الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 2 ديسمبر 2021

بحث في الاختصاص الدولي طه السيد

مجلة المحاماة - العدد السابع والثامن
السنة العاشرة - 1929 - 1930

بحث في الاختصاص الدولي

أقام مصري بفرنسا ومات بها عن تركة ذات عقار ومنقول بمصر وفرنسا، منها وقف بمصر نظارته لمصري مقيم بفرنسا، ويقيم بعض الورثة بفرنسا وبعضهم بمصر، قام نزاع بين الجميع على الوقف وعلى التركة، فأي المحاكم تختص بنظر هذا النزاع ؟ المحاكم المصرية أم المحاكم الفرنسية ؟
1 - الغرض من تحديد الاختصاص الدولي في هذا الموضوع هو معرفة المحكمة التي يكون حكمها ملزمًا للخصوم بما قضت به وإلا فاتت الفائدة من الحكم.
ولكي يكون الحكم ملزمًا لهم يجب أن يكون صادرًا من محكمة تابعة لدولة لها ولاية قضائية عليهم إما بسبب خضوعهم لسلطانها الإقليمي أو لسلطانها الشخصي وقت رفع الدعوى.
2 - لذلك لنتبين أي المحاكم هي المختصة بنظر موضوعنا - أي المحاكم المصرية أم الفرنسية ؟ - يجب أن نبحث أولاً عن الوقائع والأسباب التي تجعل الخصوم خاضعين لسلطان الدولة الإقليمي أو الشخصي، وبالتالي تجعل الحكم الذي يصدر من محاكمها ملزمًا لهم باعتبارها صاحبة الولاية القضائية عليهم.
3 - ولمعرفة هذه الوقائع والأسباب يجب أن نسترشد بقواعد القانون الدولي الخاص المعمول بها فعلاً في مصر وفي فرنسا باعتبارها جزءًا من قانون كل بلد منهما يعمل بها فيه ويحكم بها قضاؤه، وبالمبادئ العامة الدولية حيث يخلو القانون عن النص، وحيث لا تكون ثمة مبادئ ثابتة أقرتها المحاكم في موضوع البحث.
4 - النصوص المصرية:
نصوص القانون المصري في الاختصاص الدولي من الوجهة المدنية والشخصية هي:
المواد (13) و(14) من القانون المدني المختلط ولا نظير لها في القانون الأهلي.

Art. 13: (Tout sujet local pourra être cité devant les tribunaux du pays, à raison des obligations par lui contractées, même a l’étranger (C. C. F. 15).
Art 14: (Il en sera de même des étrangers qui se trouvent dans le pays. L’étranger qui l’aura quitié ne pourra être cité devant les nouveaux que dans les cas suivants:
1 - S’il s’agit d’obligation relative a des bien meubles ou immeubles existant dans le pays;
2 - S’il s’agit d’obligations dérivant de contrats stipulés ou devant être exécutée dans le pays, ou bien faits qui y aient é’é accomplis:
Sans préjudice de la compétence des tribunaux de commeice dans les cas déterminés par la loi et quelle que soit la résidence du défendeur. (C. C. F. 14).

والمادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية:
(تحكم المحاكم المذكورة فيما يقع بين الأهالي من دعاوى الحقوق مدنية كانت أو تجارية إلخ..)
والمواد (34) مرافعات أهلي، و(35) مرافعات مختلط.
(34) أهلي: تكليف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة يكون في الأوجه الآتية:
أولاً: في مواد الحقوق الشخصية والمواد المتعلقة بالمنقولات يكلف بالحضور أمام المحكمة التي يكون محله داخلاً في دائرة اختصاصها، وإن لم يكن له محل بالقطر المصري فيكلف بالحضور أمام المحكمة التابعة لدائرتها جهة إقامته، وإذا كانت الدعوى على جملة أشخاص فيكلف الجميع بالحضور أمام المحكمة التي يكون في دائرتها محل أحدهم.
ثانيًا: في المواد المختصة بالعقار وفي المواد المتعلقة بوضع اليد يكلف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة الكائن في دائرتها العقار المتنازع فيه.
ثالثًا: دعاوى مدايني تركات المتوفين أمام المحكمة التابع لدائرتها محل فتح التركة قبل تقسيمها، وأما إذا سبق تقسيمها فتقام الدعوى أمام المحكمة التابع لدائرتها محل أحد الورثة.
والمواد (22) و(24) و(27) و(28) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وهي:
22 - ترفع الدعوى في المحكمة التي في دائرتها محل إقامة المدعى عليه، فإن لم يكن له محل إقامة كالرحل، رفعت الدعوى أمام المحكمة التي في دائرتها محل إقامة المدعي.
23 - إذا لم يكن للمدعي ولا للمدعى عليه محل إقامة فالدعوى ترفع أمام المحكمة التي في دائرتها محل وجود المدعى عليه وقت الإعلان، فإن لم يكن للمدعى عليه محل وجود بالقطر المصري فالدعوى ترفع أمام المحكمة التي بدائرتها محل وجود المدعي وقت الإعلان.
27 - ترفع دعوى الوقف والاستحقاق فيه بجميع أسبابه ودعوى إثبات النظر عليه كذلك أو طلب عزل الناظر أو غير ذلك مما يتعلق بشؤون الوقف أمام المحكمة التي في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل إقامة المدعى عليه.
28 - التصرف في الأوقاف - إقامة ناظر وضم ناظر إلى آخر واستبدال وإذن بعمارة أو تأجير أو استدانة أو بخصومة وغير ذلك من خصائص هيئة المحكمة التي تكون في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل توطن الناظر، وتنص المادة (3) من قانون المجالس الحسبية الصادر في سنة 1925 على ما يأتي:
(تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المسائل والمنازعات المتعلقة بالمواد الآتية الخاصة بالمصريين وغيرهم من المتوطنين بالقطر المصري مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا إذا قضت القوانين أو المعاهدات بغير ذلك إلخ..)، والمواد (3) و(11) و(13) و(14) و(15) مدني فرنسي وغيرها من المواد التي سنشير إليها عند الاقتضاء.
5 - ولأجل تطبيق هذه النصوص وما يتفرع عنها يجب أن نحلل أولاً طبيعة النزاع في موضوعنا فنفصل كل صلة وعنصر من صلاته وعناصره القانونية وحده لنستطيع أن نجد لكل منها المبدأ الذي يناسب طبيعته والنص الذي يخضع له.
ويلاحظ مبدئيًا أن اختصاص المحاكم المصرية بالقضايا المتضمنة عنصرًا أجنبيًا هو أمر من الأمور التي يحكمها القانون المصري دون غيره من القوانين، فإذا نص القانون المصري على أن قضية متضمنة عنصرًا أجنبيًا تكون من اختصاص محكمة مصرية فيجب على هذه المحكمة أن تحكم فيها دون أن تتقيد بأي قانون أجنبي يحرمها الاختصاص في هذه القضية ولا بأية قاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص بجعل مثل هذه القضية خارجة عن اختصاصها.

النزاع فيما يتعلق بالوقف

6 - قد يكون النزاع في الوقف متعلقًا بأصله أو بأمر يخرج عنه.
فإن كان النزاع بين الناظر والورثة متعلقًا بأصله وهو عقده الذي صدر من الواقف بجميع أجزائه ومشتملاته سواء كان من أعيانه أو صحته أو إنشائه أو شروطه التي تتعلق بصرفه أو النظر عليه - وبالجملة كل ما اشتمل عليه العقد - وهذه تعتبر في عرف القوانين المصرية من مسائل الأحوال الشخصية لا فرق بين إنشاء وشروط في النظر أو غيره في اعتبارها من قبيل تلك الأحوال - هذه المسائل نصت عليها المادة (27) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في سنة 1910 وجعلتها من اختصاصها إذ تقضي بأن ترفع دعوى الوقف والاستحقاق فيه بجميع أسبابه، ودعوى إثبات النظر عليه كذلك أو طلب عزل الناظر أو غير ذلك مما يتعلق بشؤون الوقف أمام المحكمة التي في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أو أمام المحكمة التي بدائرتها محل إقامة المدعى عليه.
ونص في المادة (28) على أن التصرف في الأوقاف من إقامة ناظر وضم ناظر إلى آخر واستبدال وإذن بعمارة أو تأجير أو استدانة أو بخصومة وغير ذلك تكون من خصائص هيئة المحكمة التي تكون في دائرتها أعيان الوقف كلها أو بعضها الأكبر قيمة أمام المحكمة التي بدائرتها محل توطن الناظر.
7 - فكل هذه المسائل التي اعتنى الشارع ببيان المحكمة المختصة بها من حيث مركزها تدخل ضمن اختصاص المحاكم الشرعية بحسب نص لائحتها، ولا يغير وجود ناظر الوقف بفرنسا وإقامة بعض الورثة المدعى عليهم هناك من ذلك شيئًا، لأن تعيين محل توطن الناظر أو محل وجود الورثة المدعى عليهم لا يهمنا إلا إذا كان التوطن أو الوجود بمصر لتعيين أي المحاكم المصرية الشرعية هي التي يجب أن ترفع أمامها الدعوى ولأن الاختصاص في هذه المسائل متروك للمحاكم الدينية وهي المحاكم الشرعية في حالتنا هذه وهي المحاكم العامة في مسائل الوقف والأحوال الشخصية واختصاصها يشمل جميع المصريين بمصر وفي الخارج.
8 - نعم لم يرد في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية نص خاص ببيان اختصاصها الدولي كالنص الوارد في المادة (3) من قانون المجالس الحسبية، ولكن القواعد العامة للقانون الدولي الخاص وعلى الخصوص القواعد المتبعة في مصر أمام الهيئات القضائية المصرية التي تعتبر أقرب إلى هذه المحاكم من غيرها وهي المجالس الحسبية تقضي بذلك.
فلا نزاع في أن المحاكم الشرعية تختص بناءً على جنسية المدعى عليه إذا كان مصريًا وذلك بصرف النظر عن محل إقامته أو توطنه أو محل وجوده، أي سواء كان له محل في مصر أم لا، لأن المادتين (22) و(23) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية نفسها تقضي برفع الدعوى أمام المحاكم الشرعية التابع لها محل إقامة المدعى عليه أو محل وجوده إذا لم يكن للمدعى عليه محل إقامة أو محل وجود بالقطر المصري.
ولأن هذه القاعدة مقررة في القانون المصري بالنسبة للمحاكم الأخرى من أهلية ومختلطة أو مجالس حسبية (13 م. م و15 ل ت 1 و3 مجالس حسبية).
ولأن القواعد العامة الدولية المتبعة في معظم البلاد تقضي باختصاص محاكم جنسية الخصوم فقررت محاكم فرنسا، وكذلك محاكم غيرها من البلاد التي تحذو حذوها عدم اختصاصها بدعاوى الأحوال الشخصية الخاصة بأجانب ولو كانوا موجودين أو مقيمين في بلادها.

(Les tribunaux francais sont, en principe, incompétents pour connaitre des contestations entre étrangers, lorsque ces contestations intéressent leur etat civil.
Les tribunaux francais peuvent seulement, dans des cas exceptionnels, et par une application partiiculière du principe, que les lois de police et de sùreté obligent ceux qui habitent ce territoire, ordonner des mesures urgentes et purement provisoires, afin de ne pas laisser sans protection les intérêts des mineurs étrangers résidant en France
(Petite Collection Dalloz (تعليق على المادة (14) م. ف

فإذا كان هذا النزاع - وهو يتعلق بأصل الوقف ويدخل في نطاق الأحوال الشخصية الخاصة بهؤلاء المصريين الذين يوجد بعضهم في مصر ويقيم بعضهم الآخر في الخارج - من المسائل التي لا تنظرها المحاكم الفرنسية وقلنا جدلاً بأن المحاكم الشرعية غير مختصة بنظرها كان ذلك معناه حرمان هؤلاء المصريين من حق التقاضي في هذه الأحوال في أي بلد كان وهذه نتيجة لا يمكن التسليم بها.
9 - فضلاً عن ذلك كله فإن أعيان الوقف القائم بشأنها النزاع موجودة بمصر وذلك وحده كافٍ لجعل المحاكم المصرية مختصة بنظر الموضوع، وسيأتي بيان ذلك بعد.
10 - لهذا نرى اختصاص المحاكم الشرعية المصرية، وتكون بذلك قاعدة اختصاص محكمة محل وجود المدعى عليه أو المحكمة التي بدائرتها توطن الناظر المنصوص عنها في المادتين (27) و(28) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قاصرة على حالة وجود المدعى عليه أو توطن الناظر بمصر.
11 - بقي النزاع بين الناظر والورثة على أمر يخرج عن أصل الوقف.
بقي النزاع في ما عدا أصل الوقف أي في الأمور التي تتفرع عنه كأجرته وحسابه بين ناظره ومستحقة أو كغصب بعض أعيانه ونحو ذلك مما لا يكون منشؤه نفس عقد الوقف وتعتبر في نظر القانون المصري كباقي الأمور المدنية من اختصاص المحاكم الأهلية.
تنص المادة (15) من لائحة المحاكم الأهلية على اختصاص المحاكم الأهلية فيما يقع بين الأهالي من دعاوى الحقوق مدنية كانت أو تجارية، وفيما يتعلق باختصاص المحاكم المختلطة تقضي المادة التاسعة من لائحة ترتيبها، باختصاص هذه المحاكم دون غيرها بالفصل في المنازعات المدنية والتجارية بين الوطنيين والأجانب.
والمادة (13) م. م تقضي باختصاص المحاكم المصرية بالنسبة لكل مصري بسبب الالتزامات التي يرتبط بها ولو حصلت في الخارج

Art 13: Tout Sujet local pourra être cité devant les tribunaux du pays, à raison des obligation par lui contractées, même à l’étranger,

ويلاحظ أن لفظ العقد(obligations ceontractées) الوارد في هذه المادة لا يقتصر على العقود والمشارطات التي تصدر من المصري بل ينصرف إلى جميع أنواع الالتزامات obligations بالمعنى الصحيح الواسع سواء كان منشؤها عقدًا أو شبه عقد أو جنحة مدنية أو شبه جنحة أو كان سببها نص القانون مباشرةً.
هذا الاختصاص الذي للمحاكم المصرية طبقًا للمواد السابقة عامل شامل لكل نزاع فيه عنصر مصري وأساسه الجنسية المصرية والرابطة الموجودة بين المصري والدولة المصرية فيطلب كل مصري له دخل فيه أمام المحاكم المصرية باعتباره خاضعًا لحكم الدولة المصرية.
12 - وإذا كانت القاعدة الأساسية إقليمية القوانين فكل عمل يحصل في إقليم الدولة من أي شخص كان يعتبر مبدئيًا خاضعًا لحكم القانون الإقليمي العام لذلك كان واجبًا على الأشخاص سواء كانوا مصريين أو أجانب الذين لهم أموال في مصر والذين هم خارج مصر أن يخضعوا للقانون الإقليمي وهو القانون المصري في كل تصرفاتهم المتعلقة بتلك الأموال حتى ولو حصل التصرف خارج مصر إذ جميع التصرفات والاتفاقات والأعمال القانونية الخاصة بأموال في مصر تخضع لقانون موقع الشيء - فإذا حصلت وتم الاتفاق عليها خارج مصر فهي مع ذلك واقعة على أموال داخلة ضمن حدود مصر وتعتبر في آخر الأمر أنها تمت ونفذت داخل تلك الحدود.
13 - فضلاً عن ذلك فإن الوقفية التي هي مصدر كل هذه المنازعات القائمة لا بد أنها حصلت في مصر طبقًا لما نصت عليه المادة (137) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المعدلة بالقانون رقم (23) لسنة 1920 التي تقضي بأن يمنع عند الإنكار سماع دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبداله أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التي تشترط فيه إلا إذا وجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعي بالقطر المصري أو مأذون من قبله كالمبين في المادة (360) من هذه اللائحة وكان مقيدًا بدفتر إحدى المحاكم الشرعية المصرية - وكذلك الحال في دعوى شرط لم يكن مدونًا بكتاب الوقف المسجل وفي دعوى مستحق لم يكن من الموقوف عليهم وقت الدعوى بمقتضى ما ذكر، ولا يعتبر الإشهاد السابق الذكر حجة على الغير إلا إذا كان هو أو ملخصه مسجلاً بسجل المحكمة التي بدائرتها العقار الموقوف طبقًا لأحكام المادة (374) من هذه اللائحة.
وبهذا النص أصبح من الواجب حصول الإشهاد في مصر فمن كان خارج مصر لا يتسنى له الإيقاف إلا بواسطة وكيل شرعي يقوم مقامه في الديار المصرية، وعليه فالقانون الذي يحكم الاختصاص في هذه العلائق التي تكون موضوع دعاوى الديون والالتزامات المذكورة هو القانون المصري لأنه من جهة قانون محل العقد ومن جهة أخرى قانون جنسية لخصوم ومن جهة ثالثة سيكون التنفيذ في مصر على أملاك الوقف ومنتجاته بها.
14 - ويقابل هذا الأساس من وجهة النظر الفرنسية عدم اختصاص المحاكم الفرنسية في موضوع بحثنا إذ أسباب الاختصاص في فرنسا في دعاوى الديون والالتزامات هي جنسية المدعي أو المدعى عليه أي كون أحدهما فرنسيًا (14 و15 م. ف)، وحصول الالتزام في فرنسا (مادة 14 م. ف).

Art. 14: L’étranger, même non résidant en France, pourra être cité devant les tribuneaux francais pour l’exécution des obligations par lui contractées en France avee un francais, il pourra être traduit devant les tribunaux de France pour les obligation par lui contractées en pays étranger envers des francais.
Art. 15: Un francais pourra être traduit devant un tribunal de France pour des obligations par lui contractées en pays étranger, même avee un étranger.

أما إذا لم يكن أحد الخصوم فرنسيًا فليس هناك نص في القانون الفرنسي يبين الحل في مثل هذه الحالة، وقد فسرت المحاكم الفرنسية سكوته بأنه دليل على عدم اختصاصها إلا في حالات خاصة ليست حالتنا منها ومن ذلك يتبين اختصاص المحاكم المصرية وحدها بنظر هذا النزاع.
15 - ويلاحظ أيضًا أن المحاكم المصرية تظل مختصة بفرض أن يكون أحد الخصوم فرنسيًا كأن تكون زوجة المتوفى مثلاً فرنسية برغم نص القانون الفرنسي على اختصاص المحاكم الفرنسية في هذه الحالة، ذلك لأن قانوننا المصري صريح في اختصاص محاكمنا ولأن حكم المحاكم الفرنسية يظل عاطلاً لأنه لا يمكن تنفيذه بمصر، ولأن اختصاص المحاكم المصرية كما ذكرنا من قبل في القضايا المتضمنة عنصرًا أجنبيًا هو أمر من الأمور التي يحكمها القانون المصري دون غيره من القوانين فإذا نص القانون المصري على أن قضية متضمنة عنصرًا أجنبيًا تكون من اختصاص محكمة مصرية فيجب على هذه المحاكم في هذه الحالة أن تحكم فيها دون أن تتقيد بأي قانون أجنبي يحرمها الاختصاص في هذه القضية ولا بأية قاعدة من قواعد القانون الدولي الخاص بجعل مثل هذه القضية خارجة عن اختصاصها.

النزاع في أمر الشركة

16 - تتكون التركة من عقار ومنقول بمصر وبفرنسا، لذلك يتعين البحث أولاً عن أي المحاكم تختص بنظر النزاع على الجزء الموجود منها بمصر عقارًا أو منقولاً، ثم عن أيها تختص بنظر النزاع على الجزء الآخر منها الموجود بفرنسا.
17 - الاختصاص فيما هو موجود من التركة بمصر.
قد يكون النزاع على الإدارة وقد يكون على حقوق عينية أو شخصية تتعلق بأموال التركة من عقار أو منقول، لذلك نبدأ ببيان جهات الاختصاص في نظر النزاع على إدارتها.
18 - جعل الاختصاص في مسائل إدارة أموال القصر والمحجور عليهم والغائبين للمجالس الحسبية، وذلك طبقًا للمادة (3) من قانون هذه المجالس.
والذي يهمنا معرفته هنا هو حدود اختصاص هذه المجالس من الوجهة الدولية، وقد بينتها المادة (3) من القانون المذكور فنصت على أن تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المسائل والمنازعات المتعلقة بالمواد الآتية الخاصة بالمصريين وغيرهم من المتوطنين بالقطر المصري مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا إذا قضت القوانين أو المعاهدات بغير ذلك: تعيين الأوصياء للقصر وللحمل المستكن والقامة المحجور عليهم والوكلاء للغائبين وتثبيت الأوصياء المختارين اللائقين للوصاية وتعيين المشرفين وعزل جميع المتولين المذكورين واستبدال غيرهم بهم أو قبول استقالتهم والحجر على عديمي الأهلية ورفع الحجر عنهم واستمرار الوصاية إلى ما بعد سن الحادية والعشرين إذا اقتضت الحال ومنع القاصر الذي بلغ الثامنة عشرة من التصرف وتعيين مأذون بالخصومة في حقوق القصر أو المحجور عليهم أو الغائبين، وذلك عند تضارب مصلحتهم مع مصلحة الأوصياء أو القامة أو الوكلاء.
مراقبة أعمال الأوصياء أو القامة أو الوكلاء والنظر في حساباتهم واتخاذ الاحتياطات المستعجلة لصيانة حقوق القصر أو عديمي الأهلية أو الغائبين.
سلب ما للأولياء الشرعيين من السلطة على أموال الأشخاص المشمولين برعايتهم أو الحد من حريتهم فيها في الأحوال المبينة في المادة الثامنة والعشرين من هذا القانون.
ومع ما للمجالس الحسبية في أثناء مراقبتها لإدارة الأوصياء أو القامة من الحق في التأكد عما إذا كانت المصاريف المخصصة لنفقة القاصر وتربيته أو لنفقة المحجور عليه قد استعملت فعلاً لهذا الغرض فليس لها حق التدخل في المسائل المتعلقة بالولاية على النفس لخروجها عن اختصاصها.
وبناءً على هذا النص تكون أسباب اختصاص المجالس الحسبية بنظر هذه الأمور الخاصة بالمصريين في جنسيتهم المصرية وهذا الاختصاص بالنسبة لهم شخصي يلحقهم حيثما كانوا سواء متوطنين بمصر أو مقيمين في الخارج.
نعم إن النص العربي لهذه المادة أو بعبارة أدق هذه الترجمة العربية للنص الفرنسي بوضعها الحالي (تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المسائل الآتية الخاصة بالمصريين وغيرهم من المتوطنين بالقطر المصري) ليست بالترجمة الدقيقة وقد يفهم خطأ منها أن اختصاص هذه المجالس بالنسبة للمصريين قاصر على حالة توطنهم هم أيضًا أسوة بالأجانب بمصر، والحقيقة أن شرط التوطن قاصر على الأجانب دون المصريين، وهذا المعنى ظاهر تمامًا في النص الفرنسي حيث يقول:

(Les egyptiens ainsi que toutes les personnes domiciliées et...

والترجمة الصحيحة لهذا النص الفرنسي أن (تنظر المجالس الحسبية دون غيرها في المواد الآتية الخاصة بالمصريين وكذلك بغيرهم من المتوطنين في القطر المصري)، فيتبين صراحةً من ذلك أن اختصاص المجالس الحسبية بالنسبة للمصريين عام مطلق وغير مقيد بشرط التوطن في مصر ويلحقهم ولو كانوا مقيمين في الخارج.
أما غير المصري أي الشخص الأجنبي المنظور في أمره فالعبرة في تحديد اختصاص المجالس الحسبية بالنسبة له هو موطنه، فإذا كان متوطنًا بمصر كان خاضعًا لاختصاص المجالس الحسبية من الوجهة الدولية إلا إذا كان أجنبيًا متمتعًا بالامتيازات طبقًا للقوانين والمعاهدات.
وسبب ذلك أن الأجانب لا سلطان للحكومة عليهم ما داموا غير متوطنين بمصر، كذلك لا سلطان لها عليهم ولو متوطنين بمصر ما داموا يتمتعون بالامتيازات.
أما المصريون فيلحقهم سلطان الحكومة الشخصي ولو متوطنين في الخارج.
19 - فوق هذا فإن القوانين الفرنسية وهي قوانين الدولة التي يقيم بها بعض الورثة تقضي بعدم اختصاص المحاكم الفرنسية بالنسبة لهؤلاء في هذه المادة.

(En principe, les tribunaux francais sont incompétents pour juger les contestations concernant uniqument des étrangers.
Exceptionellement, il y a des hypothèses ou les tribunaux francais doivent se déclarer competénts à l’égard des contestation entre les ètrangers ces hypothèses sont: les cas où la loi attribue compétence aux tribunaux francais à raison de la nature de l’instance, sans tenir compte de la nationalité des parties.
a) Il en est ainsi pour les actions relative à des immeubles située en France (L’art. 3 al. 2, C. civ F. et l’art. 59 paragraphe 3 C; pr. civ. Voulant qu’en pariel cas le tribunal du lieu de la situation des immeubles soit exclusivement compétent.
b) Pour celles qui concernent les successions ouvertes sur le territoire francais (art 59 paragraphe 6 C. pr. civ).
(al. 510, 511 Valery. Droit. International privé)

إذًا كقاعدة عامة تختص المحاكم الفرنسية بنظر النزاعات القاصرة على الأجانب وحدهم ولو مقيمين في فرنسا، ويستثنى من ذلك مسائل تخصهم ويتحتم على المحاكم الفرنسية نظرها، هذه المسائل هي التي نص عليها القانون الفرنسي صراحةً وجعل لمحاكمة حق الفصل فيها نظرًا لطبيعتها وبصرف النظر عن جنسية الخصوم، كالدعاوى المتعلقة بعقار موجود بفرنسا (المادة (3) فقرة 2 م. ف والمادة (59) مرافعات فرنسي) إذ تكون من اختصاص محكمة موقع العقار، وكذلك الدعاوى التي تتعلق بتركات تفتح في فرنسا (المادة (59) مرافعات فرنسي - وفاليري النبذة (510) و(511) شرح قانون الدولي الخاص).
واستثناءات أخرى تخرج عن نطاق بحثنا.
ويلاحظ أن الاستثناء الأول خاص بالدعاوى العينية ودعاوى الديون والالتزامات (وسيأتي حكمها بعد) المتعلقة بعقار موجود بفرنسا، وهذه الدعاوى تختلف عن النزاعات على الإدارة التي تدخل في نطاق الأحوال الشخصية التي يحكمها قانون جنسية المتخاصمين دون القاضي المحلي، ويقول في ذلك فاليري - مشيرًا إلى قانون الجنسية:

Elle règle aussi l’étendue des pouvoirs don’t sont investis les représentants de l’incapable, aussi bien lorsqu’il réside en France que lorsqu’il demeure dans un pays étranger. C’est encore là une conséquence du principe qui soumet la capacité de tout individu aux dispositions de sa loi nationale, Par suite, puisqu’il s’agit là d’une matière comprise entièrement dans le domain du statut personnel, il est faux de dire comme l’on a fait parfois, que l’aliénation des immeublel du pupille doit s’effecteur dans les formes prescrites par la loi francaise du moment que l’ordre public territorial francais n’est pas en jeu, ce sont les règle edictées par la loi étrangére qui doivent être suivies, dans la mesure où notre organisation judiciare le permet (Valery ali. 510, 511 etc... Droit international privé).

20 - أما الاستثناء الثاني فعن التركات التي تفتح في فرنسا بحكم من القانون الفرنسي وتركتنا لا تفتح إلا بمصر ولو أن منها عقارًا ومنقولاً بفرنسا.
إذ تقضي قواعد القانون الدولي والمعاهدات عادةً بتكليف السلطات المحلية إخطار القنصل إذا توفي أحد مواطنيه فيأمر بوضع أختام القنصلية على متروكات المتوفى، ويكون له مراقبة إدارة أملاكه وحفظها طبقًا لقانون بلاده، وهذا الحق أو الواجب تقتضيه القواعد العامة الدولية فيجوز للقنصل أن يقوم به حتى من غير معاهدة كما يقول فاليري.

(Souvent les législations étrangères attibuent, comme la nôtre, le pouvoire de prendre ces mesures aux consuls par la France le leur reconnaissent expressément. Mais, à mon avis même en l’absence de tout traité les consuls doivent pouvoir exercer cette attribution, car elle ne constitue pas un empiètement sur les prérogatives francaises, celles - ci ne jouissant à cet égard, ainsi que nous venons de le voir, que d’une compétence exceptionelle.
Il est à peine besoin d’ajouter que la loi à laquelle apprtient de désigner les personnes chargées de veiller aux intérêt des l’incapable doit déterminer les conditions qu’elles ont à présenter pour être appelées à jouer ce rôle, de même que les causes qui peuvent entrainer leur destitution.
Les obligations des personnes chargées des intérêts de l’incapable sont fixées par sa loi nationale puisque c’est elle qui préside à leur nomination.

ومن ذلك يتعين اختصاص المحاكم المصرية بنظر النزاع على إدارة هذه التركة وفتحها.

الاختصاص في النزاع العيني على أموال التركة بمصر

21 - تختص المحاكم المصرية دون غيرها بنظر جميع الدعاوى العينية العقارية كدعوى ملكية العقار أو حق الارتفاق عليه أو الانتفاع به وكدعاوى وضع اليد عليه أو رهنه كلما كان العقار الواقع بشأنه النزاع موجودًا بالقطر المصري، هذا الظرف وحده كافٍ لجعل محاكمنا المصرية مختصة دون غيرها بدون نظر إلى محل إقامة المدعي أو جنسيته كذلك وسواء اتحد الخصوم في الجنسية أو اختلفوا فيها لأن اتخاذ جنسية الخصوم - مدعين ومدعى عليهم - لا تهم إلا في حالة تعيين أي المحاكم المصرية الأهلية أو المختلطة هي التي يجب أن ترفع إليها الدعوى.
وهذه القاعدة مسلم به في القانون الدولي الخاص في جميع البلاد المتمدينة كفرنسا فتنص المادة الثالثة من القانون المدني الفرنسي على ما يأتي:
تنفذ قوانين الضبط والربط (البوليس) والنظام العام على جميع الأشخاص داخل الإقليم الفرنسي، وتخضع العقارات للقانون الفرنسي ولو كانت مملوكة لأجانب إلخ...

(Les lois de police et de sûreté obligent tous ceux qui habitent le territoire. Les immeubles, même ceux possédés par des étrangers, sont regis par la loi francaise, et...)

وفي إيطاليا المادة (10) مرافعات، وفي إنجلترا وغيرها (راجع دايس صـ 238 - وبيليه صـ 644)، وهذه القاعدة تسري أيضًا في مصر سواء أمام المحاكم المختلطة أو الأهلية كل منهما فيما يخصه.
فقد نصت المادة (9) من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة على جعل الاختصاص بهذه المحاكم في جميع الدعاوى العينية العقارية سواء وقعت بين أشخاص مختلفي الجنسية أو بين أجانب متحديها، ولم تقصر هذا الاختصاص على الدعاوى العينية التي تنشأ بين أجانب أو أشخاص متوطنين أو موجودين في مصر.
وبمقتضى هذه المادة تكون المحاكم القنصلية غير مختصة بنظر هذه الدعاوى إذا حصلت بين أجانب من جنسية واحدة، فإذا كان القانون يحرم على المحاكم القنصلية الموجودة والقائمة بالقضاء في مصر الاختصاص في هذه الدعاوى فمن باب أولى يكون التحريم بالنسبة للمحاكم الفرنسية حيث محل إقامة المدعى عليهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن القانون العثماني الصادر في 7 صفر سنة 1284 (10 يونية سنة 1867)، والذي كان يجري العمل بمقتضاه قبل وجود نص المادة (9) من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة قد جعل الأجانب الذين لا يملكون عقارات في مصر في مستوى واحد مع الرعايا العثمانيين من حيث العقارات التي يملكونها هنا فأصبحوا بذلك خاضعين لجميع اللوائح المتعلقة بالضبط والربط وجميع اللوائح الخاصة بالمدن والبلديات والتي تحكم في الحال وفي المستقبل حق الانتفاع والتمتع بالعقارات وانتقال الملكية فيها.
وتنص مادته الثانية على وجوب خضوع هؤلاء الأجانب في كل المسائل المتعلقة بالملكية العقارية وكل الدعاوى العينية للمحاكم المدنية العثمانية سواء بصفة مدعين أو مدعى عليهم.

(pour toutes les questions relatives à la propriété fonciere et pour toutes les question réelles...)

ويلاحظ أن مصر وقت صدور هذا الفرمان كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية ويسري على العقارات الواقعة فيها هذا القانون.
22 - أما فيما يتعلق بالاختصاص في الدعاوى العينية على عقارات التركة الموجودة بفرنسا فليس للمحاكم المصرية اختصاص أصلاً بنظرها لأن المحاكم الفرنسية تكون مختصة دون غيرها تطبيقًا لهذه القاعدة ولنص المادة (3) مدني فرنسي الصريح، ولعدم الفائدة من اختصاص المحاكم المصرية لأن حكمها لا يكون قابلاً للتنفيذ في فرنسا.

الاختصاص في الدعاوى العينية على المنقول الموجود بمصر

23 - تأخذ الدعاوى العينية المنقولة في كثير من البلاد الآن حكم الدعاوى العينية العقارية، فدعوى استرداد المنقول من مالكه ضد واضع اليد عليه ودعوى رهنه رهن حيازة أو الانتفاع به إلخ... كل هذه يجب أن ترفع في البلد الذي يوجد فيه المنقول وقت رفع الدعوى ولمحاكم هذا البلد أن تتخذ الإجراءات اللازمة لعدم نقه إلى بلد آخر قبل الفصل في الدعوى، وللمدعي المطالب به أن يطلب إليها ذلك كأن يطلب توقيع الحجز التحفظي على المنقول المتنازع عليه، وتقضي قوانين المرافعات المصرية من أهلية ومختلطة مادة (34) و(35) باختصاص المحاكم المصرية في دعاوى المنقول على الإطلاق كما في الدعاوى الشخصية على العموم

dans les questions personnelles et mobilières

وتجعل الاختصاص في ذلك لمحكمة المدعى عليه.

الاختصاص في الدعاوى العينية على المنقول الموجود بفرنسا

24 - وهذه القاعدة مسلم بها في فرنسا فيقضي القانون الفرنسي باختصاص المحاكم الفرنسية كلما كان المنقول موجودًا بفرنسا، وترفع فيما يتعلق بالاختصاص الداخلي أو المحلي أمام محكمة موطن المدعى عليه مسويًا القانون الفرنسي بينها وبين الدعاوى الشخصية - وقد طبقت المحاكم الفرنسية وقرر الشراح الفرنسيون هذه القاعدة.
كذلك نص عليها في المادة (105) من قانون المرافعات الإيطالي حيث سوت هذه المادة بين الدعاوى العينية العقارية والدعاوى العينية المنقولة من حيث اختصاص المحاكم الإيطالية دوليًا بها كلما كان العقار أو المنقول موجودًا بإيطاليا.
فإذا كانت المنقول في مصر أصبح داخلاً في ولاية مصر القضائية طبقًا لهذه القاعدة المقررة دوليًا ونصت عليها القوانين المصرية والفرنسية، وتكون بذلك قاعدة اختصاص محكمة المدعى عليه المنصوص عنها في قانون المرافعات المصري قاصرة على حالة توطن المدعى عليه بمصر، أما المنقول الموجود في فرنسا فالدعوى العينية بشأنه يجب أن ترفع إلى محاكم محل وجوده وفي المحاكم الفرنسية خصوصًا وأن الحكم الذي يصدر في مصر أو في فرنسا خلافًا لهذه القاعدة لا يمكن تنفيذه في البلد الذي يوجد فيه المنقول ما دامت محاكم هذا البلد تحكم باختصاصها في نظر النزاع دون البلد الآخر.

النزاع على الدعاوى الشخصية

25 - إذا كانت المحاكم المصرية مختصة بنظر الدعوى في الأحوال المتقدمة ومختصة كذلك بنظر دعاوى الديون والالتزامات إذا كان العقار أو المنقول موجودًا بمصر فهل تكون مختصة كذلك في الدعاوى الشخصية المتعلقة بإثبات الوراثة في تركة عقارية ودعوى الإيصاء والوصية لو كان موضوع الدعوى عقارًا أو منقولاً موجودًا بالخارج.
نحن نعلم بأنه ليس لأية محكمة مصرية أن تحكم في ملكية أي عقار خارج عن القطر المصري أو حقوق وضع اليد عليه أو الحق في التعويض الناشئ عن التعرض لواضع اليد على العقار المذكور ولو لم ينص على ذلك في القوانين المصرية لم تصدر بشأنه أحكام مصرية لأن ذلك أمر مقرر دوليًا ولأن القوانين الفرنسية تحرم علينا ذلك ولأننا لا نستطيع تنفيذ الحكم الخاص بالأقاليم الأجنبية اللهم إلا بالتعرض لسلطات الحكومة الفرنسية الكائن في إقليمها العقار...، ولكن ما الحكم بالنسبة لدعاوى الأحوال الشخصية كدعوى إثبات الوراثة في تركة عقارية ودعوى الإيصاء والوصية وغيرها المشار إليها ؟
أن المواد (26 - 29) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية تنص بالنسبة للاختصاص الداخلي على اختصاص محكمة الجهة التي فيها أعيان التركة العقارية أو بعضها الأكبر قيمة، فهل نطبق هذا النص في تحديد الاختصاص الدولي للمحاكم المصرية فنقول باختصاصها إذا كانت العقارات كلها أو بعضها الأكبر قيمة في فرنسا ؟
أن تقرير هذه القاعدة في الاختصاص الدولي يترتب عليه تنازل المحاكم الشرعية المصرية عن الاختصاص لمحكمة أجنبية بالنسبة لعقارات التركة الأقل قيمة الموجودة بمصر كما أنه يترتب عليه أن تختص المحاكم المصرية بالنسبة لعقارات التركة الأقل قيمة الموجودة في فرنسا، وبما أن خضوع العقار لاختصاص محاكم يعتبر في كل بلد من النظام العام - لذلك نرى أن تكون القاعدة في الاختصاص الدولي في هذه الحالة في أن تختص المحاكم في كل بلد يوجد به عقارات التركة بالحكم في دعوى إرث هذه العقارات وغيرها من الدعاوى الشخصية المبينة في المواد السابقة حتى لا يخضع عقار ما سواء في مصر أو في غيرها لاختصاص غير محاكم محل وجوده، نعم قد يترتب على ذلك تعدد دعاوى إثبات الوراثة بتعدد جهات العقار، ولكن ذلك لا يحول دون سريان هذه القاعدة تطبيقًا لمبدأ النفاذ وقياسًا على حالة اختصاص المحاكم المصرية كلما كان العقار بمصر وبصرف النظر عن جنسية المدعى عليه المصرية.

طه السيد
بأقلام قضايا الحكومة

مدى سيادة الدولة في المسائل الجنائية محمد عبد المنعم رياض

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة التاسعة

مدى سيادة الدولة في المسائل الجنائية
بحث في القانون الجنائي الدولي مع بعض تطبيقات بالنسبة لمصر

سيادة الدولة من الوجهة الخارجية:
سيادة الدولة بصفة عامة “ Souveraineté ” هي حقها في العمل داخل البلاد وخارجها بما تراه في صالح الوطن وذويه فبالنسبة للخارج أي بعلاقات الدولة مع غيرها من الدول تعتبر السيادة خارجية وتظهر في الوجود حيث التمثيل الخارجي للدولة وحتى إعلان الحرب وإجراء المفاوضات مع الدول الأجنبية.
من الوجهة الداخلية:
أما بالنسبة لأعمال الدولة داخل إقليمها فتعتبر السيادة داخلية فالدولة حرة في اختيار نظام الحكم الذي تسير عليه ووضع الأنظمة الداخلية التي تراها ومن مقتضيات هذه السيادة أن يكون للدولة الحق في وضع قوانينها وإنشاء المحاكم لتطبيق هذه القوانين ومجازاة من يخالف أحكامها ومنع الأجرام في إقليمها.
تحديد السيادة بإقليم الدولة:
كل هذا ناتج من السيادة الداخلية ولكن هذه السيادة محدودة بحدود إقليم الدولة - أي تنتهي هذه السيادة عند الحد الجغرافي لأرض الدولة - فإذا ارتكب مجرم جريمة على هذه الأرض وفرّ إلى خارج حدود البلاد فلا تستطيع رجال الدولة أن تتبعه لتقبض عليه ولكن لا يفيد هذا أنها تتركه وشأنه بل لها أن تطلب بالطرق السياسية تسليمه من الدولة التي لجأ إليها - ويتم التسليم طبقًا لقواعد يحددها القانون الدولي ويمكن بيان أهمها فيما يلي:
مقارنه التسليم بالأبعاد:
1 - تسليم المجرمين (Extradition)- هذا التسليم هو عبارة عن التخلي عن الشخص المتهم بارتكاب جريمة أو المحكوم عليه جنائيًا للدولة التي يحق لها محاكمته وتوقيع العقاب عليه وهو يخالف الطرد أو الأبعاد (Expulsion) وهو تخلص الدولة من أجنبي تجد في وجوده خطرًا على الأمن في إقليمها أو ترى أن بقاءه في أرضها يدعو لعدم الطمأنينة فتبعده إلى خارج الحدود دون أن تسلمه لأي دولة - ولا يهم في حالة الطرد أن تكون هناك دولة أخرى تطلب تسليم هذا الشخص بل قد يحدث أن يكون الشخص المبعد غير متهم بارتكاب جريمة في أي بلد من البلاد وإنما تطرده الدولة لأنها تجد أن مصلحتها تدعو لذلك - فالطرد أو الأبعاد هو عمل إداري لا تنظر فيه الدولة لصالح دولة أخرى أجنبية بل هي تراعي فيه صالحها الخاص.
معاهدات التسليم:
أما تسليم المجرمين فهو عمل له صبغة قضائية ويحصل بالطرق السياسية وينظم عادةً في معاهدات تعقدها الدول فيما بينها - وقد عرف التاريخ معاهدات عديدة من هذا القبيل ويقال إن أقدم معاهدة عقدت في سنة 1300 قبل الميلاد بين رمسيس الثاني فرعون مصر وبين ملك الحيثيين في ذاك الوقت وكان الغرض منها توثيق عرى المودة والتحالف بين الملكين ونص فيها على ضرورة تبادل تسليم المجرمين الذين يهربون من أحد البلدين إلى الآخر - وعقدت في القرون الوسطى معاهدات أخرى خاصة بتسليم المجرمين منها معاهدة في سنة 1174 ميلادية بين إنجلترا وأيقوسيا ومعاهدة في سنة 1303 بين إدوارد الثالث ملك إنجلترا، وفيليب الرابع ملك فرنسا - غير أن هذه المعاهدة هي في الواقع اتفاق خاص بإبعاد أشخاص خطرين معينين في مدة خمسة عشر يومًا من تاريخ طلب ذلك - وقد توالى عقد الاتفاقات الخاصة بالتسليم في العصور الحديثة وخصوصًا في القرن التاسع عشر.
قوانين التسليم:
وعقدت الحكومة المصرية اتفاقًا مؤقتًا مع حكومة فلسطين بشأن تسليم المجرمين بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1922 كما أن هناك اتفاق آخر بين حكومتي مصر والسودان بشأن تسليم المجرمين وتبادل إعلان الأوراق القضائية صدر به قرار مجلس الوزراء بتاريخ 17 مايو سنة 1902، وكذلك صدرت في كثير من البلاد قوانين لتحديد قواعد تسليم المجرمين وكانت بلجيكا أول الدول في سن مثل هذه القوانين في الأزمنة الحديثة إذ أصدرت قانونًا بهذا الشأن في سنة 1833، وتعدل على عدة مرات حتى سنة 1893، وكذلك أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرازيل واليابان والمكسيك وهولندا وغيرها قوانين خاصة بتسليم المجرمين ونصت بعد الدول على قواعد التسليم في قوانينها الجنائية من ذلك ألمانيا حيث جاء ذكر هذه القواعد في المادة التاسعة من قانون العقوبات الألماني وفنزويلا حيث نص عليها في القانون الجنائي الذي أصدرته سنة 1903.
القواعد العامة لتسليم المجرمين:
ولكن ليس من الضروري لإمكان تسليم المجرمين أن تكون هناك اتفاقات أو قوانين تنظم ذلك بل يقضي الرأي الراجح بجواز التسليم ولو لم يكن هناك اتفاق أو قانون إذ يرجع أساس تسليم المجرمين إلى التضامن العام الذي يجب أن ترتبط به الدول لمنع الإجرام وفي الواقع تقبل دول كثيرة تسليم مجرمين لدول أخرى دون أن تكون هناك معاهدات تنظم هذا التسليم وقد نص في اتفاقية جنيف التي عقدت في 30 سبتمبر سنة 1921 لمنع الاتجار بالرقيق الأبيض على إلزام الدول المتعاقدة بتسليم المتجرين به حتى ولو لم تكن هناك معاهدات خاصة بذلك ولكن لا يعني هذا أنه عند عدم وجود معاهدات أو قوانين لا تكون هناك قواعد لتنظيم تسليم المجرمين فأحكام القانون الدولي العام قد حددت كثيرًا من هذه القواعد العامة وهي تطبق في أحوال عديدة وكثيرًا ما أشير إليها في المعاهدات والقوانين الخاصة بالتسليم ويمكن تلخيص أهمها فيما يأتي:
عدم تسليم الوطنيين:
أولاً: لا يجوز تسليم الوطنيين الذين يرتكبون جرائم في الخارج - وهذا هو الرأي المتبع في البلاد الغربية ما عدا إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية إذ القانون الجنائي فيهما إقليمي محض أي يطبق على الجرائم التي ترتكب داخل الإقليم ويستند أنصار الرأي القائل بعدم تسليم رعايا الدولة على أن هؤلاء يجدون في دولتهم ضمانة قوية وعدلاً تامًا بعيدًا عن الهوى - وقد يكون في تسليمهم للقضاء الأجنبي تعريضهم لسلطة أجنبية تتحيز ضدهم بسبب جنسيتهم ويقولون أيضًا أن في تنازل الدولة عن شخص من رعاياها ليحاكم في دولة أخرى تنازل عن جزء من سيادتها وليس هناك ما يدعو لذلك إذ المتهم الوطني لن يفلت من العقاب على ما اقترفه في الخارج فهو سيحاكم أمام محاكم دولته أي أمام قضاته الطبيعيين [(1)].
أدلة الرأي القائل بتسليمهم:
ويقول أنصار الرأي العكسي القاضي بوجوب تسليم الوطنيين أنه لا يوجد في ذلك ما يمس سيادة الدولة أو كرامتها بل فيه مساس بالدولة الأجنبية للاعتقاد بأن محاكمها تتحيز ضد الأجانب وإذا كان هذا الاعتقاد صحيحًا فلا يجب إذن تسليم المجرمين كلية سواء أكانوا من الوطنيين أو من غيرهم ما دام يخشى تعريضهم لسلطة متحيزة ثم أن تسليم المجرم للدولة التي ارتكب جريمته في أرضها هو في الواقع تسليم للقضاة الطبيعيين الذين يحق لهم الحكم فيما وقع من الجرم إذ ليس قضاة الدولة التي يتبع المجرم جنسيتها بالقضاة الطبيعيين في هذه الحالة وإنما القضاة الطبيعيين هنا هم قضاة المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة حيث اختل النظام الاجتماعي وحيث يمكن إجراء التحقيق بدقة والحكم على ما وقع حكمًا عادلاً - ويظهر الضرر من رفض تسليم المجرم الوطني ظهورًا جليًا عندما يكون شريكًا لأجنبي في ارتكاب الجريمة فيسلم أحدهما للدولة التي ارتكبت الجريمة في بلادها ويحاكم الوطني أمام محاكم دولته فينتج من ذلك وجود قضيتين مختلفتين عن جريمة واحدة وقد يحدث أن يصدر حكمان متناقضان أو عقوبتان مختلفتان مع أن ذلك ليس في مصلحة العدل.
رأي وسط:
هذه هي أدلة الرأيين في مسألة تسليم الوطنيين ولكن الرأي المتبع للآن في أكثر الدول هو رأي القائلين بعدم التسليم ومحاكمة الوطنيين أمام دولتهم [(2)]، واعتقد أن كلا الرأيين فيه شيء من التطرف وأنه وإن كان يحسن الأخذ بنظرية عدم تسليم الوطنيين بصفة عامة إلا أنه من الأفضل عدم وضع قواعد جامدة لمثل هذه المسألة فيجاب مثلاً طلب تسليم الوطني إذا كان مشتركًا في الجريمة مع آخرين ستجري محاكمتهم في الدولة التي تطلب التسليم، وذلك حتى تتوحد محاكمة المتهمين في ارتكاب جرم واحد وكذلك يسلم الوطني إذا كانت محاكمته في الدولة الطالبة في مصلحته كأن يكون العقاب الذي ينص عليه قانونها أخف من العقاب الذي ينص عليه قانون الدولة المطلوب منها التسليم - وبعبارة أخرى يجاب طلب تسليم الوطني إذا كان في تسليمه مصلحة للعدل أو للمتهم أما إذا لم توجد هذه المصلحة فمن الأفضل محاكمة الوطني أمام محاكم دولته.
التجنس اللاحق:
أما التجنس اللاحق فلا يمنع من التسليم أي أن الأجنبي الذي يرتكب جريمة في الخارج ثم يقيم في إقليم الدولة ويتجنس بجنسيتها يجوز تسليمه لمحاكمته عن الجريمة التي ارتكبها قبل تجنسه وقد نص على هذا المبدأ في كثير من الاتفاقات الخاصة بالتسليم كالاتفاق الذي عقد بين إنجلترا والبرازيل في 18 نوفمبر سنة 1872 والاتفاق الذي عقد بين إنجلترا وفرنسا في 14 أغسطس سنة 1876، وهذا المبدأ وإن كان متفقًا مع القواعد العامة إلا أن الرأي عليه ليس إجماعيًا بل تقرر عنه في بعض القوانين من ذلك القانون البلجيكي الخاص بتسليم المجرمين الذي صدر في سنة 1874 إذ قرر أن التجنس يكون له أثر رجعي، وكذلك جاء أيضًا في المعاهدة التي عقدت في 5 فبراير سنة 1873 بين إيطاليا وبريطانيا والمعاهدة التي عقدت في 28 مارس سنة 1877 بين فرنسا والدانيمارك نص يبيح التسليم في هذه الحالة وإنما يشترط له مدة معينة.
عدم تسليم المجرمين السياسيين:
ثانيًا: لا يجوز تسليم المجرمين السياسيين وذلك مراعاة للإنسانية والشفقة فالدولة التي تطلبهم إنما تريد أن توقع بهم شر عقاب وفضلاً عن ذلك فالجرائم السياسية تتغير بتغير الأحوال والمجرم السياسي قد يصبح رئيسًا للدولة إذا نجح وقد اتفق على هذا المبدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر - أما قبل ذلك فلم يكن هناك مبدأ مسلم به بهذا الشأن بل كان كثيرًا ما يحصل التسليم لأسباب سياسية ولكن دون أن تكون هناك قاعدة لذلك إذ كان الأمر يتبع الميل الموجود في الدولة اللاجئ لها المجرم نحو الدولة الطالبة له فكان يحصل التسليم من باب المجاملة أو بسبب خوف الدولة من جراء رفضه أو بناءً على الضغط عليها من الدولة التي تطلب المجرم [(3)] أو غير ذلك من الأسباب - على أن الرأي القائل بعدم تسليم المجرمين السياسيين لم يعدم إذ ذاك أنصارًا يعترضون على حصوله - فمن ذلك ما وقع من بونابرت سنة 1801 إذ اعترض على ما فعله مجلس شيوخ هامبورج إذ ذاك من تسليم بعض أرلنديين متهمين بالثورة إلى إنجلترا التي طلبت تسليمهم لمحاكمتهم وقد كان اعتراض بونابرت قويًا إذ قال إن هذا العمل يخالف قواعد الضيافة بشكل تخجل منه القبائل الرحالة في الصحراء وهاك بعض ما كتبه بونابرت في ذلك

(..... la vertu et le courage sont le soutien des Etats, la servilité et la bassesse les ruinent, vous avez volé les lois de I’hospitalité d’une manière qui aurait fait rougir les tribus nomades du désert.)

أما الآن فلم يبقَ شك في أن عدم تسليم المجرمين السياسيين أصبح من القواعد المسلم بها في القانون الدولي العام وقد نص عليه في قوانين أكثر البلاد المتمدينة وفي كثير من الاتفاقات الدولية وهو وارد في الدستور المصري في المادة (151) التي تقضي بأن تسليم اللاجئين السياسيين محظور (وهذا مع عدم الإخلال بالاتفاقات الدولية التي يقصد بها المحافظة على النظام الاجتماعي)، وقد ورد أيضًا في الاتفاق المؤقت الذي عقد بين الحكومة المصرية وحكومة فلسطين بشأن تسليم المجرمين بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1922 إذ نص فيه على استثناء الجرائم السياسية من أحكام التسليم.
الجرائم السياسية - الجرائم المختلطة:
وليست هناك صعوبة في تمييز الجريمة السياسية البحتة إذ هي الجريمة التي يكون موضوعها سياسيًا صرفًا كالمؤامرات التي تدبر لتغيير نظام حكومة من الحكومات وإنما هناك صعوبة في تمييز الجرائم المختلطة أي التي تدخل ضمن جرائم القانون العام وإنما تقع لغرض سياسي كالقتل والتعدي على الملكية - ويرى بعض الكتاب أن هذه الجرائم لا تخرج عن كونها جرائم عادية [(4)]، وقد جاء في الاتفاق المؤقت الذي عقد بين الحكومة المصرية وحكومة فلسطين ما يفيد الأخذ بهذا الرأي إذ نص في المادة الثامنة منه أنه لا تعد من الجرائم السياسية الجرائم الآتية:
(جرائم الاعتداء والنهب والسرقة بإكراه والتعدي على شخص جلالة ملك مصر أو شخص المندوب السامي لحكومة بريطانيا في فلسطين).
آراء مختلفة:
وبعبارة أخرى اعتبر الاتفاق المشار إليه أن هذه الجرائم لا تخرج مطلقًا عن الجرائم العادية - ولكن هذا الرأي ليس متفقًا عليه إذا يرى البعض أن تعتبر جرائم القتل والتعدي على الملكية من الجرائم السياسية إذا وقعت لغرض سياسي وورد ذلك فعلاً في بعض المعاهدات كمعاهدة فرنسا مع سويسرا المعقودة سنة 1869، وفي بعض القوانين أيضًا كالقانون الإيطالي - ويرى البعض الآخر أن يفرق بين الجريمة السياسية وبين الجريمة العادية فيسلم المتهم ليحاكم عن الجريمة العادية فقط [(5)]، وهناك فريق آخر يبحث عن العنصر الأكبر في الجريمة فإذا كان هو العنصر السياسي كانت الجريمة سياسية وإذا كان غير ذلك كانت عادية [(6)]، وقد أخذ بهذا الرأي القانون السويسري الصادر في سنة 1862 إذ ورد في المادة العاشرة منه أنه يجوز التسليم حتى ولو ادعى المتهم وجود غرض أو قصد سياسي إذا كانت الجريمة تكون في الغالب جريمة عادية على أن يترك تقدير هذه الصفة للمحكمة المركزية السويسرية وعلى أن يشترط عدم التشديد على المتهم بسبب غرضه السياسي وها هو نص المادة

L’extradition ne sera pas accordée pour les infractions politiques = elle sera accordée, alors même que le coupable alléguerait un motif ou un but politiqe, si I’infraction pour laquelle elle est demandée constitue principalement un délit commun.
Le tribuna fédral appréciera, dans chaque cas particulier, le caractèr de I’ifraction selon les faits de la cause.
Lorsque l’extradition sera accordée, le Conseil fédéral y mettra la condition que Ia personne don’t l’extradition est demandée, ne sera pas traitée d’une facon plus rigoureuse à cause de son motif ou de son but politique.

وقد جاء في القانون البلجيكي الذي صدر في 22 مارس سنة 1856 وفي أكثر معاهدات التسليم نص خاص يقضي باستثناء الاعتداء بالقتل أو بالسم على شخص رئيس حكومة أجنبية أو أعضاء عائلته وعدم اعتبار هذا الاعتداء من الجرائم السياسية [(7)]، وقد انتقد بعض الكتاب هذا النص وقالوا بأن الواجب توسيع الاستثناء حتى يشمل جرائم الاعتداء على كل رجال الحكم في الدولة من أكبر الرؤساء إلى أبسط الجنود (راجع في ذلك كتاب الأستاذ لورنس المطول صفحة 242 من الطبعة السابعة
(Laurence, Principles of International Law p. 242).
أما الجرائم التي تقع أثناء ثورة داخلية أو حرب أهلية فالرأي الراجح بشأنها أنها تعتبر من الجرائم السياسية إذا كانت مما يقع عادةً في الحروب المنظمة وتسمح به قواعد الحرب وعاداتها وقد قرر المعهد الدولي الذي عقد في جنيف سنة 1892 بجواز التسليم في حالة ارتكاب أعمال متوحشة تمنعها قواعد الحرب وإنما يكون ذلك بعد انتهاء الثورة - وقرر هذا المعهد أيضًا أن لا يعتبر ضمن الجرائم السياسية الجرائم التي توجه ضد قواعد النظم الاجتماعية بصفة عامة دون أن تقصد بها دولة خاصة أو شكل حكومة معينة.

Ne sont point réputée délits politiques, au point de vue de l’application des règles qui précèdent, les faits délietueux qui sont dirigée contre les bases de toute organisation sociale et non pas seulement contre tel état déterminé ou contre une telle forme de gouvernment.


وعلى ذلك يمكن تطبيق هذا النص الآن على جرائم الشيوعية والجرائم التي يقصد بها هدم نظام الملكية فلا تعتبر من نوع الجرائم السياسية التي تعفي من التسليم.
ونفس الأسباب التي دعت لتقرير إعفاء المجرمين السياسيين من التسليم دعت أيضًا إلى تقرير إعفاء الفارين من الخدمة العسكرية فهم لا يسلمون للدولة التي فروا من خدمتها إذ لا يعدون من طبقة المجرمين العاديين الذين يجب على الدول أن تتضامن لمجازاتهم والدول ترفض عادةً تسليم هؤلاء الفارين إلا إذا كانت هناك معاهدات تقضي بعكس ذلك كما حصل أثناء الحرب العظمى بين بعض الدول [(8)]، ولكن لا تسري هذه القاعدة على الفارين من البحارة إذ يجاب دائمًا طلب تسليمهم سواء أكان فرارهم من سفينة بحرية أو سفينة تجارية، وذلك حرصًا على الملاحة ومنعًا لتعطيل السفن إذ فرار بحارة سفينة عند رسوها في ميناء دولة أجنبية قد يؤدي إلى الإضرار بالسفينة ويمنعها من متابعة سيرها.
وكذلك تعفى من التسليم الجنود المتهمين بجرائم عسكرية غير الفرار مثل عدم إطاعة الأوامر أو الخيانة أو التجسس أما الجرائم العادية التي يرتكبها الجنود فلا تعفى من التسليم بحجة وقوعها من عسكريين بل ينظر إليها كما ينظر للجرائم السياسية المختلطة التي سبقت الإشارة إليها وقد حصل فعلاً أثناء الحرب العظمى أن طلبت ألمانيا من حكومة هولندا تسليم بعض الفارين من الجيش الألماني الذين ارتكبوا جرائم عادية يجوز فيها التسليم طبقًا لمعاهدة تسليم المجرمين المعقودة بين هولندا وألمانيا فأجابت الحكومة الهولندية بأنها مستعدة لتسليم هؤلاء الجنود بشرط أن تؤكد لها ألمانيا بأن تعطي لهم الفرصة في ترك الأراضي الألمانية بعد انتهاء الإجراءات واستيفاء العقوبة المتعلقة بالجرائم التي طلب التسليم من أجلها - ولقد رفضت ألمانيا قبول هذا الشرط بصفة عامة ولم تعطَ التعهد الذي طلبته هولندا إلا في بعض أحوال استثنائية.
أما الأعمال التي يرتكبها الجنود في حرب من الحروب وتكون مخالفة لقواعد الحرب وعاداتها فالرأي الراجح أنه يجوز تسليم المتهمين بارتكابها لأنها بعيدة عن الجرائم السياسية التي يكون أساسها اختلاف في الرأي أو المذهب السياسي لأن الأعمال المخالفة لقواعد الحرب كالنهب والتخريب والسرقة هي كالجرائم العادية وليس هناك ما يبرر ارتكابها [(9)].
ثالثًا: من القواعد المتفق عليه بين جمهور العلماء أنه لا يجوز التسليم إلا إذا كان العمل المطلوب التسليم من أجله معاقبًا عليه في الدولة الطالبة وفي الدولة المطلوب منها التسليم وإذا كان التسليم مطلوبًا لتنفيذ حكم صادر على المتهم فيشترط أيضًا أن لا يكون الحكم نفذ بتمامه ويستثني بعض الكتاب الحالة التي يكون فيها العمل غير ممكن الوقوع في الدولة المطلوب منها التسليم بسبب أنظمتها الخاصة أو موقعها الجغرافي كأن يكون التسليم مطلوبًا عن تعدٍ وقع على السكك الحديدية ولم يكن هناك نص يعتبر مثل هذا العمل معاقبًا عليه في البلد المطلوب منها التسليم بسبب عدم وجود سكة حديدية فيها.
وهذه القاعدة من القواعد التي وضعها المعهد الدولي في اجتماعه باكسفورد سنة 1880 إذ قرر النص الآتي:

En règle, on doit exiger que les faits auxquels s’applique l’extradition soient punis par la législation des deux pays excepté dans le cas, où à cause des institutions particulières ou de la situation géographique du pays de refugé, Ies eirconstances de fait constituant le délit ne peuvent se produire.

ومتى سلم شخص فلا تجوز معاقبته عن عمل آخر خلاف العمل الذي اتهم بارتكابه والذي بني عليه طلب التسليم - فإذا سلم شخص لارتكابه جريمة سرقة مثلاً فلا تجوز محاكمته عن جريمة أخرى وقعت قبل التسليم كنصب أو قتل الأبناء على طلب تسليم آخر يقدم للدولة التي لجأ إليها - وتسمى هذه القاعدة بقاعدة التخصص [(10)] (Principe de la spécialite)
وقد توسع بعض الكتاب في ذلك فقالوا بضرورة تقديم طلب تسليم آخر حتى ولو قبل المتهم أن يحاكم على الجريمة الثانية وذلك خوفًا من أن يكون هذا القبول قد حصل بطريق الإكراه.
رابعًا: من المسلم به أيضًا في موضوع تسليم المجرمين أن للدولة التي يطلب منها التسليم الحق في فحص الموضوع ويحصل هذا الفحص في بعض البلاد بمعرفة السلطة التنفيذية كما في ألمانيا وفي البعض الآخر يحصل بمعرفة السلطة القضائية كما في فرنسا وإنجلترا، ويشترط بعض الدول تقديم مستندات تبرر إحالة المتهم على المحاكم الجنائية وتشدد كل من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية فتطلب تقديم الأدلة التي تثبت الجريمة المطلوب التسليم من أجلها - وهناك دول أخرى تكتفي بالاطلاع على أمر القبض على المتهم أو ما يماثله فتقرر التسليم دون حاجة لمستندات أخرى وهذه الطريقة مقررة في بعض المعاهدات كالمعاهدات التي عقدت بين فرنسا وبلجيكا في 15 أغسطس سنة 1874.
وقد نص الاتفاق المؤقت الذي عقد بين الحكومة المصرية وحكومة فلسطين في سنة 1922 في المادة الخامسة منه على ضرورة إرفاق طلب التسليم بجميع ما يتيسر من البيانات التي تكون من شأنها إثبات شخصية من يطلب تسليمه وتعيين محل وجوده وبالمستندات التي تثبت الجريمة كأصل أمر القبض أو صورة مصدق عليها منه، وكذلك صورة من شهادات الشهود التي أديت أمام القاضي أو أي شخص آخر مكلف بالتحقيق ومن أي دليل آخر بني عليه الاتهام وإذا كان هناك حكم صادر في غيبة المتهم في جنحة أو جناية وجب أن يصحب الطلب بصورة مصدق عليها من الحكم أو من أمر التنفيذ الصادر بناءً على هذا الحكم - وكذلك عندما يكون الطلب مبنيًا على حكم صادر في مواجهة المتهم يرفق الطلب بصورة مصدق عليها من الحكم أو من أمر التنفيذ الصادر بناءً عليه وشهادة من وزارة الحقانية أو أي سلطة أخرى مماثلة لها في القطر الصادر منه الطلب دالة على أن الحكم أصبح واجب التنفيذ - وقضت المادة السادسة من هذا الاتفاق على أن لكل من الحكومتين المتعاقدتين السلطة التامة في البت فيما إذا كان هناك وجه لقبول الطلب الصادر من الحكومة الأخرى بتسليم مجرم هارب بناءً على أحكام هذا الاتفاق ويتولى الحكم بذلك السلطة القضائية أو أية سلطة أخرى يكون ذلك من اختصاصها بناءً على القوانين السارية في القطر صاحب الشأن ونصت المادة السابعة على أن ترخص السلطة المختصة بتسليم المجرم الهارب إلا متى ثبت لديها.
( أ ) عندما يكون الطلب مبنيًا على أمر بالقبض أن الأدلة المقدمة كافية لمحاكمة المتهم.
(ب) عندما يكون التسليم مبنيًا على حكم أن الأدلة كافية لتبرير الحكم الصادر.
(ج) أن لا تكون الجريمة المنسوبة للمتهم أو التي حكم عليه من أجلها في جميع الأحوال من الجرائم السياسية وأن لا تكون الغاية من طلب التسليم هي محاكمة المجرم الهارب أو توقيع العقوبة عليه من أجل جريمة سياسية.
وقد قضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 مايو سنة 1902 بشأن الوفاق بين حكومتي مصر والسودان بشأن تسليم المجرمين وتبادل إعلان الأوراق القضائية أن يرفق طلب التسليم المقدم من إحدى الحكومتين للأخرى بالمستندات القوية التي تثبت الجريمة أو تبرر الحكم على المتهم (المواد (11) و(12) و(13) و(14) و(15) إلخ...).
هذه هي خلاصة القواعد المهمة في موضوع تسليم المجرمين وهو موضوع يهم المشتغلين بالمسائل الجنائية أو الدولية إذ قد يحدث أن يتعدى أحد رجال الدولة سلطته فيقتص أثر مجرم هارب خارج حدود دولته أو يقبض عليه في إقليم الدولة الأجنبية دون أن يتبع في ذلك إجراءات طلب التسليم وقد يؤدي عمله هذا إلى وقوع مشاكل بين دولته وبين الدولة الأجنبية - كما أن القبض الذي يجريه في هذه الحالة يقع باطلاً ويجب رد المتهم إلى الدولة التي كان لاجئًا إليها - وكذلك قد يحدث من باب الخطأ أو عدم العلم بالقواعد المتبعة أن يسلم أحد رجال الدولة متهمًا هاربًا من دولة أجنبية إلى رجال هذه الدولة الأخيرة دون أن تتبع في ذلك إجراءات التسليم - والرأي الراجح في مثل هذه الحالة أنه إذا كان هذا العمل قد وقع بحسن نية فليس هناك ما يدعو لطلب إعادة المتهم الذي سلم خطأ - وقد وقعت حادثة من هذا القبيل في سنة 1910 حيث رست في ميناء مارسيليا الفرنسية سفينة إنجليزية تسمى موريا More، وكانت تحمل رجلاً هنديًا مقبوضًا عليه ومأخوذًا إلى الهند ليحاكم على جريمة قتل ارتكبها أثناء حركة ثورية ولكنه تمكن من الفرار من السفينة ولجأ إلى داخل الميناء فطلب ربان السفينة إعادته وفعلاً قبض عليه رجال البوليس الفرنسي وأعادوه بدون اتباع إجراءات التسليم اعتمادًا منهم على وجود تعليمات صادرة لهم بعدم تمكين هذا المتهم من الهرب إلا أن الحكومة الفرنسية تنبهت للأمر بعد إقلاع السفن وطلبت إعادة المتهم للأراضي الفرنسية بحجة أن تسليمه كان غير قانوني فعارضت إنجلترا في ذلك وعرض المسألة على محكمة التحكيم في الهاي ولكن هذه المحكمة قضت في 24 فبراير سنة 1911 بجواز بقاء هذا المتهم تحت يد السلطة الإنجليزية ما دام لم يقع منها غش ولم يقع منها اعتداء على حقوق السيادة الفرنسية.
وكانت مثل هذه المشكلة لا تقع لو تنبه رجال البوليس الفرنسي للقواعد الخاصة بتسليم المجرمين - ومسائل تسليم المجرمين من المسائل التي تعرض كثيرًا في القطر المصري وقد حدث مرارًا أن طلبت الحكومة المصرية تسليم بعض المجرمين الذين تمكنوا من الهرب إلى بلاد أجنبية كما حدث أيضًا أن طلبت بعض الدول الأجنبية تسليم أشخاص لجأوا للقطر المصري.
ومما يجدر ذكره بهذه المناسبة أن وزارة الداخلية لاحظت أن بعض السلطات المحلية تسلم مجرمين من تلقاء نفسها بناءً على طلب حكومة أجنبية دون أن تتبع القواعد الخاصة بذلك فوضت في أوائل سنة 1927 منشورًا لمنع ذلك نذكر منه ما يأتي:
(ولما كانت الحكومة المصرية تقوم عادةً بتسليم المجرمين الأجانب إلى الدول التابعة لها على قاعدة التبادل إذا كان ما ارتكبوه من الجرائم يقع تحت طائلة القانون العام على شرط أن يصل أولاً إلى وزارة الخارجية من الحكومة الراغبة في تسليم المجرمين طلب رسمي بالطريق السياسي المتبع مصحوبًا بكافة الأوراق التي تثبت أنهم من رعاياها وأن جريمتهم تقع تحت طائلة القانون العام.
فنرجو التنبيه بالعمل على موجبه وعدم تسليم المجرمين الأجانب إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الخارجية.

حدود السيادة داخل الإقليم

تبين لنا مما سبق أن سيادة الدولة تنتهي عند تخومها فرجل البوليس أو المحقق القضائي أو القائد العسكري لا يستطيع اللحاق بمجرم تعدى حدود دولته ولا القبض على جندي فرّ إلى ما ورائها...
ولكن هل هذه السيادة مطلقة غير محدودة داخل هذا الإقليم وبعبارة أخرى هل هي سارية على جميع سكان إقليم الدولة بدون استثناء ؟ الجواب على ذلك أن سيادة الدولة ليست مطلقة كل الإطلاق داخل إقليمها بل هناك قيود تقلل من هذه السيادة في أمور معينة، ولكن هذه القيود لا تخرج عن كونها استثناءات من حق السيادة الإقليمية إذ الأصل أن تكون سيادة الدولة كاملة في بلادها وسارية على كل السكان فإذا وجد استثناء خارج عنها فلا يكون من شأنه إعطاء حق من حقوق السيادة لدولة أجنبية إذ لا توجد أكثر من سيادة واحدة على الإقليم الواحد.
استثناءات من السيادة الإقليمية - الممثلون السياسيون:
ويمكن أن نذكر أهم هذه الاستثناءات فيما يلي:
1 - استثناء السفراء والممثلين السياسيين ومن هم في حكمهم من السيادة الإقليمية فهم يتمتعون بامتيازات خاصة تخرجهم من سلطة الدولة التي يقيمون فيها.
القوى الحربية الأجنبية:
2 - استثناء القوى الحربية لدولة أجنبية كالسفن الحربية الأجنبية الراسية في مياه الدولة الإقليمية إذ هي خارجة عن سلطتها وكذلك الجيوش الأجنبية التي توجد أثناء السلم في إقليم الدولة برضائها أو نتيجة لاتفاق خاص.
الأجانب المتمتعون بالامتيازات:
3 - رعايا بعض الدول الأجنبية في البلاد التي يتمتع فيها الأجانب بالامتيازات وسنتكلم على كل من هذه الاستثناءات فيما يلي:

1 - امتيازات الممثلين السياسيين

مهمة الممثل السياسي:
يتمتع الممثلون السياسيون بحقوق وامتيازات خاصة وضعت - لحمايتهم ولتمكنيهم من القيام بمهمتهم، وهذه الامتيازات قديمة يرجع بعضها إلى أقدم العصور إذ يذكر التاريخ أنه في العصور القديمة والعصور الوسطى كانت الدول تتبادل الممثلين وكانت تكرم وفادتهم في البلاد التي يبعثون إليها [(11)].
من يتمتع بالامتيازات السياسية - الممثلون السياسيون ومن يتصل بهم:
وهذه الامتيازات تجعل الممثل السياسي غير خاضع لسلطان الدولة التي توفد إليها إذ هو يمثل دولة أجنبية مستقلة ويجب أن يكون بمأمن من سلطة الدولة التي يقيم فيها حتى يتمكن من القيام بمهمته على الوجه الأكمل لا سيما وأن مهمته كبيرة دقيقة فهو يوثق العلاقات بين دولته والدولة المقيم لديها ويقوم بالمفاوضات اللازمة بينهما ويراقب سير الأحوال في الدولة التي يقيم فيها ويخطر دولته بما يهم منها ثم هو يحمي رعايا دولته ويشرف على أمورهم وبعبارة أخرى يمكن تلخيص مهمة الممثل السياسي في ثلاث كلمات وهي المفاوضة والمراقبة والحماية ولا يمكنه القيام بكل ذلك إذا كان مهددًا بأعمال السلطة التي يمكن أن تتخذها الدولة بناءً على سيادتها الإقليمية، لذلك كانت هذه الامتيازات متعلقة بالقائمين بأعمال التمثيل السياسي والأشخاص المتصلين بهم فهي تحمي رئيس الهيئة التمثيلية وزوجته وأفراد عائلتيه الذين يقيمون في دار السفارة دون أن يكون لهم عملاً آخر، وتحمي أيضًا رجال الحاشية الرسمية للمثل السياسي كمستشاري السفارة وسكرتيريها وقد جرى العرف من باب المجاملة على مد نطاق هذه الامتيازات إلى الحاشية الغير رسمية كالخدم والتابعين الخصوصيين، وذلك بشرط أن لا يكون من رعايا الدولة صاحبة الإقليم - إلا أنه يجوز للمثل السياسي أن يتنازل عن الحماية التي يتمتع بها أفراد حاشيته الغير رسمية ويتركه للقضاء المحلي إذا ارتكب جريمة تستدعي العقاب - أما امتيازات الممثل السياسي ذاته فلا يكفي في رأي كثير من الشراح أن يتنازل هو عنها إلا إذا كان قد فعل ذلك بأمر حكومته أو قبلت حكومته هذا التنازل ويسري هاذ الشرط على أفراد عائلة الممثل الذين يتمتعون معه بالامتيازات وقد حدث في سنة 1906 أن اتهم ابن القائم بأعمال سفارة شيلي في بروكسل المدعو كارلوس وادنجتون بارتكاب جريمة قتل ورضي المتهم ووالده باختصاص القضاء المحلي فلم تكتفِ حكومة بروكسل وانتظرت ورود قبول من حكومة شيلي، وقد قبلت فعلاً هذه الحكومة إجراء المحاكمة في بلجيكا فقدم المتهم لمحكمة جنايات بريان البلجيكية وقضت هذه المحكمة ببراءته، ولتعلق هذه الامتيازات أصلاً بالممثلين السياسيين أطلق عليها تعبير الامتيازات السياسية.
رؤساء الدول:
إلا أنها ليست قاصرة على الممثلين السياسيين وحدهم بل يتمتع بها أيضًا رؤساء الدول كالملوك ورؤساء الجمهوريات الذين يمرون بأرض دولة غير دولتهم أثناء توليهم الحكم لأن الملك أو رئيس الجمهورية هو الممثل الأعلى لدولته بل هو رمزها ويجب أن يتمتع بهذه الامتيازات احترامًا لسيادة دولته ولا تقتصر الحماية على شخصه بل تمتد إلى أفراد عائلته الذين يصحبونه وكذلك رجال حاشيته إذ لا يخضعون جميعًا لسلطة الدولة التي يمرون بأرضها - وإنما تسقط هذه الامتيازات عن رئيس الدولة إذا وجد في إقليم دولة أخرى ممنوع من الإقامة فيها أو أقام في إقليم دولة مشتبكة في حرب مع دولته ويرى فريق من الكتاب إن الامتيازات تسقط عنه إذا كان مسافرًا بحالة تنكر ineognito على أنه يستطيع في الواقع أن يظهر شخصيته ليحتمي بالامتيازات [(12)]، ويتمتع بالامتيازات السياسية أيضًا طبقات أخرى من الأشخاص الذين يقومون بأعمال تعتبر في حكم تمثيل الدول فيتمتع بها أعضاء لجنة التعويضات التي أنشئت طبقًا لمعاهدة فرساي (المادة (333) وما يليها) لتحديد الأضرار التي يجب دفع تعويض عنها من الدول المهزومة وأعضاء بعض لجان الدول الأخرى كلجنة نهر الدانوب التي تشرف على الملاحة فيه ويتمتع بها ممثلو الدول لدى عصبة الأمم وممثلو العصبة ذاتها وأعضاء محكمة العدل الدولية التي أنشئت طبقًا لعهد عصبة الأمم وأعضاء محكمة التحكيم التي أنشئت طبقًا لقرارات مؤتمر السلام الدولي الذي عقد في الهاي سنة 1907، ويتمتع بها أيضًا ممثلو البابا إذ يعتبر أن للبابا شخصية دولية تشبه شخصية الدول المستقلة وإنما من نوع شاذ إذ ليس له إقليم أو رعية.
مدى سريان الامتيازات:
ويبدأ سريان الامتيازات بالنسبة للممثل السياسي من الوجهة القانونية من وقت تقديم أوراق اعتماده وتنتهي بانتهاء وظيفته إذ هذه هي الفترة التي يقوم فيها الممثل السياسي بالمهمة التي وضعت الامتيازات من أجلها، ولكن قضت المجاملات بمد أثر الامتيازات وجعلها سارية من يوم وصول الممثل السياسي لمحل وظيفته إلى اليوم الذي يغادره فيه، وإنما يستثني كثير من الكتاب الممثلون الذين يكونون من جنسية الدولة التي يوجد بها مقر التمثيل السياسي فالوطني الذي تكلفه دولة أخرى بتمثيلها في بلاده لا يعتبر بذلك خارجًا عن اختصاص السيادة الإقليمية لدولته وقد نصت بعض الدول على ذلك في قوانينها فقضى بذلك مثلاً القانون الألماني الخاص بالترتيب القضائي (المادة الثامنة عشرة)، ويستند أصحاب هذا الرأي على أن الوظيفة لا تكفي وحدها لإخراج الشخص من سيادة الدولة التي يدين لها بالرعوية وإذا قيل بإخراجه منها فهناك صعوبات أخرى تحول دون إدخاله تحت سيادة الدولة التي يمثلها، وبذلك لا يكون خاضعًا لسيادة أي دولة وفضلاً عن ذلك فيقولون إن الدولة التي تعين سفيرًا لها من رعايا الدولة التي توجد بها دار السفارة تقبل بذلك إخراجه من دائرة الامتيازات السياسية ومع أن هذا الرأي هو الرأي الراجح إلا أنه غير متفق عليه إذ يقول آخرون بأن الممثل السياسي يخرج عن سلطة السيادة الإقليمية للدولة ولو كان من رعاياها ويستند أصحاب هذا الرأي على أن الامتيازات السياسية متعلقة بالوظيفة وعلى أن الدولة التي تقبل بدون تحفظ أن يكون أحد رعاياها سفيرًا لدولة أجنبية إنما تتنازل بذلك ضمنًا عن حقوق سيادتها عليه متى كانت تتناقض مع الامتيازات السياسية [(13)].
ولا تسري الامتيازات السياسية إلا في الدولة التي يباشر فيها الممثل السياسي وظيفته، فلا يتمتع بها في إقليم دولة أخرى ولو كان مارًا به في طريقه إلى مقر عمله وذلك لأن هذه الامتيازات إنما تقررت على سبيل الاستثناء فلا يجب التوسع فيها كما يجب أن لا تتعدى الحكمة التي وضعت من أجلها وهي تمكين الممثل السياسي من القيام بمهام وظيفته بعيدًا عن أي مؤثر في الدولة التي يعمل فيها وبما أن وظيفته قاصرة على الدولة التي يعتمد فيها فيجب أن تكون الامتيازات التي يتمتع بها قاصرة على إقليم هذه الدولة على أن بعض الكتاب يقولون بعكس ذلك ويقولون إن القبض على ممثل سياسي أثناء وجوده في إقليم دولة غير الدولة المعتمد لديها أو حرمانه من الامتيازات السياسية يمس بسيادة الدولة التي يمثلها وأن الدولة التي تقبل مروره في إقليمها تعترف ضمنًا بصفته وبذلك يجب عليها احترامه ولكن في هذا الرأي مغالاة في صفة التمثيل السياسي إذ هذه الصفة لا توجد في الحقيقة إلا في الإقليم الذي يعتمد فيه الممثل والذي أوفد له خصيصًا أما في غير هذا الإقليم فهو لا يخرج عن كونه شخصًا عاديًا وشأن التمثيل السياسي في شأن الوظائف الأخرى التي لا ينتج أثرها إلا في الدائرة المعينة لها - وهناك من الكتاب من يقول بأن الممثل السياسي تكون له حرمة في الأقاليم الأخرى التي يمر بها وإنما لا يعفي من قضائها المحلي إذا أتى عملاً يختص هذا القضاء بنظره [(14)] كما إذا ارتبط بدين في تلك الأقاليم أو ارتكب فيها جريمة - على أنه لا يوجد في الواقع ما يدعو للتفرقة بين حرمة الممثل السياسي وبين إعفائه من القضاء المحلي إذ كلاهما من الامتيازات السياسية فإذا قيل بأن الممثل يحتفظ بصفته السياسية حتى في البلاد التي لم يعتمد فيها فلا بد من منحه كل الامتيازات السياسية دون تمييز أما القول بأنه يتمتع بالحرية التي للسفراء ولكن يخضع للقضاء المحلي ففيه تناقض وكان أولى بالكتاب الذين يأخذون بهذا القول أن ينضموا للقائلين بحرمان الممثل من الامتيازات عند وجوده في بلاد ليس معتمدًا فيها.
بيان الامتيازات السياسية:
والآن وقد عرفنا الأشخاص الذين يتمتعون بالامتيازات السياسة ومعناها ننتقل إلى بيان هذه الامتيازات خصوصًا ما كان منها متعلقًا بسلطة الدولة في المسائل الجنائية - فهذه الامتيازات يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - الحرمة الشخصية وحرمة المسكن.
2 - الإعفاء من القضاء المحلي.
3 - الإعفاء من الضرائب.
أولاً: الحرمة:
يتمتع الممثل بحرمة لشخصه ولمسكنه فالحرمة الشخصية تجعل ذات الممثل السياسي مصانة كما تجعل الحكومة المعتمد لديها مكلفة بحمايته من كل اعتداء وإذا وقع عليه أي تعدٍ وجب عليها أن تتخذ الإجراءات اللازمة للقبض على المعتدي وتقديمه للمحاكمة - وقد وضع في كثير من القوانين نصوص خاصة تقضي بعقاب من يعتدي على الممثلين السياسيين أو يقذف في حقهم ومن ذلك قانون العقوبات الأهلي إذ نص في المادة (161) على عقاب من يعتدي بسبب وكلاء الدول السياسيين والقناصل والافتراء عليهم بسبب يتعلق بوظائفهم، وذلك بإحدى طرق العلنية المنصوص عنها في باب الجنح والجنايات التي تقع بواسطة الصحف وإنما يشترط لحماية الممثل السياسي أن لا يتسبب بخطئه أو بعمله في حصول الاعتداء عليه كأن يشترك في نزاع أو ثورة أو يعتدي على أشخاص فيضطرهم إلى مقابلة عمله بمثله، وكذلك يشترط أن تكون العلاقات السياسية قائمة ومنتظمة بين دولته وبين الدولة التي يقيم فيها أو تكون هذه الدولة معترفة قانونًا بدولته وبصفته السياسية فإذا لم يكن هناك علاقات سياسية فلا توجد تلك الحرمة الخاصة وقد أثيرت هذه المسألة في بعض الدول الأوروبية فحدث في سنة 1921 إن اعتدى إيطالي بالقذف والتهديد على أحد أعضاء بعثة روسية اقتصادية في إيطاليا وبالرغم من أن حكومة إيطاليا كانت قد عقدت اتفاقًا مع حكومة السوفيت الروسية تقرر بمقتضاه تمتع أعضاء هذه البعثة بالامتيازات السياسية فإن محكمة الجنح في روما قضت بتاريخ 20 مايو سنة 1921 بأن هذه الجريمة تعتبر أنها ارتكبت ضد شخص عادي وليس ضد ممثل سياسي لأن إيطاليا لم تعترف بعد قانونًا بجمهورية السوفيت ولم تنشأ بينهما علاقات سياسية [(15)]، وكذلك وقع في سنة 1923 أن قتل المندوب الذي أرسلته حكومة السوفيت أثناء انعقاد مؤتمر لوزان فاحتجت الحكومة السوفيتية على ذلك باعتبار أن الحكومة السويسرية قصرت في واجبها نحو حماية الممثل الروسي، ولكن حكومة سويسرا أجابت بأنها لم تقصر مطلقًا إذ لم تكن تعلم بوجود ممثل رسمي للسوفيت حتى تتكفل بحمايته.
المسكن - إيواء المجرمين:
ولمسكن الممثل السياسي حرمة أيضًا فلا يجوز لرجال السلطة في الدولة أن يدخلوه بدون تصريح منه ولا أن يجروا فيه أي عمل رسمي كتحقيق أو تفتيش أو إعلان وقد كانت هذه الحرمة مقررة قديمًا لكل الحي الذي توجد فيه دار السفارة وفعلاً يوجد مثل هذا النص في بروتوكول بكين الصادر في سنة 1901 بالنسبة لحي السفارات في تلك المدينة - ولكن لا يحق للممثل السياسي بناءً على هذه الحرمة أن يحمي المجرمين أو يسمح بإيوائهم في دار السفارة فالمجرمون الذين يحتمون بهذه الدار يجب تسليمهم للسلطات المحلية التي تطلبهم سواء أكانوا من المجرمين السياسيين أو من المجرمين العاديين - ولا يعد هذا من نوع التسليم الذي ذكرناه آنفًا لأن دار السفارة لا تخرج عن كونها جزءًا من إقليم الدولة التي توجد بها [(16)] - ولذلك إذا أصر السفير على عدم تسليم مجرم احتمى بدار سفارته لرجال الدولة صاحبة السيادة الإقليمية كان لوزير خارجية هذه الدولة أن يطلب من حكومة السفير إصدار أمرها بتسليم المجرم فإذا امتنعت هي الأخرى كان لرجال السلطة المحلية أن يدخلوا عنوة في دار السفارة ويقبضوا على المجرم وللسلطة المحلية أن تحيط برجالها دار السفارة في أثناء هذه المفاوضات حتى تأمن هروب المجرم وقد حصل ذلك في الحادثة التي أشير إليها آنفًا وهي حادثة القتل التي ارتكبها نجل القائم بأعمال سفارة شيلي في بروكسل إذ حاصر رجال الدولة البلجيكية دار السفارة حتى انتهت المفاوضات بقبول حكومة شيلي بأن تتنازل عن الامتيازات بالنسبة للمتهم وتسليمه للسلطة المحلية - وفي الواقع لا يوجد من الوجهة القانونية ما يبرر إيواء مجرم بدار سفارة إذ لا يجوز للسفير أو الممثل السياسي أن ينتزع شخصًا من يد العدالة مستندًا في ذلك على حرمة مسكنه لأن هذه الحرمة استثنائية ولا توجد إلا بالقدر اللازم لتمكين الممثل السياسي من أداء وظيفته ولا يدخل في هذه الوظيفة مساعدة مجرم على الإفلات من العقاب الذي يجب على الدولة المختصة أن توقعه عليه جزاء ما قدمت يداه لا سيما وأن ذلك من الأمور الداخلية التي يجب أن لا يتداخل السفير الأجنبي فيها حتى لا يشجع المجرمين أو يساعد على انتشار الفوضى - على أنه أصبح من المسلم به الآن من الدول الأوروبية أن ليس للممثلين السياسيين حق إيواء المجرمين في دور السفارات، وذلك بدون تمييز بين المجرمين العاديين والمجرمين السياسيين [(17)]، ولكن هذا الحق لا يزال موجودًا للسفراء في أمريكا الجنوبية بالنسبة للمجرمين السياسيين، وذلك بسبب القلاقل والثورات المتعددة بل قد نظم هذا الحق في المعاهدة التي عقدت بشأن القانون الجنائي الدولي في مونتفيديو بتاريخ 23 يناير سنة 1889 بين الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وشيلي وبراجواي وبيرو وأراجواي وقد نص في المادة السابعة عشرة منها على احترام إيواء اللاجئين السياسيين في دور السفارات إنما يجب على رئيس السفارة أن يخطر الحكومة المعتمد لديها بكل حالة ولهذه الحكومة أن تطلب إخراج اللاجئ من الإقليم الوطني في أقرب وقت مع إعطائه كل الضمانات للمحافظة على حرمة شخصه، أما المجرم العادي الذي يلجأ لدار سفارة فقد قضت هذه المادة أيضًا بوجوب تسليمه للسلطات المحلية في الدولة الإقليمية إما فورًا أو بناءً على طلب وزير الخارجية فيها ولا تقضي حرمة المسكن بإعطاء السفير الحق في حبس أفراد داخل دار سفارته دون أن يكون للسلطة المحلية أن تتداخل لمنع ذلك لأن دار السفارة ليست جزءًا من إقليم الدولة التي يمثلها السفير كما سبق القول وقد حدث في سنة 1896 أن صينيًا يدعى سون بتن اتهم بالاشتراك في مؤامرة ضد ولي عهد كانتون وهرب إلى لوندرة فحدث أنه كان مارًا أمام السفارة الصينية في العاصمة الإنجليزية فقبض عليه بعض خدمها وأدخلوه فيها بالقوة وحبس هناك فتداخلت الحكومة البريطانية في الأمر وأخذت تراقب دار السفارة برجال من البوليس الإنجليزي وطلبت إطلاق سراح الصيني وانتهى الأمر فعلاً بإطلاق سراحه وكان تداخل الحكومة الإنجليزية في هذه الحالة تقصد به وضع حد للجريمة التي ارتكبها رجال السفارة بحبسهم ذلك الصيني بدون وجه حق على أرض الدولة الإنجليزية ولكن السلطة القضائية لم تتدخل في هذا الموضوع [(18)].
وليس للسفير أو الممثل السياسي اختصاص قضائي juridiction contentieuse على رجال سفارته فلا يمكنه أن يفصل في قضاياهم أو يحاكمهم أو يقضي عليهم بعقوبات مدنية ولكن نجد في بعض العصور السابقة أمثلة غريبة تدل على أن السفير كان يستعمل أحيانًا بعض حقوق السلطة القضائية والتنفيذية على موظفي سفارته فقد روي أن سفيرًا إسبانيًا في فينسيا شنق أحد خدمه على شباك دار السفارة - ولكن اتفق أكثر الشراح وجرى العمل على أن يكون للسفير إجراء بعض أعمال السلطة الولائية guridiction gracieuse كقبول الوصايا وكتحرير شهادات ميلاد أو وفاة والتصديق على العقود وغير ذلك.
ولا يفوتنا أن نقول إن لمراسلات الممثل السياسي مع دولته حرمة فهو حر في إرسال ما يشاء لدولته دون أن تمس مراسلاته أو تفضي سريتها، وكذلك لا تنتهك حرمة محفوظات السفارة ومسجلاتها بل يجب احترامها حتى في حالة قيام حرب بين الدولتين.
ثانيًا: الإعفاء من القضاء المحلي - القضاء المدني:
تقضي الامتيازات التي يتمتع بها الممثلون السياسيون بإعفائهم من القضاء المحلي ما دام معترفًا بدولتهم قانونًا [(19)] فلا يخضعون للقضاء المدني في البلاد التي يؤدون فيها وظائفهم فمثلاً إذا استدانوا فيها لا يمكن لدائنيهم أن يقاضوهم أمام المحاكم المحلية ولكن لا يفيد ذلك أن يفقد الدائن حقه بل له أن يقاضي الممثل السياسي في محاكم دولته إذ يعتبر أن محله القانوني Domécile legal لا يزال هناك كما أن له أن يلجأ لوزير الخارجية ليتخذ ما يراه من الوسائل السياسية حتى يدفع الممثل ديونه.
القضاء الجنائي:
وكذلك يعفى الممثل السياسي من القضاء الجنائي فلا يمكن اتخاذ إجراءات جنائية ضده أثناء قيامه بوظيفته ولو كانت خاصة بأعمال ارتكبها قبل تعيينه فيها وكذلك لا يمكن اتخاذ هذه الإجراءات بعد انتهاء وظيفته إذا كانت متعلقة بأعمال ارتكبت إبان تأديته لهذه الوظيفة ولكن لا يعني هذا الإعفاء أنه يفلت من العقاب إذ يمكن للحكومة المحلية التي ارتكب الممثل جريمته في أرضها أن تطلب من حكومته محاكمته لدى سلطتها المختصة وتوقيع الجزاء عليه ولا ترفض الدولة إجراء ذلك وإلا اعتبرت شريكة للممثل المجرم على أن للدولة أن تتخذ الإجراءات الشديدة لمنع الممثل السياسي المقيم على أرضها من الاستمرار في ارتكاب جرائم تخل بنظامها أو تمس الأمن فيها خصوصًا ما كان من نوع خطير كالمؤامرات وتدبير الفتن إذ يجوز لها في هذه الحالة أن تحاصر دار السفارة برجال البوليس وأن تراقبها مراقبة دقيقة كما يمكنها أن ترسل الممثل بحراس حوله إلى الحدود وتطلب من دولته معاقبته - وقلما يحدث أن يرتكب الممثلون السياسيون جرائم تدعو لمثل هذه الإجراءات ولكن حصل أثناء الحرب العظمى أن وقع من بعض الممثلين السياسيين في البلاد المحلية أعمالاً مخالفة للقانون فحدث في سنة 1915 أن البرنس دي روس سفير ألمانيا في طهران أخذ يجمع في إيران عصابات مسلحة لمحاربة الروسيين ودبر سفير النمسا في واشنطن قبل دخول أمريكا في الحرب بعض اعتصابات أراد بها منع صنع الأسلحة في المصانع الأمريكية وقام سفراء ألمانيا والنمسا وبلغاريا لدى الحكومة اليونانية ببعض أعمال التجسس ولكن انتهى الأمر في كل هذه الحالات بإخراج السفراء الذين ارتكبوا هذه الأفعال.
ولكن لا تتخذ هذه الإجراءات الشديدة إذا كانت الجريمة التي ارتكبها الممثل السياسي قليلة الأهمية إذ يكفي في هذه الحالة أن تنبهه الحكومة المحلية بصفة سرية أو تخابر حكومته بصفة خاصة ومن القواعد المسلم بها أنه يجب على الممثل السياسي أن يحترم تشريع البلد الذي يقيم فيه وأن يتبع أحكام لوائح البوليس والصحة وغيرها من الأنظمة الإدارية التي تضعها السلطة المحلية وإنما لا يمكن استعمال طرق إكراه ضده إلا إذا دعت إلى ذلك الضرورة كضبط ممثل سياسي أثناء تلبسه بجريمة معاقب عليها، وذلك لحمايته وحماية الجمهور إنما يجب الاقتصار في هذه الحالة على الضبط فلا تتخذ أية إجراءات جنائية بعد ذلك ضد الممثل كالتحقيق أو المحاكمة.
تأدية الشهادة:
وكذلك تقضي امتياز الإعفاء من القضاء المحلي بعدم إعلان الممثل السياسي لأداء الشهادة أمام السلطة المحلية ولا يمكن أن يكره على أداء شهادته ولكن يمكن أن يطلب منه إرسال شهادته كتابةً، ولا يجوز أن يطلب للحضور أمام المحقق في مكتبه بل على المحقق أن يذهب بنفسه لدار السفارة لأخذ المعلومات التي يريدها إذا وافق الممثل السياسي على ذلك [(20)].
وفي الواقع لا يحجم الممثلون السياسيون عن إنارة رجال التحقيق والسماح لهم بدخول دور السفارات لأخذ المعلومات التي يمكن أن ترشدهم للوصول إلى الحقيقة ما دام إبداء هذه المعلومات لا يضر بالمصالح الموكولة للممثلين أو يمس سر مهنتهم - إلا أن ذلك متروك لتقديرهم فلهم أن يمتنعوا عن مساعدة رجال السلطة المحلية ورفض إبداء أي معلومات وقد تشدد سفير إيطاليا في إنجلترا في سنة 1916 فمنع البوليس الإنجليزي من تحقيق حادثة موت السكرتير الأول للسفارة الإيطالية بعيار ناري في حجرته محتجًا في ذلك بإعفاء الممثلين السياسيين من القضاء المحلي.
ثالثًا: الإعفاء من الضرائب:
لا نُطيل كثيرًا في هذه النقطة إذ هي خارجة عن موضوع بحثنا في سلطة الدولة في المسائل الجنائية، ولكن نذكر عنها كلمة تكملة لبحث الامتيازات السياسية - إذ تقضي هذه الامتيازات بإعفاء الممثلين السياسيين من الضرائب الشخصية والمقررة وإنما لا يسري هذا الإعفاء على ما يمتلكه الممثل بصفة خاصة من عقارات في البلاد التي يقوم بأعماله الرسمية أما العقار الذي تملكه حكومته ليكون دارًا لسفارتها فيعفى من الضريبة - وقد جرى العرف من باب المجاملة على إعفاء لممثلين السياسيين أيضًا من رسوم الجمارك.

2 - خروج القوى الحربية الأجنبية من دائرة اختصاص السلطة المحلية

مقارنةً بالامتيازات السياسية:
وهناك استثناء ثانٍ من السيادة الإقليمية أو من اختصاص السلطة المحلية وهو استثناء القوى الحربية لدولة أجنبية كالجيوش والسفن الحربية وليس الغرض من هذا الاستثناء ضمان مركز أشخاص معينين وتمكينهم من تأدية وظائفهم باطمئنان واستقلال كما هو الحال في الامتيازات السياسية، وإنما الغرض منه تمكين الدولة الأجنبية مباشرةً من القيام ببعض وظائفها العامة إذ متى سمحت دولة الجيش أجنبي أو لسفينة حربية تابعة لدولة أجنبية بالدخول في إقليمها فقد قبلت بمقتضى ذلك أن تباشر تلك الدولة الأجنبية على الإقليم المذكور شيئًا من سلطتها العامة بالنسبة للجيش أو السفينة، ولا يجوز للدولة الإقليمية بعد ذلك أن تعطل استعمال هذه السلطة أو تشترك في مباشرتها فخروج القوى الحربية الأجنبية من سلطة الدولة الإقليمية إنما أريد به تمكين الدولة التي تتبعها هذه القوى من الانفراد بالسلطة بشكل فعالٍ على قواتها المسلحة التي تعتمد عليها في الدفاع عن كيانها.
وهذه القوى الحربية لا تدخل في إقليم أجنبي إلا برضاء الدولة صاحبة السيادة على الإقليم وهي إما أن تكون جيوشًا أو سفنًا حربية أو طائرات حربية وقد تحدد حقوقها وواجباتها أثناء إقامتها بذلك الإقليم بمقتضى اتفاقات خاصة على أن قواعد القانون الدولي تقرر لها مركزًا خاصًا ولو لم يوجد اتفاق بشأنها.
الجيوش:
فالجيش الأجنبي الذي يقيم أثناء السلم [(21)] في إقليم دولة أجنبية برضائها يعتبر خارجًا عن اختصاصها الجنائي طالما توفر فيه النظام العسكري وكون أعضاؤه وحدة كاملة مرتبطة بروابط درجات الرئاسة العسكرية فإذا وقع من أحد أفراده جريمة فليس لرجال السلطة المحلية أن يقوموا ضده بإجراءات جنائية وإنما يشترط لذلك أن تكون الجريمة قد وقعت داخل المنطقة التي يوجد بها الجيش وأن لا يكون رجال الجيش قاموا بأعمال عدائية ضد الدولة التي يقيمون بإقليمها، وكذلك لا يمكن إعلان بعض أفراد الجيش الأجنبي وطلبهم أمام السلطة المحلية إلا إذا أذن قائد الجيش بذلك - كما أنه لا يمكن لرجال هذه السلطة أن تدخل ثكنات هذا الجيش أو المكان الذي يقيم فيه بدون إذن قائده - وتبقى لهذا القائد السلطة التي يخولها له قانون بلاده العسكري إذ تستمر أحكام هذا القانون سارية على أفراد الجيش أثناء إقامته بالإقليم الأجنبي تبعًا للقاعدة التي تقضي بأن القانون يتبع العلم La loi suit le drapeau.
على أن أفراد الجيش الأجنبي لا يعفون من الاختصاص المدني إذ لا توجد فيه الإجراءات الكيدية التي يمكن أن توجد في حالة الاختصاص الجنائي.
السفن الحربية الأجنبية:
ويتمتع أيضًا بالإعفاء من القضاء المحلي السفن الحربية التي للدول الأجنبية عند رسوها بموانئ الدولة أو مياهها الإقليمية في حالة السلم وللدولة أن ترفض السماح لهذه السفن بدخول موانئها ولكن متى قبلت دخولها فلا تستطيع أن تخضعها لاختصاصها لأن هذه السفن تمثل دولة أجنبية وتكون جزءًا من قوتها المسلحة ولكن يجب أن تتبع السفينة اللوائح الإدارية للدولة الساحلية كلوائح الجمارك والصحة ولا تقوم بعمل عدائي ضد هذه الدولة.
ويقضي إعفاء هذه السفن من الاختصاص الوطني أن رجال السلطة المحلية لا يستطيعون دخول السفينة بدون إذن قائدها فإذا لجأ مجرم لسفينة حربية فليس لهم أن يتبعوه إلى داخلها وإنما يطلبون من القائد إخراجه وإعطائه لهم ولا يعد ذلك من قبيل تسليم المجرمين الذي تكلمنا عنه آنفًا ولكن جرى العمل على قبول إيواء المجرمين السياسيين في السفن الحربية وعدم تسليمهم إلى السلطة المحلية إذا كانت دواعي الإنسانية تقضي بذلك.
وكذلك تعفى السفينة الحربية من الاختصاص المدني المحلي فلا يمكن توقيع الحجز عليها ولا مقاضاة رجالها أمام المحكمة المدنية عن أمور متعلقة بأعمالهم الرسمية وقد قضت محكمة الاستئناف بسنتياجو في شيلي بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1907 بأن السفينة الحربية الأجنبية لا تخضع للقضاء الوطني وبذلك تكون المحاكم المحلية غير مختصة بنظر الدعاوى التي ترفع من التجار للمطالبة بأثمان أغذية قدموها لرجال السفينة ولم يدفع ثمنها.
وليس لرجال السلطة المحلية أن تتخذ إجراءات جنائية بشأن جريمة وقعت على سطح السفينة الحربية الأجنبية إذ يعتبر ذلك من اختصاص الدولة التي تمتلك السفينة، وكذلك لا يخضع رجالها للقضاء الجنائي إذا كانوا خارج السفينة بشرط أن يكونوا سائرين تحت قيادة رئيس ويؤدون خدمة أمروا بها إذ يعتبرون في هذه الحالة كأفراد الجيوش التي سبق الكلام عليها ولا يخضعون إلا لقضاء دولتهم أما إذا وجد بعض أفراد منفصلين من رجال السفينة أو غير قائمين بخدمة مكلفين بها فإنهم لا يتمتعون بأي امتياز شأنهم في ذلك شأن أفراد الجيش المنفصلين عنه.
السفن التجارية:
أما السفن التجارية الراسية في مياه الدولة فيقضي الرأي الراجح بعدم إعفائها من الاختصاص المحلي إذ تعتبر كالأشياء المنقولة التي تملكها الأجانب في إقليم الدولة وإنما يقول بعض الكتاب بأن مسائل النظام الداخلي البحت للسفينة تخرج من دائرة الاختصاص المحلي وتخضع لسلطة الربان.
الطائرات الحربية:
وتسري القواعد الخاصة بالسفن الحربية على الطائرات الحربية للدولة الأجنبية فإذا سمحت دولة بدخول طائرة حربية لدولة أخرى في إقليمها الجوي فإن ذلك يقتضي عدم خضوع هذه الطائرة للسلطة المحلية إذ هي ممثلة للدولة التي تحمل علمها وإنما يجب عليها أن تتبع القوانين واللوائح الداخلية التي وضعت لضمان أمن الملاحة الجوية أو صيانة المصالح الحربية أو الصحية أو المالية للدولة الإقليمية إذ في ذلك احترام لحقوق الغير، ويجب على كل دولة أن تحترم حقوق غيرها من الدول، وبذلك يجب على الطائرات الأجنبية أن تمتنع عن الاقتراب من الحصون أو الأماكن الخاصة الممنوع المرور فوقها كما يجب أن تمتنع عن كل عمل عدائي ضد الدولة التي تطير فوق إقليمها فإن خالفت ذلك كان للدولة الإقليمية أن تخابر الدولة المالكة للطائرة وتطالبها بتعويضات عما حدث.
ولا تخضع الطائرات الحربية الأجنبية ورجالها للقضاء المحلي فلا يمكن لعمال السلطة المحلية أن يدخلوها بدون إذن أو يجروا فيها عملاً من الأعمال الرسمية كما أن الجرائم التي ترتكب على سطحها لا تدخل في اختصاص السلطة الجنائية المحلية وإنما تختص بنظرها سلطة الدولة المالكة للطائرة وكذلك لا تخضع لطائرات الحربية للقضاء المدني ولا يمكن الحجز عليها.
وقد نصت على هذه الامتيازات المعاهدة الدولية التي عقدت في 13 أكتوبر سنة 1919 بشأن الملاحة الجوية، وإنما لا تتمتع بها إلا الطائرات الحربية المملوكة لدولة أجنبية أما الطائرات الخصوصية أو المملوكة للدولة دون أن تكون حربية فلا تتمتع بهذه الامتيازات.

3 - الأجانب المتمتعون بالامتيازات

بقي هناك استثناء ثالث من اختصاص السلطة الإقليمية وإنما ليس عامًا كالاستثناءات التي سبق ذكرها بل هو استثناء قاصر على بعض البلاد الشرقية بل يكاد الآن يكون قاصرًا على القطر المصري، وهو استثناء الأجانب المتمتعين بالامتيازات من السلطة المحلية وقد كانت هذه الامتيازات قبلاً عبارة عن منح أعطيت في البلاد العثمانية وبعض البلاد الشرقية للأجانب حتى لا تنطبق عليهم قواعد هذه البلاد فالدولة العثمانية عندما منحت هذه الامتيازات لرعايا بعض الدول الأجنبية لم تكن ضعيفة تخشى بأس الأجانب أو دولهم بل كانت قد بلغت ذرا مجدها وكان في هذه الامتيازات فوائد عديدة لرعايا الدول الأجنبية إذ بدونها كان يعامل الأجنبي طبقًا لقواعد الشريعة الإسلامية باعتبار أنه مستأمن والمستأمن لا يكون حرًا في أعماله إلا لمدد معينة ثم تطبق عليه بعد ذلك أحكام الشريعة كما أنه كان يدفع جزية للحكومة وقد يجبر على سلوك مخصوص فألغت الامتيازات هذه القيود وأعطت للأجانب الحق في دخول الأراضي العثمانية والسكني بها ومباشرة التجارة بدون أي قيد والتمتع بحرية الأديان وحرمة المسكن وتطبيق قوانينهم الشخصية في التوارث وإعفائهم من القضاء المحلي وغير ذلك، وكذلك كان الحال في القطر المصري إذ وجد ساكن الجنان محمد علي باشا أن يشجع الأجانب على الحضور لبلاده حتى تستفيد من متاجرهم وعلومهم وفنونهم بعد أن كانوا ولوا وجههم عنها أيام المماليك بسبب ما كانوا يلاقونه من عسف وجور لذلك فتح لهم أبواب البلاد ورفع عنهم القيود التي كانت تفرض عليهم قبل ذلك وكان ينصفهم إذا أصابهم حيف بل كان يعطي أوامر لموظفيه ومرؤوسيه لمساعدتهم وتوفير سبل الراحة لهم وكانت تسلم بعض هذه الأوامر للأجانب أنفسهم ليقدموها لحكام البلاد حتى يعاملوا معاملة خاصة [(22)]، وقد أريد بذلك تمكين الأجانب من الإقامة في البلاد باطمئنان.
وقد توسعت مصر في الحقوق التي منحتها للأجانب أكثر من الدولة العثمانية ففي الوقت الذي كان فيه اختصاص القناصل في تركيا قاصرًا على ما يقع من الجرائم بين الأجانب التابعين لدولة واحدة كان اختصاصهم في مصر واسعًا يشمل كل الجرائم التي يرتكبها الأجانب ولو كانت ضد وطنيين ثم تأيد ذلك بلائحة وضعت في سنة 1857 تقرر فيها إعفاء الأجنبي الذي يرتكب جريمة من القضاء المحلي إلا إذا كان غير تابع لإحدى القنصليات وفي غير هذه الحالة تبلغ الجريمة للقنصل
التابع له المتهم وهو الذي يتولى محاكمته وقد قضى التوسع في تطبيق الامتيازات في مصر بتفسير معنى السكن الذي يتمتع فيه الأجنبي بحرمة خاصة تفسيرًا واسعًا فلم يقتصر على المنزل وملحقاته الملاصقة كما كان الحال في تركيا بل شمل أيضًا كل مكان يستعمله الأجنبي في تجارة أو صناعة أو عمل أو مهنة إذ ما دام المكان يستعمله أجنبي فإن له حرمة خاصة تمنع رجال السلطة المحلية من دخوله بدون مندوب القنصلية التي يتبعها الأجنبي إلا في أحوال استثنائية كحصول استغاثة أو تلبس بالجناية.
وكذلك كان الحال في الدعاوى المدنية أيضًا إذ كانت ترفع في مصر للقنصل الذي كان الخصم تابعًا له مهما كان نوعها بخلاف الحال في الدولة العثمانية إذ كانت الدعاوى العقارية تنظر أمام المحاكم العثمانية وقضت الامتيازات التي منحتها تركية سنة 1675 أن القضايا التي تزيد قيمتها عن 4000 آسير - (والآسير عملة فضية تساوي ثلاثة سنتيمات) تنظر أمام القاضي الوطني بحضور ترجمان القنصلية أما القضايا التي تتجاوز هذه القيمة فتنظر أمام الباب العالي فقط ولما كانت مصر بعيدة عن الباب العالي اعتاد الناس على رفع قضاياهم أمام القنصل في القضايا الكبيرة، وكذلك اعتادوا رفعها أمامه في القضايا الصغيرة لكي يصلوا إلى حقهم بسرعة ويضمنوا مساعدة القنصل في التنفيذ.
وهكذا أخذت حقوق الأجانب تزيد في مصر عما كانت عليه في تركيا فأعطى لهم حق امتلاك العقارات في القطر المصري في الوقت الذي كان محظورًا عليهم امتلاكها في البلاد العثمانية إذ لم ينشأ لهم هذا الحق في تركيا إلا بقانون صدر في يونية سنة 1867 بناءً على الخط الهمايوني الصادر في 18 فبراير سنة 1856 الذي أجاز فيه السلطان تملك الأجانب للعقارات أما في مصر فقد أعطى لهم هذا الحق قبل صدور الخط الهمايوني بمدة فكان المغفور له محمد علي باشا يسمح لهم بامتلاك العقارات بل كان يهبهم بعض الأراضي أسوة بالوطنيين (مثل أراضي الأبعادية وهي أراضٍ غير مزروعة كان يهبها لبعض أشخاص لزراعتها ويعفيهم من الضريبة المقررة عليها ثم أصبحت هذه الأراضي تورث عنهم بمقتضى أمر عالٍ صدر في سنة 1836) - ولما تولى المغفور له عباس الأول أمر القضاة بأن لا يعطوا حجة للأجنبي الذي يشتري أملاكًا عقارية في مصر ولكن لم يستمر هذا لأن المغفور له سعيد باشا أصدر أمرًا في مارس سنة 1858 أعلن فيه بيع الأراضي الخراجية التي تركها واضعوا اليد عليها وأباح للأجانب شراء هذه الأراضي (وكان هذا أيضًا قبل القانون التركي الصادر في يونية سنة 1867) بل هناك ما هو أكثر من ذلك إذ أن الأجانب كانوا يدفعون كل الضرائب العقارية في تركيا ولكنهم كانوا في مصر يمتنعون عن دفعها حتى اضطر نوبار باشا إلى مفاوضة الدول في ذلك ومما يدل على أهمية ما يدفعه الأجانب أنه لما تقرر في مؤتمر لندرة سنة 1885 عدم إعفائهم من دفع ضرائب الأملاك المبنية وصدر أمر عالٍ بذلك في سنة 1887 ارتفع دخل هذه الضريبة في تلك السنة من 45000 جنيه إلى 110000 جنيه ولا تزال توجد للآن ضرائب لا يدفعها الأجانب فكثيرين منهم يمتنعون عن دفع ضريبة الخفر التي يدفعها المصريون، وكذلك لا يمكن للحكومة فرض ضرائب جديدة عليهم إلا بعد مصادقة دولهم [(23)]، وقد حصل ذلك فعلاً عندما أرادت الحكومة المصرية زيادة عوائد الأملاك المبنية في سنة 1909 بمناسبة إنشاء المجاري في القاهرة إذ ورد في ديباجة القانون أنه صدر بعد مصادقة الدول وجاء في المادة الثانية منه أنه يجوز تعميم الزيادة في سائر المدن الأخرى التي تباشر فيها الحكومة إنشاء مجارٍ أو أعمال صحية مماثلة لها ويكون هذا التعميم بمقتضى أوامر مخصوصة تصدر بعد مصادقة الدول.
يتضح لنا من ذلك أن الامتيازات الأجنبية كانت عبارة عن منح للأجانب وكان كرم مصر في إعطائها واسعًا حاتميًا فنشأ من ذلك أن اعتبرتها الدول حقوقًا ثابتة لرعاياها بل هي لا تزال تطمع في ذلك الكرم المصري إذ اتفقت على إلغائها في أكثر البلاد دون القطر المصري فألغيت هذه الامتيازات في أكثر بلاد البلقان بعد سنة 1878 وكان آخر العهد بها في بلغاريا في سنة 1919 حيث قررت الدول في معاهدة الصلح التي عقدت مع بلغاريا (معاهدة نولى Neuilly) في المادة (175) أن تعقد اتفاقات مع بلغاريا لإلغاء الامتيازات نهائيًا وألغيت الامتيازات في الجزائر وتونس وطرابلس ومراكش وألغيت في اليابان بين سنتي 1894 و1900، وفي كوريا في سنة 1910 وألغيت في تركيا بمقتضى معاهدة لوزان التي عقدت في 24 يولية سنة 1923 وبدئ بإلغائها في سيام في سنتي 1925 و1926 مع وجود بعض قيود تقرر إزالتها عندما تضع سيام قوانينها الجنائية والمدنية وها هي الصين تكاد تصل الآن إلى إلغائها وفعلاً قد تنازلت لها بعض الدول عن امتيازاتهم من ذلك ألمانيا التي صرحت بهذا التنازل في 20 مايو سنة 1921 وروسيا التي عقدت اتفاقًا يتضمن ذلك مع الصين في 31 مايو سنة 1925، وكذلك أيدت أغلبية الدول بمناسبة الحركة القائمة في الصين الآن رأيها بأن الامتيازات أصبحت غير لازمة وغير متفقة مع المدنية الحاضرة وصرح بعض كبار الساسة بذلك كالمستر أوستن تشامبرلن والمستر لويد جورج وغيرهما - أما في مصر فلا تزال تلك الامتيازات العتيقة باقية وهي تقف عقبة دون كل إصلاح.
ولقد خف شيء من أثر الامتيازات بإنشاء المحاكم المختلطة بموافقة الدول المتمتعة بالامتيازات [(24)]، وبدأت أعمالها في فبراير سنة 1876 إذ جعلت مختصة بنظر القضايا المدنية التي ترفع بين أجانب مختلفة الجنسية أو بين أجانب ومصريين وتنظر بعض المسائل الجنائية وهي قضايا المخالفات التي تقع من الأجانب وكذلك أنواع معينة من الجنح والجنايات وهي ما يوجه ضد رجال القضاء المختلط أو يقع منهم بسبب تأدية وظائفهم أو أثناء تأديتها والجرائم التي ترتكب ضد تنفيذ أحكام المحاكم المختلطة وأضاف الأمر العالي الصادر في 26 مارس سنة 1900 على اختصاص المحاكم المختلطة جرائم التفاليس ومع ذلك فتقضي لائحة ترتيب المحاكم المختلطة في المادة (13) بضرورة إخبار قنصل الدولة التابع لها المدعى عليه بالدعوى المقامة عليه بالجناية أو الجنحة كما أنها تقضي بأن إجراءات التحقيق مع أحد الأجانب وإدارة المرافعات الشفوية قبيل الحكم تناط بأحد القضاة الأجانب سواء كانت الدعوى متعلقة بمادة من مواد المخالفات أو الجنايات أو الجنح وإذا لم يكن للمتهم بجناية أو جنحة مدافع عنه يعين له مدافع بمعرفة المحكمة عند استجوابه وإلا كان التحقيق لاغيًا وكذلك تنص المادة (16) من هذه اللائحة بأن المتهم المسجون تحت الشبهة يسلم إلى قنصل الدولة التابع لها عقب استجوابه في ظرف أربعة وعشرين ساعة على الأكثر من وقت ضبطه إلى أن يثبت وجود محلات لائقة للسجن بالقطر المصري - ما لم يأذن القنصل بحجزه في سجن الحكومة وتقضي المادة (20) أنه إذا اقتضى الحال في أثناء التحقيق الدخول في محل المتهم فيخبر بذلك قنصل الدولة التابع لها ويحرر محضر بهذا الإخبار تسلم صورته إلى القنصلية، وكذلك لا يسوغ الدخول ليلاً في محل بدون حضور القنصل أو مندوبه أو تصريح منه بالدخول في غيبته إلا في حالة مشاهدة الجاني حين تلبسه بالجناية أو في حالة الاستغاثة من داخل المحل.
هذه هي الجرائم التي تخص المحاكم المختلطة أما فيما عدا ذلك مما ترتكبه رعايا الدول المتمتعة بالامتيازات فخارج عن اختصاص المحاكم المصرية أهلية ومختلطة وعن نطاق القانون المصري - وهناك نص صريح على ذلك في قانون العقوبات الأهلي إذ نصت المادة الأولى منه على أنه يستثنى من أحكامه من كان غير خاضع لقضاء المحاكم الأهلية بناءً على قوانين أو معاهدات أو عادات مرعية.
فهذا الاستثناء يُعد من حقوق السيادة المصرية ويخرج من سلطة القضاء المصري أشخاصًا يرتكبون جرائم على الأراضي المصرية ويخلون بنظام الأمن فيها فتحاكمهم محاكم أجنبية قد تكون قوانينها مخالفة للقوانين المصرية بل قد يحدث أن يرتكب الجريمة شخصان أحدهما خاضع لاختصاص القضاء المصري والآخر غير خاضع له فتنظر القضية أمام محكمتين مختلفتين ويطبق عليهما قانونان مختلفان كما حدث أخيرًا في قضية مقتل المسيو شيكوريل في شهر مارس سنة 1927 إذ كان أحد المتهمين بقتله خاضع للقضاء المصري فتم التحقيق بشأنه بمعرفة رجال البوليس والنيابة المصريين بشكل أعجب به الأجانب ذاتهم ثم قدم لمحكمة الجنايات المصرية فقضت عليه بالإعدام في شهر إبريل أمام المتهمين الآخرين فتركوا لقضائهم الأجنبي وعلى ذلك صدر في القضية أحكام مختلفة.
ومن النتائج المحزنة للامتيازات إفلات بعض طبقات من المجرمين من يد البوليس والقضاء المصري كالأجانب الذين يتجرون بالمواد المخدرة أو بالرقيق الأبيض وغير ذلك ومن المدهش أن أغلب الدول الغربية الممثلة في عصبة الأمم تبذل جهدها لوضع حد في مثل هذه المسائل أما الحكومة المصرية فتقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الجرائم الخطيرة [(25)] - لهذا بدأت الحكومة المصرية بالسعي لإخضاع الذين يرتكبون جرائم على أرض مصرية للقوانين المصرية وقد قرر مجلس الوزراء فعلاً في 3 مارس سنة 1927 الترخيص لوزير الحقانية بوضع مشروع نصوص تشريعية يكون أساسًا لاقتراح تقدمه الحكومة إلى الدول يقضي بتوسيع سلطة المحاكم المختلطة في المواد الجنائية بحيث تشمل الجنح المنصوص عليها في قانون الاتجار بالمواد المخدرة وبعض الجرائم الأخرى، وذلك حرصًا على الآداب العامة ومحافظة على نظام المحال العمومية، والحكومة المصرية جادة في تنفيذ ذلك وإنا نرجو أن نتمكن من الوصول إلى إخضاع الأجانب المقيمين في القطر المصري إلى القوانين المصرية كما هو الحال في جميع الأمم المتمدينة ومنها ما يقل في المدنية والنظام عن الدولة المصرية - إذ ليست مصر بأقل درجة من سيام مثلاً التي وافقت الدول في سنتي 1925 و1926 أي في هذه السنين الأخيرة على إلغاء الامتيازات فيها والتي كتب عنها أحد أساتذة القانون في فرنسا تعليقًا على المعاهدات التي ألغت هذه الامتيازات أنه تتوفر في سيام الشروط اللازمة لتعامل من الآن كشخص بالغ (أي غير قاصر) في المجتمع الدولي

(Le Ciam remplit largement les conditions nécessaires pour être désormais traité en personne majeure dans la communauté internationale).

(انظر مقالة للمسيو مونكار فيل الأستاذ بكلية الحقوق باستراسيورج في مجلة القانون الدولي العام عن ديسمبر سنة 1926 صفحة 330.
“ M. Moncharville. Revue de Droit Int. Pub. - Sep. et Déc. 1926, P. 330 ”
فإذا قيل أن سيام أصبحت شخصًا دوليًا بالغًا في المجتمع الدولي فإن مصر قد تجاوزت دور البلوغ ووصلت إلى درجة الكمال بين أعضاء هذا المجتمع - ويقيننا أن الدول ستتنبه لهذه الحقيقة وتعترف بها قريبًا فتتنازل عن امتيازاتها العتيقة ويصبح الأجنبي والمصري سواء أمام القانون ما داموا يعيشون فوق أرض واحدة ويستظلون بسماء واحدة.

محمد عبد المنعم رياض 
---------------------
[(1)] يوجد في كثير من القوانين الجنائية نصوص تقضي بعقاب من يرتكب جرائم في الخارج ومن ذلك قانون العقوبات الأهلي إذ نص في المادة الثانية منه على معاقبة من يرتكب من الأشخاص الخاضعين لأحكامه خارج القطر فعلاً يجعله فاعلاً أو شريكًا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري أو من يرتكب في الخارج جناية من الجنايات المضرة بأمن الحكومة من الداخل أو من الخارج أو من يرتكب جناية تزوير أوامر عالية أو أختام الحكومة أو أوراق البنوك وسندات الخزينة مما نص عليه في المادة (174) من قانون العقوبات أو جناية تزييف مسكوكات متداولة في القطر المصري مما نص عليه في المادتين (170) و(171)، وكذلك تنص المادة الثالثة على عقاب كل مصري تابع للحكومة المحلية ارتكب وهو خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة في القانون المصري فيعاقب بأحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقبًا عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكبه فيه.
وقد تقرر في كل من الاتفاقين المنعقدين مع حكومة فلسطين وحكومة السودان بشأن تسليم المجرمين أنه إذا تقدم طلب تسليم مجرم هارب وكانت محكمة البلد المقدم إليها الطلب مختصة بنظر الجريمة المنسوبة إليه فيجوز اتخاذ الإجراءات لمحاكمته أمام محاكمها بدلاً من قبول التسليم وقد اشترط الاتفاق المعقود مع حكومة فلسطين ضرورة حصول هذه المحاكمة في خلال الثلاثة شهور التالية لورود طلب التسليم وألا يتعين على الحكومة صاحبة الشأن أن تسلم المجرم متى توفرت الشروط الأخرى الواردة في الاتفاق.
[(2)] هذا هو الرأي المتبع عملاً في أكثر الدول الآن وقد اتبعته الحكومة المصرية بالنسبة لشخص مصري يدعى عبد المجيد اتهم أخيرًا بارتكاب جريمة نصب في طرابلس بالشام وفر إلى مصر فطلبت المفوضية الفرنسية بمصر تسليمه ليحاكم في سوريا، ولكن الحكومة المصرية رفضت إجابة هذا الطلب باعتبار أنه مصري وفعلاً قدم للسلطة المحلية في مصر فأجرت النيابة معه تحقيقًا وقبضت عليه وقدم للمحاكمة وقد حكمت عليه فعلاً محكمة الوايلي الجزئية حضوريًا بتاريخ 19 إبريل سنة 1927 بالحبس سنتين مع الشغل والنفاذ وأجرى تنفيذ الحكم - على أن هذا الرأي القاضي بعدم تسليم الوطنيين ليس متفقًا عليه من جميع الكتاب بل منهم من يقول بعكسه وبوجوب العدول عنه ومن هؤلاء الكتاب جارو Garraud أحد علماء القانون الجنائي ووستليك Westlake أحد علماء القانون الدولي، وقد جاء في معاهدة فرساي والمعاهدات الأخرى الملحقة بها ما يفيد نبذ المبدأ القاضي بعدم تسليم الوطنيين النسبة لمجرمي الحرب الذين تقرر تسليمهم طبقًا لهذه المعاهدات إذ اشترط فيها على ألمانيا والنمسا وحلفائهما تسليم المجرمين من رعاياهم (راجع المادة (228) من معاهدة فرساي مع ألمانيا)، والمادة (173) من معاهدة سان جرمان مع النمسا، والمادة (118) من معاهدة نويلي Neuilly مع بلغاريا، والمادة (157) من معاهدة تريانون مع المجر إلخ...).
[(3)] من الأمثلة التي يذكرها التاريخ في هذا الصدد أنه في سنة 1506 حجز هنري السابع ملك إنجلترا فيليب ملك كاستيل ووالد شارلكان أثناء سفره من فلاندر إلى إسبانيا حتى ألقت به عاصفة على الشاطئ الإنجليزي - وقد انتهز ملك الإنجليز هذه الفرصة فطلب من فيليب تسليم أحد النبلاء الإنجليز المسمى دوق أو إيرل سافولك Earl of Suffolk الذي كان التجأ لبلاد فيليب هربًا من ملك الإنجليز إذ كان من ضمن المناوئين للعرش الإنجليزي باعتباره من عائلة يورك House of York التي كانت تطالب بعرش إنجلترا - فرفض فيليب تسليم دوق سافولك في أول الأمر ولكن اضطر للإذعان إزاء تشدد هنري السابع الذي أصر على عدم إطلاق سراح فيليب إلا إذا سلم سافولك وقد قبل قيليب تسليمه بشرط عدم إعدامه وقد تم ذلك فعلاً وحجز النبيل الإنجليزي عقب تسليمه في برج لندن وحافظ هنري السابع على الشرط الخاص بعدم إعدامه إلى أن خلفه هنري الثامن فأعدمه في سنة 1513 عند قيام الحرب بين إنجلترا وبين فرنسا بحجة مراسلته لأخيه الذي كان في خدمة الفرنسيين (راجع هذه الحادثة في دائرة معارف برتيانيكا طبعة سنة 1926 الجزء الثامن والعشرون صفحة 925).

(Eneyclopedia Britannica 1926; Vol. 28 p. 925.).

[(4)] من الكتاب الذين يرون هذا الرأي الكاتب لويس رينو Louis Renault وهو يقول إنه لا يمكن اعتبار هذه الجرائم من الجرائم السياسية مطلقًا وإلا أدى ذلك إلى جواز اعتبار جرائم أخرى كالنصب أيضًا ضمن الجرائم السياسية في بعض الأحوال وقد رد على ذلك الكاتب الألماني فون لستز von Listz بأنه يجوز أن تكون هذه الجرائم من الجرائم السياسية بل يقول بإمكان وقوع جريمة هتك عرض سياسي طبقًا للقانون الإنجليزي الصادر في سنة 1878 Criminal code Bill (1878) إذ اعتبر من الخيانة العظمى الاعتداء على عرض ملكة أو الابنة الكبرى لملك أو زوجة الابن الأكبر أو ولي العهد (راجع مجموعة محاضرات أكاديمية القانون الدولي الجزء الأول صفحة 202 محاضرة البارون البيريك رولان Baron Alberic rolin
[(5)] ممن يقول بهذا الرأي الكاتب دبيانييه Despagnet, droit International Public 291 وقد ورد أيضًا في بعض المعاهدات كما أن المعهد الدولي الذي عقد في جنيف سنة 1892 أخذ بمثل هذا الرأي فقرر جواز التسليم إذا كانت الجريمة خطيرة وإنما لا يحاكم المتهم إلا على الجريمة العادية.
[(6)] راجع كتاب فوشي في القانون الدولي (M. Fauchille)الجزء الأول صفحة 1017 طبعة سنة 1922، وراجع أيضًا كتاب حضرة صاحب المعالي الأستاذ علي ماهر باشا في القانون الدولي العام صفحة 354.
[(7)] يطلق على هذه المادة اسم المادة البلجيكية (Clause belge) أو مادة الاعتداء (Clause d'attentat) وقد دعا إلى وضعها حادثة في سنة 1854 إذ حاول فرنسويان الاعتداء على حياة نابليون الثالث، وذلك بأن شرعا في نسف القطار الذي كان يقله وهرب أحدهما إلى بلجيكا فطلبت فرنسا تسليمه، وقد حصل اختلاف في الرأي بين محكمتي استئناف بروكسل ولييج فقررت الأولى أن هذه الجريمة سياسية أما الثانية فاعتبرها جريمة عادية وقررت محكمة النقض في بروكسل جواز التسليم باعتبار أن هذه الجريمة خارجة عن نطاق القانون الصادر في سنة 1833، والذي يمنع تسليم اللاجئين السياسيين ولكن الرأي العام البلجيكي أخذ يطالب بعدم التسليم وانتهى الأمر بأن سحبت الحكومة الفرنسية طلب التسليم الذي كانت قدمته حتى تخرج الحكومة البلجيكية من المأزق - ولكن صدر بعد ذلك في 22 مارس سنة 1856 القانون الذي أضاف على المادة السادسة من القانون القديم الصادر في سنة 1833 النص الخاص بتسليم من يعتدي بالقتل أو بالسم على رئيس دولة أو أخيه أو أحد أفراد عائلته فانتهزت الحكومة الفرنسية وضع هذا النص واتفقت على إضافته في المعاهدة الخاصة بالتسليم والمعقودة بين الدولتين في سنة 1834 ثم وضع بعد ذلك في أكثر المعاهدات التي عقدتها الدول الأوروبية بشأن التسليم.
[(8)] بناءً على هذه القاعدة رفضت وزارة الحربية المصرية تسليم بعض جنود من الجيش الإيطالي المرابط في طرابلس الغرب كانوا قد لجأوا إلى واحة سيوة داخل الحدود المصرية (راجع ما ورد في جريدة الأهرام بتاريخ 17 إبريل سنة 1927)، وبسبب هذه القاعدة أيضًا امتنعت الحكومة المصرية عن المطالبة بتسليم بعض الهاربين من الخدمة العسكرية الذين التجأوا لبلاد مجاورة من ذلك أن جنديًا يدعى أحمد هرب من الخدمة العسكرية في القطر المصري والتجأ إلى فلسطين وقيل بوجوده في ميناء يافا يشتغل هناك كبحار في السفن الشراعية وعلمت الحكومة المصرية بذلك في سنة 1925 ولكنها قررت عدم المطالبة بتسليمه من حكومة فلسطين بناءً على القاعدة التي تقضي بعدم تسليم الفارين من العسكرية.
[(9)] أثيرت هذه المسائل عقب الحرب العظمى فقرر الحلفاء معاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا أعمالاً تخالف القواعد الدولية وقوانين الحرب من ذلك ما ورد في المادة (227) من اتهام إمبراطور ألمانيا السابق غليوم الثاني وتقديمه للمحاكمة وقد طلب تسليمه من حكومة هولندا ولكنها رفضت بحجة أن الأعمال المنسوبة للإمبراطور السابق هي عبارة عن أمور سياسية ويرى بعض الكتاب أن هذه الحجة غير صحيحة وأن ما اتهم به إمبراطور ألمانيا لا يعتبر من الجرائم السياسية التي تعفى من التسليم (راجع كتاب فوشى المشار إليه الجزء الأول فقرة (469)، والجزء الثاني (الخاص بالحرب) فقرة 1753).
[(10)] نص على هذه القاعدة في الاتفاق الذي عقد بين حكومة مصر وفلسطين فقضت المادة العاشرة فيه على أنه لا تجوز إقامة الدعوى أمام محاكم البلد الذي سلم إليه شخص بناءً على أحكام هذا الاتفاق من أجل جريمة ارتكبت قبل تسليمه غير الجريمة أو الجرائم التي يمكن إثباتها بالواقعة التي حصل التسليم بناءً عليها ما لم تتح لذلك الشخص قبل محاكمته فرصة العودة للقطر الذي سلمه.
[(11)] كانت البلاد الإسلامية توفد أيضًا في بعض الأحيان ممثلين للبلاد الأجنبية وتقبل ممثليهم وكان يتم هذا التبادل بمراسيم التجلة والحفاوة من ذلك أن هارون الرشيد تبادل السفراء مع شارلمان وكانوا يحملون الهدايا النفيسة لتأكيد الصداقة والمودة ومن جملة الهدايا التي أرسلها الرشيد مع سفرائه ساعة مائية أعجب بها رجال شارلمان (راجع مقالاً لحضرة الأستاذ الفاضل محمد عبد الله عنان المحامي نشر في مجلة الهلال بعدد نوفمبر سنة 1926 صفحة 80 عن العلاقات السياسية في عهد العرب).
[(12)] حالة التنكر هي حالة يلجأ لها بعض الملوك أو بعض رؤساء الدول في سياحاتهم ليتفادوا المراسيم التي تقام لاستقبالهم من ذلك ما فعله ملك الإنجليز إذ ذهب إلى باريس متنكرًا في أوائل مارس سنة 1927، وما فعله رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا الرئيس مازاريك إذ جاء للقطر المصري متنكرًا في إبريل سنة 1927.
[(13)] مما يلاحظ في هذا الصدد أن أعضاء محكمة التحكيم الدولية لا يعتبرون خارجين عن السيادة الإقليمية إلا عندما يكونون خارج بلادهم en dehors des leurs pays بخلاف أعضاء محكمة العدل الدائمة التي أنشئت طبقًا لعهد عصبة الأمم إذ يخرجون عن سلطة السيادة الإقليمية بدون هذا القيد.
[(14)] من القائلين بهذا الرأي الكاتب الفرنسي فوشي (راجع كتابه في القانون الدولي القسم الثالث من الجزء الأول طبعة سنة 1926 صفحة 69 وصفحة 87)، وقال كتاب آخرون أيضًا بوجود حرمة للممثل أثناء وجوده في إقليم دولة غير الدولة الموفد لها نذكر منهم دي مارتس ولوريمردويتون De Martens, Loriner et Wheaton كما صدرت بذلك بعض أحكام قضائية في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة (راجع حكمًا صادرًا من محكمة استئناف باريس في 2 يناير سنة 1901 منشور في مجلة القانون الدولي العام المجلد الثامن صفحة 492 Reine de droit Int. Public، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى قانون إيطالي صادر في 13 مايو سنة 1871 بشأن الضمانات الممنوحة للبابا إذ نص في المادة الحادية عشرة منه على أن ممثلي الحكومات المعتمدين لدى البابا يتمتعون في إيطاليا بكل الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها رجال التمثيل السياسي طبقًا لقواعد القانون الدولي، وكذلك يتمتع بها ممثلو البابا لدى الحكومات الأجنبية عندما يمرون بالإقليم الإيطالي في طريقهم إلى مقر أعمالهم وفي عودتهم منها.
[(15)] راجع كتاب فوشي القسم الثالث من الجزء الأول صفحة 72.
[(16)] يقول بعض الكتاب إن دار السفارة تعتبر جزءًا من إقليم الدولة التي يمثلها السفير ولكن هذا القول غير صحيح وقال بخلافه أكثر الكتاب المعتمدين كما قضت بعكسه محكمة استئناف باريس إذ كانت محكمة السين قد قضت بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1920 بأن الزواج المعقود في دار مفوضية أجنبية يفترض أنه عقد في إقليم الدولة التي تمثلها المفوضية ولكن محكمة استئناف باريس حكمت بإلغاء هذا الحكم (انظر جريدة القانون الدولي Journal de droit International لسنة 1921 صفحة 186، وما بعدها ولسنة 1922 صفحة 407).
[(17)] نجد في التاريخ أمثلة لاستعمال حق الإيواء بدور السفارات بالنسبة للاجئين السياسيين فحصل في سنة 1729 أن الدوق دي ريبردا Duc de Riperda الذي كان وزيرًا لفليب الخامس ملك إسبانيا احتمى بعد سقوطه بدار السفير الإنجليزي لورد هارنجتون، ولما طلب تسليمه رفض السفير الإنجليزي إجابة الطلب فقرر مجلس كاستيل أنه يمكن أخذه بالقوة وفعلاً قبض عليه فاحتج السفير الإنجليزي وطلبت إنجلترا ترضية من إسبانيا إلا أن هذه الأخيرة رفضته وشبت الحرب بين الدولتين - وحدث في تركيا في شهر ديسمبر سنة 1895 أثناء الاضطرابات الأرمنية أن الوزير التركي كوجوك سعيد باشا اعتقد أن حياته مهددة فاحتمى بدار السفارة البريطانية في الأستانة فطلب سلطان تركيا تسليمه ولكن السفير البريطاني أجاب بأنه لا يستطيع إكراه سعيد باشا على مغادرة الدار وأيده في ذلك رجال الهيئة السياسية لبقية الدول في الأستانة فأرسل السلطان كتابًا يؤكد فيه أن حياة سعيد باشا لن تمس بسوء وأنه يمكنه أن يقيم في أي مكان يريده في الأستانة وغادر على ذلك سعيد باشا السفارة البريطانية وإنما أرسل السفير البريطانية كتابًا لوزير خارجية تركيا يخبره فيه أن سعيد باشا لم يبرح دار السفارة إلا بناءً على وعده بالمحافظة على حياته وأنه يأمل احترام هذا الوعد (راجع مجلة القانون الدولي Reine de Droit International المجلد الثالث صفحة 375).
وقد كان حق الإيواء شائعًا في بلاد العجم بسبب الثورات الداخلية إذ كان يلجأ المضطهدون لدور السفارات ويطلق على ذلك لفظ بست Bast، وقد عقد اتفاق بين فارس وبين كل من إنجلترا والولايات المتحدة لإلغاء هذا الحق (راجع بشأن هذا الحق مقال للسير سيسيل هرست في مجموعة محاضرات أكاديمية لاهاي سنة 1926 جزء ثانٍ) - وهناك أمثلة غريبة لاستعمال نظام البست هذا في إيران، من ذلك ما رواه السير مورتيمر ديوارنث أحد وزراء إنجلترا الأسبقين في فارس أنه في أثناء تولي الشاه نصر الدين الحكم حضر للسفارة الإنجليزية عبد أسود يخطر السفير بأن حريم الشاه وعددهن 300 سيدة سيلتجئن للسفارة لأن الشاه عزم على الزواج بابنة بستاني في السراي فوجدن في ذلك ما يمس كرامتهن فلم يسع السفير الإنجليزي إلا أن يجهز مكانًا للسيدات واشترى قطيعًا من الغنم وكميات كبيرة من الخبز ولكن لحسن حظه لم تتم الزيارة إذ عدل الشاه في آخر لحظة عن الزواج - وفي سنة 1906 لجأ للسفارة الإنجليزية عدد كبير من التجار والأهالي الذين كانوا يطالبون بإصلاحات دستورية وبلغ عدد اللاجئين 14000 وانتهى الأمر بقبول الحكومة الفارسية لكثير من مطالبهم.
[(18)] قدم في مسألة هذا الصيني طلب للمحكمة لتأمر بإخلاء سبيله ولكن المحكمة رفضت إجابة هذا الطلب لأن السفارة الصينية غير خاضعة للسلطة القضائية وإنما للحكومة المحلية وحدها أن تضغط على الحكومة الصينية ليفرج عن الصيني المحبوس في السفارة.
[(19)] حكم في إنجلترا في سنة 1921 بأن ممثل الدولة الغير معترف بها قانونًا لا يعفى من القضاء المحلي وكان ذلك بشأن كراسين الممثل الرسمي لحكومة السوفيت في إنجلترا.
[(20)] ينتقل رجال بالبوليس أو رجال التحقيق عادةً إلى دار السفارة للحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها بعد استئذان الممثل السياسي فمن ذلك ما حدث في فرنسا في سنة 1920 حيث انتقل قاضي التحقيق لدار المفوضية اليونانية لسؤال الوزير اليوناني عن معلوماته في حادث الاعتداء الذي وقع على مسيو فنزيلوس رئيس وزارة اليونان إذ ذاك في محطة ليون بباريس.
[(21)] نحن لا نتعرض هنا لمركز الجيش الأجنبي عند احتلاله لإقليم دولة أثناء الحرب إذ هي مسألة أخرى تحددها قواعد الحرب.
[(22)] أشار بعض الكتاب إلى مثل هذه الأوامر وقد أورد كلوت بك في كتابه عن مصر (تعريب حضرة الأستاذ محمد مسعود بك) نص فرمان مما كان يعطى للأجانب وهو كما يأتي:
من ديواننا سنة من الهجرة
(أن صديقنا الحميم المسيو............. من.......... جاء إلى أملاكنا ليزور المعاهد الأثرية وغيرها من
(الأماكن المفيدة له في أبحاثه، وقد قدمه إلينا جناب قنصله فبناءً عليه قد سلمناه فرماننا هذا لينتفع، ويستظهر به أثناء رحلته في طول أملاً كنا وعرضها - فعلى المديرين والمأمورين وأرباب الحل والعقد ملكيين، وعسكريين وبالجملة كل من يقدم إليهم هذا الفرمان أن يعنوا بأمره ويهتموا بأداء الخدم التي يروم منهم قضاءها حتى لا ترفع إلينا منه شكوى فيما بعد.
(ونوصيكم بعمل ما يلزم كيلا يلحقه حيف أو يوجه إليه شتم من الفلاحين (كذا...) أو غيرهم وأن، تبادروا بموافاته بكل ما يحتاج إليه وأن لا يدفع شيئًا عنه إلا ما يطابق بالسعر الجار في البلاد وذلك فيما يختص بأجر ركوب الدواب والمراكب وثمن الأغذية، وأني اعتبر أن الخدمات التي ستؤدونها إليه كأنها أديت إلينا بالذات).
[(23)] مما يذكر في هذا الشأن ما لاحظه حضرة صاحب المعالي إسماعيل صدقي باشا رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب من أن الامتيازات لا تعطي أي حق استثنائي للأجانب فيما يتعلق بدفع الضرائب وهاك ما ورد في هذا الصدد في تقرير اللجنة المالية لمجلس النواب الذي تلي في جلسة 27 إبريل سنة 1927 إذ طلب فيه السعي لدى الدول لأجل التخلص من الحالة الاستثنائية الشاذة التي يقولون إنها نشأت عن الامتيازات مع أنها لم تنشأ في الواقع إلا عن سوء تنفيذ الامتيازات لأن هذه الامتيازات لا تعطي أي امتياز مطلقًا للأجانب فيما يتعلق بدفع الضرائب بل كل ما ترمي إليه هو حماية الأجانب من سوء تصرف الحكام في فرض الضرائب، أما مبدأ المساواة في دفعها فقد تقرر غير مرة كما تقرر في سنة 1885... إلخ (راجع مضبطة جلسة مجلس النواب في 27 إبريل سنة 1927).
[(24)] كانت الدول التي تتمتع بالامتيازات في مصر إلى ما قبل الحرب العظمى خمسة عشر دولة وهي بريطانيا وأمريكا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والنرويج والسويد والدانمارك واليونان والبرتغال والنمسا والمجر وروسيا وألمانيا.
[(25)] مما يذكر بهذه المناسبة أن عصبة الأمم دعت الدول للاجتماع في مؤتمر دولي لبحث مشروع معاهدة خاصة بمراقبة الاتجار الدولي للأسلحة والذخائر والمهمات الحربية وقد عقد المؤتمر فعلاً من 4 مايو إلى 17 يونية سنة 1925 ومثلت فيه مصر وتقرر فيه تقييد الاتجار ببعض أنواع الأسلحة وفي بعض المناطق وقد سعى ممثلو مصر ليحصلوا على موافقة بقية ممثلي الدول على تقرير المساواة بين الأجانب والوطنيين المقيمين في مصر في شأن تطبيق القيود الواردة في المعاهدة وانتهى الأمر بوضع نص في المعاهدة يقضي بأن تتعهد الدول المتعاقدة التي تتمتع بحق قضائي في إقليم دولة أخرى من ضمن الدول المشتركة في المعاهدة بأن تمنع رعاياها المقيمين في هذا الإقليم من القيام بأي عمل يخالف أحكام المعادة ولكن هذا لا يفيد تطبيق أحكام المعاهدة بمعرفة الحكومة المصرية على الأجانب المقيمين في إقليمها بل تطبقها قناصل الدول الأجنبية في مصر، وكذلك دعت عصبة الأمم الدول لعقد مؤتمر لمحو مسائل المواد المخدرة وتقيد استعمالها وعقد المؤتمر فعلاً في أوائل سنة 1925، ومثلت فيه مصر وتقرر فيه مراقبة الاتجار بالمواد المخدرة مراقبة شديدة وتقييد إنتاجها وقد قامت الحكومة فعلاً بنصيب كبير في هذا الشأن إذ وضعت مرسومًا بقانون في 21 مارس سنة 1925 رفعت فيه العقوبة الخاصة باستعمال المواد المخدرة أو الاتجار بها بدون رخصة إلى عقوبة الجنح التي تصل إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات مع غرامة قد تصل إلى 300 جنيه، ولكن للأسف لا تزال العقوبة بالنسبة للأجانب هي عقوبة المخالفات مع أن أكثر المتجرين في هذه المواد من الأجانب فلذلك لا يمكن تنفيذ قرارات المؤتمر الذي دعت له عصبة الأمم ولم تطلق يد الحكومة المصرية لتضرب بشدة على أيدي الأجانب.