جلسة 1 مارس سنة 2012
برئاسة السيد المستشار/ أنور جبري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين/ أحمد عبد القوي، مصطفي الصادق، محمد طاهر ورأفت عباس نواب رئيس
المحكمة.
--------------
(35)
الطعن 765 لسنة 81 ق
(1) إجراءات "إجراءات
المحاكمة". بطلان. محاماة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
وجوب حضور محام مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات للدفاع عنه.
مخالفة ذلك يبطل إجراءات المحاكمة. أساس ذلك؟
مثال.
(2) أسباب
الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب" "الجنون والعاهة
العقلية". دفوع "الدفع بانعدام المسئولية الجنائية". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الحالة العقلية". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
متى يكون الاضطراب النفسي سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية أو
ظرفاً مخففاً للعقوبة؟ المادة 62 عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن
رعاية المريض النفسي.
دفاع المتهم بالمنازعة في مدى مسئوليته لإصابته بمرض نفسي أو
عقلي ينال من إدراكه أو شعوره. جوهري. علة وأساس ذلك؟
تقدير حالة المتهم العقلية
أو النفسية. موضوعي. وجوب تحقيق محكمة الموضوع لها وتعيين خبير للبت فيها. ما دام
المتهم قد تمسك بها.
مثال لتسبيب معيب للرد على الدفع بانتفاء المسئولية الجنائية
للمرض النفسي.
(3) تزوير "أوراق
رسمية". اشتراك. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم
"تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
الاشتراك في جرائم التزوير. تمامه؟
وجوب استخلاص المحكمة للاشتراك في
جرائم التزوير. شرط ذلك؟
مثال لتسبيب معيب في جريمة الاشتراك في تزوير محررات
رسمية.
--------------
1 - لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه ومحضر جلستي المحاكمة بتاريخ .... و.... أنه حضر مع الطاعن الأستاذ/ .... المحامي وهو الذي شهد المحاكمة وقام بالدفاع عنه, ولما كان من المقرر وجوب حضور محام مع المتهم بجناية أمام محكمة الجنايات يتولى الدفاع عنه, وكانت المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو أمام المحاكم الابتدائية يكونون مختصين دون غيرهم بالمرافعة أمام محكمة الجنايات, وكان الثابت من كتاب نقابة المحامين المرفق أن المحامي الذي قام بالدفاع عن الطاعن غير مقيد بجداول المحامين, فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت باطلة بما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
2 - لما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة بتاريخ ... أن المدافع عن الطاعن دفع بعدم مسئوليته الجنائية عن الواقعة لإصابته بمرض نفسي. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن واطرحه في قوله: "وحيث إنه عن الدفع بالمرض النفسي للمتهم الأول فقد جاء دفعاً مرسلاً بغير دليل ولا يعنى عدم مسئوليته عن أفعاله ولم يكن دفعاً جازماً ومن ثم ترفضه المحكمة". لما كان ذلك, وكان النص في المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على "لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو عن غير علم منه. ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره, وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة. "وهو نص مستحدث يتمثل في إضافة الاضطراب النفسي للمتهم إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة واعتبره سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية. أما إذا اقتصر أثره على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره يظل المتهم مسئولاً عن ارتكاب الجريمة, وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفاً مخففاً يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التي توقع عليه, وإذ كان دفاع المتهم بالمنازعة في مدى مسئوليته لإصابته بمرض نفسى أو عقلي ينال من إدراكه أو شعوره , دفاع جوهري إذ يترتب على ثبوت إعفاء المتهم من المسئولية أو الانتقاص منها وفق ما تضمنه النص سالف الذكر . لما كان ذلك , ولئن كان من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها , إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما تمسك به المتهم أن تجرى تحقيقاً في شأنه بلوغاً كفاية الأمر فيه, ويجب عليها تعيين خبير للبت في هذه الحالة إثباتاً أو نفياً, أو أن تطرح هذا الدفاع بما يسوغ. لما كان ذلك, وكان ما رد به الحكم على دفاع الطاعن في هذا الشأن على السياق المتقدم لا يسوغ به اطراحه, إذ لا يصح اطراحه بأنه مرسل لأن إبداءه يتضمن الدعوة إلى تحقيقه, كما لا يسوغ رفضه بأنه غير جازم, مادام أنه قرع سمع المحكمة وظل على التمسك به حتى قفل باب المرافعة, كما أن من الخطأ في القانون وصفه بأنه لا يعنى عدم مسئوليته بعد أن رتب القانون على ثبوته الأثر الذي بينه نص المادة 62. مما يصم الحكم في الرد على هذا الدفاع فضلاً عن الفساد في الاستدلال بالخطأ في تطبيق القانون مما يوفر سبباً آخر لنقض الحكم. لما كان ذلك, فإنه يتعين نقض الحكم والإعادة، دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
3 - من المقرر أنه وإن كان الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية وأعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه, إلا أنه يجب على المحكمة وهي تقرر حصوله أن تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ما يوفر اعتقاداً سائغاً بذلك تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم. لما كان ذلك, وكان الحكم قد دان الطاعن بتهمة الاشتراك في التزوير لم يستظهر في حقه قيام أية صورة من صور الاشتراك المنصوص عليها في المادة 40 من قانون العقوبات, وعناصر هذا الاشتراك ولم يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها من واقع الدعوى وظروفها ولا يكفي في هذا الصدد أن يكون الطاعن هو الذي قدم المحرر المزور للمتهم الثالث مادام الحاصل أن الحكم لم يقم الدليل على أن الطاعن قد اشترك في ارتكاب تزوير هذا المحرر, فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله مما يوجب نقضه والإعادة - بالنسبة له - دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن, وبالبناء على كل ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة له والإعادة بالنسبة للطاعنين.
--------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من: (1) ..... "طاعن" (2) .....
(3) ..... (4) ..... "طاعن" بأنهم: أولاً: المتهم الأول: أ- بصفته
موظفاً عاماً" عامل سنترال ثان ......" استولى بغير حق وبنية التملك على
أموال مملوكة لجهة عملة بأن استولى بغير وجه حق وبنية التملك على مبلغ مالي مقداره
.......... والمملوك للجمعية ..... المودع طرف البنك .....بحسابها رقم ...... وكان
ذلك حيلة بأن تحصل من المتهم الثاني على عدد أربعة شيكات بنكية من دفتر الشيكات
البنكية الخاص بالجمعية أرقام ..... المسحوبة على حساب الجمعية بالبنك ..... فرع
..... مدون بها بياناته كمستفيد فيها بغير صفة تربطه بالجمعية وتقدم لفرع البنك
وتمكن من صرف قيمتها واقتسامها فيما بينه والمتهم الثاني، وقد ارتبطت تلك الجريمة
بجريمتي التزوير في محررات لإحدى الشركات المساهمة واستعمالها فيما زورت من أجلة
ارتباطاً لا يقبل التجزئة ذلك أنه في ذات الزمان والمكان انفي البيان ارتكب
والمتهم الثاني وآخر مجهول تزويراً في الشيكات البنكية بادية الذكر وذلك بأن دون
المتهم الثاني والمجهول بياناته كمستفيد بتلك الشيكات ومستحق لصرف قيمتها من فرع
البنك على خلاف الحقيقة وذيلاها بتوقيعات وأختام نسباها زوراً لصاحبي التوقيع
الأول والثاني من مسئولي الجمعية ..... ودفعا بها إليه فقام بإثبات بياناته
الشخصية بظهر تلك الشيكات بما يتيح له صرف قيمتها رغم عدم صحة استحقاقه واستعمل
المحررات المزورة آنفة الذكر فيما زورت من أجله مع علمه بتزويرهما بأن قدمها
للمختصين بالبنك ..... فرع .....لإعمال آثارها والاحتجاج بصحة ما دون بها زوراً
فتمكن من صرف قيمة الشيكات البنكية الأربعة بقيمة المبلغ المالي المستولى عليه
وإضافته إلى ملكه والاستيلاء عليه لنفسه وهو الأمر المعاقب عليه بالمواد 40، 41،
214 مكرراً من قانون العقوبات على النحو المبين بالتحقيقات. ب- بصفته سالفة الذكر
شرع في الاستيلاء بغير حق وبنية التملك على أموال مملوكه لجهة عمله بأن شرع في
الاستيلاء بغير وجه حق وبنية التملك على مبلغ مالي مقداره 54 ألف جنيه (أربعة
وخمسين ألف جنيه) والمملوكة للجمعية .... المودع طرف البنك ..... بحسابها رقم
..... وكان ذلك حيلة بأن تحصل من المتهم الثاني على شيكين بنكيين من دفتر الشيكات
البنكية الخاص بالجمعية رقمي ..../ ..... المسحوب على حساب الجمعية بالبنك .....
