جلسة 22 من يناير سنة 2009
برئاسة السيد القاضي/ حسام عبد الرحيم نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ علي فرجاني، حمدي ياسين، عبد الله فتحي ومحمد الخطيب نواب رئيس
المحكمة.
------------
(11)
الطعن 10226 لسنة 71 ق
(1) إثبات "بوجه عام".
محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" . حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(2) إثبات
"خبرة" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون
جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملائمة
والتوفيق.
مثال لتسبيب سائغ لنفي التناقض بين الدليلين القولي والفني.
(3) إثبات "شهود"
"خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب
الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير والفصل فيما يوجه إليه من
اعتراضات. موضوعي.
عدم التزام محكمة الموضوع باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير
الأطباء الشرعيين لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر حاجة لاتخاذ هذا
الإجراء أو أنه غير منتج.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز أمام محكمة
النقض.
(4) قتل عمد. جريمة
"أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه
بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما
يضمره في نفسه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية
القتل في جريمة قتل عمد.
(5) ظروف
مشددة. سبق إصرار. جريمة "أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها في
تقدير توافر سبق الإصرار". عقوبة "العقوبة المبررة". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها" "المصلحة في الطعن".
سبق الإصرار. مناط تحققه؟ المادة 231 عقوبات.
تقدير توافر سبق
الإصرار. موضوعي.
لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم قصوره في استظهار ظرف سبق
الإصرار. ما دامت العقوبة التي أوقعها عليه تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل
العمد مجردة من أية ظروف مشددة.
مثال.
(6) ترصد.
سبق إصرار. ظروف مشددة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض
"المصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الترصد. ما يكفي لتحققه؟
حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة كحكم ظرف
سبق الإصرار. إثبات توافر أحدهما يغني عن الآخر. مثال.
(7) إثبات "بوجه عام".
محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا
يوفره". قتل عمد.
إقامة الطاعن دفاعه على نفي وقوع الحادث في المكان الذي وجدت فيه جثة
المجني عليه. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
مثال.
(8) إثبات "شهود".
إكراه. دفوع "الدفع ببطلان أقوال الشاهد للإكراه".
دفاع الطاعن بأداء بعض الشهود الشهادة كرهاً وجبراً لاحتجازهم حتى
الإدلاء بها. لا يعد إكراهاً. ما دام لم يدع أن الشهادة تمت تحت تأثير الإكراه
والتهديد والضغط أو أن سلطان الضابط استطال إليهم بالأذى مادياً أو معنوياً.
(9) إثبات "شهود". محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير أقوال الشهود".
وزن أقوال الشهود. موضوعي. للمحكمة الأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات
ولو خالفت أقواله أمامها.
(10) حكم "بطلانه"
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته؟
مثال لما لا يعد تناقضاً في الحكم.
(11) قانون "القانون
الأصلح" "تطبيقه". محكمة النقض "سلطتها".
صدور القانون 95 لسنة 2003 والنص في المادة الثانية منه على إلغاء
عقوبة الأشغال الشاقة. أصلح للمتهم. لمحكمة النقض في هذه الحالة نقض الحكم المطعون
فيه وتصحيحه. أساس ذلك؟
------------
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
2 - من المقرر أن الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الحكم قد حصّل أقوال شهود الإثبات بما مفاده أن الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم تربصوا بالمجني عليه في طريق عودته لمسكنه معدين لذلك عصي وشوم وماسورة من الحديد وتعدوا عليه بالضرب المبرح على جميع أعضاء جسمه حتى سقط أرضاً وقاموا بسحله وجره أرضاً من ساقيه لمسافة قاربت على الخمس وعشرين متراً بعد أن خلعوا عنه ملابسه لا سيما الداخلية منها واستولوا على حافظة نقوده وساعة يده وكشفوا عن عورته للمارة ولطخوا سرواله بدمائه وعلقوه على أحد أعمدة الإنارة وكانوا يسكبون عليه الماء فإذا ما تبين لهم أنه ما زال على قيد الحياة واصلوا تعديهم عليه. ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن إصابات المجني عليه بالرأس والوجه والظهر والأطراف حيوية وحديثة ذات طبيعة رضية احتكاكية وحدثت من التعدي المباشر المتكرر عليه بجسم أو أجسام صلبة راضة ومن مثل العصي والشوم والماسورة الحديدية المضبوطة أو ما هو على شاكلتهم وبه إصابات وخزية بالطرفين السفليين والعلويين وجائزة الحدوث من التعدي المباشر والمتكرر بجسم صلب مدبب مثل السيخ الحديد وما على شاكلته وإصاباته جائزة الحدوث وفق رواية الشهود وأن الوفاة نشأت من تلك الإصابات الرضية والوخزية مجتمعة. وإذ كان ما أورده الحكم من أقوال الشهود لا يتعارض بل يتلاءم مع ما نقله عن الدليل الفني فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال الشهود المؤيدة بالتقرير الطبي الشرعي واطرحت دفاع الطاعن في هذا الشأن وطلبه عرض الأوراق على كبير الأطباء الشرعيين استنادا إلى الأسباب السائغة التي أوردتها فإن ما يثيره من منازعة في التصوير الذي أخذت به المحكمة أو التفاتها عن عرض الأوراق على كبير الأطباء الشرعيين لمحاولة مناقضة الصورة التي اعتنقها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدى الطاعن من الظروف والملابسات التي أوضحها هو تدليل سائغ وكاف لحمل قضائه، فإن منعاه على الحكم في هذا الخصوص وبأن الواقعة مجرد ضرب أفضى إلى الموت يكون في غير محله.
5 - من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن سبق الإصرار، وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب يتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح افتراضه، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها. طال هذا الزمن أو قصر. بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه، وتقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام استخلاصه سائغاً. وإذ كان الحكم قد استدل على توافر هذا الظرف. على نحو ما تقدم. من ثبوت وجود ضغينة سابقة بين أسرة الطاعن والمجني عليه ومن إعداد الطاعن وآخرون الآلات المستعملة في الجريمة واستعانتهم ببعضهم البعض وقت الاعتداء ومبادرتهم المجني عليه بالاعتداء دون أن يسبق هذا الاعتداء حديث أو مشادة، فإن ما أورده الحكم من ذلك يعد سائغاً في التدليل على توافر سبق الإصرار وكافياً لحمل قضائه وينأى به عن قالة القصور في البيان التي يرميه بها الطاعن، وفضلاً عن هذا فإنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن وهي الأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة فلا مصلحة له فيما يثيره من قصور الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار.
6 - لما كان الحكم قد استخلص قيام ظرف الترصد مما ثبت لديه من تربص الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم للمجني عليه في طريق عودته لمسكنه وأنه لا سبيل لعودة المجني عليه إلى مسكنه سوى المرور من هذا المكان وقيامهم فجأة بالاعتداء وهو استخلاص له مأخذه الصحيح من الأوراق، ويتوافر به قيام هذا الظرف الذي يكفي لتحققه مجرد تربص الجاني للمجني عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر في ذلك أن يكون الترصد باستخفاء أو بغير استخفاء. هذا إلى أن حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة لحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر ومن ثم فلا يكون للطاعن مصلحة فيما أثاره من قصور الحكم في استظهار ظرف الترصد.
7 - لما كان ما يثيره الطاعن بشأن كيفية تصويره لواقعة الدعوى ومكان حدوثها وأن المجني عليه لم يقتل حيث وجدت جثته بدليل خلو المعاينة من وجود آثار دماء أو ماء مما قيل بقيام الجناة بسكبه على المجنس عليه للتيقن من مفارقته الحياة قد عرض له الحكم المطعون فيه ورد عليه بقوله "أما عن القول بأن القتل لم يحدث في هذا المكان الذي وجد به المجني عليه لخلوه من ثمة دماء أو آثار تفيد ذلك فمردود عليه بأن المحكمة تطمئن إلى شهادة الشهود جميعاً من مشاهدتهم للمتهم الماثل والمتهمين جميعاً والسابق الحكم عليهم والمعروفين لهم شخصياً لأنهم أهلهم وجيرانهم والواقعة في شارع عام بداخل منزل أو سياج وفي وضح النهار وعيان بيان ومشاهدتهم للمجني عليه وهم يعتدون عليه ويسكبون عليه الماء وينزعون عنه ملابسه ويقومون بسحله في الشارع العام وقد تأيد ذلك بمعاينة النيابة العامة وشهادة ضباط المباحث وأن عدم العثور على ثمة آثار بمكان ارتكاب الجريمة لا ينال من قناعة المحكمة بأن الجريمة قد تم ارتكابها بمسرح الحادث وقد تم سحب المجني عليه من بدء مسرح الحادث لمسافة كبيرة وشارع القرية عبارة عن أرض عادية بها الكم الكبير من الأتربة وربما تسقط كميات من الدماء تبتلعها الأتربة ولا يرى لها أثر في ظل دهس المتواجدين والشرطة وأهالي الناحية وعدد المتهمين لمسرح الحادث". وهو قول يسوغ به اطراح دفاع الطاعن في هذا الشأن. هذا إلى أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم ومن بينها أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة، لما هو مقرر من حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. كما هو الحال في الدعوى الماثلة. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً في شأن تصوير وقوع الحادث مما يكفي في الرد عليه ما أوردته المحكمة. على السياق المتقدم. تدليلاً على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها واستقرت في وجدانها، ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص على غير أساس.
8 - لما كان البين من مطالعة محضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن تمسك بأداء بعض الشهود للشهادة مكرهين وأنهم أجبروا على هذه الشهادة بعد احتجازهم لمدة يومين، وكان دفاع الطاعن على هذه الصورة لا يعد دفعاً بالإكراه طالما أنه لم يدع أن الشاهد أدلى بأقواله في التحقيقات تحت تأثير الإكراه والتهديد والضغط ولم يذهب إلى حد القول بأن سلطان الضابط قد استطال إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً فأثر في إرادته وحمله على الإدلاء بما أدلى به.
9 - من المقرر أن تقدير أقوال الشهود ووزنها مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب وأن لها أن تأخذ بأقوال الشاهد في التحقيقات ولو خالفت قوله أمامها.
10 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث وحاصلها أن الطاعن وآخرين عقدوا العزم وبيتوا النية على قتل المجني عليه وترصدوا له في طريق عودته إلى مسكنه وتعدوا عليه بعصي وشوم وماسورة حديدية أعدوها لذلك وقام بعض منهم بمحاصرة مسرح الحادث لمنع نجدة وغوث المجني عليه والحيلولة دون فراره منهم وواصل البعض الآخر ومنهم الطاعن الاعتداء على المجني عليه بالضرب الشديد المبرح على جميع أعضاء جسمه حتى سقط أرضاً فقاموا بسحله وجره أرضاً من ساقيه لمسافة قاربت الخمس وعشرين متراً بعد أن خلعوا ملابسه عنه كاشفين عن عورته للمارة ولأهل الناحية كما استولوا على نقوده وساعة يده، ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته ومن بينها تقرير الصفة التشريحية للمجني عليه الذي نقل عنه أن إصابته حيوية وحديثة وذات طبيعة رضية احتكاكية بالرأس والوجه والظهر والطرفان العلويان والسفليان وحدثت من التعدي المباشر والمتكرر عليه بجسم أو أجسام صلبة راضة ومن مثل عصي الشوم والماسورة الحديدية المضبوطة وما هو على شاكلتهم وبه إصابات وخزية بالطرفين السفليين والطرفين العلويين وجائزة الحدوث من التعدي المباشر والمتكرر بجسم صلب مدبب مثل السيخ الحديد وإصاباته جائزة الحدوث وفق رواية الشهود وأن الوفاة نشأت عن تلك الإصابات الرضية والوخزية مجتمعة وما نشأ عنها من كسور مفتتة وانسكابات دموية وتهتك بالأوعية الدموية وما نشأ عن ذلك من نزيف دموي حاد وصدمة، فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد.
11 - لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وكان قد صدر من بعد القانون رقم 95 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية ونص في مادته الثانية على أن تلغى عقوبة الأشغال الشاقة أينما وردت في قانون العقوبات أو في أي قانون أو نص عقابي آخر ويستعاض عنها بعقوبة "السجن المؤبد" إذا كانت مؤبدة وبعقوبة "السجن المشدد" إذا كانت مؤقتة، وهو ما يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم في حكم المادة الخامسة من قانون العقوبات. لما كان ذلك، فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه عملاً بنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بجعل العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها هي السجن المشدد لمدة خمسة عشر عاماً ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم بأنهم قتلوا
.... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن اتفقوا وبيتوا النية وعقدوا العزم على
قتله وأعدوا لذلك الغرض (عصي ومواسير وأسياخ حديدية) وترصدوه في الطريق الذي
أيقنوا سلفاً مروره فيه وما أن ظفروا به حتى طاله المتهمون الأربعة الأول العديد
من الضربات على أجزاء متفرقة من جسده ثم تلاهم في ذلك التعدي المتهمان الخامس
والسادس بينما تواجد المتهمون من السابع حتى الرابع عشر على مسرح الحادث يشدون من
أزرهم ويمنعون الناس من إغاثته قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة
بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين
أولهما: أنهم في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقوا بطريق الإكراه ملابس المجني
عليه المذكور وحافظة نقود بمحتوياتها وساعة يده والمبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات
وكان ذلك بالطريق العام حال كونهم أكثر من شخصين يحملون أسلحة ظاهرة ومخبأة.
ثانياً: أنهم في الزمان والمكان سالفي الذكر هتكوا عرض المجني عليه المذكور بالقوة
السابق وصفها بأن خلعوا عنه ملابسه وسرواله بالطريق العام فانكشفت عورته للعامة.
وأحالته إلى محكمة جنايات ..... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين
بأمر الإحالة.
وادعت زوجة المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه
على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ ..... عملاً بالمواد 48/1، 230،
231، 232، 234/2، 268/1، 315 أولاً وثانياً من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17
من ذات القانون بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وفي الدعوى المدنية
بإلزامه بأن يؤدي للمدعية بالحق المدني عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر
مبلغ وقدره خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ..... الخ.
------------
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل
العمد مع سبق الإصرار والترصد والمقترن بجنايتي السرقة بالإكراه وهتك العرض بالقوة
قد شابه القصور والتناقض في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في
الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه أقام دفاعه على استحالة وقوع الحادث
بالصورة التي قرر بها شهود الإثبات واستحالة حدوث إصابات المجني عليه من الأسلحة
المضبوطة أو تلك التي قرر بها الشهود ودفع بتعارض الدليل القولي مع الدليل الفني
في هذا الشأن وطلب تحقيق بمناقشة كبير الأطباء الشرعيين بيد أن المحكمة أعرضت عن
هذا الطلب وردت على دفاعه بما لا يصلح رداً عليه، كما أن الحكم اطرح دفعه بانتفاء
نية القتل وظرفي سبق الإصرار والترصد وأن الواقعة لا تعدو أن تكون ضرب أفضى إلى
موت ولم يدلل تدليلاً سائغاً على توافرهم في حقه، كما تمسك دفاعه بأن الواقعة مجرد
مشاجرة وأن المجني عليه لم يقتل في المكان الذي وجدت به الجثة بدلالة خلو المعاينة
من آثار دماء أو آثار الماء الذي قيل بأن المتهمين قاموا بسكبه على المجني عليه
للتأكد من موته إلا أن الحكم اطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ اطراحه، كما التفتت
المحكمة عن دفعه ببطلان أقوال شهود الواقعة لوقوع إكراه عليهم من ضابط الواقعة
لحجزه لهم لمدة يومين، وأخيراً فإن أسباب الحكم قد شابها التناقض إذ ورد بها أن
سبب الاعتداء غير ذي أهمية ولا يؤدي إلى وقوع جريمة قتل ثم عاد وانتهى إلى توافر
نية القتل في حقه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجنايتي
السرقة بالإكراه وهتك العرض بالقوة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه
أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من
شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع
أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة
الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى
ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في
الأوراق، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل
يكفي أن يكون جماع الدليل القولي - كما أخذت به المحكمة - غير متناقض مع الدليل
الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان الحكم قد حصل أقوال شهود
الإثبات بما مفاده أن الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم تربصوا بالمجني عليه في طريق
عودته لمسكنه معدين لذلك عصي وشوم وماسورة من الحديد وتعدوا عليه بالضرب المبرح
على جميع أعضاء جسمه حتى سقط أرضاً وقاموا بسحله وجره أرضاً من ساقيه لمسافة قاربت
على خمسة وعشرين متراً بعد أن خلعوا عنه ملابسه لا سيما الداخلية منها واستولوا
على حافظة نقوده وساعة يده وكشفوا عن عورته للمارة ولطخوا سرواله بدمائه وعلقوه
على أحد أعمدة الإنارة وكانوا يسكبون عليه الماء فإذا ما تبين لهم أنه ما زال على
قيد الحياة واصلوا تعديهم عليه. ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن إصابات المجني
عليه بالرأس والوجه والظهر والأطراف حيوية وحديثة ذات طبيعة رضية احتكاكية وحدثت
من التعدي المباشر المتكرر عليه بجسم أو أجسام صلبه راضة ومن مثل العصي والشوم
والماسورة الحديدية المضبوطة أو ما هو على شاكلتهم وبه إصابات وخزية بالطرفين
السفليين والعلويين وجائزة الحدوث من التعدي المباشر والمتكرر بجسم صلب مدبب مثل
السيخ الحديد وما على شاكلته وإصاباته جائزة الحدوث وفق رواية الشهود وأن الوفاة
نشأت من تلك الإصابات الرضية والوخزية مجتمعة. وإذ كان ما أورده الحكم من أقوال
الشهود لا يتعارض بل يتلاءم مع ما نقله عن الدليل الفني فإن ما يثيره الطاعن في
هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من
اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين
لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا
الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى
الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون، ولما
كانت المحكمة قد اطمأنت إلى صورة الواقعة حسبما وردت بأقوال الشهود المؤيدة
بالتقرير الطبي الشرعي واطرحت دفاع الطاعن في هذا الشأن وطلبه عرض الأوراق على
كبير الأطباء الشرعيين استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردتها، فإن ما يثيره
من منازعة في التصوير الذي أخذت به المحكمة أو التفاتها عن عرض الأوراق على كبير
الأطباء الشرعيين لمحاولة مناقضة الصورة التي اعتنقها ينحل إلى جدل موضوعي في
تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة
عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لنية القتل
وأثبت توافرها في حق الطاعن في قوله "وحيث أنه عن نية القتل وهي الأمر الخفي
الذي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر
الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فلا شك في توافرها في حق
المتهم الماثل وباقي المتهمين السابق الحكم عليهم وآية ذلك يتمثل في اتفاقهم معاً
على التخلص من المجني عليه بقتله وإحكامهم تدبير كيفية تنفيذ جريمتهم وإعدادهم
لأدوات الجريمة وهي العصي والمواسير الحديدية والسيخ الحديدي وكونهم قد انهالوا
ضرباً على المجني عليه بهذه الأدوات في أماكن قاتلة من جسده وتخيرهم لمنطقة الرأس
والوجه قاصدين من ذلك قتل المجني عليه وإزهاق روحه وموالاتهم التعدي عليه وسكب
الماء عليه كي يتبينوا إن كانت به حياة من عدمه خوفاً من أنه يمثل عليهم أنه فارق
الحياة وهو لم يفارقها ولم يتركوه إلا بعد أن أصبح في رمقه الأخير وبعد أن وصلت
الشرطة لمسرح الحادث وفروا هاربين وإمعاناً في التشفي منه قاموا بهتك عرضه ورفع
سرواله أعلى عامود الإنارة ملطخاً بدمائه لإذلال أهلة وأسرته الأمر الذي يقطع
وبجلاء وبلا أدنى شك بانصراف نية المتهمين إلى قتل المجني عليه. "وإذ كان قصد
القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى
والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص
هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان
ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدى الطاعن من الظروف والملابسات التي
أوضحها هو تدليل سائغ وكاف لحمل قضائه، فإن منعاه على الحكم في هذا الخصوص وبأن
الواقعة مجرد ضرب أفضى إلى الموت يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد
عرض لظرف سبق الإصرار وأثبت توافره في حق الطاعن في قوله "وحيث أنه وعن ظرف
سبق الإصرار وهي الحالة الذهنية التي تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحداً أن يشهد
بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصا فلا مراء في
توافره في حق المتهم الماثل وباقي المتهمين السابق الحكم عليهم من الخلافات
والضغائن السابقة فيما بين المتهم الماثل وباقي المتهمين والمجني عليه وعائلته
واحتدام الخلاف على كبير عائلة المتهمين وإلحاق عاراً به على حد تصورهم وإعمال
المتهمين لفكرهم في هدوء وروية وعقدهم العزم المصمم على الخلاص من مضايقات المجني
عليه بقتله واتفاقهم على ذلك وبالطريقة التي سبق للمجني عليه أن تعدى بها على
كبيرهم المتهم الأول السابق الحكم عليه وإعدادهم المسبق لها وتجهيز أدوات القتل
وإحكام خطة تنفيذ تلك الجريمة البشعة في أحد أيام شهر رمضان المبارك والذي حرم
الله تعالى فيه القتل وفي غيره وهتك عرض المجني عليه بهذه الطريقة التي حوتها
الأوراق الأمر الذي يقطع بجلاء بتوافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهم الماثل وأنهم
كانوا هادئي البال حال تدبيرهم لجريمتهم المتفق عليها فيما بينهم وهي قتل المجني
عليه" لما كان ذلك، وكان من المقرر في تفسير المادة 231 من قانون العقوبات أن
سبق الإصرار. وهو ظرف مشدد عام في جرائم القتل والجرح والضرب. يتحقق بإعداد وسيلة
الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيداً عن ثورة الانفعال مما يقتضي الهدوء والروية قبل
ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى في نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب
حتى خرج صاحبها عن طوره، وكلما طال الزمن بين الباعث عليها وبين وقوعها صح
افتراضه، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على
الجريمة ووقوعها. طال هذا الزمن أو قصر. بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من
التفكير والتدبير وهو يتحقق كذلك ولو كانت خطة التنفيذ معلقة على شرط أو ظرف، بل
ولو كانت نية القتل لدى الجاني غير محددة قصد بها شخصاً معيناً أو غير معين صادفه،
وتقدير الظروف التي يستفاد منها توافر سبق الإصرار من الموضوع الذي يستقل به قاضيه
بغير معقب ما دام استخلاصه سائغاً. وإذ كان الحكم قد استدل على توافر هذا الظرف.
على نحو ما تقدم من ثبوت وجود ضغينة سابقة بين أسرة الطاعن والمجني عليه ومن إعداد
الطاعن وآخرون الآلات المستعملة في الجريمة واستعانتهم ببعضهم البعض وقت الاعتداء
ومبادرتهم المجني عليه بالاعتداء دون أن يسبق هذا الاعتداء حديث أو مشادة، فإن ما
أورده الحكم من ذلك يعد سائغاً في التدليل على توافر سبق الإصرار وكافياً لحمل
قضائه وينأى به عن قالة القصور في البيان التي يرميه بها الطاعن، وفضلاً عن هذا فإنه
لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعن - وهي الأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً -
تدخل في الحدود المقررة لجريمة القتل العمد مجردة من أي ظروف مشددة فلا مصلحة له
فيما يثيره من قصور الحكم في استظهار ظرف سبق الإصرار. لما كان ذلك، وكان الحكم قد
استخلص قيام ظرف الترصد مما ثبت لديه من تربص الطاعن وآخرين سبق الحكم عليهم
للمجني عليه في طريق عودته لمسكنه وأنه لا سبيل لعودة المجني عليه إلى مسكنه سوى
المرور من هذا المكان وقيامهم فجأة بالاعتداء وهو استخلاص له مأخذه الصحيح من
الأوراق، ويتوافر به قيام هذا الظرف الذي يكفي لتحققه مجرد تربص الجاني للمجني
عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته
بالاعتداء عليه دون أن يؤثر في ذلك أن يكون الترصد باستخفاء أو بغير استخفاء. هذا
إلى أن حكم ظرف الترصد في تشديد العقوبة لحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما
يغني عن إثبات توافر الآخر ومن ثم فلا يكون للطاعن مصلحة فيما أثاره من قصور الحكم
في استظهار ظرف الترصد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن كيفية تصويره
لواقعة الدعوى ومكان حدوثها وأن المجني عليه لم يقتل حيث وجدت جثته بدليل خلو
المعاينة من وجود آثار دماء أو ماء مما قيل بقيام الجناة بسكبه على المجني عليه
للتيقن من مفارقته الحياة قد عرض له الحكم المطعون فيه ورد عليه بقوله "أما
عن القول بأن القتل لم يحدث في هذا المكان الذي وجد به المجني عليه لخلوه من ثمة
دماء أو آثار تفيد ذلك فمردود عليه بأن المحكمة تطمئن إلى شهادة الشهود جميعاً من
مشاهدتهم للمتهم الماثل والمتهمين جميعاً والسابق الحكم عليهم والمعروفين لهم
شخصياً لأنهم أهلهم وجيرانهم والواقعة في شارع عام بداخل منزل أو سياج وفي وضح
النهار وعيان بيان ومشاهدتهم للمجني عليه وهم يعتدون عليه ويسكبون عليه الماء
وينزعون عنه ملابسه ويقومون بسحله في الشارع العام وقد تأيد ذلك بمعاينة النيابة
العامة وشهادة ضباط المباحث وأن عدم العثور على ثمة آثار بمكان ارتكاب الجريمة لا
ينال من قناعة المحكمة بأن الجريمة قد تم ارتكابها بمسرح الحادث وقد تم سحب المجني
عليه من بدء مسرح الحادث لمسافة كبيرة وشارع القرية عبارة عن أرض عادية بها الكم
الكبير من الأتربة وربما تسقط كميات من الدماء تبتلعها الأتربة ولا يرى لها أثر في
ظل دهس المتواجدين والشرطة وأهالي الناحية وعدد المتهمين لمسرح الحادث". وهو
قول يسوغ به اطراح دفاع الطاعن في هذا الشأن. هذا إلى أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً
موضوعياً يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها
الحكم ومن بينها أقوال الشهود التي اطمأنت إليها المحكمة، لما هو مقرر من حق محكمة
الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها من
أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث وأن تطرح ما يخالفها من صور
أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها
أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن
في هذا الشأن لا يعدو أن يكون دفاعاً في شأن تصوير وقوع الحادث مما يكفي في الرد
عليه ما أوردته المحكمة - على السياق المتقدم - تدليلاً على ثبوت الصورة التي
