القضية رقم 1 لسنة 5 ق عليا " دستورية " .
باسم الشعب
المحكمة العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت الموافق 29 من يونيه سنة 1974
م الموافق 9 من جمادي الاخره سنة1394 هـ.
المؤلفة برياسة السيد المستشار بدوى إبراهيم حمودة رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين : محمد عبد الوهاب خليل و عادل عزيز زخارى
وعمر حافظ شريف ، نواب رئيس المحكمة وحسين زاكى وأحمد طوسون حسين ومحمد بهجت عتيبة أعضاء
وحضور السيد المستشار / محمد كمال محفوظ مفوض الدولة
وحضور السيد / سيد عبد البارى إبراهيم أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة العليا برقم 1 لسنة 5 قضائية عليا
" دستورية " .
المقامة من
السيد / الدكتور عمر محمود حلمى اسماعيل
ضد
1 - السيد / رئيس الوزراء
2 - السيده / سامية عبدالعال رشدان
" الوقائع "
تتحصل الوقائع، على ما يبين من الأوراق، في أن المدعى عليها الثانية
السيدة سامية عبد العال رشدان، استصدرت ضد زوجها المدعى دكتور/ عمر محمود حلمى
إسماعيل، حكماً من محكمة عابدين الجزئية "دائرة الأحوال الشخصية " يقضى
بإلزامه بأن يؤدى إليها وإلى ابنتها منه نفقة مقدارها 94 جنيهاً شهرياً ثم أقامت
ضده دعاوى الحبس رقم 95 ورقم 133 ورقم 134 ورقم 135 لسنة 1973 أمام المحكمة
المذكورة استناداً إلى المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات
المتعلقة بها الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، ودفع دكتور/ عمر محمود
حلمى إسماعيل أمام المحكمة بعدم دستورية هذه المادة .
وفي 30 من ديسمبر سنة 1973 قضت المحكمة بوقف الفصل في دعاوى الحبس
المشار إليها حتى تفصل المحكمة العليا في الدفع بعدم دستورية المادة (347) من
لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها على أن يقيم الطاعن الدعوى
بذلك أمام المحكمة العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ النطق بالحكم . وقد أقام
المدعى هذه الدعوى ضد المدعى عليهما بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة العليا في 29
من يناير سنة 1974 وقيدت برقم 1 لسنة 5 قضائية عليا "دستورية " طالباً
الحكم بعدم دستورية المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات
المتعلقة بها الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 وإلزام الحكومة
المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة . وقدمت المدعى عليها الثانية مذكرة طلبت فيها
الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة . وقدمت هيئة مفوضي
الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدعوى
ومصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات. وحددت جلسة 18 من مايو سنة 1974 لنظر
الدعوى وفى هذه الجلسة قدمت الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام
المدعى المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ، وقد نُظرت الدعوى على النحو المبين
بمحضر الجلسة وأرجأت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى إلى جلسة 29 من يونيه سنة 1974
مع الترخيص في تقديم مذكرات وقد قدم كل من المدعى والمدعى عليها الثانية مذكرة
بدفاعه صمم فيها على طلباته وفى هذه الجلسة صدر الحكم الآتي :
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .
من حيث أن الدعوى قد استوفت أوضاعها الشكلية.
من حيث إن المدعى يطلب الحكم بعدم دستورية المادة (347) من لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 استناداً إلى
الأسباب الآتية :-
أولاً: أن ما تقضي به هذه المادة من حبس المدين بدين النفقة لإكراهه
على أدائه يتضمن اعتداء على الحرية الشخصية التي تكفلها المادة (41) من الدستور التي
تنص على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس كما يتنافى مع كرامة الفرد
وهى الانعكاس الطبيعي لكرامة الوطن على ما أكدته وثيقة إعلان الدستور .
ثانياً: إن النص المطعون فيه يخل بمبدأ المساواة ، وهو مبدأ دستوري
أصيل نصت عليه المادة (40) من الدستور وذلك من وجهين: أولهما أنه طبقاً لأحكام
لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تنفذ الأحكام الصادرة بالطاعة قهراً ولو باستعمال
القوة (المادة 345) من اللائحة ، كما تنفذ أحكام النفقات ونحوها عن طريق الحبس
تطبيقاً للمادة (347) من اللائحة ، وقد عدلت وزارة العدل عن تنفيذ أحكام الطاعة
بطريق الإكراه حفظاً لكرامة الزوجة وذلك بقرار أصدره وزير العدل في حين استمر
تنفيذ أحكام النفقات بطريق الحبس وهذه التفرقة بين الرجل الذى تنفذ عليه أحكام
النفقة بطريق الحبس وبين المرأة التي بطل تنفيذ أحكام الطاعة عليها بطريق الإكراه
يخل بمبدأ المساواة . وثانيهما أنه طبقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية
والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 تطبق أحكام الكتاب الرابع الخاص
بالإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية (المواد من 868 إلى 1032) دون لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية إذا كان أحد الزوجين أجنبياً وهذه المواد قد خلت من أي نص
على تنفيذ أحكام النفقة بطريق الإكراه البدني ومقتضى ذلك أن يكون المصري المتزوج
من أجنبية في مركز قانوني أفضل من المصري المتزوج من مصرية وأن تكون المصرية
المتزوجة من مصري في مركز أسوأ من المصرية المتزوجة من أجنبي ومرد ذلك إلى امتناع
تطبيق النص المطعون فيه متى كان أحد الزوجين أجنبياً .
ثالثاً: إن النص المطعون فيه إذ يسند إلى قاضى الأحوال الشخصية ولاية
حبس المدين بدين النفقة يخالف المادة (68) من الدستور التي تكفل لكل مواطن حق
الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ذلك أن القاضي الطبيعي المختص بتوقيع العقوبات هو القاضي
الجنائي طبقاً للضمانات المقررة في قانون الإجراءات الجنائية .
رابعاً:- إن النص المطعون فيه يتعارض مع المادتين السابعة والتاسعة من
الدستور الواردتين في الباب الثاني منه "المقومات الأساسية للمجتمع" ذلك
أن من شأن حبس المدين وتقييد حريته استيفاء لدين النفقة إثارة للفرقة بين أفراد
الأسرة وإهداراً لمبدأ التضامن الاجتماعي الذى نصت المادة السابعة من الدستور على
أنه قوام المجتمع .
خامساً:- قيام الازدواج بين النص المطعون فيه والمادة (293) من قانون
العقوبات التي تقضي بمعاقبة كل من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه
أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع .
ومن حيث إن المدعى عليهما دفعا الدعوى بما يلى :
أولاً: إن النص المطعون فيه مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية التي نص
الدستور في المادة الثانية منه على أنها مصدر رئيسي للتشريع .
ثانياً: إن النص المذكور لا يتعارض مع نص المادة (41) من الدستور التي
تكفل الحرية الشخصية ذلك لأن الحرية الشخصية ليست مطلقة وإنما ترد عليها قيود
عديدة رعاية لحقوق سائر أفراد المجتمع .
ثالثاً: إن النص المطعون فيه لا يخل بمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور
لأن حكمه عام يسري على الرجل والمرأة على السواء إذ أنه طبقاً لأحكام الشريعة
الإسلامية تجب النفقة على الرجل كما تجب على المرأة لمن تلزمها نفقته ويسري حكم
النص على كليهما متى توافرت شروط تطبيقه، وأنه طبقاً لقواعد الإسناد في مسائل
الأحوال الشخصية المنصوص عليها في المواد من (11 إلى 17) من القانون المدني إذا
كان أحد الزوجين مصرياً فإن القانون المصري يكون هو الواجب التطبيق وتسري في هذه
الحالة لائحة ترتيب المحاكم الشرعية دون أحكام الباب الرابع الخاص بالإجراءات
المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية التي لا تطبق إلا إذا كان الزوجان كلاهما أجنبياً
على خلاف ما قال به المدعى وأن المساواة تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريع
وكلا الشرطين متوافر في النص المطعون فيه .
