جلسة 13 يناير سنة 2009
برئاسة السيد القاضي الدكتور/ رفعت محمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة/ مصطفى عزب مصطفى، صلاح سعداوي خالد، عبد العزيز إبراهيم
الطنطاوي ومحمود حسن التركاوي نواب رئيس المحكمة.
---------
(24)
الطعن 11689 لسنة 77 ق
(1) نقض "أسباب الطعن بالنقض: السبب المجهل".
صحيفة الطعن بالنقض. وجوب اشتمالها على بيان الأسباب بياناً واضحاً
كاشفاً نافياً عنه الغموض والجهالة. علة ذلك. م 253 مرافعات. عدم إيضاح الطاعنة
لماهية الطلبات الجديدة التي أغفل الحكم المطعون فيه الرد عليها. نعي مجهل غير
مقبول.
(4 - 2) دعوى "شروط قبول الدعوى: المصلحة".
(2) الدعوى والدفع. عدم قبولهما بغير مصلحة. أثره.
(3) تعدد الخصوم في الخصومة الواحدة ولو كان إجبارياً. لا ينال من استقلال
كل منهم. أثره. ليس لأي منهم الاحتجاج بدفاع خصم مثل معه في ذات الخصومة طالما أنه
لم يشارك زميله فيه. مؤداه. لا يجوز له استعمال حقه أو خلافته فيه.
(4) إبداء المطعون ضدها الأولى طلباً احتياطياً لم يعلن للخصوم. عدم
التمسك به. أثره. عدم قبول تعييب الطاعنة على الحكم المطعون فيه بشأنه. علة ذلك.
(5) محكمة الموضوع
"سلطتها في تكييف الدعوى".
القاعدة القانونية واجبة التطبيق في الخصومة. المناط في تحديدها.
تكييف العلاقة بين طرفيها.
(6) وكالة "الوكالة التجارية: وكالة العقود".
وكالة العقود. صورة من صور الوكالة التجارية. أساسها. النيابة في
التعاقد. مظهرها. تعاقد وكيل العقود مع الغير يكون باسم الموكل. م 177 ق التجارة.
مؤداه. التوسط لإيجاد متعاقد آخر لإبرام عقد معين مجرد عمل مادي يخرج عن نطاق
وكالة العقود ويندرج ضمن أعمال الوساطة التجارية. علة ذلك. م 1/2 ق 120 لسنة 1982.
أثره. اقتصار مدة السقوط المنصوص عليها في م 190/2 ق التجارة على الدعاوى الناشئة
عن عقد وكالة العقود دون غيرها من صور الوكالة التجارية ومنها الوساطة. إصابة
الحكم المطعون فيه صحيح القانون بهذه النتيجة. قصوره في الرد على ما أثارته
الطاعنة. لا عيب. لمحكمة النقض أن تستكمل أسبابه القانونية دون أن تنقضه.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود:
سلطتها في تفسير العقود".
لمحكمة الموضوع سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة وتفسير
الاتفاقات والمحررات دون رقابة لمحكمة النقض. شرطه. أن تُقيم قضاءها على أسباب
مقبولة ولا تخرج عما تحتمله عبارات المحرر. لا إلزام عليها من بعد بتتبع أقوال
الخصوم وحججهم ما دام في الحقيقة التي استخلصتها الرد الضمني المسقط لما عداها.
(8) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير عمل الخبير".
تقدير عمل أهل الخبرة. من سلطة محكمة الموضوع. أثره.
(9) محكمة الموضوع "سلطتها بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود:
سلطتها في تفسير العقود".
انتهاء الحكم المطعون فيه إلى أن أعمال المطعون ضدها الأولى ساهمت
بشكل فاعل في تمكين الطاعنة من إقامة مصنع للأسمنت بدولة الجزائر وأن المبلغ
المقضي به يمثل أجرا عادلاً لمساهمتها. تعويله السائغ في ذلك على ما تضمنه اتفاق
الطرفين وما انتهى إليه تقرير الخبير. تقدير موضوعي. المجادلة فيه. عدم جواز
إثارتها أمام محكمة النقض.
