جلسة 18 من نوفمبر سنة 2020
برئاسة السيد القاضي / أبو بكر البسيوني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / مجدي عبد الرازق ، إبراهيم عوض ولقمان الأحول نواب رئيس المحكمة ووليد العزازي .
------------------
(105)
الطعن رقم 72 لسنة 88 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وإيراده على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة تؤدي لما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها . المادة 310 إجراءات جنائية .
(2) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
العبرة في المحاكمة الجنائية باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه . مطالبته الأخذ بدليل معين . غير جائز . ما لم يقيده القانون بذلك .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها . كفاية أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(3) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً .
عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض التفاصيل . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
مثال .
(4) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
النعي على الحكم بشأن أقوال المجني عليه . غير مقبول . ما دام لم يعول عليها في الإدانة .
(5) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . دفوع " الدفع بعدم جدية التحريات " .
للمحكمة أن تعول على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة . عدم إفصاح مأمور الضبط عن مصدرها أو وسيلته فيها أو التراخي في إجرائها وتقديمها . لا يعيبها . اطمئنانها لصحتها . كفايته للرد على الدفع بعدم جديتها .
(6) دفوع " الدفع بتلفيق التهمة " " الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة " " الدفع بعدم الوجود على مسرح الجريمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إثبات " أوراق رسمية ".
الدفع بتلفيق الاتهام أو كيديته وبعدم معقولية الواقعة وبعدم التواجد على مسرح الجريمة . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادته من القضاء بالإدانة استنادًا لأدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية . قضاؤها بالإدانة استناداً لأدلة الثبوت التي أوردتها . مفاده : اطراحها .
(7) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع ببطلان الاعتراف في عبارة مرسلة . غير جدي . التفات الحكم عنه . لا يعيبه .
(8) محكمة الجنايات " اختصاصها " . طفل .
خلو مدونات الحكم مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن الأول . أثره : عدم قبول نعيه الذي لم يثر أمام محكمة الموضوع أنه كان طفلاً وقت مقارفته للجريمة .
إعادة النظر في الحكم لكون الطاعن طفلاً وقت ارتكاب الجريمة . بطلب من النيابة العامة للمحكمة مصدرته وفقاً للفقرة الثانية من المادة 133 من القانون 12 لسنة 1996 بشأن الطفل . خلو الأوراق مما يفيد تقديمه . أثره ؟
(9) نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " " الدفع بعدم جدية التحريات " .
إثارة أساس جديد للدفع ببطلان القبض والتحريات كون مجريهما ليس من مأموري الضبط القضائي وبطلان تحقيقات النيابة لإجرائها بمعرفة عضو تقل درجته عن رئيس نيابة لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائز .
(10) محاماة . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
تولي محامٍ واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جريمة واحدة . جائز . حد ذلك ؟
حضور محاميين عن الطاعنين وطلبهما براءتهما . اعتبارهما حاضران عنهما معاً . إغفال ذلك بمحضر الجلسة . لا عيب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها ، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإيرادها لمضمونها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلمامًا شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافيًا في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققًا لحكم القانون - كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية - ومن ثم ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثار في هذا الصدد في غير محله .
2- لما كانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه ، فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح اليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة ، دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها - كوحدة - مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن كل ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن وقولهما بعدم كفاية أو صلاحية ما تساند إليه الحكم من أدلة لإدانتهما وما ساقاه من شواهد للتدليل على ذلك - على نحو ما ذهبا إليه بأسباب طعنهما - لا يعدو أن يكون في مجمله محض جدل موضوعي في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها ، مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض .
3- من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له إيراداً ورداً ، وكان الطاعنان لم يكشفا بأسباب الطعن عن أوجه التناقض بين أقوال شاهدي الإثبات واعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات والتضارب فيها بل ساق قوله مرسلاً مجهلاً ، فضلاً عما هو مقرر أنه لا يقدح في سلامة الحكم أو يعيبه عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها أو اختلاف اعتراف الطاعن الأول مع أقوال شاهدي الإثبات في تفصيلات معينة ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض أو خلاف فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته ، إذ أن عدم إيراد الحكم لها يفيد اطراحها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة – فإنه لا يكون محل للنعي على الحكم في هذا المقام .
4- لما كان لا جدوى من النعي على الحكم بأن ما حصله من أقوال شاهدي الإثبات أو اعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات لا يتفق وما قرره المجنى عليه الذى تعددت رواياته واختلفت أقواله ، ما دام البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات واعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات وتقرير قسم الأدلة الجنائية دون أن يعول على أقوال المجني عليه ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يضحى غير مقبول .
5- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، ولا ينال من صحتها التراخي في إجرائها وتقديمها ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحتها وجديتها ، وهو ما يعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعنان في هذا الخصوص ، فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون له محل .
6- من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام أو كيديته وبعدم معقولية الواقعة وبعدم تواجد الطاعن الثاني على مسرح الجريمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان يكون ولا محل له . وكذلك لا محل لما يثيره الطاعن الثاني من التفات المحكمة عما حوته المستندات المقدمة منه ، إذ لها ألا تأخذ بدليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، وفي قضائها بالإدانة استنادًا إلى أدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى تلك المستندات التي قدمها فاطرحتها ، مما يكون معه النعي في هذا الصدد غير سديد .
7- لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين وإن كان قد دفع ببطلان اعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات لصدوره وليد إكراه مادي ومعنوي ، بيد أن قوله في هذا جاء مرسلاً غير مدلول عليه بأية شواهد ، مما لا يحمل على الدفع الجدى بما تلتزم المحكمة بالرد عليه ، فلا على الحكم إن تغاضى عنه ولم يعره التفاتاً .
8- لما كان ما أثاره الطاعن الأول - بأسباب الطعن - من أنه كان طفلاً وقت وقوع الجريمة مردود بأنه ولئن كان الدفع بالحداثة مما يتصل بالولاية ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولها أن تقضى هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقًا للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي . لما كان ذلك ، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن الأول ، وليس فيها أيضاً ولا في أوراق الطعن الماثل ما يظاهر ادعاء هذا الأخير بأنه كان طفلاً وقت مقارفته الجريمة ، ولم يثر ذلك أمام محكمة الموضوع ، ومن ثم يضحى ما أثاره في هذا الخصوص غير مقبول . هذا إلى أن البين من مراجعة ملف الطعن أنه انصب على الحكم المطعون فيه وأن النيابة العامة لم تتقدم بطلب إلى المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم لإعادة النظر فيه لكونه طفلاً وقت ارتكاب الجريمة - وهو ما لا يمارى فيه الطاعن الأول – ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص – بفرض صحته - يكون غير جائز ، ولا سبيل أمام الطاعن الأول في هذا الأمر سوى اللجوء للنيابة العامة لاتباع ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 133 من القانون رقم 12 لسنة 1996 في شأن الطفل لإعادة النظر في الحكم المطعون فيه ، ولا يحول ذلك استنفاد طريق الطعن بالنقض .
9- لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يدفعا ببطلان القبض على الطاعن الأول لحصوله من آحاد الناس أو ببطلان التحريات على الأساس الذى يتحدثا عنه في وجه طعنهما كون مجريها ليس من مأموري الضبط القضائي لعدم نشر القرار رقم 445 لسنة 2011 الخاص بإنشاء جهاز الأمن الوطني أو ببطلان تحقيقات النيابة العامة لإجرائها بمعرفة عضو نيابة بدرجة تقل عن رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادة 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، فإنه لا يجوز لهما إثارة هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض .
10- لما كان الطاعنان لا يدعيا - في أسباب طعنهما - بتعارض مصلحة أياً منهما مع مصلحة الآخر ، وليس في مدونات الحكم ما يومئ إلى هذا التعارض، وكان القانون لا يمنع من أن يتولى محامٍ واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جريمة واحدة ما دامت ظروف الواقعة على نحو ما استخلصه الحكم - وكما هو الحال في الدعوى المطروحة - لا يؤدي إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم ، وإذ كان الثابت من محضري جلسة المحاكمة أن المحاميين الذين ترافعا في الدعوى قد تناولا أوجه الدفاع التي عنت لهما عن الطاعنين ، وطلب كلاً منهما في ختام مرافعته القضاء ببراءتهما ، فإنهما يكونا قد حضرا عنهما معاً ، ولا تثريب من بعد إن سقط من محضر الجلسة إثبات ذلك ، بما يضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا محل له .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائـع
اتهمت النيابة العامة كل من 1- .... " طاعن " 2- .... " طاعن " 3- .... بأنهم :
المتهمان الأول والثاني :
- وضعا النار عمداً في العقار المسكون المملوك للمجني عليه / .... ، بأن ألقى الأول داخله قذائف من زجاجات البنزين أعدهما ، فاشتعلت فيه النيران وأحدثت به التلفيات المبينة بالأوراق .
المتهم الثالث :
1- تولى زعامة عصابة وقاد أعضائها وأمدهم بمعونات مادية ومالية للقيام بالجريمة محل الاتهام الأول .
