الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 يناير 2023

الطعن 365 لسنة 22 ق جلسة 7 / 6 / 1956 مكتب فني 7 ج 2 ق 95 ص 686

جلسة 7 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف المستشارين.

--------------

(95)
القضية رقم 365 سنة 22 القضائية

(أ) نقض. طعن. ميعاد الطعن. دفع. محاماة. 
الدفع بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد. الاستناد في تاريخ إعلان الطاعن بالحكم المطعون فيه إلى عبارة في تقرير الطعن بشأن هذا التاريخ. خلو توكيل المحامي الذي قرر بالطعن من التفويض بالإقرار. نفي محامى الطاعن الحاضر بالجلسة حصول إعلان موكله بالحكم في هذا التاريخ. دفع في غير محله.
(ب) مرض الموت. 
تأثير المرض تأثيرا ظاهرا في حالة المريض النفسية أو مساسه بادراكه. عدم اشتراط ذلك لاعتبار المرض مرض موت.
(جـ) مرض الموت. إثبات. 
وفاة المريض على فراش مرضه بالمستشفى بالتهاب رئوى بعد عملية جراحية أجريت له. لا ينفى أنه كان مريضا مرض الموت قبل دخوله المستشفى. رفض طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات مرضه بالسرطان قبل دخوله المستشفى بثلاثة أشهر. غير سائغ.

---------------
1 - العبارة الواردة في تقرير الطعن بشأن تاريخ إعلان الطاعن بالحكم المطعون فيه سواء اعتبرت بيانا من الطاعن لواقعة من وقائع الدعوى أو إقرارا فهي في الحالين غير ملزمة له إلزاما لا يستطيع دفعه، إذ أن الطاعن في الصورة الأولى يستطيع أن يصححها بمجرد قوله، وإن اعتبرت إقرارا لزم أن يكون المقر بها مفوضا بالإقرار، فإذا تبين من التوكيل الصادر من الطاعن إلى المحامي الذي قرر بالطعن أنه لم يرد به تفويض بالإقرار فلا يكون هناك محل للدفع بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد استنادا إلى هذه العبارة ما دام محامى الطاعن الحاضر بجلسة المرافعة نفى حصول الإعلان لموكله في ذلك التاريخ.
2 - لا يشترط لاعتبار المرض مرض موت أن يكون المرض قد أثر تأثير ظاهرا في حالة المريض النفسية أو وصل إلى المساس بإدراكه.
3 - ثبوت وفاة المريض على فراش مرضه في المستشفى بالتهاب رئوي بعد العملية الجراحية التي أجريت له لا ينفي حتما أنه كان مريضا مرض موت قبل دخوله المستشفى إذ قد يكون هذا السبب الأخير من مضاعفات المرض ولا يسوغ رفض الاستجابة إلى طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات أنه كان مريضا بالسرطان قبل دخول المستشفى بثلاثة أشهر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع الطعن - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن الأول وشقيقته صوفيه مورثة الطاعن الثاني عن نفسه وبصفته أقاما الدعوى رقم 648 لسنة 1949 كلى مصر على المطعون عليها بصفتيها وقالا في صحيفتها إن والدهما المرحوم بطرس عبد الملك حرر عقد بيع جعل تاريخه 13/ 4/ 1940 إلى زوجته المطعون عليها وأولاده منها القصر عن 32 ف و11 ط و9 س موضحة الحدود والمعالم بالعقد وبالثمن المقرر فيه وإنها استصدرت قرارا من المحكمة الحسبية بسلب ولاية زوجها عن أولادها القصر والمشترين معها وبتعيينها وصيا للخصومة عن هؤلاء القصر كما استصدرت بعد ذلك حكما بإثبات صحة هذا العقد في الدعوى رقم 262 لسنة 1948 كلى بنى سويف - ولأن هذا العقد صوري لأنه رغم إعطائه تاريخا في سنة 1940 فإن المورث ظل واضعا يده على هذه المساحة حتى يوم وفاته في 1948 ينتفع بها لحسابه الخاص ويسدد عنها أقساط البنك المرتهن لها وأن المطعون عليها رغم صدور العقد لها لم ترفع دعوى صحة التعاقد إلا في 30/ 6/ 1948 وصدر الحكم لمصلحتها في 25/ 9/ 1948 ثم سارعت في سحب صورة الحكم التنفيذية وأعلنتها في 29/ 9/ 1948 وهو يوم وفاة المورث ثم طلبا الحكم ببطلان العقد لأنه مشوب بالصورية المطلقة وبجلسة 12/ 12/ 1949 طعن الطاعنان في العقد بصدوره في مرض الموت (سرطان في الشرج) وطلبا أخيرا الحكم ببطلان عقد البيع المذكور واعتباره كأن لم يكن وإلغاء التسجيلات المترتبة عليه وبثبوت ملكيتهما إلى نصيبهما في المساحة المبيعة 12 ف و3 ط و12 س وتسليمه إليهما مع كف منازعة المدعى عليها بصفتيها مع المصروفات والأتعاب ألخ. وفى 28/ 12/ 1950 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المدعيان هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة (304 سنة 68 ق) وطلبا قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم لهما بطلباتهما الأصلية. وبجلسة 14/ 6/ 1952 حكمة المحكمة بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في قلم كتاب هذه المحكمة في 26/ 8/ 1952 أعلن إلى المطعون عليها في 28/ 8/ 1952 وبجلسة المرافعة دفعت المطعون عليها بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد بالنسبة للطاعن الأول لأن الحكم أعلن إليه باعترافه في تقرير الطعن في 22/ 7/ 1952 ولكنه لم يقرر بالطعن على ما سلف القول إلا في 26/ 8/ 1952 بعد فوات الثلاثين يوما المحددة للطعن في المادة 428 مرافعات.
(عن الدفع):
ومن حيث إن هذا الدفع في غير محله. ذلك لأن المطعون عليها لم تقدم الدليل على أن الحكم المطعون فيه أعلن للطاعن الأول 22/ 7/ 1952 ولا يجديها بعد ذلك التمسك بما ورد في تقرير الطعن من أن الطاعن الأول أعلن في ذلك التاريخ، فأغناها بذلك عن تقديم الدليل عليه. ذلك أن وكيل الطاعن المذكور الحاضر بجلسة المرافعة نفى حصول الإعلان لموكله في هذا التاريخ، وذكر أن ما ورد في تقرير الطعن في هذا الخصوص إنما كان خطأ ماديا من الوكيل السابق الذي ما كان توكيله يحوى تفويضا خاصا بالإقرار. وفى هذا الذي يقرره الطاعن ما يكفى لرفض هذا الدفع. ذلك أن العبارة التي وردت في تقرير الطعن سواء اعتبرت بيانا من الطاعن لواقعة من وقائع الدعوى أو إقرارا فهي في الحالين غير ملزمة له إلزاما لا يستطيع دفعه إذ أن الطاعن في الصورة الأولى يستطيع أن يصححها بمجرد قوله - وإن اعتبرت إقرارا لزم أن يكون المقر بها مفوضا بالإقرار، ويبين من التوكيل الصادر من الطاعنين إلى المحامي الذي قرر الطعن أنه لم يرد به تفويض بالإقرار. ولذلك يتعين رفض الدفع.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية. ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه قصورا في التسبيب يؤدى إلى بطلان الحكم من عدة وجوه: الوجه الأول - استخلص الحكم عدم صدور العقد في مرض الموت من المصادر الآتية: ( أ ) أن العقد يعتبر ثابت التاريخ من تاريخ الطلب الذي قدمته المطعون عليها لمحكمة بنى سويف الحسبية في 13/ 6/ 1948. (ب) إن المورث لم يكن في هذا التاريخ مريضا بمرض الموت كدلالة شهادة المستشفى المؤرخة 4/ 11/ 1948 وقد جاء فيها أنه أدخل المستشفى في 29/ 6/ 1948 ومكث به حتى توفى في 29/ 9/ 1948 وكان مصابا بالتهاب غلغمونى في الشرج وأجريت له جراحة في 30/ 6/ 1948 وكانت حالته جيدة عقب العملية غير أنه أصيب بالتهاب رئوي في 25/ 9/ 1948 توفى على أثره في 29/ 9/ 1948 وكان طيلة إقامته بالمستشفى في حالة ذهنية وعقلية جيدة. (جـ) الكتاب المنسوب للمورث الذي بعث به إلى محاميه الأستاذ قسطندي برسوم في 14/ 9/ 1948 يطلب إليه الحضور عنه بجلسة 18/ 9/ 1948 لإعطاء الإقرار اللازم نيابة عنه. وكل هذه المصادر لا تؤدى عقلا إلى استخلاص واقعة انعدام صدور العقد في مرض الموت على ما قال به الحكم للأسباب الآتية: أولا - لو فرض جدلا أن طلب 13/ 6/ 1948 إلى المحكمة الحسبية قد أعطى العقد تاريخا ثابتا فإن المقطوع به أن المورث أصيب بالمرض الذي انتهى بوفاته قبل دخوله المستشفى بثلاثة شهور ولما عجز الأطباء عن شفائه قرروا إجراء عملية جراحية له لوضع حد لآلامه فدخل المستشفى الإيطالي في 29/ 6/ 1948 وبقى به حتى وفاته في 29/ 9/ 1948، وثابت من شهادة المستشفى أنه كان مصابا بالتهاب غلغمونى بالشرج وكانت حالته عقب العملية جيدة غير أنه أصيب في 25/ 9/ 1948 بالتهاب رئوي توفى على أثره ولم يكن هذا الالتهاب الرئوي إلا نتيجة مرضه وضعفه. ثانيا - إن الثابت أن حالة المرض التي دخل المورث من أجلها المستشفى منعته من مغادرته ومن مزاولة أعماله واستمر كذلك حتى وفاته. ثالثا - لا يشترط في مرض الموت أن يكون المريض به في حالة ذهنية أو عقلية غير سليمة. رابعا - إن المورث حرر العقد قبيل دخوله المستشفى بأيام في وقت كان يشعر فيه بدنو أجله. خامسا - إن خطاب المورث للأستاذ قسطندى برسوم المحامي في 14/ 9/ 1948 لا يؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم. سادسا - إن ظروف تحرير العقد من عدم ذكر أساس ملكية البائع ومن صورية الثمن ومن التعجل في رفع الدعوى والإجراءات السريعة فيها تقطع في أن العقد حرر من المورث في وقت كان يشعر هو المطعون عليها بدنو أجله ولما صدر الحكم أعلنته به في بنى سويف في يوم وفاته إلى المستشفى مما لم تكن تجهله. الوجه الثاني - طلب الطاعن الأول في مذكرته بجلسة التحضير (1/ 4/ 1952) إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات حقيقة نوع المرض الذي أدخل المستشفى للمعالجة منه والذى توفى بسببه وكذلك ندب الطبيب الشرعي للاطلاع على أوراق المستشفى لمعرفه نوع المرض وتطوراته إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب بأسباب لا تصلح للرد عليه - فضلا عن أن الحكم خلط في أسبابه خلطا يجعلها في حكم العدم إذ خلط بين تصرفات المريض مرض الموت وبين تصرفات عديم الأهلية أو قاصرها فاشترط على خلاف القانون أن يكون المتصرف غير كامل الأهلية ولا سليم الإدراك مع اختلاف الحكم في الحالتين. ثم ردد الطاعنان هذا السبب في عبارات لا تخرج عما سبق إثباته وجعلاه سببا ثانيا للطعن. وأكد أن المورث كان مريضا بالسرطان وقد أضعف صحته بدرجة جعلته لا يحتمل الالتهاب الرئوي الذي أصابه في المستشفى وعجل بوفاته. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى الدائرة المدنية وقد انضمت النيابة العمومية في مذكرتها إلى الطاعنين وطلبت نقض الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه استند في قضائه بأن المورث لم يكن وقت تحرير العقد المطعون فيه مريضا مرض موت على شهادة المستشفى الإيطالي مقررا أنه وضح في تلك الشهادة أن المورث كان بعد إجراء العملية الجراحية له بحالة جيدة وأنه كان طول فترة إقامته بالمستشفى حتى ساعة وفاته في حالة ذهنية وعقلية جيدة وطبيعية وإنه توفى إثر إصابته بالتهاب رئوي قبل وفاته بأربعة أيام - وأنه لذلك لا يمكن القول إن المورث كان قبل دخوله المستشفى ووقت تحرير العقد مريضا مرض موت. ويكون الطعن على العقد لهذا السبب على غير أساس دون حاجة إلى تحقيق ما أثاره الطاعنان من أن المورث كان مريضا بالسرطان - هذا الذي اعتمد عليه الحكم المطعون فيه في قضائه قد شابه فهم قانوني غير سليم لمعنى مرض الموت فضلا عن أن ما أقيم عليه قد شابه القصور ولا يؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها من نفى مرض الموت ولا يسوغ رفض الاستجابة إلى طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات أن المورث كان مريضا بالسرطان قبل دخوله المستشفى بثلاثة شهور - ذلك لأنه لا يشترط لاعتبار المرض مرض موت أن يكون المرض كما توهم عبارة الحكم المطعون فيه أثر تأثيرا ظاهرا في حالة المريض النفسية أو وصل إلى المساس بإدراكه كما أن الحكم المطعون فيه لم يعن ببحث حالة الموت قبل دخوله المستشفى - كما أن ثبوت وفاة المورث على فراش مرضه في المستشفى بالتهاب رئوي بعد العملية الجراحية التي أجريت له لا ينفى حتما أن المورث كان مريضا مرض موت إذ قد يكون هذا السبب الأخير من مضاعفات المرض - وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قاصر البيان قصورا يعيبه ويبطله.

الطعن 156 لسنة 25 ق جلسة 11 / 6 / 1959 مكتب فني 10 ج 2 ق 72 ص 476

جلسة 11 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد محمود عياد المستشار: وبحضور السادة: محمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحسن العباسي، ومحمود القاضي المستشارين.

---------------

(72)
الطعن رقم 156 لسنة 25 القضائية

(أ) نقض "تقرير الطعن" "التوكيل في الطعن". محاماة "توكيل المحامي".
وجوب أن يكون المحامي الذي يقرر الطعن بالنقض موكلاً عن الطاعن وإلا كان الطعن باطلاً. م 429 مرافعات.
(ب، ج) مرض الموت "تحديده". محكمة الموضوع. حكم "تسبيب معيب".
العبرة في اعتبار المرض الذي يستطيل عن سنة مرض موت هو بحصول التصرف خلال فترة تزايده واشتداد وطأته على المريض وانتهائه بالوفاة. أخذ تصديق البائعة على البيع يوم وفاتها بمنزلها وقبل أن يتم كاتب التصديقات مأموريته. بذاته لا يدل على تزايد المرض في الفترة التي حصل فيها التصرف. استناد الحكم إلى ذلك وإلى ظروف الدعوى دون تبيانها. قصوره.

----------------
1 - توجب المادة 429 من قانون المرافعات أن يكون المحامي الذي يقرر الطعن بالنقض موكلاً عن الطالب وإلا كان الطعن باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه - فإذا كان الثابت أن المحامي المقرر بالطعن بطريق النقض لم يقدم ما يثبت وكالته عن إحدى الطاعنتين فإن التقرير بالطعن عنها يكون باطلاً لصدوره من غير ذي صفة.
2 - العبرة في اعتبار المرض الذي يطول أمده عن سنة مرض موت هي بحصول التصرف خلال فترة تزايده واشتداد وطأته على المريض للدرجة التي يغلب فيها الهلاك وشعوره بدنو أجله ثم انتهاء المرض بالوفاة.
3 - إذا كان يبين من أسباب الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع استخلصت اشتداد وطأة المرض وتزايده على البائعة من ظروف الدعوى وملابساتها ومن إقدام زوج البائعة والمشتري منها على أخذ تصديقها على البيع يوم وفاتها بمنزلها وقبل أن يتم كاتب التصديقات مأموريته - ولما كان الظرف الأخير لا يدل بذاته على تزايد المرض واشتداد وطأته على البائعة في الفترة التي حصل فيها التصرف كما لا يدل عليه أيضاً مجرد إشارة المحكمة إلى ظروف الدعوى وملابساتها دون بيان لهذه الظروف والملابسات - فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى القول بأن العقد محل الدعوى صدر من البائعة وهي في مرض الموت يكون قد عاره قصور في التسبيب يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليهما الأولين السيدة منا بسطورس وغبريال برسوم بصفته أقاما الدعوى رقم 311 سنة 1946 مدني كلي الفيوم على الطاعن الأخير وعلى مورث باقي الطاعنين وقالا في بيان دعواهما إن مورثتهما المرحومة ثريا غبريال كانت قد أصيبت بمرض الروماتزم في القلب وظل المرض يشتد يوماً بعد يوم حتى أدى إلى وفاتها في أول مارس سنة 1954 وأن زوجها كامل طنيوس "المطعون عليه الأخير" لما شعر بأن وفاة زوجته أصبحت أمراً محتوماً رأى أن يستأثر بأموالها منتهزاً فرصة قصرها من ناحية ومرضها من ناحية أخرى ودفعها إلى تحرير عقد بيع عرفي مؤرخ 14/ 10/ 1944 لصالح ميهوب محمد محمود الطاعن الأخير والمرحوم عبد الواحد سليم مورث باقي الطاعنين وهو تصرف باطل لأنه فضلاً عن صدوره من قاصر فقد صدر في مرض الموت، وقد توفيت المورثة عن ورثتها الشرعيين وهم والدتها منا بسطورس "المطعون عليها الأولى" وأخوتها لأمها المشمولين بولاية والدهم غبريال برسوم "المطعون عليه الثاني" وعن زوجها كامل طنيوس عبد المسيح "المطعون عليه الأخير" وتركت ما يورث عنها شرعاً أطياناً زراعية مقدارها 41 ف و16 ط بناحية الشواشنة مركز أبشواي فيوم وحصة قدرها 12 ط من 24 ط على الشيوع في منزل كائن بناحية المنزلة مركز أبشواي ثم عن منقولات منزلية ومصوغات قيمتها 400 جنيه وأنه بتقسيم هذه التركة على الورثة يخص الزوج النصف ويخص المدعين النصف إذ لم تترك المورثة فرعاً وارثاً، وطلب المدعيان الحكم أولاً - بتثبيت ملكيتهم إلى 20 ف و20 ط شيوعاً في 41 ف و16 ط وإلى 6 ط من 24 ط شيوعاً في المنزل. ثانياً - بإلزام المدعى عليه الأول "كامل طنيوس" بأن يدفع لهما بصفتهما مبلغ 200 جنيه قيمة نصيبهما في المنقولات والمصوغات المتروكة عن الورثة. وقد دفع الطاعنون هذه الدعوى بأنهم اشتروا 28 ط و16 ط من المورثة بمقتضى العقد العرفي المؤرخ 14/ 10/ 1944 وتم إعداد وتحرير العقد النهائي بمصلحة المساحة وتأشر عليه بختم "صالح للشهر" في 22/ 2/ 1945، ووقع عليه فعلاً من نفس البائعة أمام كاتب التصديقات في 1/ 3/ 1945 ولم تتم الإجراءات بسبب الغيبوبة التي أصابتها قبل إتمام الإجراءات وأنهم رفعوا بعد ذلك دعوى صحة التوقيع رقم 274 سنة 1946 كلي الفيوم ضد المطعون عليهم وقضى فيها لصالحهم. وفي 15/ 12/ 1948 قضت محكمة الفيوم الابتدائية تمهيدياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعيان أن مورثتهما المرحومة ثريا غبريال اعتراها المرض قبل وفاتها بمدة يدخل في نطاقها تاريخ العقد المطعون فيه، وأن هذا المرض أقعدها عن مباشرة شؤونها ولازمها حتى انقضى بوفاتها... إلخ. وفي 25/ 5/ 1945 حكمت بندب مكتب خبراء الفيوم لبيان ما تركه المورث الأصلي المرحوم غبريال عبد الله من أطيان ومنازل ثم بيان ما خص ابنته المرحومة ثريا بالميراث في تركته... إلخ، وبتاريخ 23 من إبريل سنة 1954 حكمت حضورياً أولاً - بتثبيت ملكية المدعين إلى 13 ف 22 ط 6 س مشاعة في 41 ف 19 ط 12 س مبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى وتقرير الخبير والتسليم. ثانياً - ملكية المدعين إلى حصة مقدارها 6 ط من 24 ط شائعة في المنزل المبين الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى والتسليم. ثالثاً - وبإلزام المدعى عليه الأول "كامل طنيوس" بأن يدفع للمدعين 200 جنيه قيمة حصتهما في المنقولات والمصروفات. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 318 سنة 70 ق وطلبوا قبوله شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى 13 ف 3 ط 12 س قيمة الباقي من التركة بعد استبعاد الـ 28 فداناً و16 قيراطاً المبيعة لهم ورفض دعوى المستأنف عليهما فيما زاد عن هذا القدر. وفي 24/ 5/ 1954 قضت محكمة الاستئناف قبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لسماع أقوال الطبيبين رشدي صادق وأديب فام ومن يرى طرفا الخصومة داعياً لسماع أقوالهم عن حالة مرض السيدة ثريا غبريال ومبدئه وتطوراته. وفي 25 من ديسمبر سنة 1954 حكمت برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف. وقد طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21/ 4/ 1959 حيث أصر الطاعنون على طلباتهم وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها التي انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم المطعون فيه فقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وحددت لنظره جلسة 28 من مايو سنة 1959 وفيها أصرت الطاعنون على طلباتهم وصممت النيابة على رأيها سالف الذكر.
ومن حيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للطاعنة الرابعة حميدة عبد الهادي للتقرير به من غير ذي صفة إذ لم يقدم المحامي المقرر توكيلاً صادراً منها يبيح له التقرير بالطعن بطريق النقض نيابة عنها.
ومن حيث إن هذا الدفع صحيح - ذلك أن المادة 429 من قانون المرافعات توجب أن يكون المحامي الذي يقرر الطعن بالنقض موكلاً عن الطالب وإلا كان الطعن باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه - وإذ كان الثابت من الاطلاع على ملف الطعن أن المحامي المقرر بالطعن بطريق النقض لم يقدم ما يثبت وكالته عن السيدة حميدة عبد الهادي إحدى الطاعنين فإن التقرير بالطعن عنها يكون باطلاً لصدوره من غير ذي صفة ويتعين الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة لها.
ومن حيث إن الطعن بالنسبة لباقي الخصوم قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون في السبب الأول على الحكم المطعون فيه أنه بعد أن قرر أنه لم يثبت بصفة قاطعة من التحقيقات التي أجريت في الدعوى أن البائعة كانت في حالة انتكاس أو شدة المرض عند صدور عقد البيع العرفي منها في 14/ 10/ 1944 عاد وقرر أنه يستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ومن أقدام زوج البائعة والمشترين منها إلى أخذ تصديقها على البيع في يوم وفاتها أن هذا العقد صدر منها وهي في مرض الموت، فجاء في تقريره الأخير مشوباً بالبطلان لقصور تسبيبه وفساد استدلاله - ذلك أنه لم يبين الظروف والملابسات التي استخلص منها أن المورثة صدقت على العقد وهي في مرض الموت - أما تحديد يوم أول مارس سنة 1945 للتوقيع على العقد النهائي فكان أمراً مقرراً قبل هذا التاريخ بعدة شهور أي منذ تحرير العقد الابتدائي في 14/ 10/ 1944 - وقد كان في استطاعة الطاعنين لو أن وطأة المرض قد اشتدت على البائعة أن يعملوا على إتمام توقيع البائعة لهم غداة بلوغها سن الرشد في 13/ 2/ 1945 أو في يوم 22/ 2/ 1945 بعد التأشير على العقد بختم "صالح للشهر" وأما حصول الوفاة يوم التوقيع على العقد فلا يعدو أن يكون من المصادفات السيئة التي تحدث كثيراً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد بأسبابه في هذا الخصوص ما يأتي: - "وحيث إنه وإن كان لم يثبت بصفة قاطعة من التحقيقات التي أجريت في الدعوى أن تلك البائعة كانت في حالة انتكاس أو شدة المرض عند صدور عقد البيع العرفي منها في 14/ 10/ 1944 إلا أن المحكمة تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ومن إقدام زوج البائعة والمشترين منها إلى أخذ تصديقها على البيع في يوم وفاتها بل في اللحظة التي فاضت فيها روحها أقام كاتب التصديقات بمنزلها من قبل إتمامه مأموريته أن مرضها في الفترة الأخيرة من حياتها قد اشتد عليها للدرجة التي يغلب فيها الهلاك عادة وشعرت بدنو أجلها ولم تكن هي ولا زوجها الوصي عليها قد استأذنا المجلس الحسبي في البيع السابق صدوره منها وهي قاصر فأرادت أن تجيزه وهي في تلك الحالة التي أشرفت فيها على الموت فعاجلتها المنية قبل أن يتم كاتب التصديقات مأموريته ومن ثم فلا شك أن تلك الأجازة بالبيع قد صدرت منها وهي في مرض الموت فعلاً كما انتهت إلى ذلك محكمة أول درجة".
ومن حيث إن العبرة في اعتبار المرض الذي يطول أمده عن سنة مرض موت هي بحصول التصرف خلال فترة تزايده واشتداد وطأته على المريض للدرجة التي يغلب فيها الهلاك وشعوره بدنو أجله ثم انتهاء المرض بالوفاة، ولما كان يبين من أسباب الحكم المطعون فيه السابق الإشارة إليها أن محكمة الموضوع استخلصت اشتداد وطأة المرض وتزايده على البائعة من ظروف الدعوى وملابساتها ومن إقدام زوجة البائعة والمشترين منها على أخذ تصديقها على البيع يوم وفاتها بمنزلها وقبل أن يتم كاتب التصديقات مأموريته، ولما كان مجرد وفاة البائعة بمنزلها في اليوم الذي تحدد للتوقيع على عقد البيع النهائي بعد تحضيره بمصلحة المساحة وقبل أن يتم كاتب التصديقات مأموريته لا يدل بذاته على تزايد المرض واشتداد وطأته على البائعة في الفترة التي حصل فيها التصرف، كما لا يدل عليه أيضاً مجرد إشارة المحكمة إلى ظروف الدعوى وملابساتها دون بيان لهذه الظروف والملابسات، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد عاره قصور في التسبيب يستوجب نقضه دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 425 لسنة 25 ق جلسة 23 / 6 / 1960 مكتب فني 11 ج 2 ق 68 ص 432

جلسة 23 من يونيه سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحسن العباس، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.

----------------

(68)
الطعن رقم 425 سنة 25 القضائية

(أ) خبير "رأي الخبير".
الاستعانة بكبير الأطباء الشرعيين للاستنارة برأيه في أمر محل خلاف بين الأطباء لا يعد تنحياً من المحكمة عن وظيفتها. رأيه وغيره خاضع لتقديرها.
(ب) محكمة الموضوع. مرض موت. حكم "عيوب التدليل" "القصور" "ما لا يعد كذلك".
سلطتها في تقدير أن المورث لم يكن مسلوب الإرادة ولا مريضاً مرض الموت وقت صدور التصرف. ما استخلصته لا يخالف الوقائع الثابتة ويتضمن الرد الكافي على ما أثاره الطاعن. النعي بالقصور. في غير محله.
(ج) محكمة الموضوع. صورية. وصية. حكم "عيوب التدليل" "القصور" "ما لا يعد كذلك".
تقديرها بسلطتها الموضوعية أن عقد البيع الصادر من المورث لابنه جدي لا صورية فيه. ردها على دفاع الطاعن واعتبارها لأسباب سائغة أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى تمليك الابن الأطيان موضوع التصرف في الحال وإن تراخى تسليمها إلى ما بعد الوفاء بالثمن. النعي بالقصور. في غير محله.

---------------
1 - إذ ا كان الأمر محل خلاف كبير بين الأطباء فإن استعانة المحكمة بكبير الأطباء الشرعيين للاستنارة برأيه لا يعد تنحياً منها عن وظيفتها - بل هو من إطلاقاتها وهذا الرأي وغيره يخضع في النهاية لتقديرها.
2 - إذا كانت المحكمة قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية في التقدير أن المورث لم يكن مسلوب الإرادة ولا مريضاً مرض الموت وقت صدور التصرف ولذلك فإنه يأخذ حكم تصرف السليم، وكان ما استخلصته في هذا الشأن لا يخالف الوقائع الثابتة التي استندت إليها وتضمنت الرد الكافي على ما أثاره الطاعنون، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في القانون والقصور يكون في غير محله.
3 - إذا كانت المحكمة في حكمها المطعون فيه بعد أن استظهرت أقوال الشهود إثباتاً ونفياً، واستعرضت شروط التعاقد - قدرت بسلطتها الموضوعية أن العقد جدي لا صورية فيه ورأت أن الادعاء بذلك لا تسمح به ظروف التعاقد ولا مركز الطرفين، ثم استطردت إلى دفاع الطاعنين المتضمن عدم مقدرة الابن على الشراء وأن العقد غير منجز بسبب عدم وضع يد المشتري وأنه وصية عملاً بالمادة 917 مدني - فردت عليه واعتبرت للأسباب السائغة التي أوردتها أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى تمليك الابن الأطيان موضوع التصرف في الحال وإن تراخى تسليمها إلى ما بعد الوفاء بالثمن، فإن النعي على حكمها المطعون فيه بالقصور وبمخالفة القانون يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أنه على أثر وفاة المرحوم محمد بك فهمي الريدى في 27/ 9/ 1947 أقام ولده الدكتور أحمد فتحي الريدى المطعون عليه الثاني الدعوى 92 سنة 1948 كلي مصر على باقي الورثة من طاعنين ومطعون عليهم بطلب الحكم بإثبات صحة التعاقد المؤرخ 5 مارس سنة 1941 الصادر إليه من والده ببيع 35 فدان وقد أحيلت هذه الدعوى إلى محكمة المنيا الكلية برقم 339 سنة 1948 كلي لنظرها مع الدعوى 239 سنة 1948 مدني كلي المنيا التي رفعها الطاعنون ضد المطعون عليهم الثلاثة الأول بطلب تعيين حارس قضائي على التركة وتثبيت ملكيتهم إلى أنصبائهم الشرعية وهي 10 ط من 24 ط في الأطيان الزراعية ومقدارها 148 ف والمنزل الكائن ببني مزار والمنقولات وكافة أعيان التركة وكف منازعة المطعون عليهم والتسليم وبطلان عقد 5 مارس سنة 1941 موضوع دعوى صحة التعاقد والعقدين المؤرخين 17 مايو سنة 1947، 3 يونيه سنة 1947 المسجلين لصالح المطعون عليه الثالث والحكم لهم بنصيبهم في ثمن المنقولات وبمبلغ 1137 جنيهاً نصيبهم في الريع من تاريخ وفاة المورث حتى آخر مايو سنة 1948 - وقد ضمت الدعويان وتمسك الدكتور فتحي المطعون عليه الثاني في هذا النزاع بالعقد الصادر له من والده في 5 مارس سنة 1941 متضمناً بيع 35 ف إليه كما تمسك أنور المطعون عليه الثالث بعقدي بيع صادرين له من المورث عن المنزل وعن 65 ف في 17 مايو، 3 يونيه سنة 1947. وطعن المدعون على عقد الدكتور فتحي بالصورية لتحريره بمناسبة زواجه ورغبة في إظهاره بمظهر المالك أمام عروسه وأسرتها لا بقصد تمليكه هذه الأطيان فعلاً ودللوا على ذلك ببخس الثمن وتوقيع والد العروس وشقيقها شاهدين ومعاصرة العقدة لتاريخ الزواج وضآلة جعل المشتري إذ كان والده يدفع له أقساط سيارة اشتراها. كما طعنوا على عقدي أنور بالبطلان المطلق لمرض البائع وفقدان إدراكه وانعدام رضائه منهما وفي العقد الصادر منه أيضاً إلى أنور بتأجير 85 ف عن المدة من يوليه سنة 1947 إلى يوليه سنة 1949، وقدموا للتدليل على المرض شهادات طبية عن شلل نصفي وذبحة صدرية وتصلب في الشرايين وأن التصديق على هذه العقود قد تم بطريق الانتقال إلى منزل البائع. وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها بصفة مستعجلة بتعيين المطعون عليه الأخير حارساً وتمهيداً بإحالة الدعوى إلى التحقيق. وتأيد هذا الحكم استئنافياً وبعد إجراء التحقيق قدم المدعون تقريراً استشارياً من الدكتور عبد العزيز حلمي عن الشهادات الطبية المقدمة في الدعوى وما قرره شهود المدعين وتأثير الأمراض التي كان يعانيها المورث على القوى العقلية وسلطان الإرادة كما قدم المدعى عليهم (المطعون عليهم) تقريراً طبياً مناقضاً. وأصدرت المحكمة الابتدائية حكماً تمهيدياً آخر بندب كبير الأطباء الشرعيين للاطلاع على هذه التقارير وبيان مدى ما ينال إرادة المريض من ضعف جزئي أو كلي. وقدم هذا الأخير تقريره متفقاً مع التقرير الاستشاري المقدم من الطعون عليهم ومتضمناً أن ما جاء بأوراق الدعوى لا يشير إلى أن المورث كان مصاباً بالعته الشيخوخي أو علامات تصلب أوعية المخ بالذات. وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها في 24 من مارس سنة 1953: أولاً - في الدعوى 339 سنة 48 بإثبات صحة التعاقد المؤرخ 5 من مارس سنة 1941 الصادر من محمد بك فهمي الريدى للدكتور أحمد فهمي الريدى متضمناً بيع 35 فداناً بثمن قدره 3500 جنيهاً. ثانياً - في الدعوى 239 سنة 48 بتثبيت ملكية الطاعنين الثلاثة إلى أنصبتهم الشرعية في 49 فداناً و12 قيراطاً و18 سهماً وكف المنازعة والتسليم ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة واستندوا إلى أن الحكم المستأنف قد أخطأ في الواقع وفي القانون. فمن حيث الواقع قد أسقط الحكم بعض الوقائع التي أسفر عنها التحقيق ولم يستوعب أقوال الشهود تماماً فانحرف في النتيجة التي انتهى إليها. ومن حيث القانون قد أخطأ في تكييف عقد 5/ 3/ 1941 الذي لم تتجه نية الطرفين إلى جعله سنداً للتمليك وكان على المحكمة الابتدائية أن لم تقض بهذا أن تنتهي على الأقل إلى اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت يأخذ حكم الوصية وهو ما جرى عليه القضاء من قبل وسجلته المادة 917 مدني جديد. أما العقود التي يتمسك بها أنور فقد صدرت في وقت اشتدت فيه على المورث وطأة المرض ومات على أثر صدورها بأربعة شهور فإذا لم تكن إرادته وقتها قد انعدمت فهي عقود صادرة على الأقل في مرض الموت وتأخذ حكم الوصية. وقد استأنف الطاعنون في الوقت نفسه الحكم التمهيدي الصادر بندب كبير الأطباء الشرعيين طالبين استبعاد تقريره وقيد الاستئناف برقم 421 سنة 70 ق - وأصدرت محكمة الاستئناف حكمها في 13 من إبريل سنة 1954
بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لبعض المنقولات والمواشي وبتسليم نصيب المستأنفين (الطاعنين) فيها عيناً أو نقداً وقدره 479 جنيهاً وبرفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف في خصوص الأطيان والعقارات وباقي المنقولات مع إلزام المستأنفين بالمصروفات - وقد طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وذلك بتقرير في قلم الكتاب بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1955 وعرض الطعن علي دائرة فحص الطعون فأصدرت قرارها في 19 يناير سنة 1960 بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية. وفي الجلسة المحددة أخيراً لنظره صممت النيابة العامة على مذكرتها المتضمنة طلب رفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب اشتمل كل منها على وجوه متعددة.
وحيث إن أول ما ينعى به الطاعنون أن الحكم المطعون فيه قد صور الوقائع على غير صورتها الحقيقية المستمدة من الأوراق وذلك فيما قرره من أن ما شهد به أصدقاء طرفي النزاع لا يعدو أن يكون حديثاً عن صلح لم يتم في حين أن أساس مفاوضات الصلح هو إهدار العقود بسبب الظروف التي صدرت فيها.
وحيث إن هذا النعي مردود بما جاء بأسباب الحكم المطعون فيه من "أن أحداً من الشهود لم يشهد واقعة تحرير العقد المؤرخ 5/ 3/ 1941 الصادر للدكتور أحمد فتحي الريدى وإنما جاءت شهادتهم منصبة على ما قاموا به من مساع في إتمام الصلح وما كان يعرض من جانبهم لإجرائه. وقد كانت المفاوضات الخاصة بذلك تجرى مع الدكتور شفيق على أساس العروض التي تقدم بها هؤلاء الوسطاء ولم ينته الصلح إلى نتيجة ولم يثبت أن الدكتور فتحي ارتضى التنازل من عقده بل يؤخذ من مجموع أقوال الشهود أن سبب إخفاق الصلح يرجع إلى تمسك الدكتور فتحي بالعقد الصادر من والده". ويبين من هذا أن محكمة الموضوع قد استخلصت من أقوال الشهود أن إهدار العقود لم يكن معروضاً من الطرفين كأساس للصلح بل عرضه الطاعن الثاني ورفضه المطعون عليهم فلا صحة لما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في بطلان الإجراءات التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه من عدة أوجه نعى الطاعنون في أولها على المحكمة الابتدائية إخلالها بحقوق الدفاع إذ رفضت التصريح للطاعن الثاني باستخراج شهادة من وزارة الصحة تفيد عدم التصريح لأطباء الامتياز بفتح عيادة.
وحيث إن النعي بما ورد في هذا الوجه غير مقبول لأن الطاعنين لم يقدموا ما يفيد تمسكهم به لدى محكمة الاستئناف. فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة.
وحيث إن الطاعنين ينعون كذلك في هذا السبب بطلان الحكم لأنه أيد الحكم الابتدائي وأقره على تنحي المحكمة عن وظيفتها لكبير الأطباء الشرعيين الذي ندبته ليرجح بين التقريرين الاستشاريين مع اتفاقهما في القول بأن مرجع الحكم على حالة المورث المرضية ومدى تأثيرها على إرادته إنما يكون بما صدر عنه من تصرفات - وذلك من عمل المحكمة - فإذا تخلت المحكمة عن الحكم على هذه التصرفات إلى كبير الأطباء الشرعيين فإنها تكون قد جرت وراء رأي الطب الشرعي في أمر قانوني مما يجعل حكمها مشوباً بالبطلان، كما أن المحكمة قد نصت في منطوق حكمها التمهيدي على إرسال أوراق معينة حددتها إلى كبير الأطباء الشرعيين فجاء تقريره ناقص الأسس التي كان يتعين أن تكون تحت نظره لأن اطلاعه قد اقتصر على محضر تحقيق 6/ 9/ 1949 مع أن هناك محضرين آخرين من محاضر التحقيق سمعت فيهما شهود أدلوا بوقائع خاصة بالحالة المرضية وضعف الإرادة لدى المورث وما كان عليه من إغماء وهلوسة على الباخرة حتى توفى بمجرد وصوله إلى المدينة محمولاً على السيارة وكذلك لم يفصل الحكم المطعون فيه في استئناف الحكم التمهيدي الصادر في 26/ 2/ 1952 بندب كبير الأطباء الشرعيين إذ خلا منطوقه من بيان الرأي في هذا الاستئناف من حيث قبوله أو رفضه شكلاً أو موضوعاً مقتصراً في منطوقه على الفصل في استئناف الحكم الموضوعي ولا يغني عن ذلك تلك العبارات العابرة التي ذكرها عن إرسال أوراق ناقصة إلى كبير الأطباء الشرعيين.
وحيث إن هذه الوجوه بجميع أجزائها مردودة أولاً - بأنه يبين من صورة التقرير الاستشاري المقدم من الدكتور عبد العزيز حلمي أنه بعد أن سرد الأمراض التي كان يعانيها المورث ذكر أن هذه الأمراض لها تأثير على القوى العقلية كسرعة الانفعال واضطراب الذاكرة والتفكير وعدم الاكتراث ويفقد المرضى بها اهتمامهم العادي بإدارة شئونهم ويقل أو ينعدم سلطان المرضى على ضبط عواطفهم وتحصل تخيلات وهلوسة وأن المرضى المتقدمين في السن الضعفاء من أمثال المورث يخشون ممن يقومون بأمرهم ويديرون شئونهم وخدمتهم فينفذون رغباتهم دون مقاومة ويصبح من السهل التأثير عليهم فينقادون إلى أي تصرف يطلب منهم بسبب أن إرادتهم تصبح مقيدة، ويبين من صورة التقرير الاستشاري المقدم من الدكتورين عمارة وبهمان - أن ما ذكر من أعراض نقلاً عن بعض الكتب لا يحصل إلا في الأحوال النادرة التي تتضاعف فيها الشيخوخة بالعته ومثل هذه الأعراض لا تحصل عادة كلها في حالة واحدة بل قد يحصل بعضها في مريض والبعض الآخر في مريض آخر ولذلك لا يمكن القطع بحالة المريض العقلية إلا بفحصه وقد دلت أقوال الشهود وتقارير الأطباء على أن المورث حتى وفاته لم تظهر عليه أعراض العته الشيخوخي أو علامات تصلب أوعية المخ بالذات فلا حالة أوعية الجسم ولا ارتفاع الضغط دليل قطعي على تصلب أوعية المخ وإنما يدل على ذلك تصرفات وأخلاق المريض نفسه وأصر الدكتور عبد العزيز حلمي على رأيه السابق في ملحق تقريره - وقد رأت المحكمة الابتدائية إزاء هذا الخلاف القائم بين الأطباء استطلاع رأي كبير الأطباء الشرعيين فأصدرت حكمها بندبه للاطلاع على التقارير المشار إليها والشهادات الطبية ومحضر التحقيق المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1949 وبيان ما إذا كان من الممكن فنياً ودون الكشف على المريض معرفة تأثير هذه الأمراض التي قيل إن المورث قد أصيب بها على قواه العقلية وعلى إدراكه لما حوله وللتصرفات التي يطلب إليها الموافقة عليها وبيان مدى ما ينال إرادة المريض من ضعف كلي أو جزئي بسببها، لما كان ذلك وكان الأمر كما سبق بيانه محل خلال كبير من الأطباء فإن استعانة المحكمة بكبير الأطباء الشرعيين للاستنارة برأيه لا يعد تنحياً منها من وظيفتها بل هو من إطلاقاتها وهذا الرأي وغيره يخضع في النهاية لتقدير المحكمة.
ومردودة ثانياً: بما أورده الحكم في أسبابه من عدم أخذه بالطعون التي أثارها المستأنفون في خصوص الحكم التمهيدي مما يفيد أن المحكمة قضت بتأييد ذلك الحكم وإن لم يرد بهذا القضاء نص في منطوق حكمها. ومردودة أخيراً: بأنه يبين من الاطلاع على تقريري الدكتور عبد العزيز حلمي المقدمة صورتاهما بملف الطعن واللذين كانا تحت نظر كبير الأطباء الشرعيين أنهما قد اشتملا على ما تضمنته محاضر التحقيق جميعها وعلى ذلك يكون النعي بعدم إرسال محضري التحقيق المشار إليهما في سبب النعي غير منتج.
وحيث إن باقي وجوه الطعن تتعلق بالطعن على عقد 5/ 3/ 1941 الصادر من المورث إلى ولده الدكتور فتحي وعلى العقود الأخرى الصادرة منه في سنة 1947 إلى ولده أنور المطعون عليه الثالث. ويتحصل النعي بالنسبة للعقد الأول في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذا اعتبر هذا العقد هبة في صورة بيع وأنه لذلك يكون عقداً صحيحاً ولو لم يدفع فيه ثمن - مع أن وقائع الدعوى تقطع بصوريته صورية مطلقة إذ أريد به إظهار المطعون عليه الثاني بمظهر المالك، كما أن عقد الهبة الذي يأخذ شكل البيع الصحيح هو الذي يكون منجزاً فيتخلى فيه البائع أو الواهب عن العين ويسلمها إلى المشتري أو الموهوب له.
أما إذا تبين أن المالك ظل واضعاً يده على العين بأي طريقة مدى حياته فلا يكون عقد البيع بهذه الصورة هبة صحيحة في صورة عقد بيع وإنما يكون وصية على أحسن الفروض بالنسبة للمطعون عليه الثاني لأن وضع يد المورث أمر ثابت من نص البند السادس من العقد كما هو ثابت على وجه اليقين من تصرف المورث بتأجير هذه الأرض إلى المطعون عليه الثالث بمقتضى عقد 28 من يوليه سنة 1947، هذا إلى أن الحكم أخطأ فيما قرره من أن المادة 917 مدني لا يسري حكمها على الماضي لأن هذه المادة ليست بحكم مستحدث في القانون بل هي تقنين لما استقر عليه القضاء في هذا الشأن. كما تناولت أوجه النعي تعييب الحكم بالقصور لإيراده وقائع تخالف الثابت في الأوراق. ذلك أن الحكم الابتدائي قد جاء به أن ما قرره أغلب شهود المدعين عن صورية عقد 5 من مارس سنة 1941 إنما كان نقلاً عن الطاعن الثاني بعد وفاة المورث وأن أحداً لم يشهد واقعة تحرير هذا العقد وأن الطاعنين عجزوا عن إثبات الواقعة التي قصد الحكم التمهيدي إلى إثباتها. وهذا يخالف ما شهد به الأستاذ رجائي العشماوي وعبد الحميد صيام وكذلك قول الحكم المطعون فيه أن عقده 5/ 3/ 1941 كان محل احترام من جانب المورث مع أن أجزاء من القدر المبيع دخلت في عقود بيع أخرى عدل عن السيرة فيها كما أن جميع القدر المبيع داخل في عقد الإيجار الصادر من المورث إلى المطعون عليه الثالث في يوليه سنة 1947 - كذلك قال الحكم الابتدائي الذي أحال عليه الحكم المطعون فيه أن الدكتور فتحي تخرج سنة 1928 وكانت له عيادات تدر عليه أموالاً طائلة مع أن الثابت من المستندات أنه تخرج سنة 1933 - وكان في سنة 1941 طبيب امتياز بإقراره في عقد زواجه وكان وقتئذ يطلب معونات مالية من والده بخطابات مقدمة في الدعوى - كما تمثل قصور الحكم في إغفاله الرد على ما أثاره الطاعنون في سبيل التدليل على صورية عقد 5 من مارس سنة 1941 فقد تمسكوا في دفاعهم بأن توقيع والد العروس وشقيقها على ذلك العقد لم يكن له من مبرر إلا الاستيثاق من صدور العقد مما يؤيد أن الغاية منه هي إظهار الدكتور فتحي بمظهر المالك فحسب ولذلك لم يدفع فيه ثمن - بل لقد كان المورث يدفع أقساط السيارة لولده على ضآلتها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن المحكمة في حكمها المطعون فيه بعد أن استظهرت أقوال الشهود إثباتاً ونفياً، وبعد أن استعرضت شروط التعاقد وما فيها من تفصيل قدرت سلطتها الموضوعية أن العقد جدي لا صورية فيه ورأت أن الادعاء بصورية هذا العقد معناه تدبير مؤامرة بين الوالد وولده لإدخال الغش على أصهاره وإظهار الزوج بمظهر المالك الصوري حتى يتم الزواج وهو ما لا تسمح به ظروف التعاقد ولا مركز الطرفين ثم استطردت المحكمة إلى دفاع الطاعنين المتضمن عدم مقدرة الدكتور فتحي على الشراء وأن غير منجز بسبب عدم وضع يد المشتري وإنما هو وصية عملاً بالمادة 17 من القانون المدني الجديد فردت على ذلك بقولها "وإن جاز القول بأن الدكتور فتحي لم يدفع ثمناً - فإن العقد يصبح بالبداهة هبة أفرغت في قالب بيع جدي منجز استوفى شرائطه القانونية وصدرت من المورث لأحد ورثته في حال صحته فهي هبة صحيحة ولا يقدح في ذلك أن يتراخى المشتري في تسجل العقد..." "وحيث إنه فيما يختص بوضع يد البائع على العين المبيعة فالثابت من الاطلاع على عقد البيع أن البائع شرط وضع يده على العين حتى سداد المبلغ الباقي من الثمن ومثل هذا الشرط جائز قانوناً وليس من شأنه أن يقلب عقد البيع إلى وصية - ولا محل لتطبيق المادة 917 من القانون المدني الجديد إذ أنه فضلاً عن أن هذا النص مستحدث في القانون الجديد فإن مجال تطبيقها أن يحتفظ المورث في تصرفه لأحد الورثة بحيازة العين التي تصرف منها مدى حياته. وهذا غير قائم في الدعوى وحق الدكتور فتحي في وضع يده مشروط بسداد الثمن فمرجع الأمر فيه إلى والده البائع وفرق بين الحالين" - وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه يفيد أن محكمة الموضوع اعتبرت للأسباب السائغة التي أوردتها أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى تمليك المطعون عليه الثاني الأطيان موضوع التصرف في الحال - وإن تراخى تسليمها إلى ما بعد الوفاء بباقي الثمن - لما كان ذلك وكانت التصرفات التي يدعي الطاعنون في أوجه النعي بصدورها من المورث لا تتعارض مع ما انتهى إليه الحكم من تحصيل قصد المتعاقدين وقت حصول التصرف على ما سبق بيانه فإن النعي على الحكم بالقصور وبمخالفته القانون يكون على غير أساس.
وحيث إنه بالنسبة لما قضى به الحكم من صحة التصرفات الصادرة من المورث إلى ولده أنور المطعون عليه الثالث فقد نعى الطاعنون بالخطأ في القانون والقصور بتصويره وقائع خاطئة تخالف الثابت في الأوراق هي أن المورث ذهب لأداء فريضة الحج في حالة صحية جيدة وإنه لم يكن مريضاً مرض موت ولم يكن مسلوب الإرادة مع إن الثابت أنه سافر لأداء فريضة الحج محمولاً وأصيب بهلوسة وغيبوبة ونزل من الباخرة محمولاً في سيارة فتوفى أثر وصوله إلى المدينة واستند الطاعنون في التدليل على أن المورث كان مسلوب الإرادة ومريضاً مرض الموت إلى شهادة عدد من الشهود ليسوا محل تجريح وإلى تقريرين من الدكتور عبد العزيز حلمي ولم يعرض الحكم إلى أقوال هؤلاء الشهود وأطرح دفاع الطاعنين ووقف عند شهادة الدكتور العيادي تاركاً غيرها مع أن شهادة الطبيب تحكمها المادة 207 مرافعات على أن شهادة لا تنفي حالة المورث المرضية ولا تنتج في واقعة تسلط إرادة ولده أنور عليه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن المحكمة قد عولت على ما قرره الطبيب المعالج الدكتور العيادي وعلى ما اعتمدته من تقارير الأطباء فقررت أولاً أن الطبيب المعالج شهد بأنه كان يتولى علاج المورث في السنوات الخمس السابقة على الوفاة وكان يشكو مرض السكر وضغط الدم وأصيب بشلل في الوجه وشفي منه وحوالي سنة 1945 أصيب بشلل في العين وشفي منه وفي سنة 1946 أصيب بشلل نصفي يساوي واستمر معه أربعة شهور وشفي منها أيضاً فكان يستطيع المشي والسلام والكلام ولما زاره آخر مرة في مايو سنة 1947 شكا له من السكر والضغط ولم يلحظ عليه مرضاً آخر وقد وقف المورث وسلم عليه بيده اليمنى وكان قد شفي وقتئذ من الشلل وكانت حالة التصلب التي يشكو منها عادية لمن في مثل سنه. ثم قررت المحكمة أن مثل هذا المرض إذا زادت مدته على سنة لا يعتبر مرض موت إلا إذا اشتدت وطأته وهو لا يعتبر كذلك إلا في شدته الطائرة وأن ما تعرض له المورث من مضاعفات كان قد زال وقت صدور التصرفات إلى المطعون عليه الثالث مستندة في ذلك إلى شهادة الطبيب المعالج وإلى شهود النفي وخلصت إلى أن المورث لم يكن صاحب فراش ولم يكن مرضه بمعجز له عن السفر بل كان في حالة صحية وعقلية تسمح له بالسفر، ثم استطردت إلى القول بأنه لو كان الأمر كما يصور الطاعنون لما سمح له أولاده ومنهم طبيبان ومحام بالقيام بتلك الرحلة التي تعجز القادرين وتبهظ الأصحاء وإن الثابت من الأوراق أن وفاة المورث كانت بسبب ضربة شمس ولم يكن لمرضه أي علاقة بالوفاة - وردت المحكمة على القول بأن المورث كان في حالة صحية تعدم إرادته ومتأثراً بتسلط من يلازمه فقررت أنها أخذاً بما جاء بتقرير قسم الطب الشرعي وبما جاء بتقرير الدكتورين عماره وبهمان - لا ترى في تصرفات المورث ما يدل على أعراض لضعف أو مرض عقلي بل هداه تفكيره السليم ومجاراة للوسط الذي يعيش فيه أن يخص ابنه الذي يتولى زراعة أطيانه بجزء من الأطيان وبالمنزل حتى يضمن له الاستقرار في البلد الذي تقع به أطيانه - ويبين من هذا أن المحكمة قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية في التقدير أن المورث لم يكن مسلوب الإرادة ولا مريضاً مرض الموت وقت صدور هذه التصرفات ولذلك فإنها تأخذ حكم تصرفات السليم وما استخلصته المحكمة في هذا الشأن لا يخالف الوقائع الثابتة التي استند إليها الحكم ويتضمن الرد الكافي على ما أثاره الطاعنون ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله.

الطعن 26 لسنة 29 ق جلسة 26 / 3 / 1964 مكتب فني 15 ج 1 ق 66 ص 395

جلسة 26 من مارس سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ محمود القاضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وحافظ محمد بدوي، وصبري فرحات.

----------------

(66)
الطعن رقم 26 لسنة 29 القضائية

)أ) نقض. "إجراءات الطعن". "إيداع المستندات".
عدم الالتفات إلى ما يقدمه الطاعن من مستندات بعد إحالة الطعن من دائرة الفحص.
)ب) مرض الموت. "تحديده".
لا يشترط في مرض الموت لزوم صاحبه الفراش على وجه الاستمرار والاستقرار بل يكفي أن يلازمه وقت اشتداد العلة به، كما لا يشترط فيه أن يؤثر على سلامة إدراك المريض أو ينقص من أهليته للتصرف.
)ج) وارث. "الطعن في تصرفات المورث". مرض الموت. "تحديده". وصية.
حق الوارث في مال مورثه لا يظهر في الوجود إلا بعد وفاة المورث. عدم اعتبار المرض مرض موت إلا إذا انتهى بموت صاحبه. وجود المتصرف على قيد الحياة يمنع وارثه من المنازعة في العقود الصادرة منه على أساس صدورها في مرض الموت أو أنها تخفى وصايا.
(د) أهلية "عوارض الأهلية". "توقيع الحجر". حكم. عيوب التدليل". "الفساد في الاستدلال". "ما يعد كذلك".
ما يعني المحكمة الحسبية وهي تحقق طلب الحجر هو التحقق من قيام عارض من عوارض الأهلية يستوجب الحجر. انحصار مهمتها في حالة مرض المطلوب الحجر عليه في بحث مدى تأثير هذا المرض على أهليته ولا تتعداها إلى التثبت من نوع المرض ومبلغ خطورته. استدلال الحكم على سلامة المورث من مرض الموت بخلو محضر انتقال هيئة المحكمة الحسبية مما يشير إلى أنها لاحظت على المورث أعراض مرض السرطان وآلامه. استدلال فاسد.
(هـ) حكم. "عيوب التدليل". "الفساد في الاستدلال". "ما يعد كذلك".
عدم جواز القضاء في المسائل الفنية بعلم المحكمة. وجوب الرجوع إلى أهل الخبرة. عدم إفصاح الحكم عن المصدر الذي استقى منه أن الورم الذي وجد بقدمي المورث لا علاقة له بسرطان الكلية وأنه وليد زلال أو تعب في القلب. صدور ذلك عن علم شخص بالشئون الطبية. فساد الاستدلال.
(و) إثبات. "تقدير الدليل". محكمة الموضوع.
سلطة قاضي الموضوع في تقدير أقوال الشهود حسبما يطمئن إليه وجدانه، لمحكمة النقض التدخل إذا ما صرح القاضي بأسباب عدم اطمئنانه وكانت هذه الأسباب مبنية على ما يخالف الثابت في الأوراق أو على تحريف لأقوال الشهود أو الخروج بها عن مدلولها.

----------------
1 - لا يصح الالتفات إلى ما يقدمه الطاعن من مستندات بعد إحالة الطعن من دائرة الفحص لعدم تقديم هذه المستندات تقديماً صحيحاً في المواعيد المحددة لذلك (1).
2 - لا يشترط في مرض الموت لزوم صاحبه الفراش على وجه الاستمرار والاستقرار بل يكفي أن يلازمه وقت اشتداد العلة به. كما لا يشترط فيه أن يؤثر على سلامة إدراك المريض أو ينقص من أهليته للتصرف. ومن ثم فإن ذهاب المورث إلى المحكمة وإقراره بصحة توقيعه على العقود المطعون عليها لا يمتنع معه اعتبار مرضه مرض موت كان شديداً يغلب فيه الهلاك وانتهى فعلاً بموته.
3 - حق الوارث في مال مورثه لا يظهر في الوجود ولا يكون له أثر إلا بعد وفاة المورث. كما أن المرض لا يمكن اعتباره مرض موت إلا إذا انتهى بموت صاحبه مما لا يتأدى معه معرفة أن المرض من أمراض الموت إلا بتحقق هذه النتيجة. ومن ثم فما دام المتصرف كان ما يزال حياً فإنه ما كان يقبل من الوارث أية منازعة في العقود المطعون عليها تقوم على صدورها في مرض موت المتصرف أو على أنها تخفي وصايا.
4 - ما يعني المحكمة الحسبية وهي تحقق طلب الحجر هو التحقق من قيام عارض من عوارض الأهلية التي تستوجب الحجر، وفي حالة مرض المطلوب الحجر عليه تنحصر مهمتها في بحث مدى تأثير هذا المرض على أهليته ولا تتعدى ذلك إلى التثبت من نوع المرض ومبلغ خطورته وإثبات ما لاحظته من أعراضه ومن ثم فإن استدلال الحكم على سلامة المورث من مرض الموت بخلو محضر انتقال هيئة المحكمة الحسبية مما يشير إلى أنها لاحظت على المورث أعراض مرض السرطان وآلامه يكون استدلالاً فاسداً.
5 - لا يجوز للمحكمة أن تقضى في المسائل الفنية بعلمها بل يجب الرجوع فيها إلى رأى أهل الخبرة. وإذن فمتى كان الحكم لم يفصح عن المصدر الذي استقى منه ما قرره من أن الورم الذي كان بقدمي المورث لا علاقة له بسرطان الكلية وأنه وليد زلال أو تعب في القلب وكانت هذه المعلومات لا تعتبر من قبيل الشئون العامة المفروض علم الكافة بها وإنما من المعلومات الفنية التي لا تتوافر لغير أهل الخبرة من الأطباء فإنه لا يجوز بناء حكم عليها إذا كانت صادرة عن علم شخصيي للقاضي.
6 - أنه وإن كان لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في تقدير أقوال الشهود حسبماً يطمئن إليه وجدانه، إلا أن لمحكمة النقض أن تتدخل إذا ما صرح القاضي بأسباب عدم اطمئنانه وكانت هذه الأسباب مبنية على ما يخالف الثابت في الأوراق أو على تحريف لأقوال الشهود أو الخروج بها إلى ما يؤدى إليه مدلولها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي الأوراق - في أن المرحوم محمود يوسف علي - مورث الطاعنة والقصر المشمولين بوصايتها - أقام ضد المطعون عليها عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر من المرحوم يوسف علي الدعوى رقم 255 سنة 1945 مدني كلي المنيا قائلاً إن المرحوم يوسف علي - مورثه ومورث المدعى عليهم - توفى في شهر مارس سنة 1945 وكان قد تصرف أبان حياته في جميع ما يملك إلى المدعى عليهم بعقود ثلاثة مؤرخة 3 و9 و15 من إبريل سنة 1944 وصفت بأنها بيوع وحصل المتصرف إليهم على أحكام بصحة توقيع المورث عليها، وأنه إذا كانت تلك التصرفات قد صدرت عنه وهو مريض بالسرطان ومرضه هذا مرض موت وكان المشترين فيها لم يدفعوا ثمناً للبيع ولم يضعوا اليد عليه مما يقطع بأن تلك التصرفات لم تكن منجزة بل كانت بقصد الوصية غايتها حرمان المدعي من نصيبه الشرعي في تركة والده وذلك لما قام بينهما من خلاف بسبب زواج المدعي من أرمله أخيه المرحوم كامل على غير رغبة والده فإن هذه التصرفات تكون باطلة ولهذا أقام الدعوى بطلب الحكم له بتثبيت ملكيته لنصيبه الشرعي في تركة والده على أساس عدم نفاذ تلك التصرفات واعتبار الأطيان المتصرف فيها ضمن أعيان التركة والقضاء ببطلان العقود العرفية سالفة الذكر الصادرة من مورثه المرحوم يوسف علي إلى المدعى عليهم والمحكوم بصحة توقيع البائع عليها من محكمة أبو قرقاص الجزئية في الدعاوى رقم 1628، 1629، 1631 سنة 1944 بجلسة 23 من أكتوبر سنة 1944 مع بطلان جميع الإجراءات الناشئة عن هذه الأحكام والعقود ومحو التسجيلات المتوقعة بموجبها، ولدى نظر الدعوى قرر من حضر من المدعى عليهم - فيما عدا المطعون عليهم أنهم لا يتمسكون بالتصرفات الصادرة لهم من مورثهم لأنها باطلة ولم يدفعوا لها مقابلاً وانفردت بالمنازعة المطعون عليها التي تمسكت بصحة العقد الصادر إليها وإلى أولادها القصر المشمولين بوصايتها في 23/ 4/ 1944 والمتضمن بيع المورث لهم 81 فداناً و18 قيراطاً و16 سهماً من الأرض الزراعية، 245 متراً من الأرض الفضاء وأنكرت مرض المورث بأي مرض خبيث وعزت وفاته إلى الشيخوخة وما لازمها من أمراض لا يعتبر أي منها مرض موت، وبجلسة 22/ 3/ 1950 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي - مورث الطاعنة - بكافة الطرق أن مورثه المرحوم يوسف علي كان عند إصداره عقود البيع الثلاثة المؤرخة 3 و9 و15 من إبريل سنة 1944 إلى ورثته المدعى عليهم مريضاً بالسرطان وأن هذا المرض أودى بحياته وأن ما كان به من أمراض مزمنة كهبوط القلب والتهاب الكلى والقيلة المائية وأورام القدمين استمرت عنده منذ إصابته بها وظلت تتزايد باضطراد حتى أودت بحياته على أن يكون للمدعى عليها الخامسة - المطعون عليها - نفي ذلك وإثبات أن عقدها المطعون عليه كان منجزاً واقترن بوضع اليد، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت بجلسة أول نوفمبر سنة 1953: أولاً - ببطلان عقود البيع العرفية الصادرة من المرحوم يوسف علي مورث طرفي الخصوم إلى المدعى عليهم والمبينة بعريضة الدعوى والمحكوم بصحة التوقيع عليها من محكمة أبو قرقاص الجزئية في القضايا رقم 1628، 1629 و1631 ومحو التسجيلات الموقعة بناء عليها. ثانياً - بتثبيت ملكية المدعي مورث الطاعنة - لنصيب قدره 2 وثلث قيراط من 24 قيراط في تركة والده المرحوم يوسف علي مؤسسة قضاءها ببطلان تلك التصرفات على أنها صدرت من المورث وهو مريض مرض موت وأنه قصد بها الإيصاء لا البيع، استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 445 سنة 71 ق القاهرة طالبة إلغاءه والقضاء برفض الدعوى وبجلسة 26/ 11/ 1956 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من بطلان عقد البيع العرفي الرقيم 3/ 4/ 1944 والمعقود بين المستأنفة عن نفسها وبصفتها - المطعون عليها - وبين مورثها المرحوم يوسف علي واعتبار هذا العقد صحيحاً وباستبعاد العقارات المبيعة بمقتضى هذا العقد من تركة المورث المذكور، فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بالنقض ورأت النيابة في مذكرتها رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 31/ 12/ 1961 إحالته إلى هذه الدائرة وفي الجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى في السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف ببطلان الاستئناف المرفوع من المطعون عليها بصفتيها تأسيساً على أن المستأنف عليه الخامس. مصطفى كمال يوسف - لم يعلن بالاستئناف في الثلاثين يوماً التالية لتقديم عريضته كمقتضى نص المادة 406 مكرراً من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 264 سنة 1953 وأنه إذ كان موضوع الدعوى غير قابل للتجزئة فإن بطلان الاستئناف بالنسبة للمستأنف عليه المذكور لعدم إعلانه يستتبع بطلانه بالنسبة لباقي المستأنف عليهم، وتقول الطاعنة إنه على الرغم من تمسكها بهذا الدفع ومن أنه كان مثار مناقشة بين الخصوم في مذكراتهم المقدمة إلى محكمة الاستئناف فإن الحكم المطعون فيه قد أغفله إغفالاً تاماً فلم يشر إليه في أسبابه ولم يتناوله بالرد وقضى بقبول الاستئناف دون أن يسبب قضاءه بقبوله فجاء بذلك مشوباً بالقصور فضلاً عن مخالفة القانون لقضائه بقبول الاستئناف بالرغم من عدم إعلانه إلى أحد المستأنف عليهم.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من بيانات الحكم المطعون فيه أن الاستئناف رفع بصحيفة أعلنت بتاريخ 25/ 4/ 1954 للمستأنف ضدهم وأن المستأنف عليه الخامس - مصطفى كمال يوسف - لم يحضر وقد أعذر وقد خلا الحكم المذكور مما يفيد أن الطاعنة دفعت ببطلان الاستئناف لعدم إعلانه في الميعاد إلى المستأنف عليه سالف الذكر وكانت الطاعنة من جانبها لم تقدم إلى هذه المحكمة ضمن مستنداتها التي قدمتها وقت التقرير بالطعن ما يدل على عدم إعلان هذا المستأنف عليه بالاستئناف في الميعاد القانون ولا ما يدل على تمسكها بالدفع ببطلان الاستئناف لهذا السبب - ولا يصح الالتفات إلى ما قدمته من مستندات بعد إحالة الطعن من دائرة الفحص للتدليل على تمسكها بهذا الدفع لعدم تقديم هذه المستندات تقديماً صحيحاً في المواعيد المحددة لذلك فإن النعي بهذا السبب يكون عارياً عن الدليل.
ومن حيث إنه مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه في باقي أسباب الطعن القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والاستناد إلى وقائع لا أصل لها في الأوراق، وفي ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه استدل على سلامة المتصرف من مرض الموت بذهابه إلى محكمة أبو قرقاص يوم نظر دعاوى صحة التوقيع التي رفعها عليه المتصرف إليهم وإقراره بصحة العقود الصادرة منه إليهم وبأن أحداً من الخصماء لم يقل إنه كان مريضاً بهذا المرض يوم ذهابه إلى المحكمة وأنه لو كان مريضاً حقاً لما استطاع أن يتقدم بنفسه إلى المحكمة ولما فات مورث الطاعنة الذي يحمل لواء الخصومة أن يظهر بنفسه أمام القاضي ويبدي وجهة نظره ويثير نزاعه يستوي في ذلك أن تقبل المحكمة تدخله أو ترفضه وأنه لم يكن ثمة ما يمنعه من هذه المهاجمة بعد أن هاجم والده بطلب الحجر عليه يوم 22 من أكتوبر سنة 1944 أي قبل الحكم في دعاوى صحة التوقيع بيوم واحد، كما استدل الحكم أيضاً على انتفاء مرض الموت بأن هيئة المحكمة الحسبية انتقلت إلى المورث يوم 2 مارس سنة 1945 أي قبل موته بتسعة عشر يوماً فوجدته سليماً متمتعاً بحالة عقلية سليمة مما لم تجد معه المحكمة مناصاً من رفضه طلب الحجر وأنه ذكر لهيئة المحكمة الحسبية إنه لا يشكو إلا قيلة مائية وورماً في قدميه مما يدل على أنه كان يعتقد أنه ليس مريضاً مرض الموت ثم ذكر الحكم أن القيلة المائية لا يمكن أن تكون سبب موت على الإطلاق وأن الورم الحاصل في رجله هو وليد زلال أو تعب في القلب والزلال كثيراً ما ينجح الطب في علاجه وأن للسرطان آلاماً وأوجاعاً لا نهاية لها ولو كانت قائمة وقت انتقال المحكمة الحسبية إليه في داره للاحظتها ثم عاد الحكم وقرر أن مرض السرطان يدق تشخيصه على الكثيرين من الأطباء وخاصة غير المشتغلين بهذا النوع من الجراحة وهي جراحة الأمراض الخبيثة، وتقول الطاعنة إن هذا الذي استدل به الحكم المطعون فيه على صدور التصرف من المورث وهو في حالة صحة لا يؤدي عقلاً إلى هذه النتيجة وقد بنى بعضه على ما لا سند له في الأوراق ذلك أن خروج المريض من داره للذهاب إلى المحكمة أو إلى عيادة الطبيب لا يمنع من اعتبار مرضه مرض موت كما أن مورث الطاعنة ولم يكن خصماً في دعاوى صحة التوقيع التي رفعها المتصرف إليهم ضد المورث وليس بأوراق الدعوى ما يدل على علمه بتاريخ الجلسة الني نظرت فيها تلك الدعاوى ومن ثم فلا يصح الاحتجاج عليه بعدم حضوره هذه الجلسة لإبداء منازعته فيها وكذلك فإن طلب الحجر الذي قدمه مورث الطاعنة كان مبناه وجود نقص في أهلية المورث المتصرف ومن ثم فلم يكن من مهمة المحكمة الحسبية التحقق من أن المطلوب الحجر عليه مريض مرض موت وبالتالي يكون استدلال الحكم على سلامة المورث من هذا المرض بعدم ملاحظة المحكمة الحسبية أعراضه استدلالاً فاسداً، أما اعتداد الحكم المطعون فيه بما قاله المورث أمام المحكمة الحسبية من أنه مريض بقيلة مائية وورم في القدمين فإنه ينطوي على مخالفة لقواعد الإثبات ذلك أن المورث وقد كان الخصم في طلب الحجر لا يمكن الاعتداد بإنكاره دعوى خصمه ثم إن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن القيلة المائية لا تعد مرض موت وأن ورم القدمين وليد زلال أو تعب في القلب فإنه لم يبين المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات الفنية التي لا تتيسر لغير أهل الخبرة من الأطباء كما أن الحكم المذكور وقد سلم بأن مرض السرطان مما تدق معرفته على الأطباء ما كان يسوغ له بعد ذلك أن يستدل على سلامة المتوفى منه بعدم ملاحظة المحكمة الحسبية له، وتضيف الطاعنة أن الدعوى كانت قد أحيلت إلى التحقيق فأعلن مورثها خمسة شهود منهم الطبيب المعالج ومنهم أخ المتوفى ومنهم القائم بأعماله ومنهم الموقع على العقد المطعون فيه فاجتمعت شهادتهم على أن المتوفى حين وقع العقد المذكور كان مريضاً مرض موت كما أشهدت المطعون عليها شاهداً واحد قرر كذلك أن المتوفى كان مريضاً بمرض انتهى بوفاته خلال سنة، ولكن الحكم المطعون فيه رغم ذلك أهدر هذه الشهادات كلها بأسباب متناقضة وتنطوي على استخلاص غير سائغ ومخالفة للثابت في الأوراق وآية ذلك أن الحكم اعتمد أساساً في إطراح أقوال شاهدي الإثبات الأولين الدكتور زخارى وعبد الرازق على ما زعمه من وجود تناقض بين أقوالهما مع أنه لا أثر لهذا التناقض في الأوراق كما أسند الحكم إلى الشاهد الأخير - على خلاف الثابت في محضر التحقيق - أنه قرر أن المورث كان يدير أعماله بنفسه حتى آخر لحظة من حياته في حين أن ما قرره هذا الشاهد هو أن المورث كان يقوم بهذه الإدارة بواسطة موظفيه، هذا إلى أن المحكمة اعتمدت في إطراح أقوال الشهود إلى معلومات فنية عن أمراض وصفتها هي نفسها بأن كشفها يستعصي على الأطباء.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه استهل رده على دعوى مورث الطاعنة ببطلان البيع الصادر من والده المرحوم يوسف علي إلى زوجته المطعون عليها وأولادها القصر منه لصدوره في مرض الموت، استهل الحكم رده على هذه الدعوى وعلى ما قدمه مدعيها من أدلة عليها وعلى أسباب الحكم الابتدائي التي اعتبرها صحيحة بقوله "وحيث إن المحكمة ترى قبل أن تعرض لصلب النزاع أن تشير إلى أمر لا يخلو من أهمية بالغة هو أنه بعد أن تصرف المورث إلى ورثته في أطيانه بمقتضى العقود التي سبق القول عنها في 3، 9، 15 من إبريل سنة 1644 رفع المشترون ضد البائع ثلاثاً من الدعاوي بصحة توقيعه على المشارطات المذكورة أمام محكمة أبو قرقاص الجزئية وبجلسة 23/ 10/ 1944 التي تحددت لنظر القضايا حضر البائع بنفسه وأقر بصحة تلك المشارطات وصحة البيع الذي تضمنته وتلك قرينة قوية على أن الرجل كان في ذلك التاريخ سليماً معافى خصوصاً وأن أحداً من الخصماء لم يقل إنه كان غير ذلك في هذا اليوم وإلا لما استطاع أن يتقدم بنفسه إلى المحكمة لإقرار صحة البيوع الصادرة منه ولو كان مريضاً حقاً لما فات المستأنف ضده الأول - مورث الطاعنة - الذي يحمل لواء الخصومة أن يظهر بنفسه أمام القاضي ويبدي وجهة نظره ويثير نزاعه يستوي بعد هذا أن تقبل المحكمة تدخله أو ترفضه وحكمة هذا تمكنه من إثبات دفاعه في الوقت المناسب خصوصاً وأن انقطاع المريض بمرض الموت من عمله إن كان ذكراً شرط أساسي لتحقق هذا المرض وإعمال حكمه أما التراخي إلى ما بعد وفاة البائع مع أنه لم يكن هناك ثمة مانع يحول دون هذه المهاجمة للنزاع المستعجل الذي نشب بين الرجل وابنه تفسره المحكمة بأن مركز الابن كان غير سليم ودعواه باطلة وأظهر دليل على مهاجمة الابن لأبيه طلبه الحجر عليه في 22/ 10/ 1944 أي قبل الحكم في دعاوى صحة التوقيع المتقدم ذكرها بيوم واحد وقد انتقلت إليه هيئة حسبي المنيا في 2/ 3/ 1945 أعنى قبل موته بتسعة عشر يوماً فوجدته متمتعاً بحالة عقلية سليمة لا تشوبها أي شائبة ومن أجل ذلك لم يجد المجلس مناصاً من رفض طلب الحجر وقد قرر الرجل لهيئة المجلس أثناء مناقشته أنه لا يشكو إلا من قيلة مائية وورماً في رجليه وهذا القول إن دل على شيء فإنما يدل على أن الرجل لم يكن يعتقد أنه مريض مرض موت لانتفاء شواهده وعدم ظهور أماراته إذ القيلة المائية لا يمكن أن تكون سبب موت على الإطلاق والورم الحاصل في أرجله هو وليد زلال أو تعب في القلب والزلال كثيراً ما ينجح الطب في علاجه وليس بصحيح كما يجيء بعدما قيل من إنه كان مريضاً بالسرطان في إحدى كليتيه لأن للسرطان آلاماً وأوجاعاً لا نهاية لها ولو كانت قائمة وقت انتقال المجلس الحسبي إليه في داره للاحظها وراعاها أضف إلى ذلك أن مثل هذه الحالة يدق تشخيصها على الكثير من الأطباء وخاصة غير المشتغلين بهذا النوع من الجراحة وهي جراحة الأمراض الخبيثة وأنه مما يجعل الأمر أشد تعقيداً ما ثبت من عدم الاستعانة بصورة من صور الأشعة" ثم انتقل الحكم إلى مناقشة أقوال شهود الإثبات وشاهد النفي وانتهى من القرائن المتقدم ذكرها ومن هذه المناقشة إلى رفض الادعاء بحصول التصرفات المطعون فيها في مرض الموت، ولما كان ذهاب المورث إلى محكمة أبو قرقاص في يوم 23 من أكتوبر سنة 1944 وإقراره بصحة توقيعه على العقود المطعون فيها لا يمتنع معه اعتبار مرضه مرض موت متى كان شديداً يغلب فيه الهلاك وانتهى فعلاً بموته إذ لا يشترط في مرض الموت لزوم صاحبه الفراش على وجه الاستمرار والاستقرار بل يكفي أن يلازمه وقت اشتداد العلة به - وكان عدم حضور مورث الطاعنة في اليوم المذكور لإثارته منازعته في صحة العقود ليس من شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه الحكم المطعون فيه من اعتبار مركزه في المنازعة غير سليم ودعواه باطلة ذلك أنه ولم يكن خصماً في دعاوى صحة التوقيع التي كانت مطروحة على تلك المحكمة ولم يثبت الحكم المطعون فيه علمه بتاريخ الجلسة التي نظرت فيها هذه الدعاوى فإنه لا يجوز الاحتجاج عليه بعدم حضوره هذه الجلسة هذا فضلاً عن أن حق الوارث في مال مورثه لا يظهر في الوجود ولا يكون له أثر إلا بعد وفاة المورث كما أن المرض لا يمكن اعتباره مرض موت إلا إذا انتهى بموت صاحبه مما لا يتأدى معه معرفة أن المرض من أمراض الموت إلا بتحقق هذه النتيجة ومن ثم فإن حضور مورث الطاعنة أمام المحكمة التي نظرت دعاوى صحة التوقيع على العقود المطعون فيها ما كان ليجديه نفعاً لأنه ما دام المتصرف كان ما يزال حياً فإن المحكمة ما كانت لتقبل من مورث الطاعنة أية منازعة في هذه العقود تقوم على صدورها في مرض موت المتصرف أو على أنها تخفي وصايا - لما كان ما تقدم وكان ما قرره الحكم من أن أحداً من الخصماء لم يقل أن المورث كان مريضاً في اليوم الذي ذهب فيه إلى المحكمة وأقر بصحة توقيعه يخالف الثابت في الأوراق من أن مورث الطاعنة قد ذكر في طلب الحجر المقدم منه قبل هذا اليوم أن والده مريض جداً بمرض لا يبرأ منه وهو السرطان كما تمسك منذ رفع دعواه ببطلان التصرفات بقيام هذا المرض بالمورث من قبل إصداره التصرفات المطعون فيها وباستمرار هذه الحالة وتزايدها حتى انتهت بوفاته أما خصوم المورث في دعوى صحة التوقيع فإنه لم يكن من المعقول أن يثير أيهم مسألة مرضه أثناء نظر الدعاوى التي رفعوها ضده بطلب الحكم بصحة توقيعه على العقود الصادرة منه إليهم - إذ كان ذلك وكان لا يشترط في مرض الموت أن يؤثر على سلامة إدراك المريض أو ينقص من أهليته للتصرف وكان كل ما يعني المحكمة الحسبية وهي تحقق طلب الحجر هو التحقق من عوارض الأهلية التي تستوجب الحجر - وفي حالة مرض المحجور عليه تنحصر مهمتها في بحث مدى تأثير هذا المرض على أهليته ولا تتعدى ذلك إلى التثبت من نوع المرض ومبلغ خطورته وإثبات ما لاحظته من أعراضه - فإن استدلال الحكم على سلامة المورث من مرض الموت بخلو محضر انتقال هيئة المحكمة الحسبية مما يشير إلى أنها لاحظت على المورث أعراض مرض السرطان وآلامه يكون استدلالاً فاسداً يجلو فساده ما قرره الحكم نفسه من أن حالة المريض بهذا المرض يدق تشخيصها على الكثير من الأطباء أما ما قرره الحكم من أن الورم الذي كان بقدمي المورث عند انتقال هيئة المحكمة إليه لا علاقة له بسرطان الكلية وأنه وليد زلال أو تعب في القلب فإن الحكم لم يفصح عن المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات الفنية التي لا تتوافر لغير الأطباء فإن كانت هذه المعلومات صادرة عن علم شخصي بالشئون الطبية فإنه ما كان يجوز بناء الحكم عليها لأنها لا تعتبر من قبيل الشئون العامة المفروض علم الكافة بها.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون القرائن التي عددها الحكم المطعون فيه ليس من شأنها أن تؤدى منفردة أو مجتمعه إلى ما رتبه عليها من اعتبار دعوى مورث الطاعنة باطلة ومن ثم يكون الحكم مشوباً بفساد الاستدلال في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه وإن كان لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في تقدير أقوال الشهود حسبماً يطمئن إليه وجدانه إلا أن لمحكمة النقض أن تتدخل إذا ما صرح القاضي بأسباب عدم اطمئنانه وكانت هذه الأسباب مبنية على ما يخالف الثابت في الأوراق أو على تحريف لأقوال الشهود أو الخروج بها إلى ما لا يؤدى إليه مدلولها.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه جعل دعامته الأساسية في إطراح شهادة الدكتور زخارى أول شهود الإثبات وأكثرهم أهمية - حسب قول الحكم - ما قرره من وجود اضطراب في شهادته وتناقض بين أقواله وأقوال شاهد الإثبات الثاني - عبد الرازق علي - كما أنه استناداً إلى هذا التناقض وحده أهدر الحكم أيضاً شهادة هذا الشاهد الأخير - ولما كان الحكم قد دلل على ما اعتبره اضطراباً في أقوال الشاهد الأول بقوله "وحيث إنه عندما ناقشه قاضي التحقيق في تاريخ بدء هذا المرض اضطرب في قوله وذكر صراحة أنه بدأ قبل وفاته بستة أشهر ثم رأى أن هذا القول لا يسعف الدعوى فعدل في شهادته وقال إنه كشفه قبل الوفاة بستة أشهر وكان المرض في حالة متقدمة مما دعا القاضي إلى إعادة السؤال عليه فكان جوابه أن المرض بدأ قبل رؤيته للمريض في المرة الأولى بستة أشهر ومعناه أن المريض لازمه المرض سنة قبل وفاته وهو ما يريد من أشهده أن يصل إليه حتى تبطل تصرفات المورث جميعها وقد أراد الشاهد أن يجعل شهادته فاصلة في الدعوى قاطعة لكل نزاع فيها فقال إن حالة المريض كانت تزداد سوءاً بازدياد وطأة المرض وفاته أنه سبق أن قرر في مجمل شهادته أن الرجل كان يتردد عليه في عيادته الخاصة في فترات متباعدة في سنة 1944 وأنه لم يكشف وجود هذا المرض القاتل إلا في ذلك التاريخ فنصحه بالسفر إلى القاهرة لعمل الأشعة وقد عملها ومعنى هذا أولاً وبفرض صدق هذا القول أن المرض قد كشف قبل الوفاة بمدة تنقص عن أربعة أشهر" ولما كان يبين من الصورة الرسمية لمحضر التحقيق أنه لم يرد على لسان هذا الشاهد في أي موضع من أقواله ما أسنده إليه الحكم من القول بأن مرض المورث بالسرطان بدأ قبل وفاته بستة أشهر بل إن ما قاله الشاهد من بادئ الأمر ولم يتحول عنه هو أنه كشف المرض قبل وفاة المورث بنحو ستة أشهر وذلك عندما استدعى للكشف عليه في عزبته في أواخر سنة 1944 ولما سأله القاضي عما إذا كان يمكنه تحديد مبدأ المرض أجاب بقوله "أنا شفته قبل وفاته بستة شهور وشخصت المرض أن عنده سرطان وكان المرض في حالة متقدمة" ولما أعاد عليه القاضي السؤال أجاب بأن المرض بدأ حوالي ستة شهور قبل رؤيته له في تلك المدة.... ومن ثم يكون الحكم قد خالف الثابت في الأوراق بإسناده إلى الشاهد قولاً لم يصدر عنه وإذ كان الحكم قد استخلص من قول الشاهد أنه كشف المرض قبل وفاة المورث بستة أشهر أن هذا المرض بدأ في هذا التاريخ فإنه يكون قد استخلص من أقوال الشاهد ما لا يمكن أن يؤدى إليه مدلولها إذ أن اكتشاف المرض لا يعني أنه بدأ في اليوم الذي كشف فيه، كذلك فإن الحكم إذ استدل بما قرره الشاهد في مجمل شهادته من أن المورث ظل يتردد عليه في عيادته حتى آخر سنة 1944 ورتب على ذلك أن المرض كشف قبل الوفاة بمدة تنقص عن أربعة أشهر - هي المدة بين آخر يوم في السنة المذكورة وبين وفاة المورث في 21 من مارس سنة 1944 - يكون قد حرف أقوال الشاهد وخرج بها إلى ما لا يؤدى إليه مدلولها ذلك أن أقوال الشاهد في هذا الخصوص صريحة في أن تردد المورث على عيادته إنما كان سابقاً على اليوم الذي زار فيه المورث في عزبته وكشف فيها مرضه بالسرطان وأنه منذ هذا اليوم الذي حدده الشاهد بأنه كان قبل الوفاة بنحو ستة أشهر وحتى توفى المورث كان الشاهد يعود المورث في داره وقد حدد الشاهد تاريخ آخر مرة حضر فيها المورث إلى عيادته وهي السابقة مباشرة على المدة التي كشف فيها مرضه الخبيث بأنها في سنة 1943 - أما التناقض الذي قال الحكم بقيامه بين أقوال هذا الشاهد والشاهد الثاني فقد دلل عليه بقوله "وحيث إن شهادة الدكتور زخارى ينقضها تماماً ما ظهر من أقوال الشاهد الثاني من أقوال شهداء المستأنف ضده - مورث الطاعنة - المدعو عبد الرازق علي الذي قرر بأن المورث كان يدير عمله حتى آخر لحظة في حياته وأنه لم يمكن المشترين من شيء من الأطيان المبيعة حال حياته وهو الذي كان يضع اليد عليها وعلى جميع ما يملك وهذا يتضارب كل التضارب مع ما يقوله الدكتور يوسف زخارى من أن المورث كان مريضاً بسرطان الكلى ذلك المرض الذي يحدث من الآلام شيئاً كثيراً وكثيراً جداً وقد فطن الدكتور زخارى لذلك فقال إن الرجل كان يتناول الكثير من المسكنات فكيف تستقيم الإدارة مع هذه الحالة المرضية المؤلمة ولما رأى أن هذه الشهادة تقصم ظهر أقوال الدكتور زخارى أراد محامي المستأنف ضده الأول تدارك ما يمكن تداركه فسأل الشاهد عن مدى خروج المورث من بيته في الستة شهور السابقة على وفاته فكان جوابه أنه لم يخرج وأنه قصد بقوله إدارة الأعمال أن المورث كان سليم العقل متمالكاً قواه ولم يكن به شلل ولكنه كان مريضاً بداء الكبد وكان هناك تضخم بجنبه الأيمن وفرق بين هذا وبين قصة السرطان" ولما كان يبين من محضر التحقيق أن الشاهد الثاني لم يذكر في أي موضع من أقواله أن المورث كان يقوم في الفترة السابقة لوفاته بأي عمل من أعمال الإدارة التي تستلزم مغادرته داره بل نفي صراحة أن المورث كان يخرج من منزله في الستة أشهر السابقة على وفاته وقال إن ما يقصده من قوله أن المورث استمر يدير عمله حتى آخر لحظة من حياته هو أنه "كان يباشر شئونه وأنه كان متمالكاً لقواه العقلية ولم يكن به شلل وكان عقله سليماً" وكان ما قرره هذا الشاهد من وجود تضخم بالجنب الأيمن للمورث يعتبر موافقاً لما قرره الدكتور زخارى وليس مناقضاً له ولا ينال من هذا أن يكون الشاهد قد علل هذا التضخم بأنه مرض في الكبد - ذلك أن معرفة علة هذا التضخم مما يستعصى على غير الأطباء، لما كان ذلك وكان تقرير ما إذا كان مرض المورث بسرطان الكلى يمنع المورث من إدارة شئون أمواله على النحو الذي ذكره الشاهد الثاني أو لا يمنعه هو من المسائل الفنية التي لا يجوز للمحكمة أن تقضى فيها بعلمها بل يجب الرجوع فيها إلى رأي أهل الخبرة من الأطباء، لما كان ما تقدم فإن ما استدل به الحكم المطعون فيه من وجود تناقض بين أقوال شاهدي الإثبات الأولين وما رتبه على ذلك من إهداره أقوالهما يكون مشوباً بفساد الاستدلال.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه مشوباً بالقصور فيما اعتمد عليه من قرائن وبفساد الاستدلال فيما صرح به من أسباب لإهدار أقوال بعض شهود الإثبات مما يتعين معه نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.


 (1) راجع نقض 24/ 1/ 1963 الطعن 250 س 27 ق السنة 14 ص 162.