الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 أكتوبر 2022

مناقشة المناهج التشريعية في استخلاص عقوبة الشريك" بالتدخل" في الجريمة

مناقشة المناهج التشريعية في استخلاص عقوبة الشريك" بالتدخل" في الجريمة

نظام توفيق المجالي[1]

الملخص

تتصدي الدراسة إلي تفحص ورصد المناهج التشريعية في النظم الجنائية عند البحث في استخلاص العقوبة المقررة للشريك بالتدخل, وتنطلق من ضرورة أن تتوافر عناصر النموذج القانوني للاشتراك الجرمي, والأصل هو تحقيق الاشتراط الأصلي, ثم تحقق الاشتراك التبعي أو ما يعرف في التشريع الأردني الاشتراك بالتدخل, ومحددات الاشتراك بالتدخل تفترض ارتكاب المساهم الأصلي لجريمته سواء في صورة تامة أو في صورة ناقصة, مع قيام الرابطة المعنوية بين الشركاء في الجريمة.

وأبرزت الدراسة منهجين في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, والأول: يتخذ من عقوبة الجريمة المرتكبة من الفاعل ضابطا تشريعيا لاستخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, وخصصت له المبحث الأول, والمنهج الثاني: يتخذ من الفعل الإجرامي ذاته ضابطا تشريعيا لاستخلاص هذه العقوبة, ويمثل المنهج الأول تشريعات كل من الأردن, لبنان, وغيرها. أما المنهج الثاني فيمثله قانون العقوبات الفرنسي الصادر عام 1994م.

وتناولت الدراسة نطاق التشريعي بين هذه التشريعات, سواء عند البحث في العقوبة المقررة أصلا للشريك بالتدخل, أو البحث في استخلاص هذه العقوبة عندما تتوافر إحدى الظروف المختلفة للجريمة سواء كانت مادية أو شخصية أو مزدوجة, وسواء كانت مشددة أم مخففة أم معفية.

وخلصنا في هذه الدراسة بعد استعراض المناهج التشريعية المختلفة إلي ضرورة تدخل المشرع الأردني لإعادة النظر في المادة (79) من قانون العقوبات, بحيث يتم إعادة صياغة أثر الظروف المختلفة علي النحو الذي يستقيم مع القواعد العامة للمسؤولية الجزائية, وبما يتوافق مع السائد في التشريعات المقارنة, سيما ضرورة اعتبار المتدخل في الجريمة كفاعل للجريمة إذا كان تدخله لولاه ما ارتكبت الجريمة.

الكلمات الدالة. الشريك بالتدخل, المساهمية التبعية في قانون العقوبات.

The Legislative Approaches in Determining the Punishment of the Intervening Accomplice in a Crime

Nizam Tawfik Al-Majali

Abstract

    This study examines legislative approaches in determining the punishment of the intervening accomplice in a crime in different criminal legislation. It presumes principally that the elements of the criminal complicity should be met by what is called the principal complicity. The study then examines complicity by intervention which presumes that the principal accomplice has committed the crime completely or incompletely provided that a moral relationship between the accomplices exists.

      The study concludes with two different approaches in determining the punishment of the intervening accomplice: the first approach depends on the principal's punishment (Section one) and the second depends on the criminal act itself (Section Two). The first approach is adopted in Jordan and Lebanon and the second hasprevails has in France since 1994.

       We conclude that the Jordanian legislature must amend Article 79 of the Criminal Code in order to be in line with the general principle of criminal responsibility and other comparative legislations, especially in considering the intervening an accomplices as a principal when his/her intervention is substantial.

Keywords: Accomplic, accessory participation in crime, Jordan criminal Law.

مقدمة

1.    أهمية الموضوع

النموذج القانوني للاشتراك بالتدخل, يفترض تعدد الجناة في ارتكاب الجريمة الواحدة, كما يفترض وقوع الجريمة بالفعل من المساهم الأصلي, سواء ارتكبها الأخير في صورة تامة, أم بصورة ناقصة. وارتكاب الجريمة من المساهم الأصلي, معناه ارتكاب الجانب المادي للفعل الإجرامي بمعرفة الفاعل, وبغض النظر علي المركز الشخصي لهذا الفاعل من وجهة المسؤولية الجزائية والعقاب (1). وأخيرا, يفترض الاشتراك الجرمي, أن يقوم بين المساهمين رابطة ذهنية ونفسية تجمع بينهم في الجريمة الواحدة, سواء في صورة الاتفاق, أن التفاهم الذي يتجه نحو تحقيق المشروع الإجرامي الواحد.

وتأسيسا علي المحددات السابقة, يتحقق الاشتراك الجرمي بوجود فاعل واحد وشريك تبعي واحد, أو فاعل واحد وعدد من الشركاء التبعيين, أو بوجود عدة فاعليين أصليين وشريك تبعي واحد علي الأقل. والاشتراك التبعي (الاشتراك بالتدخل) لا يتحقق نموذجه القانوني إلا بقيام اشتراك أصلي. وبغض النظر عن مركز شخص الفاعل الأصلي من جهة المسؤولية الجزائية والعقاب.

وعليه يتحقق نموذج الاشتراك الجرمي( المساهمة الجنائية) في أكثر من صورة: فهناك صورة يطلق عليها الاشتراك الأصلي؛ أي تعدد الجناة في ارتكاب الفعل أو الأفعال المكونة للركن المادي في الجريمة, ويطلق عليها( المساهمة الأصلية). وهناك الصورة الثانية, ويطلق عليها الاشتراك بالتدخل (أوالاشتراك التبعي)(2), حيث يقوم الشريك التبعي بفعل يساهم بصورة تبعية في ارتكاب الجريمة من قبل الفاعل, وغالبا ما يتجسد نشاط المتدخل بصورة أقل جسامة وخطورة من فعل أو أفعال المساهم الأصلي.

وأيا كان المصطلح القانوني والدلالة التشريعية علي الاشتراط الجرمي, فإن الجاني الذي يرتكب أو يشترك في ارتكاب الفعل أو الأفعال المكونة للركن المادي في الجريمة يعد فاعلا للجريمة إذا اقترفها منفردة, أو فاعلا مع غيره (شريكا أصليا) إذا ما تعدد الجناة مرتكبي الأفعال التي تتصل مباشرة في الجريمة (3). أما إذا اقتصر دور الجاني علي أعمال اشتراك (مساعدة وتدخل) لم ترقي إلي مرحلة تنفيذ الأفعال المادية التي تدخل في الفعل المكون للجريمة, يكون الجاني عندها شريكا تبعيا, أو ما يطلق عليه في التشريع الأردني المتدخل, ونشاط الأخير يقتصر علي أفعال سابقة علي ارتكاب الجريمة أو معاونة للبدء في تنفيذ الجريمة وعلي النحو يجعل مرتكبها شريكا تبعيا4, فهو يقوم بدور أقل أهمية يجعله يقف علي هامش العملية الجرمية (5).

وكون المتدخل (أو الشريك التبعي) يقتصر دوره علي مساعدة الفاعل وبأية صورة من صور المساعد المنصوص عليها قانونا, بحيث لا تخرج في مجملها عن اقتصار دوره علي هامش العملية الجرمية (الجريمة المرتكبة). من هنا يطرح التساؤل عن الضابط التشريعي الذي يعتمده المشرع في تقرير العقوبة التي يستحقها أصلا, فالمتدخل أو الشريك بالتدخل لم يرتكب مباشرة الفعل أو الأفعال المكونة للركن المادي في الجريمة, إنما ارتكب أفعال أقل خطورة وجسامة من أفعال المساهم الأصلي, إلا أنه يبقي مجرما واكتسب إجرامه من الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي.

وعليه, يتباين منهج التشريعات الجنائية في تقرير العقوبة التي يستحقها المتدخل, واستتبع التباين التشريعي كثير من الجدل الفقهي وتباين الاجتهاد القضائي في كيفية المعاملة العقابية للشريك بالتدخل, فهل يسأل كالفاعل الأصلي وبالتساوي معه, أم يعامل بصورة تختلف عن معاملة الفاعل وبما يتناسب مع دوره الثانوي في الجريمة؟

2- محددات البحث

تنطلق الدراسة من المقدمة السابقة, وتتصدي في رصد وتفحص المناهج التشريعية للمعاملة العقابية للشريك التبعي, إذ يسود التشريعات المقارنة منهجان: الأول يقرر للشريك بالتدخل عقوبة الجريمة التي ساهم فيها (كالقانون الفرنسي الملغي, والقانون المصري), والثاني يقرر للشريك بالتدخل عقوبة أقل من عقوبة المساهم الأصلي (كالتشريعين الأردني واللبناني).

وعلي الرغم من وجود التباين والاختلاف في منهج التشريعات حول المعاملة العقابية للشريك بالتدخل, إلا أن هذا التباين يتقلص ويتقارب إذا تم البحث في الأساس والمصلحة المعتمدة عند البحث في العقوبة المقررة  أصلا للشريك بالتدخل. سيما منهج التشريعات التي تنطلق في تقرير المعاملة العقابية للشريك بالتدخل من منطق عقوبة مرتكب الجريمة وهو منهج أغلب التشريعات المقارنة (6). إن هذا التباين في تحديد المركز القانوني للشريك بالتدخل إذا بحثنا في أصله والأسس المعتمدة وفق المنهج التشريعي, يتكشف لنا أن هذه المناهج أغلبها تجري في نهر واحد وإن اختلفت روافده. أما المستحدث في المناهج التشريعية الحديثة, هو ما قننه المشرع الفرنسي في قانون العقوبات لسنة 1994م, إذ اعتمد الفعل الجرمي ذاته هو الأساس في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, معتمدا في فلسفته المستحدثة من منطلق أن الشريك التبعي هو شريك في الفعل الإجرامي ذاته دون أن يكون شريكا في عقوبة الفاعل الأصلي مرتكب الجريمة, وهذا التباين في المنهج التشريعي, هو الذي دفعنا إلي مناقشته والتصدي لدراسته. في محاولة تتجه إلي البحث في رد التباين في المناهج إلي أصولها القانونية, سواء تلك التي تتفق مع القواعد العامة للتجريم والمسؤولية الجزائية, أم تلك التي تمثل خروجا علي تلك القواعد وفق منهج كل تشريع علي حدة, وحسب التوافق أو التباين الساند في هذه التشريعات.

والتباين في المناهج التشريعية حول الأساس المعتمد في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, تم رصده في عدد من المناهج: الأول يمثله تشريعات كل من مصر وفرنسا (وفق القانون القديم الملغي), والثاني يمثله تشريعات كل من الأردن ولبنان وسوريا. ولعل هذا التباين هو الذي دفع الباحث للتصدي في مناقشة وتحليل أسس المعاملة العقابية للشريك بالتدخل, سواء في إطار التوافق والتقارب التشريعي, أم في إطار التباين بين هذه المناهج, إذ يبرز هذا التباين بصورة أكثر وضوحا عند التصدي لأثر الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك بالتدخل.

2.    خطة البحث

وخصصت لهذه الدراسة مبحثين: الأول لمناقشة وجها المعاملة العقابية للشريك بالتدخل في المناهج التشريعية- محل الدراسة, والمبحث الثاني خصصه في موضوع مدي تباين المناهج التشريعية الباحثة في أثر الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك التبعي (المتدخل) في أثر الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريكة بالتدخل.

المبحث الأول

وجها المعاملة العقابية للشريك بالتدخل( الشريك التبعي)

"

تعدد المناهج التشريعية

"

يسود التشريعات المقارنة منهجين عند البحث عن العقوبة المقررة للشريك بالتدخل, الأول يعتمد عقوبة الجريمة المرتكبة, والثاني يعتمد الفعل الإجرامي ذاته.

ونعالج ذلك في مطلبين: الأول نخصصه لمنهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال عقوبة الجريمة المرتكبة, والثاني نخصصه لمنهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته.

المطلب الأول

منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة المرتكبة

 

يذهب عدد من التشريعات المقارنة- والغالب فيها- إلي اعتماد الجريمة التي يرتكبها الفاعل الأصلي ضابطا تشريعيا عند البحث عن العقوبة المقررة للشريك بالتدخل, ولكن ليس بالتوافق التام. فالبعض منها يقرر عقوبة الشريك بالتدخل من خلال اعتماد عقوبة الفاعل الأصلي, وتشريعات أخري تتخذ من عقوبة الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي ضابطا في تحديد عقوبة الشريك بالتدخل.

وبالتدقيق في هذا الاتجاه, فإن التباين بينهما في المنهج ليس ذو اثر كبير من جهة المعاملة العقابية للشركاء بالتدخل, إذ كل منهما يعتمد منهج موحد ولكن بأسلوبين مختلفين, وسوف نعالج ذلك في ثلاثة فروع, الأول يخصص لمنهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي، والفرع الثاني نخصصه لمنهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي, ونخصص الفرع الثالث حول تقديرنا للمنهج.

الفرع الأول

منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي

يعد التشريع الفرنسي القديم في مقدمة التشريعات التي تأخذ بهذا المنهج, ويستخلص ذلك من خلال النظر إلي نص المادة (59) من قانون العقوبات الملغي لسنة 1810م, والتي جاء نصها: الشركاء في الجنايات الجنح يعاقبون بنفس عقوبة الفاعلين الأصليين, إلا في الحالات التي ينص فيها القانون علي خلاف ذلك. وكذلك موقف التشريع اللبناني في المادة (220) (الفقرات2, 3 ,4), والتي تنص علي أن" سائر المتدخلين يعاقبون بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من عشر سنوات إلي عشرين سنة إذا كان الفاعل يعاقب بالإعدام, وإذا كان عقاب الفاعل الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد حكم علي المتدخلين بالعقوبة نفسها من سبع سنوات إلي خمس عشرة سنة, وفي الحالات الأخرى تنزل بهم عقوبة الفاعل بعد أن تخفض مدتها من السدس إلي الثلث".

وقانون العقوبات الأردني يسير علي ذات المنهج, إذ نصت المادة (81) من قانون العقوبات علي أن" يعاقب الشريك بالتدخل كما يأتي: أ- بالأشغال الشاقة المؤقتة من خمس عشرة سنة إلي عشرين سنة إذا كانت عقوبة الفاعل الإعدام ب- بالأشغال الشاقة المؤقتة من سبع سنوات إلي خمس سنة إذا كانت عقوبة الفاعل الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد. ج- في الحالات الأخري يعاقب المتدخل بعقوبة الفاعل بعد أن تخفض مدتها السدس إلي الثلث".

الفرع الثاني

منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي

ويعد التشريع المصري في مقدمة التشريعات التي تأخذها بهذا المنهج, فقد نصت المادة (41) من قانون العقوبات المصري علي أنه" من اشترك في جريمة فعلية عقوبتها إلا ما استثني قانونا بنص خاص, وجاء هذا النص معدلا بقانون 1904م. وعلي خلاف الذي مقررا في القانون القديم لسنة 1883م, والذي كانت تنص فيه المادة (67) منه علي أن" كل من شارك غيره في فعل جناية أو جنحة يعاقب بمثل عقوبة فاعلها". وقد ثار جدلا فقهياً حول دلالة عبارة الشارع" يعاقب الشريك بمثل عقوبة فاعلها". فهل يقصد الشارع بذلك معاقبة الشريك بالعقوبة نفسها التي يقضي بها علي الفاعل الأصلي؟ أم يعاقب بالعقوبة نفسها المقررة للفعل الإجرامي المرتكب من قبل الفاعل الأصلي, وهذا الجدل هو الذي دفع الشارع المصري إلي تعديل المادة (67) من القانون الملغي وإحلال المادة (41) بدلا منها ي قانون العقوبات لسنة 1904م.

وتأكيداً لمنهج المشرع المصري في الغاية من التعديل, جاء في تعليقات الحقانية أثر صدور قانون 1904م وبخصوص المادة (41)" هذه العبارة ترفع الشك الحاصل في عبارة المادة (67) (في القانون القديم) مثل عقوبة فاعلها" بمعني أن مراد الشارع هو أن يستعير الشريك التبعي عقوبة الفعل الإجرامي وليس عقوبة الفاعل الأصلي" (7).

والمشروع الإماراتي في دولة الإمارات العربية المتحدة يأخذ بذات المنهج, إذ تنص المادة (47) من قانون العقوبات الإماراتي علي أنه" من اشترك في جريمة بوصفه شريكا مباشرا أو متسببا عوقب بعقوبتها ما لم ينص القانون علي خلاف ذلك" (8).

الفرع الثالث

تقدير المنهج

يمثل الأسلوبان السابقان وجهين لمعاملة تشريعية واحدة, فهي في مجملها تنطلق في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي العقوبة ذاتها, سواء تعلقت بعقوبة الفاعل الأصلي مرتكب الجريمة أم تعلقت بعقوبة الفعل الإجرامي ولكنه الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي.

   ولكن يرد علي هذا المنهج عدة ملاحظات:

·         يعد التباين في المنهج المذكور له أهمية في مجال السياسية العقابية؛ لأن منهج التشريعات التي تعتمد عقوبة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصيل عند البحث في استخلص عقوبة الشريك بالتدخل له أهميته عن المنهج الآخر, إذ منهج اعتماد عقوبة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي من شأنه أن يسمح للقاضي في حدود سلطته التقديرية اعتماد الحد الأدنى والحد الأقصى عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل؛ لأن هذا المنهج يستلزم من القاضي الرجوع إلي النص القانوني الخاص بالفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي, وهذه المنهجية التشريعية لا تتحقق في منهج التشريعات التي تعتمد عقوبة الفاعل الأصلي عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل.

·         والتباين المشار إليه في منهج هذه التشريعات, يثير إشكالية قانونية بخصوص التشريعات التي تعتمد عقوبة الفاعل الأصلي عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, ومؤدي هذه الإشكالية أن اعتماد عقوبة الفاعل الأصلي, هل تحتم التلازم والمساواة الواقعية في العقوبة بين الفاعل والمتدخل؟ ومثل هذه الإشكالية لا محل لها في منهج التشريعات التي تعتمد عقوبة الفعل الإجرامي المرتكب من الفاعل الأصلي عند استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل؛ لان عقوبة الأخير تتقرر من خلال عقوبة الفعل الإجرامي الأصلي, مما يستتبع عدم تقرير المساواة بينهما في العقوبة.

·         والملاحظة السابقة يخفف من حدتها في منهج هذه التشريعات, إنها تعتمد قاعدة تخفيض العقوبة المقررة للشريك بالتدخل,  كما هو الحال في التشريعين الأردني واللبناني. فالمشرع الأردني يعتمد منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من هلال النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي (المادة81), ولكن لا تعتمد صراحة المساواة بين الفاعل الأصلي والمتدخل, بحيث تخفض  عقوبة المتدخل وفق أحكام الفقرات 1, 2, 3 من المادة (81) وهو تخفيض وحوبي مرتبطا بدرجة عقوبة الفاعل الأصلي. فمثلا يعاقب المتدخل بالأشغال الشاقة المؤقتة من خمس عشرة سنة إلي عشرين سنة إذا كانت عقوبة الفاعل الإعدام (فقرة أ من المادة 81), وكذلك منهج التشريعي اللبناني, إذ يعاقب المتدخل بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من عشر سنوات إلي عشرين سنة إذا كانت عقوبة الفاعل بالإعدام (220م/ 2, 3) (9).

بينما التشريعات الأخرى التي تعتمد عقوبة الفاعل الأصلي عند استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, لا تقر بهذا التخفيض الوجوبي (كالفرنسي والمصري) إلا علي سبيل الاستثناء (10).

·         يضاف إلي ّذلك أن وجهي منهج المعاملة العقابية في التشريعات السابقة لا تحول دون تقرير التفريد العقابي للشركاء في الجريمة, فالقضاء في ظل منهجية إعمال قاعدة التفريد العقابي لا يتبع المنهج التجريدي عند تقرير المعاملة العقابية, بل ينظر إلي شخص المحكوم عليه عند النطق بالعقوبة الواجبة, وفي ضوء الجريمة المرتكبة وجسامتها بغض النظر عمن يرتكب الجريمة من المساهمين, وما تحقق بينهما من اشتراك جرمي.

     وتطبيقا لذلك, نجد أن المشرع الفرنسي في ظل القانون القديم كان يتبع منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي (م 59 عقوبات), وكل ذلك لا يعني بالضرورة أن يعاقب الشريك بالعقوبة نفسها المحكوم بها علي الفاعل الأصلي. فالمساواة بينهما وإن كانت ظاهرة الوجوب من الناحية القانونية, إلا أنها لا تعني بالضرورة المساواة من الناحية الواقعية (11). واجتهاد محكمة النقض  الفرنسية يؤيد هذا الاتجاه, فقد قضت في بعض أحكامها" بأن الشريك بالتدخل يستحق العقوبة المستوجبة نصا من دون العقوبة المحكوم بها فعلا علي الفاعل". وهذا الاجتهاد أضفي المشروعية لنص المادة (59) من قانون العقوبات الملغي, وذلك بإزالة الغموض عنه وبقصد التأكيد علي احترام مبدأ التفريد العقابي (12).

وبذات الاتجاه, يسير اجتهاد محكمة النقض المصرية والذي يمثل منهج المشرع المصري الذي يعتمد عقوبة الجريمة المرتكبة كمعيار عند استخلاص عقوبة الشريك التبعي، إذ محكمة النقض المصرية لا تنفي ضرورة إعمال قاعدة التفريد القضائي عند النظر في عقوبة الشريك التبعي, فالقاضي يستطيع وفق المنهج التشريعي المعتمد أن يعتمد حدي العقوبة الأدنى والأقصى. وقضت  محكمة النقض المصرية بأن" الأصل أن الشريك يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه, ومن الجريمة التي وقعت بناء علي اشتراكه, فهو علي الأصح شريك في الجريمة وليس شريك مع فاعلها, وإذا ما وقع فعل الاشتراك في الجريمة, كما هو معروف في القانون, فلا يصح القول لعدم العقاب بمقولة أنه إذا لم يقع هذا مع الفاعل أو ذاك بل وقع من شريك له أو مع غيره من الفاعلين (13).

·         ومما يؤيد ما ذكرناه, أن وجهي المعاملة العقابية في المناهج التشريعية محل التقدير لا يتعارض مع مبدأ التفريد العقابي. إن القاضي يستطيع وقف تنفيذ العقوبة لأحد المساهمين دون غيره طالما توافرت شروطه بحق أحدهم, وله أن يعمل الظروف المخففة لأي منهما, والقاضي غير ملزم بأن يفصح في حكمه عن علة التفرقة في العقوبة بين الفاعل والمتدخل؛ لأن ذلك يعد من سلطته التقديرية, كما أن الشريك بالتدخل قد يعاقب دون الفاعل, عندما يكون الآخر مجهولا أم متوفيا, أو حالة وجود قيد أو مانع يحول دون إقامة دعوى الحق العام علي الفاعل, أو لم يثبت للمحكمة ارتكاب الفاعل للجريمة (14). أما إذا كانت عدم معاقبة الفاعل مبناها سقوط الدعوي بالتقادم, أو توافر أحد فروض الاستحالة القانونية, أو أن البراءة أساسها أن الفعل المسند إلي الجناة لم يقع, فهنا المتدخل يستفيد من عدم المعاقبة.

·         وأخيرا يتقلص التباين بين وجهي المعاملة العقابية في التشريعات السابقة- محل الدراسة وفق المنهج المذكور- أنه عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال إلي عقوبة الجريمة المرتكبة, كل ذلك لا يحول جون استعارة الشريك بالتدخل لعقوبة الجريمة المرتكبة, بحيث يستوعب العقوبة من كل أوجهها, سواء كانت العقوبة المقررة بالنص الخاص بالجريمة أم العقوبات الثانوية, سواء كانت تبعية أم تكميلية, فقد تلحق بالشريك عقوبة تبعية بسبب خصوصيته فيتحملها من دون الفاعل الأصلي ( كالعزل من الوظيفة في حال تمتعه بصفة الموظف العام, أو تحمل المتدخل دون الفاعل الأصلي الجزاءات ذات الطابع غير الجزائي, كالالتزامات المدنية والنفقات المرتبطة بالدعوي).

     وقاعدة استيعاب الشريك بالتدخل لعقوبة الجريمة المرتكبة, تقتصر وفق خطة المشرع الأردني على الجنايات والجنح دون المخالفات (م81 عقوبات أردني), وهو ذات المنهج الذي كان مقررا في القانون الفرنسي القديم (م59, والقانون المصري القديم 1883م), وذات النهج في التشريعين اللبناني (219), والسوري (220).

واختلف الوضع في ظل التشريعي الفرنسي لسنة 1994م, فقد أقر قاعدة وجوب تحقق الاشتراك بالتدخل في الجنايات والجنح كأصل عام, وبقبوله في أحوال خاصة في المخالفات, إذ يعتمد في نظرية الاشتراك خطورة الجريمة ومرتكبها, فلا يجادل بتحقق الاشتراك في الجنايات والجنح, ولا يهمل قبوله في المخالفات عندما يكون لذلك أهمية (15).

المطلب الثاني

منهج استخلاص عقوبة ا لشريك بالتدخل من خلال النظر إلى الفعل الإجرامي ذاته

·         المنهج المستحدث نحو اعتبار الشريك بالتدخل شريكا ً في الجريمة دون اشتراكه في العقوبة:

    يسود قلة من التشريعات العقابية منهج مستحدث في تحديد المركز القانوني للشريك بالتدخل, ويعتمد فلسفة تنطلق من منظور جديد, فحواه أن الشريك بالتدخل يعد شريكا في الجريمة دون اعتباره شريكا في عقوبة الفاعل مرتكب الجريمة.

   وهذه المنهج يمثل ثورة تشريعية علي الفكرة الأساسية التي يسير عليها منهج أغلب التشريعات العقابية في العصر الحديث, فالأخيرة وفق ما بحثناه في المطلب الأول تنطلق من فكرة استعارة الشريك بالتدخل لإجرامه وعقابه من إجرام وعقاب الفاعل الأصلي, مع التباين الذي أوضحناه سابقا. في حين أن المنهج المستحدث ينطلق من فكرة استعارة الشريك لعقوبته من الفعل الإجرامي ذاته دون النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي (مرتكب الجريمة) سواء من جهة عقوبة مرتكب الجريمة, أن عقوبة لجريمة التي ارتكبها الفاعل.

ويمثل التشريع الفرنسي الصادر سنة 1994م هذا الاتجاه, في حين يسير التشريع اللبناني بصورة مقيدة وجزئية في ذات الاتجاه.

وكون هذا المنهج يمثل نقلة نوعية في المناهج التشريعية, فقد خصصنا لذلك ثلاثة فروع: الأول نخصصه في المنهج الموسع في قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1994م, والفرع الثاني نخصصه في المنهج المقيد في قانون العقوبات اللبناني والقانون السوري, ثم نخصص الفرع الثالث في تقدير المنهج المستحدث.

الفرع الأول

المنهج الموسع في قانون العقوبات الفرنسي لسنة

1994

م

أولا: مبررات المنهج الموسع ومؤيداته

اتجه المشرع الفرنسي في قانون  العقوبات لسنة1994م نحو التحول في المنهج استخلاص المركز القانوني للشريك بالتدخل وعلي خلاف المقرر في المادة (59) من القانون الملغي, إذ كانت المادة الملغاة تعتمد في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي إجرام وعقاب الفاعل الأصلي. وأصبح المنهج المستحدث يعتمد الفعل الإجرامي ذاته ضابطا في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل دون النظر إلي عقوبة مركب الجريمة. ونصت علي ذلك المادة (121/ 6) والتي جاء فيها:" يعاقب كفاعل أصلي الشريك في الجريمة وفقا لما تحدده المادة (121/ فقرة7). في حين أن النص القديم الملغي (المادة59) كانت تنص علي أنه يعاقب الشريك كالفاعل الأصلي".

وعبارة الشارع في المنهج المستحدث وفق المادة (121/ 6) والتي جاء فيها:" يعاقب كفاعل أصلي الشريك في الجريمة... بدلا من عبارة النص القديم (م 59) يعاقب الشريك كالفاعل الأصلي, فإن حذف" أل التعريف" كما ورد في النص في المادة (121) في فقرتها السادسة له دلالة مهمة في منهج الشارع الفرنسي, إذ قصد المشرع من هذا التعديل في الصياغة, أن لا يعاقب الشريك كما يعاقب الفاعل الأصلي, إنما يعاقب الشريك عن الفعل الإجرامي ذاته الذي اشترك فيه مع الفاعل. وباعتباره فاعلا تستقل عقوبته تبعا لوضعه الذي قد يختلف عن وضع الفاعل الأصلي.

وسبق هذا التعديل اتجاه يؤيد ضرورة إجراء التعديل علي منهج المشرع الفرنسي في ظل المادة (59) الملغاة, فقد تقدم عضو البرلمان السير carbonnier باقتراح يدعو إلي ضرورة الحاجة إلي تعديل نص المادة (59) من القانون القديم (16). وبمناسبة توجه المشرع نحو الاعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي, وجاء في اقتراحه أن الصعوبة تكون قائمة في ظل الإبقاء علي نص المادة (59) عند الاعتراف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي, وذلك عندما يكون هذا الشخص المعنوي شريكا في الجريمة, فكيف تكون معاقبته إذا تم الإبقاء علي النص القديم بحيث يعاقب كفاعل أصلي. وهذه الصعوبة تستلزم التدخل وإقرار مبدأ اعتبار الشخص المعنوي الشريك فاعلا أصليا (17). ومما يسمح تطبيق النص الخاص به دون النظر إلي النص الذي يطبق علي الفاعل الأصلي, مع الاحتفاظ بذاته الفعل الإجرامي المرتكب.

ومن مؤيدات الاتجاه المستحدث في التشريع الفرنسي, هو صعوبة تطبيق العقوبة المشددة علي الشركاء بالتدخل فيما لو كان فاعلين أصليين. وتظهر الصعوبة في حالة افتراض تدخل الابن مع أجنبي في قتل الوالدين أو أحدهما. ففي ظل النص القديم, فإنه لا يطبق علي الابن المتدخل في جريمة قتل والده ظرف التشديد؛ لأنه يتبع في استخلاص عقوبته من خلال النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي, وأمام هذه الصعوبة كانت تشعر محكمة النقض الفرنسية في ظل النص القديم بالصعوبة لإعمال ظرف التشديد, مما كانت تجتهد بحلول متباينة لإعمال الظرف المشدد, إما عن طريق الاشتراك المتبادل, أم التدخل الضروري, واستتبع هذا الاجتهاد خلافا فقهيا (18).

أما في ظل المنهج المستحدث في قانون العقوبات لسنة 1994م, فأنه لا تظهر أيه صعوبة لمواجهة الافتراض السابق, إذ في ظل هذا المنهج المستحدث فالشريك بالتدخل يعاقب كفاعل, ولا محل عند البحث في عقوبته النظر إلي عقوبة الفاعل الأصلي, وعليه, الابن الشريك في قتل والده سوف يستعير فقط الفعل الإجرامي المرتكب من الفاعل الأصلي وهو القتل ودون أن يستعير عقوبته (19).

ثانيا: تبعات المنهج المستحدث في التشريع الفرنسي

ويترتب علي المنهج المستحدث في التشريع الفرنسي نتيجتان: الأولي, أن الشريك بالتدخل لا يستعير عقوبة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي؛ بمعني أنه ليس من الضروري أن يطبق علي الشريك – كأصل عام- النص الإجرامي المستعار نفسه, وخصوصا في حالة ظهور الشخص المعنوي إذا كان شريك سابقا للفاعل الأصلي ذو الشخصية الطبيعية, عندئذ تتحدد عقوبة الشخص المعنوي بالنظر إلي الفعل الإجرامي ذاته, مما يستلزم نصا آخر يتعلق بطبيعته بخلاف النص الذي يطبق علي الشخص الطبيعي. والنتيجة الثانية, تتمثل في أن الشريك بالتدخل عندما تتقرر عقوبته من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته, فإن ذلك لا يفترض أن يستعبر الوصف الإجرامي للفعل ذاته. إذ هناك فارق بين الفعل ووصفه, فالفعل هو مجموعة العناصر المادية التي أوجدها الفاعل وتشكل حقيقة الركن المادي في الجريمة ويمتاز بثباته حتى وإن تغيرت أطراف فاعلية, ومثال ذلك أن تغير الحقيقة في محرر رسمي يعد تزويرا حتى وإن اختلف أطراف فاعلية, وأيا كان شخص من ارتكب الفعل. أما الوصف, فهو ما يعبر به عن الفعل الذي قد يختلف تبعا لاختلاف الفاعل. ومثال ذلك, أن تغيير الحقيقة في محرر رسمي صدر عن موظف عام في محرر رسمي صادر عن فرد عادي؛ ومعني ذلك أن وصف تغيير الحقيقة في الحالتين ليس واحدا.

وبالنتيجة, فإن الوصف الإجرامي للفعل الإجرامي الصادر عن الفاعل الأصلي قد يختلف عن الوصف الإجرامي للفعل الإجرامي نفسه بالنسبة للشريك بالتدخل, وهذا يستتبع بالحتم أن تقرير عقوبة الشريك بالتدخل تستخلص من الفعل الإجرامي دون وصف هذا الفعل (20). فمن اشترك مع موظف عام في تغيير الحقيقة في محرر رسمي يرتكب جريمة تزوير شأنه شأن الموظف؛ لأن استعار الفعل الإجرامي منه, ولكن النص الذي يطبق عليه يختلف عن النص الذي يطبق علي الموظف العام؛ لأنه لا يستعير الوصف الإجرامي الذي اختلف تبعا لاختلاف صفه الفاعل (21).

الفرع الثاني

المنهج المقيد في تشريعات لبنان

,

سوريا

,

ع ُ مان

ويسير منهج المشرع اللبناني في ذات الاتجاه نخو اعتبار المتدخل فاعلا في الجريمة, ولكن يقيد أنه لولا تدخله لما ارتكب الجريمة. وتنص علي ذلك المادة (200) من قانون العقوبات, وجاء في فقرتها الأولي" المتدخل الذي لولا تدخله ما ارتكب الجريمة يعاقب كما لو كان نفسه الفاعل", ودلالة هذا النص, أن المتدخل الذي يساعد الفاعل الأصلي في إتمام الجرم يعد فاعلا مثله, ويكون مسؤولاً مسؤولية كاملة مستقلة غير تابعة للفاعل الأصلي عن الفعل الإجرامي الذي حدث وبعض النظر عن غيره من المساهمين, وذات الحكم في التشريع السوري (م 219/ 1).

ودلالة هذا المنهج, أن المشرع اللبناني في هذه الصورة الخاصة من صور الاشتراك بالتدخل يستغني عن مبدأ استعارة العقوبة وإحلال استعارة الفعل الإجرامي بدلا منه, إذ لم ينص علي معاقبة المتدخل كالفاعل الأصلي أو بعقوبة جريمة الفاعل الأصلي, إنما يعاقبه علي فرض أنه الفاعل الأصلي للجريمة. ويعد هذا المسلك مغاير لمنهجه الأصلي بخصوص معاقبة الشريك بالتدخل وفق ما نصت عليه المادة (200) في فقراتها 2, 3, 4 والتي سبق بيانها, إذ كانت تعتمد مبدأ استعارة العقوبة.

وهناك من الفقه يري عدم أي تغيير أو تعديل علي منهج المشرع اللبناني بخصوص الفقرة الأولي من المادة (200), إذ تعتبر خضوع المتدخل للعقوبة نفسها التي يخضع لها الفاعل الأصلي (22).

ولا نؤيد هذا الاتجاه, إذ دلالة النص واضحة من حيث إنها لا تنسب عقوبة الفاعل الأصلي إلي المتدخل, وإنما جعل الشارع مرتبة المتدخل كمرتبة الفاعل الأصلي, مما لا يفيد بالضرورة أن تطبق عليه العقوبة نفسها المنصوص عليها, أو النص الجزائي نفسه الذي يطبق علي الفاعل الأصلي (23), وإن كان فعلاهما واحدا, وهذا ما سنبحثه في دراستنا عند تقدير هذا تقدير هذا المنهج المستحدث.

ويسير في ذات الاتجاه المستحدث, قانون الجزاء العماني, ونصت علي ذلك المادة (96) من قانون الجزاء العماني, وجاء نصها" المتدخل الذي لولا مساعدته ما ارتكب الجريمة يعاقب كما لو كان هو نفسه الفاعل", والمتدخل في الجريمة وفق خطة المشرع العماني في المادة (95) هو من ارتكب فعل المساعدة للفاعل سواء بالتهيئة لارتكاب الجريمة أو إتمام ارتكابها (فقرة 1 من المادة 95), أو من اتفق مع أحد الفاعلين أو المتدخلين قبل ارتكاب الجريمة وساهم في إخفاء معالمها (فقرة 2 من المادة 95). فضلا عن أن المشرع العماني يقرر للمتدخل عقوبة الفاعل مرتكب الجريمة, ولكن بعد التخفيض الوجوبي المقرر في المادة (96), وجاء نصها" يعاقب سائر المتدخلين فيعاقبون بالسجن المؤبد أو المؤقت من سبع سنوات إلي خمس عشرة سنة إذا كان الفاعل يعاقب بالإعدام", وإذا كان الفاعل يعاقب بالسجن المؤبد عوقب المتدخلين بالسجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشر سنوات, وفي الحالات الأخرى تنزل بالمتدخلين عقوبة الفاعل بعد أن تخفض مدتها من السدس حتى الثلث.

الفرع الثالث

تقدير المنهج المستحدث في التشريع الفرنسي كأصل عام

,

والتشريعين: اللبناني والسوري( كمنهج مقيد)

بقراءة فاحصة لمنهج التشريعي الفرنسي من جهة تقريره أن الشريك بالتدخل هو شريك في الفعل الإجرامي وليس شريكا في عقوبة الجريمة المرتكبة من الفاعل الأصلي, وعلي هذا النحو يبدو للوهلة الأولي أنه نقيض المناهج التشريعية التي تقرر استعارة الشريك لإجرام الفاعل وعقابه, هذا التباين في المعاملة التشريعية للشريك بالتدخل, قد لا يكون ذا أهمية في جوانب معينة, وفي نتائج أخري يكون لذلك أهمية, هذا ما نستخلصه من الملاحظات التالية:

1.     هناك ثمة اتفاق بين التشريعات المقارنة في نماذج مناهجها المختلفة, سواء كان الشريك بالتدخل يستعير إجرامه وعقابه من إجرام الفاعل وعقابه, أم أنه يستعير إجرامه من الفعل الإجرامي ذاته وليس عقاب الفاعل, وهذا التوافق أن نموذج الاشتراك بالتدخل- في جميع هذه المناهج- يستلزم ارتكاب جريمة الفاعل الأصلي, إذ لا محل للبحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل إلا بتحقق نموذج الاشتراك الأصلي؛ أي ارتكاب جريمة الفاعل الأصلي, سواء كان الارتكاب في صورة جريمة تامة, أو علي الأقل في صورة الجريمة الناقصة (الشروع) (24). وبالتالي لا محل للبحث عن عقوبة الشريك بالتدخل في حال عدم ارتكاب الفاعل الأصلي لجريمته.

