جلسة 17 من نوفمبر سنة 2011
برئاسة السيد القاضي / عادل الشوربجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / رضا القاضي ، محمد محجوب ، عاطف خليل نواب رئيس المحكمة ،
علاء سمهان .
-------------
(66)
الطعن 3248 لسنة 79 ق
(1)
إثبات " اعتراف " . دفوع " الدفع ببطلان
الاعتراف " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الاعتراف " . إكراه
. حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
الاعتراف
في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير
صحتها وقيمتها في الإثبات وما إذا كان وليد إكراه من عدمه .
الجدل
الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمه النقض.
(2)
محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل "
. إثبات " اعتراف " . حكم " تسبيبه . تسبيب
غير معيب " .
لمحكمة
الموضوع سلطة تجزئه الدليل ولو كان اعترافاً . مفاده ؟
(3)
إثبات " خبرة " . محكمة الموضوع " سلطتها
في تقدير الدليل " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
تطابق
اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني عن الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع
تفاصيلها . غير لازم . عدم تناقض جماع الدليل القولي مع جوهر الدليل الفني بشكل
يستعصى على الملاءمة . كافٍ .
تحديد
الأشخاص للمسافات أمر تقديري ليس من شأنه الخلاف فيه بين اعتراف الطاعن والتقرير
الفني أن يهدر ذلك الاعتراف. شرطه ؟
(4) إثبات " خبرة ". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل
".
تقدير
القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم في الدعوى . موضوعي . مفاده ؟
(5) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه .
تسبيب غير معيب " " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة
ذات الأثر في تكوين عقيدتها . مفاده ؟
(6) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نيابة عامة .
دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
قعود
النيابة العامة عن إجراء معاينة أو قيام ضابط الواقعة بنقل جثة المجنى عليه
للمستشفى دون إذن منها . تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح أن يكون
سبباً للنعي على الحكم .
(7)
إثبات " شهود " . دفاع " الإخلال بحق
الدفاع . ما لا يوفره " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل ".
النعي
بالتناقض بين أقوال الشاهد الأول وما ثبت بتقرير النجدة بشأن مكان تواجد الجثة .
غير مقبول . ما دام لم يعول الحكم في إدانة الطاعن على تقرير النجدة .
(8)
قتل عمد . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر
القصد الجنائي " . قصد جنائي .
قصد
القتل أمر خفي.
استخلاصه . موضوعي . مفاد ذلك ؟
مثال
.
(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار " . سبق
إصرار . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
سبق
الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني . استخلاصها . موضوعي .
مثال
لتدليل سائغ على توافر ظرف سبق الإصرار .
(10) محكمة الإعادة " الإجراءات أمامها " . نقض
" أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم
التمسك بالدفع بالبطلان أمام محكمة الإحالة بعد نقض الحكم . أثره : عدم قبول
التمسك به أمام محكمة النقض .
ـــــــــــــــــــ
1-
لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية
للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى
إلى ما رتبه الحكم عليها , لما كان ذلك , وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل
الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها
وقيمتها في الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه
بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة وكانت المحكمة قد عرضت عما أثاره
الدفاع حول اعتراف الطاعن واطرحت ما أثير للأسباب السائغة التي أوردتها وأبانت
أنها اقتنعت بصدق ذلك الاعتراف وأنه يمثل الحقيقة فإن ما يثيره الطاعن في هذا
الشأن ينحل في واقعة الدعوى إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة
الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض
2- من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة
تجزئه الدليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه . وكان
الطاعن لا ينازع في أن ما أخذ به الحكم من الاعتراف له أصلة الثابت بالأوراق فإن
ما يثيره بشأن إغفال الحكم بعض الوقائع التي وردت في اعترافه لا يكون له محل .
3-
من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق اعترافات المتهم ومضمون الدليل الفني عن
الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني
تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق . ولما كانت أقوال الطاعن كما أوردها الحكم
والتي لا ينازع الطاعن في أن لها سندها من الأوراق لا يتعارض بل تتلاءم مع ما نقله
عن التقرير الفني . وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي
والفني . هذا فضلاً عن أن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديري ليس من شأنه الخلاف
فيه - بفرض قيامه - بين اعتراف الطاعن والتقرير الفني أن يهدر ذلك الاعتراف
ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحته ومن ثم بات ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير
سديد .
4-
لما كان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير
المقدم في الدعوى والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات وما دامت المحكمة قد اطمأنت
إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك وكان الحكم قد أورد فحوى ما تضمنه تقرير
الصفة التشريحية لجثة المجنى عليه وبين الإصابات التي لحقت به ووصفها وسبب
الوفاة فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه فإن ما يثيره الطاعن في هذا
الصدد يكون غير قويم .
5-
من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة
ذات الأثر في تكوين عقيدتها ومن ثم فإن النعي على الحكم بشأن التفاته عن أقوال باقي
الشهود من الثالث حتى الخامس الواردة أقوالهم بأدلة الثبوت والتي لم يعول الحكم
على أيًّ منها ولم يكن لها أثر في عقيدته يكون لا محل له .
6-
لما كان ما يثيره الطاعن في خصوص قعود النيابة العامة عن إجراء معاينة لمكان
الحادث أو قيام ضابط الواقعة بنقل جثة المجنى عليه للمستشفى دون إذن منها لا يعدو
أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للنعي على
الحكم .
7-
لما كان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على تقرير النجدة فإن ما ينعاه
الطاعن بشأن قالة التناقض بين أقوال الشاهد الأول وما ثبت بتقرير النجدة بشأن مكان
تواجد الجثة يكون غير مقبول .
8- لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات
والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه
النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان الحكم
المطعون فيه قد استظهر نية القتل في حق المحكوم عليه في قوله " وكانت المحكمة
تستخلص توافر هذه النية لدى المتهم من حاصل ما بينته المحكمة من الظروف والملابسات
التي أحاطت بواقعة الدعوى والأدلة التي ساقها على النحو السالف ... إلخ فعقد العزم
على قتله انتصاراً لنفسه الشريرة ووضع الحد لملاحقته له فأعد سلاحاً نارياً قاتلاً
بطبيعته وذخائر وتدرب على كيفية استعمال السلاح الناري الذى أعده وتوجه إلى المجنى
عليه في المكان الذى أيقن تواجده فيه واصطحبه بزعم بيع دراجته البخارية إلى المكان
الذى حدده لمسرح الجريمة وما أن أدركه وكانت المسافة بينهما قصيرة حتى أطلق عياراً
نارياً صوب رأسه من الخلف من السلاح الناري الذى أعده سابقاً لتنفيذ ما عقد عزمه
عليه قاصداً إزهاق روحه فأصابه بيمين مؤخرة الرأس ولم يتركه إلا وقد اعتقد وفاته
وتأكد من أنه لا سبيل له في الحياة بعد أن أصابه بالطلقة الخرطوش التي أصابته بكسر
متفتت متسع بالعظم بمؤخرة الجمجمة على الناحية اليمنى ... مما يكشف عن أن المتهم
ما أراد بفعله إلا إزهاق روح المجنى عليه ... ومن ثم فقد توافرت نية القتل لدى
المتهم " وإذ كان ما أورده في تدليله على توافر نية القتل في حق الطاعن
كافياً وسائغاً في استظهار هذه النية فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد
.
9- لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على
توافر ظرف سبق الإصرار في حق المحكوم عليه بقوله " ... ذلك أنه بعد ما ثارت
في المتهم كوامن العدوان والرغبة في الإجهاز على المجنى عليه وعقد العزم على قتله
وكانت لديه فسحة من الوقت تسمح له بالتروي والتفكير الهادئ الواعي المطمئن فيما
انتواه وما هو مقدم عليه وفكر ورتب وتدبر ما عقد العزم عليه وخرج من ذلك مصمماً
على ارتكاب الجريمة وخطط لارتكاب فعلته فأعد لذلك سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته
وذخائر وتدرب على كيفية استخدام السلاح الناري وحدد ميقات ومكان وطريقة تنفيذ
الجريمة وتوجه إلى المجنى عليه في المكان الذى أيقن تواجده فيه واصطحبه لمسرح
الجريمة وما أن أدركه وكانت المسافة بينهما قصيرة حتى أطلق عليه عياراً نارياً صوب
رأسه من الخلف من السلاح الناري الذى أعده لتنفيذ ما عقد عليه قاصداً إزهاق روحه
فأصابه بالإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية
والتي أودت بحياته ومن ثم يكون قد توافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهم " .
وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون في الخارج
أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي
منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا تتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج
فإن ما أورده الحكم في استظهار ركن سبق الإصرار على السياق المتقدم يكون كافياً في
حق المحكوم عليه ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير مقبول .
10- لما كان البين
من مراجعة الأوراق أن المدافع عن الطاعن قد أثار في المحاكمة الأولى دفعاً ببطلان
أمر الضبط والإحضار لعدم جدية التحريات إلا أنه لم يثر في دفاعه لدى محكمة الإحالة
شيئاً يتصل بهذا الأمر وما يشير إلى تمسكه بدفاعه السابق في شأنه. ومن ثم لا يكون
له أن يطلب من المحكمة الأخيرة الرد على دفاع لم يبد أمامها . ولا يغير من ذلك أن
نقض الحكم وإعادته المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت
عليها قبل صدور الحكم المنقوض . لأن هذا الأصل المقرر لا يتناهى إلى وسائل الدفاع
التي لا مشاحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع أولاً وأخيراً إلى المتهم وحده يختار
منها هو أو المدافع عنه ما يناسبه ويتسق مع خطته في الدفاع ويدع منها ما قد يرى من
بعد أنه ليس كذلك ومن هذا القبيل مسلك الطاعن في الدعوى في المحاكمة الأولى ولدى
محكمة الإحالة .
ـــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن
وآخر قضى ببراءته في قضية الجناية رقم بوصف أنهما ... المتهم الأول " الطاعن " : 1- قتل عمداً ... مع سبق الإصرار والترصد
بأن عقد العزم وبيت النية على قتله وأعدا لذلك سلاحاً نارياً واستدرجه إلى طريق
غير آهل بالمارة ليلاً وما أن انفرد به أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك
قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته . 2- أحرز سلاحاً نارياً
غير مششخن " فرد خرطوش " .
3ــــ أحرز ذخائر
" أربع طلقات " مما تستعمل على السلاح الناري سالف الوصف حال كونه غير
مرخص له بإحراز وحيازة سلاح ناري . وأحالته إلى محكمة جنايات
... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة . والمحكمة المذكورة قضت
حضورياً . أولاً :- بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة
السلاح والذخيرة . ثانياً : - ببراءة المتهم الثاني عما أسند إليه . فطعن
المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في ... ومحكمة النقض قضت في بقبول الطعن
شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات ...
لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى . ومحكمة الإعادة قضت حضورياً في ... عملاً بالمواد
230 ، 231 من قانون العقوبات ، 1/1 ، 6 ، 26/ 5،1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن
الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 والجدول
رقم (2) الملحق بالقانون الأول . بمعاقبته بالسجن المؤبد عما أسند إليه ومصادرة
السلاح والذخائر المضبوطين . فطعن المحكوم عليه " للمرة الثانية " .
ـــــــــــــــــــ
المحكمة
وحيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون
.
حيث
إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق
الإصرار وإحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائر بدون ترخيص قد شابه قصور في التسبيب
وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع ذلك أنه اطرح برد غير سائغ الدفع ببطلان
اعتراف الطاعن بالتحقيقات لكونه وليد إكراه وعول على اعترافه في الإدانة رغم
إغفاله بعض ما ورد به في تحقيقات النيابة العامة ورغم تعارضه مع ما ثبت بتقرير الصفة
التشريحية بشأن المسافة بينه وبين المجنى عليه وقت إطلاق النار مما يدل على أن
الاعتراف غير مطابق للحقيقة والواقع . فضلاً عن خلو تقرير الصفة التشريحية من
تحديد موقف الضارب والمضروب وأن هناك تضارباً بين أقوال الشاهد الأول وتقرير
النجدة حول مكان العثور على الجثة وأن المحكمة لم تدلل تدليلاً كافياً وسائغاً على
توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار ولم يورد الحكم مضمون شهادة الشهود من الثالث
حتى الخامس وأغفل دفاع الطاعن بأن النيابة العامة لم تجر معاينة لمكان الحادث رغم
قيام ضابط الواقعة بنقل جثة المجنى عليه للمستشفى ودون إذن منها
. وأخيراً رد الحكم برد قاصر على دفعه ببطلان أمر الضبط والإحضار لابتنائه على تحريات غير جدية . كل ذلك مما يعيب
الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى
بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على
ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها , لما كان ذلك
, وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك
محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها تقدير عدم صحة
ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على
أسباب سائغة وكانت المحكمة قد عرضت عما أثاره الدفاع حول اعتراف الطاعن واطرحت ما
أثير للأسباب السائغة التي أوردتها وأبانت أنها اقتنعت بصدق ذلك الاعتراف وأنه
يمثل الحقيقة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل في واقعة الدعوى إلى جدل
موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو
مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة
الموضوع سلطة تجزئة الدليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما
عداه . وكان الطاعن لا ينازع في أن ما أخذ به الحكم من الاعتراف له أصلة الثابت
بالأوراق فإن ما يثيره بشأن إغفال الحكم بعض الوقائع التي وردت في اعترافه لا يكون
له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تتطابق اعترافات المتهم
ومضمون الدليل الفني عن الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه
دقيق بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضاً
يستعصى على الملاءمة والتوفيق . ولما كانت أقوال الطاعن كما أوردها الحكم والتي لا
ينازع الطاعن في أن لها سندها من الأوراق لا يتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن
التقرير الفني . وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي
والفني . هذا فضلاً عن أن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديري ليس من شأنه الخلاف
فيه - بفرض قيامه - بين اعتراف الطاعن والتقرير الفني أن يهدر ذلك الاعتراف
ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحته ومن ثم بات ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير
سديد لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية
لتقرير الخبير المقدم في الدعوى والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات وما دامت
المحكمة قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك وكان الحكم قد أورد
فحوى ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية لجثة المجنى عليه وبين الإصابات التي لحقت به
ووصفها وسبب الوفاة فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الصدد يكون غير قويم . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة لا
تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا
عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ومن ثم فإن النعي على الحكم بشأن التفاته عن
أقوال باقي الشهود من الثالث حتى الخامس الواردة أقوالهم بأدلة الثبوت والتي لم
يعول الحكم على أيً منها ولم يكن لها أثر في عقيدته يكون لا محل له . لما كان ذلك
، وكان ما يثيره الطاعن في خصوص قعود النيابة العامة عن إجراء معاينة لمكان الحادث
أو قيام ضابط الواقعة بنقل جثة المجنى عليه للمستشفى دون إذن منها لا يعدو أن يكون
تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للنعي على الحكم .
لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على تقرير النجدة
فإن ما ينعاه الطاعن بشأن قالة التناقض بين أقوال الشاهد الأول وما ثبت بتقرير
النجدة بشأن مكان تواجد الجثة يكون غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان قصد القتل
أمراً خفياً
لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر
الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من
عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية وكان الحكم المطعون
فيه قد استظهر نية القتل في حق المحكوم عليه في قوله " وكانت المحكمة تستخلص
توافر هذه النية لدى المتهم من حاصل ما بينته المحكمة من الظروف والملابسات التي أحاطت
بواقعة الدعوى والأدلة التي ساقها على النحو السالف ... إلخ فعقد العزم على قتله
انتصاراً لنفسه الشريرة ووضع الحد لملاحقته له فأعد سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته
وذخائر وتدرب على كيفية استعمال السلاح الناري الذى أعده وتوجه إلى المجنى عليه في
المكان الذى أيقن تواجده فيه واصطحبه بزعم بيع دراجته البخارية إلى المكان الذى
حدده لمسرح الجريمة وما أن أدركه وكانت المسافة بينهما قصيرة حتى أطلق عياراً
نارياً صوب رأسه من الخلف من السلاح الناري الذى أعده
سابقاً لتنفيذ ما عقد عزمه عليه قاصداً إزهاق روحه فأصابه بيمين مؤخرة الرأس ولم
يتركه إلا وقد اعتقد وفاته وتأكد من أنه لا سبيل له في الحياة بعد أن أصابه
بالطلقة الخرطوش التي أصابته بكسر متفتت متسع بالعظم بمؤخرة الجمجمة على الناحية
اليمنى ... مما يكشف عن أن المتهم ما أراد بفعله إلا إزهاق روح المجنى عليه ...
ومن ثم فقد توافرت نية القتل لدى المتهم " وإذ كان ما أورده في تدليله على
توافر نية القتل في حق الطاعن كافياً وسائغاً في استظهار هذه النية فإن منعى
الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل
على توافر ظرف سبق الإصرار في حق المحكوم عليه بقوله " ... ذلك أنه بعد ما
ثارت في المتهم كوامن العدوان والرغبة في الإجهاز على المجنى
عليه وعقد العزم على قتله وكانت لديه فسحة من الوقت
تسمح له بالتروي والتفكير الهادئ الواعي المطمئن فيما انتواه وما هو مقدم عليه
وفكر ورتب وتدبر ما عقد العزم عليه وخرج من ذلك مصمماً على ارتكاب الجريمة وخطط
لارتكاب فعلته فأعد لذلك سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته وذخائر وتدرب على كيفية استخدام
السلاح الناري وحدد ميقات ومكان وطريقة تنفيذ الجريمة وتوجه إلى المجنى عليه في المكان
الذى أيقن تواجده فيه واصطحبه لمسرح الجريمة وما أن أدركه وكانت المسافة بينهما
قصيرة حتى أطلق عليه عياراً نارياً صوب رأسه من الخلف من السلاح الناري الذى أعده
لتنفيذ ما عقد عليه قاصداً إزهاق روحه فأصابه بالإصابة الموصوفة بتقرير الصفة
التشريحية والتي أودت بحياته ومن ثم يكون قد توافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهم
" . وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون
في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هى تستفاد من وقائع وظروف خارجية
يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا تتنافر عقلاً
مع هذا الاستنتاج فإن ما أورده الحكم في استظهار ركن سبق الإصرار على السياق
المتقدم يكون كافياً في حق المحكوم عليه ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير
مقبول . لما كان ذلك ، وكان البين من مراجعة الأوراق أن المدافع عن الطاعن قد أثار
في المحاكمة الأولى دفعاً ببطلان أمر الضبط والإحضار لعدم جدية التحريات إلا أنه
لم يثر في دفاعه لدى محكمة الإحالة شيئاً يتصل بهذا الأمر وما يشير إلى تمسكه
بدفاعه السابق في شأنه . ومن ثم لا يكون له أن يطلب من المحكمة الأخيرة الرد على
دفاع لم يبد أمامها . ولا يغير من ذلك أن نقض الحكم وإعادته المحاكمة يعيد الدعوى
إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض . لأن هذا
الأصل المقرر لا يتناهى إلى وسائل الدفاع التي لا مشاحة في أن ملاك الأمر فيها
يرجع أولاً وأخيراً إلى المتهم وحده يختار منها هو أو المدافع عنه ما يناسبه ويتسق
مع خطته في الدفاع ويدع منها ما قد يرى من بعد أنه ليس كذلك ومن هذا القبيل مسلك
الطاعن في الدعوى في المحاكمة الأولى ولدى محكمة الإحالة . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس
متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــ