الطعن 116 لسنة 22
ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 / 5 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر أ في 15/ 5/ 2017 ص 3
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مايو سنة 2017 م،
الموافق التاسع من شعبان سنة 1438 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي وسعيد مرعي عمرو
والدكتور حمدان حسن فهمي ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز
محمد سالمان نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة
المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 116 لسنة 22
قضائية "دستورية".
---------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 156 لسنة 2000 إيجارات كلي، أمام محكمة
الجيزة الابتدائية، ضد المدعي عليه الثاني، بطلب الحكم بانتهاء العلاقة الإيجارية
للشقة المفروشة الكائنة بالدور ...... بالعقار رقم ...... شارع البطل أحمد عبد
العزيز بالمهندسين - جيزة، وذلك اعتبارا من آخر ديسمبر 1999، وإخلائه منها،
وتسليمها لهم بما فيها من مفروشات، وإلزامه بدفع مبلغ ألفي جنيه شهريا اعتبارا من
أول يناير سنة 2000 مقابل الانتفاع والتعويض حتى تمام التسليم. وذلك على سند من
القول بأنه استأجر من مورثهم الشقة المشار إليها لمدة ثلاثة أشهر، تم الاتفاق على
استمرارها بحيث ينتهي العقد في 31 ديسمبر 1995، مع جواز إنهائه قبل ذلك شريطة
إخطار المستأجر بالإخلاء، وإذ أخطروا المستأجر بالإخلاء، فلم يمتثل، أقاموا ضده
الدعوى رقم 1295 لسنة 1994 مستعجل الجيزة، ابتغاء رد حيازة العين المؤجرة، وقضى
برفضها لعدم وجود عقد إيجار مقيد لدى الوحدة المحلية، فأقاموا الدعوى الموضوعية
ابتغاء القضاء بالطلبات سالفة البيان. وأثناء نظر الدعوى بجلسة 2000/5/8 دفع
الحاضر عن المدعين بعدم دستورية المادة (43) من القانون 49 لسنة 1977 المشار إليه،
والمادة (25) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية
الدفع، وصرحت للمدعين برفع الدعوى الدستورية، أقاموا دعواهم المعروضة.
بتاريخ العشرين من يونيو سنة 2000، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبا للحكم بعدم دستورية نص المادة (43) من
القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر
والمستأجر، والمادة (25) من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الإسكان والتعمير
رقم 99 لسنة 1978.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
----------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن المادة (43) من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع
الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن "لا تسمع دعاوى
المؤجر كما لا تقبل الطلبات المقدمة منه الناشئة أو المترتبة على تطبيق أحكام
المادتين (39، 40) إلا إذا كانت العقود المبرمة وفقا لها مقيدة على الوجه المنصوص
عليه في المادة السابقة، ولا يجوز للمؤجر الاستناد إلى العقود غير المقيدة لدى أي
جهة من الجهات".
ونصت المادة (25) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 49 لسنة 1977
المشار إليه الصادرة بقرار وزير الإسكان والتعمير رقم 99 لسنة 1978 على أن
"تتولى الوحدة المحلية المختصة قيد الطلبات فور تقديمها في سجلات بتسلسل
القيد فيها بأرقام متتالية ويجب أن يتضمن هذا السجل اسم المؤجر والمستأجر وجنسيته
ورقم بطاقته الشخصية أو العائلية ومحل إقامته ومدة الإيجار والغرض منه وبدايته
ونهايته وقيمة الأجرة، ويختم العقد الذي يتم قيده بالسجل بخاتم شعار الجمهورية
الخاص بالوحدة المحلية بعد إثبات رقم وتاريخ قيده".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى -، مناطها
أن يتحقق ارتباط بينها وبين المصلحة التي تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن
يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية
المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي
ينصب على طلب المدعين إنهاء العلاقة الإيجارية للعين محل التداعي والمؤجرة مفروشة
للمدعي عليه الثاني وتسليمها لهم بما فيها من مفروشات، مع التعويض، وكان نص المادة
(43) من القانون 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين
المؤجر والمستأجر يحول دون سماع دعوى المؤجر لعدم قيد عقد الإيجار لدى الوحدة
المحلية، فإن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى تكون متحققة بالنسبة لهذا النص
دون سواه.
وحيث إن المدعين ينعون على النص المطعون فيه مخالفته لمبدأ المساواة
بين المؤجر والمستأجر بشأن عقود الإيجار المفروش مستلزما قيدها لدى الوحدة
المحلية، مرتبا جزاء عدم سماع دعوى المؤجر وعدم قبول أي طلبات مقدمة منه قبل إجراء
القيد، حين أتاح ذلك لمستأجر العين، بما يجعل من عقد الإيجار ملزما من جانب واحد،
وبما يترتب عليه تمكين المستأجر من اغتصاب ملك المؤجر مهدرا الحماية المقررة لحق
الملكية، ومخلا بالحق في التقاضي، عاصفا بمبدأ خضوع الدولة للقانون، بما يخالف
أحكام المواد (32، 34، 40، 65، 68) من دستور 1971.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد
الموضوعية التي نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن
هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور
القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائما
القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام
العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها
أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه
- الذي ما زال قائما ومعمولا بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة
2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن السياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة،
فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقار الصلة بين النصوص مراميها، بحيث لا
تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما،
تقديرا بأن الأصل في النصوص التشريعية - في الدولة القانونية - هو ارتباطها عقلا
بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة
لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه
يلتزم إطارا منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي
يستهدفها، أو متهادما مع مقاصده أو مجاوزا لها، ومناهضا بالتالي لمبدأ خضوع الدولة
للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.
وحيث إن الدستور - إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدا
لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد - وطنيا كان أم أجنبيا -
ولم يجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها،
باعتبارها عائدة - في الأغلب الأعم من الأحوال - إلى جهد صاحبها، بذل من أجلها
الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها وأحاطها بما قدره ضروريا
لصونها، معبدا بها الطريق إلى التقدم، كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها
إرادة الإقدام، هاجعا إليها لتوفر ظروفا أفضل لحرية الاختيار والتقرير مطمئنا في
كنفها إلى يومه وغده، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها،
فلا يرده عنها معتد، ولا يناجز سلطته في شأنها خصم ليس بيده سند ناقل لها، ليعتصم
بها من دون الآخرين، وليلتمس من الدستور وسائل حمايتها التي تعينها على أداء
دورها، وتقيها تعرض الأغيار لها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحماية التي كفلها الدستور
للملكية الخاصة تفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها عليها - في إطار وظيفتها
الاجتماعية - جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة
وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما يفرغها من مضمونها، ذلك أن صون
الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان، وكلما تدخل المشرع مقوضا بنيانها من خلال
قيود ترهقها إلى حد ابتلاعها كان عمله افتئاتا عليها منافيا للحق فيها.
وحيث إن ما نصت عليه المواد (4، 53، 97، 98) من الدستور القائم الصادر
سنة 2014 - وتردد حكمها في الدساتير المصرية السابقة - من أن المواطنين لدى
القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات العامة، وأن حق التقاضي من الحقوق العامة
المكفولة للكافة، وأن حق الدفاع مكفول، مؤداه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
أن الناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي،
ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة عينها، ولا في فعالية
ضمانة الدفاع للحقوق التي يطلبونها، ولا في اقتضائها، وفق مقاييس واحدة عند توافر
شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها قواعد
موحدة، سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، أو الطعن في
الأحكام الصادرة فصلا فيها، ولا يجوز بالتالي أن يعطل المشرع إعمال هذه القواعد في
شأن فئة بذاتها من المواطنين، ولا أن يقلص دور الخصومة القضائية التي يعتبر ضمان
الحق فيها والنفاذ إليها طريقا وحيدا لمباشرة حق التقاضي، ولا أن يجرد هذه الخصومة
من الترضية القضائية التي يعتبر إهدارها أو تهوينها إخلالا بالحماية التي يكفلها
الدستور القائم للحقوق جميعها، وأكد عليها بما نص عليه في المادة (92) منه، بأن
"الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا. ولا يجوز
لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها".
وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة (97) منه من أن "التقاضي
حق مصون ومكفول للكافة ......"، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته، وهو حق
للناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال اللجوء إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم
القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية. وقد حرص
الدستور على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه المقرر دستوريا بما لا يجوز معه قصر
مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق
منافية لطبيعته، لضمان أن يكون النفاذ إليه حقا لكل من يلوذ به، غير مقيد في ذلك
إلا بالقيود التي يقتضيها تنظيمه، والتي لا يجوز بحال أن تصل في مداها إلى حد
مصادرته. وبذلك يكون الدستور قد كفل الحق في الدعوى لكل مواطن، وعزز هذا الحق
بضماناته التي تحول دون الانتقاص منه، وأقامه أصلا للدفاع عن مصالحهم الذاتية
وصونها من العدوان عليها، وجعل المواطنين سواء في الارتكان إليه، بما مؤداه أن غلق
أبوابه دون أحدهم إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس الإخلال بالحقوق التي يدعيها.
لما كان ما تقدم، وكان المشرع بموجب المادة (42) من القانون رقم 49
لسنة 1977 المشار إليه، قد ألزم المؤجر بأن يقيد عقود الإيجار المفروش التي تبرم
تطبيقا لأحكام المادتين (39، 40) من ذلك القانون لدى الوحدة المحلية المختصة،
وألزم هذه الجهة بإخطار مصلحة الضرائب شهريا بما يتجمع لديها من بيانات في هذا
الشأن، ورتب المشرع في المادة (43) من ذلك القانون - النص المطعون فيه - على عدم
قيد هذه العقود عدم سماع دعاوى المؤجر، وعدم قبول الطلبات المقدمة منه الناشئة أو
المترتبة على تطبيق أحكام المادتين المشار إليهما، كما حظرت عليه الاستناد إلى
العقود غير المقيدة لدى أية جهة من الجهات، مستهدفا من ذلك - على نحو ما أوردته
المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون - "سد الطريق أمام بعض من يقومون بالتأجير
المفروش دون أداء ما تستحقه الخزانة العامة من ضرائب، وذلك بتهربهم من الإخطار مع
عدم وجود جزاءات رادعة تحول دون ذلك، حيث أوجب المشروع قيد عقود الإيجار المفروشة
لدى الوحدة المحلية المختصة، لتقوم هذه الجهات بإخطار مصلحة الضرائب أولا بأول بما
يتجمع لديها من بيانات، وقد رتب المشروع أثرا خطيرا على عدم القيد، يتمثل في عدم
سماع الدعاوى أو المنازعات وعدم قبول الطلبات الناشئة أو المترتبة عن عقود غير
مقيدة، كما لا تصلح تلك العقود للاستناد إليها لدى أي جهة من الجهات، وهو أثر فعال
يؤدي إلى جدية القيد، وأن المتهرب سيناله ضرر محقق إذ لا يستطيع أن يستأدى حقوقه
قبل الطرف الآخر إلا إذا كان العقد مقيدا، فضلا عن أنه يتعذر على الخزانة العامة
بغير هذا الإجراء أن تستأدي حقوقها المشروعة قبل القائمين بالتأجير المفروش".
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحق الذي يحميه القانون غير
منفك عن وسيلة حمايته، بولوج سبيل الدعوى لطرح المطالبة بالحق على القضاء. وكان حق
التقاضي من الحقوق العامة التي كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، وكان
النص المطعون فيه قد حرم طائفة من المواطنين - هم مؤجرو الوحدات المفروشة الذين لم
يقيدوا عقود إيجاراتهم لدى الوحدة المحلية المختصة - من هذا الحق مع تحقق مناطه -
وهو قيام المنازعة حول إخلاء الشقة المؤجرة، معطلا في شأنهم الحق في اقتضاء حقوقهم
والدفاع عنها، مقلصا دور الخصومة القضائية، موصدا لطريق التقاضي أمامهم، ومجردا
الخصومة القضائية التي تقام بشأن حقوقهم من الترضية القضائية التي يعتبر إهدارها
أو تهوينها إخلالا بالحماية الدستورية المكفولة للحقوق جميعها، بما يعد مصادرة
للحق في التقاضي، وإنكارا للعدالة في أخص مقوماتها، ونكولا عن الخضوع للقانون.
وحيث كان ذلك، وكان القيد الذي أوجده النص المطعون فيه قد افتئت على
الحق في الملكية الخاصة لهذه الشقق التي لم تقيد عقود إيجارها لدى الوحدة المحلية،
إذ كبلها بقيد يحول دون أحد صور الانتفاع بها، مقلصا بذلك من دائرتها، جاعلا منها
حقا لا يقترن بوسيلة لحمايته، مقيدا لمباشرة الحقوق التي تتفرع عنها، في غير ضرورة
تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، كما يتضمن حرمانا للمالكين من الفائدة الاقتصادية
التي يمكن أن تعود عليهم من ذلك، بما ينتقص منها في أحد جوانبها.
ولا ينال مما تقدم، قالة أن ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه يدخل في
نطاق سلطته التقديرية، وتخير أنسب الحلول للمشكلات التي يواجهها؛ ذلك أن السلطة
التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، لازمها أن يفاضل بين بدائل
متعددة مرجحا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى
حمايتها، غير أن الحدود التي يتصور أن يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت
مداها إلى ما يعد حرمانا من الحق في التقاضي مع تحقق مناطه، بما يرتبه ذلك من
الافتئات على حق الملكية، والنيل من جوهرها، واقتلاع المزايا التي تنتجها بما يؤدي
إلى سيطرة آخرين فعلا عليها، وإنما يعد مجاوزة من قبل المشرع لحدود الضوابط التي
رسمها الدستور للمشرع وهو بصدد تنظيمه لحقي الملكية والتقاضي.
كما لا يقدح فيما تقدم قالة أن المشرع بإقراره النص المطعون فيه التزم
إطار الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، لإمكان تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها
الضرورة الاجتماعية، فذلك مردود بأن الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في
إطار وظيفتها الاجتماعية يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها بنيانها،
وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها، وينحدر بالحماية
المقررة لها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية، ولا أن يكون ذلك سبيلا لتسلب الدولة
من الالتزام الدستوري الملقى على عاتقها بالمادة (38) من الدستور بالارتقاء
بالنظام الضريبي، وتبني النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والأحكام في تحصيل
الضرائب، وتكفل تحقيق التوازن بين حق الدولة في تحصيل الضريبة كمورد مهم وأساسي
للموازنة العامة للدولة، والتزام المواطنين بأدائها، باعتباره واجبا وطنيا، وأن
التهرب منه يعد جريمة، وبين صيانة الحقوق والحريات الأخرى للمواطنين، وعدم المساس
بأصلها وجوهرها، وهو ما حرص الدستور على توكيده بنص المادة (27) منه باعتباره قيدا
والتزاما دستوريا على الدولة في اختيارها للنظام الاقتصادي الذي تنتهجه، بحيث
تراعى فيه تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة في العلاقة القانونية محل
التنظيم، إعلاء لقيم العدل الذي حرص الدستور على كفالته في المادة (4) منه،
باعتباره أساسا لبناء المجتمع، وصون وحدته الوطنية، واحتراما من المشرع للأطر
المحددة لسلطته في تنظيم الحقوق والحريات التي عينتها المادة (92) من الدستور، ذلك
لا يجوز للدولة أن تتذرع بمصلحتها في اقتضاء دين الضريبة لتقرير جزاء على الإخلال
بها يجاوز في مداه الحدود المنطقية التي يقتضيها صون مصلحتها الضريبية. ذلك أن
الأصل في الجزاء - جنائيا كان أم مدنيا أم ماليا أم تأديبيا - أن يتعلق بأفعال
بذواتها يعينها المشرع، فلا يكون الجزاء ملائما إلا إذا كان متناسبا معها ومتدرجا
بقدر خطورتها ووطأتها على الصالح العام، وإلا صار الجزاء غلوا غير مقبول. متى كان
ذلك، وكانت لا توجد علاقة منطقية بين تحصيل الضرائب على تأجير الشقق المفروشة،
وبين ما أورده النص المطعون فيه من اعتبار عدم قيد عقد إيجارها سببا لعدم سماع
دعوى المؤجر، كما أنه لا يتصل بطبيعة العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر، وما
تقرره من حقوق والتزامات بين طرفيها، ليضحى ما فرضه مساسا بحق الملكية، وإعاقة لحق
التقاضي، وإهدارا لمبدأي المساواة والعدل.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يغدو مخالفا لنصوص
المواد (4، 35، 38، 92، 94، 97) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (43) من القانون رقم 49 لسنة
1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وألزمت
الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.