جلسة 6 فبراير سنة 1993
برئاسة السيد المستشار
الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد
إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج ومحمد
على سيف الدين وعدلي محمود منصور - أعضاء،
وحضور السيد المستشار/
محمد خيري طه عبد المطلب - رئيس هيئة المفوضين،
وحضور السيد/ رأفت محمد
عبد الواحد - أمين السر.
------------------
قاعدة رقم (17)
القضية رقم 40 لسنة 13
قضائية "دستورية"
(1) دعوى "تكييفها
القانوني".
تكييف الدعوى هو مما يدخل
في ولاية المحكمة إذ هى التي تعطيها وصفها الحق محددة المقصود بها، كاشفة عن
ماهيتها، متقصية في سبيل ذلك إرادة المدعى ومراميها.
(2) دعوى دستورية
"إجراءات رفعها من قبل الخصوم"، "تعلقها بالنظام العام".
رسم المشرع طريقا لرفع
الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها، فحتم ألا ترفع إلا بعد إبداء دفع
بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط
المشرع بمحكمة الموضوع أمر تحديده بحيث لا يجاوز ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه
المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية. وتعتبر هذه الأوضاع
الإجرائية، من الأشكال الجوهرية في التقاضي لتعلقها بمصلحة عامة غايتها أن ينتظم التداعي
في المسائل الدستورية وفقا لقانون المحكمة الدستورية العليا، وطبقا للأوضاع
المنصوص عليها فيها.
(3) الدفع بعد دستورية نص
تشريعي "شرط تقدير محكمة الموضوع لجديته".
يتعين لجواز تقدير محكمة
الموضوع لجدية الدفع بعدم دستورية نص تشريعي لازم للفصل في النزاع الموضوعي
المعروض عليها، أن يكون المدعى قد عين النصوص التشريعية التي يدفع بعدم دستوريتها
بما ينفى التجهيل بها، فإذا كان الدفع المبدى أمام محكمة الموضوع لا يتضمن تحديدا
كافيا للنصوص المطعون عليها، فإن التصريح لمن أثاره برفع الدعوى الدستورية، يكون
قد ورد على غير محل.
(4) طلب تفسير تشريعي
"نطاق ولاية المحكمة الدستورية العليا بصدده".
خول المشرع المحكمة
الدستورية العليا ولاية تفسير النصوص التشريعية تفسيرا ملزما يكون بذاته كاشفا عن
المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقراراها.
(5) المحكمة الدستورية
العليا "ولايتها في مجال التفسير التشريعي - شرط ممارستها".
يشترط لمباشرة هذه
المحكمة لولايتها في مجال التفسير التشريعي أن يكون للنص التشريعي أهمية جوهرية لا
ثانوية، وأن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافاً حول مضمونه
تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه.
(6) طلب التفسير التشريعي
"إجراءات تقديمه".
لا يقدم هذا الطلب إلا من
وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو المجلس الأعلى
للهيئات القضائية، على أن يتضمن هذا الطلب بيانا بالنص التشريعي المطلوب تفسيره،
وما أثاره من خلاف في التطبيق، ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره ضمانا لوحدة تطبيقه.
(7) طلب التفسير التشريعي
"علة قصر الحق في تقديمه على جهات بعينها".
قصر الحق في تقديم طلب
التفسير على جهات بعينها، يتوخى أن تزن كل جهة منها دواعيه وتقدر مبرراته وفق
مقاييس موضوعية لا تنحاز لوجهة دون أخرى، وإنما غايتها إرساء المصلحة العامة التي يقتضيها
استقرار دلالة النصوص التشريعية التي تناولها التفسير بما يوحد تطبيقها وينقطع به
كل جدل في شأن مضمونها الحق.
(8) طلب التفسير القضائي
"إجراءات تقديمه".
لكل ذي شأن أن يتقدم
مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا بدعواه التي يطلب فيها تفسير أحد أحكامها،
وقوفا على حقيقة مقصدها منه، واستنهاضا لولايتها في مجال تجلية معناه، إذا كان
الغموض أو الإبهام قد اعتراه حقا، فأصبح خافيا.
--------------
1 - تكييف الدعوى هو مما
يدخل في ولاية المحكمة، إذ هي التي تعطيها وصفها الحق محددة المقصود بها، كاشفة عن
ماهيتها، متقصية في سبيل ذلك، إرادة المدعى منها، مستظهرة حقيقة طلباته ومراميها،
بلوغاًً لغاية الأمر فيها.
2 - رسم المشرع طريقا
لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها، فحتم ألا ترفع إلا بعد إبداء
دفع الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط
المشرع بمحكمة الموضوع أمر تحديده، بحيث لا يجاوز ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه
المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية. والأصل أن هذه الأوضاع
الإجرائية من الأشكال الجوهرية في التقاضي لتعلقها بمصلحة عليا غايتها أن ينتظم التداعي
في المسائل الدستورية وفقا لقانون المحكمة الدستورية العليا، وطبقا للأوضاع
المنصوص عليها فيه.
3 - لا يستنهض الدفع بعدم
الدستورية ولاية محكمة الموضوع لتقدير جديته، إلا إذا ورد على نص أو نصوص بذاتها
عينها المدعى وحددها باعتبارها نطاقا لدفعه، متضمنا تحديد أبعاده، كي تجيل محكمة
الموضوع بصرها في النصوص المطعون عليها لتقدير جدية المطاعن الموجهة إليها من وجهة
نظر أولية لا تسبر أغوارها، ولا تعتبر منبئة عن كلمة فاصلة في شأن اتفاقها مع
أحكام الدستور أو خروجها عليها. وإذ كان التجهيل بالنصوص التشريعية المطعون عليها،
لا يتضمن تعريفا بها يكون محددا بذاته لماهيتها، وكشفا عن حقيقة محتواه، وكان هذا
التحديد لازما لزوما حتميا لتقدير جديته، فإن خلو الدفع بعدم الدستورية من بيانها،
ثم التصريح للمدعى برفع الدعوى الدستورية ترتيبا عليه، مؤداه أن هذا التصريح قد
ورد على غير محل، إذ يتعين دائما لاتصال هذه الدعوى بالمحكمة الدستورية العليا عن
طريق الدفع الفرعي، ألا يكون هذا الدفع مبهما، وأن يكون تقدير محكمة الموضوع
لجديته تاليا لبيان مضمونه، وهو ما قام الدليل على نقيضه، ومن ثم لا تكون الدعوى
الدستورية قد اتصلت بالمحكمة وفقا للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، ويتعين بالتالي
الحكم بعدم قبولها.
4 - النص في المادة 26 من
قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، على أن تتولى
المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية
والقرارات بالقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور، وذلك إذا
أثارت خلافا في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها - مؤداه أن
المشرع خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية تفسيرا تشريعيا ملزما، يكون
بذاته كاشفا عن المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقرارها، منظورا في ذلك
لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التي تحمل معها النصوص التشريعية محل التفسير
على غير المعنى المقصود منها ابتداء، بل إلى إرادته الحقيقة التي يفترض في هذه
النصوص أن تكون معبرة عنها مبلورة لها، وإن كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه
الإرادة. ذلك أن الأصل في النصوص التشريعية، هو ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا
تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، أو
يعتبر تشويها لها سواء بفصلها عن موضوعها، أو بمجاوزة الأغراض المقصودة منها، ذلك
أن المعاني التي تدل عليها هذه النصوص، والتي ينبغي الوقوف عندها، هي تلك التي تعتبر
كاشفة عن حقيقة محتواها، مفصحة عما قصده المشرع منها، مبينة عن حقيقة وجهته وغايته
من إيرادها، ملقية الضوء على ما عناه منها. ومرد ذلك أن النصوص التشريعية لا تصاغ
في الفراغ، ولا يجوز انتزاعها من واقعها محددا بمراعاة المصلحة المقصودة منها، وهي
بعد مصلحة اجتماعية يتعين أن تدور هذه النصوص في فلكها، ويفترض دوما أن المشرع رمى
إلى بلوغها متخذا من صياغته للنصوص التشريعية سبيلا إليها. ومن ثم تكون هذه
المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعي، وإطارا لتحديد معناه، وموطئا لضمان
الوحدة العضوية للنصوص التي ينتظمها العمل التشريعي، بما يزيل التعارض بين
أجزائها، ويكفل اتصال أحكامها وتكاملها فيما بينها، لتغدو جميعها منصرفة إلى
الوجهة عينها التي ابتغاها المشرع من وراء تقريرها.
5 - السلطة المخولة لهذه
المحكمة في مجال التفسير التشريعي - وعلى ما يبين من نص المادة 26 من قانونها -
مشروطة بأن يكون للنص التشريعي أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر
إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص - فوق
أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافا حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها
فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل "عملا" بعمومية القاعدة القانونية
الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها. ويهدر بالتالي ما
تقتضيه المساواة بينهم "فى مجال تطبيقها"، الأمر الذي يحتم رد هذه
القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها، وذلك حسما
لمدلولها، ولضمان أن يكون تطبيقها متكافئا فيما بين المخاطبين بها.
6 ، 7 - حدد المشرع -
بالنظر إلى أهمية التفسير التشريعي ودقته، وبمراعاة الآثار التي يرتبها - الجهات
التي خولها حق طلبه، وجعل هذا الحق مقصورا عليها لا يمتد لسواها، كي تزن دواعيه
وتقدر مبرراته وفق مقاييس موضوعية لا تنحاز لوجهة دون أخرى، وإنما غايتها إرساء
المصلحة العامة التي يقتضيها استقرار دلالة النصوص التشريعية التي تناولها
التفسير، بما يوحد تطبيقها، وينقطع به كل جدل في شأن مضمونها. وانطلاقا من هذا
المفهوم، أفصح قانون المحكمة الدستورية العليا من المادة 33 منه عن أن طلب التفسير
التشريعي لا يقدم إلا من وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس
الشعب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية - على أن يتضمن هذا الطلب بيانا بالنص التشريعي
المطلوب تفسيره، وبما أثاره من خلاف في التطبيق، ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره
ضمانا لوحدة تطبيقه.
8 - غاير المشرع بين
التفسيرين التشريعي والقضائي في شأن الجهة التي تتقدم بطلبه، ذلك أنه بينما لا
يقدم التفسير التشريعي إلا من وزير العدل بناء على طلب إحدى الجهات المنصوص عليها
في المادة 33 من قانون المحكمة الدستورية العليا، فإنه في مجال التفسير القضائي
يجوز لكل ذي شأن - وعملا بالمادة 192 من قانون المرافعات التي يعتبر مضمونها
مندمجا في قانون هذه المحكمة على تقدير أن تطبيقها على الأحكام التي تصدرها لا
يتعارض مع طبيعة اختصاصاتها أو الأوضاع المقررة أمامها - أن يتقدم مباشرة إلى هذه
المحكمة بدعواه المتعلقة بتفسير قضائها، وقوفا على حقيقة قصدها منه، واستنهاضا
لولايتها في مجال تجلية معناه - دون تعديل في مضمونه - إذا كان الغموض أو الإبهام
- سواء في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بمنطوقه ارتباطا لا يقبل التجزئة - قد
اعتراه حقا، فأصبح خافيا. متى كان ذلك، وكان طلب التفسير التشريعي الماثل، قد قدم
من المدعى مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا، فإنه لا يكون قد اتصل بها وفقا
للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، وغدا غير مقبول بالتالي.
الإجراءات
بتاريخ 7 مايو سنة 1991
أودع وكيل الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم
دستورية ما قررته المادتان 44، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم
157 لسنة 1981 من إخضاعها لنظام الخصم والإضافة المنصوص عليه فيهما، وكذلك عدم انطباق
التنظيم الخاص بالخصم والإضافة على شركات الأشخاص. مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة
مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت
هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه
المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق،
والمداولة
حيث إن الوقائع - على ما
يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المدعين كانت قد أقامت
الدعوى رقم 1524 لسنة 1985 مدنى كلى جنوب القاهرة طالبة الحكم بعدم أحقية مصلحة
الضرائب في إخضاع الشركة لنظام الخصم والإضافة المنصوص عليه في المادتين 44، 45 من
قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، وذلك استنادا إلى أن
الشركة المدعية من شركات الأشخاص المنشأة وفقا لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974
بإصدار نظام استثمار المال العربي والأجنبي، ولم يصدر بإنشائها قانون خاص، وإنه إذ
تبين أن مصلحة الضرائب تفسر أحكام هاتين المادتين تفسيرا واسعا متناسية أن الجهات
الخاضعة لأحكامهما محددة حصرا، وليس من بينها الشركة المدعية، وكان الدستور قد
اختص المحكمة الدستورية العليا - في المادة 175 منه - بمباشرة الرقابة على دستورية
القوانين واللوائح ومن بينها المادتان 44، 45 المشار إليهما المشوبتان بقالة
مخالفتهما لأحكام المواد 8، 38، 119، 120 من الدستور، وكانت هذه المحكمة تنفرد
كذلك - وعلى ما تنص عليه المادة 26 من قانونها - بتفسير نصوص القوانين الصادرة عن
السلطة التشريعية وكذلك القرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وذلك إذا ما
أثارت خلافا في التطبيق. وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها، فقد أقام
الدعوى الماثلة.
وحيث إن من المقرر قانونا
أن تكييف الدعوى هو مما يدخل في ولاية المحكمة، إذ هى التي تعطيها وصفها الحق
محددة المقصود بها، كاشفة عن ماهيتها، متقصية في سبيل ذلك، إرادة المدعى منها
مستظهرة حقيقة طلباته ومراميها بلوغا لغاية الأمر منه، وكان البين من الاطلاع على
أوراق الدعوى الموضوعية وما توخاه المدعى من طلباته أمام هذه المحكمة أن ما رمى
إليه المدعى بدعواه الماثلة هو ألا تقوم مصلحة الضرائب بتطبيق نظام الخصم والإضافة
المنصوص عليه في المادتين 44، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون برقم
157 لسنة 1981 على شركته باعتبار أنها من شركات الأشخاص الخاضعة لأحكام القانون
رقم 43 لسنة 1974 بإصدار نظام استثمار المال العربي والأجنبي، وكان المدعى قد سعى
لبلوغ ما تغياه بدعواه الماثلة من خلال طريقين أحدهما هو الطعن بعدم دستورية
المادتين 44، 45 المشار إليهما وثانيهما هو ضمان عدم تطبيقهما على شركته بالارتكان
إلى تفسير تشريعي يصدر من هذه المحكمة وفقا للمادة 26 من قانونها يقرر لهاتين
المادتين مضمونا يلتئم مع وجهة النظر التي يقوم بها، وهو ما يعنى أن هذين الطلبين
مطروحان في الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 26 من
قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن
تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية
والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور، وذلك إذا أثارت
خلافا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها.
وحيث إن مؤدى هذا النص
أنه خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية التي تناولها تفسيرا تشريعيا
ملزما يكون بذاته كاشفا عن المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقرارها،
منظورا في ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التي تحمل معها النصوص
التشريعية محل التفسير على غير المعنى المقصود منها ابتداء، بل إرادته الحقيقية
التي يفترض في هذه النصوص أن يكون معبرة عنها مبلورة لها وإن كان تطبيقها قد باعد
بينها وبين هذه الإرادة. ذلك أن الأصل في النصوص التشريعية، هو ألا تحمل على غير
مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يؤول إلى الالتواء بها
عن سياقها، أو يعتبر تشويها لها سواء بفصلها عن موضوعها أو بمجاوزتها الأغراض
المقصودة منها، ذلك أن المعاني التي تدل عليها هذه النصوص، والتي ينبغي الوقوف
عندها، هي تلك التي تعتبر كاشفة عن حقيقة محتواها، مفصحة عما قصده المشرع منها،
مبينة عن حقيقة وجهته وغايته من إيرادها، ملقية الضوء على ما عناه منها. ومرد ذلك
أن النصوص التشريعية لا تصاغ في الفراغ، ولا يجوز انتزاعها من واقعها محدداً
بمراعاة المصلحة المقصودة منها، وهى بعد مصلحة اجتماعية يتعين أن تدور هذه النصوص
في فلكها، ويفترض دوما أن المشرع رمى إلى بلوغها متخذا من صياغته للنصوص التشريعية
سبيلا إليه، ومن ثم تكون هذه المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعي،
وإطارا لتحديد معناه، وموطئا لضمان الوحدة العضوية للنصوص التي ينتظمها العمل التشريعي،
بما يزيل التعارض بين أجزائها، ويكفل اتصال أحكامها وتكاملها فيما بينها، لتغدو
جميعها منصرفة إلى الوجهة عينها التي ابتغاها المشرع من وراء تقريرها.
وحيث إن السلطة المخولة
لهذه المحكمة في مجال التفسير التشريعي - وعلى ما يبين من نص المادة 26 من قانونها
- مشروطة بأن يكون للنص التشريعي أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد
بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا
النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافا حول مضمونه تتباين معه الآثار
القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل "عملا"
بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية
بالنسبة إليه، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم "فى مجال
تطبيقها" الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما
قصده المشرع منها عند إقرارها، وذلك حسما لمدلولها، ولضمان أن يكون تطبيقها
متكافئا فيما بين المخاطبين بها.
وحيث إنه بالنظر إلى
أهمية التفسير التشريعي ودقته، وبمراعاة الآثار التي يرتبها حدد المشرع الجهات
التي خولها حق طلبه، وجعل هذا الحق مقصورا عليها لا يمتد لسواها كي تزن دواعيه
وتقدر مبرراته وفق مقاييس موضوعية لا تنحاز لوجهة دون أخرى، وإنما غايتها إرساء
المصلحة العامة التي يقتضيها استقرار دلالة النصوص التشريعية التي تناولها التفسير
بما يوحد تطبيقها، وينقطع به كل جدل في شأن مضمونها. وانطلاقا من هذا المفهوم،
أفصح قانون المحكمة الدستورية العليا من المادة 33 منه عن أن طلب التفسير التشريعي
لا يقدم إلا من وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو
المجلس الأعلى للهيئات القضائية، على أن يتضمن هذا الطلب بيانا بالنص التشريعي
المطلوب تفسيره، وبما أثاره من خلاف في التطبيق، ومدى أهميته التي تستدعى تفسيره
ضمانا لوحدة تطبيقه. وبذلك يكون المشرع قد مايز بين التفسيرين التشريعي والقضائي
في شأن الجهة التي تتقدم بطلبه، ذلك أنه بينما لا يقدم التفسير التشريعي إلا من
وزير العدل بناء على طلب إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 33 من قانون هذه
المحكمة، فإنه في مجال التفسير القضائي يجوز لكل ذي شأن - وعملا بالمادة 192 من
قانون المرافعات التي يعتبر مضمونها مندمجا في قانون هذه المحكمة على تقدير أن
تطبيقها على الأحكام التي تصدرها لا يتعارض مع طبيعة اختصاصاتها أو الأوضاع
المقررة أمامها - أن يتقدم مباشرة إلى هذه المحكمة بدعواه المتعلقة بتفسير قضائها
وقوفا على حقيقة قصدها منه، واستنهاضا لولايتها في مجال تجلية معناه - دون تعديل
في مضمونه - إذا كان الغموض أو الإبهام - سواء في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة
بمنطوقه ارتباطا لا يقبل التجزئة - قد اعتراه حقا فأصبح خافيا.
وحيث إنه متى كان ما
تقدم، وكان المشرع قد الحق في تقديم طلب التفسير التشريعي على الجهات التي حددتها
المادة 33 المشار إليها، وذلك عن طريق وزير العدل، وكان طلب التفسير التشريعي
الماثل، قد قدم من المدعى مباشرة إلى هذه المحكمة، فإنه لا يكون قد اتصل بها وفقا
للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، وغدا غير مقبول بالتالي.
وحيث إنه فيما يتعلق
بالطعن بعدم دستورية المادتين 44، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون
رقم 157 لسنة 1981، فإنه لما كان المشرع قد رسم طريقا لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح
للخصوم مباشرتها، فحتم ألا ترفع إلا بعد إبداء دفع الدستورية تقدر محكمة الموضوع
جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع أمر
تحديده بحيث لا يجاوز ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى
لرفع الدعوى الدستورية، وكان الأصل أن هذه الأوضاع الإجرائية من الأشكال الجوهرية
في التقاضي لتعلقها بمصلحة عليا غايتها أن ينتظم التداعي في المسائل الدستورية
وفقا لقانون المحكمة وطبقا للأوضاع المنصوص عليها فيه، وكان البين من الاطلاع على
الصورة الرسمية لمحضر جلسة 10 فبراير سنة 1992 الخاص بالدعوى الموضوعية رقم 1524
لسنة 1985 المشار إليها، أن هذه الصورة قاطعة في أن المدعى طلب أجلا للطعن بعدم
الدستورية، فأجابته محكمة الموضوع إلى طلبه، وكان من المقرر أن الدفع بعدم
الدستورية لا يستنهض ولاية محكمة الموضوع لتقدير جديته إلا إذا ورد على نص أو نصوص
بذاتها عينها المدعى وحددها باعتبارها نطاقا لدفعه، متضمنا تحديد أبعاده، كي تجيل
محكمة الموضوع بصرها في النصوص المطعون عليها لتقدر جدية المطاعن الموجهة إليها من
وجهة نظر أولية لا تسبر أغوارها، ولا تعتبر منبئة عن كلمة فاصله في شأن اتفاقها مع
أحكام الدستور أو خروجها عليها، متى كان ذلك وكان التجهيل بالنصوص التشريعية
المطعون عليها - وهو ما سلكه في دفعه أمام محكمة الموضوع - لا يتضمن تعريفا بها يكون
محددا بذاته لماهيتها، وكشفا عن حقيقة محتواها، وكان هذا التحديد لازما لزوما
حتميا لتقدير جديتها، فإن خلو الدفع بعدم الدستورية من بيانها، ثم التصريح للمدعى
برفع الدعوى الدستورية ترتيبا عليه، مؤداه أن هذا التصريح قد ورد على غير محل، إذ
يتعين دائما لاتصال هذه الدعوى بالمحكمة الدستورية العليا عن طريق الدفع الفرعي،
ألا يكون هذا الدفع مبهما وأن يكون تقدير محكمة الموضوع لجديته تاليا لبيان
مضمونه، وهو ما قام الدليل على نقيضه. متى كان ما تقدم، فإن الدعوى الدستورية لا
تكون قد اتصلت بالمحكمة وفقا للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، ويتعين بالتالي
الحكم بعدم قبولها.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم قبول
الدعوى، ومصادرة الكفالة، والزمت المدعى بالمصروفات، ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.