رابعاً: إن الازدواج المقول به بين النص المطعون فيه والمادة (293) من
قانون العقوبات تخرج عن مجال الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح
فضلاً عن أن هذا الازدواج غير قائم إذ أن النص المطعون فيه يقضى بالحبس باعتباره
وسيلة إكراه بدنى لإجبار المحكوم عليه بدين نفقة أو ما في حكمها على الوفاء بها في
حين أن المادة (293) من قانون العقوبات تفرض عقوبة على جريمة نصت عليها وهى جريمة
هجر العائلة .
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الأول من أسباب الطعن فإن المادة (347)
من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها الصادر بها المرسوم
بقانون رقم 78 لسنة 1931 تنص على أنه "إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم
الصادر في النفقات أو أجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن يرفع ذلك إلى المحكمة
الجزئية التي أصدرت الحكم أو التي بدائرتها محل التنفيذ ومتى ثبت لديها أن المحكوم
عليه قادر على القيام بما حكم به وأمرته ولم يمتثل حكمت بحبسه ولا يجوز أن تزيد
مدة الحبس عن ثلاثين يوماً أما إذا أدى المحكوم عليه ما حكم به أو أحضر كفيلاً
فإنه يخلى سبيله وهذا لا يمنع من تنفيذ الحكم بالطرق الاعتيادية " وهذا النص
مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية ، التي توجب على المدين الوفاء بديونه من تلقاء
نفسه إبراء لذمته فإن امتنع عن ذلك رغم قدرته على الوفاء يكون ظالماً ويجوز زجره
وردعه عن التمادي في ظلمه، وقد شرعت لذلك وسائل تكفل للدائنين الحفاظ على حقوقهم
ولو بطريق الإكراه وذلك بالتضييق على المدين بالحبس أو بالملازمة أو بالحجر لمنعه
عن التصرف في ما له وبيعه جبراً عليه لسداد ديونه، ولا تبرأ ذمة المدين من الدين
إلا بالوفاء أو ما يقوم مقامه، وفى خصوص شرعية الحبس كوسيلة لإجبار المدين على
الوفاء بالدين فالرأي المتفق عليه بين أئمة المسلمين هو جواز حبس المدين الموسر
الممتنع من أداء الحق إلى مستحقه حملاً له على أدائه ولهم في ذلك أدلة من السنة
والإجماع إذ جاء في الحديث الشريف " لي ّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته "
واللي ّ المطل والواجد الغنى وإحلال العرض هو إغلاظ القول للمدين وشكايته . وروى
عن الخليفتين عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وكثير من الصحابة والتابعين وقضاة
المسلمين أنهم كانوا يحبسون المدينين المماطلين وقد كانت هذه المبادئ معمولاً بها
في مصر في الديون كافة قبل سن القوانين الحديثة .
فنص البند رقم 50 من لائحة 17 يونيه سنة 1880 وهي أول تشريع منظم
للمحاكم الشرعية على ما يلي : "حيث إن الأحكام الشرعية تقتضى في بعض الأحيان
سجن بعض أشخاص على حقوق شرعية بحسب ما تقتضيه الأصول المرعية شرعاًً فتلزم أنه إذا
وجد رئيس المحكمة من يقتضى سجنه بحسب الكيفيات المعلومة شرعاً أن يجرى سجن من ذكر
بسجنها المختص بها بموافقة الشرع وإن لم يتيسر ذلك فترسل من يقتضى سجنه إلى محل الإدارة
القريب منها ليسجن بالسجن الموجود بشرط أن يكون سجنه وإطلاقه تحت إذن الحاكم الشرعي
الموجود بتلك المحكمة إجراء للأحكام الشرعية مجراها وإيصالاً للحقوق المستحقة في أوقاتها".
