصول التي قررها قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 أساساً للأقدمية, وقد قضت بتعيين نسب للترقية بالأقدمية المطلقة في الدرجة المالية وللترقية بالاختيار للكفاية في الكادرين العالي والإداري تختلف باختلاف الدرجة المالية المرقى إليها. والشارع - حرصاً منه على تصحيح الأوضاع فيما يتعلق بضوابط الترقي بين مهندس الري والمباني بوزارة الأشغال - قد أصدر أخيراً في 26 من مارس سنة 1953 القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية وقد أراد المشرع بهذا القانون أن يجعل أساس الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له ووفقاً للترتيب الوارد به. وهذه القاعدة للترقية وترتيب الأقدمية تخالف القاعدة المقررة في المادة 38 وما بعدها من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951, تلك التي مناطها في خصوص الترقية أن تكون بالأقدمية في الدرجة, ويجوز أن تكون بالاختيار للكفاية في حدود نسب معينة, كما يخالف قاعدة ترتيب الأقدميات المنصوص عليها في المادة 25 منه والتي مناطها أساساً هو تاريخ التعيين في الدرجة المالية, فإذا اتحد زمنياً اعتبرت الأقدمية على أساس أقدمية الدرجة السابقة وهكذا. ولئن كان تلك هي القواعد المقررة في قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 134 لسنة 1953 بحيث ما كان يجوز الاستناد إلى أهمية الوظائف التلقيبية بحسب تدرجها كأساس للترقية دون الاعتداد بالأقدمية في الدرجة المالية, إلا أنه ليس من شك في أنه بعد نفاذ القانون رقم 134 لسنة 1953 الذي قام, حسبما صرحت بذلك مذكرته الإيضاحية, على أساس أهمية تلك الوظائف وما تتطلبه إدارة المرافق العامة لوزارة الأشغال من وجوب مراعاة الدقة في اختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء هذه الوظائف الرئيسية - ليس من شك في أن هذا القانون إنما أقر الوضع الذي كان العمل جارياً عليه من قبل وزارة الأشغال العمومية, وهو إسناد هذه الوظائف الرئيسية بألقابها إلى من تراه - بحسب تقديرها - جديراً بالاضطلاع بها، وأن يكون التعيين في هذه الوظائف من قبل هو الأساس في الترقيات إلى ما يعلوها من وظائف أعلى مستقبلاً بالتطبيق للقانون المذكور. وغني عن القول أن المشرع لم يقصد أن يجعل نفاذ القانون المذكور منبت الصلة بما استقرت عليه الأوضاع من قبل, بل يبين من روحه وفحواه أنه أراد أن يربط الماضي بالحاضر في هذا الخصوص؛ نظراً لارتباط ذلك بالمصلحة العامة كما أكدته المذكرة الإيضاحية, والقول بغير ذلك يؤدي إلى أحد وضعين لا ثالث لهما: إما إلى إهدار التعيينات التلقيبية السابقة برمتها وإعادة النظر فيها بسلطة تقديرية جديدة, وظاهر أن هذا الفرض بعيد عن قص الشارع لما يترتب عليه من زعزعة الأوضاع, وإما أن تصدر قرارات جديدة مرددة للأوضاع السابقة في تلك الوظائف التلقيبية وهو مجرد تكرار شكلي للقرارات السابقة, وهذا الفرض الآخر بعيد كذلك عن قصد الشارع تنزيهاً له عن التكرار وتحصيل الحاصل؛ ولذلك فإن الأقرب إلى القصد هو - كما سبق القول - ربط الماضي بالحاضر وإقرار ما تم من أوضاع في هذا الخصوص, لتكون أساساً لتطبيق القانون رقم 134 لسنة 1953 في مرحلته الأولى. ومع ذلك فإن لجان شئون الموظفين حين نظرت في الترقيات بالتطبيق للقانون المذكور في هذه المرحلة إنما أتمت عملها على أساس القرارات التلقيبية السابقة باعتبارها مستقرة مفروغاً منها, وإذا قيل في الجدل بأنها كانت تملك إعادة النظر فيها, فإن هذا القول مردود بما ثبت من أنها أتمت عملها على أساس إقرار ما انطوت عليه تلك القرارات.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 911 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 20 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 12509 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ جورجي ميخائيل ضد وزارة الأشغال, القاضي "أولاً - بعدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه لبطلان صحيفة الطعن فيه, وألزمت الطاعن المصروفات الخاصة بهذا الطلب, ثانياً: إلغاء قرار وزير الأشغال الصادر برقم 192 بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, ورفض الدعوى, وألزمت رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأشغال في 26 من أغسطس سنة 1957, وإلى المطعون عليه في 31 من الشهر ذاته, وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة أول فبراير سنة 1958. وفي 7 من ديسمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية أمام محكمة القضاء الإداري:
من حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى في شقه الأول "بعدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه لبطلان صحيفة الطعن وإلزام الطاعن المصروفات الخاصة بهذا الطلب". وأقام قضاءه في ذلك على أن "المدعي تظلم إلى اللجنة القضائية في 25 من مارس سنة 1953 طالباً: (أولاً) إلغاء القرار رقم 48088 لسنة 1948 الصادر من وزير الأشغال بوضع قواعد ترقية مهندسي مصلحتي الري والمباني. (ثانياً) أحقيته في الاحتفاظ بأقدميته حسب تاريخ حصوله على الدرجة بالنسبة للأحدث منه فيها الذين تخطوه في الترقية وتعديل أقدميته طبقاً لما ذكر. والثابت من محضر جلسة اللجنة القضائية المنعقدة في 23 من يونيه سنة 1953 أن رئيس اللجنة سأل المتظلم عمن تخطوه فأجاب "مختار العقبى رقى إلى الدرجة الرابعة في 31 من يناير سنة 1952, وعبد الكريم محمد سيلمان في 24 من فبراير سنة 1952, وميشيل بطرس في 30 من يونيه سنة 1951, وعبد المنعم حسن كامل في 9 من ديسمبر سنة 1950". ورداً على سؤال عن السبب في عدم الطعن في المواعيد القانونية أجاب المتظلم "أنا اشتكيت في المصلحة عقب صدور كل ترقية لهؤلاء الأشخاص, ولكن المصلحة لم تتخذ أي إجراء في التظلمات", ثم أضاف أنه لم يرفع دعاوى بعد هذه التظلمات. وقد رأت اللجنة القضائية أن النظر في طلب إلغاء القرار رقم 48088 لسنة 1948 مما يخرج عن اختصاصها المحدد بالقانون رقم 160 لسنة 1952, وقضت اللجنة بعدم اختصاصها بالنظر فيه. أما عن طلب إلغاء القرارات التي أشار إليها فقد انتهت اللجنة استناداً إلى إجابات المتظلم أمامها أنه ثبت لها من أقواله أنه علم بصدور هذه القرارات؛ ومن ثم يكون هذا الطلب غير مقبول لرفعه بعد الميعاد. وأصدر قرارها بهذا المعنى في 23 من يونيه سنة 1953". كما أقامته على أن "المدعي عندما رفع دعواه الحالية طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية بتاريخ 25 من فبراير سنة 1954 يقضي برفض تظلمه على أساس أسباب لا تتصل بالنواحي الشكلية للتظلم, بل تتصل بالموضوع ذاته. وانتهى في عريضة دعواه إلى طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المشار إليه, غير أنه في الوقت ذاته طلب إلغاء القرارين الصادرين من وزير الأشغال رقمي 192 و247 لسنة 1953 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة. وقد أجابت الوزارة على ما جاء بعريضة الدعوى من حيث موضوع القرارين رقمي 192، 247 لسنة 1953 دون التعرض لما جاء في قرار اللجنة القضائية", وعلى أنه "يبدو مما تقدم أن طعن المدعي لا ينصب في الواقع على قرار اللجنة القضائية الصادر في التظلم رقم 1661 لسنة 1 ق بتاريخ 23 من يونيه سنة 1953؛ ذلك أن المدعي جهل في عريضة دعواه رقم التظلم الذي صدر في شأنه قرار اللجنة القضائية الذي يطعن فيه, كما أنه ذكر تاريخاً مخالفاً للتاريخ الذي صدر فيه القرار؛ فقد ذكر أنه صدر في 25 من فبراير سنة 1954, بينما الواقع أن القرار صدر في 23 من يونيه سنة 1953. وقال إن اللجنة قررت رفض الطعن من حيث موضوعه بينما الواقع أن اللجنة أصدرت قراراً من شقين أحدهما بعدم الاختصاص والآخر بعدم قبول التظلم لتقديمه بعد الميعاد. أضف إلى ذلك أن الوزارة لم تذكر في إجابتها على عريضة الدعوى أي شيء عن قرار اللجنة القضائية", كما أسست قضاءها كذلك على أن "المادة 79 من قانون المرافعات تنص على أنه إذا كان الخطأ أو النقص في بيانات صحيفة افتتاح الدعوى من شأنه أن يجهل بالمدعى به بطلت الصحيفة, ومتى كانت عريضة الدعوى الحالية في الشق الخاص بإلغاء قرار اللجنة القضائية تجهل بالمدعي به؛ إذ لا يمكن الاستدلال على قرار اللجنة القضائية تجهل بالمدعى به ؛ إذ لا يمكن الاستدلال على قرار اللجنة المطعون فيه بموجب البيانات الواردة بصحيفة الطعن, مما يتعين معه اعتبارها باطلة ولا يعتد بها".