اقتنعت بها واستقرت في وجدانها، ويضحى منعى الطاعن في هذا الخصوص على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة محضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن تمسك
بأداء بعض الشهود للشهادة مكرهين وأنهم أجبروا على هذه الشهادة بعد احتجازهم لمدة
يومين، وكان دفاع الطاعن على هذه الصورة لا يعد دفعاً بالإكراه طالما أنه لم يدع
أن الشاهد أدلى بأقواله في التحقيقات تحت تأثير الإكراه والتهديد والضغط ولم يذهب
إلى حد القول بأن سلطان الضابط قد استطال إلى الشاهد بالأذى مادياً أو معنوياً
فأثر في إرادته وحمله على الإدلاء بما أدلى به، وإذ كان من المقرر أن تقدير أقوال
الشهود ووزنها مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب وأن لها أن تأخذ بأقوال الشاهد
في التحقيقات ولو خالفت قوله أمامها، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه
إلى صحة أقوال الشهود في التحقيقات ومطابقتها للحقيقة التي استخلصتها المحكمة من
سائر الأدلة القائمة في الدعوى، فإنه لا يكون ثمة محل لتعييبه في هذا الخصوص. لما
كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي
بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم
المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لكيفية وقوع الحادث وحاصلها أن الطاعن وآخرين
عقدوا العزم وبيتوا النية على قتل المجني عليه وترصدوا له في طريق عودته إلى مسكنه
وتعدوا عليه بعصي وشوم وماسورة حديدية أعدوها لذلك وقام بعض منهم بمحاصرة مسرح
الحادث لمنع نجدة وغوث المجني عليه والحيلولة دون فراره منهم وواصل البعض الآخر
ومنهم الطاعن الاعتداء على المجني عليه بالضرب الشديد المبرح على جميع أعضاء جسمه
حتى سقط أرضاً فقاموا بسحله وجره أرضاً من ساقية لمسافة قاربت خمسة وعشرين متراً
بعد أن خلعوا ملابسه عنه كاشفين عن عورته للمارة ولأهل الناحية كما استولوا على
نقوده وساعة يده، ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته ومن بينها
تقرير وليست الصفة التشريحية للمجني عليه الذي نقل عنه أن إصابته حيوية وحديثة
وذات طبيعة رضية احتكاكية بالرأس والوجه والظهر والطرفين العلويين والسفليين وحدثت
من التعدي المباشر والمتكرر عليه بجسم أو أجسام صلبة راضة ومن مثل عصي الشوم
والماسورة الحديدية المضبوطة وما هو على شاكلتهم وبه إصابات وخزيه بالطرفين
السفليين والطرفين العلويين وجائزة الحدوث من التعدي المباشر والمتكرر بجسم صلب
مدبب مثل السيخ الحديد وإصاباته جائزة الحدوث وفق رواية الشهود وأن الوفاة نشأت عن
تلك الإصابات الرضية والوخزية مجتمعة وما نشأ عنها من كسور مفتتة وانسكابات دموية
وتهتك بالأوعية الدموية وما نشأ عن ذلك من نزيف دموي حاد وصدمة، فإن ما يثيره
الطاعن من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن
برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً إلا أنه ولما كان الحكم المطعون فيه
قد قضى بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وكان قد صدر من بعد
القانون رقم 95 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية
ونص في مادته الثانية على أن تلغى عقوبة الأشغال الشاقة أينما وردت في قانون
العقوبات أو في أي قانون أو نص عقابي آخر ويستعاض عنها بعقوبة "السجن
المؤبد" إذا كانت مؤبدة وبعقوبة "السجن المشدد" إذا كانت مؤقتة،
وهو ما يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم في حكم المادة الخامسة من قانون
العقوبات. لما كان ذلك، فإنه يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه عملاً بنص المادة 35
من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بجعل
العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها هي السجن المشدد لمدة خمسة عشر عاماً ورفض
الطعن فيما عدا ذلك