      غاية ما في الأمر, أنه إذا ارتكب الفاعل الأصلي لجريمته, فإن البحث عن عقوبة الشريك بالتدخل يكون أكثر شمول في منهج التشريعات التي تعتبر عقوبة الفاعل الأصلي كضابط تشريعي لاستخلاص عقوبة الشريك بالتدخل. أما في منهج التشريعات التي تعتمد استخلاص الشريك بالتدخل لعاقبه من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته, فإنه منهج مغاير وذو اتجاه لا يتفق مع الغالب من التشريعات المقارنة.

2.     ليس هناك ثمة فارق كبير بين المناهج التشريعية المقارنة من جهة السياسية العقابية والتفريد بنوعيه العقابي والقضائي في حال تحقق نماذج الاشتراك الجرمي الأصلي أم التبعي, وسواء كان المنهج التشريعي في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, هو من خلال النظر إلي عقوبة مرتكب الجريمة, أم من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته دون النظر إلي عقوبة مرتكب الجريمة.

        ولكن سياسة التفريد العقابي عند المشرع الفرنسي وفق المنهج المستحدث تحقق مرونة في مجال السياسة العقابية عما هو مقرر في التشريعات الأخري, بل وأكثر فعالية مما كان مقررا في ظل القانون الفرنسي القديم (م 59). فالمنهج المستحدث وفق أحكام المادة (121/ 6) من قانون العقوبات الفرنسي الحالي, والذي يقرر أن الشريك بالتدخل يعاقب كفاعل, دلالة واضحة في أن القاضي عندما يبحث في النصوص لاستخلاص عقوبة الشريك بالتدخل فإنه يبحث فيها باعتبار الشريك مستقلا في عقوبته عن عقوبة الفاعل الأصلي. وهذا المنهج فيه من الاتساع والمرونة وعلي النحو يسمح باستيعاب ظروف تدخل الشريك المختلفة وعلي نحو لم يكن متاحا في ظل النص القديم ولا في منهج التشريعات الأخرى المقارنة.

3.     ويبدو التباين أكثر وضوحا في منهج المشرع الفرنسي عما هو مقرر في التشريعات الأخري, من جهة أن تقرير المشرع لتبعية الشريك بالتدخل في الفعل الإجرامي دون العقوبة المقررة لهذا الفعل المرتكب من الفاعل الأصلي, مؤداه أنه يطبق علي الشريك بالتدخل عقوبة أخري يستمدها من طبيعة فعله الذي اقترفه ويتبع فعل الفاعل الأصلي, كما أن تبعية المتدخل للفعل الإجرامي لا يستلزم بالحتم التبعية في الوصف الإجرامي للجريمة المرتكبة من الفاعل. فالمتدخل يتبع الفاعل من جهة الفعل الإجرامي ذاته دون النظر إلي عقوبة الفعل أو وصفه الإجرامي (كما ذكرنا سابقا).

4.     سلامة خطة المشرعين اللبناني والسوري عندما جعل المتدخل في مرتبة الفاعل من جهة العقوبة, إذا كان تدخله ضروريا لارتكاب الفاعل لجريمته, وجاء" وجاء المتدخل الذي لولا مساعدته ما ارتكبت الجريمة, يعاقب بعقوبة الجريمة كما لو كان هو نفسه فاعلها".

5.     وأخيراً, التباين في المناهج التشريعية عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, أحدث أثره عند البحث في أثر الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك بالتدخل, وهذا ما خصصناه له المبحث الثاني.

المبحث الثاني

مدي تباين المناهج التشريعية في تأثير الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك التبعي( المتدخل)

·         رد التباين إلي المنهج الأصلي في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل:

   خلصنا في المبحث السابق إلي تباين أحيانا, وتوافقا نسبياً بين التشريعات المقارنة عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, سواء كان الأساس المعتمد من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة التي ارتكبها الفاعل, أم من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته. وهذا التباين والتوافق استتبعه ذات المعني والدلالة عند بحث أثر الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك بالتدخل.

إذ نلحظ تقاربا وتوافقا في وحدة المنهج التشريعي في أثر الظروف الشخصية البحتة علي عقوبة المساهمين في الجريمة, وبما يتفق مع القواعد العامة للمسؤولية الجزائية, كما يتحقق التوافق عند البحث في أثر الظروف المادية, سواء المشددة أم المخففة أم المعفية, مع التباين في تطلب علم الشريك بالتدخل من منهج إلي آخر. ثم يبدو التباين أكثر اتساعا عند البحث في أثر الظروف الشخصية المشددة أم الظروف المشددة المزدوجة (أم المختلطة), فالأخيرة نلحظ فيها اختلاف في الحلول التشريعية, تبعه اختلاف في تفسيرات الفقه واجتهاد القضاء.

فالظروف المختلفة للجريمة قد ترد علي الفعل الإجرامي ذاته, وقد ترد علي شخص الجاني, وهذا الأساس في تقسيم الظروف إلي ظروف مادية أو ظروف شخصية وتأثيرها يختلف باختلاف المحل الذي ترد عليه.

والسؤال المطروح في ضوء المناهج التشريعية والتباين في حلولها عند استخلاص العقوبة المقررة للشريك بالتدخل, هل لتدخل الظروف المختلفة للجريمة أثر علي عقوبة الشريك بالتدخل وفق المنهج المعتمد أصلا في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, أم أن المشرع يقرر فيهما منهجا آخر لا يتوافق مع المنهج الأصلي المعتمد للمعاملة العقابية للشريك بالتدخل؟.

الإجابة علي هذا التساؤل سوف نعالجه في مطلبين: الأول نخصصه في نطاق تأثير الظروف الشخصية علي عقوبة الشريك. أما المطلب الثاني, فنخصصه في نطاق تأثير الظروف المادية ( الظروف المرتبطة بالفعل الإجرامي) علي عقوبة الشريك بالتدخل. أما المطلب الثالث فنخصصه لموضوع تباين المناهج التشريعية لمواجهة مسؤولية الشريك بالتدخل عن الجريمة المغايرة لقصده.

المطلب الأول

نطاق تأثير الظروف الشخصية

"

الظروف المرتبة بشخص الجاني

"

علي عقوبة الشريك بالتدخل

ويقصد بالظروف الشخصية, تلك التي تتوافر في شخص الجاني والتي من شأنها, إما أن تؤثر في تشديد العقوبة, أم تؤثر في تخفيف العقوبة, وسواء كان الجاني فاعلا أم شريكا بالتدخل. وهناك من الظروف الشخصية التي من شأنها ألا تؤثر في الفعل الإجرامي, ومنها ما يؤثر في الفعل الإجرامي المرتكب. وتبعا لذلك, نقسم الظروف الشخصية إلي نوعين: الظروف الشخصية البحتة, ثم الظروف الشخصية المزدوجة (الظروف المختلفة), وسوف نخصص لكل منهما فرعا مستقبلا.

الفرع الأول

الظروف الشخصية البحتة

أولا: استقلال كل مساهم بظروفه الشخصية البحتة

يستقر منهج التشريعات الجنائية علي اعتناق مبدأ استقلال المساهم بظروفه الشخصية البحتة. وبمقتضي هذا المبدأ استقلال كل مساهم بظروفه الشخصية البحتة, سواء كانت مشددة للعقاب (كالعود), أو مخففة له ( كصغر السن), فهي لا تتجاوز شخص الجاني فاعلا كان أم شريكا. ولاقي هذا المبدأ استقرار فقهيا وقضائيا. وأوصي به المؤتمر الدولي السابع في قانون العقوبات والذي عقد في أثينا عام 1957 في البندين 2, 3 وجاء في توصيات هذا المؤتمر" أنه لا تأثير للأحوال والظروف الشخصية البحتة إلا بالنسبة لمن توافرت لديه, سواء كانت نافية أو مخففة أو مشددة للمسؤولية أو مانعة من العقاب"(25).

ويستقر اجتهاد القضاء المقارن منذ القدم علي اعتناق مبدأ استقلال كل مساهم بظروفه الشخصية البحتة (26).

وأمام هذا الاستقرار الفقهي والقضائي في تقرير قاعدة استقلال كل مساهم بظروفه الشخصية البحتة, بتباين المنهج التشريعي من النص علي هذا ذلك من عدمه, فنجد أن المشرع الفرنسي لم ينص عليها إطلاق مكتفيا باستقرار القواعد العامة التي تفرض عدم امتداد تأثير الظروف الشخصية البحتة علي غير من توافرت فيه. وعند تفحص النص التشريعي الفرنسي, سواء أكان نص المادة (59) السابقة, أم (121/6/المالية), فإنه يخلو من ذكر قاعدة استقلال المساهم بظروفه الشخصية البحتة. والذي قد يفهم منه القول بتأثيرها, بيد أن الحقيقة بالاستناد إلي التفسير الفقهي والقضائي خلاف ذلك (27).

أما المشرع المصري, فقد حرص علي النص علي هذه القاعدة, فقد نصت المادة (42) من قانون العقوبات المصري بأنه" إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة, أو لعدم القصد الجنائي, أو لأحوال خاصة به, وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانونا".

والمشرع الأردني لم ينص علي هذه القاعدة صراحة, ولكن يستفاد ذلك من مفهوم البند (2) من المادة (79) والتي سعت من نطاق تأثير الظروف المشددة الشخصية التي سببت اقتراف الجريمة, " ومفهوم المخالفة أن الظروف الشخصية البحتة, سواء المشددة أم المخففة, يقتصر تأثيرها علي من توافرت بحقه. أما إذا كانت الظروف المشددة الشخصية مسببة لاقتراف الجريمة, يشكل ذلك منهجا مغايرا في التشريعين الأردني واللبناني.

ثانيا: خصوصية منهج قانون العقوبات الأردني بخصوص الظروف الشخصية المشددة التي تسبب اقتراف الجريمة

.

تنص المادة (79) من قانون العقوبات الأردني في الفقرة (ب) منها علي أن الأسباب المشددة الشخصية التي تسبب اقتراف الجريمة" تسري علي المساهمين فيها, سواء الفاعلين أم الشركاء بالتدخل أم المحرضين". فالمشرع الأردني في هذه الفقرة يضفي علي الظروف المشددة الشخصية ذات تأثير الظروف المادية المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (79), ولكن بقيد جوهري هو أن يكون من شأنها تسبب اقتراف الجريمة. هو ذات المنهج المقرر في التشريعين اللبناني (م 216), والسوري (215). وهو منهج يمثل خروجا علي خطة التشريعات المقارنة, كما أن خطة المشرع الأردني لا تتوافق مع الصياغة الواردة في التشريعين اللبناني والسوري, فالأخيرة تطلق تأثير الظروف المشددة الشخصية إذا كانت مسهلة اقتراف الجريمة. في حين النص الأردني يعطي ذات الأثر للظروف المشددة الشخصية إذا كانت مسببة لاقتراف الجريمة (28).

ويوصف السبب المشدد الشخصي بأنه قد سبب اقتراف الجريمة, إذا اثبت أنه كان يستحيل ارتكابها عند تخلفه (29). سواء في ذلك كانت الاستحالة مطلقة, أم كانت نسبية, ومرجعها إلي ما أحاط بارتكابها من ملابسات. ومن ذلك صفة الطبيب أو الصيدلي في الإجهاض إذا ثبت أنها قد ارتكبت في ظروف لم يكن في وسع غير من يجوز خبرة المتهم بارتكابها, عندئذ يكون أثر التشديد ممتدا إلي جميع المساهمين في الجريمة.

أما وفق خطة المشرعين اللبناني والسوري, فيعد الظروف المشدد الشخصي مسهلا لاقتراف الجريمة, إذا ترتب عليه تخطي عقبة كانت تعترض تنفيذها إذا ترتب عليه الزيادة في الإمكانيات الموجهة إلي ذلك التنفيذ.

ويقول الأستاذ الدكتور محمد نجيب حسني تعليقا علي التنفيذ التشريعي في هذا المنهج, إنه علي القاضي أن يفترض تخلف الظروف أو يتساءل عن مدي سهولة التنفيذ, ثم يقارن ذلك بسهولته عندما يتوافر هذا الظروف, فإذا اتضح له الفرق بين الوضعين, وتبين له أن التنفيذ يكن أسهل عند توافر الظروف منه إذا تخلف, فعليه أن يعتبر الظرف عاما ويمتد تأثيره إلي جميع المساهمين في الجريمة. أما إذا لم يتبين له ذلك, تعين اعتبار تأثير الظرف مقتصرا علي من توافر فيه (30).

ثالثا: تقدير منهج المشرع الأردني بخصوص امتداد تأثير الظروف المشددة الشخصية التي تسبب اقتراف الجريمة

.

وخلاصة منهج الشارع الأردني, أن الشريك بالتدخل لا يتأثر بالظروف الشخصية المشددة إذا لم تسبب اقتراف الجريمة, أو إذا لم تسهل اقتراف الجريمة ( وفق المشرعين اللبناني والسوري), ولا يتأثر فيه علي الإطلاق فيما لو كان الظرف الشخصي مخففا للعقوبة. ومن باب أولي, لا يتأثر فيه إذا كان ظرفا شخصيا مشددا ومتصلا بشخص الجاني (ظرف بحت) ولم يسبب اقتراف الجريمة.

أما تقرير المشرع الأردني ( وكذلك التشريعين اللبناني والسوري), بأن الظرف المشدد الشخصي الذي يسبب اقتراف يمتد تأثيره إلي جميع المساهمين وفق الفقرة (ب من المادة 79 عقوبات أردني), فهذا المنهج يرد عليه الملاحظتين التاليتين:

الأولي: أن الظرف الشخصي البحت, سواء كان مشددا أو مخففا, لا ينعكس علي الإطلاق علي الفعل المادي المرتكب. وإذا انعكس, فأنه يعد سببا مزدوجا يؤدي إلي تغيير وصف الجريمة بسبب هذا الانعكاس, أو هذا التأثير, وبالتالي فإن الحديث عن تأثيره سواء كان مشددا أم مخففا هو أمر غير مقبول وفق القواعد العامة.

والملاحظة الثانية, أن تقرير قاعدة امتداد تأثير الظروف الشخصي المشدد علي الشريك بالتدخل لمجرد أنه يسبب اقتراف الجريمة (وفق خطة المشرع الأردني), أو علي الأقل يسهل اقتراف الجريمة (وفق خطة التشريعين اللبناني والسوري), هو منهج لا يعتمد القواعد السليمة في تأسيس المسؤولية الجزائية والتي تفترض وفق القواعد العامة أن يتوافر العلم من جانب الشريك بالتدخل لهذا الظرف؛ لأنه لا يجوز النظر إلي الظرف المشدد الشخصي وإعطائه حكم الظرف المادي في أحوال عدم علم الشريك بالتدخل به, وبحكم أنه غير مرتبط بالفعل المادي للجريمة.

وهذا المنهج المعتمد في التشريع الأردني بحاجة إلي إعادة نظر, بحيث يتدخل المشرع الأردني ويستلزم علم الشريك بالتدخل بالظرف الشخصي المشدد الذي يسبب اقتراف الجريمة, وذلك اتساقا مع احترام القواعد العامة في المسؤولية الجزائية. والإبقاء علي هذه النص يمثل تغليب للجانب المادي علي الجانب المعنوي, وخروج علي القواعد العامة للمسؤولية, وأقرب ما يكون ذلك إلي المسؤولية الاستثنائية المقررة بنص خاص.

الفرع الثاني

الظروف المزدوجة

ويقصد بالظروف المزدوجة, هي الظروف التي يكون مصدرها المساهم في الجريمة, وبذات الوقت تحدث أثر علي الفعل المادي في الجريمة, فهي شخصية المصدر وعينية الأثر تبعا لذلك (31).

والبحث في مدي تأثير الظروف المزوجة علي عقوبة الشريك بالتدخل يختلف نطاقه وفق التباين في المناهج التشريعية عند استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, إذا هذا التباين الذي أوضحناه سابقا, استلزم بالحتم  اختلاف النظر التشريعية في التصدي لبحث أثر الظروف المزدوجة علي عقوبة الشريك بالتدخل, سواء كان منهج الشارع تقرير عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة التي يرتكبها الفاعل الأصلي, أم كان المنهج المتبع هو البحث في عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته المرتكب دون النظر إلي عقوبة مرتكبه.

وسوف نعالج ذلك في بندين:

أولا: مدي تأثير الظروف المزدوجة وفق منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي:

الأصل أن يتأثر الشريك بالتدخل بالظروف المزدوجة طالما منهج تقرير عقوبته يكون من خلال النظر إلي عقوبة الفعل الإجرامي الذي ارتكبه الفاعل الأصلي, وذلك من منطق أن الشريك بالتدخل يستعير العقوبة التي ستلزمها الوصف الإجرامي للفعل المرتكب من الفاعل الأصلي, أما إذا كانت هذه الظروف صادرة عن الشريك بالتدخل, فإنها لا تؤثر فيه ولا تؤثر علي غيره. ويتطلب ذلك البحث تفصيلا.

1-

الظروف المزدوجة الصادرة عن الفاعل الأصلي:

     يكاد تفحص النظم العقابية, محل الدراسة, تستقر علي القاعدة امتداد تأثير الظروف المزدوجة الصادرة عن الفاعل الأصلي علي الشريك بالتدخل, وسبب أن الشريك بالتدخل يستعير عقوبة الفعل الإجرامي المرتكب من الفاعل الأصلي, وطالما أن عقوبة الفعل الإجرامي قد تغير وصفها بتغير وصف جريمتها, عندئذ تدخل هذه الظروف يستتبع بالحتم تأثير الشريك بالتدخل بها.

      ولم تسر التشريعات المقارنة علي منهج واحد, فالمشرع الفرنسي لم ينص علي ذلك صراحة في القانون القديم (م 59 عقوبات لسنة1810م), ولكن الفقه والقضاء الفرنسيين مستقر علي التسليم بالقواعد العامة التي تنطلق من فكرة أن الشريك بالتدخل يستعير عقوبة الفعل الإجرامي المرتكب وبالتالي يكون بذات مركز الفاعل الأصلي حتى ولو لم يمكن الشريك بالتدخل علي علم بحقيقة هذا الظرف المشدد المزدوج (32). ومسلك الفقه والقضاء الفرنسي بذات الاتجاه (33). مع تحفظ بعض الفقه علي هذا الاستقرار, إذ يطرح صعوبة كيفية مساءلة الشريك بالتدخل علي جريمة عمدية لم يتوافر لديه عنصري العلم والإرادة الذين يشكلان جوهر القصد الجرمي, والقول بغير ذلك لا يكون إلا عن طريق افتراض العلم؛ لأنه حسب القواعد العامة, فإن الظرف المزدوج المشدد يترتب عليه تغير الوصف القانوني للفعل الإجرامي, وحتى يسأل عنه الشريك لابد من انصراف علمه وإرادته إلي هذا الظرف, وانتفاء العلم ينفي المسؤولية عنه. والقول بغير ذلك لا يكون إلا عن طريق الافتراض (34).

والمشرع المصري يقر بقاعدة تأثر الشريك بالظروف المزدوجة الصادرة عن الفاعل الأصلي, ولكن بشرط علم الشريك بها. ونصت علي ذلك المادة (41) من قانون العقوبات, وجاء فيها" لا تأثير علي الشريك من الأحوال الخاصة بالفعل التي تقتضي تغير وصف الجريمة إذا كان الشريك غير عالم بهذه الظروف. ثم تنص علي أنه: إذا تغير وصف الجريمة نظرا إلي قصد الفاعل أو كيفية علمه بها يعاقب الشريك بالعقوبة التي يستحقها لو كان قصدا الفاعل من الجريمة أو علمه بها كقصد الشريك فيها أو علمه بها" (35).