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت (1) بأن الدعوى إذا كانت ذات شقين أو جملة شقائق فإن الطعن في شق منها يثير المنازعة برمتها أمام هذه المحكمة ما دامت طلبات المطعون عليه مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً جوهرياً, باعتبارها مستندة في حقيقتها إلى أساس قانوني واحد, فإذا كان طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة قد اقتصر على ما قضى به الحكم في طلب إلغاء قرارات وزير الأشغال رقم 192 و247 لسنة 1953 ورقم 301 لسنة 1954 فيما تضمنت من تخطي المطعون عليه في الترقي إلى الدرجة الرابعة, فإن ما قضى به في شقه الآخر من عدم قبول الطعن بإلغاء قرار اللجنة القضائية لبطلان صحيفة هذا الطعن إنما يتصل أوثق اتصال بالشق المطعون فيه؛ ذلك لأن قرار اللجنة القضائية محل الطعن إنما صدر في موضوع طلب إلغاء قرار وزير الأشغال رقم 48088 لسنة 1948 بوضع قواعد لترقية مهندسي مصلحتي الري والمباني, وهذا القرار التنظيمي العام هو الذي بني المطعون عليه طلب إلغاء قرارات وزير الأشغال المشار إليها على أساس بطلانه, اعتماداً على ما ادعاه من أن هذه القرارات الإدارية الفردية لا تعدو أن تكون من تطبيقات هذا القرار التنظيمي العام الذي طلب إلغاءه أمام اللجنة القضائية, وهذا الذي ذهب إليه المطعون عليه من شأنه أن يربط ما بين شقي الحكم برباط وثيق, ويجعل الطعن في أحداهما متعدياً إلى الحكم في الشق الآخر بحكم هذا الارتباط. وكذلك الشأن بالنسبة إلى ما قضى به في القرارات الإدارية الأخرى التي طلب إلغاءها أمام اللجنة القضائية فإن الأساس القانوني لإلغائها يشترك في نظر المطعون عليه مع الأساس الذي أقام عليه دعوى الإلغاء أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما قضى به الشق الأول من الحكم المطعون فيه من عدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية, فإن الشق المذكور قد انتهى إلى نتيجة صائبة أقيمت على أسباب واقعية صحيحة واستدلال قانوني سليم؛ لأن بيانات صحيفة الطعن في قرار اللجنة القضائية في التظلم رقم 1661 لسنة 1 ق قد جهلت موضوع الطعن, سواء من حيث إغفال تحديد القرار المطعون فيه وتاريخه, أو من ناحية ترك بيان موضوع التظلم الذي قضى فيه هذا القرار، أو من جهة عدم تعيين فحوى القرار أو المعنى الذي صدر به, بل لقد أوردت صحيفة الطعن عن قرار اللجنة القضائية بيانات خاطئة تضلل الأفهام عن حقيقة مضمون هذا القرار ومنطوقه, وساقت له أسباباً غير الأسباب الحقيقية التي بني عليها, ثم نسبت إليه تاريخاً غير الذي صدر فيه؛ فقد ورد في صحيفة الدعوى أن قرار اللجنة القضائية موضوع الطعن قد صدر برفض التظلم في حين أنه صدر بعدم اختصاص اللجنة القضائية بالنسبة إلى أحد الطلبات, وبعدم قبول التظلم فيما يتعلق بطلب إلغاء قرارات الترقية. وجاء في صحيفة الطعن أن القرار المطعون فيه قد أصدرته اللجنة القضائية في 25 من فبراير سنة 1954 مع أنه صدر منها في 23 من يونيه سنة 1953، وقد أعان هذا كله على تجهيل القرار محل الطعن تجهيلاً لم يجله جواب الوزارة المدعى عليها عن الدعوى, فقد خلا ردها من توضيح ما خفي وتبيين ما جهل من أمر قرار اللجنة القضائية سالف الذكر, وبعد إذ استبان لمحكمة القضاء الإداري وجه التخالف البين بين ما جعل موضعاً للطعن في صحيفته المودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في اليوم الأول من أغسطس سنة 1954, وبين القرار الحقيقي الذي أصدرته اللجنة القضائية لوزارة الأشغال في 23 من يونيه سنة 1953, كان حقاً عليها أن تورد في أسباب حكمها المطعون فيه ما لابس بيانات صحيفة الطعن من تجهيل صارخ وإغفال واضح للبيانات الجوهرية الواجب استيفاؤها لبيان موضوع الطعن, وأن تنتقل بعد ذلك - كما فعلت بحق - إلى تحصيل بطلانها, وإلى القضاء بعدم قبول الطعن لبطلان صحيفته.
ومن حيث إن هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يتواءم مع ما فرضته المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم - موضوع الطلب, وبياناً للمستندات المؤيدة له, وأن تقرن بصورة أو ملخص من القرار المطعون فيه...", وما رددته المادة 21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الطالب ومن يوجه إليهم الطلب وصفاتهم ومحال إقامتهم - موضوع الطلب، وتاريخ التظلم من القرار إن كان مما يجب التظلم منه ونتيجة التظلم وبياناً بالمستندات المؤيدة للطلب...", وما أوضحته المادة 405 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أن الاستئناف "يرفع بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة المختصة بنظره موقعة من محام مقبول للمرافعة, وتشمل - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المستأنف وتاريخه والأسباب التي بني عليها الاستئناف وطلبات المستأنف... وإذا لم يحصل الاستئناف على الوجه المتقدم كان باطلاً، وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه", ثم ما أرسته المادة 79 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من قواعد لبطلان صحية افتتاح الدعوى, والتي فرق بموجبها بين خطأ أو نقص تبطل به تلك الصحيفة, وبين خطأ أو نقص يجوز أن يترتب عليه الحكم ببطلانها؛ ولهذا جرى نصها بما يأتي "إذا كان الخطأ أو النقص في بيانات صحيفة افتتاح الدعوى من شأنه أن يجهل بالمحكمة أو بالمدعي أو بالمدعى عليه أو بالمدعى به أو بتاريخ الجلسة بطلت الصحيفة. فإن وقع الخطأ أو النقص فيما عدا ذلك جاز الحكم بالبطلان". وعليه لا يكون شخوص الجهة الإدارية في الدعوى مزيلاً لذلك البطلان المطلق, وخاصة وأن هذه الجهة لم تبد جواباً في موضوع الطعن في قرار اللجنة القضائية لما أحاط به من تجهيل، هذا إلى أن حضورها في ذاته ليس من شأنه أن يمحو ما بصحيفة الطعن من عيوب جوهرية تبطلها على الوجه الذي حسمته المادة 26 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن أمام محكمة القضاء الإداري في قرار اللجنة القضائية الصادر في 23 من يونيه سنة 1956 قد رفع بصحيفة باطلة, ومثل هذا الإجراء لا يترتب عليه أثره المقصود قانوناً, ما دامت صحيفة الطعن قد خلت من البيانات الجوهرية التي أوجبتها المواد 14 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة و21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة و79 و405 من قانون المرافعات المدنية على ما سلف إيضاحه وتفصيله, ويكون الشق الأول من الحكم المطعون فيه قد أصاب محجة الصواب فيما قضى به من "عدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه لبطلان صحيفة الطعن".
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 12510 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في أول أغسطس سنة 1954 طالباً الحكم "بإلغاء قراري وزير الأشغال رقم 192 ورقم 247 لسنة 1953 فيما تضمناه من تخطي الطالب في الترقية إلى الدرجة الرابعة, والحكم بترقيته إلى تلك الدرجة منذ تاريخ القرارين المطعون عليهما, مع ما يترتب على ذلك من الآثار بكافة أنواعها, وإلزام الوزارة المعلن إليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال في بيان دعواه بالنسبة إلى هذا الشق من طلباته إن أقدميته في الدرجة الخامسة تطوع له التقدم على المطعون في ترقيتهما في الحصول على الدرجة الرابعة؛ لأنهم ممن يلونه في ترتيب الأقدمية في الدرجة الخامسة ولا يفوقونه في درجة الكفاية أو الأهلية, وأنه من المقرر طبقاً للأصول الإدارية أن اللقب يتبع الدرجة, وأن النظام المعمول به في وزارة الأشغال لا يعدو أن يكون تلقيباً لطوائف المهندسين بحسب درجاتهم المالية, ولا يهدف إلى جعل الترقية إلى الدرجة المالية المستحقة رهناً بحصول المهندس على لقب معين لذاته. وقال إن منح اللقب يجب أن يكون تابعاً لحصول المهندس على الدرجة المالية المقابلة، لا أن يكون منح الدرجة تابعاً للحصول على اللقب. وأنه لا يغير من الأمر شيئاً أن تدعي الوزارة أن القانون رقم 134 سنة 1953 يمنع من ترقيته إلى الدرجة الرابعة رغم أقدميته وكفاءته, بدعوى أنه غير حاصل على لقب "مساعد مدير أعمال"؛ لأنه إذا صح ذلك فقد كان جديراً بالمسئولين أن يبادروا بمنحه هذا اللقب, حرصاً على صالح العمل, كما وصى بذلك جميع رؤسائه الذين تعاون معهم في تقاريرهم عنه. وخلص من ذلك إلى طلب الحكم بإلغاء قراراي وزير الأشغال رقم 192 و247 لسنة 1953 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة من تاريخ هذين القرارين المشار إليهما. وقد ردت الوزارة على هذه الدعوى قائلة بأن ترقيات المهندسين بمصلحة المباني إنما يحكمها القانون رقم 134 لسنة 1953 الصادر في 26 من مارس سنة 1953, وقد نص في المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الترقية وترتيب الأقدمية, تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحة المباني على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق وفقاً للترتيب الوارد به". وأنه جاء في الجدول المرافق لهذا القانون أن الدرجة الخامسة تقسم إلى فئتين ( أ ) مساعد مدير أعمال, (ب) مهندس. وأن الوظائف المدرجة أمام ( أ ) أعلى من الوظائف المدرجة أمام (ب). وقالت الوزارة إنه جاء بالمذكرة التفسيرية لهذا القانون أن الترقية إلى الوظيفة تعتبر بمثابة ترقية إلى الدرجة من حيث احتساب الأقدمية, دون اعتبار لأقدمية الدرجة من غير أن يترتب على هذه الترقية أية زيادة، وإنه عند الترقية إلى الدرجة المالية تكون الترقية مقصورة على الشاغلين للوظائف العليا, فلا يتأثرون عند الترقية بأسبقية زملائهم في الدرجة المالية ممن يشغلون وظائف أقل من وظائفهم في الأهمية. وأنه يتضح من كل ما تقدم أن إجراء الترقية إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة يكون الترشيح فيها من بين الشاغلين لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الخامسة, وليس من بين الشغالين لوظيفة مهندس من الدرجة الخامسة, حتى ولو كان المهندس أقدم في الدرجة الخامسة من مساعد مدير الأعمال وهذا ما حدث فعلاً في الترقيات التي تمت بموجب القرار الوزاري رقم 192 لسنة 1953, فإن جميع الذين رقوا بمقتضاه إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة كانوا يشغلون هذه الوظيفة من الدرجة الخامسة. وأوضحت الوزارة أن المطعون عليه جورجي ميخائيل كان يشغل وقت إجراء هذه الترقيات وظيفة مهندس من الدرجة الخامسة, فلا يحق له المطالبة بالترقية إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة إلا بعد ترقيته إلى هذه الوظيفة أولاً. وقالت إن الترقيات التي تمت بموجب القرار الوزاري رقم 247 لسنة 1953 لم يرق فيها أحد من مهندسي الدرجة الخامسة, وإنما كانت مقصورة على الشاغلين لوظائف مساعدي مديري أعمال؛ ولذلك فإنه لا يحق له أيضاً الطعن في هذا القرار. وقدمت الوزارة صورة من القرار المطعون فيه الصادر من الوكيل الدائم لوزارة الأشغال العمومية في 6 من أكتوبر سنة 1953 بترقية مهندسي مصلحة المباني الأميرية, ويتبين منه أن الترقيات إلى الدرجة الرابعة فما فوق اقتصرت على من كان يحمل لقب "مساعد مدير أعمال" و"مدير أعمال" و"وكيل تفتيش". وقد رد المطعون عليه بمذكرة أودعها ملف الدعوى وذكر فيها أن منح لقب مساعد مدير أعمال لبعض المهندسين قبل نفاذ القانون رقم 134 لسنة 1953 لم يكن من شأنه أن يسمح باتخاذه تكئة لإيثار هذا البعض بالترقية المالية على حساب قواعد الترقية وضوابطها الحقة, ولم يكن الأمر في ذلك يعدو أن يكون تلقيباً غير ذي أثر في مجال الترقية القانونية؛ ومن ثم لم يكن من شأنه أن يجيز الطعن فيه بالإلغاء. وقال إن هذا التلقيب إذا كان قد قصد به تمييز الملقبين على من سواهم طبقاً للقرار الوزاري الصادر في 10 من يونيه سنة 1948, فإنه يكون قد وقع باطلاً, وأنه من حقه أن يدفع بعدم مشروعيته؛ لأنه من الدفوع التي لا يلحقها تقادم, وعلى المحكمة أن تتحراها وتفصل فيها كلما أثيرت أمامها أمثال هذه الدفوع في الدعاوى المطروحة أمامها. وقال إن التقارير المقدمة عنه من رؤسائه تشيد بكفايته وتوصي بترقيته, ثم عدل طلباته بتوجيهها إلى وزارة الشئون البلدية والقروية بعد ضم مصلحة المباني إليها طبقاً للقانون رقم 280 لسنة 1955 الصادر في 16 من يونيه سنة 1955. وبجلسة 20 من يونيه سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء قرار وزير الأشغال الصادر برقم 192 بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة باقي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن الوزارة كان يتعين عليها أن تسلك الطريق السوي بعد صدور القانون رقم 134 لسنة 1953؛ فقد كان ينبغي قبل الترقية أن تجريها الوزارة على مرحلتين: الأولى, أن تختار من بين المهندسين جميعاً من يستحق الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال تنفيذاً لأحكام القانون المشار إليه, مراعية في ذلك قواعد الاختيار المقررة في قانون موظفي الدولة, والمرحلة الثانية, أن تجرى الترقية بين هؤلاء الأخيرين إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة مع مراعاة أحكام المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة. وأن الوزارة قد أغفلت المرحلة الأولى وعولت على حصول بعض مهندسي الدرجة الخامسة على لقب مساعد مدير أعمال قبل العمل بأحكام القانون رقم 134 لسنة 1953, في حين أن بعض المهندسين ممن لم يحصلوا على هذا اللقب كانوا أسبق في أقدمية الدرجة الخامسة ممن رقوا فعلاً؛ وأن الوزارة لو كانت قد التزمت الإجراء السليم, لوجب عليها اختيار المطعون عليه إلى وظيفة مساعد مدير أعمال؛ لأنه من المهندسين الحاصلين على تقدير جيد فضلاً عن أقدميته التي ترشحه لهذا الاختيار, وأن المدعي أقدم من جميع المرقين بموجب القرارين المطعون فيهما ولحصوله فوق ذلك على درجة جيد كان يتعين على الوزارة ترقيته إلى وظيفة مساعد مدير أعمال بالاختيار؛ ومن ثم يكون أحق بالترقية إلى الدرجة الرابعة من المطعون في ترقيتهم, وأنه لا اعتداد بالقول بأن القانون رقم 134 لسنة 1953 لقد أقر ترتيب الأقدميات الذي كان قائماً عند العمل به, وأن المدعي أهمل في الطعن في هذا الترتيب في ميعاد الطعن بالإلغاء من تاريخ العمل بالقانون المشار إليه, وأن الترتيب من ثم أصبح نهائياً يسوغ للوزارة الاحتجاج به عند إجراء الترقية إلى الدرجة الرابعة المالية - لا اعتداد بذلك كله؛ لأن هذا الترتيب لم يصدر به قرار إداري يجوز الطعن فيه؛ لأن ترتيب الأقدمية ذاته لا ينتج أثره بالنسبة إلى الموظف إلا عند اتخاذه أساساً لإجراء الترقيات إلى الدرجات المالية, مما يتيح لأصحاب المصلحة الطعن في قرارات الترقيات وفي ترتيب الأقدمية الذي بنيت عليه تلك القرارات في المواعيد المقررة للطعن في هذه القرارات. وخلصت المحكمة إلى أن القرار رقم 192 لسنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المطعون عليه هو قرار باطل يتعين إلغاؤه, وأنه لا مصلحة له بعد ذلك في طلب إلغاء القرارين رقمي 247 لسنة 1953 و301 لسنة 1954 لعدم وجود مصلحة له في الطعن عليهما.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن تظلم المطعون عليه إلى اللجنة القضائية كان منصباً على تعديل أقدميته في الدرجة الخامسة, وأنه إذ أصبح القرار نهائياً بعدم الطعن فيه, ثم باستبعاده عند نظر الدعوى الحالية, فإنه أياً كان صواب الرأي فيما قضى به فإنه أصبح حكماً نهائياً ليس من الجائز إثارة نزاع في خصوص ما قضى به, وعلى أن طلب المطعون عليه إلغاء القرارات الصادرة بتخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة لا يتأتى تحقيقه إلا بتعديل أقدميته في الدرجة الخامسة, وهو أمر فرغ منه بعد قرار اللجنة؛ ومن ثم يكون طلبه منهار الأساس واجب الرفض - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً - فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق, وبخاصة محاضر لجنة شئون الموظفين المؤرخة 15 من أبريل و10 و25 من مايو سنة 1953, أن الترشيح للترقية إلى الدرجة الرابعة كان مقصوراً على الحاصلين على لقب مساعد مدير أعمال من مهندسي المباني, وأنه على إثر صدور القرارين الوزاريين الرقيمين 743/ 52 و776/ 52 بتاريخي 30 من أبريل و14 من مايو سنة 1953 بترقية بعض موظفي ومستخدمي مصلحة المباني الأميرية إلى الدرجات الشاغرة, قد تقدم من تخطى في الترقية إلى هذه الدرجات بالشكوى من تخطيه, فكان أن أوقف تنفيذ حركة الترقيات برمتها حتى يبت في هذه التظلمات. وبناء على قرار صادر من مجلس الوزراء في 30 من يونيه سنة 1953 تألفت لجنة من وزراء العدل والأشغال بالنيابة والدولة ورئيس ديوان الموظفين للنظر في حركة الترقيات في ضوء الشكاوى المتقدمة, على أن تقدم اللجنة تقريرها إلى مجلس الوزراء. وقد عرضت مذكرة اللجنة الوزارية على المجلس بالفعل في 8 من سبتمبر سنة 1953, وعلى إثر عرضها صدر القرار المطعون فيه رقم 192 لسنة 1953 من وزير الأشغال بإجراء حركة ترقيات بين مهندسي مصلحة المباني تضمنت بداهة اختيار من خصوا بالترقية إلى الدرجات الخالية, ومن هؤلاء جميع من رقى بموجب القرار المطعون فيه إلى الدرجة الرابعة من مساعدي مديري الأعمال, كما تبين أن جميعهم كانوا حاصلين على لقب "مساعد مدير أعمال" قبل صدور القانون رقم 134 لسنة 1953؛ إذ تتراوح تواريخ حصولهم على اللقب المذكور بين سنتي 1951 و1952. ووضح كذلك من الأوراق أن القرارات الإدارية الفردية التي طلب إلغاؤها أمام اللجنة القضائية بالتظلم رقم 1661 لسنة 1 القضائية والتي قضى فيها بعدم قبول الدعوى, هي قرارات أخرى كان قد أصدرها وزير الأشغال في السنوات 1950 و1951 و1952, وكان آخرها قراراً صدر منه في 24 من فبراير سنة 1952؛ ومن ثم فهي قرارات مغايرة كل المغايرة للقرار الوزاري رقم 192 لسنة 1953 المطعون فيه مباشرة أمام محكمة القضاء الإداري والمقضي في شأنه بالحكم المطعون فيه. وتبين أخيراً من أسباب قرار اللجنة القضائية المستأنف أن عدم قبول التظلم قد بني على ما تبين للجنة القضائية من أقوال المتظلم من أنه علم بهذه القرارات ولم يطعن فيها في الميعاد, أما طلب إلغاء القرار التنظيمي العام الصادر من وزير الأشغال في 10 من يونيه سنة 1948 يجعل الأسبقية لمن رقى إلى الوظيفة الأعلى من تاريخ هذه الترقية بقطع النظر عن أقدمية الدرجة المالية, فقد قضت اللجنة القضائية فيه بعدم اختصاصها به على ما سلف البيان.
