وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن هيئة قناة السويس أقامت الدعوى 699 لسنة 1986 مدني كلي الإسماعيلية على كل من وزارة الدفاع وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة ومحافظة الإسماعيلية, وآخرين بطلب الحكم بصفة مستعجلة بعدم نفاذ عقد البيع المشهر برقم 793 لسنة 1986 توثيق الإسماعيلية في حقها, وفي الموضوع برد وبطلان العقد واعتباره كأن لم يكن, وتثبيت ملكية الهيئة لقطعة الأرض المبيعة بمقتضاه, مع إلزام المدعى عليهم متضامنين بأن يؤدوا إليها مبلغ مليون جنيه تعويضاً عما أصابها من أضرار مادية وأدبية. وقالت شرحاً لدعواها إن قطعة الأرض موضوع النزاع تندرج في ممتلكاتها وأن القوات المسلحة استولت عليها بزعم أنها مملوكة لها, ثم قام جهاز المشروعات المشار إليه ببيعها لمحافظة الإسماعيلية بالعقد المشهر سالف الذكر فأصدر محافظها قرارا بإزالة ما قال إنه وقع عليها من تعديات, ومن ثم كانت الدعوى. ومحكمة أول درجة حكمت بعدم اختصاصها بنظر الطلب المستعجل, وفي الطلب الموضوعي برد وبطلان العقد, وباعتباره كأن لم يكن، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف الطرفان الحكم بالاستئنافين رقمي 542 لسنة 16 ق, 10 لسنة 17 ق الإسماعيلية. وبتاريخ 27/12/1992 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما. طعن كل من وزير الدفاع, ومحافظة الإسماعيلية في هذا الحكم بالطعن رقم 906 لسنة 63 ق, وطعن فيه جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة بالطعن رقم 909 لسنة 63 ق. دفعت هيئة قناة السويس بعدم جواز الطعن الأول, وبعدم قبول الطعن الثاني لرفعه من غير ذي صفة وأودعت النيابة مذكرة ارتأت فيها عدم قبول الطعن الثاني شكلاً لرفعه من غير ذي صفة, ورفض الدفع بعدم جواز الطعن الأول, وقبوله شكلاً, ورفضه موضوعاً. وعرض الطعنان على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - فحددت جلسة لنظرهما, وفيها التزمت النيابة رأيها.
أولاً: الطعن رقم 909 لسنة 63 ق
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من الهيئة المطعون ضدها بعدم قبول هذا الطعن للتقرير به من غير ذي صفة أن المحامي الذي باشر الإجراءات أمام محكمة النقض من المحامين أصحاب المكاتب الخاصة, وأنه أقام الطعن بتوكيل صادر من رئيس مجلس إدارة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة دون تفويض من المجلس بالمخالفة للمادتين الأولى والثالثة من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة, ولنص المادة السادسة من القانون رقم 10 لسنة 1986 الخاص بهيئة قضايا الدولة.
وحيث إن هذا الدفع سديد, ذلك أن المادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها تنص على أن "تتولى الإدارة القانونية في الجهة المنشأة ممارسة الاختصاصات التالية: أولاً: المرافعة ومباشرة الدعاوى والمنازعات أمام المحاكم وهيئات التحكيم ..." كما تنص المادة الثالثة منه على أن "يجوز لمجلس إدارة الهيئة العامة أو المؤسسة العامة أو الوحدة التابعة لها - بناء على اقتراح إدارتها القانونية - التعاقد مع مكاتب المحامين الخاصة لمباشرة بعض الدعاوى والمنازعات بسبب أهميتها" ومؤدى هذين النصين أن الأصل هو أن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة أو الهيئات العامة أو الوحدات التابعة لها هي صاحبة الصفة في مباشرة الدعاوى والمنازعات الخاصة بهذه الجهات, أمام المحاكم باختلاف أنواعها ودرجاتها, واستثناء من هذا الأصل أجاز المشرع لمجلس الإدارة أن يصدر تفويضاً بالتعاقد مع أي من المحامين من غير تلك الإدارات لمباشرة بعض هذه القضايا لما لها من أهمية خاصة, ويلزم في هذه الحالة أن يصدر التفويض من المجلس نفسه وليس من رئيسه إلا إذا كان مفوضاً من المجلس في إصداره. كذلك فإن النص في المادة السادسة من القانون رقم 75 سنة 1963 في شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986 على أن "تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أوعليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها, ولدى الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصاً قضائياً ..." يدل على أن هذه النيابة القانونية مقصورة على الهيئة دون غيرها, لما كان ذلك, وكان البين من قرار رئيس الجمهورية رقم 531 لسنة 1981 بشأن قواعد التصرف في الأراضي والعقارات التي تخليها القوات المسلحة وتخصيص عائدها لإنشاء مدن ومناطق عسكرية بديلة المعدل بالقرارين رقمي 223, 224 لسنة 1982 قد نص في مادته الأولى على أن "ينشأ بوزارة الدفاع جهاز باسم جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة, تكون له الشخصية الاعتبارية, يختص ببيع الأراضي والعقارات المملوكة للدولة التي تخليها القوات المسلحة والتي يصدر بتحديدها وبيان مواقعها وتاريخ إخلائها قرار من وزير الدفاع, كما يتولى تجهيز وإعداد مدن ومناطق عسكرية بديلة للمناطق التي تم إخلاؤها, ويصدر بتنظيمه وتحديد اختصاصاته الأخرى قرار من رئيس الجمهورية, ونص في مادته الثانية على أن "يكون التصرف في تلك الأراضي والعقارات بطريق المزاد العلني وفي الحدود والقواعد والشروط التي يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير الدفاع بالاتفاق مع وزارة المالية, ويجوز بقرار من رئيس مجلس إدارة الجهاز، ووفقاً للقواعد التي يضعها أن يكون للوزارات والمصالح الحكومية ووحدات الحكم المحلي والهيئات العامة التي تباشر نشاطاً اقتصادياً, أولوية شراء الأراضي والعقارات المعروضة للبيع بالسعر الذي يحدده متى كان القصد من ذلك تحقيق مصلحة قومية". وفي مادته الرابعة على أن "تبلغ قرارات مجلس الإدارة إلى وزير الدفاع لاعتمادها" مما مفاده أن الجهاز المشار إليه جهاز إداري له شخصية اعتبارية مستقلة أنشأته الدولة لتباشر عن طريقه بعض فروع نشاطها العام, واتبعت في إداراته أساليب القانون العام, وتمتعت في ممارستها لسلطتها من خلاله بقسط من حقوق السلطة العامة بالقدر اللازم لتحقيق أغراضه, فإنه يعتبر شخصاً من أشخاص القانون العام ولا يندرج ضمن الأشخاص الاعتبارية الخاصة, فإذا صح القول بأنه هيئة عامة - أخذاً بما جاء في ديباجة كل من القرارين الجمهوريين رقمي 223, 224 لسنة 1982 سالف الذكر - فإن الإدارة القانونية به تكون - كأصل عام - هي صاحبة الصفة في رفع الطعن المقام منه ما لم يصدر من مجلس إدارة الجهاز - وليس من رئيس مجلس الإدارة منفرداً - تفويض بالتعاقد في هذا الشأن مع أي من المحامين أصحاب المكاتب الخاصة, وإذ اعتبر شخصاً من الأشخاص الاعتبارية العامة, فإن هيئة قضايا الدولة تكون هي النائبة عنه عملاً بالمادة السادسة من القانون 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون 10 لسنة 1986. لما كان ذلك, وكان الثابت من صحيفة الطعن أنها موقعة من الأستاذ ..... المحامي صاحب المكتب الخاص بصفته وكيلاً عن الأستاذ ......المحامي الموكل من رئيس الجهاز الطاعن بالتوكيل رقم 285 لسنة 1988 توثيق الوايلي, وأنه لم يقدم - حتى تاريخ حجز الطعن للحكم - تفويضاً من مجلس إدارة الجهاز يجيز له رفع الطعن, فإنه سواء اعتبر الجهاز هيئة عامة أو شخصاً اعتبارياً عاماً, فإن الطعن يكون غير مقبول للتقرير به من غير ذي صفة.