وقد ظل هذا النص معمولاً به حتى صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالقانون رقم 31
لسنة 1910 وقصرت الحبس على ديون النفقة وما في حكمها فنصت في المادة (343) على أنه
" إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر في النفقات أو في أجرة
الحضانة أو الرضاع أو المسكن يرفع ذلك إلى المحكمة الجزئية التي بدائرتها محل
التنفيذ ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بما حكم به وأمرته ولم
يمتثل حكمت بحبسه ولا يجوز أن تزيد مدة الحبس عن ثلاثين يوماً أما إذا أدى المحكوم
عليه ما حكم به أو أحضر كفيلاً فإنه يخلى سبيله وهذا لا يمنع من تنفيذ الحكم
بالطرق الاعتيادية " وقد رددت المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية
الحالية الصادرة بالقانون رقم 78 لسنة 1931 والتي تقدم ذكرها نص المادة (343) من
اللائحة السابقة الصادرة بالقانون رقم 31 لسنة 1910 مع تعديل يسير لم يجاوز تخويل
المحكمة التي أصدرت الحكم ذات الاختصاص المخول للمحكمة الجزئية التي يقع بدائرتها
محل التنفيذ وهو الحكم بحبس المحكوم عليه الممتنع من تنفيذ الحكم رغم قدرته على
ذلك . وحاصل ما تقدم أن المشرع إنما قنن في النص المطعون فيه والنصوص السابقة عليه
حكماً من الأحكام المتفق عليها في الشريعة الإسلامية كما نص في أكثر مسائل الأحوال
الشخصية باعتبارها القانون العام المنظم لهذه المسائل وقد حرص الدستور على النص في
مادته الثانية على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع تقريراً للأمر الواقع
الذى جرى عليه العمل حتى في عهد الدساتير السابقة التي أغفلت النص على ذلك، وهكذا
جاء النص المطعون فيه متفقاً مع الدستور .
ومن حيث إن المشرع لم يقف في إقرار الإكراه البدني كوسيلة لاستيفاء
الديون عند حد ديون النفقة وما في حكمها المبينة في النص المطعون فيه بل تجاوزها
إلى غيرها من الديون التي تقتضى طبيعتها وتبرر هذه الوسيلة فخصص المشرع في قانون
الإجراءات الجنائية باباً مستقلاً للإكراه البدني ( المواد من 511 إلى 523 ) وقد
أجازت المادة (511) تحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب
الجريمة بطريق الإكراه البدني ويكون الإكراه بالحبس البسيط وتشمل هذه المبالغ
فضلاً عن الغرامات ما يجب رده والتعويضات والمصروفات كما أجازت المادة (519)
لمحكمة الجنح التي يقيم بدائرتها المحكوم عليه بتعويضات لغير الحكومة أن تحكم عليه
بالإكراه البدني إذا امتنع عن تنفيذ الحكم رغم قدرته على ذلك ولا تزيد مدته على
ثلاثة أشهر ولا يخصم شيء من التعويض نظير الإكراه في هذه الحالة وفضلاً عن ذلك فقد
استحدث المشرع في قانون العقوبات نصاً في المادة (293) يقضى بأن "كل من صدر
عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو
رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز
مائة جنيه مصري أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا ترفع الدعوى عليه إلا بناء على شكوى
من صاحب الشأن وإذا رفعت بعد الحكم عليه دعوى ثانية عن هذه الجريمة فتكون عقوبته
الحبس مدة لا تزيد على سنة وفى جميع الأحوال إذا أدى المحكوم عليه ما تجمد في ذمته
أو قدم كفيلاً يقبله صاحب الشأن فلا تنفذ العقوبة " وقد جاء بالمذكرة
الإيضاحية لهذه المادة عند إضافتها إلى قانون العقوبات، أنها مادة جديدة أضيفت
للمعاقبة على جريمة هجر العائلة التي تعاقب عليها القوانين الحديثة ، وظاهر من هذا
النص أن المشرع يستهدف حمل المحكوم عليه على الوفاء بما حكم به بحيث إذا قام بذلك أو
قدم كفيلاً يقبله صاحب الشأن فلا تنفذ العقوبة .
