القضية رقم 187 لسنة 25 ق " دستورية " جلسة 7 / 11 / 2004
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 7 نوفمبر سنة 2004 ، الموافق 24
رمضان سنة 1425 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : محمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامى يوسف
والسيد عبد المنعم حشيش ومحمد خيرى طه وسعيد مرعى عمرو وتهاني محمد الجبالي
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين
علما رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 187 لسنة 25
قضائية " دستورية " ، المحالة من محكمة القضاء الإداري " دائرة
التسويات " بالحكم الصادر في الدعوى رقم 12324 لسنة 55 قضائية .
المقامة من
السيد / ناصف مسعد على وآخر
ضد
1 -السيد وزير النقل
2 -السيد رئيس الهيئة القومية للأنفاق
3 -السيد رئيس مجلس الوزراء
الإجراءات
بتاريخ الحادى عشر من شهر يونيو سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 12324 لسنة 55 قضائية ، تنفيذاً للحكم الصادر من
محكمة القضاء الإدارى " دائرة التسويات " بجلسة 26/5/2003 ، والقاضي
بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادة (74) من لائحة
العاملين بالهيئة العامة للأنفاق .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها رفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق تتحصل أن
المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 12324 لسنة 55 ق أمام محكمة القضاء الإداري
" دائرة التسويات " ضد الهيئة القومية للأنفاق ، بطلب الحكم بإلغاء قرار
الهيئة المذكورة بالامتناع عن تنفيذ توصية لجنة فض المنازعات الخاصة بالمدعيين وما
يترتب على ذلك من آثار أهمها صرف المقابل النقدي لمتجمد رصيد إجازات كل منهما ،
الذى يتجاوز أجر أربعة أشهر التي تم صرفها . وبجلسة 26/5/2003 حكمت المحكمة بوقف
الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة (74) من
لائحة العاملين بالهيئة القومية للأنفاق الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات
والنقل البحري رقم 20 لسنة 1984 ، فيما تضمنته من حرمان العامل من المقابل النقدي
لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر متى كان عدم الحصول على هذه الإجازة
راجعاً إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل ، وهو ذات الحكم الوارد بالفقرة الأخيرة من
المادة (65) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 ، الذى سبق
للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستوريته .
وحيث إن
المادة (74) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للأنفاق الصادرة بقرار وزير النقل
والمواصلات والنقل البحري رقم 20 لسنة 1984 المعدلة تنص في فقرتها الأخيرة على أنه
:- " فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاذه رصيده من الإجازات الاعتيادية
استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسي مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها
عند انتهاء خدمته وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر ولا تخضع هذه المبالغ لأية
ضرائب أو رسوم " .
وحيث إن نطاق
الدعوى الدستورية يتحدد بما يكون لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية وهو ما تتحقق
به المصلحة الشخصية للمدعيين ، وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق المدعيين في المقابل
النقدى لرصيد أجازاتهما فيما زاد على أربعة شهور ، فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر
في نص الفقرة الأخيرة من المادة (74) من اللائحة المار ذكرها فيما تضمنته من وضع
حد أقصى لرصيد الأجازات الذى يستحقان مقابلاً عنه .
وحيث إن
الهيئة القومية للأنفاق وفقاً لقانون إنشائها وهو القانون رقم 113 لسنة 1983 ، هي
هيئة عامة تقوم بتنفيذ مرفق عام هو مترو الأنفاق ، ومن ثم فهي شخص من
أشخاص القانون العام ، ويعتبر العاملون بها موظفين عامين يرتبطون بها بعلاقة
تنظيمية تحكمها لائحة نظام العاملين بالهيئة الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات
والنقل البحرى سالف الذكر ، والتي تتضمن النص المطعون فيه ، وهى بهذه المثابة
تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي تمتد إليه رقابة هذه المحكمة .
