جلسة 3 من يناير سنة 1959
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.
----------------------------
(41)
القضية رقم 33 لسنة 4 القضائية
(أ) مصلحة في الدعوى
- صدور قرار بنقل موظف من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري ووضعه في كشف الأقدمية في ترتيب سابق على المدعي وترقيته إلى الدرجة الخامسة - توافر شرط المصلحة للمدعي في الطعن فيه ولو لم يتمكن مدة الثلاث السنوات اللازمة لترقيته إلى الدرجة الخامسة قد انقضت - أساس ذلك.
(ب) دعوى
- دعوى بطلب إلغاء قرار صادر بترقية موظف - لا تقبل إلا بعد التظلم من القرار وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه - الطعن في قرارين متتاليين صدرا بالترقية بعد انتهاء المواعيد المذكورة بالنسبة للتظلم المقدم في أولهما دون الثاني - قبولها متى كان القرار الثاني يعتبر استمراراً للقرار الأول ومقتضى له وكان المدعي قد اضطر لرفعها قبل انقضاء الميعاد بالنسبة للقرار الأول - مثال.
إجراءات الطعن
في 4 من ديسمبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 33 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة ثالثة "أ") بجلسة 17 من أكتوبر سنة 1957 في الدعوى رقم 234 لسنة 11 ق المقامة من عبد الوهاب قطب محمد ضد ديوان الموظفين, والذي يقضي "بقبول الدعوى شكلاً, وبإلغاء القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أحمد محمود مختار كشك وفوزي سعيد شاهين إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وبإلغاء القرار رقم 118 الصادر في 4 من أكتوبر سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أمين عيسى يوسف إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى ديوان الموظفين في 10 من ديسمبر سنة 1957, وإلى المطعون عليه في 15 من يناير سنة 1958, وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 6 من ديسمبر سنة 1958, وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 10 من نوفمبر سنة 1958 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وفي 22 من ديسمبر سنة 1958 أودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاعها, وانتهت فيها إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى كل من القرار الأول والثاني, واحتياطياً برفض الدعوى بشقيها مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل الأتعاب, ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 234 لسنة 11 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 27 من نوفمبر سنة 1956 طلب فيها "الحكم بإلغاء القرارين رقمي 24 و118 لسنة 1956 بالنسبة للترقيات التي تمت بمقتضاهما, وذلك فيما تضمناه من تخط له في الترقية وتعديل أقدميته في الدرجة الخامسة الإدارية العالية بديوان الموظفين, كادر الديوان العام, بحيث يكون سابقاً لكل من السادة فوزي سعيد شاهين وأحمد مختار محمود كشك وأمين عيسى يوسف, مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل الأتعاب". وقال شرحاً لدعواه إنه حصل على درجة الليسانس في القوانين من كلية الحقوق بجامعة القاهرة في مايو سنة 1950, وعلى دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية في عام 1952, ثم نجح في امتحان المسابقة الذي عقده ديوان الموظفين في 30 من أبريل سنة 1952 للتعيين في وظائف الدرجة السادسة بالكادر الإداري العالي بالديوان. وفي 30 من يوليه سنة 1953 صدر قرار بتعيينه وزملائه الناجحين في امتحان المسابقة في الوظائف المذكورة. وفي 16 من فبراير سنة 1956 فوجئ المدعي بالقرار رقم 24 لسنة 1956 الصادر من رئيس الديوان متضمناً نقل كل من السادة أحمد مختار كشك وأمين عيسى يوسف من الكادر الكتابي المتوسط إلى الكادر الإداري العالي بالديوان ووضعهما في كشف الأقدمية في ترتيب سابق على المدعي؛ وذلك بالرغم من أن القرار المذكور ذاته ينص على أن يكون نقل الموظفين المشار إليهما اعتباراً من 3 من فبراير سنة 1956, وفضلاً عن ذلك تضمن هذا القرار ترقية كل من أحمد مختار محمود كشك وفوزي سعيد شاهين بالأقدمية المطلقة من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري متخطياً بذلك المدعي وزملاءه الذين عينوا معه في 30 من يوليه سنة 1953. وبعد ذلك فوجئ المدعي في 29 من سبتمبر سنة 1956 بصدور القرار رقم 118 لسنة 1956, وهو يقضي بترقية كل من السادة أمين عيسى يوسف ورستم حسان والمدعي - عبد الوهاب قطب محمد - إلى الدرجة الخامسة الإدارية العالية, وهذا القرار تضمن أسبقية أمين عيسى يوسف على المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الأمر الذي يضر بالمدعي ويخالف نصوص قانون التوظف. ويقول المدعي في ذلك إن وجهة نظر ديوان الموظفين في تبرير هذه المخالفة للقانون تقوم على أساس سوء فهم وتطبيق معيب للمادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة, ولا سيما الفقرة الأخيرة منها؛ ذلك أن شاهين قد نقلت درجته في ميزانية السنة المالية 1954/ 1955, كما نقلت درجة السيدين كشك وعيسى في ميزانية السنة المالية 1955/ 1956, ويعتبر الديوان أن النقل بحسب مفهوم الفقرة الأخيرة من المادة 47 نقلاً من جميع الوجوه منتجاً لكافة آثاره, ومنها احتساب أقدمية الموظف المنقول إلى الكادر العالي من تاريخ حصوله على درجته بالكادر المتوسط. ثم يقول المدعي إن هذا التفسير يخالف القانون نصاً وروحاً, فضلاً عن مخالفته لما استقر عليه القضاء الإداري وفتاوى القسم الاستشاري بمجلس الدولة. وواضح من نص المادة 47 من قانون موظفي الدولة أنها جاءت استثناء من القواعد الأساسية لقانون التوظف, فيجب تفسيرها في أضيق الحدود؛ بحيث لا يخرج الاستثناء عن النطاق الذي حدده الشارع؛ ومن ثم فإن النقل يجب أن يقتصر على مجرد إحداث النقل من كادر إلى كادر آخر, دون أن يضاف إلى ذلك حساب مدة الموظف المنقول في أقدميته بالدرجة المنقول إليها؛ لأن في ذلك تجاوزاً واضحاً للنص الاستثنائي, فضلاً عن مخالفته لنص المادتين 23 و24 من قانون التوظف. وأضاف المدعي إلى ذلك أن نقل درجة الموظف من كادر إلى كادر آخر يترتب عليه حتماً إلغاء وظيفته الأصلية, وذلك بنقل اعتمادها إلى كادر آخر, والأصل الذي نصت عليه المادة 107 من قانون التوظف يقضي بأن إلغاء الوظيفة يترتب عليه فصل الموظف من الخدمة إلا إذا كانت هناك وظيفة مماثلة ومعادلة لوظيفته الملغاة, فعندئذ ينقل إليها وتحسب أقدميته في الوظيفة المنقول منها (المادة 113 من قانون نظام موظفي الدولة), ولكن المادة 47 قد جاءت باستثناء على هذه القاعدة, فأجازت نقل الموظف الذي ألغيت وظيفته في الكادر المتوسط إلى الوظيفة المنشأة على الدرجة المنقولة في الكادر العالي, وهذا النقل لا يمكن أن يكون نقلاً عادياً؛ إذ أن النقل بمعناه المعروف يكون من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى, ومن إدارة إلى إدارة أخرى, ومن مكان إلى آخر, أما النقل من كادر إلى كادر آخر فيطلق عليه اسم (النقل النوعي), وهو محظور أصلاً إن كان من كادر أعلى إلى كادر أدنى؛ لأنه يتضمن تنزيلاً للموظف، كما أنه محظور أيضاً إذا كان من كادر أدني إلى كادر أعلى، وذلك مع استثناء الأحوال التي ينص عليها القانون؛ إذ يكون في هذه الحالة بمثابة تعيين جديد يشترط فيه توافر الشروط والمؤهلات اللازمة للتعيين في الوظيفة الجديدة. ويلاحظ المدعي في هذا الخصوص أمرين: الأول, أن النقل بالتطبيق لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 47 يتم بقرار من الوزير المختص دون الالتجاء إلى لجنة شئون الموظفين, أي أنه يتم بأداة التعيين وليس بأداة النقل؛ إذ يشترط في الحالة الأخيرة أن يتم النقل بقرار من لجنة شئون الموظفين ثم يعتمده الوزير المختص. الثاني, أن الفقرة الأخيرة من المادة 47 استعملت تعبيرين مختلفين لنقل الموظف على وظيفة في الكادر العالي أو على وظيفة في الكادر المتوسط؛ ففي الحالة الأولى ينقل, وفي الحالة الثانية تسوى حالته, والاختلاف في التعبير في هذه الحالة يؤدي إلى اختلاف الحكم, فالتسوية يترتب عليها احتساب الأقدمية في الدرجة والوظيفة, أما النقل النوعي فيعتبر بمثابة تعيين جديد لا يترتب عليه حساب الأقدمية السابقة, ثم قال المدعي إن الجمعية العمومية للقسم الاستشاري قررت بجلستها المنعقدة في 18 من يناير سنة 1956 أن الموظف بالكادر المتوسط إذا حصل على مؤهل عال, وهو بالدرجة السادسة في الكادر المتوسط واجتاز امتحان مسابقة للتعيين على إحدى وظائف الدرجة السادسة بالكادر العالي, فإن هذا الموظف يعين في الكادر العالي تعييناً جديداً, ولا تحسب له أقدميته في الوظيفة الأولى, مع أن هذا الموظف أولى بالرعاية وأصلح لشغل الوظيفة الجديدة من الموظف الذي لم يحصل على مؤهل عال أو لم يدخل امتحان مسابقة, وإنما أصابه النقل عرضاً. ويقول المدعي أخيراً إنه تظلم في 15 من أبريل سنة 1956 من القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 وقام الديوان بعرض موضوع التظلم على الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة, فأجابت على الديوان بكتابها رقم 86/ 1/ 34 في 23 من أكتوبر سنة 1956 بأن هذا الموضوع قد عرض على الجمعية العمومية بجلستها المنعقدة في 26 من سبتمبر سنة 1956 وانتهى رأيها إلى أن الموظف الذي ينقل من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي طبقاً للمادة 47/ 4 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تحتسب أقدميته في الدرجة المنقول إليها من تاريخ النقل. ويقول المدعي إنه عند صدور القرار رقم 118 لسنة 1956 في 4 من أكتوبر سنة 1956 تظلم منه في 25 من نوفمبر سنة 1956, وقال إنه لو لا احتساب مدة خدمة زملائه المذكورين بطريق التطبيق الخاطئ للفقرة الأخيرة من المادة 47 لكان المدعي أقدم من هؤلاء الثلاثة, ولما رقى الأول والثاني والثالث في القرارين المشار إليهما؛ إذ تكون ترقيتهم غير جائزة لعدم انقضاء المدة اللازمة كحد أدنى لإمكان الترقية من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة, وهي ثلاث سنوات (القانون رقم 366 لسنة 1954)؛ إذ أن نقل درجة الأول (شاهين) تم في ميزانية 1954/ 1955, وصدر قرار نقله إلى الكادر العالي في هذه السنة المالية. وتم نقل درجة الثاني (كشك) ودرجة الثالث (عيسى) في ميزانية 1955/ 19556, وصدر قرار نقلهما إلى الكادر العالي بالقرار المطعون فيه, بينما عين المدعي في الدرجة السادسة الإدارية العالية في 30 من يوليه سنة 1953. وقد أجريت حركة ترقية الأول والثاني والثالث في النسبة المخصصة للأقدمية, وواضح للمدعي أنه أقدم من الثلاثة المطعون في ترقيتهم أخذاً بالتفسير الذي اتجهت إليه صحيفة الدعوى. ويقول المدعي إن الديوان لم يرد على تظلمه, فتقدم بطلب إعفائه من الرسوم في 13 من أغسطس سنة 1956, فأعفي منها بقرار صدر في 29 من سبتمبر سنة 1956, وأودع صحيفة هذه الدعوى سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 27 من نوفمبر سنة 1956 طالباً الحكم بإلغاء القرارين المشار إليهما فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية العالية, وبتعديل أقدميته في الدرجة الخامسة الإدارية؛ بحيث يكون سابقاً لكل من السادة شاهين وكشك وعيسى, مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وفي 23 من فبراير سنة 1957 أجاب ديوان الموظفين على هذه الدعوى بأن المدعي عين بخدمة الديوان بالدرجة السادسة الإدارية في وظيفة (باحث) في 30 من يوليه سنة 1953, وهو حاصل على ليسانس الحقوق في مايو سنة 1950 وعلى دبلوم الشريعة الإسلامية في سبتمبر سنة 1952, وأنه رقى إلى الدرجة الخامسة الإدارية في 29 من سبتمبر سنة 1956، ودفع ديوان الموظفين بعدم قبول الدعوى للأسباب الآتية: (1) صدر قرار الديوان رقم 24 في 16 من فبراير سنة 1956 وتظلم منه المدعي في 15 من أبريل سنة 1956, ولم يرد عليه الديوان, فيعتبر مضى ستين يوماً على تقديم التظلم قراراً ضمنياً بالرفض, وتبدأ للمتظلم فترة ستين يوماً أخرى لمباشرة دعواه تنتهي في 13 من أغسطس سنة 1956, وثابت أن المدعي لم يقدم دعواه إلا في 27 من نوفمبر سنة 1956؛ وبذلك تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً. ولا يغير من ذلك أن المدعي قدم في 13 من أغسطس سنة 1956 طلباً للمعافاة من الرسوم؛ فطلب المعافاة لا يقطع المواعيد, والعبرة في ذلك بتاريخ إيداع صحيفة الدعوى سكرتيرية المحكمة. (2) صدر قرار الديوان رقم 118 في 29 من سبتمبر سنة 1956, وتظلم منه المدعي في 25 من نوفمبر سنة 1956, ثم تقدم بدعواه في 27 من نوفمبر سنة 1956 دون انتظار المواعيد المقررة للبت في تظلمه؛ فيكون بذلك قد تقدم بدعواه بالنسبة لطلب إلغاء القرار رقم 118 قبل انتظار المواعيد المحددة للبت في التظلم, وفي ذلك مخالفة لنص المادتين 12 و8 من قانون تنظيم مجلس الدولة. وفضلاً عن ذلك فإن المدعي كان قد تقدم بطلب إعفائه من الرسوم المقررة لرفع دعوى يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 24 لسنة 1956, وحصل فعلاً على قرار الإعفاء من الرسوم على هذا الأساس وحده, ولكنه ضمن صحيفة هذه الدعوى طعناً بالإلغاء في قرار آخر هو رقم 118 لسنة 1956؛ ومن ثم يكون هذا الطعن الجديد في القرار الثاني بمثابة دعوى جديدة غير تلك التي تقرر الإعفاء من رسومها. أما من حيث الدفاع الموضوعي: فيقول ديوان الموظفين إنه لما كانت طبيعة أعمال وظائف المطعون في ترقيتهم - السادة: شاهين وكشك وعيسى - إدارية ولا تتناسب معها وضعهم في الكادر الكتابي, فقد رؤى تصحيحاً للأوضاع نقل درجاتهم في الميزانية إلى الكادر الإداري, وعند نقلهم تبعاً لذلك - وفقاً لنص المادة 47 من قانون التوظف - نقلوا بحالتهم, ومن مشتملات تلك الحالة المرتب والأقدمية في الدرجة المحولة؛ لأن طبيعة عملهم بها كانت إدارية, ولا يجوز أن يضاروا من تصحيح الأوضاع بإهدار أقدمياتهم السابقة في الدرجات المحولة. وترتب على ذلك اعتبارهم بالكادر الإداري (الدرجة السادسة ): الأول (شاهين) من 4 من يونيه سنة 1952, والثاني (كشك) من 17 من نوفمبر سنة 1951, والثالث (عيسى) من 30 من أبريل سنة 1953, وقد رقى الأول والثاني (شاهين وكشك) إلى الدرجة الخامسة الإدارية اعتباراً من 3 من فبراير سنة 1956, والثالث (عيسى) اعتباراً من 29 من سبتمبر سنة 1956. أما عن المدعي فقد عين بالدرجة السادسة الإدارية في 30 من يوليه سنة 1953, وما كان له أن يطعن في القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 بترقية السيدين شاهين وكشك؛ لأنه وقت صدور تلك القرار لم يكن مستوفياً شروط الترقية؛ لعدم إتمامه المدة المقررة للترقية, ولا تكن له صفة في الطعن على تلك القرارات, أما قرار ترقية أمين عيسى يوسف رقم 118 لسنة 1956 فقد تضمن أيضاً ترقية المدعي, فما يجوز له الطعن فيه لانعدام المصلحة التي هي مناط دعوى الإلغاء. وخلص ديوان الموظفين إلى طلب الحكم برفض الدعوى, وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وبجلسة 17 من أكتوبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة ثالثة "أ") بقبول الدعوى شكلاً, وبإلغاء القرار رقم 24 الصادر في 16 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أحمد محمود مختار كشك وفوزي سعيد شاهين إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وبإلغاء القرار رقم 118 لسنة 1956 الصادر في 4 من أكتوبر سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية أمين عيسى يوسف إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وألزمت المدعى عليه المصروفات". وأسست قضاءها في رفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أنه يترتب على طلب المساعدة القضائية قطع التقادم وقطع مواعيد رفع دعوى الإلغاء, ويظل التقادم أو الميعاد مقطوعاً لحين صدور قرار في الطلب سواء بالقبول أو بالرفض, فإذا صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره, فإن كانت دعوى إلغاء تعيين أن يكون رفعها خلال الستين يوماً التالية. وثابت أن المدعي قدم طلب المعافاة في 13 من أغسطس سنة 1956 أي في خلال الستين يوماً من انقضاء الستين يوماً التالية على تقديم تظلمه. وبجلسة 29 من سبتمبر سنة 1956 قررت المحكمة قبول طلب المعافاة؛ فتكون دعوى المدعي قد رفعت في الميعاد القانوني, ويتعين قبولها شكلاً. فأما عن الدفع المقدم عن طلب إلغاء القرار رقم 118 لسنة 1956, فإن هذا القرار لم يكن إعراباً عن إرادة جديدة, لديوان الموظفين تستلزم بذاتها تظلماً منفرداً وانتظاراً لمواعيد جديدة, وإنما كان استمراراً من الديوان في سياسية التفسير القانوني لنص المادة 47 من قانون التوظف؛ ذلك التفسير الذي انتهجه الديوان من قبل, ولم يكن التظلم من هذا القرار الأخير إلا من قبيل الاحتياط, ويصبح هذا التظلم غير مجد ما دامت الإدارة قد أفصحت عن نيتها في صورة تؤكد عدم رغبتها في العدول عن القرار المشكو منه. وفضلاً عن ذلك فقد انقضت فعلاً مدة الستين يوماً التالية لتقديم التظلم أثناء سير الدعوى دون أن يعدل الديوان عن رأيه؛ لذلك يكون هذا الدفع الشكلي الثاني غير قائم بدوره على أساس من القانون متعيناً رفضه. أما عن موضوع الدعوى فقد أسست محكمة القضاء الإداري قضاءها على أن هذا النزاع ينحصر فيما إذا كان نقل المطعون في ترقيتهم بالتطبيق لحكم الفقرة الرابعة من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 يعتبر نقلاً عادياً, أم أنه نقل نوعي بمثابة تعيين جديد: وخلصت المحكمة إلى أنه يعتبر نقلاً نوعياً بمثابة التعيين الجديد؛ لأن نظام موظفي الدولة يقوم على أساساً على تقسيم وظائف الدولة الداخلة في الهيئة إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وتقسيم كل فئة إلى نوعين: فني وإداري للكادر العالي, وفني وكتابي الكادر المتوسط. وأنه لا يصح نقل وظيفة من فئة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر إلا بإذن البرلمان, كما أنه يشترط في الفئتين شروط وإجراءات تختلف في كل منهما عنها في الأخرى اختلافاً أساسياً. وأن هذا الأصل العام الذي يحظر نقل الوظائف من فئة إلى أخرى يقتضي بالتبعية عدم إمكان نقل الموظف نفسه من وظيفة تنتمي إلى أي من الفئتين إلى وظيفة تتبع الأخرى, إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون. وأن هذا من قبيل النقل النوعي المخالف للقواعد العامة من قانون نظام موظفي الدولة, وأنه على هذا الأساس يعتبر الموظف المنقول من درجة في الكادر المتوسط إلى إحدى درجات الكادر العالي معيناً تعييناً جديداً.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو في التكييف الصحيح لواقعة نقل الموظفين المطعون في ترقيتهم من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري, وهل تعتبر هذه الواقعة تعييناً أم نقلاً. فقانون التوظف تناول التعيين في الفصل الثاني من الباب الأول منه, وتناول النقل في الفصل الرابع من هذا الباب, وهو إن لم يضع تعريفاً محدداً للتعيين أو النقل, إلا أنه حدد حالات الاثنين ووضع لكل شروطاً وضوابط وإجراءات تختلف في التعيين عنها في النقل؛ بحيث إذا توافر للواقعة مقومات التعيين اعتبرت كذلك, أما إذا تحقق لها مقومات النقل فهي ليست إلا نقلاً, بما يترتب على ذلك في الحالين من آثار مردها إلى النصوص المنظمة للتعيين أو للنقل بحسب الأحوال. وعلى أساس هذا الفهم نجد أن القانون لم يشترط في الواقعة التي نحن بصددها ما استوجب استيفاءه في التعيين سواء من حيث اللياقة العلمية أو الفنية أو الطبية أو غير ذلك مما يتطلب عادة في التعيين؛ إذ يكفي - طبقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة 47 أن يصدر بها قرار من الوزير متضمناً نقل الموظف شاغل الدرجة المتوسطة إلى الكادر العالي تبعاً لنقل درجته إليه, فهي ليست إذا حالة تعيين, بل هي كما وصفها القانون حالة نقل؛ لذلك أوردها ضمن حالات النقل التي عددتها المادة 47 من الفصل الخاص بالنقل. فمن ثم وجب إعمال أحكام النقل في شأنها, دون تلك التي تنتظم التعيين, ومن شأنها عدم المساس بأقدمية الموظف المنقول في الدرجة المنقول منها؛ وعلى ذلك يكون القراران المطعون فيهما بالإلغاء - إذ صدرا على مقتضى ما تقدم - قد التزما جانب القانون؛ مما كان يتعين معه رفض الطعن فيهما - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً - فإنه يكون خليقاً بالإلغاء. وفي 22 من ديسمبر سنة 1958 أودعت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع ديوان الموظفين طلبت فيها أصلياً عدم قبول الدعوى بالنسبة إلى القرار الأول؛ إذ أن المطعون عليه لم يكن وقت صدوره في 3 من فبراير سنة 1956 قد أتم المدة المقررة للترقية إلى الدرجة الخامسة وهي ثلاث سنوات من 30 من يوليه سنة 1953؛ وبذلك لا يكون صاحب مصلحة مباشرة في إلغاء القرار؛ إذ أن مصلحته تقوم فقط في حالة بقاء هذه الدرجات شاغرة لحين استكماله للمدة المشروطة للترقية, وهذا مجرد فرض احتمالي. وطلبت الإدارة عدم قبول الدعوى أيضاً بالنسبة للقرار الثاني الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956؛ إذ أن المطعون عليه تظلم منه في 25 من نوفمبر سنة 1956, ولم يلبث أن أقام الدعوى في 27 من نوفمبر سنة 1956 دون انتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم وفقاً لأحكام المادة 12 من قانون مجلس الدولة؛ وبذلك تكون الدعوى سابقة لأوانها, ثم إن المطعون عليه لم يسدد رسماً عن طلب إلغاء هذا القرار اعتماداً على قرار الإعفاء من الرسوم الصادر لصالحه, مع أن هذا القرار مقصور عن رسوم الدعوى بإلغاء القرار الأول؛ حيث تقدم في 13 من أغسطس سنة 1956, أي قبل صدور القرار الثاني, بطلب معافاته, وتقرر قبوله في 29 من سبتمبر سنة 1958؛ ولهذا طلب ديوان الموظفين استبعاد طلب إلغاء القرار الثاني من الرول, ولم تلتفت محكمة القضاء الإداري إلى ذلك, فتعيد إدارة قضايا الحكومة طرحه على هذه المحكمة. واحتياطياً طلبت الحكومة رفض الدعوى بشقيها للأسباب السالف الإشارة إليها في تقرير طعن هيئة المفوضين, مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
أولاً - لعدم وجود مصلحة للمطعون عليه فيها:
من حيث إن هذا الدفع مردود بأن للمطعون عليه مصلحة محققة في الطعن بالإلغاء في القرارين المشار إليهما موضوع هذه المنازعة, حتى ولو لم تكن قد انقضت مدة الثلاث السنوات اللازمة للترقية إلى الدرجة الخامسة؛ ذلك أنه ليس من شك في أن الأسبقية في ترتيب الدرجة السادسة لها أثرها الحاسم حالاً أو مآلاً في الترقية إلى الدرجة الخامسة, فمن مصلحته الطعن في هذين القرارين بدعوى أن المطعون في ترقيتهم لا يستصحبون قانوناً أقدمياتهم في الدرجة السادسة الكتابية عند نقلهم في الكادر الإداري؛ ومن ثم يتعين رفض هذا الشق من الدفع بعدم قبول الدعوى.