ومن حيث إن المادة (41) من الدستور تنص على أن الحرية الشخصية حق طبيعي
وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه
أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر يستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة
أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً
لأحكام القانون وهذا النص لا يعنى أن الحرية الشخصية حق مطلق لا ترد عليه القيود
ذلك أن الإنسان لم يعرف هذه الحرية المطلقة إلا عند ما كان يعيش فرداً في العصور
الأولى فلما اقتضت ضرورات الحياة أن ينتظم في سلك الجماعة أصبح كائناً اجتماعياً
لا يستطيع العيش فرداً وقد اقتضاه ذلك أن يلتزم في تصرفاته وأفعاله وأقواله الأصول
والقواعد التي تتواضع عليها الجماعة ومن شأن هذه القواعد وتلك الأصول أن تحد من
حريته فتحول دون اعتدائه على غيره من أعضاء المجتمع حتى يستطيع التمتع بمثل ما
يتمتع به . والقانون هو الوسيلة الوحيدة لوضع هذه الحدود، وقد قامت تشريعات العقاب
على هذا الأساس لأنها إنما تؤثم صوراً من العدوان على الغير حفظاً لأمن الجماعة
ونظام المجتمع ولو أن الحرية أطلقت دون قيد لسادت الفوضى واختل الأمن والنظام
وارتد المجتمع إلى عهود الغابة . يؤيد هذا النظر أن المشرع الدستوري إذ يقرر
الضمانات التي تجب مراعاتها عند القبض على الأفراد وحبسهم وإذ يوجب إشراف القضاء
والنيابة على إجراءات القبض والحبس وضرورة استصدار أوامر القبض والحبس وغيرهما من الإجراءات
المقيدة للحرية من القاضي المختص أو النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون فإنه يقر
تقييد حرية الأفراد إذا اقترفوا ما يقتضى ذلك من الجرائم ومخالفة القانون، كما يقر
بأن الحرية الشخصية التي أحاطها بسياج من القداسة في صدر النص ليست حرية مطلقة
تمتنع على القيود والحدود إذا اقتضت مصلحة المجتمع فرض هذه الحدود والقيود .
ومن حيث إن السبب الثاني من أسباب الطعن المبنى على أن النص المطعون
يخل بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور مردود بأن المساواة
إنما تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات فهي ليست مساواة حسابية ،
ذلك لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط تتحدد بها
المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه
الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية
وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط
التسوية بينهم .
ومن حيث إنه أياً كان وجه الرأي فيما ساقه المدعى بشأن وقف تنفيذ
أحكام الطاعة بطرق القهر تنفيذاً لقرار صدر من وزير العدل على خلاف ما تقضى به
المادة (345) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بقانون وانحسار تطبيق النص
المطعون فيه إذا كان أحد الطرفين المتنازعين أجنبياً وذلك تأييداً لوجهة نظره في إخلال
النص المطعون فيه بمبدأ المساواة فإن النعي بذلك على النص المطعون فيه يكون غير
سديد لاختلاف المراكز القانونية للمحكوم عليهم بديون النفقة وما في حكمها عنها
بالنسبة إلى الزوجات المحكوم عليهن بالطاعة لأزواجهن والأزواج الأجانب .
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الثالث من أسباب الطعن وهو مخالفة النص
المطعون فيه للمادة (68) من الدستور فيما تقرره من حق كل مواطن في الالتجاء إلى
قاضيه الطبيعي فإنه مردود بأن النص المطعون فيه إذ يسند إلى المحكمة الجزئية التي
أصدرت الحكم أو المحكمة التي بدائرتها محل التنفيذ اختصاص الحكم بحبس المحكوم عليه
بالنفقة وما في حكمها إذا امتنع من تنفيذ الحكم رغم قدرته على ذلك فإنه يسنده إلى
كلتيهما تيسيراً على المحكوم له، ذلك لأن إسناد هذا الاختصاص إلى المحكمة الأولى
إعمال لقاعدة عامة تقضى باختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم بالإشراف على تنفيذه
وبالفصل فيما ينشأ عنه من مشكلات هي أقدر على الفصل فيها من سواها لإحاطتها بموضوع
المنازعة التي فصلت فيها كما أن جمع عناصر الخصومة أمام محكمة واحدة يؤدى إلى قصد
في الوقت والإجراءات .
أما المحكمة التي يتبعها محل التنفيذ فمرد اختصاصها إلى تجنب المحكوم
له مشقة الانتقال إلى مقر المحكمة التي أصدرت الحكم إذا كان محل التنفيذ خارج
دائرتها مما يكفل السرعة في تنفيذ الحكم . ولقد حرص المشرع على التيسير على مدعي
النفقة منذ المرحلة الأولى للدعوى فجعل له الخيار في رفع الدعوى إما إلى المحكمة التي
يقع بدائرتها موطن المدعى عليه عملاً بالقاعدة العامة أو موطن المدعى وفقاً لما
تقتضيه مصلحته (المادة 57) .
ومن حيث إن الحكم بحبس المحكوم عليه بالنفقة وما في حكمها ليس عقوبة
جنائية بمفهومها الفني الدقيق بل هو وسيلة إرغام وإكراه للمحكوم عليه كي يؤدي ما
عليه متى كان قادراً على ذلك وامتنع عنتاً وظلماً وقد أسنده المشرع إلى المحكمة التي
أصدرت الحكم بالنفقة وما في حكمها والمحكمة التي يقع بدائرتها محل التنفيذ للأسباب
الجدية المتقدم ذكرها فكلتاهما قاض طبيعي لدعوى الحبس حملاً للمحكوم عليه بدين
النفقة وما في حكمها على الوفاء به .
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الرابع من أسباب الطعن المبنى على
مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ التضامن الاجتماعي المقرر في المادة السابعة من
الدستور فضلاً عن إخلاله بتقاليد الأسرة التي كفلتها المادة التاسعة من الدستور
فإنه مردود بأن المشرع إنما شرع وسيلة الحبس لحمل المحكوم عليه بالنفقة وما في حكمها
على الوفاء بها متى كان قادراً على ذلك وامتنع عنتاً ومطلا بغير حق وهى ديون
ممتازة ذات طابع حيوى مقدمة على غيرها بل هي قوام الحياة في كل أسرة يقوم بها
أودها غذاء وكساء وسكناً ومن ثم يكون التخلف عن أدائها ضاراً أبلغ الضرر بالأسرة
موهناً روابط التضامن والمودة بين أعضائها ويكون إكراه المسئول عن النفقة وما في حكمها
على الوفاء بها بوسيلة الحبس وضعاً للأمور في نصابها الصحيح يرد المحكوم عليه
المتعنت عن ظلمه وعنته فيحل الوئام والوفاق بين أعضاء الأسرة محل الشقاق والبغضاء
وعلى مقتضى ذلك يكون هدف النص المطعون فيه عكس ما ينعاه عليه المدعى دعم التضامن الاجتماعي
وتوثيق القيم والتقاليد الرشيدة وإرساء الأواصر بين أعضاء الأسرة على دعائم وطيدة
من المودة والرحمة .
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الخامس من أسباب الطعن المبنى على قيام
إزدواج بين المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة (293) من قانون
العقوبات فإن هذا العيب لو صح فإنه يعيب التشريع ولكنه لا يصلح سبباً للطعن بعدم
الدستورية ، ذلك أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح تقوم على
مخالفة القانون أو اللائحة للدستور والمناط في تقرير دستورية التشريع أو عدم
دستوريته هو باتفاقه أو مخالفته لأحكام الدستور . على أن المشرع لم يغفل هذا الأمر
إذ عمل على التنسيق بين النص المطعون فيه والمادة (293) من قانون العقوبات عند
التطبيق فأصدر في 11 من أكتوبر سنة 1937 المرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1937 الخاص
بالإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة (293) من قانون العقوبات ونص في المادة الأولى
منه على أنه " لا يجوز في الأحوال التي تطبق فيها المادة (347) من لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية السير في الإجراءات المنصوص عليها في المادة (293) من قانون
العقوبات ما لم يكن المحكوم له بالنفقة أو بأجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن قد
استنفد الإجراءات المشار إليها في المادة (347) المذكورة ، كما نص في المادة
الثانية على أنه "إذا نفذ الإكراه البدني على شخص وفقاً لحكم المادة (347) من
لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ثم حكم عليه بسبب الواقعة نفسها بعقوبة الحبس تطبيقاً
للمادة (293) من قانون العقوبات استنزلت مدة الإكراه البدني الأولى من مدة الحبس
المحكوم به، فإذا حكم عليه بغرامة خفضت عند التنفيذ بمقدار عشرة قروش عن كل يوم من
أيام الإكراه البدني الذى سبق إنفاذه فيه".
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الدعوى لا تقوم على أساس سليم من
القانون ومن ثم يتعين رفضها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ومصادرة الكفالة وإلزام المدعى المصروفات
وثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .