جلسة 9 من نوفمبر سنة 2013
برئاسة السيد القاضي / عبد الفتاح حبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / مصطفى محمد ، محمود عبد الحفيظ ، خالد الجندي وعلي جبريل نواب رئيس المحكمة .
---------
(138)
الطعن 9853 لسنة 79 ق
(1) إثبات " شهود " . محكمة الجنايات " نظرها
الدعوى والحكم فيها " . حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب
غير معيب ".
بيان الحكم واقعة
الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده
على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً
خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها
وظروفها .
صيغة الاتهام المبينة
بالحكم . جزء منه . كفاية الإحالة إليها في بيان الواقعة .
لمحكمة الجنايات أن تورد في حكمها أقوال شهود
الإثبات كما تضمنتها القائمة المقدمة من النيابة العامة . ما دامت تصلح في ذاتها
لإقامة قضائها بالإدانة .
(2) إثبات " خبرة " . حكم
" ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير
بكامل أجزائه . لا ينال من سلامته .
مثال .
(3) نقض
" أسباب الطعن . تحديدها " " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها "
.
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
نعي الطاعن بعدم اتفاق
أدلة قائمة الثبوت مع ما هو قائم بالأوراق وتناقض أقوال الشهود دون الكشف عن أوجهه
. غير مقبول.
(4) إثبات " شهود
" . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي الطاعن بخلاف ما
قطع به الضباط في تحقيقات النيابة العامة بوجود الطاعن على مسرح الحادث . غير
مقبول .
(5) إثبات
" بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تساند الأدلة
في المواد الجنائية . مؤداه ؟
الجدل الموضوعي في العناصر التي استنبطت منها محكمة
الموضوع معتقدها . غير جائز أمام محكمة النقض .
(6) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل "
. نقض " المصلحة في الطعن " " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي
الطاعن على الحكم بشأن الكتاب الموجه من المتهم السابق محاكمته إلى المجني عليه . غير مجد . ما
دام الحكم لم يستند إلى دليل مستمد منه .
(7) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . دفاع " الإخلال بحق
الدفاع . ما لا يوفره " .
إيراد
الحكم دفاع الطاعن والرد عليه في بيان جلي مفصل. لا قصور.
(8) فاعل أصلي . ضرب " ضرب أفضى إلى موت
" . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض "
أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إثبات
الحكم إسهام الطاعن بنصيب في الأفعال المادية المكونة للجريمة ووجوده على مسرحها
مع باقي المتهمين وقيامهم بالتعدي بالضرب على المجني عليه واقتياده قسراً لغرفة
الكلاب الوحشية وإطلاقها عليه وسقوطه أرضاً لهلعه ورعبه منها مما أحدث إصابته التي
أودت بحياته . كفايته لاعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين .
الجدل الموضوعي في سلطة
محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) ضرب " ضرب أحدث عاهة " " ضرب أفضى إلى موت " .
باعث . جريمة " أركانها ". قصد جنائي . حكم " تسبيبه .
تسبيب غير معيب ". نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ".
القصد الجنائي في جريمتي إحداث الجروح عمداً والتي ينشأ عنها
عاهة والضرب المفضي إلى الموت . قصد عام . تحققه : بعلم الجاني بمساس الفعل بسلامة
جسم المجني عليه أو صحته . تحدث المحكمة عنه استقلالاً . غير لازم . كفاية استفادته
من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم .
تعلل الطاعن بأن إطلاق الكلاب الضارية على المجني عليه
لمجرد تهديده وإرهابه . غير مجد . علة ذلك ؟
(10) ضرب " ضرب أفضى إلى موت " . رابطة
السببية . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر رابطة السببية " . قصد
جنائي . مسئولية جنائية . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
علاقة السببية في المواد الجنائية . مادية . تقدير توافرها . موضوعي . ما
دام سائغاً .
الجاني في جريمة الضرب أو إحداث الجرح عمداً . مسئول عن
جميع النتائج المحتملة نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر .
مثال .
(11) اتفاق . سبق إصرار
. ترصد . ظروف مشددة . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
نعي الطاعن التفات
الحكم عن دفاعه بعدم توافر الاتفاق بينه وبين باقي المتهمين وانتفاء ظرفي سبق
الإصرار والترصد . غير مقبول . ما دام ثبت قيامه بفتح غرفة الكلاب وإطلاقها على
المجني عليه .
(12)
إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى " . نقض " أسباب
الطعن . ما لا يقبل منها " . ضرب " ضرب أفضى
إلى موت " . قتل خطأ.
استخلاص الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
نعي الطاعن بأن الواقعة
جنحة قتل خطأ أو مخالفة وليست ضرب أفضى إلى موت . منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة . غير جائزة أمام محكمة
النقض .
(13)
إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل
" . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
التفات
الحكم عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليه والمتهم . لا يعيبه . علة ذلك ؟
(14) إثبات " بوجه عام " " أوراق رسمية " . محكمة
الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما
لا يوفره " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب
الطعن . ما لا يقبل منها " .
الأدلة في المواد
الجنائية إقناعية . للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . ما
دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها .
عدم التزام المحكمة بالرد صراحة على
أدلة النفي . استفادة الرد عليها من قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت .
بحسب الحكم
كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه
من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير
لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في
تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها . غير
جائز أمام محكمة النقض .
(15) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها
"" المصلحة في الطعن " . إجراءات " إجراءات المحاكمة " .
نعي الطاعن بشأن إيراد
المحكمة دفاع متهمين إبان محاكمتهما السابقة بصورة مبتسرة وعدم سؤالها لمتهم رغم عدم استجوابه بمعرفة النيابة . غير مقبول . لعدم
اتصاله بقضاء الحكم .
(16) محضر الجلسة .
دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " تسبيبه . تسبيب
غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
خلو محضر الجلسة من
إثبات دفاع المتهم كاملاً . لا يعيب الحكم . ما دام لم يطلب إثباته صراحة في
المحضر .
نعي الطاعن بمصادرة
المحكمة حقه في الدفاع . غير جائز . ما لم يقدم الدليل على ذلك ولم يسجل عليها
المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم .
(17) إثبات " شهود
" . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " " تسبيبه . تسبيب غير معيب "
.
تحصيل
الحكم من أقوال شاهد الإثبات ما له صداه وأصله بالأوراق . النعي بخلاف ذلك . غير مقبول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان
الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة
التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ،
وتقرير الصفة التشريحية ، ومعاينة النيابة العامة لمكان الحادث ، وما ثبت من أقوال
.... بالتحقيقات ، ومن الخطاب الكتابي المرفق بها والموجه من الطاعن إلى المجني
عليه ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ،
وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة
والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة
بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون ، وإذ كانت
صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءاً منه فيكفي في بيان الواقعة والإحالة
عليها ، كما أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها
أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها قائمة شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة ما
دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن
النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة ، وإيراده
لمؤدى الأدلة التي استند إليها في قضائه كما تضمنتها
قائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة العامة - بفرض صحته - يكون لا محل له .
2- لما كان
الحكم قد أورد مؤدى تقرير الصفة التشريحية وأبرز ما جاء به من أن إجراء الصفة
التشريحية على جثة المجني عليه قد أسفر عن وجود معالم وأثار إصابية على الجانب
الأيسر للجثة خاصة على الجانب الأيسر للحوض وبالطرف السفلي الأيسر ونجم عن مجملها
اختراق رأس وعنق عظمة الفخذ الأيسر لعظام الحوض المتفتتة واندفاعهما داخل تجويف
الحوض على الناحية اليسرى مما أدى لحدوث تهتك بأنسجة وعضلات الجانب الأيسر للحوض
وانزياح الجانب الأيسر لعظام الحوض إلى أعلى وأن تلك المعالم والأثار الإصابية في
مجملها جائزة الحدوث من جراء سقوط المجني عليه
من أعلى وتشير إلى أنه قد تلقى صدمة السقوط على قدمه اليسرى ومقعدته على
جانبها الأيسر وتعزى وفاته لإصابته السالف بيانها وما نجم عنها من صدمة إصابية
جسيمة ، فإن ما ينعاه الطاعن بعدم إيراد مضمون تقرير الصفة التشريحية للمجني عليه
بصورة وافية لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد
نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .
3- من المقرر
أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً ، وكان الطاعن قد أطلق القول بعدم
اتفاق الأدلة الواردة بقائمة أدلة الثبوت مع مـا هو قائم بالأوراق ، وبأن الحكم لم
يعن برفع التناقض بين أقوال شهود الإثبات دون أن يكشف في طعنه عن وجه الخلاف بين
تلك الأدلة وبين ما ورد بأوراق الدعوى ، أو يكشف كذلك عن وجه التناقض بين أقوال
الشهود الذي يقول به ، ومن ثم فإن ما ينعاه في هذا الشأن يكون غير مقبول .
4- لما كان
يبين من مطالعة الصورة الرسمية المرفقة من تحقيقات النيابة العامة أن العقيد ....
قد قطع بوجود الطاعن على مسرح الجريمة - خلافاً لما يزعمه الأخير - فإن النعي على
الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل .
5- من المقرر
أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع
في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة
تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل
يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في
اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، فإن ما يثيره الطاعن في شأن أقوال
الضابط المذكور لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها
محكمة الموضوع معتقدها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .
6- لما كان
البين من الحكم المطعون فيه أنه - خلافاً لما يقول به الطاعن - لم يتخذ من أي كتاب
موجه من المتهم السابق محاكمته .... دليلاً قبل الطاعن على مقارفة الجريمة التي دانه بها ، بل عول في هذا الخصوص على الكتاب الموجه
إلى المجني عليه من الطاعن ذاته ، فإن نعيه في هذا الشأن يكون غــير صحيح .
7- لما كان
يبين من الحكم المطعون فيه أن ما أورده في بيانه لدفاع الطاعن والرد عليه إنما جاء - خلافاً لما يزعمه الطاعن - في بيان جلي
مفصل ينبئ عن أن المحكمة قد ألمت به ،
ومن ثم فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل .
8- لما كان
يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أثبت في حق الطاعن إسهامه بنصيب في الأفعال
المادية المكونة للجريمة ووجوده على مسرح الجريمة مع باقي المتهمين وقيامهم جميعاً
بالتعدي بالضرب على المجني عليه واقتياده قسراً إلى الطابق الخامس بالمبنى محل الجريمة
حيث توجد الغرفة المخصصة لعدد من الكلاب الوحشية الواثبة الضارية هائلة الحجم
وإطلاق تلك الكلاب عليه فلاذ بالفرار هلعاً ورعباً من افتراسها إياه فسقط أرضاً من
ذلك الطابق الشاهق مما أحدث إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت
بحياته ، وهو ما يكفي لاعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين في الجريمة فإن ما ينعاه
الطاعن في شأن التدليل على مشاركته في ارتكاب الجريمة لا يعدو في حقيقته أن يكون
جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز
إثارته أمام محكمة النقض .
9- لما كانت
جرائم إحداث الجروح عمداً والتي ينشأ عنها عاهة مستديمة وجرائم الضرب المفضي إلى
الوفاة لا تتطلب غير القصد الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن
إرادة وعن علم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ،
ولما كانت المحكمة لا تلتزم بأن تتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم
بل يكفي أن يكون هذا القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم وهو ما تحقق
في واقعة الدعوى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً
لا يقبل منه ولا يجديه التعلل بأن إطلاق الكلاب الضارية على المجني عليه كان لمجرد
تهديده وإرهابه لأنه يتصل بالباعث وهو غير مؤثر في توافر القصد الجنائي .
10- من
المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه
الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة
إذا ما أتاه عمداً ، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى
فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في
ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن
أنه والمتهمين سالفي الذكر قيامهم بالتعدي على المجني عليه واقتياده عنوة إلى
الطابق الخامس بالمبنى محل الجريمة وإطلاق الكلاب عليه على النحو المذكور آنفاً
مما أدى إلى هلعه وسقوطه أرضاً من هذا الارتفاع وإحداث إصابته سالفة البيان ، ودلل
على توافر رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة بما أثبته تقرير الصفة التشريحية من أن تلك الإصابات أفضت إلى الوفاة ، فإن في
ذلك ما يحقق مسئوليته - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي كان من
واجبه أن يتوقع حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح
عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت
عن طريق غير مباشر ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يضحى غير قويم.
11- لما كان
البين من مدونات الحكم المطعون فيه ، والصورة الرسمية المرفقة من تحقيقات النيابة
العامة - أن الطاعن هو من قام بفتح الغرفة المخصصة للكلاب سالفة الذكر وإطلاقها
على المجني عليه ، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن من التفات الحكم عن دفاعه
القائم على عدم توافر الاتفاق بينه وبين باقي المتهمين ، أو خلو الأوراق من ظرفي
سبـق الإصـرار والترصد .
12- من
المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة
أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن
تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في
العقل والمنطق لا ينازع الطاعن في أن لها أصلها في الأوراق ، وكان النعي بأن
الواقعة مجرد جنحة قتل خطأ أو مخالفة تنطبق على المادة 377/9،4 من قانون العقوبات
وليست جناية ضرب أفضى إلى موت لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها
المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة
كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب .
13- من
المقرر أنه لا يعيب الحكم التفاته عن الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليه وبين
المتهم في معرض نفي التهمة عنه وهو ما يدخل في تكوين معتقدها في الدعوى ولا تلتزم
في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم
يؤدي دلالة إلى اطراح هذا الصلح .
14- من
المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو
حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت
إليها من باقي الأدلة في الدعوى ، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد
صراحة على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم ما دام الرد عليها مستفاداً ضمناً من
الحكم بالإدانة اعتماداً على أدلة الثبوت التي أوردها ، إذ بحسب الحكم كيما يتم
تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصته من
وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات
دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في شأن
التفات الحكم عن المستندات المقدمة تدليلاً على انتفاء مسئوليته هو وباقي المتهمين
، وعدم صحة أقوال شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل
وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته
أمام محكمة النقض .
15- لما كان
ما يثيره الطاعن بأسباب طعنه بشأن إيراد محكمة الموضوع لدفاع المتهمين الثاني
والثالث إبان محاكمتهما السابقة بصورة مبتسرة ، وعدم سؤال المحكمة للمتهم الثاني
رغم عدم استجوابه بمعرفة النيابة العامة هو أمر لم يتصل بقضاء الحكم ، فضلاً عن
أنه لا مصلحة للطاعن فيه ، ومن ثم فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون مقبولاً .
16- من
المقرر أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع المتهم كاملاً إذ كان
عليه إن كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته بالمحضر وأن عليه إن ادعى أن
المحكمة صادرت حقه في ذلك أن يقدم الدليل ويسجل عليها المخالفة في طلب مكتوب قبل
صدور الحكم وإلا لم تجز محاجتها من بعد ذلك أمام محكمة النقض على أساس من تقصيرها
فيما كان يتعين عليها تسجيله ومن ثم يكون منعاه في هذا الخصوص غير مقبول .
17- لما كان
يبين من مطالعة تحقيقات النيابة العامة - المرفق صورتها - أن ما حصله الحكم من
أقوال شاهد الإثبات الرابع له صداه وأصله الثابت في الأوراق ، فإن ما ينعاه الطاعن
على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد في هذا الشأن لا يكون له محل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت
النيابة الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم بأنهم : ضربوا / .... عمداً بأن اقتادوه
عنوة للدور الخامس بقرية .... إلى حيث غرفة مخصصة لحجز كلاب وحشية متعدين عليه
بالضرب ومهددينه بإطلاقها فبثوا الرعب في نفسه وشلوا مقاومته وما أن وصلوا إليها
أطلقوها عليه فلم يجد ملجأ إلا السقوط أرضاً فأحدثوا إصابته الموصوفة بتقرير الصفة
التشريحية والتي أودت بحياته ولم يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موت .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف
الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة قضت
حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات ، وبعد إعمال نص المواد ( 17 ،
55 /1 ، 56 /1 ) من ذات القانون ، بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت
بإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس المقضي بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ جلسة الحكم .
فطعن المحكوم
عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن
الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد
شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والخطأ في تطبيق القانون ، كما
انطوى على الإخلال بحق الدفاع ، والخطأ في الإسناد ؛ ذلك بأنه اكتفى في بيان واقعة
الدعوى ومضمون الأدلة التي استند إليها في قضائه بالإدانة - لاسيما أقوال الشهود
والتقرير الطبي الشرعي - بما ورد في وصف الاتهام وبقائمة أدلة الثبوت المقدمة من
النيابة العامة رغم مخالفتها لما هو قائم بالأوراق ، ودون أن يرفع التناقض بين
أقوال شهود الإثبات ، كما عول في الإدانة على أقوال شاهد الإثبات الرابع العقيد /
.... بالتحقيقات رغم أنه قطع بعدم وجود الطاعن على مسرح الجريمة وبعدم إتيان أحد
من المتهمين لأية أفعال مادية من شأنها المساس بجسد المجني عليه أو اتجاه إرادتهم
إلى ذلك ، كما تساند في قضائه إلى الكتاب الموجه من المتهم الثاني .... - الذي سبق
الحكم عليه - إلى المجني عليه بالحضور إلى مكان الواقعة رغم أنه لا يصلح دليلاً في
هذا الخصوص ، هذا وقد أورد دفاعه بصورة مبتسرة لا تعبر عن مرماه واطرحه برد قاصر
غير سائغ ، ولم تحفل محكمة الموضوع بدفاعه القائم على عدم اتهامه - بالذات أو
بالواسطة - بأي فعل يمثل مساساً بالمجني عليه
، وأن الأخير هو من قام بإلقاء نفسه من إحدى نوافذ الطابق الخامس ، فضلاً
عن انتفاء القصد الجنائي ونية الإيذاء لديه بدلالة ما شهد به الضابط المذكور من أن
إطلاق الكلاب على المجني عليه كان لمجرد تهديده وإرهابه ، وكذا عدم توافر رابطة
السببية بين ما قام به من أفعال وبين وفاة المجني عليه ، وبعدم وجود اتفاق بينه
وبين باقي المتهمين على الاعتداء بما تنعدم معه المسئولية التضامنية بينهم لاسيما
وقد خلت الأوراق من توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد ، هذا إلى أن للواقعة صورة
أخرى مغايرة لتلك الواردة بالأوراق إذ لا تعدو
أن تكون جنحة قتل خطأ أو مخالفة بالمادة 377/9،4 من قانون العقوبات ، فضلاً
عن ذلك فقد التفتت المحكمة عن محضر الصلح المقدم في الدعوى والمتضمن عدول ورثة
المجني عليه عن اتهامه ، وكذا عن المستندات المقدمة من المتهمين الثاني والثالث -
الذين سبق الحكم عليهما - تدليلاً على انتفاء مسئوليتهم جميعاً عن الواقعة وعدم
صحة أقوال شهود الإثبات ، كما أوردت دفاع هذين المتهمين إبان محاكمتهما السابقة
بصورة مبتسرة لا تعبر عن مضمونه ، ولم تقم بسؤال المتهم الثاني رغم عدم استجوابه
بمعرفة النيابة العامة ، كما وأن ما أثبت بمحضر جلسة المحاكمة لا يمثل حقيقة
الدفاع الذي تمسك به المدافع عن الطاعن ، وأخيراً فإن ما أورده الحكم من أقوال
شاهد الإثبات الرابع قد جاء على خلاف الثابت في الأوراق من حيث تسلسل الوقائع
والقصد الجنائي والأفعال المادية المنسوبة إلى الطاعن ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب
نقضه .
ومن حيث إن
الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة
التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ،
وتقرير الصفة التشريحية ، ومعاينة النيابة العامة لمكان الحادث ، وما ثبت من أقوال
.... بالتحقيقات ، ومن الخطاب الكتابي المرفق بها والموجه من الطاعن إلى المجني
عليه ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ،
وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة
والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة
بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان هذا محققاً لحكم القانون ، وإذ كانت
صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءاً منه فيكفي في بيان الواقعة والإحالة
عليها ، كما أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات أن تورد في حكمها
أقوال شهود الإثبات كما تضمنتها قائمة شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة ما
دامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة - وهو الحال في الدعوى المطروحة - فإن
النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة ، وإيراده
لمؤدى الأدلة التي استند إليها في قضائه كما تضمنتها
قائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة العامة - بفرض صحته - يكون لا محل له .
لما كان ذلك ، وكان الحكم قد أورد مؤدى تقرير الصفة التشريحية وأبرز ما جاء به من
أن إجراء الصفة التشريحية على جثة المجني عليه قد أسفر عن وجود معالم وأثار إصابية
على الجانب الأيسر للجثة خاصة على الجانب الأيسر للحوض وبالطرف السفلي الأيسر ونجم عن مجملها اختراق رأس وعنق عظمة الفخذ الأيسر
لعظام الحوض المفتتة واندفاعهما داخل تجويف الحوض على الناحية اليسرى مما
أدى لحدوث تهتك بأنسجة وعضلات الجانب الأيسر للحوض وانزياح الجانب الأيسر لعظام
الحوض إلى أعلى وأن تلك المعالم والأثار الإصابية في مجملها جائزة الحدوث من جراء
سقوط المجني عليه من أعلى وتشير إلى أنه قد تلقى صدمة السقوط على قدمه اليسرى
ومقعدته على جانبها الأيسر وتعزى وفاته لإصابته السالف بيانها وما نجم عنها من
صدمة إصابية جسيمة ، فإن ما ينعاه الطاعن بعدم إيراد مضمون تقرير الصفة التشريحية
للمجني عليه بصورة وافية لا يكون له محل لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً
محدداً ، وكان الطاعن قد أطلق القول بعدم اتفاق الأدلة الواردة بقائمة أدلة الثبوت
مع مـا هو قائم بالأوراق ، وبأن الحكم لم يعن برفع التناقض بين أقوال شهود الإثبات
دون أن يكشف في طعنه عن وجه الخلاف بين تلك الأدلة وبين ما ورد بأوراق الدعوى ، أو
يكشف كذلك عن وجه التناقض بين أقوال الشهود الذي يقول به ، ومن ثم فإن ما ينعاه في
هذا الشأن يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان يبين من مطالعة الصورة الرسمية
المرفقة من تحقيقات النيابة العامة أن العقيد .... قد قطع بوجود الطاعن على مسرح
الجريمة - خلافاً لما يزعمه الأخير - فإن
النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان لا
يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل
جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون
عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي
أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع
المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، فإن ما يثيره الطاعن في شأن أقوال الضابط
المذكور لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في العناصر التي استنبطت منها محكمة
الموضوع معتقدها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان البين
من الحكم المطعون فيه أنه - خلافاً لما يقول به الطاعن - لم يتخذ من أي كتاب موجه
من المتهم السابق محاكمته .... دليلاً قبل الطاعن على مقارفة الجريمة التي دانه
بها ، بل عول في هذا الخصوص على الكتاب الموجه إلى المجني عليه من الطاعن ذاته ،
فإن نعيه في هذا الشأن يكون غــير صحيح . لما كان ذلك ، وكان يبين من الحكم المطعون
فيه أن ما أورده في بيانه لدفاع الطاعن والرد عليه إنما جاء - خلافاً لما يزعمه الطاعن - في بيان جلي مفصل ينبئ عن أن المحكمة
قد ألمت به ، ومن ثم فإن منعى الطاعن
على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان يبين من
مدونات الحكم المطعون فيه أنه أثبت في حق الطاعن إسهامه بنصيب في الأفعال المادية
المكونة للجريمة ووجوده على مسرح الجريمة مع باقي المتهمين وقيامهم جميعاً بالتعدي
بالضرب على المجني عليه واقتياده قسراً إلى الطابق الخامس بالمبنى محل الجريمة حيث
توجد الغرفة المخصصة لعدد من الكلاب الوحشية الواثبة الضارية هائلة الحجم وإطلاق
تلك الكلاب عليه فلاذ بالفرار هلعاً ورعباً من افتراسها إياه فسقط أرضاً من ذلك
الطابق الشاهق مما أحدث إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت
بحياته ، وهو ما يكفي لاعتبارهم جميعاً فاعلين أصليين في الجريمة فإن ما ينعاه
الطاعن في شأن التدليل على مشاركته في ارتكاب الجريمة لا يعدو في حقيقته أن يكون
جدلاً موضوعياً في سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا تجوز
إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكانت جرائم إحداث الجروح عمداً والتي
ينشأ عنها عاهة مستديمة وجرائم الضرب المفضي إلى الوفاة لا تتطلب غير القصد
الجنائي العام وهو يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعن علم بأن هذا الفعل
يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته ، ولما كانت المحكمة لا تلتزم
بأن تتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم بل يكفي أن يكون هذا القصد
مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم وهو ما تحقق في واقعة الدعوى فإن ما
يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا يقبل منه ولا يجديه
التعلل بأن إطلاق الكلاب الضارية على المجني عليه كان لمجرد تهديده وإرهابه لأنه
يتصل بالباعث وهو غير مؤثر في توافر القصد الجنائي . لما كان ذلك ، وكان من المقرر
أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني
وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة إذا ما
أتاه عمداً ، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل
فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك
على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق
الطاعن أنه والمتهمين سالفي الذكر قيامهم بالتعدي على المجني عليه واقتياده عنوة
إلى الطابق الخامس بالمبنى محل الجريمة وإطلاق الكلاب عليه على النحو المذكور
آنفاً مما أدى إلى هلعه وسقوطه أرضاً من هذا الارتفاع وإحداث إصابته سالفة البيان
، ودلل على توافر رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة بما أثبته تقرير الصفة
التشريحية من أن تلك الإصابات أفضت إلى الوفاة
، فإن في ذلك ما يحقق مسئوليته - في صحيح القانون - عن هذه النتيجة التي
كان من واجبه أن يتوقع حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث
جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو
كانت عن طريق غير مباشر ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يضحى غير قويم
. لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه ، والصورة الرسمية
المرفقة من تحقيقات النيابة العامة - أن الطاعن هو من قام بفتح الغرفة المخصصة
للكلاب سالفة الذكر وإطلاقها على المجني عليه ، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن
من التفات الحكم عن دفاعه القائم على عدم توافر الاتفاق بينه وبين باقي المتهمين ،
أو خلو الأوراق من ظرفي سبـق الإصـرار والترصد . لما كان ذلك ، وكان من حق محكمة
الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث
الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من
صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق لا
ينازع الطاعن في أن لها أصلها في الأوراق ، وكان النعي بأن الواقعة مجرد جنحة قتل
خطأ أو مخالفة تنطبق على المادة 377/9،4 من قانون العقوبات وليست جناية ضرب أفضى
إلى موت لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً
موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها
مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب . لما كان ذلك ، وكان لا يعيب الحكم التفاته عن
الصلح الذي تم بين ورثة المجني عليه وبين المتهم في معرض نفي التهمة عنه وهو ما
يدخل في تكوين معتقدها في الدعوى ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً
لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التي ساقها الحكم يؤدي دلالة إلى اطراح هذا الصلح .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعيه وللمحكمة أن
تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم
مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى ، وكان من المقرر أن
المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على أدلة النفي التي يتقدم بها المتهم ما دام الرد
عليها مستفاداً ضمناً من الحكم بالإدانة اعتماداً على أدلة الثبوت التي أوردها ،
إذ بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت
لديه على ما استخلصته من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ، ولا عليه أن يتعقبه في
كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره
الطاعن في شأن التفات الحكم عن المستندات المقدمة تدليلاً على انتفاء مسئوليته هو
وباقي المتهمين ، وعدم صحة أقوال شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في
تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما
لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن بأسباب
طعنه بشأن إيراد محكمة الموضوع لدفاع المتهمين الثاني والثالث إبان محاكمتهما
السابقة بصورة مبتسرة ، وعدم سؤال المحكمة للمتهم الثاني رغم عدم استجوابه بمعرفة
النيابة العامة هو أمر لم يتصل بقضاء الحكم ، فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فيه ،
ومن ثم فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر
أنه لا يعيب الحكم خلو محضر الجلسة من إثبات دفاع المتهم كاملاً إذ كان عليه إن
كان يهمه تدوينه أن يطلب صراحة إثباته بالمحضر وأن عليه إن ادعى أن المحكمة صادرت
حقه في ذلك أن يقدم الدليل ويسجل عليها المخالفة في طلب مكتوب قبل صدور الحكم وإلا
لم تجز محاجتها من بعد ذلك أمام محكمة النقض على أساس من تقصيرها فيما كان يتعين
عليها تسجيله ومن ثم يكون منعاه في هذا الخصوص غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان
يبين من مطالعة تحقيقات النيابة العامة - المرفق صورتها - أن ما حصله الحكم من أقوال شاهد الإثبات الرابع له صداه وأصله
الثابت في الأوراق ، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد
في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير
أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