الدعوى رقم 7 لسنة 31 ق "دستورية" جلسة 2 / 3 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من مارس سنة 2019م،
الموافق الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو، ورجب عبد الحكيم سليم،
والدكتور حمدان حسن فهمى، وحاتم حمد بجاتو، والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق
عبد العليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 7 لسنة 31 قضائية
"دستورية".
المقامة من
نعمة بدر حسن
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب
4- عبد الرؤوف وجيد محمد
الإجراءات
بتاريخ الخامس عشر من يناير سنة 2009، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص المادة (119) من
قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير
الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها
بجلسة اليوم.
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق–
في أن المدعى عليه الرابع كان قد أقام الدعوى رقم 1983 لسنة 2006 مدني كلي، أمام
محكمة شمال الجيزة الابتدائية، ضد المدعية وابنيها، بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين
بأن يؤدوا إليه مبلغ ( 22700 ) جنيه، استنادًا إلى أنه سبق أن سلم المبلغ لهم في يناير
عام 2000، مقابل شراء أجهزة تكييف، ولم يحرر أي مستند يفيد ذلك، لسابقة التعامل التجاري
فيما بينهم، إلا أنهم لم ينفذوا التزاماتهم بتوريد التكييفات المتفق عليها، ورفضوا
رد المبلغ المشار إليـه، فحرر بذلك المحضر رقم 7451 لسنة 2001 إداري إمبابة،
وأنذرهم على يد محضر بسداد هذا المبلغ، دون جدوى، فأقام تلك الدعوى، وبجلسة
28/4/2007، قضت محكمة شمال الجيزة الابتدائية بإلزام المدعية وابنيها متضامنين،
بأن يؤدوا للمدعى عليه الرابع المبلغ المشار إليه، واستندت في ذلك إلى إقرار
المدعية ضمنًا بالدين لدى سؤالها بالمحضر رقم 7451 لسنة 2001 إداري إمبابة، ووعدها
بسداده للمدعى خلال أسبـوع، وأنهم لم يدفعوا الدعوى بأي دفاع. وإذ لم ترتض المدعية
وابناها هذا الحكم فقد طعنوا عليه بالاستئناف رقم 24825 لسنة 124 قضائية، أمام محكمة
استئناف القاهرة، التي ارتأت بجلسة 20/2/2008، أن الدعوى ليس بها دليل كامل، كما
أنها ليست خالية من أي دليل، وأنها تبعًا لذلك ترى - إعمالاً لنص المادة (119) من
قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية – توجيه اليمين المتممة إلى المدعى عليه
الرابع بالصيغة المبينة بمحضر الجلسة، وحددت جلسة 17/5/2008، لحضور المستـأنف ضده
( المدعى عليه الرابع) شخصيًا لحلف اليمين، فأدى اليمين التي حددتها المحكمة، إلا
أن المستأنفين ( المدعية وابنيها) قدموا مذكرة دفعوا فيها بعدم دستورية نص المادة
(119) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، فقررت المحكمة بجلسة
19/11/2008، إعادة الاستئناف للمرافعة بجلسة 17/1/2009، وصرحت للمستأنفين -
المدعية وابنيها - بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على ذلك النص، فأقامت المدعية
الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (119) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية
الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 تنص على أنه "للقاضي أن يوجه اليمين
المتممة من تلقاء نفسه إلى أي من الخصمين ليبني على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو
في قيمة ما يحكم به.
ويشترط في توجيه هذه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون
الدعوى خالية من أي دليل."
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها
- مناطهـا – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين
المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية
على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت محكمة
استئناف القاهرة قد أعملت النص المطعون فيه على وقائع الدعوى الموضوعية المشار
إليها، وقررت توجيه اليمين المتممة إلى المدعى عليه الرابع، بالصيغة التي ارتأتها،
فأداها، ومن ثم فإنه قد وُجد مجال لإعمال هذا النص على واقعات الدعوى الموضوعية،
وبالتالى تقوم للمدعية مصلحة شخصية مباشرة في الطعن عليه بعدم الدستورية.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص،
إذ أجاز للقاضي أن يتدخل لاصطناع دليل لأحد طرفي الخصومة ضد الأخر، حال أن المدعى
هو المكلف قانونًا بإثبات دعواه وفقًا للمادة (1) من قانون الإثبات في المواد
المدنية والتجارية، كما أنه يخل بمبدأ المساواة، إذ أتاح للقاضي إعلاء طرف في الخصومة
على الآخر، وهما في المركز القانوني ذاته، فضلاً عن مساسه بحق التقاضي الذي كفله
الدستور، ومن ثم فإنه يتعارض مع نصوص المواد (8 ، 40، 68) من دستور سنة 1971.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة الدستورية على
القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع
لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور
وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوصه تمثل القواعد والأصول التي يقوم
عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها
ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، لكونها أسمى القواعد الآمرة. وترتيبًا
على ذلك، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص التشريعي المطعون فيه - الذي
لايزال معمولاً به - في ضوء أحكام الدستور القائم الصادر عام 2014، التي تقابل
المواد (4، 9، 53، 97) منه المواد (8، 40، 68) من الدستور الصادر سنة 1971.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ
الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التى يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على
وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ
الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا
تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ –على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الفرص التي
كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان
عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء
قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها
تلك العلاقة المنطقية التى تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره
إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية،
وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع
المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامـة، دون تمييز بينهم
لأى سبب، إلا أن ذلـك لا يعنى –وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل
فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك
لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى
أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4 ، 53) المشار إليهما،
بما مؤداه: أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك
أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس
مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا
التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه
الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون
تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن من المقرر كذلك أن النصوص القانونية التى ينظم بها المشرع
موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر عن
فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس
مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره
أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أجاز للقاضي توجيه
اليمين المتممة، من تلقاء نفسه، إلى أي من الخصوم في الدعوى، ليقيم على ذلك حكمه
فيها، أو ليحدد قيمة ما يحكم به، بشرط ألا يكون في الدعوى دليل كامــل وألا تكون
خالية من أى دليل، وذلك انتهاجًا من المشرع المصري للمذهب المختلط في الإثبات
والذى يجعل للقاضي دورًا إيجابيًّا محدودًا لا توسع فيه في مجال توجيه الدعوى،
واستخلاص الحقائق من أدلتها القانونية، وصولاً إلى الحقيقة فيها، ابتغاء حكم عادل
في الأنزعة المثارة أمامه، وهو يمارس تلك السلطة بالنسبة لأى من الخصوم، ليستكمل
بها دليلاً ناقصًا في الدعـوى، حسبما يراه مجديًا في تحرى الحقيقة فيها، ويكون للقاضي
بعد توجيهها وأدائها سلطته في تقدير الأدلة في الدعوى، فهى لا تعتبر حجة ملزمة
للقاضى بل هى دليل تكميلي، يتعاضد مع غيره من الأدلة في الدعوى لتكوين عقيدة
المحكمة التى تفصل في النزاع. وإذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد جاء، على
النحو المتقدم بيانه، بقاعدة عامة مجردة، تنطبق في مجــــال إعماله دون تمييز بين
الخصـوم في الدعوى، وإذ يتفق هذا التنظيم مع الأهداف التي تغيّا المشرع تحقيقها
بالنص المطعون فيه، وهى تحرى الحقيقة في الدعوى، وصولاً إلى تحقيق العدل، وحسم
موضوع النزاع المعروض على القضاء، ارتكانًا إلى أسس موضوعية تبرره ، فإن قالة
مخالفته لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص اللذين حرص الدستور على كفالتهما في المواد
(4 ، 9، 53) منه تكون على غير أساس صحيح.
وحيث إن المادة (97) من الدستور الحالي، نصت على أن "التقاضي حق
مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا،
ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه
الطبيعى"، وقد دل المشرع الدستورى بذلك على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق
للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع
عن مصالحهم الذاتيـة، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ
إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم
الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة
عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء في مجال
اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الأصل في سلطة
المشرع في تنظيمه لحق التقاضي، أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها
بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه،
وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس
من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن
مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها، وفى إطار قيامه بهذا
التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة
صماء لا تبديل فيهـــــــا، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حالة ما
يناسبها، على ضوء مفاهيم متطـورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها،
وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة
القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل
بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية
للحق، في صورتها الأكثر اعتدالاً.
متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد خول القاضي سلطة توجيه
اليمين المتممة لأى من الخصوم، استكمالاً لدليل ناقص في الدعوى، سعيًّا للوصول إلى
الحقيقة في موضوع النزاع المثار فيها، وقد انتظمت هذا الأمر قاعدة تقررت وفق
مقاييس موحدة يطبقها القاضي عند توافر شروطها، وقد جاءت هذه القاعدة ابتغاء تحرى
الحقيقة وتحقيق العدالة، والعمل على سرعة الفصل في القضايا، فإن قالة مصادمة
التنظيم الذى تضمنه النص المطعون فيه لنص المادة (97) من الدستور، يكون في غير
محله، ومفتقدًا لسنده المبرر له.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من أحكام الدستور الأخرى،
فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية
المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق