2007
م
تقديم:
من سمات العمل في المجالات القانونية والقضائية، البحث والمعرفة في
جميع مصادر القانون وقواعده التي يقوم عليها النظام القضائي، والفكر القانوني الذي
يدور في فلك العدل بين الناس لإيجاد أسس النظام العام الذي تقوم عليه المجتمعات
الإنسانية.
والفكر القانوني بطبيعته متطور متجدد وفق تطور الإنسان من زمان لآخر.
والمجتمع هو محور الحماية القانونية، وهو الذي يؤدى إلى التطور والتجديد، فالحماية
الجنائية للمجتمعات يجب أن تحقق النتائج الإيجابية في سياسة الثواب والعقاب. ولكي
ينضبط إيقاع العمل القضائي تحقيقا لهذه السياسة يجب التعمق في الشخصية الإنسانية
بكل مفرداتها وصولا إلى الدوافع التي تؤدى إلى أن ينحى الإنسان منحى الخروج على
القانون، وأن تكون هناك أداة مناسبة تعيده إلى السلوك القويم.
من هذا المنطلق، كان على المشرع الجنائي، في تقديره العقوبة المناسبة
للأفعال الإجرامية، أن يكون حريصا على بيان هذه الجوانب في شخصية الجاني واضعا في
الاعتبار شخصية الجاني من حيث أسباب وقوع الجريمة والظروف والملابسات التي أدت إلى
وقوعها، والحالة الجنائية التي كان عليها الجاني وقت ارتكاب الفعل، مع العلم بأن
الحالة الجنائية تختلف من شخص إلى آخر، ومن جريمة إلى أخرى؛ ومن هنا كانت نظرية
الظروف المخففة التي تبحث في إعطاء القاضي سلطة تقدير العقوبة خروجا على القدر
الذى حدده القانون عقابا على الجريمة، ليكون العقاب بقدر الفعل في ظل هذه الظروف.
الفصل
التمهيدي
التعريف
بالظروف المخففة
المبحث
الأول
تعريف
الظروف المخففة
في عصرنا الراهن، حيث تدور فلسفة التجريم والعقاب،
من حيث مفهومها وطبيعتها ووظيفتها، حول محور رئيس هو المجتمع، نجد أن القانون
الجنائي قد تحول عن طبيعته من مجرد نصوص جامدة تبين الأفعال التي تعد جرائم
والعقوبات التي تفرض من أجلها إلى سياسة جنائية هدفها الدفاع عن المجتمع ضد ظاهرة
الجريمة ([1]).
ويقصد بالظروف المخففة تلك الوقائع أو الصفات التي
قد تقترن بشخص المجرم، أو بشخص المجني عليه، أو بالعلاقة بين المجرم والمجني عليه،
أو تقترن بالنشاط الإجرامي في حد ذاته، التي تركها المشرع لتقدير القاضي وخوله حق
تخفيف العقوبة في الحدود التي رسمها له ([2]).
والظروف المخففة للعقوبة، بمعناها الواسع، هي ذلك
النظام الذي يسمح للقاضي بأن لا يوقع على الجاني العقوبة الأصلية المقررة للواقعة
التي قام بها، بل عقوبة أخف منها بكثير أو قليل أو ربما يعفيه من العقاب نهائيا ([3]).
وأسباب تخفيف العقاب هي تلك الحالات التي يجب فيها
على القاضي، أو يجوز له أن يحكم من أجل ارتكاب جريمة ما بعقوبة أخف في نوعها من
تلك المقررة لهذه الجريمة في القانون، أو بعقوبة أقل في مقدارها من الحد الأدنى
الذي وضعه للجريمة نفسها ([4]).
وهذه الظروف، إما أن تكون ظروفا قضائية تقديرية، للقاضي أن يقدرها في
كل حالة معروضة أمامه ويلجأ إلى إعمالها أو إغفالها، وهي من اختصاص محكمة الموضوع.
وقد اختلفت التشريعات في تسميتها؛ فالمشرع المصري أطلق عليها الظروف القضائية
المخففة، والمشرع القطري أطلق عليها الظروف التقديرية، والمشرع الأردني سماها
الأسباب التقديرية للقاضي.
وهي إما أن تكون ظروفا يقدرها الشارع ذاته، وذلك بنصه عليها صراحة في
القانون ويرتب عليها آثارا، لتطبق من قبل القاضي وجوبيا عند توافرها وليس
اختياريا، ويطلق عليها إسم الأعذار القانونية.
وتقوم أسباب التخفيف كافة على علة واحدة هي تقدير
الشارع أن العقوبة التي يقررها القانون قد تكون إزاء حالات خاصة أشد مما ينبغي، لا
يكفي لجعلها ملائمة الهبوط بها إلى حدها الأدنى، ولذلك وضع المشرع القواعد التي
تكفل تحقيق هذه الملاءمة بتمكين القاضي من الهبوط بها دون ذلك الحد. وعلى هذا
النحو، فعلة أسباب التخفيف هي تحقيق الملاءمة بين العقوبة وظروف حالات خاصة، تمكن
القاضي من استعمال أصوب لسلطته التقديرية ([5]).
وأسباب التخفيف تنقسم إلى نوعين، وهي التي سلفت
الإشارة إليها، وهي الأعذار القانونية والظروف القضائية المخففة؛ والفرق الجوهري
بينهما أن التخفيف عند توافر العذر إلزامي للقاضي، في حين أنه جوازي عند توافر
الظروف المخففة، ويعني ذلك أن النوع الأول يعدل من نطاق سلطة القاضي باعتباره
يستبدل بحدودها الأولى حدودا جديدة، أما النوع الثاني فيوسع من نطاقها باعتبار أن
القاضي يظل محتفظا بسلطته الأولي؛ إذ له أن يقضي بالعقوبة المقررة أصلا، أو ينزل
عن حدودها الدنيا، كما أن الأعذار يحدد القانون حالاتها على سبيل الحصر، ويبين
إزاء كل حالة شروطها، ويحدد بعد ذلك مقدار التخفيف الذى يستطيع القاضي أن يقضي به،
أما الظروف القضائية المخففة فلا يحددها القانون، ولكن يترك للقاضي استخلاص ما
يعتبره بالنظر إلى ظروف حالة معينة مبررا لتخفيف عقابها ([6]).
المبحث
الثاني
التطور
التاريخي للظروف المخففة
كان القاضي الجزائي يتمتع بسلطات واسعة تكاد تكون
بلا حدود، وكانت العقوبات التي يوقعها على مرتكب الجريمة في غاية القسوة والوحشية،
مما حدا ببعض الفلاسفة والمفكرين في منتصف القرن الثامن عشر إلى انتقاد تحكم
القضاء وقسوة العقاب، وطالبوا بتطبيق مبدأ الشرعية على الجرائم وعلى العقوبات من
أجل تقييد سلطة القاضي ومنعه من التحكم، ليتحقق بذلك مبدأ المساواة بين مرتكبي
الجرائم، كما نادى هؤلاء الفلاسفة بضرورة التخفيف من قسوة العقاب التي كانت سائدة
في ذلك الحين، ومن بين المفكرين كان
(Cesare Beccaria) الذى
استنكر العقوبات الصارمة واللانسانية التي كانت توقع على من تثبت إدانته بارتكاب
جريمة، وطالب بضرورة أن تكون العقوبة متناسبة مع جسامة الجريمة المرتكبة حتى تتحقق
المنفعة الاجتماعية من وراء تطبيق العقوبة ([7]).
وكان أول من قرر نظام الظروف المخففة هو المشرع
الفرنسي في عام 1810 ([8])، وقبل هذا التاريخ كانت
العقوبة عبارة عن سلطة تحكمية في يد القاضي، ثم انحسرت هذه السلطة بموجب القانون
الفرنسي الصادر عام 1791 م، حين أصبح على القاضي أن يطبق عقوبة قانونية محددة، دون
أن يكون لديه أي سلطة تقديرية، ولكن سرعان ما ظهرت عيوب هذا النظام لما يتصف به من
جمود، فتدخل المشرع الفرنسي مرة أخرى بموجب قانون العقوبات الصادر عام 1810 م،
وأوجد نظام العقوبات القانونية التي لها حدان أحدهما أقصى والأخر أدنى، هذا بالإضافة
إلى أن القانون نفسه قد أعطى للقاضي سلطة تخفيف العقوبة بالنسبة للجنح فقط إن وجدت
ظروف مخففة، شريطة أن لا تتجاوز قيمة الضرر الناجم عن ارتكاب الجنحة حدا معينا هو
خمسة وعشرون فرنكا ([9]).
وعلى الرغم من الإصلاح الذى حققه قانون 1810 م،
إلا أنه ظل قاصرا وغير قادر على حل كثير من المشكلات التي تعترض القاضي، وهو بصدد
تقدير العقوبة؛ إذ أن بعض العقوبات تكون أشد مما يجب، وأن الجريمة المرتكبة تستحق
عقوبة أخف من الحد الأدنى القانوني المقرر لهذه الجريمة، وقد كان هذا وراء تحايل
المحلفين للتهرب من تطبيق مثل هذه العقوبات، فكانوا كثيرا ما يحكمون بالبراءة،
مضحين باعتبارات العدالة القانونية في سبيل تحقيق العدالة الواقعية في نظرهم،
متأثرين في ذلك بالعاطفة الإنسانية تجاه مرتكب الجريمة الذى أحاطت به بعض الظروف
عند اقترافه لجريمته، سيما وأن الظروف المخففة لم يكن لها مجال في التطبيق سوى على
بعض الجنح ولم يكن يسمح بالتخفيف إطلاقا بالنسبة للجنايات ([10]).
ونتيجة لما سبق، تدخل المشرع الفرنسي في عام 1824
م، وقد استهدف من التدخل تطبيق نظام الظروف المخففة على عدد معين من الجنايات،
أوردها على سبيل الحصر، ولم يشأ أن ينسلخ عن الفلسفة العامة التي كانت تهيمن على
تفكيره ([11])، وفي هذا التعديل قرر
نقل سلطة تقدير توافر الظروف المخففة من المحلفين إلى المحكمة، ثم منح القضاء سلطة
الحكم بعقوبات جنحية بدلا من العقوبات الجنائية، وذلك بالنسبة لبعض الجرائم من
الجنايات، مثل قتل الأم ولدها ([12]).
لكن هذا التعديل لم يحقق الغرض منه، وظل المحلفون يتحدونه ويكثرون من
أحكام البراءة، مما حدا بالمشرع إلى إصدار قانون آخر في عام 1832 م يتضمن قاعدة
عامة تسمح بتخفيف العقوبات إلى أقل من الحدود القانونية الدنيا المقررة لها، وذلك
لجميع الجرائم جنحا وجنايات.
وقد أدى النظام الجديد للظروف المخففة إلى التغلب
على الكثير من الصعوبات التي كانت تعترض القضاء عند تطبيقه للعقوبة، وإلى سد النقص
بالنسبة لما لا يتاح للمشرع التنبؤ والنص عليه فيما يتعلق بالظروف التي تحيط
بالجريمة وبالمجرم عند اقترافه لجريمته، مما يحقق تفريدا أكمل للعقاب ([13]).
وانتقل نظام الظروف المخففة إلى بلجيكا، وبمقتضاه
يجوز لسلطات التحقيق والمحكمة أن تحول جريمة الجناية إلى جنحة، والجنحة تحولها إلى
مخالفة، وذلك عن طريق التقرير بتوافر ظروف مخففه للواقعة ([14]). وفي هولندا اقتصر المشرع
على تعيين الحد الأقصى للعقوبات في الجرائم المختلفة، أما الحد الأدنى هناك فهو
عام على الجرائم كلها، وهو عبارة عن يوم واحد في الحبس، أو غرامة تافهة؛ لذا يجوز
للقاضي أن ينزل إلى الحد الأدنى ولو في الجنايات متى توافرت لها ظروف مخففة بغير
الحاجة إلى نص خاص ([15]). كما أخذ القانون الإيطالي
بنظام تخفيف العقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر لعقوبة الجريمة، وذلك عن طريق
حصر الظروف المشتركة بين الجرائم، وتحديد آثار هذه الظروف، أما القانون الألماني
فإنه لا يجيز قبول الأخذ بالظروف المخففة إلا في بعض الجنايات والجنح، وقد عين
المشرع نفسه الأثر الذي يترتب على الأخذ بالظروف المخففة بالنسبة لكل عقوبة من
العقوبات ([16]).
كما أخذ قانون العقوبات المصري بنظام القانون الألماني؛ حيث أجاز أن
تخفف العقوبة في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى
العمومية رأفة القاضي (المادة 17 عقوبات).
وكذلك نص قانون العقوبات القطري في مواده 91 و92 و93 على جواز
استخدام الظروف المخففة في الجنح والجنايات.
ونتطرق هنا إلى شريعة كل زمان ومكان، وهي الشريعة
الإسلامية الغراء فقد عرفت منذ بزوغها الظروف المخففة في قول رسولنا الكريم محمد
بن عبد الله صلى الله وعليه وسلم: " إدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم،
فإن وجدتم للمؤمن مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ
في العقوبة" وهنا يجوز العفو عن الجاني متى ما وجد له مخرج، بل حث، صلى الله
عليه وسلم، على التخفيف عن المسلمين كذلك في جرائم التعازير، فللظروف المخففة
أثرها على نوع العقوبة ومقدارها، فللقاضي أن يختار عقوبة خفيفة، وأن ينزل بها إلى
أدنى حدودها، وله أن يوقف تنفيذها ([17]).
الفصل
الأول
طبيعة
وفلسفة الظروف المخففة
المبحث
الأول
الفلسفة
الجنائية لنظام الظروف المخففة
تعتمد القوانين الوضعية في تشريعاتها المختلفة على مبادئ أساسية، من
أهمها مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل الإجرامي الذى يرتكبه الجاني، وهذا التناسب لا
يتأتى إلا إذا كانت هناك موازنة عادلة بين الجرائم ومرتكبيها والحالة الجنائية
التي كانت عليها الجريمة قبل وأثناء وبعد وقوعها؛ فلكل جريمة مقدمات ثم أفعال ثم
نتائج ثم حالة أو سلوك يحدث بعد حدوث النتيجة، فإذا ما وضعت النصوص التي تؤثم
الأفعال، أو التي تحدد العقوبات، وجب إعمالها عند وقوع هذه الأفعال المؤثمة؛
فالمشرع عند تأثيم الفعل يضع العقوبة، ووضع العقوبة يأتي على أسس عدة أهمها: حماية
المجتمع ككل من هذه الأفعال، ثم خطورة الأفعال وما يترتب عليها من نتائج، ثم الضرر
الذى يلحق بالمجتمع أو الفرد، ثم تحقيق الردع العام والردع الخاص، فإذا ما وضعت
العقوبة كان لهذه الأسس دور في تحديدها، وقد تطغى مصلحة على أخرى في تحديد
العقوبة، فقد تكون الغلبة للمصلحة العامة، أو لحماية الحق المعتدى عليه بذاته، وقد
تكون الغلبة أيضا في تفضيل جانب على جانب آخر بغرض إيجاد الحماية الجنائية للحق
المعتدى عليه في إطار تحقيق العدالة، وهو الهدف الذى يدور في فلكه وضع التشريعات.
وإذا ما نظرنا إلى العقوبات الجنائية؛ سواء أكانت في القانون العام
وهو قانون العقوبات، أم في التشريعات الجنائية الخاصة، نجد أن المشرع في الأعم
الغالب منها يضع حدا أقصى وحدا أدنى للعقوبة، فضلا عن العقوبات التبعية الأخرى أو
العقوبات التكميلية، وإذا كان القاضي ملزما بتطبيق أحكام القانون واحترام هذه
العقوبات، فليس له أن يقضي بعقوبة أخرى لم ينص عليها القانون، أو ينزل عن الحد
الأدنى أو يزيد على الحد الأقصى، فإذا ما كونت عقيدته إدانة الجاني على ما ارتكبه
من جرائم فعليه أن يقضي بالعقوبة في حدود ما نص عليه القانون.
ولكن عندما ينظر القاضي في الدعوى الجنائية تطرح
عليه الجريمة بكافة ظروفها وملابساتها، سواء ما سبق وقوعها، أو في أثناء وقوعها،
أو بعد وقوعها، وحالتها، وحالة الجاني عند ارتكاب الأفعال المكونة للجريمة،
وبالتالي يستمد القاضي في تكوين عقيدته من كل هذه الظروف والملابسات العقوبة التي
يحددها لتناسب الأفعال وتلك الظروف والملابسات، ولكن في حدود العقوبات المنصوص
عليها في القانون؛ غير أن هذه العقوبات حتى في حدها الأدنى قد يكون فيها من القسوة
أو عدم التناسب مع الأفعال التي أتاها الجاني، أو أن الظروف والملابسات تأخذ
بالقاضي إلى الرغبة في تخفيف العقوبة والنزول بها عن الحد الأدنى، أو إبدالها
بعقوبة أخرى فلا يجد القاضي هنا إلا النصوص العقابية الجامدة التي تضعه في حالة قد
تتنافر مع القانون الذى حدد العقوبة، وبالتالي يقضي بعقوبة لا يريد تطبيقها على
الجاني حسبما تكونت عقيدته من الظروف والملابسات التي صاحبت وقوع الجريمة، وقد
يلجأ إلى القضاء بالبراءة لعدم قناعته بالعقوبة في حدها الأدنى ([18]).
ومن هذا المنطلق اتجه المشرع إلى الموازنة بين
العقوبات المقررة في القانون وبين قناعة القاضي في تطبيق هذه العقوبات في إطار من
القانون أيضا، بحيث يسمح للقاضي أن ينزل بالعقوبة درجة أو درجتين تقديرا منه
للظروف التي صاحبت وقوع الجريمة، وتخفيفا لهذه العقوبة، حتى لا تتأذى العدالة التي
وضعت من أجلها العقوبات في إنزال العقاب بالجاني ([19]).
وهنا اتجه المشرع إلى توسيع سلطة القاضي في تقدير العقوبة على أساس
مبادئ تحقيق العدالة، فأخذ بنظام الظروف المخففة ليطلق يد القاضي ويوسع من سلطته
التقديرية، ليس وقوفا عند الحد الأدنى المقرر للعقوبة بل مكنه من النزول عن هذا
الحد الأدنى مستخدما الرأفة تقديرا منه لظروف الجريمة، فإن كانت الأعذار القانونية
قد بينها القانون في النصوص العقابية، وإن كانت بعض النصوص قد تضمنت النص صراحة
على حالات الأعذار؛ سواء أكانت معفية أم مخففة، إلا أن المشرع أراد أن يضع نظام
الظروف المخففة على جميع النصوص العقابية تحقيقا للغاية من التشريع العقابي؛ وهو
تناسب العقوبة مع الفعل الجرمي.
وقد أخذ المشرع القطري بنظام الظروف المخففة في قانون العقوبات
الجديد على مبادئ العدل والمساواة، وهو نظام تقوم عليه الفلسفة الجنائية، فتحقيق
المساواة يختلف من جريمة إلى أخرى، بل يتعدى ذلك أشخاص الجريمة ذاتها، كل حسب فعله
وظروف وملابسات ارتكاب هذا الفعل، وفي هذا مزيد من تحقيق العدالة.
المبحث
الثاني
الطبيعة
القانونية للظروف ألمخففة
مما لا شك فيه أن المعرفة الصحيحة لظروف الجريمة
تقتضي البحث في الطبيعة القانونية لهذه الظروف، ومن واقع هذه الطبيعة القانونية،
يمكن الوصول إلى فهم أعمق ومعرفة أكثر تحديدا ودقة لظروف الجريمة، وهذا يقتضي
بطبيعة الحال تحديد مدلول نموذج الجريمة؛ إذ من المستقر عليه أن الظروف المشددة
منها والمخففة لا تعتبر عناصر داخلة في تكوين الجريمة، بل في عناصر تلحق بها وتحدث
فيها أثرا قانونيا ([20]).
وقد اختلف الفقه والقضاء حول طبيعة الظروف
المخففة، وما إذا كانت تتمتع بوصفها ظروفا، فذهب بعضهم إلى إنكار ذلك، في حيث ذهب
آخرون إلى تمتعها بها؛ وأما من أنكروا وصف الظروف على الظروف المخففة فقالوا إن
نظام الظروف المخففة لا ينتمي لظروف الجريمة بالمعنى الفني، وهم فقهاء إيطاليا
وفرنسا ([21]) ؛ وهذا الرأي الذى يحتوى
على تحليل تاريخي لنظام الظروف المخففة لا شك في صحته، ولكنا نعتقد أنه لا يصدق
على الظروف المخففة إلا من الناحية التاريخية فحسب، ذلك أن العقوبة قد مرت بتطور
كبير انتقلت فيه من النقيض إلى النقيض ([22]).
أما الذين أسبغوا وصف الظروف على الظروف المخففة،
فهم يرون أن الظروف المخففة تحتفظ من حيث طبيعتها وآثارها بوصف الظروف شأنها في
ذلك شأن أي ظرف مخفف أو مشدد، وليس من السائغ إخراجها من مجال النظرية العامة
لظروف الجريمة ([23]). وخلاصة القول في كل ما
سلف أن الظروف المخففة لا تخرج عن الطائفة العامة لظروف الجريمة ولا تستقل عنها
بطبيعة خاصة، وبذلك تنتهي إلى إسباغ وصف الظروف عليها ([24]).
ولتوضيح هذا المعنى للطبيعة القانونية لكل من الأعذار القانونية
والظروف التقديرية المخففة للعقوبة، فإننا نعرج على الحديث عن نقطتين مهمتين:
1.
بالنسبة للأعذار القانونية:
كل الأعذار قانونية فهي ظروف حددها القانون
تحديدا، سواء من حيث الأحوال التي توجد فيها أو من حيث آثارها ([25])، على أن الأعذار وإن
اتحدت طبيعتها إلا أن لكل منها أثرا عينه القانون فمنها المعفى ومنها المخفف.
2.
الظروف التقديرية المخففة للعقوبة:
إن نظرية الظروف المخففة ليس لها مكان في قوانين
العقوبات التي تضع حدا أقصى للجريمة دون تعيين حد أدنى خاص بهذه الجريمة، لهذا نجد
أن مجال إعمال نص المادة (17) من قانون العقوبات المصري لا يكون له أثر إلا بالنسبة
للجنايات، أما الجنح والمخالفات فلا مجال لإعمال نص هذه المادة فيها، إذ إن هذه
النظرية تتطلب أن يكون للجريمة عقوبة ذات حدين أقصى وأدنى، لتكون للقاضي سلطة
تخفيض العقوبة في حدود هذين الحدين ([26]).
ويقصد من نظام الظروف المخففة أن تتاح للقاضي مراعاة درجة إجرام
الجاني ومدى خطورة الفعل الذي ارتكبه، والنتيجة الإجرامية التي تحققت من هذا الفعل
الإجرامي ليوازن العقوبة على هدى منها، ويكون عقيدته الجنائية من خلال مجموع أفعال
الجاني والحالة الجنائية التي كان عليها وما صاحب ذلك من ظروف وملابسات أخرى في
أثناء أو قبل ارتكاب الجريمة.
وقد أخذ المشرع القطري حديثا بنظام الظروف المخففة، بل توسع في هذا
النظام ليشمل الجنايات والجنح؛ وهذا ما نصت عليه المادة (93) من قانون العقوبات
القطري الجديد. كما جاءت بعض نصوصه بالأعذار المخففة والمعفية.
ج-الظروف المخففة والنموذج الإجرامي:
بالحديث عن مدلول نموذج الجريمة الذي ذكرناه في مقدمة الموضوع، فإن
النموذج القانوني للجريمة يتكون من جميع العناصر المكونة لها، وإنه يمكن التعرف
على هذا النموذج من نص التجريم الذي يرد به تحديد نماذج الجرائم وعقوباتها وهو
أصلا موجه للأفراد المخاطبين بأحكام قانون العقوبات. وبما أن المشرع لا يستطيع أن
ينص على كل المتغيرات والتفصيلات التي تلحق بالجريمة أو الصور المختلفة التي
تتخذها، لذلك فهو ينص على الحد الأدنى من العناصر المكونة واللازمة لوجود الجريمة،
وهذا ما يسمى بالنموذج القانوني المجرد للجريمة، أما بالنسبة للمتغيرات والصور
المختلفة التي تتحقق فعلا بارتكاب الجريمة، وما يلحق بالفعل الجرمي من أوصاف عند
ارتكابه وإبرازه في العالم الخارجي، فهي جميعا تكون ما يسمى " النموذج
الواقعي للجريمة " إذا ما أضيفت إلى العناصر المجردة المكونة للجريمة. وعلى
هذا فإن النموذج القانوني للجريمة يصلح للتطبيق على الأشكال المختلفة التي يتخذها
الفعل الجرمي في العالم الخارجي. أما النموذج الواقعي، فهو الواقعة التي تقع فعلا
بكل تفصيلاتها وخصائصها وأوصافها وهي التي يبحث القاضي في مدى خضوعها وتطابقها مع
النموذج القانوني المجرد.
ويبدو جليا أن للنموذج الواقي للجريمة أو النموذج
الإجرامي فوائد عملية عدة، فهو يشد الانتباه إلى كل خصوصية يجب توافرها ماديا في
السلوك الإجرامي كي تعتبر جريمة، وهذا يساعد على التعرف على خصوصيات الجريمة، كما
أنه يساعد على عرض مفردات الجريمة بأسلوب منطقي، ثم إن المقارنة بين النماذج
الإجرامية لتحديد ما يكون من العناصر قاسما مشتركا بينها، وما يكون مميزا لبعضها
تفيد في التفرقة بين النماذج الإجرامية المختلفة، وهذا بدوره ينير السبيل أمام
القاضي ليناي به عن الحكم بإدانة غير مستحقة لأن معرفة النموذج الإجرامي تحدد له
بوضوح المعالم المادية للسلوك الجرمي المحظور ([27]).
وهنا نصل إلى اتحاد الظروف القضائية والأعذار
القانونية المخففة من حيث الطبيعة القانونية، إذ أن كلا منهما لا يعدو في نظرنا أن
يكون من قبيل الظروف التي تسوغ إنقاص العقوبة إلى أقل من الحد الأدنى المقرر، وليس
من فارق بينهما إلا نص المشرع على الأعذار دون الظروف القضائية، مما يستتبع التزام
القاضي بها عند تحققها ([28]).
الفصل
الثاني
أثر
شخصية الجاني و حالته على الظروف المخففة
المبحث
الأول
أثر
شخصية الجاني ونوع الجريمة في العقوبات المخففة
هنا نقصد شخصية الجاني عند ارتكاب الجريمة؛ حيث أن الجاني يكون في
وضع يؤثر في وصف الجريمة أو في تقدير القاضي لها بسبب ظروف شخصية أو أسباب شخصية.
وفي مقام توافر الأعذار الشخصية، المعفي منها
والمخفف، والمتعلقة بشخص الجاني فقد جرى نص المادة (43) من قانون العقوبات رقم 11
لسنة 2004 في فقرتها الأولى على أنه " إذا توفرت أعذار شخصية معفية من العقاب
أو مخففة له في حق أحد المساهمين في الجريمة فاعلا كان أم شريكا فلا يتعدى أثرها
إلى غير من تعلقت به "، فالقاعدة العامة أن كل فاعل من بين الفاعلين
المتعددين لا يتأثر البتة بما يتوافر لدى فاعل آخر من ظروف شخصية خاصة به؛ فتأثير
الظرف الشخصي يقتصر فحسب على من توافر لديه الظرف ولا يمتد إلى غيره؛ سواء أكان من
شان ذلك الظرف تشديد العقاب أم تخفيفه أم الإعفاء منه، وسواء أكان الفاعل الآخر
عالما بالظرف أم جاهلا إياه. والظرف الشخصي في هذا الصدد هو كل ما يؤثر في مسؤولية
الفاعل في أي اتجاه كان، ويتعلق بالوضع الخاص بالفاعل محل البحث أو الجاني، وليس
بالجريمة في ذاتها ([29]).
كذلك قد تتوافر ظروف أخرى شخصية لدى أحد الفاعلين، وحينئذ ينحصر
تأثيرها فيمن توافر لديه الظرف ولا يتعداه إلى غيره، وليس ذلك إلا تطبيقا للقواعد
العامة في المساهمة الجنائية عند تعدد الفاعلين أو المساهمين، واستقلال كل من
هؤلاء بالظروف الشخصية الخاصة به؛ وتطبيقا لذلك إذا كان أحد المساهمين فاعلا أو شريكا
فإنه يستفيد من ظرف مخفف نسبي، أي أنه مقرر لمن يحمل صفة معينة دون غيره، فهو الذي
يستفيد وحده من الظرف دون المساهمين أو الفاعلين الآخرين.
وإذا كان الفاعل لا يتأثر في عقابه بالظروف
الشخصية التي تتوافر لدى غيره من الفاعلين فهو لا يتأثر أيضا بمثل تلك الظروف إذا
توافرت لدى الشريك أو المساهم ([30]).
وقد يكون للظروف الاجتماعية أثر مباشر في شخصية الجاني وقد تقع منه
أفعال مجرمة تحت تأثير هذه الظروف.
وقد حسمت بعض قوانين العقوبات بعض هذه الحالات التي يكون مرجعها
ظروفا اجتماعية مثلما فعل قانون العقوبات المصري بالمادة (237) في وضع الزوج الذى
يفاجئ زوجته متلبسة بالزنا موضع المعذور قانونا وهي مراعاة الحالة النفسية التي
يكون عليها الزوج عند مفاجأة زوجته متلبسة بالزنا، وقد حذا حذو المشرع المصري
المشرع الكويتي فنص بالمادة (153) على هذا العذر بل توسع فيه ليشمل الأب والأخ، في
حيث لم يسلك هذا النهج المشرع القطري لا في قانون العقوبات رقم 14 لسنة 1971 م ولا
في القانون رقم 11 لسنة 2004 م. فلم يأخذ بحالة مفاجأة الزوج لزوجته أو ابنته عذرا
قانونيا، لكن ما نصت عليه المادة (92) من قانون العقوبات الجديد قد يحتوى على هذه
الحالة الاجتماعية التي تؤثر في شخصية الجاني عند ارتكاب هذا النوع من الجرائم على
نطاق أوسع، فتكون للقاضي سلطته التقديرية في النزول بالعقوبة تخفيفا لها عند توافر
هذه الحالة، دون تقيد بنص محدد وبأشخاص بعينهم، ولذا تكون للقاضي في هذا المقام
السلطة التقديرية المنوط بها تحديد توافر العذر من عدمه.
وقد يكون للظروف الوظيفية تأثير في شخصية الجاني، فقد يتجاوز الموظف
حدود سلطته الوظيفية معتقدا سلامة موقفه، أو تنفيذا لأوامر من رئيسه فتقع الجريمة
بسبب هذه الأوامر الرئاسية، أو بسبب الاعتقاد بصحتها، وبأن تنفيذها من اختصاصه،
وبالرغم من أن توافر هذه الحالات يعد مانعا من موانع العقاب فلا تقع العقوبة، إلا
أن هذه القواعد قد لا تنطبق انطباقا كاملا، ولكن الظروف والملابسات تنبئ عن أن
الموظف قد سلك بعضا منها أو توافر في سلوكه جزء من هذه الحالات، وهو ما نصت عليه
المادة (48) من قانون العقوبات الجديد، فهي نصت على الحالات المعفية من العقوبة،
ولكن شريطة أن يكون الموظف قد بذل من العناية الواجبة ما يدل على أنه تثبت وتحرى
قبل ارتكابه الفعل المعفى من العقوبة، وأنه كان يعتقد مشروعيته، وأن اعتقاده كان
مبنيا على أسباب معقولة أثرت في اعتقاده مشروعية الفعل، فهنا قد يجد القاضي للموظف
ظرفا مخففا أو عذرا يجعله يقضي بالعقوبة مستندا إلى الرخصة التي خولها له المشرع
القطري بالمادتين (92، 93) من قانون العقوبات الجديد.
وكذلك قد تكون للظروف الصحية لدى الجاني آثار مباشرة على شخصيته عند
وقوع الجريمة، فالجاني ضعيف الإرادة والإدراك نتيجة وجود عاهة عقلية أو تناول
عقاقير أو مواد مخدرة أو مسكرة لم تؤد به إلى المانع الكامل من المسؤولية
الجنائية، وإنما أدت به فقط إلى ضعف في الإدراك أو الإرادة وقت ارتكاب الجريمة،
فهذا الضعف يكون من الظروف الصحية التي يكون فيها الجاني في حالة عذر مخفف، وهذا
العذر مرجعه أن إرادة الجاني وإدراكه لم يكونا في الوضع الطبيعي الذى يجعله حرا في
إرادته ومدركا لفعله، ولا يستوى الجاني الذى يكون في هذا الوضع مع الجاني المتمتع
بكامل الإدراك والإرادة لاعتبارات عقلية تجعله مضطرب التفكير فيما سيقدم عليه،
فالعذر هنا هو عدم وجود الجاني في الوضع الطبيعي للإنسان العادي؛ وهذا النهج أخذ
به المشرع القطري في قانون العقوبات الجديد، فنص بالمادة (54) في فقرتها الثانية
على أنه "إذا لم يترتب على الجنون أو العاهة العقلية أو العقاقير أو المواد
المخدرة أو المسكرة أو غيرها سوى نقص أو ضعف في الإدراك أو الإرادة وقت ارتكاب
الجريمة عد ذلك عذرا مخففا".
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن الحالة النفسية للجاني والعصبية تعد
من الأعذار القضائية المخففة للعقوبة التي يرجع فيها الأمر لتقدير محكمة الموضوع
دون معقب.
فإذا توافرت حالة هذا العذر يكون للقاضي إعمال نص المادتين (92، 93)
حسب الأحوال مستخدما سلطته التقديرية بالنزول بالعقوبة إلى القدر الذي يراه.
أما الأعذار المادية المعفية من العقاب أو المخففة له فتسرى في حق كل
من ساهم في ارتكاب الجريمة، فاعلا كان أم شريكا، وهذا ما نصت عليه المادة (43) من
قانون العقوبات في فقرتها الثانية باعتبار أن الأعذار المادية مرتبطة بالجريمة
ذاتها.
المبحث
الثاني
الحالة
الجنائية وأثرها في توافر الظروف المخففة
المقصود هنا الظروف والملابسات التي صاحبت وقوع الجريمة، وحالة
الجاني عند ارتكاب الجريمة، فقد يكون الجاني في وضع يهيئ من الناحية النفسية
ارتكاب الجريمة، فتقع الجريمة بناء على مؤثرات خارجية أسهمت في وضع الجاني في حالة
تؤدى به طبقا لمعيار الشخص العادي إلى ارتكاب الجريمة؛ ومثال ذلك السارق الذي يسرق
درءا لجوع قد يؤدى به للهلاك. فهنا ثمة جريمة ارتكبت، ولكن الحالة التي كان عليها
الجاني تمنحه ظرفا مخففا.
وقد تساهم الظروف والملابسات أيضا في وقوع
الجريمة، كأن يكون الجاني تحت تأثير استفزاز من المجني عليه بحيث يتخذ المجني عليه
سلوكا استفزازيا يؤثر تأثيرا مباشرا في نفس الجاني مما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة،
متأثرا بهذه الحالة النفسية التي أوجدها الاستفزاز ([31]).
ويجب أن يقع الغضب وترتكب الجريمة فور وقوع
الاستفزاز؛ فإذا ما وقعت الجريمة بعد مضي وقت كاف من الاستفزاز على نحو زال معه
الغضب فلا مجال للاستفادة من الظرف المخفف ([32]).
وقضت محكمة النقض المصرية بصدد الاستفزاز في حكمها
الصادر في 28/2/1972 الطعن رقم 1173 لسنة 46 بما يلي: " لما كان مناط الإعفاء
من العقاب لفقدان الجاني لشعوره واختياره في عمله وقت ارتكاب الفعل هو أن يكون سبب
هذه الحالة راجعا إلى ما تقضي به المادة (62) ([33]) من قانون العقوبات المصري
- لجنون أو عاهة في العقل دون غيرها – وكان من المستفاد من مدونات الحكم أن الطاعن
كان في حالة من حالات الإثارة أو الاستفزاز تملكته فألجأته إلى فعلته عندما سمع
بحمل أخته سفاحا مما لا يتحقق به الجنون والعاهة في العقل، وهي مناط الإعفاء من
المسؤولية ولا يعد في صحيح القانون عذرا معفيا من العقاب، بل يعتبر عذرا قضائيا
مخففا يرجع مطلق الأمر في إعماله أو إطراحه لتقدير محكمة الموضوع دون رقابة من
محكمة النقض".
ومن الظروف الشخصية أيضا حالة تجاوز شخص ما حدود دفاعه الشرعي؛ حيث
ارتكب هذا الفعل بنية سليمة ستؤثر إيجابا عند معاقبته من قبل قاضي الموضوع. وقد
أخذ المشرع القطري بحالة تجاوز حدود الدفاع الشرعي فنص المادة (51) من قانون
العقوبات القطري على أنه " إذا جاوز الشخص بحسن نية حدود الدفاع الشرعي بأن
استعمل لدفع الاعتداء قوة تزيد على القدر الذي كان يستعمله الشخص العادي إذا وجد
في ظروف ودون أن يكون قاصدا إحداث أذى أشد مما يستلزمه الدفاع، جاز للقاضي إذا كان
الفعل جناية أن يعد الشخص معذورا ويحكم عليه بعقوبة جنحة بدلا من العقوبة المقررة
في القانون، وأن يعتبر ظرفا مخففا إذا كان الفعل جنحة "، وهنا حذا القانون
القطري حذو القانون المصري الذي نص على حكم خاص شذ به عن القواعد العامة في تجاوز
حدود الدفاع الشرعي، ومعنى ذلك أن من تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإنه لا يعفى من
العقاب بالكلية بل يعاقب؛ ولكن إذا كانت جناية عوقب بعقوبة جنحة وإذا كان فعله
جنحة فيجوز للقاضي اعتبار ذلك لدى الجاني ظرفا مخففا.
وغني عن البيان في هذا الخصوص أن الحالة الجنائية للجاني هنا تكون
ضمن الاعتبارات التي يأخذ بها القاضي مستخدما سلطته التقديرية في القضاء بالعقوبة
في حدود حديها الأقصى والأدنى، وقد يستخدمها القاضي أيضا في استخدام ما رخص به
القانون في النزول درجة أو درجتين بالعقوبة طبقا لما أشارت إليه المادتان (92، 93)
من قانون العقوبات القطري.
الفصل
الثالث
أنواع
الظروف المخففة وتمييزها عن غيرها من الظروف
المبحث
الأول
أنواع
الظروف المخففة للعقوبة في القانون القطري
الظروف المخففة هي التي تحمل القاضي على النزول بمقدار العقوبة إلى
ما دون حدها الأدنى، والظروف المخففة في القانون القطري تنقسم إلى قسمين: القسم
الأول من هذه الظروف ورد النص عليه صراحة، وهو ما يعرف بالأعذار القانونية، والقسم
الثاني يترك لوجدان القاضي وتقديره إن شاء منح الجاني فرصة الاستفادة من هذه
الظروف وإن شاء منعها عنه، وهو ما يعرف بالظروف القضائية المخففة أو الأسباب
المخففة أو الظروف التقديرية المخففة كما تسمى في التشريع القطري.
وسوف نتناول كل نوع منها في فرع مستقل، حيث يخصص الفرع الأول للأعذار
القانونية بينما يخصص الفرع الثاني للظروف التقديرية المخففة.
الفرع
الأول
الأعذار
القانونية
الأعذار هي طائفة خاصة من الظروف المخففة نص عليها
المشرع صراحة ورتب عليها آثارها فأوجب النزول بالعقوبة عند وجودها إلى أدنى مما
تنزل إليه عند وجود الظروف الأخرى، وتشمل الأعذار القانونية في مفهومها الواسع
طائفة أخرى من الأعذار هي الأعذار المعفية، وهذه الأعذار من شأنها إعفاء الجاني من
العقوبة كلها ([34]).
والأعذار نوعان: أعذار مخففة للعقاب، وأعذار معفية منه.
أولا: الأعذار المخففة:
وهي أسباب حددها المشرع، وأوجب عند توافرها تخفيف العقوبة عن المتهم؛
فالتخفيف هنا ليس متروكا لسلطة القاضي في تقدير العقوبة، وإنما هو تخفيف وجوبي
حدده القانون سلفا وألزم القاضي بمراعاته، ومن ثم فهي أسباب تحد من نطاق العقوبة
التي نص عليها المشرع. فإذا أغفل القاضي تطبيقها كان هناك خطأ في تطبيق القانون؛
وهذه الأعذار وردت حصرا فلا يجوز القياس عليها.
وتختلف غاية المشرع من تقدير العذر المخفف باختلاف
الحالات التي ينص فيها على تخفيف العقوبة بالنسبة لبعض الجناة، فقد يتقرر التخفيف
بسبب نقص في الوعي والإدراك حسبما ورد بنص المادة (54/2) من قانون العقوبات
القطري، وقد يكون تقديرا لبعض الظروف التي أحاطت بفاعل الجريمة عند ارتكابها ([35]).
والأعذار المخففة نوعان: عامة وخاصة؛ وتسري الأعذار العامة على جميع
الجرائم دون استثناء، بخلاف الأعذار الخاصة فإن أثرها ينحصر في جرائم معينة محددة
بذاتها.
وقد عرف القانون المصري والقانون القطري عذرا عاما
مخففا هو صغر السن. ويذهب بعضهم إلى اعتبار تجاوز حد الدفاع الشرعي عذرا عاما آخر؛
وتجاوز حد الدفاع الشرعي بحسن نية يغير التكييف القانوني للجريمة من جناية إلى
جنحة، وذلك باعتبار أن حسن النية يؤدى إلى اعتبار الجريمة العمدية جريمة غير عمدية
بسبب الغلط في الإباحة الذي وقع فيه الجاني ([36]) (م 51) من العقوبات القطري.
1. الأعذار المخففة العامة:
وهي التي تطبق على كل مرتكب للجريمة إذا توافرت شروطها فيه؛ وهذه
الظروف تشمل جميع الجرائم دون استثناء، ومن أهمها عذر صغر السن الذي ورد النص عليه
في قانون الإحداث القطري رقم 1 لسنة 1994 م، حيث جاء في الفصل الثاني منه بيان
لعقوبة الحدث التي تتفاوت بتفاوت سنه، فهناك قواعد تطبق على الحدث الذي لم يتجاوز
سنه أربع عشرة سنة (المادة 8 من قانون الأحداث)، وأخرى تطبق على من تجاوز سنه أربع
عشرة سنة (المادة الأولى من قانون الإحداث).
والعذر القانوني المخفف الذي يمنح للحدث ينطوي على
افتراض من جانب المشرع بأن الحدث بسبب صغر سنه يكون مستوى نضجه العقلي أقل من
المستوى الذي يكون عليه الإنسان في سن أكبر، وهذا يستتبع أن تكون مسؤوليته عن
الأفعال الجرمية التي يأتيها أقل من مسؤولية من بلغ سنا أكبر، مما يقتضي تخفيف
العقوبة بحق الحدث بحيث تتلاءم في نوعها ومقدارها مع درجة نموه العقلي ([37])، وقد نصت المادة (20) من
قانون العقوبات القطري على أن " لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على من لم يبلغ
الثامنة عشرة من عمره وقت ارتكابه الجريمة".
وكذلك عذر تجاوز حدود الدفاع الشرعي، حيث يستفيد منه كل شخص كان في
ظروف الدفاع الشرعي عن النفس أو المال أو غيره، بحيث إذا جاوز الشخص بحسن نية حدود
الدفاع الشرعي بأن استعمل لدفع الاعتداء قوة تزيد على القدر الذي كان يستعمله
الشخص العادي، إذا وجد في ظروفه، ودون أن يكون قاصدا إحداث أذى أشد مما يستلزمه
الدفاع، فهنا أجاز المشرع القطري إذا كان الفعل جناية أن يعد الشخص المتجاوز معذورا
ويحكم عليه بعقوبة الجنحة، وإذا كان فعله جنحة فإنه يعتبره مستفيدا من ظرف مخفف
مستمد من العذر.
2.
الأعذار المخففة الخاصة:
هي أعذار قانونية يقتصر نطاقها على جريمة معينة أو
عدد محدد من الجرائم التي نص عليها القانون صراحة، ويستفيد الجاني إذا توافرت
شروطها فيه ([38])، وهذا النوع من الأعذار
هو تجسيد لفكرة التفريد التشريعي للعقوبة، بحيث يمنح المشرع مرتكبي بعض الجرائم
فرصة الاستفادة منها في بعض الحالات، وفي نطاق بعض الظروف التي قد تحيط بالجريمة
أو بشخص مرتكبها.
والأعذار المخففة الخاصة في التسريع القطري هي العذر المخفف الذي
يمنح للمرأة بموجب المادة (303) من قانون العقوبات إذا قتلت عمدا طفلها الذي حملته
سفاحا عقب ولادته مباشرة اتقاء للعار، ومحافظة على شرفها، حيث جعلت ذلك عذرا
مخففا، فالجريمة المرتكبة هي جريمة قتل، ومع ذلك اعتبرها المشرع جنحة؛ ومع أن
المشرع الأردني توسع في هذا العذر حيث يستفيد من العذر نفسه من يرتكب فعل إجهاض
امرأة حامل للمحافظة على شرفها شريطة أن تكون هذه المرأة أحد فروعه أو إحدى
قريباته حتى الدرجة الرابعة. ووضع المشرع القطري للمرأة عذرا مخففا أيضا إذا أجهضت
نفسها أو عن طريق غيرها، وهذا العذر لها وحدها ولا يستفيد منه غيرها. (م 317 من
قانون العقوبات).
ومن الأعذار الخاصة في القانون المصري حالة من فاجأ زوجته متلبسة
بالزنا على فراش الزوجية، (المادة 237 عقوبات مصري)، ولم يأخذ المشرع القطري بهذا
العذر الخاص، وفتح المجال أمام القاضي لإعمال الظروف القضائية المخففة، أما المشرع
الأردني فقد توسع في هذا العذر حيث منح عذرا خاصا لكل زوج فاجأ زوجته متلبسة بالزنا
وقتلها، فهنا يعد معذورا؛ بل إنه منح العذر الخاص المخفف لكل زوجة فوجئت بزوجها
متلبسا بالزنا واعتدت عليه اعتداء أفضى إلى موته (م 9 من قانون العقوبات الأردني
المعدل رقم 86 لسنة 2001).
العذر لغة، هو الحجة التي يعتذر بها، والجمع أعذار ([39])، أما في القانون، فإن
العذر هو واقعة أو فعل من طبيعته تخفيف عقوبة جرم ما، أو حذفها وإسقاطها ([40])
والعذر هو حالة وجدت عند ارتكاب الجريمة، تناولها المشرع بالنص عليها.
والعذر المعفى عرفه الفقيه (جارو) بأنه: الوقائع
التي تتضمن عدم معاقبة شخص تقرر قضائيا أنه مجرم بجرم ما ([41])، وعرف بعض فقهاء القانون
العرب الأعذار المعفية بأنها أسباب للإعفاء من العقاب على الرغم من بقاء أركان
الجريمة كافة وشروط المسؤولية عنها متوافرة ([42]).
والأعذار المعفية تحول دون الحكم بالعقوبة، فإعفاء الجاني من العقوبة
رغم ثبوت الجريمة وتوافر أركانها المادية والقانونية والمعنوية يقوم على أسس
واعتبارات وقواعد تهم مصلحة المجتمع وتستند إلى السياسة الجنائية المعاصرة.
وللأعذار المعفية طابع الاستثناء، باعتبارها تنتج
أثرا على خلاف الأصل، وبناء على ذلك كان متعينا أن يحددها القانون على سبيل الحصر،
فلا عذر إلا في الحالات التي يحددها القانون؛ ويرتبط بهذا الطابع الاستثنائي وجوب
أن تفسر نصوصها تفسيرا ضيقا ([43]).
ولا توجد أعذار معفية عامة تنطبق على جميع
الجرائم، إذ أن المشرع خص بها جرائم معينة، وهي يقررها القانون لأسباب في بعض
الحالات التي تقتضيها سياسة العقاب ([44])، كأن يقصد المشرع منح
الإعفاء حفاظا على الروابط العائلية، كما هي الحال حين يعفى أصول الجناة وفروعهم
وأزواجهم إذا ارتكب أي منهم جريمة إخفاء الجاني أو ساعده على التواري عن وجه
العدالة حسبما ورد بنص المادة (199 / 3) من قانون العقوبات.
وكذلك منح المشرع عذرا معفيا من العقاب حفاظا على الروابط العائلية
للزوج وللأصول والفروع إذا علموا بوقوع جناية أو جنحة وأعانوا الجاني على الهرب
حسبما ورد بنص المادة (200 / 3) قانون العقوبات القطري، لأن هؤلاء المشمولين
بالعذر عند ارتكابهم جريمة الإخفاء كانوا في حالة اعتبرها المشرع عذرا لأنها وجدت
معهم عند ارتكاب الجريمة، فالعذر مرتبط بالشخص وقت ارتكاب الجريمة وليس بعدها.
ويذهب بعض شراح قوانين العقوبات الأكاديميين إلى
اعتبار إعفاء الجناة من العقوبات المقررة إذا بادروا بإبلاغ السلطات المختصة قبل
البدء في التحقيق فيها وكشف الجناة عذرا معفيا من العقاب ([45]). وعلى هذا المنهج نصت
المادة (144) من قانون العقوبات على إعفاء الراشي والوسيط في جريمة الرشوة، ونصت
المادة (176) من قانون العقوبات على الأعفاء في حالة رجوع من حلف كذبا يمينا أمام
القضاء، وما نصت عليه المادة (178) من ذات القانون بشأن حالة رجوع الشاهد عن
شهادته الكاذبة، ونصت المادة (179) من ذات القانون على حالة عدول الشاهد عن حضوره
لأداء الشهادة أو حلف اليمين، ونصت على الأعفاء أيضا المادة (50) من قانون مكافحة
المخدرات رقم 9 لسنة 1987، ونصت عليه المادة (105) من قانون مكافحة غسل الأموال
رقم 28 لسنة 2002.
وهنا يثور السؤال التالي الذي نستطيع من خلاله التفرقة بين الأعذار
وغيرها: كيف يكون الشخص هنا معذورا؟
يكون الشخص معذورا إذا توافرت فيه الحالة التي نص عليها القانون،
ومثال ذلك مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بجريمة الزنا مع رجل أجنبي، وقيام هذا الزوج
بقتلها حالا، وهو ما تناوله نص المادة (237) من قانون العقوبات المصري، فهنا عنصر
المفاجأة هو العذر المخفف، وهذه حالة توفرت في الزوج ووجدت عند ارتكاب الجريمة
وتناولها المشرع بنص صريح.
ورأينا في هذا الأمر هو أن المواد التي نص عليها
المشرع في قوانين العقوبات، ومنها نص المادة (129) من قانون العقوبات القطري من
أنه "يعفى من العقوبة المقررة في هذا الباب كل من بادر من الجناة بإبلاغ
السلطات قبل البدء في ارتكاب الجريمة أو قبل بدء التحقيق فيها، ويجوز للمحكمة
الإعفاء من العقوبة إذا حصل البلاغ بعد تنفيذ الجريمة وبعد البدء في التحقيق، كما
يجوز للمحكمة تخفيف العقوبة إذا سهل الجاني للسلطات المختصة في أثناء التحقيق أو
المحاكمة القبض على أي من الجناة"
([46])، أن هذه المادة مثال على
أن هذا العمل الذى أقدم عليه الجاني حصل بعد ارتكاب الجريمة وليس في وقت ارتكابها،
وهذا الإعفاء وجودي في حالة وجوازي في حالة أخرى، و العذر المعفي أو المخفف هو أمر
وجوبي على المحكمة إذا أغفلته تكون قد أخطات في تطبيق القانون.
لذلك نرى أن هذه الإعفاءات التي نص عليها المشرع لمن بلغ عن جريمة،
سواء قبل أو بعد البدء في التحقيق وفقا لتعريف العذر اللغوي والقانوني وشروطه، هي
ظروف قانونية معفية من العقوبة، ولا ينطبق عليها وصف الأعذار القانونية، كما ذهب
شراح قانون العقوبات الأكاديميون، لأن تقديرها من قبل القاضي، وفي أغلب الأحيان
يكون إعمالها جوازيا.
الفرع
الثاني
الظروف
التقديرية المخففة
نظام الظروف التقديرية المخففة ([47]) هو الذي يخول القاضي
بمقتضاه سلطة تقديرية في الهبوط بالعقوبة دون الحد الأدنى المنصوص عليه، إذا رأى
في ظروف القضية ما يدعو إلى ذلك؛ فهذا السبب من أسباب تخفيف العقاب يميزه في
مواجهة الأسباب الأخرى التي لها ذات الأثر، وعلى وجه الخصوص الأعذار المخففة، أي
أنه يغطي حالات غير محصورة وغير محددة سلفا، ويترك استخلاصها لظروف كل قضية على
حدة ([48]).
ولم يحدد الشارع الظروف المخففة، ولم يضع ضوابط
تعين القاضي على استخلاصها، بل ترك ذلك كله لفطنته وحسن تقديره، ومن ثم كانت غير
محددة عددا وغير معرفة مضمونا، وقد وضع الشارع في القضاء ثقة كبيرة عن طريق نظام
الظروف المخففة، فخوله أن يستظهرها من أي عنصر للدعوى، وقرر له مجال تخفيف متسعا
جدا، ولم يلزمه بتعليل قراره بمنح الأسباب، وهو هنا لا يستطيع أن يجاوز في التخفيف
حدودا يرسمها الشارع ([49]).
ويؤدى نظام التخفيف القضائي دورا بالغ الأهمية في
تفريد العقاب وإضفاء المرونة عليه؛ فقاعدة التناسب بين الجريمة والعقوبة لا تعمل
في مرحلة التحديد التشريعي للعقاب فحسب، وإنما يتطلب ميزان العدالة مراعاتها في
الحالات الواقعية عند التطبيق، وهي حالات لم يكن في مقدور المشرع حصرها ولا توقعها
بحال، فإذا كانت الجريمة واحدة من الناحية القانونية فإن ظروف ارتكابها لا تجعلها
كذلك في جميع الحالات التي ترتكب فيها، كما أن شخصيات مرتكبيها ليست متماثلة
بالضرورة، وبناء على ذلك فإن توحيد العقاب مع ذلك التباين الملحوظ يخل باعتبارات
العدالة. وتبدو أهمية الظروف القضائية المخففة للعقوبة جلية في مواجهة العقوبات
ذوات الحد الواحد ([50]).
والمشرع القطري لم يحدد الظروف القضائية أو الأسباب، وترك أمر وجودها
أو عدمه للسلطة التقديرية للمحكمة، ولكن ضمن الحدود التي نصت عليها المادتان (92
و93) من قانون العقوبات وقصرها على الجنايات والجنح دون المخالفات.
ولا تقتصر الظروف المخففة التقديرية على الجرائم
الواردة في قانون العقوبات، وإنما تشمل جميع الجرائم المنصوص عليها في القوانين
الخاصة ما لم تنص هذه القوانين على حظر الأخذ بالظروف المخففة في تطبيق العقوبات
على مقترفي الجرائم التي تقررها هذه القوانين ([51]).
وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق الظروف القضائية المخففة لا يترتب عليه
تغيير وصف الجريمة، بل تبقى كما هي جناية أو جنحة حسب الأصول، عكس العذر القانوني
الذي يؤثر في الوصف القانوني للجريمة، وحسب العقوبة التي يفترضها العذر المخفف. (م
25 العقوبات القطري).
ومع أن هذه الظروف ترك امر تقديرها لسلطة القاضي التقديرية فإن هناك
ضوابط معينة لا بد من مراعاتها عند الأخذ بالظروف المخففة التقديرية:
وإذا كان الشارع قد نص على أعذار مخففة، فنصوصه في
هذا الشأن غير كافية؛ إذ قد تعرض للقاضي اعتبارات تستوجب التخفيف لم يتوقعها
الشارع فلم يدرجها بين هذه الأعذار، فتكون الوسيلة إلى التخفيف بناء عليها الظروف
المخففة، ولهذه الأسباب في النهاية دور قانوني مهم هو تمكين القاضي من تطوير
القانون وفقا للمشاعر الاجتماعية أو النظريات العلمية إذ أضحت تقدر شدة العقوبات
المقررة لبعض الجرائم، فيستطيع القاضي الاستجابة لها مع الإبقاء في الوقت ذاته على
العقوبة الشديدة في القانون تحقيقا للردع العام ([53]).
ضوابط الظروف القضائية المخففة:
لم يضع المشرع القطري ضوابط لهذه الظروف وفقا
للمادتين (92 و 93) من قانون العقوبات، مثله مثل أغلب التشريعات، ولم يذكر لها
أمثلة تاركا ذلك لفطنة القاضي التقديرية، ولكن ذلك لا يعني التحكم القضائي في هذا
المجال، وإنما على القاضي أن يسترشد بضوابط تحدد له الجدارة بالتخفيف ومداه، وهذه
الضوابط هي ذات الضوابط التي تعينه على استعمال سلطته التقديرية بين الحدين
الموضوعين للعقوبة ([54])؛ فإذا تبين له أن هذه
الضوابط تكشف عن تضاؤل خطورة المجرم إلى قدر لا يكفي معه الهبوط إلى الحد الأدنى
للعقوبة لتكون عادلة، فإنه يستطيع بتقريره توافر الظروف المخففة أن يهبط بالعقوبة
إلى ما دون الحد الأدنى.
ومن الأمثلة على الأسباب التي قد تدعو إلى تخفيف
العقوبة تفاهة الضرر الناجم عن الجريمة أو إصلاح هذا الضرر، وعدم وجود سوابق بحق
المجرم، وارتكاب الجريمة بشكل عفوي، وصغر سن المتهم أو سوء تربيته ([55])، أو إسقاط المجني عليه
حقه، والحالة النفسية أو الصحية للمتهم، واعتداء المجني عليه على الجاني بالسب
والتحقير؛ وقد اعتبرت محكمة التمييز الأردنية في حكمها رقم 137 / 54 لسنة 1955
" أنه يعتبر سببا مخففا المشادة الكلامية والعراك إذا لم يكن على جانب من
الخطورة، وكذلك السب والبصق في وجه الجاني" ([56]).
ويلاحظ أن مضمون الظروف المخففة التقديرية يمكن
تحديده؛ إما على أساس موضوعي يتعلق بمدى جسامة الجريمة، وهذا يعني أن القاضي حين
يحدد أسباب التخفيف فإنه يستخلصها من الظروف الموضوعية التي أحاطت بارتكاب الجريمة
وأثرت على جسامة الجريمة، أو على أساس اعتبارات شخصية لا تتعلق بجسامة الجريمة،
وإنما تتعلق بظروف الجاني الشخصية ومدى دلالتها على توافر الخطورة الإجرامية لديه ([57]).
وبين هذين الاتجاهين، الموضوعي والشخصي، نجد
اتجاها ثالثا يحدد مضمون الأسباب المخففة على أسس موضوعية وشخصية معا، ذلك أن
الجريمة هي مزيج من ماديات تتعلق بمدى جسامة الضرر ومعنويات تعكس الخطورة
الإجرامية ومدى الإثم ([58])؛ والعبرة دائما بما
يستشعره القاضي في حواسه وشعوره؛ بحيث يرى بناء على علل مختلفة مادية ومعنوية أن
الجاني جدير بعقوبة دون الحد الأدنى المقرر قانونا لأن ذلك أدعى إلى تحقيق
العدالة؛ وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية في حكمها رقم 181 الصادر في 8 يناير
سنة 1934: " إن عبارة أحوال الجريمة التي تقتضي رأفة القضاة والتي ورد ذكرها
في المادة 17 عقوبات لا تنصب فقط على مجرد وقائع الدعوى، وإنما تتناول بلا شك كل
ما يتعلق بمادية العمل الإجرامي من حيث هو، وما تعلق بشخص المجرم الذى ارتكب هذا
العمل وشخص من وقعت عليه الجريمة، وكذا كل ما أحاط بذلك العمل ومرتكبه، والمجني
عليه من الملابسات والظروف بلا استثناء، أي الظروف المادية والشخصية، وهذه
المجموعة المكونة من تلك الملابسات والظروف والتي ليس في الاستطاعة بيانها ولا
حصرها هي التي ترك لمطلق تقدير القاضي أن يأخذ منها ما يراه هو موجبا للرأفة".
وتقدير الظروف المخففة وموجباتها مرجعه إلى ذات
الواقعة التي وقعت لا إلى الوصف القانوني الذي وصفتها المحكمة به ([59]).
والمحكمة هي التي لها الأخذ بالظروف المخففة التقديرية وحدها، أما
النيابة العامة وهي الأمينة على الدعوى العمومية فإنها لا تستطيع أن تقرر وجود
الظروف المخففة، وبناء عليه فالنيابة إذا رات أن القضية مقترنة ببعض الظروف
المخففة فيجب عليها أن تحيل القضية إلى المحكمة المختصة دون التعرض لهذه الظروف.
والمشرع القطري نص على ظرف مخفف خاص، هو نص المادة (345) من قانون
الإجراءات الجنائية الجديد التي نصت على أن " يوقف تنفيذ عقوبة الإعدام على
المرأة الحامل إلى أن تضع مولودها، فإذا وضعته حيا وكان الحكم بإعدامها قصاصا أو
حدا يؤجل تنفيذ الحكم لمدة سنتين بعد وضعها، أما إذا كان الحكم بإعدامها تعزيرا
فيجوز أن تستبدل بعقوبة الإعدام الحبس المؤبد "؛ وهنا يجب أن نقف مليا أمام
هذا النص بحثا فيما إذا صدر حكم بالإعدام على امرأة واستنفد هذا الحكم جميع طرق
الطعن، وأصبح باتا واجب التنفيذ، وقبل التنفيذ ثبت أن المرأة المحكوم عليها
بالإعدام حامل وأن الحكم الذى صدر كان حكما تعزيريا وليس قصاصا أو حدا، فهنا يجوز
تستبدل بعقوبة الإعدام عقوبة الحبس المؤبد، وهذا يعد ظرفا مخففا جوازيا للقاضي،
فيجوز للقاضي أن يستبدل بعقوبة الإعدام الحبس المؤبد أو يبقي على حكم الإعدام
حسبما يرى ذلك، فإن رأى إبقاء حكم الإعدام دون استبدال فيطبق النص (345) فيما
يتعلق بوقف تنفيذ الحكم لمدة سنتين إذا ما وضعت المحكوم عليها مولودها حيا، وهنا
تجدر الإشارة إلى أن إجراءات استبدال عقوبة الإعدام للمرأة الحامل المحكوم عليها
تعزيرا ولا سيما أن الحكم قد أصبح باتا، ففي هذه الحالة تسلك المحكوم عليها طريق
التماس إعادة النظر طبقا لنص المادة (304/5) من قانون الإجراءات الجنائية القطري
باعتبار أن هذا هو الطريق الذى يطرح الدعوى بعد صيرورة الحكم باتا على محكمة
الموضوع مرة أخرى، وفي هذا ظرف قد يحول دون تنفيذ حكم الإعدام، ويغير وجه الرأي في
الحكم من عقوبة الإعدام إلى الحبس المؤبد.
المبحث
الثاني
معيار
التفرقة بين الأعذار المخففة والظروف المخففة والظروف المشددة
إن الحالة التي وجد عليها أو الحالة الجنائية للمتهم هي معيار
التفرقة بين الظروف المخففة والأعذار القانونية والظروف المشددة، حيث أن الحالة
الجنائية قد تضع المتهم في موقف المعذور، وقد تجعله في موقف يكون لديه ظرف مخفف،
سواء نص عليه في القانون أو ظهر من ظروف وملابسات الجريمة، وقد تكون حالة المتهم
الجنائية مكونة لعناصر الظرف المشدد، فلو أن شخصا ارتكب جريمة وهو ولم يبلغ سن
السادسة عشرة من عمره فإنه هنا يتمتع بعذر قانوني عام، هو عذر صغر السن، فالحالة
الجنائية هنا للمتهم وهي كونه حدثا تضع أمام القاضي معيارا للتفرقة بين المجرم
العادي والجاني صغير السن الذى يتمتع بعذر مخفف.
كذلك لو أن شخصا ما اعتدى عليه من شخص آخر، فقام ودافع عن نفسه وماله
وهو عالم بأن لديه حقا قانونيا هو الدفاع الشرعي، فقام وبحسن نية بتجاوز حدود
الدفاع الشرعي وهو لا يعلم، والجريمة التي ارتكبها تعتبر جنحة، فهو فهنا لديه ظرف
قضائي مخفف للعقوبة يجوز للقاضي اللجوء إليه.
ولو أن شخصا أقدم على سرقة منزل ليلا عن طريق الكسر والتسور، فهذه
الحالة الجنائية التي تطرح أمام القاضي تضع المتهم في ظرف مشدد، حيث أن الجريمة
سرقة ارتكبت ليلا، وتدل على خطورة المتهم، وكذلك عن طريق التسور والقوة، فهي تلزم
القاضي بأن يضع لهذا المتهم جزاء يمنعه من ارتكاب مثل هذه الجرائم عن طريق التشديد
والزجر وتجاوز الحد الأقصى للعقوبة حتى لا يقدم هو أو غيره على مثل هذا الفعل.
والتفرقة بين الأعذار المخففة والظروف القضائية المخففة تقوم على ما
يلي:
إن الأعذار تتفق والظروف المخففة في أنهما تهدفان إلى تخفيض العقوبة
الأصلية، ولا يمتد أثرهما إلى العقوبات الإضافية أو التدابير الاحترازية.
وتختلف الأعذار المخففة عن الظروف المخففة في ما يأتي:
1. وردت الأعذار القانونية
على سبيل الحصر في القانون، بينما الظروف المخففة لا سبيل إلى حصرها.
2. التخفيف في الأعذار
القانونية وجوبي، أما الظروف المخففة فأمرها جوازي متروك لتقدير القاضي وفطنته.
3. إن وجود الأعذار
المخففة قد يؤثر في التكييف القانوني ويحول الجناية إلى جنحة، أما الظروف المخففة
فلا أثر لها على التكييف القانوني للجريمة بل تبقى كما هي جناية أو جنحة، ويقتصر
أثرها على تخفيض العقوبة.
وتترتب على هذا الفرق نتيجة مهمة، هي أن من شأن
الأعذار القانونية أن تعدل من نطاق سلطة القاضي، أما الظروف التقديرية المخففة فمن
شأنها أن توسع من نطاق القاضي، فترفع عنه القيد الذي يتقيد به في صورة فرض حد أدنى
للعقوبة، ويكون له أن يقضي بعقوبة دون هذا الحد ([60]).
أما معيار التفرقة بين الظروف المخففة بمعناها
الواسع ([61]) وبين الظروف المشددة
للعقوبة فهو، كما ذكرنا سابقا، الحالة الجنائية للمتهم، التي وجد عليها عند ارتكاب
جريمته.
فالظروف المشددة هي تلك الظروف المحددة بالقانون
المتعلقة بالجريمة أو بالجاني أو بالمجني عليه، ويترتب عليها تشديد العقوبة
المقررة للجريمة إلى أكثر من الحد الأعلى الذي قرره القانون ([62]). وهي تعرف بأنها: حالات
يجب فيها على القاضي أو يجوز له أن يحكم بعقوبة من نوع أشد مما يقرره القانون
للجريمة، أو يجاوز الحد الأقصى الذي وضعه القانون لعقوبة هذه الجريمة ([63]).
وهناك أوجه شبه وأوجه اختلاف بين الظروف المخففة والظروف المشددة:
أما أوجه الشبه بينهما فهي أن الظروف المشددة حالات يجب فيها على
القاضي أو يجوز له أن يحكم بالعقوبة في حالات معينة، فهنا تلتقي الظروف المشددة مع
الأعذار القانونية في أنها وجوبية في بعض الحالات، ومثال ذلك حسبما نصت عليه
المادة (169) من قانون العقوبات القطري ضمن الفصل المتعلق بإهانة الموظفين من أن
"يعتبر ظرفا مشددا في ارتكاب الجرائم المبينة في هذا الفصل:
1.
إذا ارتكبت الجريمة مع سبق الإصرار.
2.
إذا ارتكب الجريمة أكثر من شخص.
3.
إذا ارتكب الجريمة شخص يحمل سلاحا ظاهرا.
وتضاعف العقوبة عند توفر أحد هذه الظروف المشددة".
فنص المادة هنا بشأن الظروف وجوبي، وعلى القاضي تنفيذه ولا يجوز له
إغفاله، شأنها في ذلك شأن الأعذار القانونية الملزمة للقاضي إذا وجدت، ومثال ذلك
عذر فقد جزء من الإدراك.
وهناك وجه شبه بين الظروف المشددة والظروف القضائية المخففة، هو أن
الظروف المشددة جوازية للقاضي في بعض الحالات؛ أي توسع نطاق سلطته حينما تكون
جوازية بتمكينها له بالإضافة إلى الحكم بالعقوبة العادية للجريمة بأن يحكم بعقوبة
أشد منها نوعا ومقدارا، وعلة هذا التشديد هي إتاحة السبيل لاستعمال أصوب للسلطة
التقديرية للقاضي، شأنها في ذلك شأن الظروف القضائية المخففة، وهي جوازية أيضا.
أما أوجه الخلاف بينهما فهي:
إن الظروف المخففة إما أن تعفي الجاني من العقوبة أو تخفف مقدار
عقوبته، وكذلك تغير وصف الجريمة، فبعض الجرائم جنايات بذاتها لكن المشرع اعتبرها
جنحا لظروف معينة.
أما الظروف المشددة فتعمل على تشديد العقوبة لأنها تستهدف ردع الجاني
ومعاقبته بأكبر قدر ممكن من الشدة، بحيث تفوق العقوبة المقررة في الأحوال العادية،
فالقاضي هنا يحكم بعقوبة أشد مما يقرره القانون للجريمة مجاوزا حدها الأقصى، وذلك
لتمكين القاضي من تحقيق ملاءمة كاملة بين العقوبة التي ينطق بها والظروف الواقعية
للدعوى التي تقتضي مزيدا من التشديد. ومع وجود الظروف المشددة لا يستطيع القاضي أن
يحكم بعقوبة خفيفة؛ إما بسبب إلزام القانون له أو تحقيقا للعدالة بمعاقبة الجاني
على قدر جنايته.
المبحث
الثالث
أوجه
الخ لاف بين الظروف المخففة والعفو من العقوبة ووقف تنفيذ العقوبة
أولا -الظروف المخففة:
الظروف المخففة، كما ذكرنا سابقا، هي التي تحمل القاضي على النزول
بمقدار العقوبة إلى ما دون حدها الأدنى. والظروف المخففة في القانون القطري نوعان:
ظروف ورد النص عليها صراحة، وتعرف أيضا بالأعذار القانونية، وظروف تترك لوجدان
القاضي وتقديره، إن شاء منح الجاني فرصة الاستفادة من هذه الظروف، وإن شاء منعها
عنه، وتعرف بالظروف التقديرية المخففة في التشريع القطري. وتختلف الظروف المخففة
عن الإعفاء من العقوبة، لأن الظروف يقضى بها أثناء نظر الدعوى أمام القضاء، أما
العفو من العقوبة فيأتي بعد إصدار الحكم ولا يأتي إلا من رئيس الدولة أو أمير
البلاد.
ثانيا -العفو من العقوبة:
هو إقالة المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة كلها، أو
بعضها، أو إبدالها بعقوبة أخرى أخف منها ([64])، ولا يؤثر العفو من
العقوبة على الحكم بالإدانة الذي يظل قائما في نظر القانون، فقد نص الدستور الدائم
لدولة قطر في المادة 67 منه على أن "يباشر الأمير الاختصاصات التالية"،
ونص في الفقرة السادسة منها على " العفو من العقوبة أو تخفيفها وفقا للقانون ".
والعفو من العقوبة له أهميته، فهو من ناحية وسيلة
لإصلاح الأخطاء القضائية إذا اكتشفت في وقت لم يعد فيه مجال للطعن في الأحكام، أي
لم يعد ممكنا إصلاح هذه الأخطاء بطرق الطعن القضائية العادية وغير العادية منها،
وقد يكون العفو من العقوبة مكافأة للمحكوم عليه الذي ثبت سلوكه الحسن، ولم تتوافر
بحقه الشروط التي يتطلبها القانون للإفراج تحت شرط في الدول التي تأخذ به، أو أن
يكون المحكوم عليه قد قدم للوطن خدمات جليلة لا يمكن تجاهلها، أو أن يكون ذا فائدة
للوطن كالعالم أو المفكر... إلخ، ويضيف بعض الفقهاء أسبابا أخرى مثل إسدال الستار
على جريمة سياسية معينة، أو إطفاء جذوة الفتن والمشاحنات المحلية ([65]).
والعفو من العقوبة سلطة يختص بها سمو الأمير، وهي عمل من أعمال
السيادة، وأساسها تقدير سموه أن مصلحة المجتمع تتحقق بعدم تنفيذ العقاب، أي تقديره
أن الفائدة التي تنال المجتمع إذا لم ينفذ العقاب ترجح على الفائدة التي تناله عند
تنفيذ العقاب.
والعفو منحة للمحكوم وليس حقا له، وهو كذلك ملزم
للمحكوم عليه، فليس له أن يرفضه ويطالب بتنفيذ العقوبة، ويتسع نطاق الإعفاء لكل
العقوبات البدنية والعقوبات الماسة بالحرية والعقوبات المالية السالبة للحقوق ([66]).
وقد ورد العفو وفقا للدستور في صورتين، هما الإعفاء من العقوبة، أو
تخفيفها، ومفاد ذلك أن هناك قانونا ينظم الإعفاء الذي يكون بيد الحاكم، والقانون
هنا هو القانون العام، وموضعه قانون الإجراءات الجنائية الذي يتعين أن تحتوي نصوصه
على هذا التنظيم، ولكن بمراجعة نصوص قانون الإجراءات الجنائية القطري رقم 23 لسنة
2004 يتبين أنه لم ينظم هذا الإعفاء، ومن ثم وجب تعديل هذا القانون ليحتوي على
تنظيم الإعفاء من العقوبة.
وجدير بالذكر أن الإعفاء من العقوبة هو أمر يتعلق بتنفيذ العقوبة
دائما، وهنا يختلف الإعفاء عن الأخذ بالظروف المخففة أو إيقاف تنفيذ العقوبة، لأن
العفو يكون بعد الحكم، ويصدر من الحاكم، أما الظروف المخففة، ووقف تنفيذ العقوبة
فيقضى بهما في أثناء نظر الدعوى أمام القضاء.
ثالثا -وقف تنفيذ العقوبة:
وقف التنفيذ: هو إدانة المتهم وتعليق تنفيذ
العقوبة المحكوم بها على شرط موقف خلال فترة من الزمن يحددها القانون، فإن لم
يتحقق الشرط اعتبر الحكم بالإدانة كأن لم يكن Non - avenue، أما إذا تحقق فتنفذ العقوبة بأكملها ([67]).
ووقف التنفيذ سلطة للقاضي منحه إياها القانون، حسبما ورد في المادة
(79) من قانون العقوبات التي خولت القاضي إذا ما رأى من ماضي الجاني، أو أخلاقه،
أو سنه، أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة، ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود
إلى ارتكاب جريمة أخرى أن يقرر وقف تنفيذ العقوبة.
وحدد القانون مدة العقوبة التي يحكم بإيقافها القاضي، وهي الحبس الذي
لا تتجاوز مدته سنة، وكذلك للقاضي أن يجعل وقف التنفيذ شاملا أي عقوبة فرعية عدا
المصادرة.
ويتضح لنا أن وقف التنفيذ هو نوع من المعاملة
التفريدية، ويفترض إدانة المتهم والحكم عليه بعقوبة، لكن هذه العقوبة لا تنفذ بحقه
طالما لم يتحقق الشرط الذي علق عليه تنفيذها، وهذا يعني أن هذا النظام تنصرف آثاره
المباشرة إلى إجراءات تنفيذ العقوبة، وتؤدى هذه الآثار إلى عدم اتخاذ هذه
الإجراءات ([68]).
ووقف التنفيذ ليس جزاء جنائيا أو عقوبة، لكنه يعد
أحد أساليب تفريد العقاب في السياسة الجنائية الحديثة ([69])، فهو يتصل بتنظيم أسلوب المعاملة
العقابية التي يراها القاضي أكثر ملاءمة لتحقيق التأهيل بالنسبة لبعض مرتكبي
الجرائم الذين ثبتت إدانتهم، ويظهر للقاضي أنهم ليسوا على قدر كبير من الخطورة،
وهذا تعبير فعلي عن مدى الثقة الممنوحة للقاضي بإعطائه هذه السلطة التقديرية
الواسعة.
ووجه الاختلاف بين وقف تنفيذ العقوبة وبين الظروف المخففة والعفو من
العقوبة، هو أن تخفيف العقوبة أو إعفاء المتهم من العقوبة يكون نهائيا بمجرد
صدوره، إما من قبل القاضي حين يستخدم الظروف المخففة، أو من سمو الأمير إذا أصدر
الإعفاء من العقوبة.
أما وقف تنفيذ العقوبة فهو معلق لمدة ثلاث سنوات حسبما ورد في المادة
(80) من قانون العقوبات القطري التي نصت على أن " يكون وقف تنفيذ العقوبة
لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم باتا، فإذا انقضت هذه المدة
دون أن يصدر حكم بإلغاء وقف التنفيذ اعتبر الحكم الصادر بالعقوبة كأن لم يكن
"، فهنا إذا لم يرتكب المتهم أي جريمة أخرى لمدة ثلاث سنوات فكأن الحكم
الصادر بحقه لم يكن ويصبح الوقف نهائيا.
ولكن، وحسبما ورد بنص المادة (81) فإنه يجوز إلغاء وقف التنفيذ إذا
صدر ضد المحكوم عليه خلال مدة الوقف حكم بالحبس لأكثر من ثلاثة أشهر في جريمة
عمدية ارتكبت خلال مدة الوقف أو قبلها، ولم تكن المحكمة تعلم بها عند الأمر بوقف
التنفيذ، ففي هذه الحالة يتم إلغاء الوقف وتنفذ العقوبة ضد المتهم.
الفصل
الرابع
السلطة
التقديرية للقاضي وأثرها على الظروف المخففة
المبحث
الأول
سلطة
القاضي التقديرية ف ي تخفيف العقوبة
المطلب
الأول
ماهية
السلطة التقديرية
هي السلطة التي يتمتع القاضي بها، فتمنحه قسطا من
حرية التقدير لكل من جسامة الجريمة، وشخصية الجاني، ونوع ومقدار الجزاء الجنائي
الواجب التطبيق، إلا إن الفقه والقضاء يختلفان في تحديد هذا القدر من الحرية، فيرى
بعضهم أنها غير محددة، في حين يذهب آخرون إلى اعتبارها مقيدة. وقد أعطى المشرع
القطري القاضي سلطة تقديرية موسعة، حيث أن تقدير العقوبة بين حديها إنما يكون وفقا
للظروف التي تكتنف الواقعة الإجرامية، وتحيط بالجاني، ومن ثم يكون تقدير العقوبة
قائما على أخذ الظروف في الاعتبار ([70]).
ولا شك في أن نظام الظروف المخففة الذي يخول
القاضي ممارسة السلطة التقديرية الموسعة في تحديد الظروف المخففة، يمتاز بشموله
جميع الظروف المخففة المحتملة التي يستحيل على المشرع حصرها وجمعها جميعا في نصوص
القانون، كما أن هذا النظام يتميز بمرونته، لإمكانه مسايرة جميع التحولات الطارئة
على الآراء المواكبة للعقاب، وكل التطورات اللاحقة بمذهب التفريد ([71])، يؤكد ذلك ما يتسم به
الآن النظام الفرنسي للظروف المخففة من الملاءمة القصوى لأحدث تطبيقات التفريد
القضائي للعقوبة، رغم كونه أقدم أنظمة الظروف المخففة ([72]).
إلا أن الإقرار بالمزايا المتقدمة لا يحول دون القول بأن السلطة
الموسعة في تحديد الظروف المخففة، ما لم يمارسها قضاة ذوو خبرة كافية وتكوين علمي
مناسب وعواطف متزنة، فإنها قد تؤدى أحيانا إلى صدور أحكام غير سليمة، تترتب عليها
نتائج ضارة من جراء التقديرات الخاطئة في تحديد ما يصلح وما لا يصلح أن يكون ظرفا
مخففا.
ويستخلص من استقراء التطبيقات القضائية أن القضاء بوجه عام يجرى عادة
على قبول ثلاثة أنواع من الظروف المخففة، هي:
1. الظروف الخاصة بذات
الفعل الجرمي ونتيجته، كضآلة الضرر الذي أصاب المجني عليه.
2. الظروف المتعلقة بموقف
أو بفعل الغير، كالاستفزاز الموجه من المجني عليه أو رضائه أو إهماله الجسيم.
3. الظروف الشخصية للمجرم،
كحداثة السن، وحسن السيرة الماضية، والضعف العقلي، والباعث الشريف، وحالة الكرب،
والتوبة الإيجابية.
وتكاد تكون هذه الظروف هي ذاتها المنصوص عليها
بتفصيل نسبي متباين في القوانين المحددة للظروف المخففة، حصرا أو على سبيل المثال،
كما يتجه إلى إقرارها أيضا معظم فقهاء القانون الجنائي، وإن كان بعض الفقهاء يرون
قصر الظروف المخففة على الظروف المتعلقة بالحالة الشخصية للمجرم مثل (برنس) الذى
يقول: " إن طبيعة الظروف التي يأخذها القضاء في الاعتبار لتخفيض العقوبة لها
أهمية رئيسة في تطبيق نظام الظروف المخففة، ولا يمكن القول أن القضاة عمليا يخضعون
دائما في هذا المجال لضرورات العدالة الحقة، فالمشرع عند تعيينه عقوبات الجرائم
المنصوص عليها في قانون العقوبات يحدد القيمة النظرية للضرر الاجتماعي، ولا ينظر
إلى الإجرام الشخصي للفاعل والظروف الغريبة عن الجريمة نفسها التي يمكن أن تقلل من
هذا الإجرام الشخصي، ولذلك فإنه منح القاضي سلطة مراعاة هذه الظروف، كالماضي الحسن
للمجرم، والإغراءات التي تعرض لها، وضعف طباعه، والهياج المسبب، إلا أن القضاء
أعطى للظروف المخففة تفسيرا واسعا جدا، فاعتبار ضآلة الضرر المادي سببا مخففا لا
يتفق مع العدالة مطلقا، لأن المشرع سبق أن أخذ بنظر الاعتبار الضرر عندما وضع حدا
أعلى وحدا أدنى للعقوبة؛ لهذا فإن الظروف المخففة الحقيقية هي فقط الظروف الملازمة
للحالة الشخصية للفاعل، وهذه وحدها الجديرة بأن توجي بالرحمة والسفقة ([73]) ".
