جلسة 4 من يناير سنة 1988
برئاسة السيد المستشار/
صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم البنا
ومسعد الساعي نائبي رئيس المحكمة والصاوي يوسف وعادل عبد الحميد.
---------
(4)
الطعن رقم 4578 لسنة 57
القضائية
(1)إجراءات
"إجراءات المحاكمة" "شفوية المرافعة". دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما يوفره". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب
معيب". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
وجوب بناء الحكم الجنائي
على المرافعة التي تحصل أمام القاضي نفسه الذي يصدر الحكم والتحقيق الشفوي الذي
يجريه بنفسه. علة ذلك؟
التعويل على أقوال الشهود
الذين سمعتهم هيئة أخرى دون الاستجابة لطلب سماعهم أمام الهيئة التي أصدرت الحكم
وبغير بيان سبب رفض سماعهم. إخلال بحق الدفاع.
(2) إجراءات "إجراءات
المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره" إثبات "بوجه
عام" "شهود".
الأصل سماع الشاهد. علة
ذلك؟
(3)إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع
"الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
نزول المتهم عن طلب سماع
الشهود لا يسلب حقه في العدول عن هذا النزول ويتمسك بتحقيق ما يطلب. ما دامت
المرافعة دائرة. أساس ذلك؟
(4)نقض "الطعن للمرة الثانية" "نظره والحكم فيه".
نقض الحكم للمرة الثانية.
أثره: وجوب الفصل في موضوع الدعوى.
-----------
1 - الأصل في الأحكام
الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام نفس القاضي الذي أصدر الحكم وعلى
التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه، إذ أساس المحاكمة الجنائية هو حرية القاضي في
تكوين عقيدته من التحقيق الذي يجريه بنفسه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً،
مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي،
ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها مما ينبني عليه أن على
المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشهادة من فم الشاهد ما دام سماعه ممكناً
ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً لأن التفرس في حالة
الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ومراوغاته، أو اضطرابه وغير ذلك مما يعين القاضي
على تقدير أقواله حق قدرها. وكان لا يجوز للمحكمة الافتئات على هذا الأصل المقرر
بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة
لأية علة مهما كانت إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو
المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، بحيث إذا لم تفعل على الرغم من تمسك المدافع عن
الطاعن بسماع شهود الإثبات ورفضت هذا الطلب واعتمدت في حكمها على التحقيقات التي
جريت في جلسة سابقة بمعرفة هيئة أخرى - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن
الحكم يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع.
2 - إن القانون يوجب سؤال
الشاهد أولاً، وبعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته، وذلك لاحتمال أن
تجيء الشهادة التي تسمعها أو يتاح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها
وجه الرأي في الدعوى.
3 - من المقرر أن حق
الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخول له إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب
المرافعة لا زال مفتوحاً، فنزول الطاعن عن طلب سماع الشهود لا يسلبه حقه في العدول
عن ذلك النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة دائرة.
4 - لما كان الطعن مقدم
من الطاعن للمرة الثانية وانتهت المحكمة إلى نقضه وجب تحديد جلسة لنظر الموضوع
عملاً بالمادة 45 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون
رقم 57 لسنة 1959.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن - وآخر - بأنه حاز جوهراً مخدراً "حشيش" بغير قصد الإتجار أو
التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى
محكمة جنايات الجيزة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1، 2، 3/ 1، 37/ 1، 38، 42/ 1 من القانون
رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم 57 من الجدول رقم
واحد الملحق بالقانون الأول بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريمه ثلاثة
آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليه في هذا
الحكم بطريق النقض (قيد بجدولها برقم.....) ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً
وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الجيزة لتفصل
فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين. ومحكمة الإعادة - بهيئة أخرى - قضت حضورياً
عملاً بالمواد 1، 2، 3/ 1، 37/ 1، 38، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل
بالقانون 40 لسنة 1966 والبند 57 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول. بمعاقبة
المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه ألف جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا
الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية).... إلخ.
المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعن
على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة حيازة جوهر مخدر بغير قصد الإتجار أو
التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه فساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق
الدفاع، ذلك بأن المدافع عنه اختتم مرافعته طالباً سماع أقوال شهود الإثبات، غير
أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه وأطرحته بما لا يسوغ إطراحه مما يعيب الحكم ويستوجب
نقضه.
وحيث إنه يبين من محاضر
جلسات المحاكمة أن محكمة الموضوع - بالهيئة التي أصدرت الحكم المنقوض - قد سمعت
شهود الإثبات. إلا أنه إذا أعيدت المحاكمة فإن دفاع الطاعن وإن اكتفى - في مستهل
جلسة..... أمام الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. بتلاوة أقوال شهود الإثبات،
بيد أنه عاد فاختتم مرافعته طالباً سماعهم فقررت المحكمة بذات الجلسة - حجز الدعوى
للحكم وقضت فيها وأوردت في حكمها - رداً على الطلب المار ذكره قولها "أما عن
طلب مناقشة شهود الإثبات فبصرف النظر عن أن الدفاع تنازل عنهم اكتفاء بتلاوة
أقوالهم حسبما هو ثابت من محضر جلسة..... فإن شهادتهم لا تتنازل واقعة الدعوى
وإنما دورهم قاصر على الحفاظ على الأمن وعلاوة على ما تقدم فإن المحكمة لا تركن
إلى أقوالهم وشهادتهم في القول بثبوت التهمة في حق المتهم الأول - الطاعن - وإنما
تكتفي بشهادة الثلاثة الأول وهذا من إطلاقات محكمة الموضوع التي لها أن تستمد
قناعتها من بعض شهود الدعوى دون البعض الآخر ومن بعض شهادة الشاهد دون بعضها الآخر
وعليه فإن المحكمة ترى أن عروج الدفاع في ختام مرافعته على طلب سماع شهود الإثبات
ومناقشتهم رغم سبق مناقشتهم بمعرفة المحكمة - بهيئة سابقة - نوع من إطالة أمد
الدعوى دون مسوغ معقول من حيث القانون أو الموضوع" لما كان ذلك، وكان الأصل
في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام نفس القاضي الذي أصدر
الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه، إذ أساس المحاكمة الجنائية هو حرية
القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الذي يجريه بنفسه ويسمع فيه الشهود ما دام
سماعهم ممكناً، مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد
أو لا توحي، ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها مما ينبني
عليه أن على المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشهادة من فم الشاهد ما دام
سماعه ممكناً ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً لأن التفرس
في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ومراوغاته، أو اضطرابه وغير ذلك مما يعين
القاضي على تقدير أقواله حق قدرها. وكان لا يجوز للمحكمة الافتئات على هذا الأصل
المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية والذي افترضه الشارع في قواعد
المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل
المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، بحيث إذا لم تفعل على الرغم من تمسك
المدافع عن الطاعن بسماع شهود الإثبات - ورفضت هذا الطلب واعتمدت في حكمها على
التحقيقات التي جريت في جلسة سابقة بمعرفة هيئة أخرى - كما هو الحال في الدعوى
المطروحة - فإن الحكم يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع، ولا يرفع هذا العوار ما
أورده الحكم المطعون فيه رداً على طلب الطاعن، ذلك أن القانون يوجب سؤال الشاهد
أولاً، وبعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته، وذلك لاحتمال أن تجيء
الشهادة التي تسمعها أو يتاح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه
الرأي في الدعوى، ومن حقها بعد ذلك أن تعتمد على الأقوال والشهادات التي أبديت في
محاضر الجلسات أمام هيئة أخرى أو التحقيقات الابتدائية أو في محاضر جمع
الاستدلالات باعتبارها من عناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث هذا إلى أنه من
المقرر أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخول له إبداء ما يعن له من طلبات
التحقيق ما دام باب المرافعة لا زال مفتوحاً، فنزول الطاعن عن طلب سماع الشهود لا
يسلبه حقه في العدول عن ذلك النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة
دائرة. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع لم تلتزم هذا النظر فإن حكمها يكون
مشوباً بالإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه بغير حاجه لبحث باقي أوجه الطعن مع
تحديد جلسة لنظر الموضوع طالما أن الطعن مقدم من الطاعن للمرة الثانية عملاً
بالمادة 45 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم
57 لسنة 1959.