أما المشرع الأردني, فقد أقر بقاعدة تأثر الشريك بالتدخل بالظروف المزدوجة, ولكن شريطة أن يكون من شأن هذه الظروف أن تسبب اقتراف الجريمة, ونصت الفقرة (2) من المادة (79) علي أنه:" وتسري عليهم مفاعيل الظروف المشددة المزدوجة التي سببت اقتراف الجريمة", والضابط في اعتبار الظرف المزدوج الذي يسبب اقتراف الجريمة أنه بدونه يستحيل ارتكاب الجريمة, ومرجع ذلك البحث فيما أحاط ارتكاب الجريمة من ظروف, وذات المنهج في التشريعين اللبناني والسوري- كما سبق- ولكن بقيد أن يكون الظرف المزدوج من شأنه تسهيل اقتراف الجريمة.

والفقرة الثانية من المادة (79) من قانون العقوبات الأردني, لا تشترط علم الشريك بالتدخل بالظرف المزدوج الذي يسبب اقتراف الجريمة, مما يقيد تحقق مسؤولية الشريك بالتدخل عن هذا الظرف المزدوج طالما سبب اقتراف الجريمة ولو لم يتوافر علمه به, ويعد افتراضا علي النحو المستقر في الفقه والقضاء الفرنسيين.

2-

الظروف المزدوجة الصادرة عن الشريك التبعي( المتدخل)

:

ويقصد بها الظروف المزدوجة التي تتوافر لدي الشريك بالتدخل من دون الفاعل الأصلي:

والقاعدة المستقر عليها في التشريع والفقه, أن الشريك بالتدخل لا يتحمل تبعة الظرف المختلط الخاص به, من منطلق أن عقوبته تتقرر من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة التي يرتكبها الفاعل الأصلي, والقضاء الفرنسي يستقر علي هذا الاتجاه. وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن" الأم الشريكة في هتك عرض ابنتها تستفيد من عدم تشديد العقوبة عليها المقررة بالمادة (333) من قانون الجزاء الفرنسي (36). كما أن الخادم الشريك في سرقة مال مخدومة يستفيد من عدم تشديد العقوبة عليه حتى لو كان هو الفاعل الأصلي (37).

ويفسر القضاء الفرنسي هذا الاجتهاد بأن الشريك لا يحمل من جانبه جريمة قائمة بذاتها, فالفاعل الأصلي هو الذي يحمل ذلك بمساعدة الشريك (38).

وعليه, فالشريك بالتدخل لا يتحمل تبعة الظروف المزدوجة الصادرة عنه سواء كانت مخففة" كالزوجة الشريك في إخفاء زوجها من قبل آخر", فإنها لا تستفد من الظرف المزدوج المخفف الخاص بالزوجية, كما لا تتأثر بالظروف المزدوجة المشددة الخاصة به, كالابن الشريك في قتل والده, فإنه لا يتحمل تبعة الظرف المزدوج المشدد الخاص بقتل الوالدين أو أحدهما, علي خلاف لو كان هو الفاعل الأصلي.

وهذا المنهج المستقر عليه في التشريع من جهة عدم تأثير الشريك بالتدخل بالظروف المزدوجة الصادرة عنه وبحكم أن مركزه القانوني يتحدد وفق منهج استخلاص عقوبته من عقوبة الفعل الإجرامي المرتكب من الفعل الأصلي, وسواء كانت هذه الظروف مشددة أم مخففة, ومؤدي هذا المنهج أن الشريك بالتدخل يستفيد من عدم تأثره بالظرف المزدوج المشدد الصادر عنه, كما أنه بالمقابل لا يستفيد من الظرف المزدوج المخفف الصادر عنه, وهو منهج منتقد, من جهة أن الشريك بالتدخل لا يستفيد من وضعه في الوقت الذي يجب فيه أن يستفيد, فالزوجة الشريكة في إخفاء زوجها من قبل آخر لا تستفيد من هذا الظرف المخفف, إلا إذا كانت فاعلا أصليا, وبالمقال, فإن الشريك بالتدخل يستفيد من وضعه في الوقت الذي يجب فيه إلا يستفيد. فمثلا, الابن الشريك في قتل والده يستفيد من كونه شريكا لأنه لا يتحمل تبعة الظرف المشدد, ولا تشدد عليه العقوبة والتي سوف تشدد عليه لو أنه كان فاعلا أصليا.

ولعل هذه النتيجة التي تعتمد رفض قبول تأثر الشريك الأصلي بالظروف المزدوجة الصادرة عنه, هي التي دفعت التدخل التشريعي في فرنسا من جهة إحداث نقلة نوعية في هذا المجال, بحيث يتحدد المركز القانون للشريك بالتدخل من خلال منهج اعتماد عقوبته بالنظر إلي الفعل الإجرامي ذاته (39).

ثانيا: مدي تأثير الظروف المزدوجة وفق منهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته

.

ذكرنا, أن قلة من التشريعات المقارنة, اعتمد الفعل الإجرامي ذاته منهجا في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, فالأخير شريكا في الفعل الإجرامي وليس في العقوبة المقررة, وهو المنهج المقرر في تشريعات كل من لبنان وسوريا, ثم المنهج المستحدث في التشريع الفرنسي.

1-

المنهج المقيد في التشريعين: اللبناني والسوري:

ورد النص في التشريع اللبناني وفق المادة (200/ فقرة 1) علي أن" المتدخل الذي لولا مساعدته ما ارتكبت الجريمة يعاقب كما لو كان هو نفسه الفاعل", ويقابلها المادة (219/ 1) من قانون العقوبات السوري.

واتساقا مع هذا المنهج التشريعي الذي ينطلق من فكرة قبول استعارة المتدخل للفعل الإجرامي دون عقوبته, أضاف المشرع اللبناني إمكانية امتداد أثر الظروف المزدوجة علي الشريك بالتدخل وبدلالة نص المادة (216) من قانون العقوبات, والتي جاء فيها, وتسري عليهم مفاعيل الأسباب المزدوجة التي من شأنها تسهيل اقتراف الجريمة", وذات النص في التشريع السوري (م216).

2-

المنهج الموسع في التشريع الفرنسي:

   ورد النص في المادة (121/6) من قانون العقوبات الفرنسي علي أنه: يعاقب كفاعل الشريك في الجريمة والمحدد بنص المادة 121/7", ولم يورد المشرع كيفية التعامل مع الظروف المزدوجة, مما يفيد بإطلاق عدم امتداد تأثيرها إلي غير من توافر فيه, شأنها كالظروف الشخصية البحتة. وهذا التحول في منهج المشرع الفرنسي يحتم أن ينسب إلي الشريك التبعي ما ارتكب من فعل فقط من دون أن يحمل معه الأثر, وهو تغيير الوصف, فالموظف العام الذي يرتكب جريمة تزويد قد ارتكب عناصر الركن المادي في جريمة التزوير في المحرر الرسمي, فإنه ينسب إلي شريكه الذي لا يتمتع بصفة الموظف الفعل مجردا من صفة مرتكبة الأصلي؛ لأن الشريك يستعير الفعل الإجرامي دون النظر إلي عقوبة الفعل التي لو كان المنهج المتبع لاستتبع بالتالي أن يطبق عليه النص الخاص بالتزوير في المحررات الرسمية.

وتأسيسا علي هذا المنهج, وانطلاقا من رغبة المشرع الفرنسي في رفض فكرة استعارة الظروف المختلطة والتحول من منهج تحديد عقوبة الشريك من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة المرتكبة إلي منهج تحديد مركز المتدخل من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي نفسه, وتفاديا للاشكاليات التي كانت تنجم عن المنهج القديم عند البحث في الظروف المزدوجة الصادرة عن الشريك40. من جهة أن الشريك بالتدخل يستفيد بابتعاده عن التشديد في حالة وجود صفة به تقتضي التشديد عليه لأنه يستعير عقوبة الفاعل الأصلي المجردة عن ذلك التشديد, كما أنه لا يستفيد من التخفيف لصفة فيه للسبب نفسه. كل ذلك دفع المشرع إلي تقرير أن الشريك بالتدخل تتحدد عقوبته من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته فقط حتى لا يستفيد الشريك من عدم التشديد لصفة فيه, ويستفيد من التخفيف فيه, وبناء عليه, فإن الشريك في قتل والده يطبق عليه النص الخاص بقتل الوالدين, رغم أن الفاعل الأصلي يطبق عليه نص القتل العادي (41).

المطلب الثاني

الظروف المادية

·         استخلاص نطاق التوافق أو التباين في المناهج التشريعية

-

محل الدراسة:

يقصد بالظروف المادية, تلك الظروف التي تتصل مباشرة بالجريمة وكيفية ارتكابها وما اكتنفها من ملابسات, فهي تتصل بالجانب المادي وعلي نحو تفترض ازدياد خطورة الفعل أو تضاؤله, ومن حيث تأثيرها, فقد تكون مشددة أم مخففة أم معفية.

وأغلب الفقه المقارن يقسم هذه الظروف من جهة تأثيرها إلي ظروف تلغي إجرامية الفعل وهي التي يطلق عليها أسباب التبرير (42), ثم الظروف المادية التي ترد علي عقوبة الفعل المرتكب إما بالتشديد أم التخفيف (43).

ويستقر منهج التشريعات المقارنة علي قبول امتداد تأثير الظروف المادية المشددة علي عقوبة الشريك بالتدخل, من التباين فيما بينها حول تطلب علم الشريك بها من عدم علمه بها. ويكاد التوافق قائم في منهج التشريعات من جهة استفادة الشريك التدخل من الظروف المادية التي تجرد الفعل من عدم المشروعية, والتي يطلق عليها مصطلح أسباب التبرير.

وانطلاقا من التوافق التشريعي علي قبول امتداد تأثير أسباب التبرير علي جميع المساهمين في الجريمة, فقد خصصت لذلك الفرع الأول, أم الفرع الثاني فنخصصه لنطاق امتداد تأثير الظروف المادية المشددة علي عقوبة الشريك بالتدخل, ثم خصصت الفرع الثالث لنطاق تأثير الأعذار القانونية علي عقوبة الشريك بالتدخل.

الفرع الأول

التوافق التشريعي على امتداد أسباب التبرير علي جميع المساهمين في الجريمة

أولا: القاعدة: التوافق التشريعي بامتداد أثر أسباب التبرير علي المساهمين في الجريمة:

أسباب التبرير (ويطلق عليها أسباب الإباحة), هي الأسباب التي تجرد الفعل الإجرامي من صفة عدم المشروعية وتحيله إلي عمل مشروع. فهي تهدم الركن القانون للفعل المرتكب. وعند تجرد الفعل المرتكب من الفاعل الأصلي من عدم المشروعية يترتب عليه بالحتم بامتداد المشروعية إلي جميع من ساهم بهذا الفعل, سواء الفاعلون الأصليون. أم المتدخلون.

وهذا الأثر يجب تطبيقه طبقا للقواعد العامة في التجريم, سواء بنص أم بدون نص. وحرصت بعض التشريعات النص علي ذلك صراحة, ومنها المادة (79) من قانون العقوبات الأردني, والتي جاء في فقرتها الأولي:" مفاعيل الأسباب المادية التي من شأنها... الإعفاء من العقوبة تسري علي كل من الشركاء في الجريمة والمتدخلين. ويقابله في التشريع اللبناني (م216) وفي التشريع السوري (م215).

ويقصد بالظروف المادية المعفية من العقوبة وفق المادة (79) من قانون العقوبات الأردني: أسباب التبرير المنصوص عليها في المواد 60, 61, 341 من قانون العقوبات وتطبيقاتها: الدفاع الشرعي (المادتين 60, 314), وأداء الواجب (م61), والدفاع عن المساكن (م342). ويلحق بالظروف المادية المعفية في رأي بعض الفقه: العفو العام (م50 عقوبات) والتقادم (44).

وحيث إن أسباب التبرير تجرد الفعل المرتكب من صفة عدم المشروعية, حتم المنطق امتداد أثرها إلي جميع المساهمين في الجريمة؛ لأن مساهمتهم تصبح في عمل مشروع, ولا يكون هناك محل لتوقيع العقاب علي أحدهم. فمن يساعد شخصا في الدفاع عن نفسه,يستفيد من التبرير, وحيث يكون نشاط الفاعل خاضعا لسبب تبرير, حتم بالتبع فقد نشاط المتدخل المصدر الذي يستمد منه صفة عدم المشروعية.

ثانيا: الإشكالية الخاصة بخطة المشرع المصري حول دلالة أسباب الإباحة المنصوص عليها في المادة

(42)

من قانون العقوبات

.

الإشكالية تثار في الفقه المصري حول دلالة العبارة الواردة في المادة (42) من قانون العقوبات المصري, والتي جاء نصها" إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة, وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعفوية المنصوص عليها قانونا".

وعلي الرغم من الاستقرار التشريعي والفقهي والقضائي علي امتداد تأثير أسباب الإباحة علي جميع المساهمين في الجريمة, إلا أن ورود هذا النص أثار إشكالية حول مراد الشارع من العبارة المذكرة. فقد ذهب بعض الفقه إلي أن المقصود بأسباب الإباحة الواردة في المادة (42) هي أسباب الإباحة النسبية التي لا يستفيد منها إلا من يمثل مركزا معينا أم صفة معينة (45). ورأي آخر ذهب إلي تفسير هذه العبارة وحملها علي دلالة أسباب الإباحة التي تحتاج إلي عنصر نفسي كحسن النية (46). وهناك من ذهب من الفقه إلي تفسير هذه العبارة وحملها علي معني موانع المسؤولية (47). ورأي آخر ذهب إلي تفسير هذه العبارة وحملها علي حالة الغلط في الإباحة. بحيث تفسر تلك العبارة بالأسباب التي تجعل الفاعل الأصلي يقع في غلط في أنها تبيح الفعل المرتكب, فيتوهم الجاني بتوفر الوقائع في إباحة فعله (48).

وأمام هذا الخلاف, فإنه وجب إبراز نقطتين: الأولي الاعتراف بأن هناك خطأ شكليا وقع فيه المشرع المصري باستخدام لفظ أسباب الإباحة في المادة (42) وبالدلالة الواردة فيها. والملاحظة الثانية, وبعد استعراض الخلاف الفقهي حول دلالة الشارع بعبارة أسباب الإباحة, نري ترجيح رأي الفقه القائل بتحميل تلك العبارة علي معني الغلط في الإباحة. وهو المعني الذي درج عليه رأي الفقه التقليدي قبل وضع نص المادة (42). وما قام به المشرع المصري هو استقاء التعبير الدارج نفسه, بحيث ينظر المشرع المصري إلي أن أسباب الإباحة المعنية في النص هو أسباب شخصية وليست مادية؛ بمعني أنها غلط في الإباحة وليست سببا من أسباب الإباحة, وبدلالة أن الشارع ربطها بموانع المسؤولية وانتفاء القصد وأحوال أخري, وبخاصة تلك التي تحمل في مجموعها طابعا شخصيا وليس ماديا كما ورد عليه النص في المادة (42).

الفرع الثاني

التوافق التشريعي علي امتداد تأثير الظروف المادية المشددة للعقوبة علي الشريك بالتدخل

أولا: القاعدة: امتداد تأثير الظروف المادية المشددة

-

كأصل عام

-

علي الشريك بالتدخل

يقصد بالظروف المادية المشددة, هي الظروف التي تلازم الجريمة والفعل المادي المرتكب وعلي نحو يؤدي إلي التأثير في الخطورة وبالتبع تشديد العقوبة, ومثالها: ظرف الليل في السرقة, أو السرقة من مكان العبادة, وغيرها من الظروف المادية المنصوص عليها في القسم الخاص في التشريع الوطني.

ولا تبدو صعوبة في تقرير امتداد تأثير هذه الظروف علي المساهمين الأصليين؛ لأن كل مساهم يستمد عدم المشروعية والعقوبة من فعله, ولكن تبدو الصعوبة عند البحث في مدي تأثير هذه الظروف المشددة علي الشريك بالتدخل, سواء كان منهج استخلاص عقوبته من خلال النظر إلي عقوبة الفاعل مرتكب الجريمة, أما من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته.

والقاعدة المستقر عليها في التشريعات- محل الدراسة- هو امتداد تأثير الظروف المادية المشددة علي جميع المساهمين في الجريمة, سواء الأصليون, أم الشركاء بالتدخل. وهذا المنهج ينطلق من فكرة أن هذه الظروف تتعلق بالفعل الأصلي المكون للجريمة, مما يستتبع تحمل المساهمين (كالشريك بالتدخل) تبعية الفعل المرتكب وما يقترن به من ظروف مشددة.

وحرصت بعض التشريعات علي أن تنص صراحة علي هذا الأمر, أذ نصت علي ذلك المادة (79) عقوبات أردني, وجاء فيها:" مفاعيل الأسباب المادية التي من شأنها تشديد العقوبة...تسري علي كل من الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها... ويقابلها نص المادتين 216 (لبناني), و215 (سوري). وهناك تشريعات أغفلت النص صراحة علي حكم وأثر الظروف المادية المشددة علي عقوبة الشريك بالتدخل, ومنها التشريعية الفرنسي والمصري, وترك أمر تفسير حكمها إلي القضاء والفقه, واستقر اجتهاد الفقه والقضاء المقارن علي تقرير امتداد تأثير الظروف المادية المشددة علي جميع المساهمين, سواء الأصليون أم المتدخلون, ومن منطلق قاعدة وجوب تحمل الشريك بالتدخل تبعة تدخله في الفعل المرتكب من الفاعل الأصلي. وضرورة أن يجازي بالعقوبة المشددة مثله في ذلك كالفاعل الأصلي في الجريمة49.

وجانب من الفقه المصري يذهب إلي القول بامتداد أثر الظروف المادية المشددة علي الشريك بالتدخل طبقا للقواعد العامة, والتي تستلزم تحمل التبعية في الاشتراك, وعلي النحو المستقر عليه في الفقه الفرنسي. وهناك من الفقه ما يتجه إلي نفس الرأي ولكن باستناده إلي نص المادة (43) من قانون العقوبات, والتي جاء نصها" من اشترك في جريمة فعلية عقوبتها, ولو كان غير التي تعمد ارتكابها حتى ولو كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت" (50). ويري هذا الرأي أن حدوث الظروف المادية التي تؤدي إلي نتيجة محتملة من النتيجة المباشرة التي أراد الشريك بالتدخل أو الإسهام بها, يتبع إرادته إليها وبالتالي تحمل تبعيتها (51).

وفي تقدير سلامة الرأي القائل يتحمل الشريك تبعة الظروف المادية المشددة وفق القواعد العامة, وبالنظر إلي طبيعتها واتصالها بماديات الجريمة, وأنه لا محل لتفسير هذا الحكم بدلالة نص المادة (43) من قانون العقوبات المصري؛ لأن ازدياد الجسامة في النتيجة المرتكبة بسبب تدخل الظرف المادي لا يمكن تفسيره علي أن ذلك يشكل نتيجة أخري محتملة ومختلفة عن النتيجة المباشرة. فضلا عن استقرار اجتهاد محكمة النقض المصرية علي امتداد أثر الظروف المادية المشددة علي عقوبة الشريك بالتدخل. وقضت في أحد أحكامها" إن حمل السلاح في السرقة من الظروف المدية المشددة المتصلة بالجريمة, ويجب سريانها علي كل من أسهم فيها فاعلا أو شريكا ولو لم يعلم به" (52).

ثانيا: تباين المناهج التشريعية حول تطلب علم الشريك بالتدخل بالظرف المادي المشدد:

رغم استقرار النظم التشريعية وتوافق الاجتهاد القضائي والفقهي علي القاعدة امتداد تأثير الظروف المادية المشددة علي الشريك بالتدخل, بنص أو بدون نص وفق المنهج التشريعي. إلا أن نقطة الخلاف الجوهرية بين هذه النظم حول شرط علم الشريك بالظرف المادي المشدد, إذ هناك تباين في المناهج التشريعية- محل المقارنة, وقد نجد هذا التباين داخل النظام الجنائي الواحد.

لم يرد نص في قانون العقوبات الفرنسي بشأن أثر الظروف المادية المشددة علي عقوبة المساهمين في الجريمة. ولكن يستقر الرأي الغالب في الفقه الفرنسي (53),ويسير الاجتهاد القضائي الفرنسي, علي مساءلة الشريك بالتدخل عن الظروف المادي المشدد دون تطلب علمه به. ويستند هذا الاجتهاد إلي طبيعة هذا الظرف من حيث ارتباطه بالفعل الجرمي المرتكب من الفاعل, وهذا الظرف  يشكل جزءا من ماديات الجريمة التي يتضامن في المسؤولية عنها كافة المساهمين في الجريمة, فضلا عن توافقهم وقبولهم لمخاطر المشروع الإجرامي الذي ارتضوا المساهمة فيه, فقبولهم تلك المساهمة يفترض بالحتم قبولهم جميع الوسائل والملابسات التي تهيئ لهم تحقيق غايتهم الإجرامية, ولا سيما تلك التي تؤدي إلي تجاوز العقبات التي تعترض تنفيذ الفعل المادي, وكل ذلك يحمل معني قبولهم الآثار التي تترتب علي الأفعال المرتكبة في سبيل تنفيذ المشروع الإجرامي.

أما بخصوص الفقه المصري, وأمام غياب النص الصريح حول أثر الظروف المادية المشدد علي  المساهمين- كما سبق بيانه, امتد هذا الخلاف حول تطلب علم الشريك بالظرف المادي من عدم علمه لتقرير امتداد أثره عليه أو عدم تأثره به.

ويتجه الرأي الغالب في الفقه المصري (54) إلي عدم تطلب ثبوت علم الفاعل أو الشريك بالظروف المادية المشددة التي تقترن بالجريمة, فيسأل كل منهما عنها حتى أذا ثبت جهله لها, ويؤسس هذا الفقه رأيه علي أن هذا النوع من الظروف يتصل بماديات الجريمة ويعتبر في حكم خصائصها, وبالتالي يسأل عنها جميع المساهمين علموا بها أم لم يعلموا. كما يؤسس الرأي حجته اعتمادا علي مفهوم المخالفة لنص المادة (41) من قانون العقوبات الوارد بشأن الظروف الشخصية التي تتصل بالفاعل بحيث لا يمتد أثرها إلي الشريك إلا إذا ثبت علمه بها. وسكوت المشرع من النص علي حكم الظروف المادية, فإنه بمفهوم المخالفة يمكن استنباط دلالة موقف المشرع المصري, وهو امتداد أثر الظروف المادية المشددة دون تعليق ذلك علي علم الشريك بالتدخل بها.

وهناك اتجاه من الفقه المصري يذهب إلي الإجابة عن هذه الإشكالية من خلال التميز بين الفاعل مع غيره والشريك في الجريمة, ففيما يتعلق بالفاعل الآخر يشترط لمساءلته عن الظروف المادية المشددة أن يكون عالما بها وقت ارتكاب الجرمية, استكمالا لعناصر القصد الجنائي, حيث إنها تأخذ حكم أركان الجريمة. أما الشريك, فلا يسأل عنها أيضا إلا إذا كان يعلم بها, فإذا كان لا يعلمها وكانت من النتائج المحتملة لاشتراكه, فإنه يسأل عنها كذلك (55), باعتبارها من النتائج المحتملة وفقا للمادة (43) عقوبات مصري.

وحسما لهذا الخلاف, يري جانب من الفقه المصري ضرورة تعديل قانون العقوبات المصري, بحيث ينص صراحة علي سريان الظروف المادية المشددة علي سائر المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أم شركاء بشرط علمهم بها (56).

وخطة المشرع الأردني صريحة في امتداد أثر الظروف المادية المشددة علي كافة المساهمين في الجريمة وفق نص المادة (79/ 1), والتي جاء فيها" مفاعيل الأسباب المادية التي من شأنها تشديد العقوبة... تسري علي كل من الشركاء في الجريمة والمتدخلين فيها والمحرضين علي ارتكابها". وفي تقديري أن هذا المنهج يتفق في دلالته مع طبيعة الظروف المادية ذات الصلة بالجريمة المرتكبة, مما يحمل تفسير هذا النص علي امتداد أثر الظروف المادية المشددة علي الشريك بالتدخل, وهذا الأثر نتيجة حتمية لفكرة وحدة الجريمة علي الرغم من تعدد المساهمين, والتي تأخذ بها التشريعات المقارنة- محل الدراسة, وبالتالي ليس في النص المذكور ما يشترط علم الشريك بالتدخل بهذا الظرف حتى يصار إلي تقرير تحمله لتبعه أثر الظرف المشدد. والقاعدة أن الإطلاق يبقي علي إطلاقه كأصل عام.

ولا محل لما يراه بعض الفقه الأردني (57)- من اشتراط علي الشريك بالتدخل بالظرف المادي المشدد حتى يتأثر به؛ لأن هذا الرأي يتعارض مع صراحة نص المادة (79) من قانون العقوبات, فضلا عن تعارضه مع طبيعة الظرف المادي المشدد ومخالف لما استقر عليه الرأي الغالب في الفقه والقضاء المقارن. أما احتجاج هذا الرأي إلي نص المادة (86) من قانون العقوبات والتي وردت نصها في القسم الثاني من الباب الرابع في الفصل الأول تحت عنوان (الجهل بالقانون والوقائع), وجاء عنوان القسم تحت مسمي (في موانع العقاب), حيث جاء نص المادة (86) من القانون علي أن لا يعاقب كفاعل أو محرض أو متدخل كل من أقدم علي الفعل في جريمة مقصودة بعامل غلط مادي واقع علي أحد العناصر المكونة للجريمة (فقرة 1), ثم نصت الفقرة (2) من هذه المادة" إذا وقع الغلط علي أحد الظروف المشددة لا يكون المجرم مسؤولاً عن هذا الظرف".

في تقديري, أن نص الفقرة الثانية من المادة (86) واردة في القسم الثاني الوارد بعنوان ( في موانع العقاب), والتي تحمل علي الظروف الشخصية دون أدني صلة بالظروف المادية الملحقة بالجريمة, وبالتالي لا محل للاستناد إليها عند البحث في أثر الظروف المادية المشددة علي الشريك بالتدخل.

وحسماً لهذا الخلاف, يتعين تدخل المشرع الأردني صراحة بإضافة عبارة في عجز المادة (79/ 1 عقوبات) بحيث تضاف عبارة" علموا بها أن لم يعلموا", وعلي غرار المقرر في المادة (44) من قانون العقوبات لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ثالثا: تأصيل الجدل الفقهي حول تطلب العلم بالظرف المادي المشدد من عدم العلم به( من قبل الشريك بالتدخل)

.

ذكرنا أن شرط العلم بالظرف المادي المشدد هو الذي يمثل نقطة الخلاف الجوهرية بين النظم الجنائية المختلفة, بل وداخل النظام الجنائي الواحد. ويبدو هذا الجدل في ظل التشريعات التي أغفلت النص علي الظروف المادية المشدد كأصل عام تركت بحثه للقواعد العامة, كما يثار هذا الجدل في ظل التشريعات التي نصت علي ظرف المادي المشدد وسريانه علي المساهمين ولم تشر إلي قيد علم المساهمة به. في حين تشريعات نصت صراحة علي امتداد تأثير الظروف المادية المشددة علي الشركاء في الجريمة, علموا بها أم لم يعلموا (م 49قانون الإمارات). بينما ذهب المشرع البحريني علي تقييد امتداد تأثير الظرف المادي المشدد علي الشريك شريطة العلم به (م47عقوبات بحريني).

وأمام التباين التشريعي واختلاف الفقه حول قاعدة علم الشريك بالظروف المادي المشدد, من عدم العلم به, ظهرت مجموعة من النظريات بين مؤيد ومعارض لهذا الموضوع, نلخصه علي التوالي:

أ

-

نظرية المسؤولية الأدبية:

  مؤدي هذه النظرية أن ظروف الجريمة لا تخرج عن كونها عناصر تتعلق بالجريمة, والأصل أنه لا يجوز مساءلة المساهم إلا عن القدر المعلوم من الفعل غير المشروع والملابسات المحيطة به, والمسؤولية أساسها قيام الإثم الجنائي, والصلة النفسية بين الجاني والفعل الجرمي وظروفه, وأساس هذا الإثم هو العلم بالجريمة وعناصره, وكل ذلك يؤدي إلي التقرير أنه لا يجوز تشديد عقوبة الجاني بسبب ما يقترف من أفعال جرمية وما يرافقها من ظروف مادية مشددة إلا إذا كان علي علم بها (58).

ب

-

نظرية المسؤولية الموضوعية:

    وتقوم هذه النظرية من منطلق أن أساس مسؤولية الجاني في الجريمة هو تحقق رابطة السببية المادية بلين السلوك والنتيجة الإجرامية, دون اشتراط وجود أي علاقة نفسية من أي نوع, سواء كان ذلك في صور القصد أم الخطأ. وترتب هذه النتيجة نتيجة مؤداها أن الظروف المادية المشددة التي تقترن بالجريمة, تسري علي كافة المساهمين فيها, سواء كانوا فاعلين أم أنهم شركاء, علموا بها أم لم يعلموا (59). ويعد قانون العقوبات في إيطاليا مقدمة التشريعات التي تأخذ بهذا المنهج.

ج

-

نظرية النتائج المحتملة:

يري أنصار هذه النظرية أن مسألة الجاني عن الظروف المادية المشددة, يكون علي أساس فكرة تحمل التبعة, والظروف المشددة تعتبر من قبيل النتائج المحتملة, ولا يمنع مسألة الشريك عنها إلا قوة قاهرة أو حادث فجائي يحول دون علمه بهذه الظروف.

ووفقا لهذه النظرية, أن الجاني يسأل عن الظروف المادية المشددة إذا كان في استطاعة الشخص العادي المتوسط الحذر أن يتوقع حدوثها, ويؤيد هذه النظرية عدد من الفقهاء المصريين (60).

د

-

نظرية العنصر المعنوي مزدوج التكوين:

يري بعض الفقه, أن الظروف المادية المشددة تسري علي كافة المساهمين في الجريمة سواء علموا بها أم لم يعلموا, من منطلق الركن المعنوي مزدوج التكوين, إذ يختلط القصد بإهمال مما يزيد من جسامته وتشديد العقاب في حال توافر القصد (61).

وتطبق هذه النظرية عند تحقق الاشتراك الجرمي, إن إهمال الفاعل الآخر أو الشريك في الحيلولة دون أن يقترن تنفيذ الجريمة المقصودة ظرفا ماديا يشدد عقوبتها. كل ذلك يزيد من جسامة الجريمة, وإسهامه في فعل معين يرتبط سببا بأي ظروف من شأنها أن تكتنف تنفيذ الفعل, وتكون من المقتضيات المحتملة لهذا التنفيذ ولو كان احتمالا ضعيفا, وبالتالي تقع هذه الظروف علي عاتق المساهم, حيث تصبح أمر واقعيا, وفي الوقت ذاته يعزي حدوثها إلي الجاني, فإن لم ينصرف قصده إليها, فعلي الأقل إلي إهماله في تفاديها.

·         تقدير النظريات السابقة:

في تقديري, أن النظريات السابقة لا تتسق مع طبيعة الظروف المادية المشددة؛ لأن الأخيرة ترتبط مباشرة بالفعل المادي الذي يرتكبه الفاعل الأصلي؛ ويساهم فيه الشريك بالتدخل, والقاعدة المنطقية التي تؤديها القواعد العامة" كل من اشترك في الجريمة يتحمل المسؤولية والتبعة الناشئة عنها, حتى لو اتصل بالفعل المرتكب ظروفا تستلزم تعديل في الفعل؛ لأن هذه الظروف هي بعض ملابساته, فضلا عن أن اتجاه إرادة كل مساهم إلي الجريمة يريد في الوقت نفسه كل جزء من أجزاء ركنها المادي وما يكتنفه من ظروف وملابسات.

وعليه, لا محل لتفسير تحمل الشريك بالتدخل تبعة الظروف المادية المشددة وفق نظرية المسؤولية الموضوعية وبحجة قيام رابطة السببية المادية بين الفعل والنتيجة. كما أن نظرية النتائج المحتملة تخلط بين الظروف المادية المشددة والنتائج الاحتمالية. أما نظرية العنصر المعنوي المزدوج, فيكفي القول كيف يمكن تصور الجمع بين القصد والخطأ في ركن معنوي واحد وبالنسبة لجريمة بعينها (62).

الفرع الثاني

قصور المناهج التشريعية في مواجهة تأثير الأعذار القانونية علي عقوبة الشريك بالتدخل

الأعذار القانونية, هي ظروف يستخلصها الشارع نفسه باعتبارها مما يستدعي إعفاء الجاني من العقاب كلية, أو تخفيف العقاب عنه لاعتبارات يقدرها الشارع. وتستخلص من العلة الواردة في النص القانوني, وهي نوعان: أعذار معفية, وأعذار مخففة. ولم تتناول أي من التشريعات حكم الأعذار القانونية في حال تحقق الاشتراك الجرمي, سواء الاشتراك الأصلي أم الاشتراك بالتدخل, وتبع ذلك اختلاف في الاجتهاد الفقهي.

أولا: الأعذار المعفية من العقاب

ومن تطبيقاتها في التشريع الأردني زواج الخاطف بمخطوفته, إذ نصت المادة (308) من قانون العقوبات الأردني" إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب أحد الجرائم الواردة في هذا النص (63) وبين المعتدي عليها أوقفت الملاحقة, وإذا كان صدر حكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض علي المحكوم عليه", ثم نصت الفقرة الثانية علي أنه تستعيد النيابة العامة حقها في ملاحقة الدعوي العمومية وفي تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات علي الجنحة وانقضاء خمس سنوات علي الجناية إذا انتهي الزواج بطلاق المرأة دون سبب مشروع.

وسياسية المشرع الأردني في حكم نص المادة (308) ذات اعتبارات متصلة بالأسرة والروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع, وبدلالة أن وقف تنفيذ العقوبة مقيدا أن لا يقوم المحكوم عله بإنهاء الزواج دون سبب مشروع وللمدة المحددة في الفقرة الأولي.

والسؤال المطروح, هل الشريك بالتدخل للخاطف كفاعل أصلي يستفيد من هذه المعاملة؟ لم يرد نص صريح بهذه المسألة.

بعض الفقه (64) يضفي علي هذا العذر الطابع المادي المؤدي إلي الإعفاء من العقوبة, مما يستتبع وفق هذا الرأي استفادة شريك الخاطف منه, بحيث لا تنفذ العقوبة عليه كذلك.

وفي تقديري, أن مثل هذه الأعذار لها نطاق شخصي فقط؛ لأنها تقريرها ذات صلة بالسياسية الجنائية والتي ترجح مصلحة المجتمع في عدم توقيع العقاب من أجل جريمة توافرت لها كل أركانها علي مصلحته في توقيعه. وبالتبع, فإن المنهج يجب اتباعه عند البحث في استفادة الشريك بالتدخل من هذا العذر يتعين أن يكون علي أساس من هذه الاعتبارات, مما يستلزم استقراء  الاعتبارات التي أراد الشارع تحقيقها بامتناع العقاب. فإذا تبين أن تحقيق هذه الاعتبارات تقتضي امتداد تأثير العذر إلي كل المساهمين في الجريمة فلا مفر من الاعتراف بذلك, ولكن في الغالب من أحوال تقرير الأعذار المعفية أن الشارع يقصد منها فقط امتناع عقاب متهم بالذات, ولو وقع العقاب علي سائر المساهمين معه في الجريمة (65).

والقول بغير ذلك وبخصوص العذر المقرر وفق خطة المشرع الأردني في المادة (308) وبخصوص تعليق العقاب بحق الخاطف الذي يتزوج بمخطوبته, أن إيقاف مقيد بأم لا ينتهي بطلاق المرأة دون سبب مشروع, وإذا تحقق هذا الأمر, فكيف تتم معاملة الشريك بالتدخل فيما لو قلنا خلاف ذلك؟

وعليه, فامتناع عقاب الخاطف عند الزواج بمخطوفته. له اعتبارات خاصة تقتضي قصر أثرها علي الخاطف, دون تطبيقه علي الشركاء.

ثانيا: الأعذار الخاصة المخففة للعقاب

والأعذار الخاصة المخففة للعقاب, هي وقائع توجب تخفيف العقاب إلي أقل من الحد الأدني المقرر قانونا يخصها الشارع بالنص الصريح, وقد تكون عامة وقد تكون خاصة. والأعذار المخففة العامة هي التي تسري في كل جريمة متى توافرت شروطها, ومن تطبيقاتها عذر الاستفزاز المنصوص عليه في المادة (98) من قانون العقوبات, وجاء فيها يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلي جانب من الخطورة أتاه المجني عليه. واعتبر بعض الفقه أن عذر الاستفزاز عذرا ماديا, فإذا تحقق للفاعل استفاد منه الشريك. ولكن بعض أحكام القضاء الفرنسي ذهبت في بعض أحكامها إلي عدم استفادة الفاعل منه إذا تحقق لدي الشريك بالتدخل (66).

وفي تقديري أن عذر الاستفزاز له طابعا شخصيا, يقتصر تأثيره علي من توافر فيه, فهو من الأعذار الشخصية وعلي النحو الذي يقترب في ماهيته وطبيعته لعذر المفاجئة والاستفزاز الذي يواجه به الجاني للزوج (أو الزوجة) عند ضبط الزوج الآخر متلبسا في الزنا, ويستفيد من العذر الخاص المخفف للعقوبة.             

ومن تطبيقات العذر القانوني الخاص المخفف للعقوبة, من يفاجئ زوجه متلبسا بالزنا أو فراش غير مشروع, فيقدم علي قتله أو قتل الاثنين معا. إذ نصت المادة (340) من قانون العقوبات الأردني في فقرتها الأولي (67), " يستفيد من العذر المخفف الزوج الذي يفاجئ زوجته حال التلبس بالزنا أو الفراش غير المشروع ويقدم علي قتلها أو قتلهما معا". ونصت الفقرة الثانية ويستفيد من ذات العذر الزوجة التي تقدم علي قتل زوجها حال ضبطه متلبسا بالزنا أو الفراش غير المشروع وضبطت زوجها في منزل الزوجية".

والرأي الساند في مصر وفي فرنسا, هو اعتبار عذر الزوج (أو الزوجة) وفق خطة المشرع الأردني) في قتل زوجه المتلبس بالزنا أو الفراش غير المشروع عذرا شخصيا بحتا لا صلة له بالأحوال المادية اللاصقة بالجريمة.

ويذهب بعض الفقه (68)إلي تطبيق الحل لهذه المسألة من منطق إعمال قاعدة تأثير الشريك بظروف الفاعل التي تغير من وصف الجريمة علي الأعذار القانونية المخففة, فإذا علم الشريك بأن فاعل القتل زوجا فاجأ زوجته متلبسة بالزنا, فإنه يستفيد بدوره من سبب التخفيف, وبحجة أن الشارع في هذا العذر الخاص قد اعتبر هذه الصورة من القتل أقل علي المجتمع خطرا من صوره الأخرى, وخطورة فعل الشريك مستمد من خطورة نشاط الفاعل فلا يتصور أن يكون الأول أشد من الثاني خطرا. وتضاؤل خطورة هذه الصورة من القتل مرتبطة باعتبارات نفسية ترد إلي ثورة الزوج, مما يحتم المنطق ارتباط تعلق استفادة الشريك من التخفيف علي علمه بعوامل هذه الثورة وأسبابها, إضافة إلي ذلك, فإن تطلب هذا العلم هو تطبيق للقاعدة التي قررها القانون في شأن ظروف الفاعل التي تغير من وصف الجريمة, ذلك أن هذه الحالة من التخفيف هي من الظروف التي ينبغي لجريمة القتل أركانها ثم يضاف إليها لكي تعطيها وصفا قانونيا مخففا.

ويقترب من هذا الاتجاه رأي آخر (69), يقول فيه إن تغيير الوصف القانوني للجريمة من جناية القتل إلي جنحة القتل بسبب العذر المخفف (الاستفزاز). من آثاره أن التخفيف يسري علي الزوج إذا كان فاعلا أصليا للجريمة دون غيره من الفاعلين الأصليين وفق المادة (139) عقوبات مصري حتى لو علموا به. أما بالنسبة للشركاء, فيتأثر به من يعلم ولا يتأثر به من لا يعلم (المادة 41 عقوبات), وعلي العكس من ذلك لا يستفيد الزوج من العذر إذا لم يكن فاعلا أصليا في جريمة القتل بل مجرد شريك فيها بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة؛ وذلك لأن فعل الشريك يستعير صفة الإجرامية من فعل الفاعل الأصلي لا العكس تطبيقا للقواعد العامة.

وهناك من الفقه (70) من يري أن عذر التخفيف المنصوص عليه في المادة (237) عقوبات مصري, يعد من الأعذار المادية التي تتصل مباشرة بذات الجريمة وتخفف بالتالي من وقعها وتقلل من جسامتها, وعليه يطبق  علي شريك الزوج القاتل ذات النص, وبالتالي يستفيد شريك الزوج القاتل من التخفيف سواء كان يعلم بصفة الزوج أو لا يعلم. وبعلة أن هذه الصفة مع الشروط الأخرى هي من الأحوال المادية التي تتصل بذات الجريمة؛ مما يستتبع استفادة الشريك منها كما يستفيد الفاعل.

وفي تقديري, أن العذر المنصوص عليه في المادة (340 عقوبات أردني) (يقابله المادة 237 عقوبات مصري) ليس له طبيعة مادية؛ لأن المرجع في تحديد طبيعة سبب من أسباب التشديد أو التخفيف هو في مصدره, والمصدر الأول لهذا العذر هو صفة الزوج (أو الزوجة وفق خطة المشرع الأردني), وما ينال نفسه من ثورة واستفزاز, وكل ذلك شخصي بحت (71). وإذا كان القانون يتطلب شروط مادية (كالتلبس بالزنا) فهي دون شك أقل أهمية في تحديد طبيعة العذر من صفة الزوج وثورة نفسه (المفاجأة), وإذا كان أثر العذر يتعلق بالجريمة, فيغر من وصفها. كل ذلك لا يعني أنه عذر مادي؛ لأن تغير وصف الجريمة هو شأن كل الظروف الأخرى. فصفة الخادم في السرقة ينعكس أثرها علي الجريمة, فيغير وصفها ولم يقل أحد أنها ظرف مادي, وبالتالي الضابط في تحديد طبيعة الظرف أو العذر هو إلي مصدره ونوع شروطه لا إلي آثاره.

وبناء عليه, فإن الشريك مع الزوج القاتل لزوجته حال التلبس بالزنا, لا يسري عليه العذر المخفف المنصور عليه في القانون, وإن كان ذلك قد لا يحقق العدالة من الناحية الواقعية, من جهة تخفيف العقاب وجوبا علي الفاعل الزوج دون استفادة الشريك من هذا التخفيف. إلا أن هذا الحل يستقيم مع القواعد العامة في التجريم والمسؤولية.

ثالثا: الحاجة إلي تدخل تشريعي

ونري بالتالي لتحقيق المواءمة بين اعتبارات العدالة ومبررات العذر الخاص, هو ضرورة تدخل المشرع صراحة لحسم هذه المسألة, بحيث ينص علي استفادة الشريك بالتدخل من العذر المخفف الخاص شريطة علمية بصفة الزوج فاعل القتل وثورة نفسه, وامتداد تأثير العذر الخاص عندئذ لا يكون إلا بنص خاص.

المطلب الثالث

تباين المناهج التشريعية لمواجهة مسؤولية الشريك التبعي( المتدخل) عن الجريمة المغايرة لقصد ه

قد يرتكب الفاعل الأصلي جريمة أشد جسامة من التي انصرف إليها قصد الشريك بالتدخل, وقد تكون الجريمة المرتكبة أقل جسامة. وتم تغليب مناقشة هذه المسألة في إطار أثر الظروف المادية علي اعتبار تحقق نتيجة ثانية ذات طبيعة مادية ولها صلة ما بأحد نماذج النشاط الصادر عن المتدخل. فهل يسأل الشريك بالتدخل عن هذه الجريمة المغايرة لقصده؟

ويسود التشريعات المقارنة منهجان: الأول لم ينص علي هذه المسألة وهو موقف تشريعات كل من: الأردن, فرنسا, لبنان. والثاني ينص علي مواجهة هذه المسألة بنصوص صريحة, كما هو الحال في تشريعات مصر, دولة الإمارات العربية المتحدة.

أولا: حكم الجريمة المغايرة في التشريعات التي أغفلت مواجهتها بنص صريح

.

يسود الرأي في التشريعات التي لم تواجه مسألة الجريمة المغايرة لقصد المتدخل منهجين حول الجريمة المغايرة: الأول وجوب أن يتم البحث في مسؤولية الشريك بالتدخل عن الجريمة المغايرة وفقا للقواعد العامة في الاشتراك الجرمي, إذ المتدخل لا يسأل عن الجريمة المغايرة من الفاعل الأصلي إلا إذا تحققت فيها أركان الاشتراك الجرمي, وفي مقدمتها الرابطة المعنوية أو الذهنية؛ أي المتدخل لا يسأل عن أفعال المساهم الأصلي إلا إذا علم بها واتجهت إرادته إلي تحقيق نتيجتها. لا فرق في ذلك بين أن تكون الجريمة المغايرة المرتكبة أشد جسامة أم أخف من الجريمة المتفق عليها (72).

فلو أعار شخص بندقيته إلي شخص آخر بقصد قتل أحد الأشخاص, فاكتفي الفاعل بالسرقة (73), فطبقا للقواعد العامة لا محل لمساءلة المتدخل عن جريمة القتل لأنها جريمة لم تقع (74), وعلة ذلك, أن أساس مسؤولية المتدخل أنه يستعير عدم المشروعية من عدم المشروعية للنشاط الصادر من الفاعل, وهذه المسؤولية لا تحقق إلا عن الجريمة التي انصرف إليها قصد المتدخل إذا ارتكبت من الفاعل, وهي الجريمة التي انصرف إليها قصد المتدخل وقصد الفاعل معا. أما إذا اقتصر الفاعل نشاطه علي إيذاء الشخص المستهدف من الشركاء, فإن مسؤولية المتدخل عن الإيذاء ثابتة؛ لأن قصد القتل- طبقا للقواعد العامة- يتضمن حتماً قصد الإيذاء.

أما مسؤولية المتدخل عن جريمة السرقة التي ارتكبت من الفاعل, والتي قد تكون مغايرة لقصد المتدخل, فمواجهتها في ظل هذه التشريعات يتم وفقا للقواعد العامة, إذ تقوم مسؤولية المتدخل إذا ما ثبت انصراف قصده إليها؛ أي وقوع هذه الجريمة في دائرة القصد, سواء القصد المباشرة, أم القصد الاحتمالي, ومما يؤيد ذلك أن المشرع الأردني والمشرع اللبناني يقر بفكرة القصد الاحتمالي, فقد نصت المادة (64) من قانون العقوبات الأردني أنه: تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل قصد الفعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة". ويقابل ذات النص المادتين (188 عقوبات سوري), و (189 عقوبات لبناني).

وعليه, اعتراف الشارعين: الأردني واللبناني, ثم الشارع السوري بالقصد الاحتمالي, معناه أنه يساوي بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي, بحيث يمكن تحقيق مسؤولية  الشريك بالتدخل (وأيضا الشريك الأصلي) عن جريمة المغايرة سيما الأشد جسامة بناء علي تحقيق عناصر القصد المباشر أم القصد الاحتمالي إذا توافر شروط أي منهما من حيث توقع النتيجة وانعقاد العزم علي تحقيقها (القصد المباشر) أم علي الأقل في صورة توقع النتيجة والرضا بقبولها (القصد الاحتمالي). أما إذا تعذر توافر القصد لدي المتدخل- أي من صورتيه- فإنه طبقا للقواعد العامة في الاشتراك الجرمي وقواعد المسؤولية الجزائية لا يتحمل تبعة الجريمة المغايرة التي لم ينصرف إليها قصده (75).

وذات الحكم يطبق إذا كانت الجريمة المغايرة أشد جسامة. فلو تقدم شخصا لآخر أقراصا منومة بقصد تقديمها إلي صاحب المنزل المراد سرقته, فإذا بالفاعل يجد فيه امرأة يغتصبها, فلا محل لمساءلة مقدم الأقراص عن الاغتصاب إلا إذا ثبت انصراف قصده إليه (76).

أما إذا تبين أن أركان الشروع في السرقة قد تحققت وفق أحكام الشروع, والفاعل بعد البدء في تنفيذ أفعال الركن المادي في السرقة, قد عدل في مشروعه الإجرامي من إتمام السرقة إلي الاغتصاب. في تقديري هنا يمكن تحقق مسألة المتدخل عن التدخل في جريمة السرقة (77). ولا يجوز اعتبار ذلك عدول عن شروع ناقص في السرقة, فالقصد الآثم للجاني (الفاعل) بعد البدء في تنفيذ السرقة انصرف من السرقة إلي الاغتصاب, وبالتالي لا محل لبحثه في إطار نظرية العدول كما يري بعض الفقه (78).

والمنهج الثاني في ظل التشريعات التي أغفلت النص علي الجريمة المغاير, يمثلها التشريع الفرنسي. ويستقر رأي الفقه علي أن المتدخل لا يتحمل المسؤولية عن الجريمة المغايرة سيما الأشد جسامة, إلا إذا انصرف قصد المتدخل إليها, وهو قصده المباشر دون القصد الاحتمالي, ويتأسس هذا التفسير انطلاقا من فكرة أن الشارع الفرنسي لا يقيم أي أهمية للقصد الاحتمالي إلا في أحوال خاصة. وعليه, المتدخل لا يسأل عن الجريمة المغايرة إلا إذا ثبت توافر العلم والإرادة بصورة القصد المباشر (79).

ثانيا: خصوصية منهج الشارع المصري في استخلاص عقوبة الشريك التبعي عن الجريمة المغايرة

ومنهج المشرع المصري واضحا في النص علي تقرير مسؤولية الشريك بالتدخل عن الجريمة المغايرة لقصده, فقد نص في المادة (43) من القانون العقوبات علي أنه" من اشتراك في جريمة فعلية عقوبتها ولو كانت غير تلك التي تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتلمة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت". وتردد هذا الحكم مع الاختلاف في الصياغة في تشريعات الإمارات العربية (م51), وقانون الجزء الكويتي (م53). واختلف الرأي في الفقه المقارن, حول تحديد الأساس الذي اعتمده الشارع المصري في تقريره هذه القاعدة.

ويذهب رأي في الفقه إلي تفسير هذه المسؤولية وفقا للقواعد العامة للمسؤولية وتأسيسا علي فكرة القصد الاحتمالي (80). وأيدت محكمة النقض المصرية هذا الاتجاه في بعض أحكامها القديمة بقولها" إذا لم يكن في الاستطاعة مؤاخذة الشريك في السرقة" علي اعتبار أنه شريك بالقتل بنية مباشرة لعدم قيام الدليل علي ذلك, فإن وجوده في مكان جريمة السرقة كان وحده كافيا لمؤاخذته بقصده الاحتمالي فيما يتعلق بجريمة القتل, علي اعتبار أنه كان يجب عليه أن يتوقع كل ما حصل إن لم يكن توقعه فعلا (81). وينتقد فقه آخر هذا التأسيس لمسؤولية الشريك بالتدخل علي أساس القصد الاحتمالي, ولتعارض هذا الاجتهاد مع القواعد العامة للمسؤولية الجزائية, فكيف يستساغ القول بأن قصد الشريك قد توافر بالنسبة للنتيجة المحتملة علي الرغم من أنه لن يتوقعها؛ لأن انتفاء التوقع حتم بالضرورة انتفاء الإرادة المتجهة إلي النتيجة (82).

ويذهب رأي من الفقه إلي تحمل الشريك بالتدخل المسؤولية عن الجريمة المغايرة علي أساس المسؤولية الموضوعية أو المفترضة, وسند هذا الرأي هو أن توافر علاقة السببية بين فعل الاشتراك والنتيجة التي وقعت, كافيا لقيام المسؤولية (83).

ويعيب هذا الاتجاه أنه يقرر المسؤولية دون تطلب العناصر المعنوية مما يشكل خروجا علي المبادئ الأساسية في التشريع الجنائي الحديث (84).

ورأي في الفقه المصري (85) يري تحديد مسؤولية الشريك بالتدخل عن الجريمة المغايرة وفق كل حالة علي حدة, ولكن بقيد قيام الرابطة المادية بين الشركاء, والرابطة المعنوية (النفسية) بينهم. والرابطة النفسية قد تتخذ صورة القيد الاحتمالي أو صورة الخطأ غير العمدي وحسب الأحوال, فإذا تحقق القصد الاحتمالي يحق التدخل, يسأل عن جريمة المغايرة, وإذا انتفي القصد الاحتمالي فيبحث عن خطأه, وذلك في الحالة التي يستطيع فيها الشريك توقع النتيجة المحتملة, وكان يحق عليه توقعها وباستطاعته الحيلولة دون وقوعها, وأقدم علي ذلك النشاط مع توقع النتيجة المغايرة مع أمله في عدم وقوعها, عندها يسأل بطريق الخطأ عن هذه النتيجة المغايرة.

وهناك من الفقه المصري (86) يجعل مسؤولية الشريك عن الجريمة المغايرة وفق مفهوم الركن المعنوي المزدوج, فيكون مسؤولاً قصدا عن الجريمة التي أراد الإسهام فيها, امتزج به إهمال بالنسبة للجريمة الأخرى الواقعة من غير قصد؛ لأن الجريمة غالبا ما يكون خطرها ماثلا في ذهن الشريك وتقاعسه دون الحيلولة لوقوعها, يقترف الزيادة في العقاب وفق معيار الاحتمال المنصوص عليه في المادة (43) من قانون العقوبات المصري.

ثالثا: البحث في مسؤولية المتدخل( الشريك التبعي) عن الجريمة المغايرة لقصده يتعين الاحتكام بشأنها إلي القواعد العامة في المسؤولية

ونتفق مع الرأي الغالب في الفقه المصري من أن النصوص التشريعية التي تقرر مسؤولية المتدخل عن الجريمة المغايرة تأسيسا علي تلك النتائج المحتملة وفق المجري العادي للأمور, هي نصوص مناقضة للقواعد الأساسية في القانون, ثم يخلص هذا الاتجاه- بحق- أن المسؤولية المقررة بنص المادة (43) من قانون العقوبات المصري عي  مسؤولية افتراضية واستثنائية (87). وكما صرحت بذلك محكمة النقض المصرية, وجاء في أحد أحكامها" هو افتراض أن إرادة الجاني لا بد أن تكون قد توجهت نحو الجرن الأصلي ونتائجه الطبيعية". وبذلك تكون المحكمة قد جعلت سند المسؤولية في النص المذكور هو افتراض  القصد الجنائي, والشارع يفترض توافره دون أن يكون له وجود حقيقي يستند إلي إرادة الجاني فعلا.

ويخلص هذا الرأي إلي أن القاعدة التي تقرر مثل هذه المسؤولية الخاصة هي قاعدة استثنائية وغريبة علي الأحكام العامة في المسؤولية (88), والأولي هو استبعادها لما تنطوي عليه من شذوذ علي المنطق القانوني, ولكنها مسؤولية مقررة بنص في القانون (89).

والرأي الغالب في الفقه يمثل الاتجاه الذي يتفق مع القواعد العامة في المسؤولية, ورغم تقنين عدد من التشريعات المقارنة لهذا النوع من المسؤولية عن الجريمة المغايرة, فإنها تبقي مسؤولية استثنائية, وتحميل للمتدخل التبعة عن جريمة لم ينصرف إليه قصده, سواء القصد المباشر أن القصد الاحتمالي, وبعد ذلك خروج علي القواعد العامة (90). فالأصل أن يكون للقصد وجود حقيقي وليس بوسع الشارع أن يخلق قصدا لا وجود له.

الخاتمة

النتائج

تتناول هذه الدراسة تفحص ومناقشة المناهج التشريعية والضوابط التي تعتمدها عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, ويسود التشريعات المقارنة التي تقر بمذهب الاشتراك الجرمي منهجان: الأول يتخذ من عقوبة الجريمة المرتكبة من الفاعل ضابطا تشريعيا لاستخلاص عقوبة الشريك بالتدخل. والثاني وهو المنهج المستحدث, حيث يتخذ من الفعل الإجرامي ذاته ضابطا تشريعيا لاستخلاص عقوبة الشريك بالتدخل.

ورصدت الدراسة التوافق والتباين بين عدد من النظم الجنائية المختلفة والتي تكاد تكون متقاربة في فلسفتها وأصولها الكلية, بحيث لا يشكل منهجها خروجا علي القواعد العامة للتجريم والمسؤولية كأصل عام. ووجدت من منهج تشريعات الأردن ولبنان مثالا للمنهج الأول, في حين وجدت من منهج قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1994م منهجا مستحدثا بحكم التغيير الذي أحدثه المشرع الفرنسي عام 1994م, وعلي النحو الذي فيه المشرع من خلال هذا الاتجاه حلولا تشريعية لمواجهة كثير من الصعوبات قد لا تفي بها نصوص التشريعات والقوانين المقارنة محل الدراسة.

وحتى يكون تقييمنا للنتائج صائبا؛ فضلنا إجراء المقاربة بين عدد من النظم الجنائية, وحرصنا علي تتبع المنهج العلمي من خلال تفحص النص القانوني في كل تشريع, وبيان نطاق التوافق التشريعي أو التباين في المعاملة العقابية للشريك بالتدخل كلما كان لازما. وانتهينا إلي إبراز نطاق هذا التباين أو التوافق, والذي استتبع تأثير المنهج التشريعي سواء عند البحث في العقوبة المقررة أصلا للشريك. أم للعقوبة المقررة للشريك, إذ طرأ علي الجريمة المرتكبة وظروف مختلفة سواء مادية أم شخصية, وسواء كانت مشددة أم مخففة أو معفية, وبينا أثر نطاق تأثير الأعذار القانونية (المخففة والمعفية) علي عقوبة الشريك بالتدخل.

وتأسيسا علي ما سبق, تم تقسيم الدراسة إلي مبحثين: الأول خصصته لموضوع وجهي المعاملة العقابية عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, والمبحث الثاني خصصته لموضوع أثر الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك بالتدخل. في المبحث الأول تناولنا نطاق التوافق الساند بين التشريعات عند تقرير الشارع لمنهج استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, وهذا التباين في المعاملة العقابية انحسر في عقوبة الجريمة المرتكبة, فبعض التشريعات اعتمدت عقوبة الفاعل ضابطا في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, وتشريعات أخري اعتمدت عقوبة الجريمة التي ارتكبها الفاعل كضابط في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل. والتباين في الصيغ التشريعية لا يتعارض مع تسليم هذه التشريعات لسياسية التفريد العقابي, فهو أكثر مرونة لدي التشريعات التي تعتمد عقوبة الجريمة المرتكبة كضابط في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل.

ولكن التباين والفوارق في الصيغ التشريعية في المناهج محل الدراسة؛ وأن كانت ظاهرة للباحث, إلا أن لدراسة كشفت لنا بوضوح أن هذه المناهج تجري في نهر واحد وإن اختلفت روافده. ويكاد يتفق هذا المنهج مع خطة المشرع الفرنسي في ظل قانون العقوبات الملغي. ولكن الجديد في منهج الشارع الفرنسي الصادر بموجب قانون العقوبات لسنة 1994م, هو تحول الشارع الفرنسي من منهج استعارة الشريك لإجرامة وعقابه من إجرام وعقاب الفاعل, إلي منهج اعتماد استعارة الشريك لإجرامة من الفعل الإجرامي ذاته دون أن يكون شريكا مع الفاعل في عقابه. وشكل ذلك نقلة نوعية في تحديد الضابط التشريعي عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل.

واتساقا مع ذات المنهج, خصصت المبحث الثاني لموضوع مدي تباين المناهج التشريعية في تأثير الظروف المختلفة للجريمة علي عقوبة الشريك بالتدخل, وكشفت الدراسة التوافق التشريعي بين النظم الجنائية عند البحث في أثر الظروف الشخصية البحتة علي عقوبة المساهمين في الجريمة, إذ يسود في هذه المناهج التشريعية قاعدة استقلال كل مساهم بظروفه الشخصية, سواء بنص أو بدون نص, وهذه القاعدة تستقيم مع القواعد العامة في المسؤولية الجزائية, كما كشفت الدراسة التوافق التشريعي علي امتداد تأثير الظروف المادية- المشددة أم المخففة- أم المعفية, علي جميع المساهمين في الجريمة, مع التباين بين هذه النظم الجنائية بخصوص قيد تطلب علم الشريك بالظرف المادي المشدد من عدم العلم به. كما أبرزت الدراسة نطاق تأثير الظروف الشخصية المشددة التي سببت اقتراف الجريمة, أم الظروف المشددة المزدوجة التي سببت اقتراف الجريمة, حيث كشفت الدراسة نطاق التباين أو التوافق بين النظم الجنائية في التصدي لهذا النوع من الظروف سيما في تشريعات: الأردن, لبنان, سوريا.

وبالنتيجة, فقد خلصت في هذه الدراسة إلي النتائج التالية:

1.     رغم التباين بين التشريعات المقارنة في الأساس والضابط المعتمد عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, سواء من خلال النظر إلي عقوبة الفعل الإجرامي المرتكب أم الفعل الإجرامي ذاته, فإن هذا التباين لم يمنع العمل في ظل هذا المنهج بقاعدة التفريد العقابي, سواء كان الأساس في المعتمد في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل هو عقوبة الفعل الإجرامي المرتكب من الفاعل الأصلي أم من خلال النظر إلي الفعل الإجرامي ذاته.

2.     سلامة منهج المشرع الفرنسي في قانون عام 1994, عندما اعتمد الفعل الإجرامي ذاته كضابط تشريعي عند البحث في استخلاص عقوبة الشريك بالتدخل, وهو منهج مستحدث يمثل نقلة نوعية بين التشريعات الوضعية إذا ما رغب أي مشرع وطني في تحقيق المواءمة التشريعية للمعاملة العقابية للشريك بالتدخل. ووفق هذا المنهج أصبح المتدخل شريكا في الفعل الإجرامي ذاته دون أن يكون شريكا في عقوبة مرتكب هذا الفعل الإجرامي.

3.     أبرزت الدراسة اتفاقا تشريعيا عند البحث في أثر الظروف الشخصية البحتة علي عقوبة المساهمين في الجريمة, ويسود التشريعات واجتهاد الفقه والقضاء قاعدة استقلال كل شريك بظروفه الشخصية البحتة. كما يسود التشريعات المقارنة اتفاقا تشريعيا حول امتداد أثر الظروف المادية المسددة أم المخففة, أم المعفية علي المساهمين في الجريمة, مع التباين بين هذه التشريعات حول تقييد امتداد هذا الأثر بعلم المتدخل, أم دون علمه.

وخلصنا إلي المنهج الأسلم هو تقرير امتداد أثر الظروف المادية المشددة علي جميع المساهمين في الجريمة, علموا بها أم لم يعلموا, وذلك بالنظر إلي طبيعتها واتصالها المادي بالفعل الجرمي المرتكب.

ثم أبرزت الدراسة اختلاف النظم الجنائية حول مدي امتداد تأثير الظروف الشخصية المشددة للعقوبة أو الظروف المزدوجة علي عقوبة لشريك بالتدخل, وخلصنا بخصوص الظروف المشددة الشخصية ضرورة تطلب علم المتدخل بها إذا كانت مسببة لاقتراف الجريمة.

أما الظروف المشددة المزدوجة إذا كانت مسببة لاقتراف الجريمة, فإن مفعولها يسري علي المتدخل, علم بها أم لم يعلم؛ وذلك لتغليب الجانب المادي فيها علي الجانب المعنوي, وبالتالي تعد في حكم الظروف المادية المشددة.

وبخصوص الأعذار القانونية ومدي أثرها علي عقوبة الشريك بالتدخل, خلصت الدراسة إلي غياب المواجهة التشريعية لهذه المسألة, وانتهت الدراسة إلي ضرورة التدخل التشريعي لمواجهتها, سواء بخصوص الأعذار المخففة للعقوبة أم الأعذار المعفية.

4.     ضرورة الاحتكام إلي القواعد العامة في المسؤولية الجزائية, وبالأخص الأحكام الخاصة بالاشتراك الجرمي, سيما عند البحث في مسؤولية الشريك بالتدخل عن الجريمة المغايرة لقصده, فلا يجادل أحد أن البحث في مسؤولية الشريك عن الجريمة المغايرة يجب إلا يكون خارج دائرة القصد, سواء المباشر, أم القصد الاحتمالي. والقول بغير ذلك لا يكون إلا بنص استثنائي, وتقريرها عندئذ يكون علي أساس مسؤولية افتراضية, وتكون بالتالي  غريبة علي الفقه الجنائي والقواعد العامة في المسؤولية.

التوصيات:

وتقسم إلي بندين:

أولا:

وإنني أقترح علي المشرع الأردني إعادة في نص المادة (79) من قانون العقوبات, الذي ورد بالصيغة التالية:

- نص الفقرة (1) من المادة (79): "مفاعيل الأسباب المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها تسري على كل من الشركاء في الجريمة المتدخلين فيها ..."

النص المقترح: تعديل الفقرة( أ) من المادة

79

وعلي النحو التالي:

" مفاعيل الأسباب المادية التي من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها تسري علي الشركاء في الجريمة والمتدخلين, وتسري مفاعيل الأسباب المادية المشددة علم بها المتدخل (والمحرض) أم لم يعلم".

·         نص الفقرة (ب) من المادة (79): والتي وردت بالصيغة التالية:" وتسري عليهم مفاعيل الظروف المشددة الشخصية أو المزدوجة التي سببت اقتراف الجريمة..".

النص المقترح: هو التمييز بين الظروف المشددة الشخصية والظروف المشددة المزدوجة, وذلك علي النحو التالي:

فقرة (2): " وتسري عليهم مفاعيل الظروف المشددة الشخصية التي سببت اقتراف الجريمة إذا علموا بها".

فقرة (3):" وتسري عليهم مفاعيل الظروف المشددة المزدوجة التي سببت اقتراف الجريمة علموا بها, أم لم يعلموا".

تم اقتراح إضافة مادة جديدة برقم (79 مكرر), وعلي النحو التالي:

" المتدخل الذي لولا تدخله ما ارتكبت الجريمة, يعاقب كما لو كان هو نفسه الفاعل".

ثانيا:

واتساما مع الاقتراح الوارد في البند أولا: يتعين علي المشرع الأردني إعادة النظر في المادة 81 من قانون العقوبات, بحيث الأساس في تقدير عقوبة المتدخل هو عقوبة الجريمة المرتكبة وليس عقوبة الفاعل كما ورد عليه النص في الفقرات (1, 2) من المادة 81 من قانون العقوبات.

هوامش

1.     انظر في الموضوع: د. علي راشد: القانون الجنائي, المدخل وأصول النظرية العامة, الطبعة الثانية, دار النهضة العربية, القاهرة, 1974م, 425, د. جلال ثروت: النظرية العامة لقانون العقوبات, مؤسسة الثقافة الجامعية, الإسكندرية, ص291, د. محمد الفاضل: المبادئ العامة في قانون العقوبات, الطبعة الرابعة, 1965م, ص351, د, مأمون محمد سلامة, قانون العقوبات, القسم العام, دار الفكر العربي, القاهرة, 1979م, 412؛ د. فتوح عبد الله الشاذلي: شرح قانون العقوبات, القسم العام, المسؤولية والجزاء, دار المطبوعات الجامعية, 2003م, ص501, 503؛ د. عبود السراج: قانون العقوبات, القسم العام, 1997, رقم 245.ص270.د. فخري عبد الرزاق الحديثي, د. خالد الزعبي: شرح قانون العقوبات, القسم العام, دار الثقافة, 2009م, ص134. هلال عبد اللاه أحمد: شرح قانون العقوبات, القسم العام, 1987, ص257.

2.     – ويسود التشريعات العربية اصطلاحا مختلفة في التعبير عن صور الاشتراك الجرمي, فالبعض يقصر تعبير الاشتراك الجرمي علي الاشتراك التبعي (كالمصري, والإماراتي, البحريني, الجزائري, وغيرها), وتشريعات أخري يجعل تعبير الاشتراك الجرمي شاملا نوعاه (الأصلي, ويطلق عليه الاشتراك الجرمي الأصلي), والاشتراك بالتدخل, كما هو سائد في الأردن, لبنان, سوريا). والأولي هو توحيد الاصطلاحات القانونية علي الأقل. انظر: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية في التشريعات العربية, دار النهضة العربية, 1992م, ص3, 5. د. كامل السعيد, الأحكام للاشتراك الجرمي, في قانون العقوبات الأردني 1983, ص2.

3.     ويتفق منهج التشريعات المقارنة علي تعريف الفاعل بهذه الدلالة. انظر المواد 75, 76 عقوبات أردني, 121/7 عقوبات فرنسي, 39 عقوبات مصري, 47 عقوبات عراقي, 47 عقوبات كويتي, 44 عقوبات إماراتي, 212 عقوبات لبناني, 211 عقوبات سوري.

4.     وأفعال التدخل في التشريعات المقارنة جميعها تستند إلي فكرة العون المادي (المساعدة في الأعمال المسهلة أو الميسرة والمتممة في تنفيذ الركن المادي من قبل الفاعل), والتشريعات تحرص علي تحديد وسائل النشاط الإجرامي من المتدخل مع اختلاف من حيث النوع وصور الوسائل التي ينص عليها كل تشريع, منها المواد 40 مصري, 48 كويتي, 45 إمارتي, 44 (قانون العقوبات البحريني, إذ تتعدد في هذه التشريعات وسائل التدخل وتتفق علي ثلاثة صور: التحريض الذي يفضي إلي نتيجة, الاتفاق المؤدى إلي الجريمة, ثم صور المساعدة والعون. أما تشريعات الأردن ولبنان وسوريا تكاد تنص علي ست وسائل للتدخل, هي: إعطاء إرشادات خادمة, شد عزيمة الفاعل, المساعدة في الأعمال المسهلة وغيرها. المواد 80 أردني, 219 لبناني, 218 سوري, ووسائل التدخل واردة علي سبيل الحصر ولا يجوز القياس عليها. انظر: د. محمد عيد الغريب: شرح قانون العقوبات, القسم العام, مطبعة أبناء وهبة, 1994ك, ص807؛ د. عبد الفتاح الصيفي: قانون العقوبات, النظرية العامة, دون ناشر وتاريخ, ص408؛ د. مأمون سلامة, المرجع السابق, ص455؛ د. محمد الفاضل, المرجع السابق, ص382. هلالي عبد اللاه أحمد: المرجع السابق, ص278.

5.     د. عبد الرؤوف مهدي: شرح القواعد العامة لقانون العقوبات, 1983, ص252؛ د. أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون, دار النهضة العربية, 1981م, ص624.

6.     يستقر منهج أغلب التشريعات المقارنة علي معاقبة الشريك التبعي بالعقوبة المقررة للجريمة المرتكبة, ويرجع أصل هذا المنهج إلي القانون الروماني, ونقل ذات المنهج إلي القانون الفرنسي الملغي, وسار علي ذلك أغلب منهج التشريعات المقارنة. انظر:

Rene Garrand: Traite theorique et pratique de droit penal, francais. T. Ill, 1916, No 875, p. 8. No 886. p. 13.

  والدكتور محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم34, ص43.

7)د. عبد الفتاح الصيفي: الاشتراك بالتحريض ووضعه من النظرية العامة للمساهمة الجنائية, دراسة مقارنة, رسالة دكتوراه, جامعة الإسكندرية 1958, ص386.

8) والشريك بالتسبب في التشريع الإماراتي هو الشريك بالتدخل (م45 عقوبات اتحادي).

9) ويري الدكتور كامل السعيد- بحق- أن نص المادة (81) من قانون العقوبات تثير اللبس والغموض, الأولي أن يعتمد في تقرير عقوبة الشريك بالتدخل من خلال النظر إلي عقوبة الجريمة المرتكبة لا عقوبة الفاعل. انظر: د. كامل السعيد: الأحكام العامة للاشتراك الجرمي في قانون العقوبات الأردني, مطبعة مجدلاوي, 1983م, ص105, 106.

10) ومن تطبيقات ذلك في التشريع المصري, نص المادة (235) من قانون العقوبات والتي جاء نصها:" المشاركون في القتل الذي يستوجب الحكم علي فاعله بالإعدام يعاقب بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة, وهنا الفاعل له عقوبة ذات حد واحد. في حين الشركاء في القتل يقرر لهما المشرع عقوبة حدين: الأقصى هو الإعدام, والأدنى هو الأشغال الشاقة المؤبدة. وانظر: د. فتوح الشاذلي, المرجع السابق, ص565.

CLAAIRE. S: Lindividua lisation de peine, cont ans apries saleilles.  11) انظر

R.S.C1999. p. 184

12 )Cass, crim. 15 Avril. 1961 - Bull, crim. No 203.

13) نقض مصري, 28/4/1969, مجموعة المكتب الفني, لسنة 1969م, ص59.

14) وفي هذا السياق, قضت محكمة التمييز الأردنية بأن المتدخل يبقي شريكا في جرم السرقة الذي تثبت بحقه ولو لم يثبت الجرم بحق الآخرين المتهمين معه بصفتهم فاعلين أصليين لانتفاء النية المكونة لقناعة المحكمة. انظر تمييز جزاء, رقم 256/ 98, مجلة النقابة, العددان السابع والثامن, 1998م, ص2760. ويري بعض الفقه- بحق- أن السلطة التقديرية للقاضي الجزائي في التفرقة في العقوبة بين الفاعل والشريك- رغم المساواة في النص بينهما- ( كما في التشريع المصري), هو تجسيد لمبدأ تفريد الجزاء الجنائي, انظر: د. فتوح الشاذلي: المرجع السابق, ص565؛ د. سليمان عبد المنعم: النظرية العامة لقانون العقوبات, دار الجامعة الجديدة, الإسكندرية, طبعة 2000م, ص648. د. فوزية عبد الستار: عدم المشروعية في القانون الجنائي, مطبعة جامعة القاهرة, 1972, ص83.

15) وتنص المادة (121/ 6) من قانون العقوبات الفرنسي" يعاقب كفاعل للجريمة وفقا لمفهوم المادة (121/7)", وجاء نص المادة (121/7) علي أنه" يعد شريكا في جناية أو جنحة من يقدم مساعدة أو يسهل الإعدام أو الاقتراف علي ارتكابها", كما يعد شريكا من يقوم عن طريق التحريض علي ارتكاب جريمة أو يعطي التعليمات علي اقترافها. انظر:

PRODEL (J.). Le noveau code penal. Dallos, 1997, p. 62.

16) انظر في الموضوع:

. FRANCIS. C. Le N.C.P. deux annees d'application. R.P.D.P. 1996, p. 210

17) حول مشكلة المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القانون الفرنسي لسنة 1994م, انظر: د. محمد أبو العلا عقيدة: الاتجاهات المستحدثة في قانون العقوبات الفرنسي الجديد, دار الفكر العربي, 1997م, ص41 وما بعدها, وانظر:

PRADEL. S. le respaonsabilite penal des personnes morals en droit Francais. Quelques questions. R.P.D.P. 1998, No 31, p. 158-, 159.

18) مشار إلي ذلك د. علاء الدين راشد: الاشتراك في الجريمة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية, دار النهضة العربية, 1997م, ص285.

19) د. عادل علي المانع: نحو مفهوم جديد للاستعارة الإجرامية, مجلة الحقوق, جامعة الكويت. 2002م, ص106.

20) د. غسان رباح: الاتجاهات المستحدثة في قانون العقوبات الأحداث المنحرفين, ط2, 1990م, ص52؛ د. عادل علي المانع, المرجع السابق, ص106.

21) د. سليمان عبد المنعم: النظرية العامة لقانون العقوبات, دار الجامعة الجديدة, الإسكندرية, 2000م, ص659؛ د. عادل علي المانع, مرجع سابق, ص106.

22) د. سليمان عبد المنعم, د. عوض محمد: النظرية العامة للقانون الجنائي اللبناني, المؤسسة الجامعية للدراسات, ص303. د. عبد الوهاب حومد؛ الحقوق الجزائية العامة ط5, مطبعة الجامعة السورية 1956, صفحات 5/3, 316.

23) عكس منهج التشريعات التي تقرر للمتدخل عقوبة الفاعل مرتكب الجريمة, إذ في ظل هذه التشريعات يتبع المتدخل في إجرامه وعقابه إجرام وعقاب الفاعل حتى من جهة الوصف الجرمي. وتقرر محكمة التمييز الأردنية أن المتدخل يستمد إجرامه من إجرام الفاعل الأصلي, كما يستمد فعل التدخل وصفه الإجرامي والعقوبة من الوصف الجرمي والعقوبة المحددتين للفاعل الأصلي. انظر: تمييز جزاء رقم 481/ 97, مجلة نقابة المحامين, السنة 47, ص387.

24) د. كامل السعيد: الأحكام العامة في الاشتراك ألجرمي, المرجع السابق, ص52, د. محمد الفاضل, المرجع السابق, ص363, د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم 301, ص401؛ د. عوض محمد, مرجع سابق, ص386؛ د. عدنان الخطيب: الوجيز في شرح المبادئ العامة في قانون العقوبات, مطبعة الجامعة السورية, 1956, ص381.

25) محمود محمود مصطفي: فكرة الفاعل والشريك في الجريمة, المجلة الجنائية القومية, 1958م, ص22؛ د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم 124, ص198؛ د. عوض محمد, المرجع السابق, ص37؛ د. عدنان الخطيب: الوجيز في شرح المبادئ العامة, ص381.

26) انظر في القضاء: في مصر: نقض 27/4/1942, مجموعة القواعد القانونية, ج5, ق392, ص648. في فرنسا: 197 cass, crim. 3 Juin 1806, crim No.

27) Vouin (R.). Manuel de driot criminal, Paris, 1949, No 293.

28) ويري الدكتور كامل السعيد: أن صياغة نص التشريع الأردني هو ذات الصياغة المثبتة في النص اللبناني, وكل ما ورد في النص الأردني هو من قبيل الخطأ المادي, وبحجة أن النص السوري واللبناني هما مصدر النص الأردني وهو تفسير في تقديري في غير محله, فلا اجتهاد مع صراحة النص. انظر: د. كامل السعيد: الإحكام العامة للاشتراك الجرمي, المرجع السابق, ص49, هامش (1).

29) د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, ص149, ص215.

30) د. محمود نجيب, المرجع السابق نفسه, رقم 148, ص213.

31) يري بعض الفقه أن إدراج هذا النوع من الظروف يفتقر إلي التحديد والوضوح؛ لأن الظروف أما أن تكون مادية وأما أن تكون شخصية, ومعيار ذلك هو المصلحة التي يريد المشرع حمايتها.

انظر: د. أحمد علي المجذوب: الظروف وأثرها في عقوبة المحرض, المجلة الجنائية القومية, مجلد 5, 1972م, ص301.

32 ) Stefani et Levasseur, G. Bouloc: Droit penal general, Paris. 1997, p. 273.

33) Crim 23 avr. 1959. Dalloz, 1959, 339.

Crim 4 sept. 1976. Bull crim. No 272.

34) انظر في ذلك: د. عادل علي المانع: نحو مفهوم جديد لمحل الاستعارة, مجلة الحقوق, ص133؛ د. فتوح الشاذلي, المرجع السابق, ص569.

35) انظر: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم 302, ص405- 406.

36)   Cass, crim. 2 Oct. 1958. Bull, crim. No 326.

37)   Cass, crim. 18 Sept. 1947. Bull, crim. No 227.

38)   SALVAGE. P. Compicite. J.C.P. 1996, art. 121-6, et 121-7.

39) FOVRNIER, S. Le nouveau code penal et le droit de la complicite. R.S.C. 1995, p. 475.

40) ويري بعض الفقه العربي, أن خطة المشرع الفرنسي الجديدة بخصوص رفضه قبول استعارة المتدخل للظروف المزدوجة, رغم أن هذا المنهج أسهم في سد ثغرة موجودة في المنهج القديم والتشريعات المقارنة, إلا أنه يشوبة قصور لمواجهة اعتراف حالة علم الشريك بالتدخل بوجود سبب مختلط مشدد صار عن الفاعل الأصلي, فلا يتأثر به, وفي المقابل لا يستفيد من التخفيف الذي يستفيد منه الفاعل الأصلي لصفته في هذا الفاعل, فمن يساعد (أ) علي قتل والد (أ) رغم علمه بعلاقة الأبوة فإنه يستفيد من عدم التشديد عليه, كما أن من يساعد الزوجة في إخفاء زوجها رغم علمه بعلاقة الزوجية فإنه لا يستفيد من التخفيف للسبب نفسه. انظر: د. عادل علي المانع: نحو مفهوم جديد لمحل الاستعارة الإجرامية, مجلة الحقوق, الكويت, 202م, ص139- 140.

41)    Pradel (J.)- lenouveau code penal. Op. cit. p 63.

42) ويري الدكتور محمود نجيب حسني أنه من غير الصحيح وصف أسباب التبرير بأنها من الظروف المادية؛ لأن الظروف تفترض بقاء أركان الجرمية والظروف تدخل للتعديل علي جسامتها, وكون أسباب تبرير تنفي الركن الشرعي للجريمة, فلا يكون سائعا أن يوصف انتقاء هذا الركن بأنه ظرف للجريمة. انظر مؤلفة: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, ص417. في حين يري البعض بأن أسباب الإباحة هي ظروف معفية من العقوبة, د. السعيد مصطفي السعيد, المرجع السابق, ص220.

43) في تعريف الظروف وأثرها العام, انظر: د. عادل عازر: النظرية العامة في ظروف الجريمة, 1996م ص251, د. حسنين إبراهيم عبيد: النظرية العامة للظروف المخففة, 1972م, ص33, د. هلال عبد اللاه أحمد: الجريمة ذات الظروف, دار النهضة العربية, 1986م, رقم 83, ص119, د. محمد سعيد نمور: دراسات في الفقه الجنائي, فقه القانون الجنائي, در الثقافة, 2004م, التدخل في الجريمة, ص245.

44) د. كامل السعيد: الأحكام العامة للاشتراك الجرمي, المرجع السابق, ص51.

45) د. محمود محمود مصطفي: شرح قانون العقوبات, القسم العام, 1983م, رقم 86, ص152؛ د. رمسيس بهتام: الجريمة والمجرم والجزاء, منشأة المعارف, 1973م, رقم 89, ص498.

46) د. السعيد مصطفي السعيد: الأحكام العامة للجريمة في قانون العقوبات, 1957, مطبعة المعارف, ص234.

47) الأستاذ محمود إبراهيم إسماعيل: شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات, 1959م, دار الفكر العربي, رقم 108, ص239.

48) انظر: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, ص439 وما بعدها؛ د. أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون العقوبات, المرجع السابق, رقم 414, ص610؛ د. مأمون سلامة, المرجع السابق, ص418؛ د, عبد الرؤوف مهدي: شرح القواعد العامة لقانون العقوبات, 1983م, ص396؛ د. محمد عيد الغريب, المرجع السابق, ص871؛ د. عادل علي المانع, المرجع السابق, ص116.

49)   Cass, crim, 29 Jean. 1965. DALLOZ 1965, 299 No comblidean.

50) انظر في ذلك: د.محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, ص418؛ فتوح الشاذلي, المرجع السابق, ص567؛ د. عبود السراج, المرجع السابق, ص292؛ د. فخري عبد الرزاق الحديثي, د. خالد الزعبي: شرح قانون العقوبات, المرجع السابق, ص160.

51) انظر في هذا الرأي: د. سمير الشناوي: النظرية العامة للجريمة والعقوبة في قانون الجزاء الكويتي, 1988م, ص681.

52) نقض مصري 4/12/1988, طعن رقم 4232 السنة 58, ونقض مصري 5/10/1986, مجموعة المكتب الفني, السنة 37, ص695.

53)  DONNENDIEU - DE VABRES - Trait de droit criminal et de legislation penal compare: Paris. 1947. No 447, p. 349.

54) جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية, الجزء الأول- الاشتراك, رقم 128, ص733, د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم 307, ص415؛ د. محمد عيد الغريب, المرجع السابق, ص862.

55) د. محمود محمود مصطفي: شرح قانون العقوبات, القسم العام, البنود 235, 253. فتوح الشاذلي: المرجع السابق, ص566.

56) د. هشام أبو الفتوح: النظرية العامة للظروف المشددة, رسالة دكتوراه, جامعة القاهرة, 1982م, ص331؛ د. هلالي عبد اللاه, المرجع السابق, رقم 380, ص517.

57) انظر في هذا الرأي: د. كامل السعيد, المرجع السابق, ص55, د. محمد سعيد نمور: دراسات في فقه القانون الجنائي, ص246.

58) د. عادل عازر: النظرية العامة في ظروف الجريمة, 1966م, رقم 156, ص360؛ د. عبد الرؤوف مهدي: شرح القواعد العامة لقانون العقوبات, ص392. علما بأن المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات الذي انعقد في أثينا عام 1957م يأخذ بهذا المذهب, إذ الشركاء في الجريمة لا يسألون علي الظروف المادية المشددة إلا بالقدر الذي علموا به من العناصر والنتائج والأسباب المشددة للجريمة.

59) د. مأمون محمد سلامة: قانون العقوبات, القسم العام, المرجع السابق, 1979, ص457, وهامش 143؛ ص458 د. محمد عيد الغريب: شرح قانون العقوبات, المرجع السابق, ص862.

60) الأستاذ جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية, الاشتراك, ص207, د. السعيد مصطفي السعيد: الأحكام العامة في قانون العقوبات, 1957م, ص307, د. محمد محي الدين عوض: القانون الجنائي, مبادئه الأساسية ونظرياته العامة في التشريع المصري والسوداني, ص259, د. جلال ثروت: نظرية الجريمة المتعدية القصد في القانون المصري والمقارن, منشأة المعارف, الإسكندرية, ص480.

61) مشار إلي ذلك: هلال عبد اللاه: الجريمة ذات الظروف, المرجع السابق, ص516.

62) انظر في تقدير النظريات: د. عادل عازر, المرجع السابق, ص355, د. هشام أبو الفتوح, النظرية العامة للظروف المشددة, 1982م, ص352, د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية في التشريعات العربية, ص 372.

63) وهي جرائم الاغتصاب (المواد 292, 294), وهتك العرض (المواد 296, 298), والخطف (المادة (302).

64) الأستاذ جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية, الجزء الأول, 1931م, رقم 132, ص734, علما بأن محكمة التمييز الأردنية قررت عدم معاقبة الخاطف عملا بالمادة (308), وبرأت ذمة من ساعدوا الفاعل علي الخطف لزواج الأخير من مخطوفته, وهو قرار في غير محله. قرار محكمة التمييز رقم (89/ 80), مجلة نقابة المحامين, س28, ص1434؛ وانظر في تقدير الحكم: د. كامل السعيد: الأحكام العامة للاشتراك الجرمي, ص77.

واستقر اجتهاد محكمة التمييز حديثا علي أن شريك الخاطف لا يستفيد من المعاملة العقابية المقررة للخاطف وفق المادة (308) عقوبات.

65) انظر في هذا الرأي: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, رقم 207, ص417, د. علي راشد, المرجع السابق, ص486.

66 )   Cass, crim. 28 Juil. 1922, serey, 1922-1-141.

67) يقابلها في التشريع المصري المادة (237) عقوبات.

68) مشار إلي ذلك: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, مرجع سابق, رقم 210و ص421.

69) د. هلالي عبد اللاه أحمد: الجريمة ذات الظروف, المرجع السابق, رقم 137, ص226.

70) د. محمود محمود مصطفي: شرح قانون العقوبات, القسم الخاص, 1975م, رقم 209, ص235.

71) انظر في هذا الرأي: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم 31, ص421. 422.

72) د. كامل السعيد: الأحكام العامة للاشتراك الجرمي, المرجع السابق, ص110, د. عبود السراج: قانون العقوبات, القسم الأول, المرجع السابق رقم 249, ص273.

73) والقول بغير ذلك سيكون مركز المتدخل أسوأ من مركز الفاعل, فالمتدخل يسأل عن تدخل في قتل, والفاعل يسأل عن جريمة سرقة. انظر د. كامل السعيد, المرجع السابق, ص110.

74) د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, رقم 333, 337, صفات 452, 456, د. كامل السعيد: الأحكام العامة للاشتراك الجرمي, المرجع السابق, ص11.

75) ويري الدكتور عدنان الخطيب أنه يتعين تفسير القصد الاحتمالي لمسألة المتدخل عن جريمة القتل مع أن قصده انصرف ابتداء إلي السرقة, في حال كان يتوقع حصول مقاومة لمنع السرقة, عندها يكون القتل نتيجة محتملة للسرقة المقصودة, وعندئذ يسأل المتدخل عن التدخل في القتل إذا أراد الفاعل هذا القتل أثناء السرقة, ولكن لا يسأل المتدخل عن جريمة الاغتصاب إذا اقترفها الفاعل أثناء السرقة المقصودة لأنها غير متوقعة أثناء السرقة. ثم عرف الدكتور الخطيب النتيجة المتوقعة, هي التي يحتمل وقوعها, وبحكم المجري العادي للأمور عن الأفعال المقصودة وتقدير النتائج المتوقعة أو غير المتوقعة يترك لقاضي الموضوع. انظر: د. عدنان الخطيب: الوجيز في شرح المبادئ العامة في قانون العقوبات, 1956م, ص396, 397.

وقارن الدكتور مصطفي العوجي: القانون الجنائي, القسم العام, مطبعة الحلبي الحقوقية, بيروت, 2006 ص606-610.

76) د. عبود السراج: قانون العقوبات, المرجع السابق, رقم 264, ص291؛ د. محمد الفاضل, المرجع السابق, ص392.

77) انظر هذا الرأي: د. كامل السعيد, المرجع السابق, ص111.

78) انظر : 34. garraud. op. cit., no 805, p.

79) والسائد في الفقه والقضاء في فرنسا, أن المتدخل لا يسأل عن الجريمة المغايرة, إلا إذا انصرف قصده المباشر إليها, دون الاعتداد بالقصد الاحتمالي. انظر: د. محمود نجيب حسني, المساهمة الجنائية, رقم 332, ص454, 452؛ د. أحمد علي المجذوب: الظروف وأثرها في عقوبة المحرض, المجلة الجنائية القومية, 1972م, ص21.

80) انظر: الأستاذ علي بدوي: الأحكام العامة في القانون الجنائي, دار المعارف, القاهرة, 1938م, ص306؛ السعيد مصطفي السعيد: الأحكام العامة في قانون العقوبات, مرجع سابق, ص399.

81) نقض مصري سنة 1934, مجموعة القواعد القانونية, م3, رقم 180, ص434.

82) د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, المرجع السابق, رقم 346, ص470.

83) د. عوض محمد, المرجع السابق, ص406, د. علاء الدين راشد: الاشتراك في الجريمة, مرجع سابق, 1997م, ص399.

84) د. محمود محمود مصطفي: فكرة الفاعل والشريك في الجريمة, المجلة الجنائية القومية, المجلد الأول, العدد الأول, ص22؛ د. محمد عيد الغريب, المرجع السابق, ص854؛ د. مأمون محمد سلامة, المرجع السابق, ص481.

85) د. فتوح الشاذلي, المرجع السابق, ص578.

86) د. رمسيس بهنام: الجريمة والمجرم والجزاء, المرجع السابق, ص503.

87) د. محمود نجيب حسني, المرجع السابق, ص473؛ ويري الدكتور عوض محمد أن المسؤولية الواردة في نص المادة (43) من قانون العقوبات المصري عي مسؤولية شاذة؛ لأنها تحمل الجاني المسؤولية عن جريمة خارجة عن قصده. انظر: د. عوض محمد, المرجع السابق, ص407.

88) والمسؤولية عن الجريمة المغايرة هي إنجليزية الأصل, ودخلت القوانين العربية عن طريق القانون الهند الذي تأثر به القانون المصري سنة 1904م, ثم نقلت التشريعات العربية هذا المنهج, كالإماراتي, والعراقي, والكويتي, والليبي.

89) ولم تتضمن توصيات المؤتمر أثينا في قانون العقوبات أية إشارة إلي المسؤولية عن الجريمة المغايرة. انظر: د. محمود نجيب حسني: المساهمة الجنائية, رقم 348, ص474, وبخصوص تقدير خطة الشارع الكويتي: انظر د. عادل علي المانع: نحو مفهوم جديد لمحل الاستعارة, مجلة الحقوق, المرجع السابق, ص124, 125.

90) ويري الدكتور جلال ثروت, أن مسلك المشرع المصري بخصوص المادة (43) من قانون العقوبات مسلك معيب؛ لأنه يحمل الشريك التبعي المسؤولية عن جريمة خارجه عن قصده, وبالتالي هذه الجريمة تبحث خارج القصد وخارج الخطأ, وتنشأ مسؤولية فقط علي أساس موضوعي وعلي نحو يخالف القواعد العامة للمسؤولية الجزائية والاشتراك الجرمي. والأصوب في رأي الدكتور جلال ثروت أن تلحق الجريمة لقصد الشريك بالجرائم المتعدية القصد, سيما إذا كانت الجريمة المغايرة أشد جسامة مما قصده الشريك. انظر: د. جلال ثروت: نظرية الجريمة المتعدية القصد في القانون المصري, منشاة المعارف, البند 242, ص467, والبند 230, ص483, والبند 234, ص498.


[·](·) قسم القانون العام, كلية الحقوق, جامعة مؤتة.

الطعن 6417 لسنة 78 ق جلسة 25 / 9 / 2016

برئاسة السيد المستشار/ سعيد سعد عبد الرحمن " نائب رئيس المحكمة " وعضوية السادة المستشارين/ بدوى إبراهيم عبد الوهاب ، مصطفى عز الدين صفوت هشام محمد عمر و جمال مدحت شكرى " نواب رئيس المحكمة "

بحضور السيد رئيس النيابة / حازم البيومى .

والسيد أمين السر / إكرامى أحمد حسنين .

---------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر / سعيد عبد الرحمن" نائب رئيس المحكمة " والمرافعة وبعد المداولة :
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون ضده الأول بصفته أقام الدعوى رقم 505 لسنة 2003 أسيوط الابتدائية " مأمورية منفلوط " على الطاعنين والمطعون ضدهما الثانى والثالث بطلب الحكم بإلزام الطاعنين بأن يؤديا له مبلغ 1938,72 جنيهاً والمطعون ضده الثاني مبلغ 204,166 جنيها والمطعون ضده الثالث مبلغ 3161,91 جنيها قيمة الريع المستحقة والتسليم ، وقال فى بيان ذلك ، إنه يمتلك بموجب حجة الوقف الصادرة من محكمة مصر الابتدائية الشرعية فى 17 / 10 / 1927 الأطيان الزراعية المبينة بالصحيفة والمسجلة والواردة بتكليف الوقف الخيرى لدير المحرق وإذ يضع سالفى الذكر يدهم على تلك الأطيان منذ عام 1998 بلا سند فأقام الدعوى . ندبت المحكمة خبيرين فى الدعوى ، وبعد إيداع تقريرهما حكمت بتاريخ 29 / 3 / 2007 بإلزام الطاعنين والمطعون ضده الثاني بأداء الريع المحكوم به والتسليم وإلزام المطعون ضده الثالث بأداء القيمة الإيجارية المتأخرة عن عام 2004 للمساحة المؤجرة له من المطعون ضده الأول بصفته . استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 2775 لسنة 82 ق أسيوط وبتاريخ 20 / 2 / 2008 قضت بتأييد الحكم المستأنف ؛ طعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم ، عرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول والوجه الأول من السبب الثالث الخطأ فى تطبيق القانون وتفسيره والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ، ويقولان بياناً لذلك ، إنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة كون أن البابا البطريرك هو الممثل الوحيد لطائفة الأقباط الأرثوذكس وأن دير المحرق ليست له شخصية اعتبارية منفردة ويكون رفع الدعاوى الخاصة به من البابا البطريرك بصفته رئيساً للبطريركية التى تحمل الشخصية الاعتبارية ولا يكون للمطعون ضده الأول بصفته صفة فى رفع الدعوى وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر على سند مما جاء بتقرير خبير الدعوى من ملكية المطعون ضده الأول بصفته لأطيان التداعى بموجب حجة الوقف فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى سديد ، ذلك أنه من المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مفاد المادتين 52 ، 53 من القانون المدنى أن الشخصية الاعتبارية للهيئات و الطوائف الدينية لا تثبت إلا باعتراف الدولة اعترافاً خاصاً بها بمعنى أنه يلزم صدور ترخيص أو أذن خاص بقيام هذه الشخصية لكل هيئة أو طائفة دينية ، كما أنه من المقرر - أيضاً - فى قضاء هذه المحكمة - بأن المشرع اعتراف بالشخصية الاعتبارية لطائفة الأقباط الأرثوذكس واعتبر البطريرك نائباً عنها ومعبراً عن إرادتها فى كل ما يختص به مجلس عمومى الأقباط الأرثوذكس والمتعلق بمدارس وكنائس وفقراء ومطبعة هذه الطائفة وكذلك ما يخص الأوقاف الخيرية التابعة لها وهو ما أكده المشرع عند إصدار القرار بقانون رقم 264 لسنة 1960 الذى أنشأ هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس وأسند لها اختيار واستلام قيمة الأراضى الموقوفة على البطريرك والبطريركية والمطرانية والأديرة والكنائس وجهات التعليم وجهات البر الأخرى المتعلقة بهذه الطائفة والتى يديرها مجلس يرأسه البطريرك . لما كان ذلك ، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول بصفته ممثلاً لدير المحرق فيما يخص الأوقاف الخيرية التابعة له قد أقام الدعوى المبتدأة فإنها تكون غير مقبولة لرفعها من غير ذى صفة والحكم الصادر فيها لا تحاج به الهيئة الممثلة للأقباط الأرثوذكس لعدم تمثيلها فى الأوراق تمثيلاً قانونياً صحيحاً ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه .
وحيث إن الطعن صالح للحكم فيه ولما تقدم .
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضده الأول بصفته المصروفات ومائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة وحكمت فى موضوع الاستئناف رقم 2775 لسنة 82 ق أسيوط بإلغاء الحكم المستأنف والحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة ، وألزمت المستأنف ضده الأول بصفته المصاريف ومبلغ مائه جنيه مقابل أتعاب المحاماة.