2- اشترك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهمين الأول والثاني على ارتكاب الجريمة محل الاتهام الأول وأمدهما بالمال اللازم لارتكابها ، فوقعت الجريمة بناءً على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة ونفاذاً لغرض إرهابي هو إيذاء المجنى عليه / .... .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثاني وغيابياً للثالث عملاً بالمواد 40/ ثانياً ، ثالثاً ، 86 ، 86 مكرراً/3،2 ، 252/1 من قانون العقوبات ، مع إعمال نص المادة 32 من ذات القانون ، بمعاقبتهم بالسجن لمدة سبع سنوات عما أسند إليهم وألزمتهم المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعنين ينعيان - بأسباب طعنهم الثلاث - على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة وضع النار عمداً في مكان مسكون ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دانهما بها والظروف التي وقعت فيها ومؤدى أدلة الإدانة ، ولم يحط بعناصر الدعوى عن بصر وبصيرة ، كما أن الأدلة التي تساند إليها لا تفيد بذاتها مقارفتهما لما أسند إليهما لخلو الأوراق من دليل يقيني قبلهما ، وتناقض أقوال شاهدي الإثبات فيما بينها ومع اعتراف الطاعن الأول وأقوال المجني عليه التي اختلفت بمراحل الدعوى المختلفة ، وتعددت رواياته ، وبنى قضاءه أساساً على تحريات الشرطة رغم أنها لم تعزز بأدلة أو قرائن أخرى ، واطرح الدفع بعدم جديتها وكفايتها لعدم الإفصاح عن مصدرها ، والتراخي في إجرائها قرابة العامين ، وكذلك الدفع بكيدية الاتهام وتلفيقه بما لا يسيغ ، وأعرض عن دفاعهما بعدم معقولية الواقعة ، وعدم تواجد الطاعن الثاني على مسرح الجريمة مدللاً بمستندات تظاهره ، ودفوعهما ببطلان اعتراف الطاعن الأول لصدوره وليد إكراه مادى ومعنوي ، فضلاً عن أنه كان طفلاً وقت وقوع الجريمة ، وببطلان القبض عليه لحصوله من آحاد الناس ، وببطلان التحريات كون من أجراها ليس من مأموري الضبط القضائي لعدم نشر قرار إنشاء جهاز الأمن الوطني في الجريدة الرسمية ، كما جاءت تحقيقات النيابة العامة باطلة لإجرائها بمعرفة عضو نيابة بدرجة تقل عن رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادة 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ولم يتناولها بالرد، وأخيراً تولى الدفاع عنهما هيئة دفاع واحدة وقد خلا محضر الجلسة من إفراد محامٍ لكل منهما على حدة ، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها ، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإيرادها لمضمونها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بياناٌ لواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان مجموع ما أورده الحكم المطعون فيه كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون - كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية - ومن ثم ينحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثار في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناءً على الأدلة المطروحة عليه ، ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل بعينه ، فيما عدا الأحوال التي قيده القانون فيها بذلك ، فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح اليها دليلاً لحكمه ، ولا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة ، دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها - كوحدة - مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، ولا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات ، فإن كل ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن وقولهما بعدم كفاية أو صلاحية ما تساند إليه الحكم من أدلة لإدانتهما وما ساقاه من شواهد للتدليل على ذلك - على نحو ما ذهبوا إليه بأسباب طعنهما - لا يعدو أن يكون في مجمله محض جدل موضوعي في العناصر التي استنبطت منها محكمة الموضوع معتقدها ، مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمى إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة وكونه منتجاً مما تلتزم محكمة الموضوع بالتصدي له إيراداً ورداً ، وكان الطاعنان لم يكشفا بأسباب الطعن عن أوجه التناقض بين أقوال شاهدي الإثبات واعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات والتضارب فيها بل ساق قوله مرسلاً مجهلاً ، فضلاً عما هو مقرر أنه لا يقدح في سلامة الحكم أو يعيبه عدم اتفاق أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها أو اختلاف اعتراف الطاعن الأول مع أقوال شاهدي الإثبات في تفصيلات معينة ما دام الثابت أنه حصل أقوالهم بما لا تناقض أو خلاف فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته ، إذ إن عدم إيراد الحكم لها يفيد اطراحها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإنه لا يكون محل للنعي على الحكم في هذا المقام . لما كان ذلك ، وكان لا جدوى من النعي على الحكم بأن ما حصله من أقوال شاهدي الإثبات أو اعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات لا يتفق وما قرره المجنى عليه الذى تعددت رواياته واختلفت أقواله ، ما دام البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات واعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات وتقرير قسم الأدلة الجنائية دون أن يعول على أقوال المجنى عليه ، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يضحى غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية ، ولا يعيب تلك التحريات ألا يفصح مأمور الضبط القضائي عن مصدرها أو عن وسيلته في التحري ، ولا ينال من صحتها التراخي في إجرائها وتقديمها ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطرح الدفع بعدم جدية التحريات استناداً إلى اطمئنان المحكمة إلى صحتها وجديتها ، وهو ما يعد كافياً للرد على ما أثاره الطاعنان في هذا الخصوص ، فإن منعاهما في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام أو كيديته وبعدم معقولية الواقعة وبعدم تواجد الطاعن الثاني على مسرح الجريمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان يكون ولا محل له . وكذلك لا محل لما يثيره الطاعن الثاني من التفات المحكمة عما حوته المستندات المقدمة منه ، إذ لها ألا تأخذ بدليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ، وفي قضائها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى تلك المستندات التي قدمها فاطرحتها ، مما يكون معه النعي في هذا الصدد غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين وإن كان قد دفع ببطلان اعتراف الطاعن الأول بالتحقيقات لصدوره وليد إكراه مادي ومعنوي، بيد أن قوله في هذا جاء مرسلاً غير مدلول عليه بأية شواهد ، مما لا يحمل على الدفع الجدى بما تلتزم المحكمة بالرد عليه ، فلا على الحكم إن تغاضى عنه ولم يعره التفاتاً . لما كان ذلك ، وكان ما أثاره الطاعن الأول - بأسباب الطعن - من أنه كان طفلاً وقت وقوع الجريمة مردود بأنه ولئن كان الدفع بالحداثة مما يتصل بالولاية ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 إلا أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي . لما كان ذلك ، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات العادية قانوناً بمحاكمة الطاعن الأول ، وليس فيها أيضاً ولا في أوراق الطعن الماثل ما يظاهر ادعاء هذا الأخير بأنه كان طفلاً وقت مقارفته الجريمة ، ولم يثر ذلك أمام محكمة الموضوع ، ومن ثم يضحى ما أثاره في هذا الخصوص غير مقبول . هذا إلى أن البين من مراجعة ملف الطعن أنه انصب على الحكم المطعون فيه وأن النيابة العامة لم تتقدم بطلب إلى المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم لإعادة النظر فيه لكونه طفلاً وقت ارتكاب الجريمة - وهو ما لا يمارى فيه الطاعن الأول – ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص – بفرض صحته - يكون غير جائز ، ولا سبيل أمام الطاعن الأول في هذا الأمر سوى اللجوء للنيابة العامة لاتباع ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 133 من القانون رقم 12 لسنة 1996 في شأن الطفل لإعادة النظر في الحكم المطعون فيه ، ولا يحول ذلك استنفاد طريق الطعن بالنقض . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين لم يدفعا ببطلان القبض على الطاعن الأول لحصوله من آحاد الناس أو ببطلان التحريات على الأساس الذى يتحدثا عنه في وجه طعنهما كون مجريها ليس من مأموري الضبط القضائي لعدم نشر القرار رقم 445 لسنة 2011 الخاص بإنشاء جهاز الأمن الوطني أو ببطلان تحقيقات النيابة العامة لإجرائها بمعرفة عضو نيابة بدرجة تقل عن رئيس نيابة بالمخالفة لنص المادة 206 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، فإنه لا يجوز لهما إثارة هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الطاعنان لا يدعيا - في أسباب طعنهما - بتعارض مصلحة أياً منهما مع مصلحة الآخر ، وليس في مدونات الحكم ما يومئ إلى هذا التعارض، وكان القانون لا يمنع من أن يتولى محامٍ واحد واجب الدفاع عن متهمين متعددين في جريمة واحدة ما دامت ظروف الواقعة على نحو ما استخلصه الحكم - وكما هو الحال في الدعوى المطروحة - لا يؤدى إلى القول بقيام تعارض حقيقي بين مصالحهم ، وإذ كان الثابت من محضري جلسة المحاكمة أن المحاميين الذين ترافعا في الدعوى قد تناولا أوجه الدفاع التي عنت لهما عن الطاعنين ، وطلب كلاً منهما في ختام مرافعته القضاء ببراءتهما ، فإنهما يكونا قد حضرا عنهما معًا ، ولا تثريب من بعد إن سقط من محضر الجلسة إثبات ذلك ، بما يضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ولا محل له . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق