الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 سبتمبر 2023

الطعن 82 لسنة 4 ق جلسة 27 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 134 ص 1596

جلسة 27 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي الدمراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومحمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

------------------

(134)

القضية رقم 82 لسنة 4 القضائية

(أ) موظف - تعيينه تحت الاختبار 

- المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة - مجال تطبيق حكمها أن يكون الموظف معيناً لأول مرة.
(ب) موظف 

- إعادة تعيين موظف له مدة خدمة سابقة - لا تعتبر تعييناً جديداً - عدم سريان حكم المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة بشأن مدة الاختبار في حقه - مدة الخدمة السابقة التي قضاها الموظف - كفايتها لتقدير صلاحيته للوظيفة بما يغني عن وضعه تحت الاختبار.
(جـ) موظف - إعادة تعيين موظف 

- فصله من الخدمة خلال السنتين التاليتين لإعادة تعيينه بمقولة إنه لم يتم فترة الاختبار على وجه مرضٍ - مخالفة ذلك للقانون.

---------------
1 - إن المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن "يكون التعيين لأول مرة في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، ويكون التعيين في وظائف الكادر الفني المتوسط في الدرجتين السابعة والثامنة حسب الوظيفة المطلوب التعيين فيها، ويكون التعيين في وظائف الكادر الكتابي في وظائف الدرجتين الثامنة والتاسعة، وذلك مع عدم الإخلال بما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة 40، ويكون التعيين في الوظائف المشار إليها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته". ومدة الاختبار هذه - على ما سبق أن قضت هذه المحكمة - هي فترة زمنية فعلية أراد الشارع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الحكومة وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للقيام بالعمل الحكومي المسند إليه بما يستتبعه من مسئوليات وما يتطلبه من استعداد وتأهيل خاصين لاتصاله بالمرافق العامة. ويؤكد ضرورة قضاء هذه المدة بصفة فعلية تحت رقابة الحكومة ما نصت عليه المادة 11 من المرسوم الصادر في 12 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يدون الرئيس المباشر ملاحظاته شهرياً على عمل الموظف المعين تحت الاختبار، وذلك على النموذج الذي يعده ديوان الموظفين، وتعرض هذه الملاحظات على الرئيس الأعلى للرئيس المباشر في نهاية مدة الاختبار ليضع تقريراً على النموذج سالف الذكر موضحاً به رأيه وأسانيده". ومقتضى هذا أن تعيين الموظف لا يكون في مدة الاختبار المنصوص عليها في المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 نهائياً باتاً، بل إن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار على ما يرام، أي أن موقف الموظف المعين تحت الاختبار هو موقف وظيفي معلق أثناء تلك الفترة؛ إذ لا يستقر وضعه القانوني في الوظيفة إلا بعد قضاء فترة التعليق وانحسام موقف الموظف بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء فيها أو عدمها. وليس من شك في أن هذا كله لا يكون إلا في حالة تعيين الموظف لأول مرة.
2 - إذا كان للموظف مدة خدمة سابقة تزيد على الفترة الزمنية المقررة للاختبار ثم أعيد تعيينه، فإن هذا التعيين لا يعتبر تعييناً جديداً في حكم المادة 19 من قانون نظام موظفي الدولة يستتبع وضع الموظف تحت الاختبار مرة أخرى؛ ذلك أن صلاحية الموظف في هذه الحالة للوظيفة قد ثبتت خلال فترة تعيينه الأول، ولم تعد الإدارة بعد ذلك في حاجة لوضعه تحت الاختبار مرة أخرى لتتبين صلاحيته للقيام بأعباء الوظيفة، ما دامت هذه الصلاحية قد ثبتت له فعلاً قبل ذلك. ومما يؤكد أن إعادة الموظف إلى الخدمة لا يعتبر تعييناً جديداً ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون المشار إليه من أن "يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة أو المربوط الثابت على الوجه الوارد بجدول الدرجات والمرتبات الملحق بهذا القانون..."، ثم ما نصت عليه المادة 24 من القانون المذكور من أنه "إذا كان للمعينين في الخدمة مدد عمل في الحكومة أو في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة المشار إليها في المادة السابقة حسبت لهم هذه المدد كلها أو بعضها في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين..."، وبين قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 أحكام وشروط ضم مدد الخدمة السابقة، وجاء بالبند الثاني من هذا القرار أن مدد الخدمة السابقة في الحكومة تحسب كاملة سواء كانت متصلة أو منفصلة، كما جاء بالبند الرابع منه "تقدر الدرجة والمرتب عند عمل حساب مدد الخدمة السابقة على أساس ما كان يستحقه الموظف من مرتب ودرجة في التاريخ الفرضي لبداية خدمته على أساس مؤهله العلمي وطبيعة الوظيفة في ذلك التاريخ وافتراض ترقيته كل خمس سنوات، من المدة المحسوبة"، ثم صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية في 20 من فبراير سنة 1958 في شأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة، ناصاً في البند 1 من المادة الثانية منه على أن "مدد العمل السابقة في الحكومة أو في الأشخاص الإدارية العامة ذات الميزانيات المستقلة تحسب كاملة، سواء كانت متصلة أو منفصلة متى كانت قد قضيت في درجة معادلة للدرجة التي يعاد تعيين الموظف فيها وفي نفس الكادر". ولم يقيد قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 ولا القرار الجمهوري الصادر في 20 من فبراير سنة 1958 المشار إليهما حصول الضم بأي قيد خاص بفترة انقطاع الموظف عن عمله الحكومي، على خلاف قراري مجلس الوزراء الصادرين في 30 من يناير سنة 1944 و11 من مايو سنة 1947؛ إذ اشترط الأول ألا تزيد مدة ترك العمل على سنتين، واشترط الثاني ألا تزيد تلك المدة على خمس سنوات. وكشفت المذكرة الإيضاحية للقرار المذكور عن الحكمة من ضم مدد الخدمة السابقة، فذكرت "أنها تقوم على فكرة أساسية هي الإفادة من الخبرة التي يكتسبها المرشح خلال المدة التي يقضيها ممارساً لنشاط وظيفي أو مهني سابق على تعيينه بالحكومة أو إعادة تعيينه بها، تلك الخبرة التي ينعكس أثرها على وظيفته الجديدة، الأمر الذي يقتضي عدم إهدار هذه المدة عند تعيينه في الحكومة؛ ولذلك فقد أصدر مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 القواعد والشروط التي يجب على أساسها حساب تلك المدد". وهذه الخبرة التي يفترض الشارع أن المرشح للتعيين قد اكتسبها خلال فترة عمله السابق سواء في الحكومة أو خارجها تتنافى مع وضعه عند إعادة تعيينه في خدمة الحكومة تحت الاختبار؛ إذ افترض الشارع أن مدة الخدمة السابقة قد أكسبته الصلاحية اللازمة للتعيين، بما يغني بعد ذلك عن وضعه تحت الاختبار، ما دام المقصود من الاختبار هو التحقق من صلاحية الموظف للاضطلاع بمهام وظيفته.
3 - متى كانت إعادة المدعية إلى الخدمة لا تعتبر تعييناً جديداً يستتبع وضعها تحت الاختبار، بل استمراراً لخدمتها السابقة، فإنه لا يغير من ذلك ما نص عليه في قرار تعيينها من وضعها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر بالتطبيق لحكم المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ومن ثم يكون قرار فصل المدعية من الخدمة استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون سالف الذكر قد صدر مخالفاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 7 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 258 لسنة 11 القضائية المرفوعة من درية أحمد رستم ضد وزارة التربية والتعليم، القاضي "أولاً: بضم الدعوى المستعجلة إلى الدعوى الموضوعية. وثانياً: برفض الدعويين، وإلزام المدعية بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعية بالتطبيق لحكم المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951". وقد أعلن الطعن للحكومة في 14 من يناير سنة 1958، وللمدعية في 9 من فبراير سنة 1958، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من مايو سنة 1959 التي قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 30 من مايو سنة 1959، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 6 من ديسمبر سنة 1956 أقامت المدعية الدعوى رقم 258 لسنة 11 القضائية طالبة أولاً: الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف مرتب المدعية مؤقتاً حتى يفصل في دعوى الموضوع. ثانياً: الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، واعتباره كأن لم يكن، مع إلزام الوزارة بالمصروفات والأتعاب عن الطلبين. وقالت في بيان ذلك إنها عينت في 14 من أكتوبر سنة 1944 مدرسة للغة العربية بوزارة التربية والتعليم في الدرجة السادسة الفنية، وفي 13 من يوليه سنة 1956 أخطرت بصورة من القرار رقم 711 المؤرخ 5 من يوليه سنة 1956، وهو يقضي باعتبار خدمتها منتهية من تاريخ صدور هذا القرار عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وبني هذا القرار على أنها لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، وأنها لا تحسن معاملة تلميذاتها ورؤسائها، وأنها مثل صارخ للادعاءات الباطلة والتحدي للقانون ولم يجد النصح فيها، ولما كانت هذه الأسباب في غير محلها ولا تمت إلى الحقيقة بصلة؛ نظراً لما هو ثابت من تقارير المفتشين المودعة ملف خدمتها ومن أوراق ملف خدمتها التي تثبت أنه لم يوجه إليها أي إنذار أو لفت نظر، وقد تظلمت المدعية من قرار فصلها في 5 من سبتمبر سنة 1956، ورفضت الوزارة هذا التظلم. من أجل هذا أقامت المدعية هذه الدعوى، يساندها في دعواها أن قرار الفصل صدر باطلاً لمخالفته للواقع وللخطأ في تطبيق المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على واقعة الدعوى. وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن فصل المدعية قد تم طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وهذا الفصل لا يعد فصلاً تأديبياً؛ ومن ثم لا يخضع للإجراءات التي يشترطها القانون لفصل الموظف بالطريق التأديبي، وأن تقرير صلاحية الموظف لشغل الوظيفة التي شرط القانون لشغلها استمرار الموظف تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر هو تقدير مما تترخص فيه جهة الإدارة بسلطة مطلقة غير محدودة إلا بقيد إحسان استعمال السلطة، وأن صلاحية الموظف هي حالة متغيرة، وتؤدي إلى أن ثبوت صلاحية الموظف للعمل في فترة سابقة على تاريخ إعادة تعيينه تحت الاختبار لا يعد دليلاً على قيام الصلاحية به في فترة الاختبار عندما يعاد تعيينه. وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا في 13 من إبريل سنة 1957 حكماً في الطعن رقم 1654 لسنة 2 القضائية تضمن هذه الأسس. وبجلسة 11 من ديسمبر سنة 1957 حكمت المحكمة "أولاً: بضم الدعوى المستعجلة إلى الدعوى الموضوعية. وثانياً: برفض الدعويين، وألزمت المدعية بالمصروفات". وقد أقامت المحكمة قضاءها على أنه بان لها من الأوراق أن المدعية التحقت بخدمة وزارة التربية والتعليم في 14 من أكتوبر سنة 1944 بوظيفة مدرسة بمرتب 12 جنيهاً في الدرجة السادسة، وأنها استقالت من الخدمة اعتباراً من ديسمبر سنة 1946، ثم أعيد تعيينها في 12 من أكتوبر سنة 1954 في الدرجة السادسة بماهية قدرها 15 جنيهاً شهرياً، واشترط في قرار التعيين أن يكون تعيينها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، وأنه "في غضون شهر يونيه سنة 1956 صدر القرار الإداري رقم 41823، بتوقيع عقوبة الخصم من المرتب بما يساوي عشرة أيام من مرتبها مع نقلها إلى مدرسة أخرى، وجاء في أسباب ذلك القرار أنها إنما جوزيت لشذوذها وخروجها عن الحدود التي تقضي بها اللوائح والقوانين المعمول بها، وتمردها وعدم إطاعتها الأوامر"، وأن "وكيل الوزارة أصدر في 5 من يوليه سنة 1956 القرار الإداري رقم 711 بإنهاء خدمة المدعية، عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951" بسبب ما نسب إليها من أنها "لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، ولا تحسن معاملة تلميذاتها ورؤسائها، فضلاً عن أنها مثل صارخ للادعاءات الباطلة والتحدي للقانون، ولم يجد النصح فيها". ثم تناولت المحكمة بحث مدى انطباق الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على حالة المدعية بعد إعادتها إلى الخدمة، ووصف القرار الصادر في 10 من أكتوبر سنة 1954 "وهل هو يعتبر بمثابة تعيين جديد تنطبق في شأنه أحكام المادة 19 سالفة الذكر، أو ما هو في حقيقته إلا امتداد للخدمة السابقة للمدعية لا يجوز معه المساس بحقوقها المكتسبة"، فأشارت أولاً: إلى أن تعيين المدعية قد تم في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951، وأن التعيين كان في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، وأن الوزارة احتاطت ونصت بصريح العبارة على أن المدعية معينة تحت الاختبار، ثم قالت المحكمة بعد ذلك إنه يتعين لتطبيق الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن يكون التعيين لأول مرة، ولما كان "تعيين درية أحمد رستم بمقتضى القرار رقم 113 يعتبر تعييناً جديداً؛ ذلك أنه عندما أعيد تعيينها في 14 من أكتوبر سنة 1954 كان قد صدر قانون نظام موظفي الدولة، وأصبح من غير الجائز التمسك بقواعد أخرى ألغيت أو نسخت بصدوره، كما أصبح من غير الجائز كذلك التمسك بمركز قانوني خاص فقده الموظف بفقدان وظيفته السابقة نفسها" فإنه "ترتيباً على ما تقدم تكون علاقة درية أحمد رستم بالحكومة قد انقطعت بقبول الاستقالة المقدمة منها منذ أول ديسمبر سنة 1946 كما سلف بيانه بسبب زواجها ورغبتها المشروعة في التفرغ لشئون الزوجية"، وأنه "يتعين أن يراعى أيضاً أنه قد انقضى على ابتعاد المدعية عن الوسط التربوي والتعليمي فترة مديدة من الزمان تربو على ثماني سنوات طوال، تغيرت خلالها أحوال المدعية وحالتها الاجتماعية تغييراً جوهرياً بالزواج والانصراف للأمور المنزلية طيلة تلك المدة؛ الأمر الذي يستفاد منه أن الوزارة كانت على حق حين اعتبرت المدعية موظفة مستجدة من جميع الوجوه عند النظر في إعادة تعيينها، كما كانت الوزارة على حق أيضاً حين اشترطت لعودة المدعية إلى الخدمة وضعها تحت الاختبار، هذا علاوة على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه إذا كانت صلاحية الموظف تتخصص بالزمان وبنوع العمل المسند إليه فإن المرجع في تقدير هذه الصلاحية هو إلى الوقت الذي يتم فيه وزنها والحكم عليها دون اعتداد بما قد يكون أمرها في الماضي؛ لأن الصلاحية ليست صفة لازمة، بل قد تزايل صاحبها"، وأنه "متى استبان ذلك وتحددت القاعدة التي تنظم العلاقة الوظيفية بين المدعية والوزارة فإنه يتعين فحص الظروف والملابسات التي أحاطت بالقرار المطعون فيه لمعرفة مدى تعسف جهة الإدارة في استعمال سلطتها التقديرية، كقول المدعية، وهي بسبيل إصدار القرار رقم 117 المطعون فيه". وبعد أن استعرضت المحكمة ما نسب إلى المدعية ونتيجة التحقيق فيه انتهت إلى أن "القرار المطعون فيه يكون بهذه المثابة قد صدر ممن يملك الحق في إصداره، كما أن جهة الإدارة لم تنحرف ولم تتعسف في استعمال السلطة المخولة لها في تقدير صلاحية درية أحمد رستم للخدمة حسبما يستشف من أوراق الدعوى؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المستفاد من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن الموظف لا يصح وضعه تحت الاختبار إلا عند تعيينه لأول مرة في خدمة الحكومة في الدرجة السادسة بإحدى وظائف الكادرين الفني العالي والإداري، أو إذا ما عين لأول مرة في إحدى وظائف الكادرين الفني المتوسط والكتابي، أما إذا كان للموظف خدمة سابقة في وظيفة معينة بالحكومة تقابلها درجة معينة في كادر معين وقضى فيها فترة كافية لاختباره وانتهت خدمته، ثم أعيد تعيينه في هذه الوظيفة نفسها بعد فترة ما، فإنه لا يمكن القول باعتباره معيناً تحت الاختبار؛ يدعم هذا النظر أن الحكمة المقصودة من وراء وضع الموظف المعين لأول مرة تحت الاختبار هي إفساح المجال للإدارة لتتبين خلال هذه الفترة مدى صلاحية الموظف للوظيفة المعين فيها، فإن ثبتت خلالها صلاحيته ثبت فيها، وإلا فصل منها، وهذه الحكمة لا تتوافر في حالة الموظف الذي سبق أن شغل ذات الوظيفة الحكومية التي أعيد تعيينه فيها وسبق أن أتم فيها مدة الاختبار على ما يرام. وبناء على ذلك لا يمكن اعتبار المدعية معينة لأول مرة في 14 من أكتوبر سنة 1954؛ ومن ثم لا تعتبر أنها معينة تحت الاختبار. ولا ينال من ذلك ما نص عليه في القرار الصادر بإعادتها إلى الخدمة من أن يكون تعيينها تحت الاختبار؛ لأنه من المسلم أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تخضع للأحكام المقررة في القوانين واللوائح، وهذا من شأنه أن يجعل ما ورد بالقرار بصدد وضعها تحت الاختبار غير ذي أثر؛ لمخالفته حكم المادة 19 سالفة الذكر. كما لا يقدح في ذلك فوات مدة بين استقالة المدعية من الخدمة وبين إعادتها إليها؛ ذلك أن هذه المباعدة، أياً كانت، لا يمكن أن تمحو عن المدعية مدة خدمتها السابقة؛ بدليل أن قواعد ضم المدد التي تضمنها قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 لم تقيد حصول الضم بأي مدة على خلاف قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 الذي اشترط ألا تزيد مدة ترك العمل على سنتين، وقرار مجلس الوزراء الصادر في 11 من مايو سنة 1947 الذي اشترط ألا تزيد هذه المدة على خمس سنوات. ويبين من كل ما تقدم أن قرار فصل المدعية، تطبيقاً للفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951، قد شابه خطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعية التحقت بخدمة وزارة التربية والتعليم في 14 من أكتوبر سنة 1944 بصفة مؤقتة بوظيفة مدرسة بمرتب 12 جنيهاً شهرياً بعقد ينتهي في نهاية العطلة الصيفية لسنة 1945، وفي نوفمبر سنة 1946 استقالت من الخدمة بسبب الزواج، ووافقت الوزارة على قبول استقالتها اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1946، ثم تقدمت في نوفمبر سنة 1953 بطلب إعادتها إلى الخدمة، فطلب بهذه المناسبة الإفادة عن التقارير المقدمة عنها خلال مدة خدمتها السابقة، فقرر السيد مفتش أول اللغة العربية بالوزارة بأن تقريرها الفني في السنة الأخيرة كان بدرجة جيد؛ وبناء على ذلك صدر القرار رقم 113 لسنة 1955 في 11 من أكتوبر سنة 1954 بإعادة تعيين المدعية في وظيفة مدرسة لغة عربية اعتباراً من 14 من أكتوبر سنة 1954 في الدرجة السادسة الفنية العالية الدائمة بماهية شهرية قدرها 15 جنيهاً، وعلى أن يكون تعيينها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر. وفي 19 من مارس 1956 تقدمت ناظرة المدرسة التي بها المدعية بشكوى إلى السيد كبير مفتشي اللغة العربية بالوزارة نسبت فيها إلى المدعية كثرة غيابها؛ مما سبب اضطراب العمل في فصولها وهبوط المستوى العلمي فيها، هذا إلى أنها - أي المدعية - تسيء معاملة الطالبات؛ مما دعا كثيراً من أولياء أمور الطالبات إلى الشكوى من سوء معاملة المدرسة لبناتهم، كما أنها لا تستجيب إلى ما تطلبه إدارة المدرسة منها، ولا تحضر اجتماعات رائدات الفصل، وأن صلتها بالمدرسة ليس فيها ما يدل على التعاون مطلقاً. وقد قام السيد مفتش أول اللغة العربية بسؤال المدعية عما نسب إليها وقدم مذكرة مؤرخة 12 من إبريل سنة 1956 قال فيها إنه بسؤال المدعية عما نسبته إليها الناظرة أجابت بالآتي: (1) أنها تغيبت لمرضها، ورأي الأطباء قاطع في الغياب للمرض. (2) اعترفت أنها كانت تتأخر بعض أيام الامتحانات للمرض. (3) ذكرت أيضاً أنها لم تقم بأعمال البطاقات الخاصة بالفترة؛ أنها مرهقة ومريضة ولا تستطيع القيام بأعمال البطاقات مضافة إلى عملها بالمدرسة. (4) نفت ما نسب إليها من عدم استجابتها لما تطلبه المدرسة وعدم حضورها الطابور ومن إساءتها معاملة طالباتها". واقترح المفتش الأول نقل المدعية إلى مدرسة أخرى في حركة مقبلة. وفي 28 من إبريل سنة 1956 تقدمت السيدة الناظرة بشكوى أخرى من سوء تصرف المدعية مع تلميذاتها وسوء معاملتها لهن وازدياد إهمالها، وأنها تأخرت عن إحدى الحصص، وبسؤالها في ذلك ردت على السيدة الناظرة رداً عنيفاً، كما أنها غير حريصة على مصلحة الطالبات. وطلبت الناظرة اتخاذ إجراء حاسم مع المدعية حتى لا تتحمل السيدة الناظرة سوء نتيجة الطالبات وما قد ينجم عن شكوى أولياء الأمور من سوء معاملتها للتلميذات، كما قدمت السيدة الناظرة شكوى أخرى في التاريخ نفسه أرفقت بها صوراً من خطابات وردت إليها من أولياء أمور بعض الطالبات بشأن سوء معاملة المدعية للطالبات، فأحيل الأمر إلى وكيلة التعليم الثانوي للبنات للنظر والعمل على إيجاد حل يحقق مصلحة العمل، وقد أجرت السيدة وكيلة التعليم الثانوي تحقيقاً فيما نسب إلى المدعية، ثم أعدت مذكرة بنتيجة التحقيق جاء فيها ما يلي: "استدعيت السيدة درية، وبسؤالها عن واقعة الضرب نفت الحادثة، كما هو ثابت في التحقيق المرافق. فاستدعيت التلميذة آمال محمد أحمد بحضورها، فقررت التلميذة أنها ضربتها ودونت أقوالها المرافقة، ولما أصرت السيدة درية على الادعاء بعدم ضربها توجهت معها للفصل، وبسؤال الطالبات قررن حدوث الضرب، وكان ذلك بحضورها، وعند مواجهتها بذلك اتهمت الناظرة بأنها هي المحرضة للتلميذة على الشكوى، وعند مواجهتها بالناظرة ثارت ثورة غير طبيعية وبحالة شاذة تدل على عدم اتزانها؛ إذ تفوهت بألفاظ جارحة لكل من الناظرة ومدرس أول اللغة العربية لا يمكن أن تصدر من شخص في حالة طبيعية يقدر المسئولية، وقامت بحالة عصبية شاذة وغادرت المكتب، وقد حاول المدرس الأول استبقاءها لاستيفاء التحقيق في باقي شكوى الناظرة، ولكنها أصرت على الخروج؛ لذا لم أستطع استجوابها عن باقي التهم الموجهة إليها، واكتفيت بالتحقيق فيما نسبته إليها ولية أمر التلميذة آمال محمد أحمد علي الجنيدي من ضربها لها، وبما أنه ثابت من التحقيق أنها اعتدت على التلميذة آمال محمد أحمد بالضرب بشهادة التلميذات، أرى مؤاخذتها على هذه المخالفة وعلى مغادرتها المكان بدون إذن ورفضها البقاء إلى أن تنتهي مهمة التحقيق في النقط الأخرى وعلى الألفاظ النابية التي وجهتها للناظرة والمدرس الأول بحضوري". وقد أشر السيد المدير العام للتعليم الثانوي بإعداد مذكرة "عن حالة هذه المدرسة في الخدمة بصفة عامة. وإذا كان سبق لها مخالفات تستوجب المؤاخذة حتى يمكن النظر في العقوبة المناسبة". وبعد أن أعددت مذكرة بما تضمنته شكاوى الناظرة صدر قرار في 6 من يونيه سنة 1956 بمجازاتها بخصم عشرة أيام من مرتبها ونقلها إلى مدرسة أخرى، واستند في ذلك إلى ما ظهر من التحقيق "من شذوذ هذه المدرسة وخروجها عن الحدود التي تقضي بها اللوائح والقوانين المعمول بها في الوزارة وتمردها وعدم إطاعتها الأوامر". هذا وقد تبين من جهة أخرى أنه في 21 من إبريل سنة 1956 قدمت المدعية شكوى إلى مدير عام منطقة الجيزة نسبت فيها إلى ناظرة المدرسة أنها تضطهدها، وفصلت في الشكوى أوجه هذا الاضطهاد، فأحيلت الشكوى إلى إحدى المفتشات لبحثها وتقديم بيان بجملة أيام تغيب الشاكية وتأخرها، وقد أعدت إدارة المستخدمين بياناً بإجازات المدعية يتضح منه أنها حصلت على: (أولاً) إجازة مرضية لمدة 15 يوماً من 23 من فبراير إلى 8 من مارس سنة 1956، (ثانياً) إجازة مرضية لمدة 63 يوماً من 7 من نوفمبر سنة 1955 إلى 18 من يناير سنة 1956؛ فيكون مجموع إجازاتها 78 يوماً. ثم أعدت ناظرة المدرسة مذكرة بشأن المدعية أعادت فيها ذكر ما سبق أن ورد بشكاويها السابقة، وقالت في ختامها "أعتقد أن المدرسة المذكورة لما وجدت أن الأستاذ المفتش الأول قام بتحقيق الأمور السابقة معها وتوقعت النتيجة لذلك أرادت أن تدعي أموراً لا صحة لها، وإلا فلماذا لم تتصل بالمنطقة قبل ذلك، وهل هناك أمر واحد يمكنها إثبات صحته، أعتقد أنه لو اتخذ معها إجراء حاسم سريع لما تمادت في هذا الحال، ولما كانت مثلاً سيئاً بين الزميلات"، ثم نشرت المدعية بعد ذلك في جريدة الأهرام شكواها من ناظرة المدرسة في مقال طويل، وقد أحيل المقال إلى أحد مفتشي التعليم الثانوي لبحثه، وأعد تقريراً جاء به أنه بان من التحريات أن شكوى المدرسة من نسج الخيال، وأشار إلى كثرة غيابها وسوء معاملتها للطالبات، ثم قال "ويبدو لي أن هذه السيدة أرادت أن تصنع لها شهرة جوفاء، فاعتلت منبر (زكيبة البريد) وصرخت فوقه هذه الصرخة المتصنعة لتلفت الزملاء والرؤساء إليها..."، وانتهى إلى أن التحقيق مع المدعية كان كاملاً شاملاً عادلاً. وقد أشر مدير منطقة الجيزة على تقرير السيد المفتش بإحالته إلى الإدارة العامة للتعليم الثانوي رجاء نقل هذه المعلمة إلى منطقة أخرى. وقد قدمت السيدة الناظرة شكوى في 9 من يونيه سنة 1956 إلى السيد مدير عام التعليم الثانوي تضمنت أن المدعية لا تذعن لأية تعليمات حتى الواردة من الوزراء، وأنها امتنعت عن حضور طابور الصباح بلا سبب، كما امتنعت عن حضور الاجتماعات التي عقدت لرائدات الفصول، وأنها تثور بلا مبرر كلما طلب إليها أداء أي عمل، وأن مواظبتها سيئة، وأن التلميذات هن ضحايا سوء مواظبتها. وقد أعدت السيدة وكيلة المدير العام للتعليم الثانوي مذكرة مفصلة "بشأن عدم صلاحية السيدة درية أحمد رستم للعمل" رفعتها إلى السيد المدير العام الذي رفعها بدوره إلى السيد وكيل الوزارة بتأشيرة جاء بها أن "هذه المدرسة معينة في 14 من أكتوبر سنة 1954 تحت الاختبار، وبما أن أحوالها وسلوكها قد ساء، ولم تجد النصيحة فيها، فاقترح فصلها تنفيذاً للفقرة الثالثة من المادة 19 من قانون الموظفين". وبناء على ذلك صدر القرار رقم 711 في 5 من يوليه سنة 1956، وهو يقضي بأنه "اعتباراً من تاريخ صدور هذا القرار تنتهي خدمة السيدة درية أحمد رستم المدرسة بمدرسة مصر القديمة الثانوية للبنات عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951".
ومن حيث إن مثار هذه المنازعة هو ما إذا كانت إعادة المدعية إلى الخدمة في 14 من أكتوبر سنة 1954 يعتبر تعييناً جديداً؛ ومن ثم يعتبر أنها معينة تحت الاختبار، أم أن إعادتها إلى الخدمة هي امتداد لخدمتها السابقة؛ ومن ثم لا وجه لوضعها تحت الاختبار.
ومن حيث إن المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أن "يكون التعيين لأول مرة في أدنى الدرجات بوظائف الكادرين الفني العالي والإداري، ويكون التعيين في وظائف الكادر الفني المتوسط في الدرجتين السابعة والثامنة حسب الوظيفة المطلوب التعيين فيها، ويكون التعيين في وظائف الكادر الكتابي في وظائف الدرجتين الثامنة والتاسعة، وذلك مع عدم الإخلال بما جاء بالفقرة الأخيرة من المادة 40، ويكون التعيين في الوظائف المشار إليها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر، فإن لم يتم الموظف مدة الاختبار على ما يرام فصل من وظيفته". ومدة الاختبار هذه - على ما سبق أن قضت هذه المحكمة - هي فترة زمنية فعلية أراد الشارع أن يظل الموظف خلالها تحت رقابة الحكومة وإشرافها المباشر لإمكان الحكم على مدى صلاحيته للقيام بالعمل الحكومي المسند إليه بما يستتبعه من مسئوليات وما يتطلبه من استعداد وتأهيل خاصين لاتصاله بالمرافق العامة. ويؤكد ضرورة قضاء هذه المدة بصفة فعلية تحت رقابة الحكومة ما نصت عليه المادة 11 من المرسوم الصادر في 12 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يدون الرئيس المباشر ملاحظاته شهرياً على عمل الموظف المعين تحت الاختبار، وذلك على النموذج الذي يعده ديوان الموظفين، وتعرض هذه الملاحظات على الرئيس الأعلى للرئيس المباشر في نهاية مدة الاختبار ليضع تقريراً على النموذج سالف الذكر موضحاً به رأيه وأسانيده". ومقتضى هذا أن تعيين الموظف في هذه الحالة لا يكون نهائياً باتاً، بل إن بقاءه في الوظيفة بعد تعيينه فيها يكون منوطاً بقضائه فترة الاختبار على ما يرام، أي أن موقف الموظف المعين تحت الاختبار هو موقف وظيفي معلق أثناء تلك الفترة؛ إذ لا يستقر وضعه القانوني في الوظيفة إلا بعد قضاء فترة التعليق وانحسام موقف الموظف بقرار من الجهة الإدارية من حيث الصلاحية للبقاء فيها أو عدمها. وليس من شك في أن هذا كله لا يكون إلا في حالة تعيين الموظف لأول مرة، أما إذا كان للموظف مدة خدمة سابقة تزيد على الفترة الزمنية المقررة للاختبار ثم أعيد تعيينه، فإن هذا التعيين لا يعتبر تعييناً جديداً في حكم المادة 19 سالفة الذكر يستتبع وضع الموظف تحت الاختبار مرة أخرى؛ ذلك أن صلاحية الموظف في هذه الحالة للوظيفة قد ثبتت خلال فترة تعيينه الأول، ولم تعد الإدارة بعد ذلك في حاجة لوضعه تحت الاختبار مرة أخرى لتتبين صلاحيته للقيام بأعباء الوظيفة، ما دامت هذه الصلاحية قد ثبتت له فعلاً قبل ذلك.
ومن حيث إنه مما يؤكد أن إعادة الموظف إلى الخدمة لا يعتبر تعييناً جديداً ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من أن "يمنح الموظف عند التعيين أول مربوط الدرجة المقررة للوظيفة أو المربوط الثابت على الوجه الوارد بجدول الدرجات والمرتبات الملحق بهذا القانون..."، ثم ما نصت عليه المادة 24 من القانون المذكور من أنه "إذا كان للمعينين في الخدمة مدد عمل في الحكومة أو في الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة المشار إليها في المادة السابقة حسبت لهم هذه المدد كلها أو بعضها في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير المالية والاقتصاد بعد أخذ رأي ديوان الموظفين..."، وبين قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 أحكام وشروط ضم مدد الخدمة السابقة، وجاء بالبند الثاني من هذا القرار أن مدد الخدمة السابقة في الحكومة تحسب كاملة، سواء كانت متصلة أو منفصلة، كما جاء بالبند الرابع منه "تقدر الدرجة والمرتب عند عمل حساب مدد الخدمة السابقة على أساس ما كان يستحقه الموظف من مرتب ودرجة في التاريخ الفرضي لبداية خدمته على أساس مؤهله العلمي وطبيعة الوظيفة في ذلك التاريخ وافتراض ترقيته كل خمس سنوات من المدة المحسوبة"، ثم صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية في 20 من فبراير سنة 1958 في شأن حساب مدد العمل السابقة في تقدير الدرجة والمرتب وأقدمية الدرجة، ناصاً في البند (1) من المادة الثانية منه على أن "مدد العمل السابقة في الحكومة أو في الأشخاص الإدارية العامة ذات الميزانيات المستقلة تحسب كاملة، سواء كانت متصلة أو منفصلة، متى كانت قد قضيت في درجة معادلة للدرجة التي يعاد تعيين الموظف فيها وفي نفس الكادر"، ولم يقيد قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 ولا القرار الجمهوري الصادر في 20 من فبراير سنة 1958 حصول الضم بأي قيد خاص بفترة انقطاع الموظف عن عمله الحكومي على خلاف قراري مجلس الوزراء الصادرين في 30 من يناير سنة 1944 و11 من مايو سنة 1947؛ إذ اشترط الأول ألا تزيد مدة ترك العمل على سنتين، واشترط الثاني ألا تزيد تلك المدة على خمس سنوات. وكشفت المذكرة الإيضاحية للقرار المذكور عن الحكمة من ضم مدد الخدمة السابقة، فذكرت "أنها تقوم على فكرة أساسية هي الإفادة من الخبرة التي يكتسبها المرشح خلال المدة التي يقضيها ممارساً لنشاط وظيفي أو مهني سابق على تعيينه بالحكومة أو إعادة تعيينه بها، تلك الخبرة التي ينعكس أثرها على وظيفته الجديدة، الأمر الذي يقتضي عدم إهدار هذه المدة عند تعيينه في الحكومة؛ ولذلك فقد أصدر مجلس الوزراء في 17 من ديسمبر سنة 1952 القواعد والشروط التي يجب على أساسها حساب تلك المدد". وهذه الخبرة التي يفترض الشارع أن المرشح للتعيين قد اكتسبها خلال فترة عمله السابق، سواء في الحكومة أو في خارجها تتنافى مع وضعه عند إعادة تعيينه في خدمة الحكومة تحت الاختبار؛ إذ افترض الشارع أن مدة الخدمة السابقة قد أكسبته الصلاحية اللازمة للتعيين بما يغني بعد ذلك عن وضعه تحت الاختبار، ما دام المقصود من الاختبار هو التحقق من صلاحية الموظف للاضطلاع بمهام وظيفته.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعية عينت مدرسة بوزارة التربية والتعليم في 14 من أكتوبر سنة 1944، ثم استقالت من الخدمة في نوفمبر سنة 1946، أي أنها قضت في الخدمة أكثر من سنتين، وهما أقصى مدة الاختبار، ثم أعيد تعيينها في 14 من أكتوبر سنة 1954؛ وهي بهذه المثابة ممن ينطبق عليهم أحكام قرار 17 من ديسمبر سنة 1952 وقرار 20 من فبراير سنة 1958. وقد بان من الأوراق أيضاً أنه عندما التمست المدعية إعادتها إلى الخدمة في نوفمبر سنة 1953 تأشر على الطلب بالإفادة عن تقاريرها السابقة، فقرر مفتش أول اللغة العربية بأنها قدرت في السنة الأخيرة بدرجة جيد؛ ومن ثم أعيد تعيينها، وفي هذا ما يشعر بأن الوزارة ترى أن إعادة المدعية إلى الخدمة ليس تعييناً جديداً، بل استمراراً لخدمتها السابقة؛ ولذلك طلبت تقاريرها السابقة.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم لا تعتبر إعادة المدعية إلى الخدمة في أكتوبر سنة 1954 تعييناً جديداً يستتبع وضعها تحت الاختبار، بل استمراراً لخدمتها السابقة، ولا يغير من ذلك ما نص عليه في قرار تعيينها من وضعها تحت الاختبار لمدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر بالتطبيق لحكم المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إنه لذلك يكون قرار فصل المدعية من الخدمة استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة 19 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد صدر مخالفاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه، والحالة هذه، قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله حقيقاً بالإلغاء، على أن هذا لا يؤثر على حق الوزارة في إعادة النظر إدارياً فيما نسب إلى المدعية وتقرير ما تراه في شأنها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر في 5 من يوليه سنة 1956 بإنهاء خدمة المدعية، وألزمت الحكومة بالمصروفات.

الطعن 67 لسنة 55 ق جلسة 18 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 234 ص 1136

جلسة 18 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: عبد المنصف هاشم نائب رئيس المحكمة، أحمد شلبي، محمد عبد الحميد سند ومحمد جمال شلقاني.

---------------

(234)
الطعن رقم 67 لسنة 55 القضائية

(1، 2) قرار إداري. اختصاص "الاختصاص الولائي".
(1) القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بتأويله أو إلغائه أو تعديله. ماهيته.
(2) القضاء العادي. صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات المدنية والتجارية التي تنشب بين الأفراد فيما بينهم وبين إحدى وحدات الدولة.
(3) بيع "بيع أملاك الدولة". عقد "التراضي".
التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة. لا يتم بين الحكومة وطالبي الشراء إلا بالتصديق عليه ممن يملكه. للمحافظين كل في دائرة اختصاصه التصديق على البيع بعد موافقة اللجنة التنفيذية للمحافظة. المادة الأولى من القرار الجمهوري 549 لسنة 1976. تفسير ذلك. اعتبار التصديق قبولاً بالبيع والرغبة في الشراء إيجاباً.

---------------
1 - القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بتأويله أو إلغائه أو تعديله - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة.
2 - القضاء العادي.. صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات المدنية والتجارية التي تنشب بين الأفراد وبينهم وبين إحدى وحدات الدولة.
3 - التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يتم بين الحكومة وبين طالبي الشراء إلا بالتصديق عليه ممن يملكه، وهو معقود وفقاً للمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1976 - الذي يحكم واقعة النزاع - للمحافظين دون سواهم كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة اللجنة التنفيذية بالمحافظة، إذ أن هذا التصديق هو القبول بالبيع، ولا يعتبر إعلان الحكومة عن رغبتها في البيع ولا الإجراءات التي تقوم بها لهذا الغرض من مفاوضات مع راغبي الشراء وممارسة على الثمن إيجاباً من جانبها ذلك أن الإيجاب في هذا المجال إنما يكون من راغب الشراء بتقدمه للشراء على أساس سعر معين ولا يتم التعاقد إلا بقبول الحكومة بعد ذلك البيع على النحو السالف البيان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 52 سنة 1980 مدني بور سعيد الابتدائية ضد الطاعن بطلب الحكم بإلزامه بتحرير عقد تمليك وحدة سكنية بالمحافظة والتسليم، وقال بياناً للدعوى إن محافظة بور سعيد عرضت على شركة...... تمليك بعض الوحدات السكنية للعاملين بها نظير ثمن قدره 4000 ج للوحدة وإذ طرحت الشركة هذا العرض على العاملين بها فقد بادر إلى قبوله وسداد نصف الثمن المذكور تحت الحساب بخزينة الشركة وفق الشروط المعلنة وأدرج اسمه بقائمة الراغبين في التملك من عمال الشركة إلا أن الطاعن امتنع عن تحرير عقد تمليك وحدة سكنية له أسوة بباقي زملائه فأقام الدعوى بطلبه سالف البيان. دفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وبتاريخ 30/ 3/ 1981 ندبت المحكمة مكتب خبراء وزارة العدل لبيان ما إذا كان المطعون عليه قد تعاقد مع الطاعن على تمليكه وحدة النزاع من عدمه وبعد أن أودع الخبير تقريره أجابت المحكمة بتاريخ 8/ 6/ 1982 المطعون عليه إلى طلبه آنف الذكر استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية مأمورية بور سعيد بالاستئناف رقم 174 سنة 24 ق مدني وبتاريخ 14/ 11/ 1984 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون لمخالفة قواعد الاختصاص الولائي إذ أيد حكم محكمة أول درجة في تعرض للقرار الإداري الصادر من مديرية الإسكان ببور سعيد بتاريخ 14/ 2/ 1981 بسحب أحقية المطعون عليه في تملك الوحدة السكنية والامتناع عن تحرير عقد تمليك له عنها وهو ما يخرج عن الاختصاص الولائي للقضاء العادي.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة. لما كان ذلك وكان قيام مديرية الإسكان ببور سعيد بسحب أحقية المطعون عليه في تمليك وحدة سكنية من الوحدات التي تمتلكها المحافظة والامتناع عن تحرير عقد تمليك له لا تتوافر به مقومات القرار الإداري على النحو سالف البيان وكانت الدعوى الماثلة بحسب الطلبات المبداة فيها ومرماها نزاعاً حول مدى تصرف الطاعن بالبيع في وحدة سكنية إلى المطعون عليه مما يدخل في الاختصاص الولائي للقضاء العادي باعتباره صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات المدنية والتجارية التي تنشب بين الأفراد أو بينهم وبين إحدى وحدات الدولة وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر بعد أن كيف العلاقة التي بين الطرفين بأنها مدنية فإنه يكون قد صادف صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب إذ اعتبر إعلان المحافظة عن رغبتها في بيع بعض الوحدات السكنية إلى العاملين بشركات القطاع العام إيجاباً ينعقد به عقد البيع متى صادفه قبول من المطعون عليه مع أن بيع أملاك الدولة الخاصة موقوف على تصديق وزير المالية أو المحافظ المختص وهو ما لم يتم مما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يتم بين الحكومة وبين طالبي الشراء إلا بالتصديق عليه ممن يملكه وهو معقود وفقاً للمادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 سنة 1976 الذي يحكم واقعة النزاع للمحافظين دون سواهم كل في دائرة اختصاصه بعد موافقة اللجنة التنفيذية بالمحافظة إذ أن هذا التصديق هو القبول بالبيع ولا يعتبر إعلان الحكومة عن رغبتها في البيع ولا الإجراءات التي تقوم بها لهذا الغرض من مفاوضات مع راغبي الشراء وممارسة على الثمن إيجاباً من جانبها ذلك أن الإيجاب في هذه الحالة إنما يكون من راغب الشراء بتقدمه للشراء على أساس سعر معين ولا يتم التعاقد إلا بقبول الحكومة بعد ذلك للبيع على النحو سالف البيان. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وأقام قضاءه بتأييد الحكم الابتدائي على أن إعلان المحافظة عن رغبتها في بيع الوحدات السكنية يعد إيجاباً منها صادفه قبول عن المطعون عليه بسداد مقدم الثمن يتم به البيع فإنه يكون قد خالف القانون مما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه.

الطعن 320 لسنة 3 ق جلسة 27 / 6 / 1959 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 3 ق 133 ص 1564

جلسة 27 من يونيه سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

------------------

(133)

القضية رقم 320 لسنة 3 القضائية

(أ) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. 

المنازعات الخاصة بالتعيين في وظائف العمد والمشايخ - من المنازعات المتعلقة بموظفين من غير الفئة العالية - اختصاص المحاكم الإدارية دون محكمة القضاء الإداري بنظرها.
(ب) عمد. تعيين العمدة 

- إجراءات ذلك - استقلال عملية تحرير كشوف الناخبين والمرشحين وعرضها والفصل في الطعون المتعلقة بها عن عملية اختيار العمدة - قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة - سلطة التصديق عليه من عدمه - من اختصاص وزير الداخلية.
(ج) اختصاص 

- تقريره بقانون - النزول عنه أو الإنابة فيه - غير جائز إلا في الحدود وعلى الوجه المبين في القانون.
(د) عمد. تعيين العمدة 

- قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة - سلطة وزير الداخلية في الاعتراض عليه بسبب بطلان إجراء من الإجراءات السابقة على صدوره - وقوف هذه السلطة عند حد الاعتراض على الإجراءات الخاصة بعملية الانتخاب دون الإجراءات السابقة عليها والخاصة بإعداد كشوف الناخبين والمرشحين وعرضها والفصل في الطعون فيها.
(هـ) عمد. تعيين العمدة 

- قرار وزير الداخلية بعدم اعتماد تعيين عمدة - وجوب قيامه على سبب يبرره - رقابة القضاء الإداري لذلك.
(و) عمد. تعيين العمدة 

- حكم بإلغائه لبطلان اعتماد وزير الداخلية لقرار لجنة الشياخات بانتخابه لصدور الاعتماد ممن لا يملكه - عدم امتداد الإلغاء إلى الإجراءات السابقة على ذلك بما فيها قرار لجنة الشياخات - زوال القرار المعيب وحده وعودة ولاية التصديق عليه إلى من يملكها قانوناً - اعتماد وزير الداخلية للقرار بعد صدور الحكم - صحيح ولا مساس فيه بحجية حكم الإلغاء.
(ز) عمد. تعيين العمدة 

- جلسة انتخاب العمدة - تأجيلها بسبب اعتذار أحد أعضاء لجنة الشياخات عن حضورها - إعلان الناخبين بالجلسة التالية - غير لازم متى كانت الأغلبية المطلقة منهم قد حضرت الجلسة الأولى.

---------------
1 - إن الفقرة الأولى من المادة 13 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة تنص على أن "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود (ثالثاً ورابعاً وخامساً) من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط، وفي طلبات التعويض المترتبة عليها"، وتنص الفقرة الثالثة من المادة 8 المشار إليها على: "الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح علاوات". ومقتضى هذين النصين أن المحاكم الإدارية تختص وحدها بصفة نهائية في نظر الدعاوى الخاصة بالتعيين في الوظائف العامة باستثناء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية والضباط. ولا جدال في أن العمدة بحكم منصبه عامل أساسي في البنيان الإداري بالإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة؛ إذ يمثل الإدارة المركزية في القرية، ويسهم بقسط كبير في تسيير مرافقها العامة؛ فهو بهذه المثابة من موظفي الدولة العموميين، يتولى أعباء وظيفة عامة في الدرج الرياسي، ويتمتع بسلطات عديدة، وتحكمه اللوائح العامة، ويصدر القرارات الإدارية في حدود اختصاصه، ولو أنه لا يتناول مرتباً ولا يعتزل مركزه عند بلوغه سناً معينة. يؤكد ذلك أن المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 الخاص بالانتخاب نصت على أنه "لا يجمع بين عضوية أي المجلسين وتولي الوظائف العامة بأنواعها، والمقصود بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العمومية، ويدخل في ذلك كل موظفي ومستخدمي مجالس المديريات والمجالس البلدية وكل موظفي وزارة الأوقاف ومستخدميها وكذلك العمد"، ونصت المادة 11 من القانون رقم 68 لسنة 1936 الخاص بانتخاب أعضاء مجالس المديريات على أنه "لا يجمع بين عضوية مجلس المديرية وتولي الوظائف العامة بأنواعها، والمقصود بالوظائف العامة: كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العمومية، ويدخل في ذلك كل موظفي ومستخدمي مجالس المديريات والمجالس البلدية أو المحلية أو القروية وكل موظفي ومستخدمي وزارة الأوقاف والمعاهد الدينية، وكذلك العمد والمشايخ". ولما كانت وظائف العمد والمشايخ ليست من بين الوظائف الداخلة في الهيئة من الفئة العالية، فإن المنازعات المتعلقة بالتعيين فيها لا تختص بها محكمة القضاء الإداري، وإنما تكون من اختصاص المحاكم الإدارية بصفة نهائية.
2 - يبين من استقراء نصوص القانون رقم 141 الصادر في 29 من أغسطس سنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ أن المشرع قسم، منذ البداية، عملية تعيين العمدة إلى مرحلتين أساسيتين: أولاهما، حصر الأشخاص الذين لهم حق اختيار العمدة، بإعداد كشوف المرشحين والناخبين بوساطة المركز، والطعن فيها أمام لجنة الطعون. والثانية، إجراءات اختيار العمدة بوساطة لجنة الشياخات بعد إجراء الانتخاب على الوجه المبين بالقانون، واعتماد قرار اللجنة من وزير الداخلية، وكل من هاتين المرحلتين مستقلة بذاتها عن الأخرى. فبعد خلو منصب العمدية يحرر المركز كشفين أحدهما خاص بالمرشحين (المادة 4 من القانون رقم 141 لسنة 1947)، والثاني خاص بالناخبين (المادة 7 من القانون)، ثم يعرض الكشفان لمدة أسبوع في مقر العمدية وفي الأماكن المطروقة في القرية، ولكل من أهمل قيد اسمه بغير حق أن يطلب قيده، ولكل من كان اسمه مقيداً بالكشف أن يطلب حذف اسم من قيد اسمه بغير حق (المادة 8)، وتقدم هذه الطلبات إلى مأمور المركز كتابة خلال مدة العرض والأسبوع التالي له، وتفصل في هذه الطلبات لجنة مشكلة وفقاً للمادة التاسعة من القانون سالف الذكر من وكيل المديرية رئيساً، ومن أحد أعضاء النيابة وأحد أعضاء لجنة الشياخات من الأعيان، وتكون قرارات هذه اللجنة نهائية. وعند ذلك تنتهي المرحلة الأولى، وتبدأ المرحلة الثانية وهي اختيار العمدة، فتدعو لجنة الشياخات أمامها الأشخاص الذين لهم حق اختيار العمدة (المادة العاشرة) ثم تختار العمدة، ولا يكون قرارها في الاختيار نهائياً إلا بعد اعتماده من وزير الداخلية الذي له ألا يوافق عليه فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته (المادة 11 من القانون)، وهذا النص صريح في أن الذي يملك التصديق على قرار لجنة الشياخات من عدمه هو وزير الداخلية.
3 - إن الاختصاص الذي يتحدد بقانون لا يجوز النزول عنه أو الإنابة فيه إلا في الحدود وعلى الوجه المبين في القانون، كما لو كان ثمة قانون يرخص في التفويض.
4 - إن سلطة وزير الداخلية في الاعتراض على قرار لجنة الشياخات بانتخاب العمدة لسبب بطلان أي من الإجراءات السابقة يجب ألا تجاوز الإجراءات الخاصة بعملية الانتخاب ذاتها، دون أن تمتد إلى ما سبقها من إجراءات. وآية ذلك أن المشرع قسم عملية اختيار العمدة إلى مراحل، وحدد لكل مرحلة منها مجالها، ورسم الإجراءات الخاصة بها والحد الذي تنتهي عنده. فبالنسبة إلى مرحلة الكشوف جعل مداها صيرورة هذه الكشوف نهائية بالفصل في الطعون التي تقدم فيها أو بفوات مواعيد الطعن إذا لم تقدم طعون. ودليل ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 11 من أنه إذا باشر الوزير سلطته في الاعتراض على قرار اللجنة كان على اللجنة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة، ومدلول هذا أن اعتراض الوزير يعود بالأمر ابتداء من مرحلة الانتخاب بوساطة الناخبين الذين تعينوا في الكشوف التي أصبحت نهائية.
5 - إن قرار الوزير بعدم اعتماد تعيين العمدة يجب أن يكون قائماً على أسس صحيحة تؤدي إلى سلامة النتيجة التي رتبت عليها، وهو في ذلك يخضع لرقابة القضاء الإداري وإشرافه.
6 - إذا كان الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري قد انصب على إلغاء قرار اعتماد وزارة الداخلية تعيين عمدة ناحية الطرانة وحده لصدوره ممن لا يملك إصداره دون المساس بما سبقه من إجراءات تمت صحيحة في مجالاتها على الوجه المبين في القانون، فإنه لا يسوغ القول بامتداد الإلغاء إلى قرار لجنة الشياخات بانتخاب العمدة، ما دامت أسباب حكم الإلغاء لم تتعرض من قريب أو بعيد لقرار لجنة الشياخات ولا لما سبقه من إجراءات تدخل في عميلة اختيار وتعيين العمدة المطعون عليه. ومن ثم فإذا كان قرار لجنة الشياخات ذاته قد جاء خلواً من أي عيب يشوبه أو يمس مشروعيته، كما انبنى على إجراءات تمت وفقاً للقانون، فإنه يظل صحيحاً قائماً حتى يلحقه تصديق الوزير ليولد القرار آثاره القانونية المشروعة، وذلك التصديق من جانب وزير الداخلية ليس في القانون رقم 141 لسنة 1947 ما يوجب صدوره خلال فترة معينة. فلا تثريب على وزير الداخلية، والحالة هذه، إن هو اعتمد في 20 من يونيه سنة 1954 قرار لجنة الشياخات الخالي من كل عيب والصادر منها في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين عمدة لناحية الطرانة. كما لا يمس قرار الوزير الصادر بالاعتماد حجية حكم الإلغاء الصادر بإبطال قرار وكيل وزارة الداخلية البرلماني في 3 من مارس سنة 1951، ومن شأن هذا الإلغاء زوال القرار المعيب وحده، لتعود ولاية الاعتماد إلى صاحبها الذي خصه الشارع بها دون سواه، وهو وزير الداخلية.
7 - إن المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمدة والمشايخ لا توجب إعادة إعلان الناخبين للعمدة إلا في حالة عدم حضور أغلبيتهم المطلقة جلسة الانتخاب؛ فقد نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه "ويشترط حضور الأغلبية المطلقة للناخبين، فإذا لم تتوافر أجل الانتخاب إلى جلسة أخرى يعاد فيها إعلان الناخبين، ويكون صحيحاً مهما كان عدد الحاضرين"؛ ومن ثم فإذا كان الثابت أنه حضر الانتخاب في أول جلسة حددت لذلك 23 ناخباً من 45 ممن لهم حق الانتخاب، فإن الأغلبية المطلقة تكون قد توافرت، ولا يكون ثمة سبب لإعادة إعلان الناخبين إذا ما أجلت الجلسة لاعتذار السيد رئيس النيابة عن حضوره اجتماع لجنة الشياخات لمرضه، ما دام أنه قد تنبه على من حضروا بأن يعودوا للحضور للجلسة التالية التي تعتبر بمثابة استمرار لجلسة الانتخاب.


إجراءات الطعن

في 21 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 320 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية الأولى لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 544 لسنة 2 القضائية المقامة من: خليفة طه قنديل ضد وزارة الداخلية والشيخ محمد علي عيسى (خصم متدخل)، والذي قضى "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 30 من يونيه سنة 1954 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت وزارة الداخلية والخصم الثالث مصروفات الدعوى وبأن يدفع كل منهما للمدعي خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد على أساس المبدأ الذي تضعه المحكمة العليا في المسألة القانونية محل الطعن". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة والخصم المتدخل في 18 و9 من مارس سنة 1957، وإلى المطعون عليه في 10 من إبريل سنة 1957، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 15 من نوفمبر سنة 1958، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 7 من يوليه سنة 1958 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. وقدم المطعون عليه مذكرة في 4 من إبريل سنة 1959 انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن، وبتأييد الحكم المطعون فيه. ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 25 من إبريل سنة 1959، وفيها مدت أجل النطق به إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه - الشيخ خليفة طه قنديل - كان قد أقام الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتارية تلك المحكمة في 2 من مايو سنة 1951 طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزارة الداخلية في 3 من مارس سنة 1951 باعتماد قرار لجنة الشياخات بمديرية البحيرة الصادر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة، ناعياً على ذلك القرار مخالفته القانون لأربعة أوجه: (الأول) أن قرار التصديق على انتخاب العمدة لم يصدر من وزير الداخلية طبقاً لما نصت عليه المادة 11 من قانون العمد، وإنما صدق عليه الوكيل البرلماني، وهو غير مختص، مما يجعل القرار باطلاً. (الثاني) أن العمدة المنتخب لا يملك النصاب المالي؛ ذلك أن النصاب المثبت أمام اسمه في كشف المرشحين هو 491 م و13 ج يدفعه مالاً عن 23 ط و10 ف يملكها، مع أن حقيقة ما يملكه هو 10 س و15 ط و4 ف فقط. (الثالث) أن اجتماع لجنة الشياخات في 30 من يناير سنة 1951 الذي تم فيه انتخاب العمدة عيسى كان باطلاً لعدم إعلان الناخبين به؛ ذلك أن المديرية كانت قد حددت يوم 29 من يناير سنة 1951 لنظر العمدية أمام لجنة الشياخات، وأعلنت الناخبين بهذا اليوم، ولعدم حضور رئيس النيابة أجلت الجلسة إلى 30 من يناير سنة 1951 دون إعادة إعلان الناخبين اكتفاء بما أثبتته في محضر الجلسة في التنبيه على من حضر منهم في اليوم الأول، واجتمعت اللجنة في اليوم الثاني وانتخبت العمدة. (الرابع) أن عملية الانتخاب شابها الفساد؛ ذلك أنه لم يكن مع العمدة المنتخب إلا تسعة عشر ناخباً، ونظراً لعدم حضور الراغبين عن انتخابه من أنصار الفريق الثاني، فقد دس أشخاص ليسوا من الناخبين، وانتحلوا صفة الناخبين، وصوتوا له، دون أن تعني لجنة الشياخات بتحقيق شخصيتهم، فارتفع بذلك عدد الأصوات التي نالها إلى 23 صوتاً. وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري بجلسة 24 من يناير سنة 1954 حكماً في تلك الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية يقضي "بإلغاء القرار الصادر في 3 من مارس سنة 1951 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات"، وأقامت تلك المحكمة قضاءها على ما ثبت لها من صحة العيب الأول الذي شاب القرار المطعون فيه، ألا وهو قرار التصديق على انتخاب العمدة، فإنه لم يصدر من وزير الداخلية، وإنما صدق على انتخاب العمدة الوكيل البرلماني لوزارة الداخلية، وهو غير مختص قانوناً بذلك، واجتزأت بهذا العيب لإلغاء القرار المطعون فيه، دون حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى وفي 22 من مارس سنة 1954 كتبت وزارة الداخلية إلى مديرية البحيرة بأنه تنفيذاً لهذا الحكم تخلى وظيفة العمدية من شاغلها الحالي، وهو الشيخ محمد علي عيسى، ويتخذ اللازم لشغلها وفقاً للقانون. وفي 16 من إبريل سنة 1954 قدم الشيخ محمد علي عيسى العمدة المفصول ظلامة إلى وزير الداخلية يقول فيها "إن الحكم المنفذ به لم يتعرض للإجراءات السابقة على تصديق الوكيل البرلماني على قرار لجنة الشياخات بتعيينه عمدة، مما يفيد أن تلك الإجراءات تمت سليمة، ومطابقة للقانون. فتنفيذ الحكم، والحالة هذه، لا يقتضي إعادة إجراءات التعيين من أول مراحلها، بل يكتفي فيه بتصحيح العيب الذي أخذته المحكمة على القرار المطعون فيه، ويكون ذلك بعرض قرار لجنة الشياخات القاضي بتعيينه عمدة على وزير الداخلية للتصديق عليه". فاستطلعت وزارة الداخلية الرأي في ظلامة العمدة الشيخ عيسى لدى شعبة الشئون الداخلية والسياسية بقسم الرأي بمجلس الدولة، فأفتت في 21 من مايو سنة 1954 بأن المحكمة لم تتعرض لأوجه الطعن الموضوعية التي أثارها المدعي خليفة طه قنديل لتعييب عملية الانتخاب ذاتها، وإنما اقتصر الأمر على إلغاء القرار بسبب ما شابه من عيب عدم الاختصاص؛ لذلك ترى الشعبة أن تنفيذ الحكم لا يستلزم - على ما أشار به المتظلم - إعادة عملية الانتخاب من جديد، ويكفي مجرد عرض الأمر على وزير الداخلية ليعتمد بنفسه قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة، ويجب أن يلاحظ عند اعتماد وزير الداخلية لقرار لجنة الشياخات أن تكون أوجه الطعن الموضوعية التي أثارها المدعي، والتي لم تتعرض لها المحكمة اكتفاء بالعيب الشكلي، محل بحث وفحص وتقدير، حتى يراقب من جديد سلامة التطبيق القانوني وصحة الإجراءات؛ حتى لا يتعرض القرار الجديد للطعن. وعلى هدى هذه الفتوى أصدر وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 قراراً جديداً باعتماد قرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة. وبصحيفة مودعة سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 26 من أغسطس سنة 1954 أقام المطعون لصالحه (خليفة طه قنديل) الدعوى رقم 13417 لسنة 8 القضائية يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري الجديد الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد تعيين محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة، وما يترتب على ذلك من آثار. ونعى على القرار مخالفته للقانون للأسباب الآتية: (أولاً) أن اعتماد وزير الداخلية لقرار لجنة الشياخات من جديد إنما هو بمثابة إجازة لاحقة لقرار باطل بطلاناً مطلقاً لصدوره من غير مختص، والبطلان المطلق، كالإلغاء، لا تلحقه الإجازة، ولا يقبل الإقرار أو التصحيح. (ثانياً) أن في اتخاذ ذلك القرار اللاحق باعتماد تعيين نفس العمدة الصادر ضده الحكم بإلغاء تعيينه الأول، إهداراً لحجية الحكم النهائي الصادر من محكمة القضاء الإداري ضد ذات العمدة وإهداراً لقدسية الحكم الصادر فعلاً بالإلغاء ليكون حجة على الكافة بما فيهم العمدة المحكوم ضده باعتباره صاحب المصلحة الحقيقية الأولى، والذي انسحب عليه مباشرة وشخصياً أثر ذلك الحكم. (ثالثاً) إن من المسلم به علماً وعملاً أن جميع أحكام الإلغاء هي أحكام ذات حجية عينية على الكافة، فحكم الإلغاء الصادر ضد العمدة هو في الحقيقة حكم صادر بإعدام القرار الإداري المعيب بعيب عدم اختصاص الوكيل البرلماني بإصداره، مما يجعل ذلك القرار كأن لم يكن، والعدم لا ينشئ إلا العدم؛ وعلى ذلك فلا يمكن إعدام القرار الملغي بالنسبة للكافة وبعثه حياً يسعى بالنسبة لذات العمدة الملغي فعلاً اعتماد تعيينه عمدة بالذات. (رابعاً) أن تصرف وزير الداخلية باتخاذ قرار تعيين ذات العمدة المحكوم ضده شخصياً لا يعدو أن يكون واحداً من اثنين: فهو إما تصحيح لقرار باطل حكم القضاء المختص فعلاً بإلغائه، وإما أن يكون اعتماداً جديداً مبتدأ من جانب وزير الداخلية لتعيين العمدة المحكوم ضده فعلاً. فإذا اعتبر القرار اللاحق تصحيحاً للقرار الباطل السابق فإن القرار الملغي لا يرد عليه التصحيح؛ لأن المعدوم لا يقبل التصحيح. وإن اعتبر القرار اللاحق قراراً مبتدأ من جانب وزير الداخلية، فإن مثل هذا القرار المبتور الصلة بالقرار القديم الملغي يصبح قراراً وارداً على غير محله؛ لأن عدم الاختصاص الذي شاب القرار المحكوم فعلاً بإلغائه هو عيب جوهري أساسي يتعلق بمن أصدره، مما يجعل عدم مشروعيته أساسية؛ فهو بطلان جوهري متعلق بالنظام العام، فلا تلحقه إجازة ولا تصحيح على الإطلاق؛ ولأن توزيع الاختصاصات الإدارية بين السلطات الإدارية هو من صميم النظام العام في الدولة. ثم انتقل المطعون لصالحه (خليفة طه قنديل) بعد ذلك إلى التعقيب على فتوى شعبة الرأي بمجلس الدولة، التي استند إليها الوزير في إعادة اعتماد قرار تعيين العمدة المنتخب بمعرفة لجنة الشياخات، ورماها بالتناقض؛ إذ أن فحواها أن الشعبة قد أفتت في الواقع بأنه يجب على وزير الداخلية بحث وفحص وتقدير سائر أوجه الطعن الموضوعية الأخرى التي أثارها المدعي أمام محكمة القضاء الإداري، خلاف الطعن بعدم اختصاص الوكيل البرلماني باعتماد قرار لجنة الشياخات، والتي لم تتعرض لها المحكمة؛ لثبوت العيب الأخير وكفايته لإلغاء القرار، وذلك قبل أن يصدر وزير الداخلية قراراً باعتماد قرار لجنة الشياخات من جديد؛ حتى لا يتعرض القرار الجديد للطعن، في حين أن نفس الفتوى لم تجنح إلى وجوب إعادة إجراءات العمدية السابقة على ذلك الاعتماد الشكلي. فلهذه الأسباب مجتمعة ومع احتفاظه بحق إثارة باقي أوجه الطعن من جديد في وجه قرار الاعتماد الجديد أقام المطعون لصالحه تلك الدعوى يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد تعيين الشيخ عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل الأتعاب. ونظراً لصدور القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة فقد أحيلت هذه الدعوى إلى المحكمة الإدارية الأولى لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل، وقيدت بجدولها العام تحت رقم 544 لسنة 2 القضائية. وبجلسة 21 من أغسطس سنة 1955 حضر الشيخ محمد علي عيسى المطلوب الحكم بإلغاء تعيينه، وطلب قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى، فحكمت المحكمة بجلسة 25 من سبتمبر سنة 1955 بقبول تدخله. وبجلسة 16 من أكتوبر سنة 1955 دفع الحاضر عن الخصم الثالث بعدم اختصاص المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بنظر الدعوى، وبقاء الاختصاص بنظرها بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 لمحكمة القضاء الإداري، ولكن المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية حكمت بجلسة 8 من يناير سنة 1956 برفض الدفع بعدم اختصاصها، وقضت باختصاصها بنظر هذه الدعوى. وقدمت وزارة الداخلية ملف المادة، وطلبت الحكم برفض دعوى الشيخ خليفة طه قنديل. وقدم الخصم الثالث الشيخ محمد علي عيسى العمدة المطعون في قرار تعيينه مذكرة قال فيها إنه لا ينكر أن محكمة القضاء الإداري حكمت في 24 من يناير سنة 1954 بإلغاء قرار وزارة الداخلية الصادر في 3 من مارس سنة 1951 باعتماد قرار لجنة الشياخات بتعيينه عمدة؛ لأن هذا الاعتماد لم يصدر من الوزير كما يوجب القانون، وإنما الذي يريد أن يبرزه هو أن حكم الإلغاء المذكور قد انصب فقط على القرار الذي أصدره الوزير باعتماد قرار لجنة الشياخات، ولم يتناول قرار لجنة الشياخات نفسه؛ حيث لم يقع فيه بطلان من أي نوع. وينبني على ذلك أن أثر الإلغاء لا يمتد إلى قرار لجنة الشياخات الذي اعتمده الوزير، والذي ينبغي أن يبقى قائماً صحيحاً خاضعاً من جديد لاعتماد الوزير أو عدم اعتماده. وإذ لم يتضمن القانون رقم 141 لسنة 1947 ما يوجب صدور قرار وزير الداخلية باعتماد تعيين العمدة خلال أجل معين، فلا تثريب على الوزير إن هو اعتمد في 20 من يونيه سنة 1954 قرار لجنة الشياخات الذي صدر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الخصم المتدخل (محمد علي عيسى) عمدة لبلدة الطرانة، ولا ينطوي قرار الاعتماد على أية مخالفة للقانون ولا يمس حجية الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري؛ لأن هذا الحكم ألغى قرار الوكيل البرلماني لوزارة الداخلية الذي صدر باعتماد قرار لجنة الشياخات؛ حماية لاختصاص الوزير في أن يعتمد هو قرار اللجنة المذكورة، ومن شأن هذا الإلغاء زوال القرار الإداري الذي ألغي ليعود الحق إلى الموظف المختص بإصدار القرار، وهو هنا وزير الداخلية. ويقول الخصم الثالث (عيسى) إن السيد الوزير قد أعاد النظر في الموضوع برمته، ولم يجد ظلاً من الصحة لبقية المطاعن على قرار لجنة الشياخات، فاعتمد قرارها الذي صدر بتعيينه عمدة لبلدة الطرانة. وقد لوح المدعي في صحيفة دعواه بأنه يحتفظ بحقه في إثارة باقي أوجه الطعن القديمة في مواجهة قرار الاعتماد الجديد، ولكنه لم يثر حتى الآن أي وجه من أوجه الطعن، فظلت الدعوى محصورة في الدائرة التي أبدى فيها الدفاع السابق. وانتهى الخصم الثالث (الشيخ محمد علي عيسى) إلى أن قرار وزير الداخلية الصادر في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد قرار لجنة الشياخات بتعيينه عمدة لبلدة الطرانة مركز كوم حمادة، قد صدر مستنداً إلى تطبيق صحيح لنصوص القانون، ومنطوياً على نظر دقيق في جميع الظروف التي جرى فيها الانتخاب، ولم يشبه أية شائبة تجيز المساس به؛ ومن ثم تكون دعوى المدعي على غير أساس وحقيقة بالرفض، مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وبجلسة 23 من ديسمبر سنة 1956 أصدرت المحكمة الإدارية الأولى لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل حكمها في الدعوى "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت وزارة الداخلية والخصم الثالث مصروفات الدعوى، وبأن يدفع كل منهما للمدعي خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن تعيين العمدة يتم طبقاً للقانون رقم 141 لسنة 1947 بعملية مركبة من عدة إجراءات هي: تحرير كشوف المرشحين والناخبين، وانتخاب العمدة بمعرفة لجنة الشياخات، ثم عرض النتيجة على وزير الداخلية لاعتمادها. وكل هذه الإجراءات تكون - حسبما جاء بأسباب الحكم المطعون فيه - عملية واحدة غير مستقلة المراحل، والقصد منها تعيين العمدة، ولا يكتسب أحد مركزاً قانونياً في التعيين إلا باستنفاد هذه الإجراءات كاملة، متوجة بصدور قرار من وزير الداخلية بالتصديق على التعيين، فهذا القرار هو القرار الإداري النهائي الذي يستمد منه الحق في التعيين في العمدية، وكل ما يسبقه من إجراءات لا يعدو أن يكون من قبيل الأعمال التحضيرية والتمهيدية له، وهي تدور معه وجوداً وعدماً. فإذا صدر حكم بإلغاء قرار وزير الداخلية باعتماد تعيين العمدة انهارت عملية التعيين المركبة بكاملها، وتصبح الإجراءات المحضرة أو الممهدة لصدور قرار وزير الداخلية مجرد وقائع مادية لا يمكن الاستناد إليها في إعادة تكوين القرار الإداري الملغي، وذلك باتخاذ الإجراء القانوني الذي يبعث فيها الحياة القانونية من جديد. ومتى تقرر هذا النظر وكانت محكمة القضاء الإداري، يوم أن كانت مختصة وفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة السابق للتعديل الذي أدخله عليه القانون رقم 165 لسنة 1955، قد حكمت بجلسة 24 من يناير سنة 1954 في الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزارة الداخلية في 30 من مارس سنة 1951 باعتماد قرار لجنة شياخات مديرية البحيرة الصادر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الخصم الثالث الشيح محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة، وكانت وزارة الداخلية قد استجابت لقضاء هذا الحكم، وقامت بتنفيذه؛ بأن كتبت في 24 من مارس سنة 1954 إلى مديرية البحيرة بأنه تنفيذاً لهذا الحكم تخلى وظيفة العمدية من شاغلها الحالي - الشيخ عيسى - ويتخذ اللازم لشغلها وفقاً للقانون، فإن قرار تعيين الخصم الثالث عمدة، وهو القرار الصادر في 30 من مارس سنة 1951 يكون قد ألغي قضائياً بحكم محكمة القضاء الإداري، ويكون قد ألغي بالفعل، وذلك باستجابة وزارة الداخلية لتنفيذ حكم القضاء الإداري؛ وبذلك تنهار معه الإجراءات المحضرة أو الممهدة له ومنها قرار لجنة الشياخات بتعيين الشيخ عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة، وقالت المحكمة الإدارية إنه يبقى بعد ذلك تكييف القرار الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد قرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الشيخ عيسى عمدة، وهل هو قرار سحب للقرار الصادر من وزير الداخلية في 24 من مارس سنة 1954 بإخلاء وظيفة العمدية من الشيخ عيسى (الخصم الثالث)، أم أنه قرار تعيين مبتدأ للشيخ عيسى. وقالت المحكمة إنه لم يكن قراراً إدارياً بالمعنى الإداري، بل كان أمراً تنفيذياً لحكم قضائي صدر في الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية، ومن ثم تلازمه حجية الشيء المقضى به المقررة للحكم الصادر بذلك، فلا يقبل ذلك الأمر سحباً ولا إلغاء. وكان يتعين على الخصم الثالث - الشيخ عيسى - إذا نازع وزارة الداخلية في صحة تنفيذها للحكم، بالقرار الصادر منها بتنفيذه في 24 من مارس سنة 1954، أن يلجأ إلى محكمة القضاء الإداري لتفسير الغامض من منطوق الحكم دون جهة الإدارة التي استنفدت اختصاصها بإصدار هذا القرار وفقدت كل سلطان عليه؛ نزولاً على حجية الشيء المقضي. ولا يستقيم، والحالة هذه، تكييف قرار وزير الداخلية الصادر في 20 من يونيه سنة 1954 بأنه قرار سحب للقرار الصادر منها في 24 من مارس سنة 1954، بل هي منبت الصلة به تماماً، ولا يبقى من تكيف للقرار المطعون فيه (قرار الوزير في 20 من يونيه سنة 1954) سوى أنه قرار إداري مبتدأ لتعيين الخصم الثالث الشيخ عيسى عمدة، وذلك على أساس ما لجهة الإدارة من حق في إعادة إصدار قرار جديد بدلاً من القرار الملغى بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 24 من يناير سنة 1954 بإلغاء قرار وزارة الداخلية الصادر من وكيلها البرلماني في 3 من مارس سنة 1951، فإذا جاز القول بصحة ذلك، وأرادت وزارة الداخلية، في سبيل إعادة تكوين قرار جديد بتعيين الشيخ عيسى عمدة، أن تقف عند قرار لجنة الشياخات وتصدر قراراً جديداً بالتصديق عليه من الوزير المختص، فإنه يشترط لذلك، على حد ما جاء بأسباب الحكم المطعون فيه، أن يصدر قرار التصديق الجديد على مقتضى حكم القانون، وعلى وجه الخصوص ما نصت عليه المادتان 11 و27 من القانون رقم 141 لسنة 1947، ومعنى ذلك "أنه يجب أن يتم التصرف في قرار لجنة الشياخات وفي التظلمات المقدمة في مدى أربعة أشهر من تاريخ صدور القرار، وإلا عد القرار نافذاً"، ومعنى ذلك أن رقابة وزير الداخلية موقوتة بأربعة أشهر من تاريخ صدور القرار. فإذا انقضت مدة الأربعة الأشهر فلا يملك الوزير لقرار لجنة الشياخات إلغاء ولا اعتماداً. والثابت أن قرار لجنة الشياخات بتعيين الشيخ عيسى عمدة قد صدر في 30 من يناير سنة 1951؛ ومن ثم فإن القرار الجديد الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد قرار اللجنة يكون قد صدر بعد الميعاد القانوني. ويذهب الحكم المطعون فيه إلى أن قضاء الإلغاء يصيب القرار الإداري المركب بكامل أجزائه وكافة إجراءاته دون تمييز بين إجراء تمهيدي أو تحضيري أو نهائي. فإن عملية تعيين العمدة برمتها: من قرار لجنة الطعون، وقرار لجنة الشياخات، وقرار تصديق وزارة الداخلية، كلها تنهار وتتناثر أجزاء مبعثرة مجردة من أي أثر قانوني، والأثر الرجعي المقرر لقضاء الإلغاء يلحقها جميعاً. ولا يمكن أن تتحلل وزارة الداخلية من شرط التصديق على قرار لجنة الشياخات في الميعاد المحدد في المادة 11 من القانون رقم 141 لسنة 1947 في سبيل إصدار القرار الإداري النهائي الجديد، وهذا ما لم يتحقق في خصوصية هذه الدعوى؛ فيكون قرار وزير الداخلية الصادر في 20 من يونيه سنة 1954 بالتصديق على قرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951، والمطعون فيه بهذه الدعوى، معيباً لمخالفته للقانون، ويتعين القضاء بإلغائه. وجاء في أسباب الحكم المطعون فيه. بالإضافة إلى ما تقدم، أن قرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الخصم الثالث - الشيخ عيسى - عمدة لناحية الطرانة، وقد اعتمد من جديد بالقرار الوزاري المطعون فيه، فإن قرار لجنة الشياخات يعتبر جزءاً لا يتجزأ من قرار وزير الداخلية؛ ومن ثم يخضع لرقابة تلك المحكمة (المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية)، وهي في سبيل الفصل في القرار الوزاري المطعون فيه. وللمحكمة أن تعرض للفصل في طلب إلغاء القرار المطعون فيه مستظهرة ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه، سواء أثارها المدعي صراحة في دعواه أم حفظ لنفسه الحق في إثارتها على النحو الموضح بدعواه الأولى رقم 1018 لسنة 5 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري. ثم تعرضت المحكمة الإدارية لقرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951، وقالت إن عيب مخالفة القانون قد شابه لبطلان انعقاد لجنة الشياخات في اليوم الذي صدر فيه، وكان قد تحدد لانعقاد لجنة الشياخات للنظر في تعيين عمدة لناحية الطرانة جلسة 29 من يناير سنة 1951، ودعى الأشخاص الذين لهم الحق في اختيار العمدة للحضور في هذه الجلسة، ولكن صدر في هذا اليوم قرار "بتأجيل نظر المسائل المعروضة اليوم لجلسة باكر، وتنبه على جميع الحاضرين بذلك"، وفي اليوم التالي (30 من يناير سنة 1951) انعقدت اللجنة بكامل هيئتها، وحضر من الناخبين (23) من 45، وصوتوا جميعاً للخصم الثالث الشيخ عيسى. والمدعي ينعى على اجتماع اللجنة في جلسة 30 من يناير سنة 1951 مخالفة القانون لعدم الإعلان عنه قانوناً، وما دام السيد رئيس النيابة لم يحضر الجلسة الأولى (29 من يناير) فإن اللجنة لا تكون قد انعقدت انعقاداً قانونياً صحيحاً، ولا يملك أعضاؤها مجتمعين بدون السيد رئيس النيابة أن يباشروا إجراء أو يصدروا قراراً؛ ومن ثم فلا يكون القرار الصادر في 29 من يناير سنة 1951 بتأجيل نظر جميع المسائل التي كان مقرراً عرضها على لجنة الشياخات في ذلك اليوم، ومنها عمدية الطرانة، إلى اليوم التالي صادراً من لجنة الشياخات، وكان الواجب صرف الحاضرين، وتحديد جلسة جديدة ليعلن بها ذوو الشأن؛ ومن ثم يكون قرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951 قد صدر باطلاً، ويكون قرار وزير الداخلية الصادر في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماده، والمطعون فيه بهذه الدعوى، قد ورد على غير محل، ويتعين الحكم بإلغائه لوجهين: (1) لعدم صدوره في الميعاد المحدد في المادة 27 من القانون رقم 141 لسنة 1947، بعد أن جرد قرار لجنة الشياخات الوارد عليه من كل قيمة قانونية بالحكم الصادر في الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية من محكمة القضاء الإداري في 24 من يناير سنة 1954. (2) لوروده على قرار للجنة الشياخات باطل لصدوره في جلسة لم يتم انعقادها على مقتضى حكم القانون، وفي هذا القدر الكفاية للحكم بإلغاء قرار وزير الداخلية المطعون فيه دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن الموجهة إليه أو إلى قرار لجنة الشياخات المعتمد به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن مثار النزاع هو ما إذا كان إلغاء القرار الإداري لعيب في الشكل أو في الاختصاص يستتبع لزوماً إسقاط كافة المراحل التي مر بها القرار محل الطعن، أم أن الأمر لا يقتضي في حدود ما قضى فيه الحكم سوى تصحيح الإجراء الشكلي أو عرض الأمر على المختص ليصدر قراراً جديداً فيه طبقاً للقانون، بحيث لا ينصب التنفيذ إلا على الجزء الذي كان محلاً لقضاء الإلغاء، دون غيره من الأجزاء الأخرى التي لها كيانها المستقل القائم بذاته. فإذا كان من المقرر في كيفية تنفيذ الأحكام عموماً أن يكون التنفيذ على مقتضى منطوق الحكم حسبما يبين من أسبابه في الحدود التي قالت فيها المحكمة كلمتها على ضوء ما ثار فيه الجدل أو حصل فيه النزاع - إذا كان هذا مقرراً، فإن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية لا يقتضي إذن أكثر من تصحيح العيب الذي كان محلاً له، بحيث تظل كافة المراحل السابقة على هذا الإجراء المعيب الذي كان سبباً في البطلان قائمة منتجة لكافة آثارها؛ إذ أنها ليست مترتبة على هذا الإجراء أو مستندة إليه حتى تسقط بسقوطه. وتأسيساً على ذلك عرضت وزارة الداخلية قرار لجنة الشياخات على وزير الداخلية ليصدر قراراً في شأن قرار لجنة الشياخات، طالما أن الوزير ليس مقيداً في قانون العمد بفترة زمنية معينة تزول بانتهائها قدرته على مباشرة ولايته في هذا الصدد؛ ذلك أن مدة الأربعة الأشهر المحددة للوزير في القانون رقم 141 لسنة 1947 لاعتماد قرار لجنة الشياخات خلالها، لا تسري بالنسبة إلى الوزير إلا من تاريخ عرض قرار اللجنة المذكورة عليه، وهذا لم يتحقق في الحالة المعروضة إلا عندما عرض عليه أخيراً تنفيذاً للحكم؛ فمن ثم يكون القرار محل الطعن قد صدر، من هذه الوجهة، سليماً مطابقاً للقانون، مما كان يتعين معه رفض الطعن عليه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً لحكم القانون، فإنه يتعين الطعن فيه بالإلغاء، والقضاء بإعادة القضية إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية للفصل فيها من جديد على أساس المبدأ الذي تضعه المحكمة الإدارية العليا في النقطة القانونية مثار هذا الطعن.
ومن حيث إنه متى كانت الدعوى مهيأة للفصل فيها، وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بعد إذ أبدى ذوو الشأن ملاحظاتهم بصدده، واستوفوا فيه دفوعهم ودفاعهم، وقدموا مستنداتهم، فقضت المحكمة الإدارية الأولى لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل أولاً: بجلستها المنعقدة في 8 من يناير سنة 1956 برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وباختصاصها بنظرها، وحددت جلسة 22 من يناير سنة 1956 لنظر الموضوع. ثانياً: وبجلستها المنعقدة في 23 من ديسمبر سنة 1956 قضت "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت وزارة الداخلية والخصم الثالث بمصروفات الدعوى. وبأن يدفع كل منهما للمدعي خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة"؛ فإن لهذه المحكمة، والحالة هذه، أن تتصدى للفصل في هذا الموضوع، ولا وجه لإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد (1).
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع الذي تقدم به الخصم المتدخل أمام المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بعدم اختصاصها بنظر دعاوى العمد والمشايخ، فإنه دفع لا يقوم على سند من القانون، وقد أصاب الحكم الصادر من تلك المحكمة بجلسة 8 من يناير سنة 1956 الحق في قضائه برفضه؛ فالفقرة الأولى من المادة 13 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، تنص على أن: "تختص المحاكم الإدارية بصفة نهائية بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود (ثالثاً) و(رابعاً) و(خامساً) من المادة 8 عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو بالضباط، وفي طلبات التعويض المترتبة عليها". وتنص الفقرة الثالثة من المادة 8 المشار إليها على: "الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح علاوات". ومقتضى هذين النصين أن المحاكم الإدارية تختص وحدها بصفة نهائية بنظر الدعاوى الخاصة بالتعيين في الوظائف العامة باستثناء الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية والضباط. ولا جدال في أن العمدة، بحكم منصبه، عامل أساسي في البنيان الإداري بالإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة؛ إذ يمثل الإدارة المركزية في القرية، ويسهم بقسط كبير في تسيير مرافقها العامة؛ فهو بهذه المثابة من موظفي الدولة العموميين، يتولى أعباء وظيفة عامة في الدرج الرياسي ويتمتع بسلطات عديدة، وتحكمه اللوائح العامة ويصدر القرارات الإدارية في حدود اختصاصه، ولو أنه لا يتناول مرتباً ولا يعتزل مركزه عند بلوغه سناً معينة؛ يؤكد ذلك أن المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 الخاص بالانتخاب نصت على أنه "لا يجمع بين عضوية أي المجلسين وتولي الوظائف العامة بأنواعها، والمقصود بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العمومية، ويدخل في ذلك كل موظفي ومستخدمي مجالس المديريات والمجالس البلدية، وكل موظفي وزارة الأوقاف ومستخدميها وكذلك العمد"، ونصت المادة 11 من القانون رقم 68 لسنة 1936 الخاص بانتخاب أعضاء مجالس المديريات على أنه "لا يجمع بين عضوية مجلس المديرية وتولي الوظائف العامة بأنواعها، والمقصود بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العمومية، ويدخل في ذلك كل موظفي ومستخدمي مجالس المديريات والمجالس البلدية أو المحلية أو القروية، وكل موظفي ومستخدمي وزارة الأوقاف والمعاهد الدينية، وكذلك العمد والمشايخ". ولما كانت وظائف العمد والمشايخ ليست من بين الوظائف الداخلة في الهيئة من الفئة العالية، فإن المنازعات المتعلقة بالتعيين فيها لا تختص بها محكمة القضاء الإداري، وإنما تكون من اختصاص المحاكم الإدارية بصفة نهائية، ويكون الحكم برفض الدفع بعدم اختصاصها سليماً، متفقاً وأحكام القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف العمدية (رقم 18/ 2/ 576) وعلى أوراق الانتخاب المتعلقة بتعيين عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة مديرية البحيرة أن هذه الوظيفة قد خلت في 8 من سبتمبر سنة 1949 بوفاة شاغلها محمد المصري محمد محمد عيسى، وأجريت تحريات الترشيح لها، ثم تبين لوزارة الداخلية حصول مخالفات قانونية في القيد بكشفي المرشحين والناخبين وكذلك في عرضهما، فقررت بكتابها رقم 18/ 2/ 3/ 60 في 19 من أغسطس سنة 1950 إعادة تحرير كشوف المرشحين والناخبين وفقاً لأحكام القانون والسير في الإجراءات التالية لذلك، وقام مركز كوم حمادة بتحرير كشف المرشحين من عشرة أسماء ممن يدفعون ضريبة أكثر من غيرهم، وكان من بين الأسماء العشرة محمد علي عيسى المرشح الخامس، ومؤشر قرين اسمه أنه يدفع ضريبة قدرها 13.491 مجـ، كما كان المدعي خليفة طه قنديل المرشح التاسع ومؤشر قرين اسمه أنه يدفع ضريبة قدرها 9.838 مجـ، وكان المرشح الثامن هو بسطا مرقس ويدفع ضريبة قدرها 5.830 مجـ. وكذلك حرر المركز كشف الناخبين من 43 ناخباً، وعرض هذان الكشفان عرضاً صحيحاً بالناحية لمدة أسبوع من 20 من نوفمبر سنة 1950 إلى 27 منه. وقدمت أثناء هذه الفترة طلبات وطعون فصلت فيها اللجنة المختصة بإضافة ناخبين إلى كشف الناخبين فأصبح عددهم 45 ناخباً، كما رفضت اللجنة طلبات وطعوناً أخرى لأنها قدمت بعد الميعاد القانوني أو لأنها قدمت من غير ذي صفة. وحددت المديرية يوم 29 من يناير سنة 1951 لانعقاد لجنة الشياخات، وأعلنت ناخبي هذه العمدية بجلسة 29 من يناير سنة 1951، وفيها أصدر رئيس اللجنة قراراً هذا نصه: "عملاً بالمادة الثالثة عشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947 اجتمعت لجنة الشياخات بديوان مديرية البحيرة يوم الاثنين 29 من يناير سنة 1951 برياسة وكيل المديرية وحضور السادة الأعضاء وهم: مندوب وزارة الداخلية وأعضاء اللجنة عن المراكز المعروضة مسائلها اليوم، وقد أخطرنا وكيل النيابة الأول أن السيد رئيس النيابة مريض اليوم، وأن وكيل النيابة اتصل بنيابة الاستئناف وطلب قراراً بانتدابه للقيام بأعمال رياسة النيابة؛ حتى يستطيع مباشرة أعماله أثناء غيابه، وبالتالي حضور لجنة الشياخات، وأن كتاب الانتداب سيصل بقطار الساعة الثالثة من مساء اليوم؛ لذلك قررت اللجنة بإجماع آراء الحاضرين تأجيل نظر المسائل المعروضة اليوم لجلسة باكر وتنبه على جميع الحاضرين بذلك"، وكان عدد الحاضرين من الناخبين 23 ناخباً. وقد جاء بمحضر لجنة الشياخات رقم 253 بجلستها المنعقدة في يوم الثلاثاء 30 من يناير سنة 1951 برياسة وكيل مديرية البحيرة وحضور مندوب وزارة الداخلية والأستاذ بديع الدخاخني رئيس نيابة دمنهور وجميع الأعضاء ما يأتي: "بعد الاطلاع على نصوص القانون وعلى كشف المرشحين وعلى كشف من لهم حق اختيار العمدة، فقد طرح على اللجنة موضوع تأجيل النظر في هذه العمدية لجلسة أخرى، ولكن اللجنة رأت السير في الإجراءات بعد أخذ رأي السيد مأمور المركز الذي أوضح أنه لا يوجد أية خطورة على الأمن العام لو بت في هذه العمدية بجلسة اليوم؛ وذلك لحسم النزاع بين المرشحين؛ وعندئذ نودي على الحاضرين من المرشحين والناخبين، ولما تأكدت اللجنة من وجود أكثر من نصف من لهم حق اختيار العمدة قررت بإجماع الآراء السير في الإجراءات وكانت النتيجة على النحو الآتي: من لهم حق اختيار العمدة 45، حضر منهم 23 وتخلف 22، وكانت النتيجة بعد فرز الأصوات هي 23 اختاروا كلهم الشيخ محمد علي عيسى، فقررت اللجنة بالإجماع تعيينه عمدة لتلك الناحية، كما جاء في محضر هذا التعيين أنه يدفع ضريبة مقدراها 491 م و13 ج من أطيان زراعية، وليس له سوابق، ولم يسبق تعيينه عمدة أو شيخاً ولكنه كان شيخ خفراء واستقال، وأنه من أسرة العمدة المتوفى. وجاء في ملحوظة أخيرة بهذا المحضر أنه "ثبت من التحقيق الذي أجراه المركز أن ما يدفعه هذا المرشح من الضرائب قبل خلو الوظيفة هو 700 م و7 ج عن الأطيان التي يملكها وباقي النصاب الموضح قرينه قد تم نقل ملكيته له بعد خلو الوظيفة، وأنه يوجد بكشف المرشحين من يدفع ضريبة أقل منه"، كما جاء في محضر التحقيق الذي جرى بشأن النصاب المالي للعمدة المنتخب - عيسى - ما قرره صراف الناحية اسكندر عوض الله من أن الشيخ محمد علي عيسى يمتلك فدانين بالميراث عن والده ووالدته، وأن جملة الضريبة التي يؤديها بالفعل للحكومة تصل إلى ثلاثة عشر جنيهاً مصرياً تقريباً في العام، وأنه يمتلك قبل ذلك بعقود مسجلة 9 س و12 ط و3 ف ويؤدي عن هذه الأطيان وحدها مبلغ سبعة جنيهات وسبعين قرشاً، وأن بعض الأطيان لم ينقل إليه تكليفها، ولكنه يباشر زراعتها ويدفع عنها الأموال، كما أكد أيضاً مأذون الناحية بأن الشيخ محمد علي عيسى يملك حقاً فدانين بالميراث عن والديه، وأنه واضع يده على هذه الأرض ويجري استغلالها ويدفع عنها الأموال، ثم أنه يملك أيضاً فدانين وخمسة عشر قيراطاً وعشرة أسهم بعقد مسجل بمحكمة كوم حمادة في 28 من مايو سنة 1945، أي قبل خلو وظيفة العمدية بسنوات، وكذلك يملك عشرين قيراطاً وثلاثة وعشرين سهماً بموجب حكم بصحة التعاقد صادر لصالحه من تلك المحكمة في 16 من سبتمبر سنة 1944. وقد أشر معاون الإدارة الذي قام بالتحقيق في 21 من نوفمبر سنة 1950 على تلك العقود التي قدمها إليه المطعون عليه في كشوف الترشيح وأثبت ذلك في الصفحة رقم 93 من ملف عمدية الطرانة، هذا، وقد بان كذلك للمحكمة بعد الاطلاع على محاضر لجنة فحص الطعون المنعقدة بديوان مديرية البحيرة في 9 من يناير سنة 1951 برياسة وكيل المديرية أنها قامت بفحص الطعون المقدمة في كشوف المرشحين لهذه العمدية وكشوف من لهم حق اختيار العمدة، وقالت اللجنة في الطعن المقدم من قنديل طه قنديل - قريب المدعي - ضد الخصم الثالث - الشيخ محمد علي عيسى - إن كشوف المرشحين والناخبين قد عرضت عرضاً قانونياً بالتطبيق لنص المادة الثامنة من القانون رقم 141 لسنة 1947، وكان عرضها في المدة من 20 من نوفمبر سنة 1950 إلى 27 منه، ولكن الطعن المقدم ضد الشيخ عيسى ورد للمركز وللمديرية في 15 من نوفمبر سنة 1950، أي قبل عرض الكشوف الرسمية بالناحية، ولما كان الطاعن غير مقيد بالكشوف وإنما قدم طعنه بقصد النيل من منافس قريبه المرشح - خليفة طه قنديل المدعي - وبهذا يكون الطاعن لا صفة له في ذلك، فضلاً عن أنه قدم طعنه قبل الأوان وقبل عرض الكشوف؛ ومن أجل ذلك قررت اللجنة بإجماع الآراء "عدم قبول الطعن شكلاً لتقديمه قبل الميعاد ومن غير ذي صفة في تقديمه". وثابت أيضاً أن قرارات لجنة الطعون أرسلت للمركز في 11 من يناير سنة 1951 لإعلان الطاعنين والطالبين بما تم في طعونهم وطلباتهم، ولتنفيذ القرارات الخاصة بقيد أسماء من قررت اللجنة قيدهم، وليس في ملف المادة ما يدل على أن طعناً قد قدم في قرارات لجنة فحص الطعون فأصبحت قراراتها نهائية محصنة. وبعد أن تمت جميع تلك المراحل على النحو المتقدم أرسلت مديرية البحيرة إلى وزارة الداخلية قرار لجنة الشياخات الصادر في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة لاعتماده، فأشر بالموافقة على قرار اللجنة السيد وكيل وزارة الداخلية البرلماني في 28 من فبراير سنة 1951، ومن بعده على الصفحة ذاتها إشارة نصها كالآتي: "وقع حضرة صاحب المعالي الوزير على التقرير في 3 من مارس سنة 1951"، وإن كانت موافقة السيد الوزير غير ثابتة في أصول الأوراق ولا أثر لها في ملف المادة، وإنما الثابت فقط موافقة وتوقيع السيد وكيل الوزارة البرلماني على قرار لجنة شياخات مديرية البحيرة. وفي هذا القرار طعن المدعي خليفة طه قنديل بعريضة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 2 من مايو سنة 1951، وقيدت تحت رقم 1018 لسنة 5 القضائية، وطلب فيها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة. وبجلسة 24 من يناير سنة 1954 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في تلك الدعوى "بإلغاء القرار الصادر في 3 من مارس سنة 1951 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن المادة 11 من القانون رقم 141 لسنة 1947 قد أسندت إلى وزير الداخلية دون غيره اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ. وقالت المحكمة أيضاً إنه يبين من المرسوم الصادر في 18 من يونيه سنة 1936 بإنشاء وظيفة وكيل الوزارة البرلماني أن المادة الثانية منه قد حددت اختصاص وكيل الوزارة البرلماني، وقصرت هذا الاختصاص على المسائل السياسية والبرلمانية دون المسائل الإدارية، فليس له أي اختصاص في شأنها. وأن اعتماد قرار لجنة الشياخات هو مسألة من صميم المسائل الإدارية التي حرمت على وكيل الوزارة البرلماني بنص المرسوم السالف الذكر؛ ومن ثم يكون قرار وكيل الوزارة باعتماد قرار لجنة الشياخات مشوباً بعيب عدم الاختصاص لصدوره ممن لا يملكه؛ ويتعين لذلك إلغاؤه دون حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى. وفي 24 من مارس سنة 1954 أرسل السيد وزير الداخلية إلى السيد مدير البحيرة صورة من حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 24 من يناير سنة 1954 في الدعوى رقم 1018 لسنة 5 ق، وجاء في كتابه "تنفيذاً لهذا الحكم تخلى وظيفة العمدية بهذه الناحية من شاغلها الحالي الشيخ محمد علي عيسى، وعلى المديرية اتخاذ اللازم لشغل هذه الوظيفة وفقاً للقانون رقم 141 لسنة 1947". وفي 16 من إبريل سنة 1954 تظلم العمدة محمد علي عيسى بكتاب بعث به إلى السيد وزير الداخلية قال فيه إن الحكم المذكور قد ألغى قرار السيد وكيل وزارة الداخلية باعتماد قرار لجنة الشياخات، ولم يتعرض حكم محكمة القضاء الإداري للإجراءات أو القرارات السابقة على اعتماد وكيل الوزارة، وطلب العمدة إعادة عرض قرار لجنة الشياخات المذكور على سيادة وزير الداخلية لاعتماده. ولا محل أصلاً لإعادة إجراءات اختيار العمدة من أولى مراحلها. وقال الشيخ عيسى إن العمدية في تلك الناحية هي في أسرته منذ الآباء والأجداد، وأنه قد باشر بالفعل شئونها منذ عام 1951 على أكمل وجه. فأرسلت وزارة الداخلية هذا التظلم مع كافة الأوراق في 28 من إبريل سنة 1954 إلى شعبة الشئون الداخلية والسياسية بإدارة الرأي بمجلس الدولة، فأفادت الشعبة بكتابها رقم 3601 في 6 من يونيه سنة 1954 بأن "المحكمة لم تتعرض لأوجه الطعن الموضوعية التي أثارها الطاعن خليفة لتعييب عملية الانتخاب ذاتها، وإنما اقتصرت محكمة القضاء الإداري على إلغاء قرار وكيل وزارة الداخلية يسبب ما شابه من عيب عدم الاختصاص؛ ومن أجل هذا ترى الشعبة أن تنفيذ هذا الحكم لا يستلزم إعادة عملية الانتخاب من جديد، ويكفي مجرد عرض الأمر على السيد وزير الداخلية ليعتمد بنفسه قرار لجنة الشياخات باختيار عمدة، مع مراعاة أن تكون أوجه الطعن الموضوعية التي أثارها الطاعن محل بحث السيد الوزير وفحصه وتقديره، حتى يراقب من جديد سلامة التطبيق القانوني وصحة الإجراءات؛ وحتى لا يتعرض القرار الجديد للطعن من جديد". ونظراً لأن أوجه الطعن المشار إليها سبق أن فحصتها الوزارة وقت النظر في انتخاب العمدة الشيخ عيسى، وثابت من تقرير السيد مفتش الداخلية أن العمدة المطعون في تعيينه مالك للنصاب الذي يخوله حق الترشيح، وأن تأجيل نظر العمدية من جلسة 29 من يناير إلى 30 من يناير سنة 1951 كان لمرض السيد رئيس النيابة، وقد أعلن بذلك الناخبون الذين حضروا في اليوم الأول 29 من يناير وهم أكثر من نصف عدد الناخبين، وأنهم أجمعوا في اليوم التالي على اختيار العمدة الشيخ عيسى، ولأن المدعي لم يستطع إثبات ما عزاه من دخول بعض الأشخاص بأسماء بعض الناخبين أثناء عملية الانتخاب، وبعد التحقق من هذه الأمور جميعاً وقع السيد وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 على قرار لجنة الشياخات الصادر بجلسة 30 من يناير سنة 1951، واعتمد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة. فطعن المدعي من جديد في هذا القرار مطالباً بإلغائه، وأقام الدعوى رقم 544 لسنة 2 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية، فأصدرت بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1956 حكمها، وهو يقضي "بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة، وما يترتب على ذلك من آثار"، وهذا الحكم هو موضوع هذا الطعن.
ومن حيث إنه يبين من استقراء نصوص القانون رقم 141 الصادر في 29 من أغسطس سنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ، وهو الذي وقعت في ظله وقائع النزاع، أن المشرع قسم، منذ البداية، عملية تعيين العمدة إلى مرحلتين أساسيتين: أولاهما، حصر الأشخاص الذين لهم حق اختيار العمدة، بإعداد كشوف المرشحين والناخبين بوساطة المركز، والطعن فيها أمام لجنة الطعون. والثانية إجراءات اختيار العمدة بوساطة لجنة الشياخات بعد إجراء الانتخاب على الوجه المبين بالقانون واعتماد قرار اللجنة من وزير الداخلية. وكل من هاتين المرحلتين مستقلة بذاتها عن الأخرى، فبعد خلو منصب العمدية يحرر المركز كشفين أحدهما خاص بالمرشحين (المادة 4 من القانون رقم 141 لسنة 1947) والثاني خاص بالناخبين (المادة 7 من القانون)، ثم يعرض الكشفان لمدة أسبوع في مقر العمدية وفي الأماكن المطروقة في القرية. ولكل من أهمل قيد اسمه بغير حق أن يطلب قيده، ولكل من كان اسمه مقيداً بالكشف أن يطلب حذف اسم من قيد اسمه بغير حق (المادة 8)، وتقدم هذه الطلبات إلى مأمور المركز كتابة خلال مدة العرض والأسبوع التالي له، وتفصل في هذه الطلبات لجنة مشكلة وفقاً للمادة التاسعة من القانون سالف الذكر من وكيل المديرية، رئيساً، ومن أحد أعضاء النيابة وأحد أعضاء لجنة الشياخات من الأعيان، وتكون قرارات هذه اللجنة نهائية. وعند ذلك تنتهي المرحلة الأولى، وتبدأ المرحلة الثانية، وهي اختيار العمدة. فتدعو لجنة الشياخات أمامها الأشخاص الذين لهم حق اختيار العمدة (المادة العاشرة)، ثم تختار العمدة. ولا يكون قرارها بالاختيار نهائياً إلا بعد اعتماده من وزير الداخلية الذي له ألا يوافق عليه فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته (المادة 11 من القانون)، وهذا النص صريح في أن الذي يملك التصديق على قرار لجنة الشياخات من عدمه هو وزير الداخلية. وغني عن القول أن الاختصاص الذي يتحدد بقانون لا يجوز النزول عنه أو الإنابة فيه إلا في الحدود وعلى الوجه المبين في القانون، كما لو كان ثمة قانون يرخص في التفويض.
ومن حيث إن المادة الحادية عشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947 تنص على أن "يرفع قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إلى وزير الداخلية لاعتماده، وله ألا يوافق على القرار فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته. وعلى اللجنة في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة، ويعين من يحوز أغلبية أصوات الناخبين. ويسلم المدير العمدة، بعد اعتماد القرار المذكور، تقريراً بتعيينه موقعاً عليه من وزير الداخلية. وفيما يتعلق بالشيخ يسلم إليه تقريراً بتعيينه موقعاً عليه من المدير". ويبين من هذا النص ومن المناقشات البرلمانية التي دارت حوله أن لوزير الداخلية سلطة الاعتماد باعتباره السلطة ذات الرياسة والإشراف على المديرية وعلى الهيئات الإدارية الموكول لها عملية الانتخاب، والاعتماد يتم بعد مراجعة الإجراءات وظهور خلوها من المخالفات القانونية، ومتى اتضحت له سلامة الإجراءات اعتمد الانتخاب، ويندرج في الرقابة على صحة الإجراءات ضرورة التحقق من استيفاء الشخص المختار للعمدية لجميع شروط الصلاحية الواجب توافرها فيه. وقد أطلق الشارع سلطة الوزير عند النظر في اعتماد قرار لجنة الشياخات الأول، فلم يقيدها بأسباب معينة؛ ومن ثم فإن للوزير أن يعترض عليه إما لأسباب قانونية أو لأسباب موضوعية يقدر هو أهميتها أو خطورتها. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت (2) بأنه "لما كان وزير الداخلية هو الرئيس الإداري الأعلى المشرف على الهيئات المحلية المنوط بها القيام بالإجراءات المرسومة في القانون لانتخاب العمدة أو الشيخ، فإن له بهذه الصفة سلطة مراقبة سلامة هذه الإجراءات والتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، فيرفض اعتماد قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إذا تمت العملية على وجه يخالف القانون، كما أن له إلى جانب هذا بوصف كونه الوزير المسئول عن شئون الأمن في البلاد ألا يعتمد قرار اللجنة حتى لو تمت العملية مطابقة للقانون لأسباب موضوعية يقدر أهميتها أو خطورتها فيما لو ولي المنتخب هذا المنصب، سواء أكان ذلك لعدم تجاوبه مع القائمين على شئون الأمن، أم لأنه لا يستطيع القيام بأعبائه بجدارة، أم لغير ذلك من الأسباب التي مردها إلى الحرص على رعاية المصلحة العامة. فإذا لم يعتمد القرار لمثل هذا أو ذاك من الأسباب أعاده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته، وعليها في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة، ويعين من يحوز أغلبية أصوات الناخبين". فسلطة الوزير في الاعتراض على شخص المنتخب لا مراء فيها؛ حتى يمكن تفادي ما ينزلق إليه الناخبون من سوء الاختيار رغبة أو رهبة. ومع ذلك فإنه إذا ما أدت إعادة الانتخاب إلى إصرار الناخبين على اختيار الشخص ذاته، فلا مناص إذن من أن يعتمد الوزير التعيين. أما عن سلطة الوزير في الاعتراض على قرار اللجنة بسبب بطلان أي من الإجراءات السابقة، فإنها يجب ألا تجاوز الإجراءات الخاصة بعملية الانتخاب ذاتها، دون أن تمتد إلى ما سبقها من إجراءات؛ وآية ذلك أن المشرع قسم، على ما سلف البيان، عملية اختيار العمدة إلى مراحل، حدد لكل مرحلة منها مجالها ورسم الإجراءات الخاصة بها والحد الذي تنتهي عنده؛ فبالنسبة إلى مرحلة الكشوف جعل مداها صيرورة هذه الكشوف نهائية بالفصل في الطعون التي تقدم فيها أو بفوات مواعيد الطعن إذا لم تقدم طعون. ودليل ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 11 من أنه إذا باشر الوزير سلطته في الاعتراض على قرار اللجنة كان على اللجنة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة، ومدلول هذا أن اعتراض الوزير يعود بالأمر ابتداء من مرحلة الانتخاب بوساطة الناخبين الذين تعينوا في الكشوف التي أصبحت نهائية، على أنه يجب أن يلاحظ على أي حال أن قرار الوزير بعدم اعتماد تعيين العمدة يجب أن يكون قائماً على أسس صحيحة تؤدي إلى سلامة النتيجة التي رتبت عليها، وهو في ذلك يخضع لرقابة القضاء الإداري وإشرافه.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم لا يستساغ القول بأن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 24 من يناير سنة 1954 في الدعوى رقم 1018 لسنة 5 القضائية بإلغاء القرار الصادر في 3 من مارس سنة 1951 باعتماد تعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لناحية الطرانة مركز كوم حمادة مديرية البحيرة، يمتد إلى القرار الصادر من لجنة شياخات البحيرة الصادر في 30 من يناير سنة 1951، وإنما انصب حكم الإلغاء على قرار اعتماد وزارة الداخلية وحده؛ لأنه صدر ممن لا يملك إصداره، دون المساس بما سبقه من إجراءات تمت صحيحة في مجالاتها على الوجه المبين في القانون، وأسباب حكم الإلغاء لم تتعرض من قريب أو بعيد لقرار لجنة الشياخات ولا لما سبقه من إجراءات تدخل في عملية اختيار وتعيين العمدة المطعون عليه. وغني عن البيان أن قرار لجنة الشياخات ذاته قد جاء، كما سلف البيان، خلواً من أي عيب يشوبه أو يمس مشروعيته، كما انبنى على إجراءات تمت وفقاً للقانون؛ ومن ثم يظل قرار لجنة الشياخات صحيحاً قائماً حتى يلحقه تصديق الوزير ليولد القرار آثاره القانونية المشروعة. وذلك التصديق من جانب وزير الداخلية ليس في القانون رقم 141 لسنة 1947 ما يوجب صدوره في خلال فترة معينة، فلا تثريب على وزير الداخلية، والحالة هذه، إن هو اعتمد في 20 من يونيه سنة 1954 قرار لجنة الشياخات الخالي من كل عيب، والصادر منها في 30 من يناير سنة 1951 بتعيين الشيخ عيسى عمدة لناحية الطرانة، ولا يمس قرار الوزير الصادر بالاعتماد حجية حكم الإلغاء الصادر بإبطال قرار وكيل وزارة الداخلية البرلماني في 3 من مارس سنة 1951، ومن شأن هذا الإلغاء زوال القرار المعيب وحده لتعود ولاية الاعتماد إلى صاحبها الذي خصه الشارع بها دون سواه، وهو وزير الداخلية الذي حرص من بادئ الأمر على تنفيذ حكم الإلغاء، فقام بتبليغ منطوقه إلى السيد مدير البحيرة لإجراء اللازم وفقاً لأحكام القانون، ثم قام الوزير بعرض وجهة نظر العمدة المطعون ضده - الشيخ عيسى - على شعبة الرأي والتشريع لوزارة الداخلية بمجلس الدولة، ونزل الوزير على مقتضى فتواها، فأعاد النظر في موضوع العمدية برمته، وفحص المآخذ التي أثارها المدعي على تعيين العمدة المختار، فلما لم يجد واحداً منها يقوم على أساس صحيح من الواقع أو من القانون بادر، وفي غير إبطاء، بإصدار قراره الجديد السليم باعتماد قرار لجنة الشياخات في 20 من يونيه سنة 1954.
ومن حيث إنه لا وجه لما أثاره المدعي أمام القضاء الإداري في الدعوى الأولى رقم 1018 لسنة 5 القضائية وفي الدعوى الثانية رقم 544 لسنة 2 القضائية من عدم توافر شرط النصاب المالي للعمدة المختار؛ ذلك لأن هذا الطعن سبق أن أثاره أحد أقارب المدعي أمام اللجنة المختصة المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم 141 لسنة 1947 التي تنص على أنه "تفصل في الطلبات المذكورة لجنة مؤلفة من وكيل المديرية رئيساً ومن أحد أعضاء النيابة ومن أحد أعضاء لجنة الشياخات الأعيان من غير المركز التابع له القرية، وذلك في العشرة أيام التالية لانقضاء ميعاد تقديم الطلبات. وتكون قرارات اللجنة نهائية، وتصدر بأغلبية الأصوات، وتبلغ قرارات اللجنة إلى المركز"، وقد اجتمعت اللجنة المذكورة وفحصت الطعن، وأصدرت بجلسة 9 من يناير سنة 1951 قرارها بعدم قبوله لتقديمه إليها قبل الميعاد، ومن غير ذي صفة، ولم يطعن المدعي في هذا القرار الإداري في حينه، رغم أن التبليغ به عن طريق المركز قد تم في الميعاد، وعلى نحو ما سلف بيانه. ويترتب على ذلك أن يظل اسم الشيخ محمد علي عيسى مدرجاً في كشف المرشحين للعمدية. أما من الناحية الموضوعية فإن التحقيقات التي أجريت لمعرفة مدى صحة هذا الادعاء قد انتهت إلى أن العمدة المختار كان يدفع أموالاً أميرية عن أراض يملكها قبل خلو العمدية، مقدارها الثابت 7.700 مجـ، وأنه يدفع عن أرض ورثها من والديه بعد ذلك ما يرفع رقم الأموال التي يدفعها إلى ما يزيد على ثلاثة عشر جنيهاً. وثابت في كشف العشرة المرشحين للعمدية أن بينهم من يدفع أموالاً أميرية أقل مما يدفعه العمدة المختار؛ فالمرشح بسطا مرقص، وترتيبه في كشف المرشحين هو الثامن، كان يدفع 5.083 مجـ، والمدعي خليفة طه قنديل، وترتيبه في كشف المرشحين هو التاسع، كان يدفع 9.838 مجـ، وهذه الحقائق ثابتة في التقرير المقدم في 8 من فبراير سنة 1951 إلى السيد وزير الداخلية من مفتش إدارة التفتيش العام بالوزارة. وقد عرض على السيد الوزير قبل إصدار قراره باعتماد قرار لجنة الشياخات.
ومن حيث إنه لا صحة أيضاً لما ينعاه المدعي على قرار لجنة الشياخات من عدم إعادة إعلان الناخبين؛ لأن المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947 لا توجب إعادة إعلان الناخبين إلا في حالة عدم حضور أغلبيتهم المطلقة جلسة الانتخاب؛ فقد نصت الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه "ويشترط حضور الأغلبية المطلقة للناخبين، فإذا لم تتوافر أجل الانتخاب إلى جلسة أخرى يعاد فيها إعلان الناخبين، ويكون صحيحاً مهما كان عدد الحاضرين". وثابت مما تقدم أنه قد حضر الانتخاب في أول جلسة حددت لذلك 23 ناخباً من 45 ناخباً ممن لهم حق الانتخاب، وتكون الأغلبية المطلقة قد توافرت، ولا يكون ثمة سبب لإعادة إعلان الناخبين، ومع ذلك فقد جاء في محضر لجنة الشياخات عندما اعتذر السيد رئيس النيابة عن الحضور لمرضه بجلسة 29 من يناير سنة 1951 أنه قد تنبه على من حضروا بأن يعودوا للحضور غداً لجلسة 30 من يناير سنة 1951 التي تعتبر بمثابة استمرار لجلسة الانتخاب. وثابت أن الحاضرين عادوا جميعاً إلى الحضور وانتخبوا بالإجماع المرشح محمد علي عيسى عمدة لناحيتهم، وهو إجراء سليم لا ينطوي على مخالفة جوهرية لنصوص القانون. كما أنه لا صحة لما يتحدى به المدعي من فساد عملية الانتخاب بسبب حضور أشخاص ليسوا من المقيدين بكشف الناخبين؛ فليس في أوراق عملية الانتخاب ولا في ملف هذه العمدية ما ينم عن وجود أثر لمثل هذا الزعم، ولم يقدم المدعي دليلاً أو قرينة على ذلك.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون قرار السيد وزير الداخلية الصادر في 20 من يونيه سنة 1954 باعتماد قرار لجنة الشياخات بتعيين الشيخ محمد علي عيسى عمدة لبلدة الطرانة مركز كوم حمادة قد صدر مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1956 قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، مما يتعين معه القضاء بإلغائه، والحكم برفض الدعوى؛ مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


(1) المبدأ سبق نشره في مجموعة أحكام السنة الثانية ص 1173، بند 123.
(2) الحكم المنشور في مجموعة السنة الثانية، ص 192، بند 19/ 1.

الطعن 732 لسنة 55 ق جلسة 17 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 232 ص 1127

جلسة 17 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ جلال الدين أنسي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد راسم نائب رئيس المحكمة، جرجس اسحق ود. رفعت عبد المجيد والسيد السنباطي.

----------------

(232)
الطعن رقم 732 لسنة 55 القضائية

(1) بيع. حيازة. تقادم "تقادم كسب ملكية". نقض "السبب الجديد".
مدعي التملك بوضع اليد المدة الطويلة له طلب ضم حيازة سلفه إلى حيازته. وجوب تمسكه بهذا الطلب أمام محكمة الموضوع. تمسكه بهذا السبب لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز.
(2) صورية "إثبات الصورية". محكمة الموضوع.
تقدير أدلة الصورية وأقوال الشهود واستخلاص الواقع منها. استقلال قاضي الموضوع به ما دام استخلاصه سائغاً.
(3) بيع "آثار عقد البيع". التسليم. تسجيل.
المشترين لعقار واحد بعقدي بيع ابتدائيين. تسلم أحدهما العقار من البائع تنفيذاً للعقد. أثره عدم جواز نزع العين من تحت يده وتسليمها للمشتري الآخر إلا بعد تسجيل عقده وثبوت أفضلية له في ذلك. علة ذلك.
(4) صلح.
المنازعة في عقد الصلح تعد فرعاً من المنازعة في الحق المتصالح عليه.

----------------
1 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمدعي التملك بوضع اليد إذا أراد ضم مدة سلفه إلى مدته أن يبدي هذا الطلب أمام محكمة الموضوع ويثبت أن سلفه كان حائزاً حيازة توافرت لها الشروط القانونية، وإذ كانت الطاعنة لم تتمسك أمام محكمة الموضوع بتملكها أرض النزاع بوضع اليد المدة الطويلة استمراراً لوضع يد سلفها، فإن ما تثيره بسبب النعي يكون سبباً جديداً لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - تقدير أدلة الصورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى كما أن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها من إطلاقاته ما دام استخلاصه سائغاً مما يحتمله مدلول هذه الأقوال.
3 - متى تعادلت سندات المشتريين لعقار واحد بأن كان عقد شراء كل منهما له ابتدائياً فإن تسلم أحدهما العقار من البائع تنفيذاً للالتزامات الشخصية التي يرتبها العقد بينهما لا يجوز معه نزع العين من تحت يده وتسليمها إلى المشتري الآخر إلا بعد تسجيل عقده وثبوت أفضلية له في ذلك.
4 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن المنازعة في عقد الصلح ليست إلا فرعاً من المنازعة في الحق المتصالح عليه - المطروح على المحكمة - والقاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 462 لسنة 1980 مدني كلي المنصورة على المطعون ضده الثاني للحكم بصحة ونفاذ العقد الابتدائي المؤرخ 23/ 4/ 1974 المتضمن بيعه له أرضاً فضاء مساحتها 63 م مبينة بالصحيفة مع التسليم تأسيساً على أن المطعون ضده الثاني لم يقدم المستندات اللازمة لشهر عقد البيع النهائي رغم الوفاء له بالثمن كاملاً وقدره 274 ج و500 م وبجلسة 31/ 3/ 1980 قدم الطرفان عقد صلح مبرم بينهما في ذات التاريخ وطلبا إلحاقه بمحضر الجلسة وتدخلت الطاعنة في الدعوى طالبة الحكم برفضها استناداً إلى ملكيتها لأرض النزاع، وفي 23/ 3/ 1981 حكمت المحكمة بقبول تدخلها خصماً ثالثاً في الدعوى وقبل الفصل في موضوعها بندب مكتب خبراء وزارة العدل لتحقيق الملكية، وبعد أن أودع الخبير تقريره حكمت في 20/ 12/ 1982 أولاً وفي موضوع التدخل برفضه ثانياً: بإلحاق عقد الصلح المؤرخ 31/ 3/ 1980 بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه وجعله في قوة السند التنفيذي استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 697 لسنة 34 ق المنصورة وبتاريخ 2/ 1/ 1984 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أيدت فيها الرأي بنقض الحكم. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأن والدها وضع يده على أرض النزاع منذ شرائه لها عام 1964 حتى وفاته وأنها آلت إليها بالميراث عنه ووضعت اليد عليها امتداداً لوضع يده حتى عام 1979 تاريخ تعرض المطعون ضده الثاني لها إلا أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على سند من أن عين النزاع لم تنتقل ملكيتها لمورثها بالتسجيل حتى تنتقل الملكية لها وأنها أرض فضاء لم يضع أحد يده عليها حتى نهاية 1978 حيث قامت - الطاعنة - بالبناء عليها مغفلاً بذلك الثابت بتقرير الخبير من أن مدة وضع يدها ومورثها من قبل تزيد عن المدة اللازمة لاكتساب الملكية بالتقادم وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن لمدعي التملك بوضع اليد إذا أراد ضم مدة سلفه إلى مدته أن يبدى هذا الطلب أمام محكمة الموضوع ويثبت أن سلفه كان حائزاً حيازة توافرت لها الشروط القانونية، وكانت الطاعنة لم تتمسك أمام محكمة الموضوع بتملكها أرض النزاع بوضع اليد المدة الطويلة استمراراً لوضع يد سلفها فإن ما تثيره بسبب النعي يكون سبباً جديداً لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ومن ثم يكون النعي غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بصورية العقد المحرر بين المطعون ضدهما صورية مطلقة ودللت على ذلك بحداثة مظهر هذا العقد بما لا يتفق مع التاريخ المعطى له وبأن محضر الصلح المؤرخ 31/ 3/ 1980 إنما يتضمن التسليم بقصد سلب حيازتها لأرض النزاع وأن المطعون ضده الأول لم يضع يده عليها منذ تاريخ شرائه لها طبقاً للثابت بتقرير الخبير إلا أن الحكم المطعون فيه أهدر ما لهذه القرائن من دلالة على صورية العقد ولم يرد عليها مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان تقدير أدلة الصورية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى، وكان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها من إطلاقاته ما دام استخلاصه سائغاً مما يحتمله مدلول هذه الأقوال، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على انتفاء صورية العقد بقوله "فقد أحالت هذه المحكمة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المستأنفة (الطاعنة) بكافة طرق الإثبات صورية التصرف صورية مطلقة وأشهدت المستأنفة شاهدين هما......، و...... شهدا أن المستأنفة هي واضعة اليد على أرض النزاع ميراثاً عن والدها، ولم يرد بشهادتهما أي دليل من أدلة الصورية ولم تكشف شهادتهما عن أية قرائن للصورية.... كما وأن وضع يد المستأنفة وقيامها بالبناء على جزء منها أو عدم تمكن المستأنف عليه الأول من وضع يده على أرض النزاع كل ذلك لا يصلح دليلاً على صورية التصرف....، وهو من الحكم استخلاص سائغ بما له أصله الثابت بالأوراق ويكفي لحمل ما انتهى إليه في قضائه من انتفاء صورية عقد البيع المبرم بين المطعون ضدها فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأن محضر الصلح المقدم من المطعون ضدها والذي اعتد به الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى فألحقه بمحضر الجلسة وأثبت محتواه فيه قد تضمن التزام البائع بتسليم العين المباعة وإذ لا يجوز نزع هذه العين من يدها لتسليمها لمشتر آخر تساوت معه في سنده بعقد ابتدائي فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعرض لهذا الدفاع ويرد عليه وأيد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من إلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة رغم ما تضمنه من تسليم العين للمطعون ضده الأول، يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه متى تعادلت سندات المشترين لعقار واحد بأن كان عقد شراء كل منهما له ابتدائياً فإن تسلم أحدهما العقار من البائع تنفيذاً للالتزامات الشخصية التي يرتبها العقد بينهما لا يجوز معه نزع العين من تحت يده تسليمها إلى المشتري الآخر إلا بعد تسجيل عقده ثبوت أفضلية له في ذلك، لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المنازعة في عقد الصلح ليست إلا فرعاً من المنازعة في الحق المتصالح عليه المطروح على المحكمة - القاعدة أن قاضي الأصل هو قاض الفرع، وكانت الطاعنة قد تدخلت كخصم ثالث وادعت إضرار عقد الصلح بحقوقها تأسيساً على تعارض الالتزام الوارد فيه بتسليم عين النزاع مع حقها في استمرار وضع اليد عليها وقد تساوت مع المطعون ضده الأول في سنده بعقد ابتدائي صدر من نفس البائع فقد كان لزاماً على المحكمة أن تعرض لهذا الدفاع الجوهري وتبحثه وتنظر في عقد الصلح على هدى منه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه وإن أشار إلى هذا الدفاع في مدوناته إلا أنه لم يتناوله بالبحث والتمحيص ويرد عليه مما يعيبه بالقصور والإخلال بحق الدفاع ويوجب نقضه في هذا الخصوص.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.