المطلب
الثاني
ضوابط
تخفيف العقوبة المتعلقة بذات الجريمة
أولا-الضوابط المتعلقة بالسلوك:
يتعين على القاضي أن يدخل في اعتباره عند تقدير العقوبة طبيعة ونوع
ومحل الجريمة، وكذلك كافة الظروف المتعلقة بالزمان والمكان، وكل الوسائل التي
استخدمت في ارتكاب الجريمة.
وزمان الجريمة هو الوقت الذي يتحدد فيه ارتكابها، وقد يعتد الشارع به
في حالات كثيرة لتشديد الجزاء، كارتكاب الجريمة في وقت الحرب أو الليل، ويتعين
عليه أن يعتد به في تخفيف الجزاء، ومثال ذلك: ارتكاب جريمة الفعل الفاضح العلني في
وقت متأخر من الليل بحيث لا ينطوي السلوك من الناحية الواقعية على مساس كبير
بالحياء العام نظرا لقلة عدد المارة في هذا الوقت.
والحال كذلك لنسبة لمكان الجريمة، فإتيان جريمة هتك العرض في مكان
غير آهل بالسكان لا ينطوي على درجة فادحة من الإخلال بالحياء العام، فهنا قد يكون
ذلك ظرفا قضائيا مخففا.
ثانيا -الضوابط المتعلقة بالنتيجة:
لا تتحقق الغاية من تجريم سلوك ما إلا إذا ترتبت عليه نتيجة تنطوي
على عدوان على مصلحة يحميها القانون، ونحن بذلك نأخذ النتيجة بمعناها القانوني،
فهي: "العاقبة الضارة للفعل، أي المساس بالمصلحة التي تحميها قاعدة التجريم
مساسا يتكون إما من الضرر الفعلي، وإما من مجرد تعريض المال أو المصلحة محل الحماية
للخطر"، وبذلك ينحصر جوهر النتيجة في "ضرر" واقع أو محتمل. وتتناسب
جسامة الاعتداء تبعا لمقدار هذا الضرر؛ ومن هنا قيل أن تفاهة الضرر الناجم عن
الجريمة تعتبر ظرفا قضائيا مخففا.
ثالثا-الباعث على الجريمة:
من المعلوم أن الجريمة تتحصل في بادئ الأمر مجرد
فكرة تجول في ذهن فاعلها، قد تناوئها أفكار أخرى تثني همته عنها، وقد يحتدم الصراع
بين الفكرتين؛ أي بين الإقدام على الجريمة والإحجام عنها، إلى أن ينتهي الجاني
برأي قاطع مرجحا كفة الإقدام، وهذا الرأي القاطع هو الذي حرك إرادته ودفعها نحو
الجريمة، وهو ما يقال له الدافع أو الباعث. وللتعرف عليه نضع السؤال الآتي: لماذا
ارتكب الجاني جريمته ؟، لقد ارتكبها بدافع الطمع أو الانتقام ([74]).
ويقوم الباعث على رغبة الجاني في الاعتداء على مصلحة يحميها القانون؛
كالحياة أو الملكية أو الشرف مثلا؛ فإذا ما وقع هذا الاعتداء تحقق الغرض من
الإرادة، وبذلك يتمثل الباعث في صورة ذهنية دارت في مخيلة الجاني قبل أن تتحقق في
الواقع، بحيث يكون الفاصل بينها وبين الغرض هو الفاصل بين تصور الشيء وبين تحقيقه
النتيجة.
ومن المسلم به أنه ليس للباعث دخل في تكوين
الجريمة، فهو والركن المعنوي أمران منفصلان، ومن المسلم به كذلك ضرورة التعويل
عليه في تقدير الجزاء ([75])، إذ أنه يكشف عن قدر
الخطورة التي تنطوي عليها شخصية الجاني، ولا صعوبة في تعليل ذلك لأن الغرض في ذاته
ليس ذا صفة غير مشروعة ولا يمكن أن نخلع الصفة الجنائية على النشاط النفسي الباعث
الذي اتجه إليها، بينما نكون في حالة القصد الجنائي بصدد نشاط نفسي اتجه إلى غرض
غير مشروع، مما يبرر تأثيمه من جانب الشارع، إذن، فالباعث هو العلة الدافعة إلى
الجريمة، ولا عبرة به في تكوين ركنها المعنوي، ويكون أثره في تخفيف العقوبة أو
تشديدها، إذ لا يستوى من يسرق بضعة دراهم يسترى بها خبزا يقيم به أوده، ومن يختلس
خزانة اؤتمن عليها بقصد اللهو واللعب ([76]).
ثالثا -ضوابط تخفيف العقوبة المتعلقة بحالة الجاني:
1. سن الجاني: يكاد سن الجاني يحظى
بنصيب كبير من اهتمام المشرعين فيخصونه بالذكر لكي يدخله القاضي في اعتباره عند
تخفيف الجزاء، فقد أوجبوا تخفيف الجزاء إذا كانت سن الجاني تقل عن ثمانية عشر
عاما؛ ومن التشريعات ما يعول على السن في مراحله المتأخرة كالقانون البرتغالي الذي
يوجب تخفيف الجزاء إذا جاوز سن الجاني سبعين عاما (م 29 / 2 من القانون البرتغالي).
2. الحالة المعيشية للجاني: تعول بعض التشريعات على
الحالة المعيشية للجاني بما فيها سلوكه السابق على الجريمة، فنجد القانون النمساوي
(م 46 / 6، 2) يشير إلى فقر الجاني وسلوكه السابق، وكذلك القانون الدنمركي الذي
يتحدث عن سوابق الجاني وحالته المعيشية (م 80)، والقانون اليوناني الذي يعتد
بالوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الجاني وبحياته وسلوكه السابق والمعاصر للجريمة،
والقانون الروسي الذي يسوغ تخفيف الجزاء لقسوة الظروف العائلية والشخصية للجاني،
ولعدم ارتكابه جريمة من قبل (م 38، 4 ،2 من القانون الروسي) ([77]).
رابعا -الضوابط المتعلقة بسلوك الجاني اللاحق للجريمة:
لا يكتفي القاضي بالتعويل على حالة الجاني قبل أو أثناء ارتكاب
الجريمة، بل كذلك بما يصدر منه عقب الجريمة من سلوك يكشف عن ضآلة خطورته مما يوجب
معاملة جزائية مخففة.
1.
التبليغ والاعتراف:
يقصد بالتبليغ إخبار السلطة العامة عند وقوع
الجريمة والإرشاد إلى مرتكبيها بغية تتبعهم والقبض عليهم تمهيدا لمحاكمتهم، أما
الاعتراف فيعني إدلاء الجاني بكافة المراحل التي مرت بها الجريمة سواء ما تعلق
منها بمادياتها أو بمعنوياتها، إذ قد يؤدى مثل هذا الاعتراف إلى إسداء خدمة عامة
للدولة كما هي الحال بالنسبة لجرائم أمن لدولة والاتفاق الجنائي، وتزييف العملة
التي تبرر تخفيف العقاب على من أدلى به ([78]).
2.
الندم:
عندما ينتهي الجاني من الإقدام على جريمته، فإن هذا الإقدام ليس
قرينة قاطعة على خطورة الجاني، فقد تقوض جملة عوامل تلك القرينة، لعل أهمها ما
ينتاب الجاني من شعور بالندم عقب جريمته وسعيه لإصلاح ما سببه للغير من ضرر، سواء
كان ذلك بصفة كلية أو جزئية. والندم لا يقتصر على مجرد الأسف السلبي المجرد من أي
تعويض للضرر الناجم عن الجريمة بل يتعداه إلى كفالة ذلك التعويض. ومن أمثلة ذلك ما
يقوم به الفاعل في جريمة القتل نتيجة ما يعتريه من ندم تلقائي لمحاولة إنقاذ ضحيته
ببذل قسط من العناية من أجله، أو طلب النجدة له، وما يقوم به السارق من إرجاع
المسروقات قبل المحاكمة، إذ لا شك في أن مثل هذا التصرف من قبل الجاني إنما يكشف
عن قدر ضئيل من الخطورة لديه يبرر إنقاص الجزاء الواجب التطبيق.
خامسا -نطاق تطبيق الظروف المخففة من حيث الجريمة:
إن البحث في نطاق سلطة القاضي الجنائي في تخفيف العقوبة بناء على
الظروف المخففة يقتضي الوقوف على العقوبات التي يمكن أن يرد عليها التخفيف وقدره،
وهو ما سنقوم بتفصيله ضمن الفقرتين الآتيتين.
1.
العقوبات المشمولة بالتخفيف:
القاعدة في التشريع القطري أن عقوبات الجنايات والجنح هي التي يشملها
نظام الظروف المخففة (م 92، 93 قانون العقوبات القطري)، فالتخفيف لا يقتصر على
الجنايات فقط وإنما يجوز الالتجاء إلى الظروف المخففة في مواد الجنح، وذلك في
الحالات التي يكون فيها القانون قد نص على حد أدنى لعقوبة الحبس أو عقوبة الحبس
والغرامة معا، أو العقوبة التي ليس لها حد أدنى؛ فبإمكان القاضي الحكم بالغرامة
بدلا من الحبس بشرط أن لا تتجاوز الغرامة خمسة آلاف ريال.
وقد أخذ القانون المصري بمنح القاضي سلطة تخفيف العقوبات في مواد الجنايات
فقط (م 17 عقوبات مصري)، وذلك عند الاقتضاء إذا ما قامت دواعي الرأفة لديه، فأجاز
له النزول بالعقوبة درجتين مستخدما في ذلك تخفيف العقوبة؛ وهذا النص يعتبر نصا
عاما يسرى على جميع الجرائم ما عدا ما استثني منها بنص خاص.
وقصر نظام الظروف المخففة على عقوبة الجنايات فقط
يمجه الفقه لما فيه من تقييد لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، ومن ثم يخل
بمبدأ تفريد العقاب ([79])، ومن هنا نجد أن معظم
القوانين تسمح للمحكمة بإعمال الظروف المخففة على جميع الجرائم من جنايات وجنح
ومخالفات كما في القانون السوري (م 243، 245 ع) واللبناني في المواد (253، 255)
والمغربي في المواد (147، 151) حيث تتسع سلطة القاضي للتخفيف في جميع الجرائم
وتتسع لجميع المجرمين لا فرق بين مكررين ومبتدئين أو بين وطنيين وأجانب.
والقاضي ملزم بتعليل قضائه بمنح هذه الأسباب في
حال التكرار باعتبار أن التخفيف وضع غير عادى، وحالة ما إذا استبدلت بعقوبة
الجناية التي لا يجاوز حدها الأدنى ثلاث سنوات عقوبة الحبس سنة على الأقل، وفي هذا
الصدد قالت محكمة التمييز: "يعود منح الأسباب المخففة لتقدير القضاة المطلق
ولا يخضع لرقابة محكمة التمييز"
([80]).
واخذ النظام القضائي المغربي بنظام السلطة التقديرية في تخفيف
العقوبة في كافة الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات طبقا لما نصت عليه المادتان
(147، 151) من قانون العقوبات المغربي، إلا إذا نص القانون على غير ذلك.
فالمشرع المغربي لم يحدد نطاق الظروف المخففة في
الجنايات فقط كما فعل المشرع المصري وإنما جعلها شاملة لجميع الجرائم ([81]).
وغني عن البيان، أنه ليس في المبادئ القانونية ما
يحول بين الشارع واستبعاد جرائم بعينها من نطاق الظروف التقديرية المخففة، وهو
يفعل ذلك تحقيقا للردع العام إزاء جرائم يقدر بصفة خاصة خطورتها الاجتماعية ([82])، ومن قبيل ذلك المادة
(102) من العقوبات المصري التي تنص على أنه " استثناء من أحكام المادة (17)
لا يجوز في تطبيق المواد: (102 أ/ 102 ت / 102 ج / 102 د) النزول عن العقوبة
التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة".
كذلك فعل المشرع القطري بنصه في الفقرة الأخير من المادة (92) من
قانون العقوبات على أنه " لا يجوز تطبيق أحكام هذه المادة عند الحكم في جريمة
إرهابية "؛ أي لا يجوز تطبيق الظروف المخففة على الجرائم الإرهابية.
2.
قدر التخفيف:
منح القاضي في التشريع القطري سلطة تخفيف موسعة بمقتضى نظام الظروف
المخففة، ويستخلص من نص المادتين (92 و93) من قانون العقوبات القطري أنه يجوز
للقاضي إذا استدعت ظروف الجريمة رأفته أن يستبدل العقوبة أو يخففها على الوجه الآتي:
1.
العقوبات المقررة للجنايات:
- عقوبة الإعدام:
أجاز المشرع القطري للقاضي تخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد أو
الحبس الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات، أما القانون المغربي فيسمح بتخفيفها إلى
العقوبة السالبة للحرية المؤبدة والمؤقتة لمدة لا تقل عن عشرين سنة طبقا للمادة
(147). وفي القانون السوري يمكن تخفيفها إلى العقوبة السالبة للحرية لمده لا تقل
عن سبع سنوات (م 243) في حين سمح القانون المصري بتخفيفها إلى مدة لا تقل عن
ثلاث سنوات (م 17).
- العقوبة السالبة للحرية المؤبدة (الحبس المؤبد):
سمح بتخفيفها إلى عقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات طبقا
للفقرة الثانية من المادة (92) من القانون القطري، في حين سمح المشرع المغربي
بتخفيفها إلى مدة لا تقل عن عشر سنوات (م 147) وأما القانون المصري فقد أجاز
تخفيفها إلى مدة لا تقل عن ثلاث سنوات (م 17 عقوبات مصري).
أجاز المشرع القطري تخفيف الحبس الذي تزيد مدته على عشرين سنة إلى
مدة لا تقل عن سنة، أما القانون المغربي فقد أجاز تخفيض المدة السالبة للحرية التي
لا تقل عن خمس سنوات إلى سنة واحدة.
ب -العقوبات المقررة للجنح:
يجوز تخفيض عقوبة الجنح المقررة لها طبقا للمادة (93) من قانون
العقوبات القطري، فإذا كان للعقوبة حد أدنى جاز للمحكمة عدم التقيد به، وإذا كانت
العقوبة الحبس والغرامة جاز للمحكمة الحكم بإحدى العقوبتين، وإذا لم يكن للعقوبة
حد أدنى جاز للمحكمة الحكم بالغرامة بدلا من الحبس، في حين أجاز القانون المغربي تخفيض
مدة الحبس إلى شهر واحد ومبلغ الغرامة إلى مائة وعشرين درهما في الجنح التأديبية
طبقا للمادة (149)، وأجاز تخفيض مدة الحبس إلى ستة أيام ومبلغ الغرامة إلى اثني
عشر درهما (م 150).
أما القانون السوري فقد أجاز تخفيض مقدار العقوبة
إلى حده الأدنى العام (م 244) ([83]).
وغني عن البيان أنه لا مجال للظروف المخففة في المخالفات طبقا لقانون
العقوبات القطري، نظرا لتفاهة العقوبات المقررة لها، في حين نجد أن القوانين في
سوريا ولبنان والمغرب أخذت بها بعكس القانون القطري والقانون المصري بصدد
المخالفات.
المبحث
الثاني
الآثار
المترتبة على الأخذ بنظام الظروف المخففة والأعذار القانونية
قبل الكلام عن أثر العقوبات المخففة على المتهم بسبب إعمال الظروف
المخففة يجب أن نفرق بين آثار العقوبات المخففة على المتهم بسبب أعذار قانونية أو
بسبب ظروف قضائية تقديرية.
أولا-أثر العقوبة المخففة بسبب الأعذار القانونية:
إذا ثبت وجود أي عذر بوجه عام فإن وجوده يؤثر
تأثيرا قانونيا على العقوبة فيستبعد العقوبة تماما إذا كان عذرا معفيا، ويخففها إن
كان عذرا قانونيا مخففا ([84]).
1.
أثر العذر المعفى:
الأثر هو الإعفاء من العقوبة، ويشمل هذا الإعفاء
العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية على السواء، ويقتصر تأثير العذر على من
توافر فيه سببه؛ فلا يستفيد منه سائر المساهمين معه في جريمته، ذلك أن المصلحة
التي يستهدفها القانون تتحقق بعدم إيقاع العقاب على من توافر فيه سبب الإعفاء ([85]).
ولا تأثير للعذر على المسؤولية المدنية أو
الإدارية ([86])، والأصل أن تقرير توافر
العذر من اختصاص القضاء؛ إذ يتحقق من توافر أركان الجريمة ثم يقرر بتوافر السبب
الذي يقوم عليه العذر، ولكن يجرى العمل تبسيطا للإجراءات على أن تصدر سلطة التحقيق
أمرا بالأوجه لإقامة الدعوى استنادا إلى العذر المعفى، وذلك توفيرا لوقت القضاء كي
لا ينفقه في تقرير نظري للمسؤولية دون النطق بالعقوبة، ولا تلتزم المحكمة بتقصي
الأعذار المعفية من تلقاء نفسها، بل لا بد أن يدفع المتهم بالعذر المعفى ([87]).
2.
أثر العذر المخفف:
يترتب على توافر العذر تخفيف العقوبة وجوبا،
وينصرف تأثير العذر إلى العقوبة الأصلية في المقام الأول، ويمتد بالضرورة إلى
العقوبة التبعية المرتبطة بالعقوبة الأصلية التي استبعدت بالعذر وحلت محلها عقوبة
أصلية أخرى أخف لا ترتبط بها هذه العقوبة التبعية، ولكن العذر لا يؤثر على العقوبة
التكميلية؛ إذ هي مرتبطة بالجريمة التي لا تتغير أحكامها بالعذر ([88]). وقد أخذ القانون القطري
بنظام الأعذار المخففة في جريمة تجاوز حدود الدفاع الشرعي بحسن نية في نص المادة
(51) من قانون العقوبات؛ حيث إذا كان فعل التجاوز جناية عد الشخص معذورا ويحكم
عليه بعقوبة جنحة، ويعتبر ظرفا مخففا إذا كان الفعل جنحة، وكذلك في حالة نقص أو
ضعف الإدراك عند ارتكاب الجريمة، الذي عده المشرع في الفقرة الثانية من المادة
(54) عذرا مخففا.
ثانيا -أثر العقوبة المخففة بسبب الظروف القضائية المخففة:
مما يجدر ذكره في هذا المجال أن الوصف الجرمي لا
يتغير نتيجة تخفيف العقوبة بسبب وجود أسباب مخففة تقديرية ([89]).
وقد نص المشرع القطري على هذا الأمر صراحة، وذلك في المادة (25) من
قانون العقوبات رقم 11 لسنة 2004 التي نصت على أن "لا يتغير نوع الجريمة إذا
استبدلت المحكمة بالعقوبة المقررة لها عقوبة من نوع أخف؛ سواء أكان ذلك لأعذار
قانونية أم لظروف مخففة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
وهنا سنتكلم عن تأثيرين:
1.
تأثير الظروف المخففة على العقوبات الأصلية:
هنا نفرق في تحديد هذا التأثير بين الجنايات من ناحية والجنح من
ناحية أخرى:
أولا-الجنايات:
حددت هذا التأثير المادة (92) من قانون العقوبات القطري التي نصت على
ما يلي: "إذا رأت المحكمة عند الحكم في جناية أن ظروف الجريمة أو الجاني
تستدعي الرأفة جاز لها أن تخفف العقوبة المقررة لهذه الجناية على الوجه الآتي:
1.
إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي الإعدام
جاز إنزالها إلى الحبس المؤبد أو الحبس الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات.
2.
إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي الحبس
المؤبد جاز إنزالها إلى الحبس الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات.
3.
إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي الحبس الذي
لا تزيد مدته على عشرين سنة جاز إنزالها إلى الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة ".
وهنا يهدف الشارع إلى تخويل القاضي سلطة الهبوط
بالعقوبة درجة أو درجتين حسب تقديره، إلا إذا كانت العقوبة السجن فلا يهبط إلا
درجة واحدة ([90])، وعلة السماح بالهبوط
بالعقاب درجة أو درجتين هي توسيع سلطة القاضي كي يواجه جميع الحالات التي تقتضي
التخفيف، وعلة وضع حد أدنى للحبس هي حرص الشارع على أن يقف تخفيف عقوبات الجنايات
عند حدود معقولة.
تخفف عقوبات الجنح على الوجه الآتي بموجب (93) من قانون العقوبات
القطري:
1.
إذا كان للعقوبة حد أدني، للمحكمة عدم التقيد به.
2.
إذا كانت العقوبة الحبس والغرامة معا، حكمت
المحكمة بإحدى العقوبتين فقط.
3.
إذا كانت العقوبة الحبس غير المقيد بحد أدنى،
فللمحكمة أن تحكم بدلا منه بالغرامة التي لا تزيد على خمسة آلاف ريال.
2.
تأثير الظروف القضائية المخففة على العقوبات
التكميلية والتبعية:
·
تكون العقوبة تبعية إذا كانت يقضى بها كأثر حتمي
للحكم بالعقوبة الأصلية.
·
تكون العقوبة تكميلية إذا كان إيقاعها متوقفا على
حكم القاضي بها سواء أوجب القانون عليه ذلك أم أجاز له، وذلك بموجب المادة (64)
قانون العقوبات القطري.
·
وقد حدد قانون العقوبات القطري العقوبات التبعية
والتكميلية في المادة (65)، وهي:
1.
الحرمان من كل أو بعض الحقوق والمزايا المنصوص
عليها في المادة (66) من ذات القانون.
2.
الحرمان من مزاولة المهنة.
3.
العزل من الوظائف العامة.
4.
إغلاق المكان أو المحل العام.
5.
المصادرة.
6.
إبعاد الأجنبي عن البلاد.
وهنا لم يبين الشارع تأثير الظروف على العقوبات التكميلية والتبعية،
ولكن استخلاص هذا التأثير يكون عن طريق المبادئ القانونية العامة. وإذا كانت
النصوص قد حصرت أثر التخفيف في العقوبات الأصلية فإن ذلك يعني أنه لا تخفيف لما
عدا ذلك من العقوبات التبعية.
فإذا كانت العقوبة التكميلية جوازية، كان للقاضي السلطة التقديرية في
الإعفاء منها على الرغم من عدم توافر ظرف مخفف، فإذا ثبت توافره كانت له هذه
السلطة من باب أولى، ويعني ذلك أن له الحق في إيقاعها على الرغم من الظرف المخفف.
وإذا كانت العقوبة التكميلية وجوبية فليس للظرف
المخفف تأثير عليها، فيتعين على الرغم منه القضاء بها، ذلك أن العقوبات التكميلية
مرتبطة بالجريمة وجودا وعدما، وليس لهذا الظرف تأثير على الجريمة من حيث نوعها أو
وصفها، ومن ثم لا يجوز أن يكون لها تأثير على هذه العقوبات ([91]).
وإذا تساءلنا بعد ذلك عن تأثير الظرف المخفف على
العقوبات التبعية فإننا نتبين أن هذا التأثير مرهون بارتباط العقوبات التبعية
بعقوبة أصلية معينة، فإذا كان من شأن الظرف المخفف استبعاد العقوبة الأصلية التي
تستتبع عقوبة أصلية معينة استبعدت العقوبة التبعية كذلك، أما إذا أبقى الظرف على
العقوبة الأصلية أو استبدلت بها عقوبة أخرى ترتبط بها ذات العقوبة التبعية، فإنه
لا يكون له تأثير عليها ([92]).
وقد نص المشرع على العقوبات التبعية الحتمية في المادة (66) من قانون
العقوبات التي نصت على ما يلي:
"كل
حكم بعقوبة جناية يستوجب حتما وبقوة القانون حرمان المحكوم عليه من كل الحقوق
والمزايا الآتية:
1.
تولي الوظائف العامة أو العمل كمتعهد لحساب
الدولة.
2.
تولي عضوية المجالس التشريعية والاستشارية
والبلدية، ومجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة والشركات المساهمة والجمعيات
والمؤسسات الخاصة والجمعيات التعاونية، وكذلك تولي إدارة أي منها، والاشتراك في
انتخاب أعضائها.
3.
تولي الوصاية أو القوامة أو الوكالة عن القصر
ومن في حكمهم.
4.
تولي الأوسمة أو الأنواط أو الميداليات وطنية
كانت أم أجنبية.
5.
حمل الأسلحة.
وتكون مدة الحرمان ثلاث سنوات من تاريخ الانتهاء من تنفيذ العقوبة أو
سقوطها".
ويعني ذلك أنه إذا أثر الظرف المخفف على العقوبة
التبعية فإنما يكون ذلك من خلال تأثيره على العقوبة الأصلية التي ترتبط بها، ولكن
ليس له عليها تأثير مباشر ([93])، أي إذا أثر الظرف
المخفف على العقوبة الأصلية وأنزل مدتها إلى أقل من ثلاث سنوات، فهنا تتأثر
العقوبة التبعية ولا تطبق لأن نص المادة حدد ذلك بقوله " كل حكم بعقوبة جناية
" وهنا عقوبة الجناية الحبس الذي يزيد على ثلاث سنوات، أو الحبس المؤبد أو
الإعدام بموجب المادة (22) من قانون العقوبات القطري.
الفصل
الخامس
علاقة
الظروف المخففة بقواعد العدالة وأثرها على العود
المبحث
الأول
العلاقة
القانونية بين قواعد العدالة والظروف المخففة
الظروف المخففة نظام قانوني حديث العهد نسبيا، وقد وجد محلا لتطبيقه
في قوانين العقوبات منذ القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين حتى وقتنا الحاضر تطور هذا
النظام فاتضحت معالمه، وأرسيت قواعده في مختلف التشريعات الجزائية المعاصرة.
وأساس العلاقة بين الظروف وقواعد العدالة في
التشريعات المختلفة هو التوفيق بين فكرة المنفعة وفكرة العدالة بالنسبة للعقوبة،
فالجزاء يجب أن يحقق منفعة للمجتمع، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون عادلا، ذلك أن
العدالة وما تتطلبه من إيلام بلا منفعة تكون محض ظلم صارخ، ولأن المنفعة وما
تتطلبه من قيود بلا عدالة تكون محض قوة ضارة ([94])، وليس هناك تعارض بين
فكرتي المنفعة والعدالة، إذ ليس من المتصور قيام عدالة بلا منفعة، ولا منفعة بلا
عدالة، لأن النظام والأمن الاجتماعيين عنصران لا يمكن فصلهما عن فكرة العدالة.
ومن هنا نجد أن فكرتي العدالة والمنفعة متلازمتان،
وتجسدهما قاعدتا الشرعية القانونية والمسؤولية الأخلاقية، فالعقوبة تفرض من أجل
تحقيق العدالة، وذلك ضمن حدود المنفعة الاجتماعية، لأن المجتمع يضطر حفاظا على كيانه
ونظامه إلى استعمال الإكراه الجزائي على من تثبت مسؤوليته عن ارتكاب الجريمة
بالقدر الذي يتناسب مع هذه المسؤولية ([95]).
والتطبيق المجرد لمبدأ المساواة بين مرتكبي
الجرائم يؤدى إلى عدم العدالة، لأن المساواة المطلقة في العقوبة رغم الاختلاف في
ظروف وبواعث مرتكبي الجرائم هو في حد ذاته عدم مساواة، لذلك رأى فقهاء القانون
ضرورة تنويع العقاب لكل جريمة تبعا لاختلاف أشخاص الجناة والمجني عليهم، لأن
القانون الذى يحدد لكل جريمة عقوبة واحدة ثابتة في نوعها ومقدارها دون النظر إلى
اختلاف أحاسيس الجناة والمجني عليهم يعتبر قانونا غير عادل، فاعتبارات العدالة
تقتضي تناسبا دقيقا بين العقوبة في نوعها ومقدارها وأسلوب تنفيذها من ناحية،
وشخصية المجرم في ظروفها وبواعثها إلى الإجرام من ناحية أخرى ([96]).
لذلك فقد منح المشرع، تحقيقا لهذا التناسب، القاضي
سلطة أن يوقع على من تثبت إدانته بارتكاب جريمة ما العقوبة المقررة لهذه الجريمة،
بل يكون له أن يحكم بإيقاع عقوبة أخف منها كثيرا أو قليلا بحسب ما يراه مناسبا ([97])، مستندا في ذلك إلى نصوص
الظروف المخففة التي يحكم القاضي بناء عليها على المتهم بالعقوبة التي يستحقها،
فالشارع يدرك أنه لا يستطيع أن يحقق التناسب العادل بين العقوبة وشخصية كل مرتكب
للجريمة، لأنه لا يعرف المجرمين بأشخاصهم، ويستحيل عليه أن يحصر ظروفهم أو أن
يتنبأ بكافة الاعتبارات التي تحقق الجزاء العادل الملائم لكل منهم ([98])؛ لذا وتحقيقا للعدالة
ترك الأمر للقاضي، لأن القاضي يتحرى كل الوقائع والظروف والملابسات التي أحاطت
بالجريمة والمجرم ([99])، وهو وحده القادر على
تحديد نوع العقوبة المفروضة ومقدارها، ساعيا من وراء ذلك إلى تحقيق أغراض العقوبة،
فيجتهد في الملاءمة بين نوعها ومقدارها من جهة، وبين الاعتبارات العامة والخاصة
التي تحدد جسامة الجريمة وإثم المجرم من جهة أخرى، وهنا تتحقق قواعد العدالة، التي
بناء عليها نص المشرع على الظروف المخففة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بقواعد العدالة.
وكما بينا أنفا، فإن الأخذ بنظام الظروف المخففة كان الهدف منه
اعتبارات تحقيق العدالة عند الحكم على كل مجرم، وقبل الأخذ بنظام الظروف المخففة
فإن بعض العقوبات كانت أشد مما يجب، وإن كانت الجريمة المرتكبة تستحق عقوبة أخف من
الحد الأدنى القانوني المقرر لهذه الجريمة، فإن المحلفين في الدول الأوروبية كانوا
يحتالون للتهرب من تطبيق مثل هذه العقوبات، فكانوا كثيرا ما يحكمون بالبراءة مضحين
باعتبارات العدالة القانونية في سبيل تحقيق العدالة الواقعية في نظرهم.
ونتيجة لما سبق تدخل المشرع ونص على هذه الظروف ووسع من سلطة القاضي
التقديرية وذلك لاعتبارات العدالة القانونية.
وقد أدى نظام الظروف المخففة إلى التغلب على
الكثير من الصعوبات التي كانت تعترض القضاء عند تطبيقه العقوبة، وإلى سد النقص
بالنسبة لما لا يستطيع المشرع التنبؤ والنص عليه فيما يتعلق بالظروف التي تحيط
بالجريمة وبالمجرم عند اقترافه جريمته، مما يحقق العدالة لكل شخص بحسب ظروفه
وملابساته ([100]).
المبحث
الثاني
أثر
تخفيف العقوبة على العود الجنائي
العود هو الرجوع والارتداد، فهو يفيد التكرار، أي
المراد به ارتكاب جريمة ثانية، ولما كان العود في القانون ظرفا مشددا، فقد قيده
المشرع بقيد يجعل التشديد سائغا، فاشترط لتحقق العود أن يكون ارتكاب الجريمة
الثانية تاليا للحكم على الجاني بعقوبة في الجريمة الأولى ([101]).
والعود هو صفة تقوم في الشخص الذي يرتكب جريمة أو أكثر بعد أن يكون
قد حكم عليه نهائيا عن جريمة سابقة.
وقد جعل المشرع هذه الصفة التي تقوم في مثل هذا
الشخص سببا لتغليظ العقاب وتشديده لما تنم عنه من إصرار من جانب الجاني على مخالفة
أحكام القانون والاستهتار بالنظام العام للمجتمع ([102]).
وللحديث عن أثر تخفيف العقوبة على العود سوف نتطرق إلى نص المادة
(97) من قانون العقوبات القطري التي نصت على أنه " إذا اجتمعت ظروف مشددة مع
أعذار أو ظروف مخففة في جريمة واحدة، طبقت المحكمة أولا الظروف المشددة؛ فالأعذار
المخففة، ثم الظروف المخففة.
ومع ذلك إذا تفاوتت الظروف المشددة والأعذار في أثرها فللمحكمة أن
تغلب أقواها".
وقد تتوافر لدى العائد أعذار أو ظروف مخففة، فهنا على القاضي تشديد
العقوبة بسبب العود أيا كان نوعه، أي سواء أكان من جناية لجناية، أم من جناية
لجنحة، أم من جنحة لجنحة، ثم تخفيفا بعد ذلك بفعل الظروف المخففة، خاصة أن الظروف
المخففة قد استهدفت ضمن أغراضها الحد من المآخذ العديدة التي أخذت على نظرية
العود، وما يستتبعه من تشديد العقاب.
والمستقر عليه وفقا لنص المادة أعلاه أن تشديد العقوبة بفعل العود
يجب أن يسبق إنقاصها بفعل الظروف المخففة.
وقد اهتدى الفقه في ترتيب آثار كل من الظروف المشددة والأعذار
والظروف المخففة، بالقاعدة التفسيرية؛ وهي أن الخاص يقيد العام، وأن العذر
باعتباره ظرفا قانونيا، ذو صفة خاصة، على عكس كل من العود والظرف القضائي المخفف
اللذين يعتبران من قبيل الظروف العامة، ومن ثم فإن تطبيق الظروف المخففة الخاصة،
أي الأعذار، يجب أن يسبق تطبيق الظروف العامة.