فرع .... مدون بها بياناته كمستفيد فيها بغير صفة تربطه بالجمعية وتقدم لمسئولي
الجمعية لصرف قيمتهما إلا أنه قد أوقف أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو
ضبطه والجريمة متلبساً بها وإيقاف الجهة المجني عليها لإجراءات الصرف وقد ارتبطت
تلك الجريمة بجريمتي التزوير في محررات لإحدى الشركات المساهمة واستعمالها فيما
زورت من أجله ارتباطاً لا يقبل التجزئة ذلك أنه في ذات الزمان والمكان انفي البيان
ارتكب والمتهم الثاني وآخر مجهول تزويراً في الشيكين البنكيين باديي الذكر وذلك
بأن دون المتهم الثاني والمجهول بياناته كمستفيد بهذين الشيكين ومستحق لصرف
قيمتهما على خلاف الحقيقة وذيلاهما بتوقيعات وأختام نسباها زوراً لصاحبي التوقيع
الأول والثاني من مسئولي الجمعية ......ودفعا بهما إليه فقام بإثبات بياناته
الشخصية بظهر كل منهما بما يتيح له صرف قيمتهما رغم عدم صحة استحقاقه واستعمل
المحررين المزورين انفي الذكر فيما زورا من أجله مع علمه بتزويرها بأن قدمهما
للمختصين بالجمعية ...... لإعمال آثارهما والاحتجاج بصحة ما دون فيهما زوراً، وخاب
أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو أن الجهة المجني عليها اكتشفت مسلكه
وأوقفت إجراءات الصرف، وهو الأمر المعاقب عليه بالمواد 40، 41، 214 مكرراً من
قانون العقوبات على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: المتهم الثاني :أ- اشترك
بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فيما ارتكبه على النحو المبين
بالتهمتين محل الوصف أولاً بأن حرضه واتفق معه على ارتكابها وساعده بأن أمده
بالشيكات البنكية المزورة الثابت بها استحقاقه صرفها كمستفيد ذي صله بالجمعية
...... على خلاف الحقيقة فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذاك الاتفاق وتلك
المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات.
ب- سرق الأوراق المبينة وصفاً بالتحقيقات وهي دفتر الشيكات البنكية
الخاص .... بمسلسل بدء من ..... إلى ..... وذلك بأن غافل الموظفة المختصة بحفظه
بمقر الجمعية إبان إنهائه الإجراءات التأمينية الخاصة بسيارة زوجته واستله منها
وتحصل عليه خلسة وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثاً: المتهمون الثاني
والثالث والرابع: أ- ارتكبوا وآخر مجهول تزويراً في محرر لإحدى الشركات المساهمة
وهو الشيك البنكي رقم .... بقيمة مقدارها 43 ألف جنيه المسحوب على حساب الجمعية
...... لدى البنك ...... فرع ..... وذلك بأن أمد المتهم الرابع المتهم الثاني
والمجهول بيانات المتهم الثالث كمستفيد بهذا الشيك ومستحق لصرف قيمته على خلاف
الحقيقة فدونا تلك البيانات به وذيلاه بتوقيعين نسباها لصاحب التوقيع الأول
والثاني من مسئولي الجمعية وبأن قام المتهم الثالث بإثبات بياناته الشخصية بظهر
الشيك بما يتيح له صرف قيمته رغم عدم صحته استحقاقه واستعملوا المحرر المزور آنف
الذكر فيما زور من أجله مع علمهم بتزويره بأن دفع به المتهم الثاني إلى المتهم
الثالث بواسطة المتهم الرابع فتقدم به المتهم الثالث للمختص بالبنك ..... فرع
.... لإعمال آثاره والاحتجاج بصحة ما دون به زوراً فتمكن من صرف قيمته والاستيلاء
عليها واقتسامها والمتهمين الثاني والرابع على النحو المبين بالتحقيقات.
ب- توصلوا للاستيلاء على أموال مملوكة لـ....... والمودعة منها لدى
البنك .... فرع ..... بأن توصلوا للاستيلاء على مبلغ مالي مقداره ...... جنيه
قيمة الشيك البنكي موضوع تهمتهم محل الوصف السابق وكان ذلك بطريق الاحتيال لسلب
ثروة الغير، بأن اتخذوا بالشيك البنكي المذكور صفة غير صحيحة وهو استحقاق المستفيد
فيه لصرف قيمته وتقدموا به في شخص المتهم الثالث للمختصين بفرع البنك المذكور
وتمكنوا من صرفه والاستيلاء على قيمته بادية الذكر على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحالتهم إلى محكمة جنايات … لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر
الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمواد 40، 41، 45، 46، 113/1، 2، 118،
118/مكرراً، 119/ب، 119/ مكرراً أ، 214 مكرراً، 318، 336 من قانون العقوبات
حضورياً للأول والرابع وغيابياً للثاني والثالث بمعاقبة كل من .... و..... و.....
و..... بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات عما أسند إليهم وتغريم الأول 277 ألف جنيه
وألزمته برد مبلغ مماثل لقيمة الغرامة المقضي بها وأمرت بعزله من وظيفته لمدة
سنتين ومصادرة المحررات المزورة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه ..... في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
---------------
المحكمة
أولاً: الطعن المقدم من المحكوم عليه .......
:
حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه دانه بجرائم
الاستيلاء بغير حق على مال عام المرتبط بتزوير واستعمال محررات مزورة والشروع فيه،
قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن المحامي
الذي حضر معه أمام محكمة الجنايات غير مقبول للمرافعة أمامها، هذا إلى أن الحكم رد
بما لا يصلح على دفاعه القائم على أنه مصاب بمرض نفسي يؤثر فيما لو ثبت قيامه على
مسئوليته الجنائية، إلا أن الحكم أطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ مما يعيبه ويستوجب
نقضه.