وحيث إن - من
المقرر في قضاء هذه المحكمة – أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها ، وأثاراً يرتبها ، من
بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً
وإنسانياً ومواتياً ، فلا ترهق هذه الشروط بفحواها بيئة العمل ، أو تناقض بآثارها
ضرورات أداء العمل بصورة طبيعية لا تحامل فيها ، ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي
يستلزمها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها ، وإلا كان
تقريرها انحرافاً بها عن غايتها ، يستوى في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو
رابطة لائحية .
وحيث إن
الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة (13) تنظيم حق العمل ، إلا أنها لا
يجوز لها أن تعطل جوهره ، ولا أن تهدر ما يملكه العامل من حقوق ، خاصة ما يتصل
بالأوضاع التي ينبغي ممارسة العمل فيها ، ويندرج تحتها الحق في الإجازة السنوية التي
لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها ، وإلا كان ذلك منها عدواناً على
صحته البدنية والنفسية ، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل
بدوره أن يتسامح فيها .
وحيث إن
المشرع قد صاغ في الإطار السابق بيانه بنص المادة (65) من قانون نظام العاملين
المدنيين في الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 – وهو القانون العام بالنسبة
للعاملين في الدولة وهيئاتها العامة – حق العامل في الإجازة السنوية ، فغدا بذلك
حقاً مقرراً له بنص القانون ، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة ، وقد
نقلت عنه لائحة نظام شئون العاملين بالهيئة القومية للأنفاق ، فقد جاء نص المادة
(74) منها متضمناً لذات الأحكام .
وحيث إن
المشرع تغيا من ضمان حق العامل في إجازة سنوية بالشروط التي حددها ، أن يستعيد
العامل خلالها قواه المادية والمعنوية ، فلا يجوز بالتالي أن ينزل عنها العامل ولو
كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها ، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من
العامل وجهة الإدارة ، فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية
تقتضيها مصلحة العمل ، ولا أن يدعى العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها ، وإلا
كان التخلي عنها إنهاكاً لقواه ، وتبديداً لطاقاته ، وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي
يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع . بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على
إجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه ، أو التذرع
دون تمامه بدواعي مصلحة العمل ، وهو ما يقطع بأن الحق في الإجازة السنوية يتصل
بقيمة العمل وجدواه وينعكس بالضرورة ، على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا بصون
قواها الإنتاجية البشرية .
وحيث إن
المشرع قد دلّّ بالفقرة الأخيرة من المادة (74) من اللائحة المذكورة ، على أن
العامل لا يجوز أن يتخذ من الإجازة السنوية وعاءً إدخارياً من خلال ترحيل مددها
التى تراخى في استعمالها ، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من
الأجر ، وكان ضمان المشرع لمصلحة العمل ذاتها قد اقتضاه أن يرد على العامل سوء
قصده ، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوى أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة
أشهر ، وهى تعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للإجازة السنوية غايتها ،
فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها ، إلا أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على
إطلاقه ، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الإجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب
اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها ، كانت جهة العمل مسئولة
عن تعويضه عنها ، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة
أيام كل سنة ، إذا كان اقتضاء ما تجمع من إجازاته السنوية على هذا النحو ممكنا
عيناً ، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً ، تقديراً بأن المدة التي امتد إليها
الحرمان من استعمال تلك الإجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن تتحمل وحدها
تبعة ذلك.
وحيث إن الحق
في هذا التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل ، مما
يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان ( 32 و 34 ) من الدستور اللتان صان
بهما حق الملكية الخاصة ، والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام
، وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها . متى كان ذلك ، فإن
حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية
المقررة للملكية الخاصة .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (74) من لائحة
العاملين بالهيئة القومية للأنفاق الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري
رقم 20 لسنة 1984 المعدلة ، فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد
إجازاته الاعتيادية فيما جاوز أجر أربعة أشهر ، متى كان عدم الحصول على هذا الرصيد
راجعاً إلى أسباب تقتضيها مصلحة العمل