-----------
1 - المقرر أن المادة 253 من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب التي بني عليها الطعن وإلا كان باطلاً إنما قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتُعرف تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً نافياً عنها الغموض والجهالة، بحيث يبين منها العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يراد التحدي به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً في صحيفة الطعن بما لا تغني عنه الإحالة في بيانه إلى أوراق أخرى، لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تبين ماهية الطلبات الجديدة التي تنعي على الحكم المطعون فيه أنه أغفل الرد عليها وأوردتها في مذكراتها ، فإن النعي يكون نعياً مجهلاً غير مقبول.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه لا تقبل دعوى أو دفع بغير مصلحة، وأنه ليس للخصم أن يتمسك بما لغيره من دفوع أو دفاع.
3 - المقرر أن تعدد الخصوم ولو كان تعدداً إجبارياً في الخصومة الواحدة أمام المحكمة إلا أن ذلك لا ينال من استقلال كل منهم ومسلكه فيها وحريته في إبداء ما يراه من دفوع ووسائل دفاع، وبالتالي فليس لأي من الخصوم الاحتجاج بدفاع خصم مثل معه في ذات الخصومة ما دام أنه لم يشارك زميله فيه بما لا يجوز له استعمال حقه أو خلافته فيه.
4 - إذ كان قوام ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يستند على أن الطلب الاحتياطي الذي أبدته المطعون ضدها الأولى ولم يعلن لخصوم آخرين في الدعوى، وكان هؤلاء الخصوم لم يتمسكوا به، فلا يقبل من الطاعنة تعييب الحكم المطعون فيه بشأنه لانتفاء مصلحتها في التمسك به، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص غير مقبول.
5 - المقرر أن تكييف العلاقة بين طرفي الخصومة يعد شرطاً لازماً لتحديد القاعدة القانونية واجبة التطبيق فيها.
6 - إذ كان عقد الاتفاق المحرر بين الطاعنة والمطعون ضدها الأولى والمعنون "مذكرة التفاهم" والمؤرخ في أغسطس سنة 1999 قد أسند إلى الأخيرة القيام بمهمة الترويج لسمعة الطاعنة والتعريف بها وبسابقة أعمالها بجمهورية الجزائر، وأن تقدم لها بياناً عن التوقعات المستقبلية وتحليل لسوق العمل والكشف عن البرامج والفرص المستقبلية لنشاطها وإسداء النصح والمشورة بشأن الأوضاع التي تؤثر على أنشطتها، وإعداد التقارير والعطاءات وعروض الأسعار والاتفاقيات، وتحديد مصادر التمويل، والتعريف بالقطاع المصرفي، وغير ذلك من الأعمال الوارد ذكرها بهذه المذكرة، وكانت وكالة العقود وإن عدت صورة من صور الوكالة التجارية إلا أنها تقوم أساساً على فكرة النيابة في التعاقد بأن يكون وكيل العقود مكلفاً بإبرام الصفقات نيابة عن الموكل أي باسم الأخير وليس باسمه الشخصي، وهو يقرب مما عرفته المادة 177 من قانون التجارة - والصادر في تاريخ لاحق لمذكرة التفاهم موضوع النزاع - لهذه الوكالة العقود بأنها "عقد يلتزم بمقتضاه شخص بأن يتولى على وجه الاستمرار وفي منطقة نشاط معينة الترويج والتفاوض وإبرام الصفقات باسم الموكل ولحسابه مقابل أجر ......" وبهذا المفهوم فإن وكالة العقود تختلف عن نشاط المطعون ضدها الأولى المكلفة به من الطاعنة وفق وبهذا المفهوم فإن وكالة العقود تختلف عن نشاط المطعون ضدها الأولى المكلفة به من الطاعنة وفق مذكرة التفاهم والتي تقتصر مهمتها وفقاً لها على المهام سالفة الذكر دون أن يكون لها أن تتدخل في إبرام العقود، وإنما تنتهي مهمتها عند وضع العميل أمام الطاعنة لمناقشة كل منهما للصفقة وشروطها فإذا اتفقا أُبرم العقد بينهما مباشرة دون تدخل منها، ومن ثم فهي تباشر وساطة من نوع خاص في الأعمال التجارية على نحو ما عرفته الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1982 - في شأن تنظيم أعمال الوكالة التجارية وبعض أعمال الوساطة التجارية - والتي جاء بها ما نصه "...... كما يقصد بالوسيط التجاري من اقتصر نشاطه – ولو عن صفقة واحدة – على البحث عن متعاقد أو التفاوض معه لإقناعه بالتعاقد ......"، ومن ثم فعمله عمل مادي هو التوسط لإيجاد متعاقد آخر لإبرام عقد معين، خلافاً لوكيل العقود الذي يلتزم بالقيام بعمل قانوني لحساب الموكل والذي رتبت الفقرة الثانية من المادة 190 من قانون التجارة على هذه الطبيعة القانونية الخاصة سقوط جميع الدعاوى الناشئة عن عقد وكالة العقود بانقضاء سنتين على انتهاء العلاقة العقدية والذي لا يمتد إلى غيرها من صور الوكالة التجارية ومنها الوساطة التجارية التي أسندت إلى المطعون ضدها الأولى بموجب مذكرة التفاهم المحررة سالفة الذكر، ومن ثم يضحى النعي بهذا السبب في غير محله ولا يعيب الحكم المطعون فيه قصوره في الرد عليه باعتباره دفاعاً لا يستند إلى أساس سليم في القانون، إذ لمحكمة النقض أن تستكمل أسبابه القانونية دون أن تنقضه.
7 - المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير الأدلة والقرائن وتفسير الاتفاقات وسائر المحررات، بما تراه أوفى إلى نية عاقديها ومقصودهم مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت أقامت قضاءها على أسباب مقبولة تكفي لحمله، وكانت لم تخرج في تفسير المحررات عن المعنى الذي تحتمله عباراتها، وهي غير ملزمة من بعد بالرد على كل ما يقدمه الخصوم لها من مستندات، أو تتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم والرد استقلالاً على كل منها، متى كان في الحقيقة التي استخلصتها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لما عداها.
8 - المقرر أن تقدير عمل أهل الخبرة من سلطتها – محكمة الموضوع - ولها أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو تأخذ ببعض ما جاء به وتطرح بعضه، إذ هي لا تقضى إلا على أساس ما تطمئن إليه.
9 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الأعمال التي قامت بها المطعون ضدها الأولى لصالح الطاعنة بموجب مذكرة التفاهم المبرمة بين الطرفين، ساهمت بشكل فاعل في تمكين الطاعنة من إقامة مصنع للأسمنت بولاية "......" بدولة الجزائر، ورأى أن المبلغ المقضي به يمثل الأجر العادل المستحق للمطعون ضدها الأولى عن هذه الأعمال، وعول في ذلك على ما تضمنه اتفاق الطرفين الوارد بمذكرة التفاهم آنفة الذكر، وعلى ما توصل إليه الخبير المنتدب في خصوص امتناع الطاعنة عن تقدير الأتعاب المستحقة للمطعون ضدها الأولى عما قامت به من أعمال لصالحها، بعد أن وجدت المحكمة أن نقل موقع المصنع من ولاية "....." إلى ولاية "......" بناءً على أمر السلطات الجزائرية المختصة لا ينفي أن المجهودات والأعمال التي قامت بها المطعون ضدها الأولى قد ساهمت في إقامة هذا المصنع، إذ كان هذا الذي خلص إليه الحكم المطعون فيه تقدير موضوعي، له أصل ثابت في الأوراق، ويسوغ ما انتهى إليه، ويكفي لحمل قضائه والرد على ما أثارته الطاعنة من حجج وأوجه دفاع مناهضة، فإنه لا ينال منه قولها أن الحكم المطعون فيه ألزمها بالمبلغ المقضي به وحدها دون المطعون ضدهما الثانية والثالثة لأن أياً من الأخيرين لم يكن طرفاً في الاتفاق الذي أبرمته الطاعنة مع المطعون ضدها الأولى بموجب مذكرة التفاهم سالفة الذكر، ومن ثم فإن النعي يضحى في حقيقته جدلاً موضوعياً فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى على غير أساس.
-----------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن –
تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم ...... لسنة 2004 تجاري
الجيزة الابتدائية على كل من الطاعنة والمطعون ضدهما الثانية والثالثة بطلب الحكم
بإلزامهم بالتضامن أن يدفعوا إليها مبلغ 7800000 دولار أمريكي مع فوائده
القانونية، قيمة المستحق لها عن الأعمال التي قامت بها بموجب الاتفاق "مذكرة
التفاهم" الذي أبرمته مع الطاعنة في أغسطس سنة 1999 للترويج لسمعة الأخيرة
والتعريف بها وبمنتجاتها في السوق الاقتصادية لدولة الجزائر، ولتزويدها بالتوقعات
المستقبلية للسوق وتحليل عناصرها، وإسداء النصح والمشورة إليها وتعريفها بالقطاع
المصرفي والقوانين واللوائح المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية السارية في تلك الدولة،
وذلك بعد أن أثمرت تلك الأعمال عن إنشاء المصنع المشار إليه بالأوراق. ندبت
المحكمة خبيراً، وبعد أن أودع تقريره حكمت في 25 من نوفمبر سنة 2006 برفض الدعوى. استأنفت
المطعون ضدها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم ...... لسنة 124 ق القاهرة، وبتاريخ
18 أبريل سنة 2007 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام الطاعنة بأن تؤدي
للمطعون ضدها الأولى مبلغ 1.300000 دولار أمريكي وفوائده القانونية بواقع 5%
سنوياً من تاريخ هذا الحكم وحتى السداد. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض،
وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض
الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
---------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر
والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعى الطاعنة على الحكم المطعون
فيه بالسبب الأول منها القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام
محكمة الاستئناف بعدم قبول طلبات جديدة في الاستئناف قامت بإيرادها في مذكراتها
أمام محكمة الاستئناف، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه إلى هذا الدفع الجوهري بما
يكفي لمواجهته والرد عليه، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن المادة 253 من قانون المرافعات
إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب التي بني عليها الطعن وإلا
كان باطلاً إنما قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتُعرف تعريفاً واضحاً
كاشفاً عن المقصود منها كشفاً نافياً عنها الغموض والجهالة، بحيث يبين منها العيب
الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره في قضائه، ومن ثم فإن كل سبب يراد
التحدي به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً في صحيفة الطعن بما لا تغني عنه
الإحالة في بيانه إلى أوراق أخرى. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تبين في هذا
السبب ماهية الطلبات الجديدة التي تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أغفل الرد عليها
وأوردتها في مذكراتها، فإن النعي يكون نعياً مجهلاً غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثاني مخالفة
القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيانه تقول إن المطعون ضدها الأولى أضافت أمام
محكمة أول درجة "على سبيل الاحتياط" طلب أتعاب عن أعمال قامت بها تختلف
عن طلبها الأصلي، ولم تعلنه إلى المطعون ضدهما الثانية والثالثة عملا بالمادة 123
من قانون المرافعات، وإذ لم تقض محكمة الاستئناف من تلقاء ذاتها بعدم قبوله، فإن
حكمها يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة –
أنه لا تقبل دعوى أو دفع بغير مصلحة، وأنه ليس للخصم أن يتمسك بما لغيره من دفوع
أو دفاع، وأن تعدد الخصوم ولو كان تعدداً إجبارياً في الخصومة الواحدة أمام
المحكمة، إلا أن ذلك لا ينال من استقلال كل منهم ومسلكه فيها وحريته في إبداء ما
يراه من دفوع ووسائل دفاع، وبالتالي فليس لأي من الخصوم الاحتجاج بدفاع خصم مثل
معه في ذات الخصومة ما دام أنه لم يشارك زميله فيه بما لا يجوز له استعمال حقه أو
خلافته فيه. لما كان ذلك، وكان قوام ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه بهذا
السبب يستند على أن الطلب الاحتياطي الذي أبدته المطعون ضدها الأولى ولم يعلن
لخصوم آخرين في الدعوى، وكان هؤلاء الخصوم لم يتمسكوا به، فلا يقبل من الطاعنة
تعييب الحكم المطعون فيه بشأنه لانتفاء مصلحتها في التمسك به، ومن ثم يكون النعي
على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع القصور في
التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيانه تقول إنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة
الموضوع بأن علاقتها مع المطعون ضدها الأولى المستندة إلى "مذكرة
التفاهم" المحررة بينهما قد انتهت منذ أغسطس سنة 2000، بما لا يحق للأخيرة أن
تطالبها بشيء، بعد أن سقط حقها وفقاً لأحكام المادة 190 من قانون التجارة، وإذ
أعرض الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع الجوهري، ولم يرد عليه رغم تقديمها الدليل
على صحته، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك بأن تكييف العلاقة بين طرفي الخصومة
يعد شرطاً لازماً لتحديد القاعدة القانونية واجبة التطبيق فيها، وكان عقد الاتفاق
المحرر بين الطاعنة والمطعون ضدها الأولى والمعنون "مذكرة التفاهم"
والمؤرخ في أغسطس سنة 1999 قد أسند إلى الأخيرة القيام بمهمة الترويج لسمعة
الطاعنة والتعريف بها وبسابقة أعمالها بجمهورية الجزائر، وأن تقدم لها بياناً عن
التوقعات المستقبلية وتحليل لسوق العمل والكشف عن البرامج والفرص المستقبلية
لنشاطها وإسداء النصح والمشورة بشأن الأوضاع التي تؤثر على أنشطتها، وإعداد
التقارير والعطاءات وعروض الأسعار والاتفاقيات، وتحديد مصادر التمويل، والتعريف
بالقطاع المصرفي، وغير ذلك من الأعمال الوارد ذكرها بهذه المذكرة، وكانت وكالة
العقود وإن عدت صورة من صور الوكالة التجارية إلا أنها تقوم أساساً على فكرة
النيابة في التعاقد بأن يكون وكيل العقود مكلفا بإبرام الصفقات نيابة عن الموكل أي
باسم الأخير وليس باسمه الشخصي، وهو يقرب مما عرفته المادة 177 من قانون التجارة -
والصادر في تاريخ لاحق لمذكرة التفاهم موضوع النزاع - لهذه الوكالة العقود بأنها
(عقد يلتزم بمقتضاه شخص بأن يتولى على وجه الاستمرار وفي منطقة نشاط معينة الترويج
والتفاوض وإبرام الصفقات باسم الموكل ولحسابه مقابل أجر .....) وبهذا المفهوم فإن
وكالة العقود تختلف عن نشاط المطعون ضدها الأولى المكلفة به من الطاعنة وفق مذكرة
التفاهم والتي تقتصر مهمتها وفقاً لها على المهام سالفة الذكر دون أن يكون لها أن
تتدخل في إبرام العقود، وإنما تنتهي مهمتها عند وضع العميل أمام الطاعنة لمناقشة
كل منهما للصفقة وشروطها فإذا اتفقا أبرم العقد بينهما مباشرة دون تدخل منها، ومن
ثم فهي تباشر وساطة من نوع خاص في الأعمال التجارية على نحو ما عرفته الفقرة
الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1982 في شأن تنظيم أعمال
الوكالة التجارية وبعض أعمال الوساطة التجارية والتي جاء بها ما نصه (...... كما
يقصد بالوسيط التجاري من اقتصر نشاطه – ولو عن صفقة واحدة – على البحث عن متعاقد
أو التفاوض معه لإقناعه بالتعاقد ......)، ومن ثم فعمله عمل مادي هو التوسط لإيجاد
متعاقد آخر لإبرام عقد معين، خلافاً لوكيل العقود الذي يلتزم بالقيام بعمل قانوني
لحساب الموكل والذي رتبت الفقرة الثانية من المادة 190 من قانون التجارة على هذه
الطبيعة القانونية الخاصة سقوط جميع الدعاوى الناشئة عن عقد وكالة العقود بانقضاء
سنتين على انتهاء العلاقة العقدية والذي لا يمتد إلى غيرها من صور الوكالة
التجارية ومنها الوساطة التجارية التي أسندت إلى المطعون ضدها الأولى بموجب مذكرة
التفاهم المحررة سالفة الذكر، ومن ثم يضحى النعي بهذا السبب في غير محله ولا يعيب
الحكم المطعون فيه قصوره في الرد عليه باعتباره دفاعاً لا يستند إلى أساس سليم في
القانون، إذ لمحكمة النقض أن تستكمل أسبابه القانونية دون أن تنقضه.