ومن حيث إن وزير الأشغال قد أصدر في 10 من يونيه سنة 1948 قراراً يقضي في مادته الأولى بأنه "في حالة الدرجات المخصصة لوظيفة أو أكثر يعلو بعضها فوق بعض من الوجهة المصلحية تعطى الأسبقية للمرقين للوظائف الأعلى من تاريخ الترقية إليها, ولا تتقيد هذه الأسبقية بسبب ترقية الأقدم في الدرجة المالية بعد الأحدث منه". وقد درجت وزارة الأشغال على هذه السنة من زمن بعيد يرجع إلى تاريخ صدور "كادر هارفي" كما يبين من ذلك بجلاء من المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 134 لسنة 1953.
ومن حيث إن هذا الذي جرت عليه وزارة الأشغال وطابقه قرار وزير الأشغال, على ما سبق القول, يتعارض مع تعليمات المالية رقم 30 لسنة 1924 التي نصت على جعل المدة التي يقضيها الموظف في الدرجة المالية أساساً الأقدمية, كما لا يتلاقى لا مع القواعد التي أرساها قرار مجلس الوزراء في 17 من مايو سنة 1950 في شأن قواعد التيسير, وفصلها في كتاب المالية الدوري رقم ف - 234/ 5/ 25 المؤرخ 24 من مايو سنة 1950, ولا مع الأصول التي قررها قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 أساساً الأقدمية, وقد قضت بتعيين نسب للترقية بالأقدمية المطلقة في الدرجة المالية وللترقية بالاختيار للكفاية في الكادرين العالي والإداري تختلف باختلاف الدرجة المالية المرقى إليها.
ومن حيث إن الشارع - حرصاً منه على تصحيح الأوضاع فيما يتعلق بضوابط الترقي بين مهندس الري والمباني بوزارة الأشغال قد أصدر أخيراً في 26 من مارس سنة 1953 القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية ناصاً في مادته الأولى على ما يأتي: "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه في شأن الترقية وترتيب الأقدمية في الدرجات, تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له وفقاً للترتيب الوارد به", كما صرح في مادته الثانية بأنه "مع مراعاة أحكام المادة 38 من القانون المشار إليه، تكون الترقية بالاختيار من وظيفة إلى أخرى تعلوها في الأهمية في حدود الدرجة المالية ذاتها".
ومن حيث إن المذكرة الإيضاحية للقانون المتقدم الذكر قد أوردت التفسير الصحيح لأحكامه إذ صرحت بما يلي ".... لذلك رؤى وضع قواعد خاصة بالترقية وترتيب الأقدمية في المصالح الفنية بوزارة الأشغال في الكادر الفني العالي حرصاً على صالح العمل وأهميته, لما تتطلبه إدارة المرافق العامة للدولة من مراعاة الدقة في اختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء الوظائف الرئيسية فيها.... وقد تضمنت المادة الأولى من مشروع القانون المقترح حكماً استثنائياً من القواعد العامة لحساب الأقدمية وقواعد الترقية, فتعتبر الترقية إلى الوظيفة بمثابة قرار ترقية إلى الدرجة من حيث احتساب الأقدمية, دون اعتبار لأقدمية الدرجة ومن غير أن يترتب على هذه الترقية للوظائف أية زيادة...., كما نصت المادة الثانية من المشروع على وجوب إصدار قرار بالترقية إلى الوظيفة العليا, وتخضع هذه القرارات للأحكام الخاصة باختصاص لجان شئون الموظفين؛ رغبة في توفير الضمانات لهم واعتماد تلك القرارات من الوزير المختص. على أنه عند الترقية إلى الدرجات المالية ستراعى بجانب القواعد المرسومة في هذا المشروع القواعد المنصوص عليها في المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من حيث الترقية بالأقدمية أو بالاختيار, على أن تكون هذه القواعد قاصرة على الشغالين للوظائف العليا, فلا يتأثرون عند الترقية بأسبقية زملائهم في الدرجة المالية ممن يشغلون وظائف أقل من وظائفهم في الأهمية".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المشرع أراد بالقانون رقم 134 لسنة 1953 أن يجعل أساس الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له ووفقاً للترتيب الوارد به. وهذه القاعدة للترقية وترتيب الأقدمية تخالف القاعدة المقررة في المادة 38 وما بعدها من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951, تلك التي مناطها في خصوص الترقية أن تكون بالأقدمية في الدرجة, ويجوز أن تكون بالاختيار للكفاية في حدود نسب معينة, كما يخالف قاعدة ترتيب الأقدميات المنصوص عليها في المادة 25 منه, والتي مناطها أساساً هو تاريخ التعيين في الدرجة المالية فإذا اتحد زمنياً اعتبرت الأقدمية على أساس أقدمية الدرجة السابقة وهكذا.
ومن حيث إنه ولئن كان تلك هي القواعد المقررة في قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 134 لسنة 1953، بحيث ما كان يجوز الاستناد إلى أهمية الوظائف التلقيبية بحسب تدرجها كأساس للترقية دون الاعتداد بالأقدمية في الدرجة المالية - لئن كان ذلك هو كما تقدم، إلا أنه ليس من شك في أنه بعد نفاذ القانون رقم 134 لسنة 1953 الذي قام - حسبما صرحت بذلك مذكرته الإيضاحية - على أساس أهمية تلك الوظائف وما تتطلبه إدارة المرافق العامة لوزارة الأشغال من وجوب مراعاة الدقة في اختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء هذه الوظائف الرئيسية - ليس من شك في أن هذا القانون إنما أقر الوضع الذي جرى عليه العمل من قبل في وزارة الأشغال العمومية, وهو إسناد هذه الوظائف الرئيسية بألقابها إلى من تراه - بحسب تقديرها - جديراً بالاضطلاع بها, وأن يكون التعيين في هذه الوظائف من قبل هو الأساس في الترقيات إلى ما يعلوها من وظائف أعلى مستقبلاً بالتطبيق للقانون المذكور. وغني عن القول أن المشرع لم يقصد أن يجعل نفاذ القانون المذكور منبت الصلة بما استقرت عليه الأوضاع من قبل, بل يبين من روحه وفحواه أنه أراد أن يربط الماضي بالحاضر في هذا الخصوص؛ نظراً لارتباط ذلك بالمصلحة العامة كما أكدته المذكرة الإيضاحية, والقول بغير ذلك يؤدي إلى أحد وضعين لا ثالث لهما: إما إلى إهدار التعيينات التلقيبية السابقة برمتها وإعادة النظر فيها بسلطة تقديرية جديدة, وظاهر أن هذا الفرض بعيد عن قصد الشارع لما يترتب عليه من زعزعة الأوضاع, وإما أن تصدر قرارات جديدة مرددة للأوضاع السابقة في تلك الوظائف التلقيبية، وهو مجرد تكرار شكلي للقرارات السابقة, وهذا الفرض الآخر بعيد كذلك عن قصد الشارع، تنزيهاً له عن التكرار وتحصيل الحاصل؛ ولذلك فإن الأقرب إلى القصد هو - كما سبق القول - ربط الماضي بالحاضر وإقرار ما تم من أوضاع في هذا الخصوص؛ لتكون أساساً لتطبيق القانون رقم 134 لسنة 1953 في مرحلته الأولى, ومع ذلك فإن لجان شئون الموظفين حين نظرت في الترقيات بالتطبيق للقانون المذكور في هذه المرحلة إنما أتمت عملها على أساس القرارات التلقيبية السابقة باعتبارها مستقرة مفروغاً منها, وإذا قيل في الجدل بأنها كانت تملك إعادة النظر فيها, فإن هذا القول مردود بما ثبت من أنها أتمت عملها على أساس إقرار ما انطوت عليه تلك القرارات.
ومن حيث إن طلب المطعون عليه إلغاء القرارين الوزاريين رقم 247 لسنة 1953 و301 لسنة 1954 مرفوض أيضاً للعلة التي بني عليها الحكم برفض طلب إلغاء القرار الوزاري رقم 192 الصادر في 13 من سبتمبر سنة 1953. وعلى مقتضى ذلك يكون الحكم المطعون فيه - إذ ذهب غير هذا المذهب - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ ويتعين من ثم القضاء بإلغائه, وبرفض دعوى المدعي, مع إلزامه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار وزير الأشغال رقم 192 سنة 1953 الصادر في 13 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.


(1) راجع السنة الثانية من هذه المجموعة بند 137 (أ) ص 1335.