وحيث إن الثابت من الحكم المطعون فيه ومحضر جلستي المحاكمة بتاريخ
.....و ....أنه حضر مع الطاعن الأستاذ/ ...... المحامي وهو الذي شهد المحاكمة
وقام بالدفاع عنه، ولما كان من المقرر وجوب حضور محام مع المتهم بجناية أمام محكمة
الجنايات يتولى الدفاع عنه، وكانت المادة 377 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي
بأن المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو أمام المحاكم الابتدائية
يكونون مختصين دون غيرهم بالمرافعة أمام محكمة الجنايات، وكان الثابت من كتاب
نقابة المحامين المرفق أن المحامي الذي قام بالدفاع عن الطاعن غير مقيد بجداول
المحامين، فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت باطلة بما يعيب الحكم ويوجب نقضه،
كما أنه لما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة بتاريخ .... أن المدافع عن الطاعن
دفع بعدم مسئوليته الجنائية عن الواقعة لإصابته بمرض نفسي. لما كان ذلك، وكان
الحكم قد عرض لدفاع الطاعن واطرحه في قوله: "وحيث إنه عن الدفع بالمرض النفسي
للمتهم الأول فقد جاء دفعاً مرسلاً بغير دليل ولا يعني عدم مسئوليته عن أفعاله ولم
يكن دفعاً جازماً ومن ثم ترفضه المحكمة". لما كان ذلك، وكان النص في المادة
62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض
النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على" لا يسأل جنائياً الشخص
الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار
أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً
عنه أو عن غير علم منه. ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة
من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة في
اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة". وهو نص مستحدث يتمثل في إضافة
الاضطراب النفسي للمتهم إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة
واعتبره سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية. أما إذا اقتصر أثره على الانتقاص من إدراك المتهم أو
اختياره يظل المتهم مسئولاً عن ارتكاب الجريمة، وان جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفاً
مخففاً يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التي توقع عليه، وإذ كان دفاع
المتهم بالمنازعة في مدى مسئوليته لإصابته بمرض نفسي أو عقلي ينال من إدراكه أو
شعوره، دفاع جوهري إذ يترتب على ثبوت إعفاء المتهم من المسئولية أو الانتقاص منها
وفق ما تضمنه النص سالف الذكر. لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن تقدير حالة
المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل
فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما تمسك به المتهم أن تجرى تحقيقاً في شأنه
بلوغاً كفاية الأمر فيه، ويجب عليها تعيين خبير للبت في هذه الحالة إثباتاً أو
نفياً، أو أن تطرح هذا الدفاع بما يسوغ. لما كان ذلك، وكان ما رد به الحكم على
دفاع الطاعن في هذا الشأن ــ على السياق المتقدم ــ لا يسوغ به اطراحه، إذ لا يصح
اطراحه بأنه مرسل لأن إبداءه يتضمن الدعوة إلى تحقيقه، كما لا يسوغ رفضه بأنه غير
جازم، مادام أنه قرع سمع المحكمة وظل على التمسك به حتى قفل باب المرافعة، كما أن
من الخطأ في القانون وصفه بأنه لا يعني عدم مسئوليته بعد أن رتب القانون على ثبوته
الأثر الذي بينه نص المادة 62. مما يصم الحكم ــ في الرد على هذا الدفاع ــ فضلًا
عن الفساد في الاستدلال بالخطأ في تطبيق القانون مما يوفر سبباً آخر لنقض الحكم.
لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم والإعادة، دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.
ثانياً: الطعن المقدم من المحكوم عليه .......
.
حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم
الاشتراك في تزوير محرر لإحدى شركات المساهمة واستعماله والنصب، قد شابه القصور في
التسبيب، ذلك أنه لم يبين وسيلة اشتراكه في التزوير ويورد الدليل عليه، مما يعيب
الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان من المقرر أنه وان كان الاشتراك في جرائم التزوير
يتم غالباً دون مظاهر خارجية وأعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، إلا
أنه يجب على المحكمة وهي تقرر حصوله أن تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ما يوفر
اعتقاداً سائغاً بذلك تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم
قد دان الطاعن بتهمة الاشتراك في التزوير لم يستظهر في حقه قيام أية صورة من صور
الاشتراك المنصوص عليها في المادة 40 من قانون العقوبات، وعناصر هذا الاشتراك ولم
يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها من واقع الدعوى وظروفها
ولا يكفي في هذا الصدد أن يكون الطاعن هو الذي قدم المحرر المزور للمتهم الثالث
مادام الحاصل أن الحكم لم يقم الدليل على أن الطاعن قد اشترك في ارتكاب تزوير هذا
المحرر، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله مما يوجب نقضه والإعادة ــ
بالنسبة له ــ دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن، وبالبناء على كل ما تقدم، فإنه
يتعين نقض الحكم المطعون فيه ــ بالنسبة له ــ والإعادة بالنسبة للطاعنين.