وحيث إن الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه بالسببين الثالث والخامس
الخطأ في تطبيق القانون وفهم الواقع ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيانهما تقول
إنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بأن عملية إنشاء مصنع للأسمنت في ولاية
"بجاية" لم يتم، وأن المصنع الذي تم في ولاية "مسيلة" تحقق
بجهودها الذاتية الخاصة، وبعد أن انتهت علاقاتها مع المطعون ضدها الأولى بموجب
الإنذار الموجه إليها بتاريخ 27 مايو سنة 2000، بما لا يجوز للأخيرة مطالبتها بأية
أتعاب، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك، وألزمها وحدها دون المطعون ضدهما الثانية
والثالثة بالمبلغ المقضي به بعد أن قدره على أساس نسبة من التكلفة الإنشائية
للمصنع المقام بولاية "مسيلة" أو يفطن إلى الفرق بين تكلفته الإنشائية
وتكلفته الاستثمارية فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن
لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وفي تقدير الأدلة والقرائن
وتفسير الاتفاقات وسائر المحررات، بما تراه أوفى إلى نية عاقديها ومقصودهم مستهدية
بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت أقامت قضاءها
على أسباب مقبولة تكفي لحمله، وكانت لم تخرج في تفسير المحررات عن المعنى الذي
تحتمله عباراتها، وهي غير ملزمة من بعد بالرد على كل ما يقدمه الخصوم لها من
مستندات، أو تتبعهم في مختلف أقوالهم وحججهم والرد استقلالا على كل منها، متى كان
في الحقيقة التي استخلصتها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لما عداها، كما أن
تقدير عمل أهل الخبرة من سلطتها ولها أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو تأخذ ببعض ما
جاء به وتطرح بعضه، إذ هي لا تقضي إلا على أساس ما تطمئن إليه. لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الأعمال التي قامت بها المطعون ضدها الأولى لصالح
الطاعنة بموجب مذكرة التفاهم المبرمة بين الطرفين ساهمت بشكل فاعل في تمكين
الطاعنة من إقامة مصنع للأسمنت بولاية "مسيلة" بدولة الجزائر، ورأى أن
المبلغ المقضي به يمثل الأجر العادل المستحق للمطعون ضدها الأولى عن هذه الأعمال،
وعول في ذلك على ما تضمنه اتفاق الطرفين الوارد بمذكرة التفاهم آنفة الذكر، وعلى
ما توصل إليه الخبير المنتدب في خصوص امتناع الطاعنة عن تقدير الأتعاب المستحقة
للمطعون ضدها الأولى عما قامت به من أعمال لصالحها، بعد أن وجدت المحكمة أن نقل موقع
المصنع من ولاية "بجاية" إلى ولاية "مسيلة" بناء على أمر
السلطات الجزائرية المختصة لا ينفي أن المجهودات والأعمال التي قامت بها المطعون
ضدها الأولى قد ساهمت في إقامة هذا المصنع، إذ كان هذا الذي خلص إليه الحكم
المطعون فيه تقدير موضوعي، له أصل ثابت في الأوراق، ويسوغ ما انتهى إليه، ويكفي
لحمل قضائه والرد على ما أثارته الطاعنة من حجج وأوجه دفاع مناهضة، فإنه لا ينال
منه قولها أن الحكم المطعون فيه ألزمها بالمبلغ المقضي به وحدها دون المطعون ضدهما
الثانية والثالثة لأن أياً من الأخيرين لم يكن طرفاً في الاتفاق الذي أبرمته
الطاعنة مع المطعون ضدها الأولى بموجب مذكرة التفاهم سالفة الذكر، ومن ثم فإن
النعي يضحى في حقيقته جدلاً موضوعياً فيما تستقل بتقديره محكمة الموضوع ولا يجوز
إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى على غير أساس.