لذلك يكون الترتيب، من وجهة نظر الفقه، كالآتي: الظرف القانوني
المخفف، ثم العود، ثم الظرف القضائي المخفف؛ وهذا الرأي يمكن العمل به وفقا للفقرة
الثانية من نص المادة (97) من قانون العقوبات؛ حيث أعطت المحكمة الحق إذا ما
تفاوتت الأعذار والظروف المشددة أن تغلب أقواها.
ويعد عائدا كل من:
1.
سبق الحكم عليه بحكم بات بعقوبة جناية وثبت بعد
ذلك ارتكابه جناية أو جنحة.
2.
سبق الحكم عليه بحكم بات بعقوبة جنحة لارتكابه
جريمة تزوير أو سرقة أو خيانة أمانة أو احتيال أو إخفاء أشياء متحصلة من جريمة أو
شروع في إحدى هذه الجرائم، ثم ارتكب خلال خمس سنوات من تاريخ ذلك الحكم جريمة من
هذه الجرائم أو شرع في إحداها، وذلك وفق نص المادة (95) من قانون العقوبات.
وإذا اجتمع العود، وهو ظرف مشدد عام مع ظروف
مخففة، فللقاضي إذا لم ير محلا لتشديد العقوبة طبقا لأحكام الفقرة الأخيرة من
المادة (95) من قانون العقوبات الخاصة بالعود أن يطبق العقوبة المنصوص عليها في
المادة التي تعاقب على الجريمة بلا تشديد ولا تخفيف أو يخففها طبقا لأحكام المادتين
(92 و93)، وذلك لأن تشديد العقوبة بسبب العود اختياري للقاضي كتخفيفها بسبب الظروف
المخففة ([103]).
ملخص
الدراسة
كان البحث في نظام الظروف المخففة في القانون القطري يتطلب أن نقف
عند الغاية من هذا النظام في تطبيق العقوبات الجرمية، ولذا كان لزاما علينا أن
يشتمل هذا البحث على جميع الجوانب التاريخية والقانونية بحثا عن الكيان القانوني
لهذا النظام، فتناولنا شرح الموضوع من حيث المعنى والمغزى، ثم تناولنا المراحل
التاريخية التي مر بها هذا النظام، والعقبات القانونية التي أدت إلى بزوغ فجر هذا
النظام منذ عام 1810 م حتى الوقت الحاضر والتشريعات التي نادت به وتبنت الأخذ
بنظام الظروف المخففة، ثم وضعنا ماهية الفلسفة الجنائية لهذا النظام باعتباره يمثل
نظاما قضائيا يقتضي على الآخذين به البحث في فلسفة المشرع في الأخذ بالظروف
المخففة بحثا في شخصية الجاني، وتطبيقا لقواعد العدالة الجنائية، باعتبار أن
العقوبة لا بد أن تتناسب مع الجريمة، ثم انتقلنا إلى الطبيعة القانونية لنظام
الظروف المخففة ومدى كونها ظروفا تدخل ضمن الجريمة ذاتها، أو كونها ذات طبيعة
خاصة، وكان لزاما أيضا أن نتناول شخصية الجاني ونوع الجريمة في العقوبات المخففة
لكون التخفيف يدور في فلك الجاني والجريمة، ونبين كيف تستخلص هذه الشخصية كي نقف
على مدى استفادة الجاني من العقوبة المخففة، وربط هذه الشخصية بنوع الجريمة
المرتكبة، ثم تعرضنا بالبحث للحالة الجنائية وأثرها في توافر الظروف المخففة على
أساس أن الظروف والملابسات التي تحيط بالجاني والجريمة هي المكونة لهذه الحالة
للبحث عن الخطورة الجنائية لدى الجاني، والمؤثرات الخارجية والدوافع إلى ارتكاب
الجريمة.
وبينا بالتفصيل أنواع الظروف المخففة، بالمفهوم الواسع، الذى يشمل
الأعذار والظروف المعفية والمخففة، ثم عطفنا بالبحث نحو معيار التفرقة، بين
الأعذار المخففة المحددة سلفا في بعض الجرائم والظروف المخففة لكل الجرائم والظروف
المشددة، آخذين الحالة الجنائية ونوع الجريمة أساسا ومعيارا لهذه التفرقة، وكذلك
أوجه الخلاف بين المتشابهات القانونية للظروف المخففة، وهي العفو من العقوبة كنظام
قانوني مقرر في النصوص القانونية أو الدستور، وسلطة القاضي في وقف تنفيذ العقوبة
على النحو المقرر في القانون، وإزاء ما هو مقرر قانونا طبقا لنظام الظروف المخففة
تعرضنا بالبحث لتطبيق هذا النظام، وما للقاضي من سلطة تقديرية في تخفيف العقوبة
طبقا للحدود المبينة في القانون، وفي هذا النظام وتطبيقاته، هناك آثار قانونية
تناولناها بالبحث لما يترتب على الأخذ بنظام الظروف المخففة والأعذار القانونية من
النتائج الإيجابية والسلبية للتجريم والعقاب، ووقفنا على مدى أثر هذا النظام على
قواعد العدالة، وبحثنا في العلاقة القانونية بين قواعد العدالة والظروف المخففة
وتوصلنا إلى أن هذا النظام يدخل في إطار العدالة التي هي المبتغى والمراد، ولما
كان القانون قد خص الجرم العائد بعقوبات خاصة فقد حدا بنا ذلك إلى البحث في أثر
تخفيف العقوبة على العود الجنائي، ومدى تطبيق الظروف المخففة في حالة توافر العود
وحكم القانون في هذه الحالات.
وفي النهاية فقد كان البحث في الظروف المخففة يستوجب التعمق في هذا
النظام؛ سواء بالبحث، أو المقارنة، أو الهدف، أو الأثر، لنصل إلى هذه الدراسة إلى
فهمه نظرية وتطبيقا.
التوصيات
إن متطلبات العمل القضائي توجب تدعيم حرية القاضي في تقدير العقوبة
إلى الحد الذي يؤدى إلى المحافظة على النظام العام، وتحقيق العدالة بتوازن بين
الفعل الجرمي والعقوبة، وقد افرز البحث في نظرية الظروف المخففة في القانون القطري
توصيات نبينها كالآتي:
أولا: بما أن العفو عن العقوبة أو تخفيفها، وهو الحق المقرر بموجب المادة
(67) من الدستور، قد أنيط بالأمير الذي له حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها طبقا
للقانون، فإن إطار تحديد هذه السلطة يوجب أن يقوم القانون بتنظيمها. ورغم أن قانون
الإجراءات الجنائية هو القانون الذي يرسم هذا الإجراء إلا أنه قد خلا من تنظيمه؛
مما يستوجب إجراء تعديل بإضافة مادة جديدة إلى الباب الثالث من الكتاب الثالث من
قانون الإجراءات الجنائية لتنظم قواعد تنفيذ العفو أو التخفيف الصادر من الأمير.
ثانيا: إن كانت الظروف المخففة نظاما قضائيا يهدف إلى تحقيق عدالة مناسبة،
فإن اقتصار نص المادة (92) من قانون العقوبات القطري على عدم سريان الأخذ بالظروف
المخففة إذا كانت الجريمة إرهابية، وقصر هذا القيد على هذه الجريمة فقط، يلفت
النظر إلى أن هناك جرائم تمثل من الخطورة ما تمثله الجريمة الإرهابية؛ خاصة بعض
جرائم التعدي على الدولة من جهة الداخل والخارج لما تمثله هذه الجرائم من تعد على
الدولة يكون بمثابة خيانة عظمى، أو تهدد نظام الحكم والأمن العام داخل البلاد.
فلذا نرى وجوب أن يشمل هذا القيد هذا النوع من الجرائم أيضا.
والله من وراء القصد.
[1] د. محمد سعيد نمور، دراسات في فقه القانون الجنائي، دار الثقافة
عمان، 2004، ص 160
[2] م. سيد البغال، الظروف المشددة والمخففة في قانون العقوبات، دار
الفكر العربي 1982، ص 211
[3] د. رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام في التشريع الجنائي، دار الفكر
العربي 1979، ص 687
[5] د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 816
[6] د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق ص 816 no. 813, p 721. (Garraud), l l
[7] د. محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967
ص 66.
[8] د. فخري الحديثي، الأعذار القانونية المخففة للعفوية، دراسة مقارنة،
جامعة بغداد 1976 ص 111
[9] د. عادل عازر، النظرية العامة في ظروف الجريمة، رسالة دكتوراه جامعة
القاهرة، 1966 ص 459
[10] د. محمود محمود مصطفى، توجيه السياسة الجنائية نحو فردية العقاب،
1939 ص 142 و د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص 168 و169
[11] د. حسنين إبراهيم صالح عبيد، النظرية العامة للظروف المخففة، رسالة
دكتوراه، جامعة القاهرة 1970 م ص 15
[12] د. عادل عازر، مرجع سابق ص 460
[13] د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق ص 169
[14] د. رءوف عبيد، مرجع سابق، ص 687
[15] د. رءوف عبيد، المرجع السابق
[16] 1 الأستاذ جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء
الرابع، دار إحياء التراث الإسلامي، ص 668 و669
[17] عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي،
دار التراث، القاهرة، ص 82
[18] د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات القسم العام. دار النهضة
العربية، 1983 ط 10 ص 142
[19] د. روؤف عبيد مبادئ القسم العام من التشريع العقابي دار الفكر العربي
1979 ص 687
[20] د عادل عازر، النظرية العامة في ظروف الجريمة، رسالة دكتوراه جامعة
القاهرة، 1966 ص 8
[21] د. حسنين إبراهيم صالح عبيد، النظرية العامة للظروف المخففة، رسالة
دكتوراه، جامعة القاهرة 1970 م ص 119
[22] د. حسنين إبراهيم المرجع السابق ص 121
[23] د. حسنين إبراهيم المرجع السابق ص 135
[24] د. حسنين إبراهيم المرجع السابق ص 143
[25] الأستاذ جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، دار إحياء التراث
الإسلامي، الجزء 4 ص 642
[26] م سيد البغال، الظروف المشددة والمخففة في قانون العقوبات، دار الفكر
العربي 1982، ص 212
[27] د. رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، منشاة المعارف
بالإسكندرية، 1997 ص 384
[28] د. حسنين إبراهيم المرجع السابق ص 157
[29] د أحمد عوض بلال، مبادئ قانون العقوبات المصري، القسم العام، دار
النهضة العربية، ص 431
[30] د احمد عوض بلال، مرجع سابق ص 435
[31] د احمد عزت، الأمراض العقلية والنفسية، الإسكندرية 1965 ص 165
[32] د. كامل السعيد، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات، دار الثقافة
عمان، 1988 ص 702 وما بعدها
[33] نفس المادة (54) من قانون العقوبات القطري
[34] د. عوض محمد، قانون العقوبات القسم العام، دار الجامعة الجديدة
للنشر، 2000 ص 616
[35] الدكتور عدنان الخطيب، الوجيز في شرح المبادئ العامة في قانون العقوبات،
مطبعة جامعه دمشق، 1958 ص 263
[36] د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، دار
النهضة العربية، 1996 ص 621
[37] د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص 179
[38] د. محمد الفاضل، المبادئ العامة في قانون العقوبات، الطبعة الثالثة،
1964، ص 640
[39] الأمام أبن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، 1955، ص 545
[40] د. فخري الحديثي، النظرية العامة للأعذار القانونية المعفية من
العقاب، جامعة بغداد، 1976، ص 42
[41] د. فخري الحديثي، المرجع السابق، ص 42
[42] د، محمود نجيب حسني، القسم العام، مرجع سابق، ص 817
[43] د. محمود نجيب حسني، القسم العام المرجع السابق، ص 817
[44] د. السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق، الأحكام العامة في قانون
العقوبات دار المعارف بمصر الطبعة الرابعة 1962 ص 726، و د. محمد سعيد نمور،
المرجع السابق، ص 174
[45] الدكتور محمود نجيب حسني والدكتور كامل السعيد والدكتور احمد فتحي
سرور.
[46] الباب المقصود هنا هو المتعلق بالجرائم الماسة بأمن الدولة.
[47] ويطلق عليها في التشريع المصري (بالظروف القضائية) وفي التشريع
الأردني (بالأسباب القضائية المخففة).
[48] د. أحمد عوض بلال ومرجع سابق، ص 900
[49] د. محمود نجيب حسني، القسم العام، مرجع سابق، ص 822
[50] د. احمد عوض بلال، مرجع سابق، ص 901
[51] د. نظام توفيق المجالي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار
الثقافة عمان، 2005 ص 437
[52] د. السعيد مصطفى السعيد، ص 731
[53] د. محمود نجيب حسني، القسم العام، مرجع سابق، ص 822
[54] د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق ص 802
[55] د. عبود السراج، قانون العقوبات، القسم العام المطبعة الجديدة دمشق
1984 ص 442، نمور ص 188
[56] د. كامل السعيد، مرجع اسبق ص 715
[57] د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص 189
[58] د. مأمون سلامه، قانون العقوبات، القسم العام، دار الفكر العربي 1979
ص 530
[59] محكمة النقض المصرية، نوفمبر سنة 1942، ج 6، رقم 22، ص 22
[60] د. محمد الفاضل، المبادئ العامة في قانون العقوبات، ط 3، دمشق 1964،
ص 682
[61] أي الأعذار القانونية والظروف التقديرية المخففة.
[62] د. علي حسين الخلف وسلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات.
مطابع الرسالة، الكويت 1982، ص 44
[63] د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 830
[64] د. محمد علي سالم، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار الثقافة،
عمان 1993
[65] د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 795
[66] د. حسنين بني عيسى و د. خلدون قندح و د. علي طوالبة، شرح قانون العقوبات،
القسم العام، دار وائل، عمان، 2002 ص 253
[67] د. محمد الفاضل، المبادئ العامة في قانون العقوبات، ط 3، دمشق 1964،
ص 660
[68] د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 580 نمور ص 71
[69] د. محمد المنجى، الاختبار القضائي، أحد تدابير الدفاع الاجتماعي،
منشأة المعارف بالإسكندرية، 1982، ص 5
[70] د. حسنين إبراهيم صالح عبيد، النظرية العامة للظروف المخففة، جامعة
القاهرة، رسالة دكتوراه، 1970 ص 49
[71] Vidal et magnol, l. p. 395.
[72] Carcon: Code penal, l l l, p. 584.
[73] د. أكرم نشأت إبراهيم، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في
تقدير العقوبة. دار الثقافة، عمان، 1998 ص 161 و162
[74] حسنين إبراهيم صالح عبيد، مرجع سابق، ص 211
[75] الأستاذ علي بدوي، الأحكام العامة في القانون الجنائي، ج 1، القاهرة
1938، ص 341
[76] د. محمود نجيب حسني، القسم العام، ص 735
[77] حسنين إبراهيم صالح عبيد، مرجع سابق، ص 220
[78] د. سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، رسالة دكتوراه، القاهرة 1968، ص
7 و367
[79] د. أكرم نشأت، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير
العقوبة، مرجع سابق، ص 171
[80] د. حاتم حسن موسى بكار، سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة
والتدابير الاحترازية، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2002 ص 226
[81] د. أبو المعاطي حافظ، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام،
1980، ص 307
[82] د. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات اللبناني، القسم العام،
منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 1998، ص 770 و771
[83] د. حاتم حسن موسى بكار، مرجع سابق، ص 233
[84] د محمد سعيد نمور، دراسات في الفقه الجنائي مرجع سابق، ص 191
[85] د محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام مرجع سابق. ط 16 ص
819
[86] د السعيد مصطفى السعيد مرجع سابق ص 727
[87] نقض 12/ 12/ 1966 محكمة النقض المصرية ص 17 رقم 237 ص 1242
[88] د محمود نجيب حسني مرجع سابق ص 821
[89] د عبد الرحمن توفيق، محاضرات في الإحكام العامة لقانون العقوبات، دار
وائل، 2006 ص 89
[90] د محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 827
[91] د حسنين صالح عبيد، ص 302
[92] د محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات القسم العام، مرجع سابق، ص
638
[93] د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق ص 49.
[94] د. رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب، الطبعة الرابعة، 1977، ص
125
[95] د. فخري الحديثي، الأعذار القانونية المخففة للعقوبة، دراسة مقارنة،
جامعة بغداد 1979، ص 38
[96] د. محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، ص 71
[97] د. رءوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي، ص 687
[98] د. محمود نجيب حسني، القسم العام، مرجع سابق، ص 839
[99] د. علي راشد، القانون الجنائي المدخل وأصول النظرية العامة، دار
النهضة العربية ط 2 القاهرة 1974، ص 701
[100] د. محمد سعيد نمور، مرجع سابق، ص 169
[101] د. عوض محمد، مرجع سابق، ص 634
[102] م. سيد البغال، مرجع سابق، ص 195
[103] أ. جندي عبد الملك، مرجع سابق، الجزء الرابع، ص 692