ثانياً: الطعن رقم 906 لسنة 63 ق
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من الهيئة المطعون ضدها بعدم جواز هذا الطعن أن الحكم المطعون فيه لم يلزم الطاعنة الأولى - وزارة الدفاع- بشيء، ومن ثم ينتفي حقها في الطعن طبقاً للمادة 211 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي في غير محله, ذلك أن الطاعن يستمد حقه في الطعن من مركزه الإجرائي الذي ينشأ بصدور الحكم المطعون فيه غير محقق لمقصوده ولا متفق مع ما يدعيه, وهو ما يتحقق إما بالقضاء بشيء لخصمه عليه, وإما برفض طلباته كلها أو بعضها أي بتحميله التزاماً, أو بالإبقاء على التزام يريد هو التحلل منه بحيث يكون في حاجة إلى حماية قضائية تتمثل في إلغاء حكم يرى أنه فصل في مسألة قانونية فصلاً ضاراً به. لما كان ذلك وكان الثابت في الأوراق أن هيئة قناة السويس اختصمت وزارة الدفاع - الطاعنة الأولى في هذا الطعن - بدعوى أنها استولت دون حق على قطعة الأرض المبيعة بالعقد المشهر برقم 793 لسنة 1986 توثيق الإسماعيلية حالة كون هذه الأرض مملوكة للهيئة, فإن القضاء بتثبيت ملكية الأخيرة لها, وعدم تخلي الوزارة عن منازعتها في الملكية حتى صدور الحكم المطعون فيه تتوافر به مصلحتها في الطعن لصدور الحكم غير محقق لمقصودها, ولا متسق مع ما تدعيه, ومن ثم فإن الدفع يكون على غير أساس حقيقاً بالرفض.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسببين الأول والثالث وبالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال, وفي بيان ذلك يقولان إنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بأن هيئة قناة السويس لم تكن تملك سوى حق الانتفاع بقطعة الأرض موضوع النزاع, ذلك أن فرماني الامتياز الصادرين في 30/11/1854, 5/1/1856 لم يمنحا الهيئة سوى حق الانتفاع بالأرض بلا ضريبة أو إتاوة، والقانون رقم 125 لسنة 1963 في شأن تعديل حدود مرفق قناة السويس لم ينشئ للهيئة حقاً في تملك ما لم يكن داخلاً في أملاكها, كما دفعا بأن ذلك الحق سقط بالتقادم, لأن الهيئة لم تستعمله, إذ الثابت من تقرير الخبير المندوب في الدعوى أن الأرض كانت في وضع يد القوات البريطانية منذ عام 1936 ثم آلت إلى القوات المسلحة المصرية منذ عام 1954, وإذ استمرت الحيازتان مدة تزيد على خمسة عشر عاماً, فإن القوات المسلحة تكون قد كسبت الملكية بالتقادم الطويل قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 147 لسنة 1957, وإذ واجه الحكم هذا الدفاع الجوهري برد يدل على الخلط بين حق الانتفاع وحق الملكية مع أن أولهما متفرع من الثاني وبأن قضاءه بثبوت ملكية الهيئة المطعون ضدها يتضمن الرد على الدفع بسقوط الحق في الانتفاع, فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد, ذلك أن القانون رقم 125 لسنة 1963 في شأن تعديل حدود مرفق قناة السويس نص في المادة الثانية منه على أن "تظل هيئة قناة السويس" محتفظة بملكية الأراضي الملونة باللون البني, سواء كانت فضاء أو مقاماً عليها منشآت كما هو محدد على الخرائط المرافقة لهذا القانون" كما نص في المادة الثالثة على أن "تؤول إلى هيئة قناة السويس الأراضي والمناطق الملونة باللون الأحمر والمحددة على الخرائط المرافقة والمشار إليها في الملحق رقم (2) لهذا القانون" ومن ثم فإنه يكون قد أقر ملكية سابقة للهيئة بالنسبة للأراضي الملونة باللون البني, وأنشأ لها ملكية جديدة بالنسبة للأراضي والمناطق الملونة باللون الأحمر. لما كان ذلك وكان الخبير المندوب في الدعوى قد خلص في تقريره الذي أخذ به الحكم المطعون فيه إلى أن قطعة الأرض موضوع النزاع تقع داخل حدود الأراضي الملونة باللون البني فإن ما يثيره الطاعنان من أن الهيئة ليست مالكة لتلك الأراضي، يكون على غير أساس. ولا يغير من ذلك ما جرى به دفاع الطاعن الأول أمام محكمة الاستئناف من أن القوات المسلحة تملكت الأراضي بالتقادم المكسب الطويل تأسيساً على ما هو ثابت في الأوراق من أنها كانت في حيازة القوات البريطانية منذ عام 1936 حيث أقامت عليها معسكراً للذخيرة, ثم آلت إلى القوات المسلحة المصرية بعد اتفاقية الجلاء في 1954 وقبل العمل بأحكام القانون رقم 147 لسنة 1957 فإنه دفاع ظاهر الفساد, ذلك أن احتلال المستعمر للأرض التي تبسط الدولة سيادتها عليها ليس إلا تعدياً على هذه السيادة يتم بالقوة أو التهديد ويبقى محتفظاً بصفته هذه إلى أن تنتصف الدولة لنفسها فتزيله بما تملكه من طرق سيادية أو دفاعية, ومن ثم لا تكتسب به الملكية مهما طالت مدته. وإذ ساير الحكم المطعون فيه هذا النظر بما أقام عليه قضاءه من أن "حق هيئة قناة السويس حق ملكية وليس حق انتفاع عملاً بالمادة الثانية من القانون رقم 125 سنة 1963, وأن حيازة القوات المسلحة لقطعة الأرض موضوع النزاع منذ اتفاقية الجلاء في سنة 1954 وحتى صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 لا تتجاوز ثلاث سنوات مما يعني أن مدة التقادم لم تكن قد اكتملت قبل صدور هذا القانون الذي حظر تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة, وكذلك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات أو الهيئات العامة وشركات القطاع العام غير التابعة لأيهما أو كسب أي حق عيني بالتقادم" فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً, ويكون النعي عليه بما سلف ذكره من أسباب للطعن غير سديد.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون, وفي بيان ذلك يقولان إن القضاء برد وبطلان عقد البيع موضوع النزاع على سند من أن قطعة الأرض المبيعة بمقتضاه مملوكة للهيئة المطعون ضدها, ينطوي على تعرض بالإلغاء للقرار الإداري رقم 687 لسنة 1986 الصادر من الطاعن الثاني - محافظ الإسماعيلية - بإزالة التعديات على تلك الأرض, وهو أمر ممتنع على جهة القضاء العادي طبقاً للمادة 17 من قانون السلطة القضائية, ومن ثم فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله, ذلك أنه وإن كان يمتنع على المحاكم المدنية بنص المادة 17 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار الجمهوري بالقانون رقم 46 لسنة 1972 أن تؤول الأمر الإداري, أو توقف تنفيذه, إلا أن واجبها يقتضيها أن تتحقق من قيام هذا الأمر, وأن تضفي عليه وصفه القانوني الصحيح على هدي من حكمة التشريع, ومبدأ الفصل بين السلطات, وحماية الحقوق كافة, وذلك توصلاً إلى تحديد اختصاصها الولائي. لما كان ذلك وكان البين من قرار محافظ الإسماعيلية رقم 687 لسنة 1986 المشار إليه أنه لا يعدو أن يكون أمراً صادراً من المحافظ إلى مرؤسيه بإزالة كافة التعديات الواقعة على قطعة الأرض المبيعة للمحافظة بالعقد المسجل برقم .... لسنة .... توثيق الإسماعيلية فإنه بهذه المثابة لا يتمخض عن قرار إداري فردي يستهدف إحداث مركز قانوني معين تحقيقاً لمصلحة عامة, ولا يتمتع بالحصانة القانونية أمام المحاكم المدنية, ومن ثم فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
ولما تقدم فإنه يتعين رفض الطعن.