ثانياً - بالنسبة للقرار الثاني الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن المطعون عليه تظلم من هذا القرار في 25 من نوفمبر سنة 1956, ثم طلب إلغاءه في الدعوى التي أقامها في 27 من نوفمبر سنة 1956 دون انتظار للمواعيد المقررة في هذا التظلم, كما أنه لم يدفع رسماً عن هذا الطلب؛ لأن الإعفاء مقصور عن رسم الدعوى بإلغاء القرار الأول الصادر في 16 من فبراير سنة 1956.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن القرار الثاني الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1956 لا يعدو أن يكون في حقيقته استمراراً للقرار الأول ومقتضى له؛ إذ ينبع من نفس الفكرة التي صدر عنها القرار الأول, وهي أن المنقولين جميعاً من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري يستصحبون جميعاً أقدمياتهم في الدرجة السادسة في هذا الكادر عند نقلهم إلى الكادر الأعلى, وأنه بناء على هذه الأقدمية يحل دورهم في الترقية إلى الدرجة الخامسة, فصدر القراران المطعون فيهما بالإلغاء على هذا الأساس. والمطعون عليه إذ يطعن فيهما إنما يقيم طعنه على أساس قانوني واحد بالنسبة إليهما معاً, هو أن هؤلاء المنقولين من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى لا يستصحبون أقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية, فلا يحل دورهم في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية, وأن المطعون عليه يعتبر أسبق منهم في هذه الدرجة السادسة الإدارية, وأولى بالترقية قبلهم إلى الدرجة الخامسة. وبهذه المثابة يعتبر طعنه بإلغاء القرارين متضمناً القرارين معاً؛ بما يغني عن انتظار الفصل في تظلمه, ما دام قد اضطر لإقامة الدعوى بالطعن في القرار الأول في آخر الميعاد؛ ومن ثم يكون هذا الشق أيضاً من الدفع بعدم القبول على غير أساس من القانون.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كانت أقدمية المطعون في ترقيتهم في الدرجة السادسة تعتبر راجعة إلى تاريخ أقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية أم لا؛ ذلك أنه لو كانت الأولى لسبقوا المدعي المطعون عليه في هذا الطعن في ترتيب الأقدمية, ولما كان له وجه في الطعن في ترقيتهم على هذا الأساس. وإن كنت الأخرى فالعكس بالعكس, فمناط الفصل في الدعوى هو تفسير معنى النقل في حكم الفقرة الرابعة من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وهل يستصحب الموظف المنقول من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى أقدميته في الدرجة المنقول منها, أم تبدأ له أقدمية جديدة من تاريخ نقله إلى الكادر الأعلى.
ومن حيث إن القانون رقم 210 لسنة 1951 - إذ قسم الوظائف الداخلة في الهيئة إلى فئتين: عالية ومتوسطة, وعلى أن تتضمن الميزانية بياناً بكل نوع من هذه الوظائف, وإذ نص على أنه لا يجوز بغير إذن من البرلمان نقل وظيفة من فئة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر, وإذ وضع لكل فئة من هاتين الفئتين أحكاماً خاصة بها من حيث التعيين والترقية تختلف في كل واحدة عن الأخرى - إن القانون المذكور قد جعل الأصل هو الفصل بين الكادرين؛ مما يترتب عليه أن الأقدمية في وظائف الكادر العالي تتميز عن الأقدمية في وظائف الكادر المتوسط حتى ولو كانت درجاتها متماثلة؛ ومن ثم فإذا نقل موظف من الكادر الأدنى إلى مثل درجته في الكادر الأعلى فلا يستصحب معه عند النقل أقدميته في الكادر الأدنى, بل يعتبر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى من تاريخ نقله إلى هذا الكادر الأخير؛ لأن هذا النقل هو نقل نوعي بمثابة التعيين في الكادر الأعلى الذي تختلف الوظائف فيه من حيث شروط التعيين والترقية والاختصاصات عن مثيلاتها في الكادر الأدنى, كالنقل الحاصل بطريق الترقية بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تجيز استثناء ترقية الموظف من أعلى درجة في الكادر المتوسط أو الكتابي إلى الدرجة التالية لها في الكادر الفني العالي أو الكادر الإداري بالشروط وفي الحدود المنصوص عليها فيها. وغني عن القول أن مثل هذه الترقية لا تشترط أن يكون الموظف المنقول حاصلاً على المؤهل العالي الذي كان يجيز تعيينه ابتداء في هذا الكادر, كما أن نوع كل من العملين يختلف في طبيعته عن الآخر, فترقية مثل هذا الموظف بالتطبيق لتلك المادة هي في الواقع من الأمر بمثابة تعيين في هذا الكادر من إعفاء الموظف من شرط الحصول على المؤهل العالي؛ ولذا فإن ترتيب أقدمية هذا الموظف بين أقرانه في الكادر الأعلى تتحدد على أساس الانفصال بين الكادرين, وأن أقدميته السابقة في درجات الكادر الأدنى لا تؤثر في ترتيب أقدميته بين أقرانه في الكادر الأعلى, بل تتحدد في هذا الكادر الأخير على أساس اعتباره معيناً فيه تعييناً جديداً, أما إذا كان النقل مترتباً على نقل الوظيفة بدرجتها من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى بناء على ما رؤى لصالح العمل ولحسن سير المرفق العام أن طبيعة العملين في الوظيفتين واحدة, فقد يستفاد من نصوص القانون ضمناً أنه قصد الاحتفاظ للموظف - الذي يرى نقله إلى الكادر العالي تبعاً لنقل الوظيفة بدرجتها - بأقدميته فيها, ومن ذلك الحالة التي تنص عليها الفقرة الرابعة من المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951, وهي المضافة بالقانون رقم 586 لسنة 1953 التي تقضي بأنه: "وفي حالة نقل بعض الدرجات من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي بميزانية إحدى الوزارات أو المصالح يجوز بقرار من الوزير المختص نقل الموظف شاغل الدرجة المنقولة من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي في نفس درجته أو تسوية حالته على درجة متوسطة خالية من نوع درجته ومعادلة لها". وحكمة ذلك ظاهرة تقوم على أساس من العدالة والصالح العام؛ لأن نقل الوظيفة بدرجتها قد استدعته حاجة العمل والمصلحة العامة, فتم الاندماج على هذا الأساس وبمراعاة أن الطبيعة كانت واحدة في العملين؛ ولذا صحح الوضع في الميزانية, ولأنه لما كان نقل الوظيفة من الكادر المتوسط إلى الكادر الأعلى لا يستتبع حتماً وبقوة القانون نقل من يقوم بعملها من أحد الكادرين إلى الآخر, فقد لا يكون الموظف صالحاً للقيام بأعمال وظيفة في الكادر العالي سواء من حيث الكفاية أو المؤهل فقد أجيز لكل وزير من وزارته سلطة الترخيص في نقل أو عدم نقل كل موظف نقلت وظيفته بدرجتها إلى الكادر الأعلى؛ ومن ثم فإن الموظف الذي تثبت صلاحيته للنقل إلى الكادر العالي في تلك الوظيفة ينبغي ألا تتأثر أقدميته في الدرجة المنقولة بنقله إلى الكادر العالي, ما دام قد تم ذلك تبعاً لنقل الوظيفة بدرجتها تنظيماً للأوضاع في الوزارة أو المصلحة على الأساس المتقدم, وما دامت جدارة المنقول وأهليته للنقل الذي هو بمثابة التعيين في هذه الوظيفة ذات الطبيعة الواحدة في العمل أمراً ثابتاً. وهذا الحكم الضمني في تحديد الأقدمية المستفاد من الفقرة الأخيرة من المادة 47 - هو حكم استثنائي خاص تقتضيه الأغراض التي استهدفها القانون بإضافة تلك الفقرة؛ يقطع في ذلك أن المشرع يردد دائماً مثل هذا الحكم عند إعادة تنظيم الأوضاع الإدارية تنظيماً من شأنه نقل الوظائف بدرجتها من الكادر الأدنى إلى الكادر الأعلى, كما تم ذلك بالقرار بقانون رقم 310 لسنة 1956 الذي أجاز لوزير التموين أن ينقل بقرار منه أية وظيفة من فئة إلى أخرى أو من نوع إلى آخر بميزانية الوزارة, كما أجاز له نقل الموظف شاغل الدرجة المنقولة إلى الكادر العالي, أو نقل غيره من موظفي الوزارة إلى الدرجة المنقولة إلى الكادر العالي في نفس درجته, بشرط أن يكون حاصلاً على المؤهل اللازم للتعيين في الكادر المنقول إليه, أو تسوية حالته على درجة خالية من نوع درجته ومعادلة لها. وأن تعتبر أقدمية الموظف في الكادر العالي المنقول إليه من تاريخ حصوله على الدرجة المماثلة للدرجة المنقول إليها في ذلك الكادر, وذلك بشرط أن يتفق عمل الوظيفة المنقول إليها مع عمل الوظيفة المنقول منها في طبيعته, وإلا اعتبرت الأقدمية في الكادر المنقول إليه من تاريخ النقل [(1)].
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الأوراق أن نقل المطعون في ترقيتهم من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري قد تم, كما تبين من ديباجة القرارين رقمي 24 و118 الصادرين على التعاقب في 16 من فبراير سنة 1956 و4 من أكتوبر سنة 1956, بالاستناد إلى القانون رقم 586 لسنة 1953 المشار إليه, أي كان نقل كل منهم نتيجة لنقل وظائفهم من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري في ديوان الموظفين, فإنهم يحتفظون, والحالة هذه, بأقدميتهم في الدرجة السادسة الكتابية, بعد إذ ثبتت جدارتهم لنقلهم إلى الكادر الإداري.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه, فيتعين إلغاؤه, والقضاء بقبول الدعوى، ثم برفضها موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبقبول الدعوى, وبرفضها موضوعاً, وألزمت المدعي بالمصروفات.
[(1)] راجع مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا, السنة الثالثة, بند 177, صفحة 1741.