جلسة 25 من يونيو سنة 2020
برئاسة السيد القاضي/ د. حسن البدراوي "نائب رئيس المحكمة"،
وعضوية السادة القضاة/ سمير حسن، عبد الله لملوم، صلاح الدين كامل سعد الله، ومحمد
عاطف ثابت "نواب رئيس المحكمة".
---------------
(77)
الطعنان 5558 ، 8208 لسنة 89 ق
(1) محكمة الموضوع "سلطتها في فهم
الواقع و تقدير الأدلة".
محكمة الموضوع. سلطتها التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير
الأدلة المقدمة فيها.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير عمل
الخبير".
عمل الخبير من عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى. خضوعه لتقدير محكمة
الموضوع. أخذها بتقريره محمولا على أسبابه. مفاده. خلو المطاعن الموجهة إليه مما
يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه. الخبير غير ملزم بأداء عمله على وجه محدد. شرطه.
تحقق الغاية من ندبه.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في ندب خبير
آخر".
عدم الاستجابة لطلب إعادة المأمورية لخبير آخر. لا عيب فيه.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الخطأ الموجب للمسئولية".
محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وتقدير
التعويض عنه. شرطه. إقامة قضائها على أسباب سائغة.
(5 ، 6) نقض "أسباب الطعن بالنقض:
"السبب المفتقر للدليل".
(5) الطعن بالنقض. وجوب أن يقدم الخصوم
الدليل على ما يتمسكون به من أوجه الطعن. م 255/2 مرافعات.
(6) قضاء الحكم المطعون فيه بإلزام الشركة
المطعون ضدها الأولى بالمبلغ المقضي به تعويضا عن خطئها بوصفها المقاول البحري
ومسئولة عن خطأ تابعها مطمئنا إلى تقريري الخبيرين المنتدبين. استخلاص سائغ. النعي
عليه في ذلك. جدل موضوعي. انحسار رقابة محكمة النقض عنه. تمسك الشركة الطاعنة
بصورة إيصال ثابت منه قيامها بسداد تكاليف إصلاح التلفيات التي لحقت بونش السفينة
دون تقديمها. نعي عار عن دليله. أثره. غير مقبول.
(7) نقض "أسباب الطعن بالنقض: الأسباب
غير المقبولة: النعي على غير محل".
ورود النعي على الحكم الابتدائي. عدم مصادفته محط في قضاء الحكم
الاستئنافي. غير مقبول. علة ذلك. الطعن بالنقض هو مخاصمة الحكم النهائي الصادر من
محاكم الاستئناف.
(8) دعوى "الطلبات في الدعوى".
طلب المطعون ضده إلزام الطاعن بالمبلغ المطالب به بالدولار الأمريكي.
التزام المحكمة بتلك الطلبات بذات العملة دون معادلتها بالجنيه المصري. لا عيب.
مثال.
(9 - 11) تأمين "التأمين من المسئولية".
(9) مسئولية المؤمن في التأمين من المسئولية.
مناطها. توجيه الغير المضرور المطالبة ودية أو قضائية إلى المؤمن له بتعويض الضرر
الذي أصابه. نطاقها. التعويض المتفق عليه الذي يلتزم به المؤمن بعقد التأمين. م
397 ق التجارة البحرية.
(10) مسئولية المؤمن بالتعويض عن وقوع الخطر
المؤمن منه. زيادة قيمة الضرر. الالتزام بالمبلغ المتفق عليه بوثيقة التأمين دون
تعديه. م 751 مدني.
(11) تقدير التعويض. استقلال محكمة الموضوع
به. الاستثناء. التعويض المقدر بالاتفاق أو بنص في القانون.
(12) محكمة الموضوع "سلطة محكمة الموضوع
في فهم الواقع وتقدير الأدلة في الدعوى".
محكمة الموضوع: سلطتها التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة
فيها. شرطه. أن يكون سائغا. عدم مخالفته الثابت بالأوراق.
(13) دعوى "الدفاع في الدعوى: الدفاع
الجوهري".
الدفاع الجوهري الذي تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه. ماهيته. إغفال
بحث هذا الدفاع. قصور مبطل. مثال.
(14) تأمين "التأمين من المسئولية".
قضاء الحكم المطعون فيه بإلزام الشركة الطاعنة "المؤمنة"
بما يجاوز حد التغطية لوثيقة التأمين. أثره. وجوب تعديله.
----------------
1 - المقرر - بقضاء محكمة النقض – أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في
تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها والأخذ بما تطمئن منها
إليه.
2 - عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصرا من
عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطه الأخذ
بما انتهى إليه إذا رأت فيه ما يقنعها ويتفق وما ارتأت أنه وجه الحق في الدعوى ما
دام قائمة على أسباب لها أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما انتهى إليه وأن في أخذها
بالتقرير محمول على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه ما يستحق
الرد بأكثر مما تضمنه التقرير دونما إلزام عليها بتعقب تلك المطاعن على استقلال،
وكان لا إلزام في القانون على الخبير بأداء عمله على وجه محدد إذ بحسبه أن يقوم
بما ندب له على النحو الذي يراه محققة للغاية من ندبه ما دام عمله خاضعة لتقدير
المحكمة التي يحق لها الاكتفاء بما أجراه ما دامت ترى فيه ما يكفي لجلاء وجه الحق
في الدعوى.
3 - لا يعاب على حكمها (محكمة الموضوع) عدم
الاستجابة لطلب إعادة المأمورية لخبير آخر.
4 - لها (محكمة الموضوع) سلطة استخلاص الخطأ
الموجب للمسئولية وتقدير التعويض عنه متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
5 - من المقرر أنه يتعين على الخصوم في الطعن
بطريق النقض عملا بالفقرة الثانية من المادة 255 مرافعات المعدل أن يقدموا الدليل
على ما يتمسكون به من أوجه الطعن وإلا أصبح النعي مفتقرة إلى دليله.
6 - إذ كان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه
بإلزام الشركة المطعون ضدها الأولى بالمبلغ المقضي به تعويضا عن خطئها بوصفها
المقاول البحري ومسئوليتها عن الحادث ومسئوله عن خطأ تابعها "سائق
الونش" وطرح ما قدمته من مستندات لما أطمأن اليه من تقريرى الخبيرين المنتدبين
في الدعوى لسلامة الأسس التي بنيا عليها والتي تتفق وما أجرياه من أبحاث تضمنتها
محاضر أعمالهما، وكان هذا الذي استخلصه الحكم سائغة ويكفي لحمل قضائه ويؤدي إلى
النتيجة التي انتهى إليها ويتضمن الرد الضمني المسقط لكل حجج الطاعنة وأوجه دفاعها
في هذا الخصوص، بما يضحى معه النعي جدة موضوعية فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير
الدليل تنحسر عنه رقابة محكمة النقض. فضلا عن أن الشركة الطاعنة لم تقدم رفق صحيفة
طعنها صورة مذيلة بعبارة "صورة لتقديمها لمحكمة النقض" من إيصال استلام
صادر من ملاك السفينة ... بتاريخ 15 سبتمبر 2014 ثابت منه قيام الطاعنة بصفتها
المستأجرة للسفينة بسداد مبلغ 428.155 دولار أمريكي تحت حساب تكاليف الإصلاح التي
تكبدها ملاك السفينة على غرار التلفيات التي لحقت بونش السفينة رقم 2 بتاريخ 11
فبراير 2005 مصدقة عليها بالطريق الدبلوماسي بمعرفة القنصلية المصرية بمارسيليا بتاريخ
22 سبتمبر 2014 ومرفق بها ترجمة معتمدة للغة العربية، حتى تتحقق المحكمة من صحة
دفاعها الذي ساقته بنعيها في هذا الخصوص من عدمه، بما يكون نعيها على الحكم
المطعون فيه جاء عارية عن دليله.
7 - من المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن
النعي الموجه إلى الحكم الابتدائي ولا يصادف محلا في قضاء الحكم الاستئنافي يكون
غير مقبول، إذ أن مرمى الطعن بالنقض هو مخاصمة الحكم النهائي الصادر من محاكم
الاستئناف.
8 - من المقرر أنه ولما كانت الطلبات في
الدعوى هو إلزام الطاعن بالمبلغ المطالب به بالدولار الأمريكي، و كانت العبرة
بالطلبات في الدعوى وقد التزمت المحكمة بهذه الطلبات، وكان يجوز لها القضاء بذات
العملة المطلوب الحكم بها دون معادلتها بالجنيه المصري، لما كان ذلك و كان النعي
موجه للحكم الابتدائي، ومن ثم يكون غير مقبول، فضلا عن ذلك فإن الثابت بالأوراق أن
طلبات الشركة المطعون ضدها الأولى هي إلزام الشركة المطعون ضدها الثانية بأن تؤدى
لها مبلغ 250.000 يورو على سبيل التعويض المؤقت وفوائده القانونية من تاريخ
المطالبة القضائية وحتى السداد، ووجهت الأخيرة دعوى ضمان فرعية للطاعنة بإلزامها
بما عسى أن يقضى عليها به، وكانت العبرة بتلك الطلبات في الدعوى، ومن ثم لا يعيب
الحكم قضاؤه بذات العملة المطلوب الحكم بها دون معادلتها بالجنيه المصري ومن ثم
فإن النعي بما سلف (تناقض أسباب الحكم مع بعضها و مع المنطوق) يكون على غير أساس.
9 - مفاد النص في المادة 397 من قانون
التجارة البحرية أن مسئولية المؤمن في التأمين من المسئولية رهينة بتوجيه الغير
الذي أصابه الضرر المطالبة سواء كانت ودية أو قضائية إلى المؤمن له بتعويض الضرر
الذي أصابه، في نطاق ما يلتزم به المؤمن وفق عقد التأمين من تعويض متفق عليه بينهما.
10 - النص في المادة 751 من القانون المدني
مفاده أن مسئولية المؤمن تحددت عن وقوع الخطر المؤمن منه بتعويض الضرر الناتج عن
ذلك فإذا زادت قيمة الضرر عن المبلغ المتفق عليه في وثيقة التأمين تعين الالتزام
بالمبلغ المتفق عليه.
11 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه وإن
كان تقدير التعويض الجابر للضرر هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه مستهدفة
في ذلك كافة الظروف والملابسات في الدعوي، إلا أن ذلك مشروط بألا يكون التعويض
مقدرة بالاتفاق أو بنص في القانون.
12 - لكن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة
في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون ذلك
سائغا، ولا يخالف الثابت بالأوراق.
13 - على محكمة الموضوع الرد على الدفاع
الجوهري الذي من شأنه إن صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ويكون مدعية قد أقام
الدليل عليه أمام المحكمة أو طلب منها وفقا للأوضاع المقررة في القانون تمكينه من
إثباته، وإلا كان حكمها مشوبة بالقصور المبطل، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة
الطاعنة تمسكت بدفاعها لدى محكمة الموضوع بأن الشركة المطعون ضدها الأولى قامت
بالتأمين لديها ضد خطر المسئولية المدنية قبل الغير من الوناشين والعاملين على أوناش
الرصيف وأوناش الساحة، وقد تضمنت تلك الوثيقة وملحقها بأن الحد الأقصى لمسئولية
الشركة المؤمنة بالنسبة للأضرار المادية عن حادث أو أكثر ناشئ عن سبب واحد هو مبلغ
150.000 جنيه وتشمل الخسائر أو التلفيات المادية لممتلكات الغير نتيجة حادث وقع في
نطاق أحد مواقع العمل، وقدمت سندا لذلك وثيقة التأمين رقم ... وملحقها رقم ...،
وإذ لم يعن الحكم المطعون فيه بإيراد هذا الدفاع وتحقيقه، وصولا لبيان المبلغ
الواجب على الشركة الطاعنة أداؤه للمضرور وأثره في التزام المؤمن، فإنه يكون مشوبا
بالقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال.
14 - إذ كان الثابت بالأوراق أن الشركة
المطعون ضدها الأولى "..." أقامت على الشركة المطعون ضدها الثانية
"..." دعواها بطلب الحكم بإلزامها بقيمة التلفيات والأضرار التي سببها
عمالها بونش السفينة المملوكة لها وتعطله تماما عن العمل، فوجهت الأخيرة دعوى ضمان
فرعية للشركة الطاعنة "... بطلب الحكم بإلزامها بما عسى أن يقضي به عليها،
وكان الثابت أن الشركة الأخيرة تمسكت بدفاعها بأن الثابت من وثيقة التأمين رقم ...
وملحقها رقم ... بأن يكون الحد الأقصى لمسئوليتها بالنسبة للأضرار المادية عن حادث
أو أكثر ناشئا عن سبب واحد هو مبلغ 150000 جنيه مائة وخمسين ألف جنيه بالعملة
المصرية بما لا يجوز معه مطالبة الشركة المؤمنة بأكثر من ذلك، وإذ قضى الحكم
المطعون فيه بإلزام الشركة المؤمن لها بمبلغ 25000 دولار أو ما يعادله بالعملة
المصرية والفوائد القانونية بواقع 4 % من تاريخ الحكم وحتى تمام السداد، وبإلزام
الشركة الطاعنة "المؤمنة" بالمبلغ المقضي به وهو ما يجاوز حد التغطية
لوثيقة التأمين، بما يتعين معه تعديل الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلزام الشركة
الطاعنة في الدعوى الفرعية بأن تؤدي للشركة المطعون ضدها الأولى مبلغ 150000 جنيه
وتأييده فيما عدا ذلك.
-------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق -
تتحصل في أن الشركة الطاعنة "في الطعن الأول" أقامت على الشركة المطعون
ضدها الأولى "المطعون ضدها الثانية في الطعن الثاني" الدعوى رقم ...
لسنة 2007 تجاري دمياط الابتدائية "مأمورية كفر سعد" بطلب الحكم بإلزامها
بأن تؤدي لها مبلغ 250.000 يورو على سبيل التعويض المؤقت وفوائده القانونية من
تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، وقالت في بيان ذلك إنه بتاريخ 11 مايو 2005
وبميناء دمياط البحري وبداخل محطة الحاويات المملوكة لها وأثناء قيام عمالها
بعمليات التداول اللازمة للحاويات الخاصة بالسفينة "..." اصطدم الونش
العملاق بونش السفينة ما ترتب عليه حدوث تلفيات جسيمة وأضرار بالونش الأخير وتعطل تماما عن العمل،
وضبط عن تلك الواقعة المحضرين رقم ... لسنة 2005 إداري مركز دمياط و ... لسنة 2005
مخالفات مركز دمياط، ولما لم تجد المطالبات الودية معها لسداد قيمة التلفيات، ومن
ثم فقد أقامت دعواها. أدخلت الشركة المطعون ضدها الأولى الشركة المطعون ضدها
الثانية خصما في الدعوى ووجهت لها دعوى ضمان فرعية بطلب الحكم بإلزامها بدفع ما
عسى أن يقضى عليها به، ندبت المحكمة خبيرة، وبعد أن أودع تقريره، حكمت بتاريخ 6
مايو 2009 أولا: في الدعوى الأصلية 1- بقبول إدخال رئيس مجلس إدارة شركة ... بصفته
خصما في الدعوى 2- وفي موضوع الدعوى والإدخال بإلزام الشركة المطعون ضدها الأولى
بأن تؤدي للشركة الطاعنة مبلغ 25.000 دولار أو ما يعادله بالجنيه المصري والفوائد
القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى وحتى تمام السداد،
ثانيا: في دعوى الضمان الفرعية بقبولها شكلا وفي موضوعها بسقوط حق الشركة المطعون
ضدها الأولى بالتقادم. استأنفت الشركة المطعون ضدها الأولى هذا الحكم بالاستئناف
رقم ... لسنة 41 ق لدى محكمة استئناف المنصورة "مأمورية دمياط"، كما
استأنفته الشركة الطاعنة بالاستئناف رقم ... لسنة 41 ق، كما استأنفته فرعية في
الاستئناف الأول المقام من المطعون ضدها الأولى بالاستئناف الفرعي رقم ... لسنة 50
ق لدي ذات المحكمة، ضمت المحكمة الاستئنافات الثلاث، وندبت فيها خبيرة، وبعد أن
أودع تقريره، قضت بتاريخ 16 يناير 2019 وفي موضوع الاستئنافات فيما قضى به الحكم
المستأنف بالبند أولا في الدعوى الأصلية بتأييد الحكم المستأنف، وفي موضوع
الاستئناف رقم ... لسنة 41 ق فيما قضى به الحكم المستأنف بالبند ثانية في دعوى
الضمان الفرعية بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به، والقضاء بإلزام الشركة المطعون
ضدها الثانية بأن تؤدي للمطعون ضدها الأولى المبلغ المقضي بإلزامها بأن تؤديه في
الدعوى الأصلية، طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 5558
لسنة 89 ق، كما طعنت عليه المطعون ضدها الثانية بذات الطريق بالطعن رقم 8208 لسنة
89 ق، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي في الطعن الأول برفضه، وفي
الطعن الثاني بنقض الحكم المطعون فيه جزئيا في خصوص ما قضى به في الدعوى الفرعية،
وإذ غرض الطعنين على هذه المحكمة في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظرهما، وفيها ضمت
الطعن الثاني للطعن الأول، والتزمت النيابة رأيها.
---------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة..
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
أولا: الطعن رقم 5558 لسنة 89 ق
وحيث إن الطعن أقيم على سبيين تنعى بهما الشركة الطاعنة على الحكم
المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي
بيان ذلك تقول إنه عول في قضائه على ما انتهى إليه تقرير الخبير الحسابي الذي
ندبته محكمة الاستئناف وسايره فيما خلص إليه، على الرغم من أنه لم يباشر المأمورية
المنوطة به وإقراره بافتقاره للخبرة اللازمة لمراجعة الأوراق المعروضة عليه لجهله
بكافة عناصرها الفنية وبعدم إلمامه بماهية ما قدم من مستندات وخروجها عن نطاق
خبرته، واعتبر التأخير في تقديمها قرينة على عدم صحتها واجترا من تقرير الخبير
الهندسي الذي ندبته محكمة أول درجة ما راق له وطرح الأدلة الجديدة المعروضة عليه
والتي لم تقدم أمام محكمة الاستئناف، ولم يبحث الاعتراضات التي ساقتها بصحيفة
الاستئناف في ضوء ما قدمته من مستندات وترجمتها المعتمدة، ومنها أصل إيصال استلام
صادر من ملاك السفينة ... بتاريخ 15 سبتمبر 2014 ثابت منه قيام الطاعنة بصفتها
المستأجرة للسفينة بسداد مبلغ 428.155 دولار أمريكي تحت حساب تكاليف الإصلاح التي
تكبدها ملاك السفينة على غرار التلفيات التي لحقت بونش السفينة رقم 2 بتاريخ 11
فبراير 2005 مصدق عليها بالطريق الدبلوماسي بمعرفة القنصلية المصرية بمارسيليا
بتاريخ 22 سبتمبر 2014 ومرفق بها ترجمة معتمدة للغة العربية، ولم يقدم أي من
المطعون ضدهما ما ينال من حجية ذلك المستند وأثر حجز الاستئناف للحكم بحالته
والعدول عن طلب بحث دلالة ما قدم من مستندات والتفت عنها وعن طلبها إعادة الدعوى
للخبير، وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن المقرر - بقضاء هذه المحكمة - أن
المحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة
المقدمة فيها والأخذ بما تطمئن منها إليه، وأن عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصرا
من عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطه
الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت فيه ما يقنعها ويتفق وما ارتأت أنه وجه الحق في
الدعوى ما دام قائمة على أسباب لها أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما انتهى إليه وأن
في أخذها بالتقرير محمولا على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد في المطاعن الموجهة إليه
ما يستحق الرد بأكثر مما تضمنه التقرير دونما إلزام عليها بتعقب تلك المطاعن على
استقلال، وكان لا إلزام في القانون على الخبير بأداء عمله على وجه محدد إذ بحسبه
أن يقوم بما ندب له على النحو الذي يراه محققة للغاية من ندبه ما دام عمله خاضعة
التقدير المحكمة التي يحق لها الاكتفاء بما أجراه ما دامت ترى فيه ما يكفي لجلاء
وجه الحق في الدعوى، ولا يعاب على حكمها عدم الاستجابة لطلب إعادة المأمورية لخبير
آخر، ولها سلطة استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وتقدير التعويض عنه متى أقامت
قضاءها على أسباب سائغة، كما وأنه من المقرر أنه يتعين على الخصوم في الطعن بطريق
النقض عملا بالفقرة الثانية من المادة 255 مرافعات المعدل أن يقدموا الدليل على ما
يتمسكون به من أوجه الطعن وإلا أصبح النعي مفتقرة إلى دليله. وكان الحكم المطعون فيه
أقام قضاءه بإلزام الشركة المطعون ضدها الأولى بالمبلغ المقضي به تعويضا عن خطئها
بوصفها المقاول البحري ومسئوليتها عن الحادث ومسئولة عن خطأ تابعها "سائق
الونش" وطرح ما قدمته من مستندات لما اطمأن إليه من تقريري الخبيرين
المنتدبين في الدعوى لسلامة الأسس التي بنيا عليها والتي تتفق وما أجرياه من أبحاث
تضمنتها محاضر أعمالهما، وكان هذا الذي استخلصه الحكم سائغا ويكفي الحمل قضائه
ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويتضمن الرد الضمني المسقط لكل حجج الطاعنة
وأوجه دفاعها في هذا الخصوص، بما يضحى معه النعي جدة موضوعية فيما لمحكمة الموضوع
من سلطة تقدير الدليل تنحسر عنه رقابة محكمة النقض. فضلا عن أن الشركة الطاعنة لم
تقدم رفق صحيفة طعنها صورة مذيلة بعبارة "صورة لتقديمها لمحكمة النقض"
من إيصال استلام صادر من ملاك السفينة ... بتاريخ 15 سبتمبر 2014 ثابت منه قيام الطاعنة
بصفتها المستأجرة للسفينة بسداد مبلغ 428.155 دولار أمريكي تحت حساب تكاليف
الإصلاح التي تكبدها ملاك السفينة على غرار التلفيات التي لحقت بونش السفينة رقم 2
بتاريخ 11 فبراير 2005 مصدقا عليها بالطريق الدبلوماسي بمعرفة القنصلية المصرية
بمارسيليا بتاريخ 22 سبتمبر 2014 ومرفق بها ترجمة معتمدة للغة العربية، حتى تتحقق المحكمة
من صحة دفاعها الذي ساقته بنعيها في هذا الخصوص من عدمه، بما يكون نعيها على الحكم
المطعون فيه جاء عارية عن دليله، ومن ثم غير مقبول.
وحيث إنه ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ثانيا: الطعن رقم 8208 لسنة 89ق
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الشركة الطاعنة بالوجه الثاني من
السبب الأول على الحكم المطعون فيه التناقض وفي بيان ذلك تقول إن تقرير الخبير
الذي عول عليه واستند إليه الحكم الابتدائي في قضائه بتقدير قيمة التلفيات
بالسفينة بمبلغ 25.000 دولار، أي ما يعادل 140.500 جنيه مصري إلا أن المحكمة
مصدرته عندما قدرت مبلغ التعويض بأسباب الحكم قدرته بمبلغ 25.000 دولار أمريكي أو
ما يعادله بالجنيه المصري دون أن تحدد مبلغ التعويض بالجنيه المصري، وبذلك فقد
تناقضت أسباب الحكم مع بعضها إضافة إلى تناقضها مع المنطوق، بما يعيبه ويستوجب
نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه من المقرر - في قضاء محكمة النقض
- أن النعي الموجه إلى الحكم الابتدائي ولا يصادف محلا في قضاء الحكم الاستئنافي
يكون غير مقبول، إذ إن مرمى الطعن بالنقض هو مخاصمة الحكم النهائي الصادر من محاكم
الاستئناف، كما وأنه من المقرر أنه ولما كانت الطلبات في الدعوى هي إلزام الطاعن
بالمبلغ المطالب به بالدولار الأمريكي، وكانت العبرة بالطلبات في الدعوى وقد
التزمت المحكمة بهذه الطلبات، وكان يجوز لها القضاء بذات العملة المطلوب الحكم بها
دون معادلتها بالجنيه المصري، لما كان ذلك وكان النعي موجه للحكم الابتدائي، ومن
ثم يكون غير مقبول، فضلا عن ذلك فإن الثابت بالأوراق أن طلبات الشركة المطعون ضدها
الأولى هي إلزام الشركة المطعون ضدها الثانية بأن تؤدى لها مبلغ 250.000 يورو على
سبيل التعويض المؤقت وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة القضائية وحتى السداد،
ووجهت الأخيرة دعوى ضمان فرعية للطاعنة بإلزامها بما عسى أن يقضي عليها به، وكانت
العبرة بتلك الطلبات في الدعوى، ومن ثم لا يعيب الحكم قضاؤه بذات العملة المطلوب
الحكم بها دون معادلتها بالجنيه المصري ومن ثم فإن النعي بما سلف يكون على غير أساس.
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الأول والسبب
الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ذلك أن
الثابت بوثيقة التأمين المبرمة بينها والشركة المطعون ضدها الثانية عن مسئولية
الأخيرة المدنية قبل الغير عن الأخطاء غير المتعمدة والحوادث التي تقع من الوناشين
والعاملين بشرط ثبوت المسئولية، وطبقا لشروط الوثيقة وملحقاتها بأن يكون الحد
الأقصى لمسئولية الشركة المؤمنة بالنسبة للأضرار المادية عن حادث أو أكثر ناشئ عن
سبب واحد هو مبلغ 150.000 جنيه بالعملة المصرية بما لا يجوز معه مطالبة الشركة
المؤمنة بأكثر من ذلك المبلغ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء
الحكم الابتدائي فيما قضى به في دعوى الضمان الفرعية والقضاء بإلزامها بأن تؤدى
للمطعون ضدها الثانية مبلغ 25.000 دولار أمريكي أو ما يعادله بالجنيه المصري وهو المبلغ
الذي قضت محكمة أول درجة بإلزام المطعون ضدها الأولى به وهو ما يجاوز الحد الأقصى
للضمان وفق وثيقة التأمين، والتفت عما ساقته بدفاعها المقدم بمذكرتيها المقدمتين لجلستي 12 مايو 2010، 13 فبراير 2018 من أنه يتعين مراعاة الحد الأقصى الذي تغطيه
وثيقة التأمين وفق ما ورد ببنودها فإنه يكون معيبة بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأن المقرر - وعلى ما جرى به النص في
المادة 397 من قانون التجارة البحرية - من أنه في حالة التأمين لضمان المسئولية لا
يجوز الرجوع على المؤمن عند وقوع الحادث المذكور في وثيقة التأمين إلا إذا وجه
الغير الذي أصابه الضرر مطالبة ودية أو قضائية إلى المؤمن له، ويكون التزام المؤمن
في حدود ما يلتزم المؤمن له بأدائه من تعويض- مفاده أن مسئولية المؤمن في التأمين
من المسئولية رهينة بتوجيه الغير الذي أصابه الضرر المطالبة سواء كانت ودية أو قضائية
إلى المؤمن له بتعويض الضرر الذي أصابه، في نطاق ما يلتزم به المؤمن وفق عقد
التأمين من تعويض متفق عليه بينهما، وأن النص في المادة 751 من القانون المدني
مفاده أن مسئولية المؤمن تحددت عن وقوع الخطر المؤمن منه بتعويض الضرر الناتج عن
ذلك فإذا زادت قيمة الضرر عن المبلغ المتفق عليه في وثيقة التأمين تعين الالتزام
بالمبلغ المتفق عليه، وكان المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان تقدير
التعويض الجابر للضرر هو من إطلاقات محكمة الموضوع بحسب ما تراه مستهدية في ذلك
بكافة الظروف والملابسات في الدعوى، إلا أن ذلك مشروط بألا يكون التعويض مقدرة
بالاتفاق أو بنص في القانون، ومن أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في
فهم الواقع في الدعوي وتقدير الأدلة فيها، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون ذلك سائغا،
ولا يخالف الثابت بالأوراق، وأن على محكمة الموضوع الرد على الدفاع الجوهري الذي
من شأنه إن صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ويكون مدعية قد أقام الدليل عليه
أمام المحكمة أو طلب منها وفقا للأوضاع المقررة في القانون تمكينه من إثباته، وإلا
كان حكمها مشوبة بالقصور المبطل، وكان الثابت من الأوراق أن الشركة الطاعنة تمسكت
بدفاعها لدى محكمة الموضوع بأن الشركة المطعون ضدها الأولى قامت بالتأمين لديها ضد
خطر المسئولية المدنية قبل الغير من الوناشين والعاملين على أوناش الرصيف وأوناش
الساحة، وقد تضمنت تلك الوثيقة وملحقها بأن الحد الأقصى لمسئولية الشركة المؤمنة
بالنسبة للأضرار المادية عن حادث أو أكثر ناشئ عن سبب واحد هو مبلغ 150.000 جنيه
وتشمل الخسائر أو التلفيات المادية لممتلكات الغير نتيجة حادث وقع في نطاق أحد
مواقع العمل، وقدمت سندا لذلك وثيقة التأمين رقم ... وملحقها رقم ...، وإذ لم يعن
الحكم المطعون فيه بإيراد هذا الدفاع وتحقيقه، وصولا لبيان المبلغ الواجب على
الشركة الطاعنة أداؤه للمضرور وأثره في التزام المؤمن، فإنه يكون مشوبا بالقصور في
التسبيب، والفساد في الاستدلال، بما يوجب نقضه جزئيا في هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن
الشركة المطعون ضدها الأولى شركة ..."أقامت على الشركة المطعون ضدها الثانية
الشركة ..." دعواها بطلب الحكم بإلزامها بقيمة التلفيات والأضرار التي سببها
عمالها بونش السفينة المملوكة لها وتعطله تماما عن العمل، فوجهت الأخيرة دعوى ضمان
فرعية للشركة الطاعنة "..." بطلب الحكم بإلزامها بما عسى أن يقضى به
عليها، وكان الثابت أن الشركة الأخيرة تمسكت بدفاعها بأن الثابت من وثيقة التأمين
رقم ... ملحقها رقم ... بأن يكون الحد الأقصى لمسئوليتها بالنسبة للأضرار المادية عن
حادث أو أكثر ناشئا عن سبب واحد هو مبلغ 150.000 جنيه "مائة وخمسين ألف
جنيه" بالعملة المصرية بما لا يجوز معه مطالبة الشركة المؤمنة بأكثر من ذلك،
وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلزام الشركة المؤمن لها بمبلغ 25.000 دولار أو ما
يعادله بالعملة المصرية والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ الحكم وحتى تمام
السداد، وبإلزام الشركة الطاعنة "المؤمنة" بالمبلغ المقضي به وهو ما
يجاوز حد التغطية لوثيقة التأمين، بما يتعين معه تعديل الحكم المطعون فيه.