الدعوى رقم 44 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ"جلسة 8 / 8 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من أغسطس سنة 2020م،
الموافق الثامن عشر من ذى الحجة سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم
والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع
أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى
المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 44 لسنة 41 قضائية "منازعة
تنفيذ".
المقامة من
وزيـر المالية
ضد
أولاً: ورثة نايلا جبرائيل ثابت، وهم:
1- كميل ميشال دورى شمعـون
2- كبريال ثابت ميشال دورى شمعـون
3- ميشال دورى شمعون
4- كارول ميشال دورى شمعـون
ثانيًا: رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من يوليو سنة 2019، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى،
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، أولاً: وبصفة مستعجلة: بوقف
تنفيذ الحكم الصادر من محكمة شربين الكلية، بجلسة 18/1/2017، في الدعوى رقم 640
لسنة 2012 تعويضات كلى شربين، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف المنصورة،
بجلسة 27/12/2017، في الاستئناف رقم 653 لسنة 69 قضائية، مع الاستئناف رقم 726
لسنة 69 قضائية، حتى يفصل في الموضوع. ثانيًا: وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بالحكم
المذكور، والقضاء أصليًّا بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية
العليا، بجلسة 6/2/1993، في الدعوى رقم 57 لسنة 4 قضائية "دستورية"،
فيما قضى به من رفض الدعوى المقامة طعنًا على نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة
من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بشأن تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة،
وما فصل فيه من أن أحكام اتفاقيات التعويضات المبرمة مع بعض الدول الأجنبية تُعد
نصوصًا خاصة واجبة الإعمال في نطاقها استثناء من القواعد العامة، واحتياطيًّا:
بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، بجلسة 6/6/1998،
في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية "دستورية"، فيما فصل فيه من أن يكون
التعويض عن الأراضى المستولى عليها وفقًا لقوانين الإصلاح الزراعى بما يتكافأ
وقيمتها السوقية في تاريخ الاستيلاء عليها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن نايلا جبرائيل ثابت ( مورثة المدعى عليهم الأُول) كانت قد أقامت بصفتها
وريثة جبرائيل فليب ثابت، الدعوى رقم 640 لسنة 2012 تعويضات كلى، أمام محكمة شربين
الكلية، ضد المدعى والمدعى عليه الثانى وآخر، بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين فيما
بينهم بأن يؤدوا قيمة التعويض المستحق لها عن الأطيان المستولى عليها، طبقًا
لسعرها الحقيقى وقت رفع الدعوى، ومقابل عدم الانتفاع المستحق عنها، من تاريخ
الاستيلاء عليها حتى رفع الدعوى، والفوائد القانونية والتأخيرية،على سندٍ من أن
الإصلاح الزراعى قام بالاستيلاء على مساحة 14 س، 17ط، 97 ف بناحية قرية رأس الخليج
مركز شربين محافظة الدقهلية، ملك مورثها، وذلك طبقًا لأحكام القرار بقانون رقم 127
لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى، ولم يتم التعويض عنها، وإذ قضت
المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية أساس تقدير التعويض المقرر بهذا القرار
بقانون والمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى، فقد أقامت دعواها
توصلاً للقضاء لها بطلباتها المتقدمة، وبجلسة 18/1/2017، قضت المحكمة بعدم قبول
الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة للمدعى عليه الثانى بصفته (مدير عام الهيئة
العامة للإصلاح الزراعى بالدقهلية)، وفى الموضوع بإلزام المدعى عليهما الأول
والثالث (المدعى والمدعى عليه الثانى في الدعوى المعروضة) متضامنين بأن يؤديا
للمدعية (مورثة المدعى عليهم الأُول في الدعوى المعروضة) مبلـغ (30830249,51)
جنيهًا، والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ صدور الحكم النهائى بالتعويض وحتى
السداد، وأقامت المحكمة القضاء المتقدم في شأن تقدير التعويض وريع الأرض المستولى
عليها، على أساس تقدير قيمة الأرض في تاريخ رفع الدعوى، بمراعاة صقع المنطقة،
واستقرار الأسعار، ودرجة خصوبة الأطيان، ونوع معدنها، وحالة الرى والصرف بها، ومدى
قربها وبعدها عن العمران والأسواق، والطرق العمومية والسكك الحديدية، وكافة
العوامل المؤثرة في أسعار الأراضى الزراعية، وتقدير قيمة ريع الأرض على أساس
العوامل المتقدمة، إضافة إلى العوامل التى تؤثر في إنتاجية الأرض الزراعية، وأسعار
الحاصلات الزراعية. وإذ لم يرتض المحكوم ضدهمـا هـذا القضـاء، فقـد طعنـا عليه
أمام محكمة استئناف المنصـورة بالاستئنافين رقمـى 653 و726 لسنة 69 قضائية، وبعد
أن قررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط، ليصدر فيهما حكم واحد، قضت بجلسة 27/12/2017،
برفضهما وتأييد الحكم المستأنف، وقد طعن وزير المالية على هذا الحكم أمام محكمة
النقض، بالطعن رقم 4009 لسنة 88 قضائية. وبجلسة 23/10/2018، قضت محكمة النقض – في غرفة
مشورة – بعدم قبول الطعن. وإذ ارتأى المدعى أن حكم محكمـة شربين الكليـة الصادر
بجلسة 18/1/2017، في الدعوى رقم 640 لسنة 2012 تعويضات كلى شربين، المؤيد بالحكم
الصادر بجلسة 27/12/2017، في الاستئنافين رقمي 653 و726 لسنة 69 قضائية، قد ناقضا:
أولاً: حكم المحكمة الدستورية العليا، الصادر بجلسة 6/2/1993، في الدعوى
رقم 57 لسنة 4 قضائية "دستورية"، القاضي برفض الدعوى المقامة طعنًا على
دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981
بشأن تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، فيما تضمنه من استمرار تطبيق أحكام
اتفاقيات التعويضات المبرمة بين مصر، وبعض الدول الأجنبية على رعايا تلك الدول،
الذين خضعوا لتدابير الحراسة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون، وما
فصل فيه من أن تلك الأحكام تُعد نصوصًا خاصة واجبة الإعمال في نطاقها،
استثناءً من القواعد العامة، وذلك بإعراض الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيًّا عن
إنفاذ أثر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، وتطبيق نصوص
الاتفاقية الموقعة بتاريخ 18/11/1964، بين الحكومتين المصرية واللبنانية، لتسوية
التعويضات المستحقة للرعايا اللبنانيين، عن أموالهم التي فرضت عليها الحراسة أو الأراضي
الزراعية التي خضعت للقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون
الإصلاح الزراعي، أو القرار بقانون رقم 15 لسنة 1963 بحظر تملك الأجانب للأراضي
الزراعية وما في حكمها، وهى الاتفاقية التي تم نشرها في الجريدة الرسمية، وعُمل
بها اعتبارًا من 4 أغسطس سنة 1965، ومن ثم يكون لها قوة القانون، وتكون واجبة
الإعمال على دعوى التعويض عن الاستيلاء على الأراضي الزراعية المملوكة لمورثة
المدعى عليهم الأُول، باعتبارها من رعايا الجمهورية اللبنانية، التي تحكم
الاتفاقية الأوضاع الخاصة بتسوية التعويضات المستحقة لها عن الأرض المستولى عليها
طبقًا لأحكام القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المشار إليه.
ثانيًا: كما ناقض كل من الحكمين المشار إليهما حكم المحكمة الدستورية
العليا، الصادر بجلسة 6/6/1998، في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية "دستورية"،
فيما تضمنته أسبابه، في ثلاثة مواضع، من وجوب ارتباط تقدير التعويض عن الاستيلاء
على الأراضي الزراعية طبقًا للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي،
والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، بقيمة
تلك الأراضي وقت الاستيلاء عليها، وأن هذا التعويض يمثل الفرق بين تلك القيمة وبين
التعويض المقدر تشريعيًّا بالنصوص المقضي بعدم دستوريتها، الذى يُعد فصلاً صريحًا
في كيفية تحديد التعويض المستحق عن الاستيلاء وفقًا لقوانين الإصلاح الزراعي، في حين
اعتد حكم محكمة شربين الكلية المؤيد بحكم محكمة استئناف المنصورة المشار إليهما،
في تقديره للتعويض المستحق عن الأرض الزراعية المستولى عليها بقيمتها السوقية وقت
رفع الدعوى، وليس وقت الاستيلاء. مما يكون معه الحكمان قد حالا دون جريان آثار حكمي
المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليهما، ويعدان عقبة في تنفيذهما، ومن ثم
أقام المدعى دعواه المعروضة.
وحيث إن منازعة التنفيذ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ لم
يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها
أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها،
بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هي
ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعة التى تتوخى في ختام مطافها إنهاء
الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك
إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على
نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم
دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى يضمها،
والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التى تقوم بينها، هى
التى تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمـان فعاليته.
بيد أن تدخل المحكمة الدستوريـة العليا - وفقًا لنص المـادة (50) من قانونها الصـادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من
جريان آثارها كاملة، في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز،
بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة
أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت
فعلاً أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة
لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها
ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فـإن خصومـة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق،
بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتهـا وموضوعها. ثالثها: أن منازعـة التنفيذ لا
تُعـد طريقًا للطعـن في الأحكام القضائيـة، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه
المحكمة.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت، بجلسة 6/2/1993، برفض الدعوى
رقم 57 لسنة 4 قضائية "دستورية"، المقامة طعنًا على دستورية نص الفقرة
الأولى من المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 141 لسنة 1981
بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، فيما نصت عليه من أن يستمر تطبيق أحكام
اتفاقيات التعويضات المبرمة مع بعض الدول الأجنبية على رعايا هذه الدول الذين
خضعوا لتدابير الحراسة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون، التي تنص
على أن "تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين
وعائلاتهم وورثتهم استنادًا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة
الطوارئ، ويتم إزالة الآثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين في هذا القانون.
ويقصد بالعائلة – في أحكام هذا القانون – كل من شملتهم تدابير الحراسة من زوج
وزوجة وأولاد قصّر أو بالغين وغيرهم من الورثة".
وحيث إن صدور حكم من إحدى محاكم جهة
من جهات القضاء، في النزاع الموضوعي المردد أمامها، بالمخالفة لنص تشريعي، ورد في قانون،
أو في إحدى الاتفاقيات الدولية، التي لا تجاوز مرتبتها مرتبة القانون، لا يعدو أن
يكون وجهًا من أوجه مخالفة ذلك الحكم للقانون، وإن جاز تصحيحه بالطعن عليه أمام
المحكمة الأعلى بتلك الجهة القضائية، فإنه لا يصلح لأن يكون عقبة تحول دون تنفيذ
الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية
ذلك النص، بما يستنهض ولايتها لإزالة تلك العقبة، ذلك أن قضاءها برفض تلك الدعوى،
إنما يكشف عن ثبوت الشرعية الدستورية لذلك النص من تاريخ العمل به، ولا تجاوز
الحجية المطلقة لذلك الحكم النطاق الدستوري المحكوم فيه، لتستطيل إلى تقييد سلطة
محاكم الموضوع في تحديد أحوال انطباق النص التشريعي المقضي بدستوريته، على الأنزعة
الموضوعية المرددة أمامها، والفصل فيها.
متى كان ما
تقدم، وكان حكم محكمة شربين الكلية، المؤيد بحكم محكمة استئناف المنصورة، وقرار
محكمة النقض الصادر في غرفة مشورة في الطعن رقم 4009 لسنة 88 قضائية – الذى يعتبر
مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة، لارتباطه بالحكمين المشار إليهما ارتباطًا لا يقبل
الفصل أو التجزئة – قد تساندت جميعًا فيما قضت به من تعويض، إلى أن الاستيلاء على
الأرض الزراعية محل الدعوى الموضوعية، تم بمقتضى أحكام المرسوم بقانون رقم 178
لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض
أحكام قانون الإصلاح الزراعي، المقضي بعدم دستورية عناصر التعويض المنصوص عليها في
المادة الخامسة من المرسوم بقانون، والمادة الرابعة من القرار بقانون السالفي
البيان، بما مؤداه أن الاستيلاء على الأرض الزراعية محل الدعوى الموضوعية لا يكون
قد تم تنفيذًا لقرار رئيس الجمهورية بفرض تدابير الحراسة عليها، استنادًا إلى
أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ. ولازم ذلك انتفاء الصلة بين
التعويض المقضي به، والحكم الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار
بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، التي قضت هذه
المحكمة برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستوريته. ولا وجه للاحتجاج في هذا الشأن
بما تضمنته أسباب الحكم الصادر في الدعوى رقم 57 لسنة 4 قضائية
"دستورية"، من أن الاتفاقيات المشار إليها بالنص المذكور تستقل بتحديد
التعويض المستحق لرعايا الدول الأجنبية في الحدود المبينة بها، ولا مجال لإعمال
القواعد العامة التي أتى بها القرار بقانون المشار إليه في نطاقها، وصولاً لإعمال
أحكام الاتفاقية المبرمة بين الحكومتين المصرية واللبنانية بتاريخ 18/11/1964، علـى
تقدير التعويض عن الأرض الزراعية المستولـى عليهـا، في الحالة المعروضة، إذ لم تكن
تلك الاتفاقية محـلاً لقضاء المحكمة الدستوريـة العليـا المتقدم، وبالتالي لا تكون
لها صله بهذا الحكم، ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن منازعة التنفيذ تدور
وجودًا وعدمًا، مع نطاق حجية الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، ولا
تتعداه إلى غيرها من النصوص التشريعية، ولو تشابهت معها، ذلك أن الحجية المطلقة
للأحكام الصادرة في الدعوى الدستورية، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي
كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها،
دون تلك التي لم تكن مطروحة على المحكمة ولم تفصل فيها بالفعل، فلا تمتد إليها تلك
الحجية، كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم، وما هـو متصل بهذا
المنطـوق مـن أسبـاب اتصالاً حتميًّا، بحيث لا تقـوم له قائمة إلا بها، ومن ثم لا
يجوز الارتكان إلى تلك الأسباب إلا إذا تعلقت العقبة التى تحول دون تنفيذ الحكم
الصادر في المسألة الدستورية بما ورد بأسباب ذلك الحكم مرتبطًا بالمنطوق، للقول
بأن هناك عقبات تحول دون سريان تلك الأسباب، وهو الأمر غير المتحقق في الحالة
المعروضة، وعلى ذلك لا يجوز الارتكان لما ورد بأسباب الحكم الصادر من هذه المحكمة
على النحو المتقدم سندًا لمنازعة التنفيذ المعروضة، ومن ثم فإن الأحكام المتقدمة
لا تُعد عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 6/2/1993، في الدعوى
رقم 57 لسنة 4 قضائية "دستورية"، وأن ما ارتآه المدعى في هذا الشأن على
النحو المتقدم ينحل في حقيقته إلى طعن على هذه الأحكام لا تمتد إليه ولاية هذه
المحكمة، إذ لا تُعد منازعة التنفيذ طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، الأمر الذى
يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا الشق منها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت، بجلسة 6/6/1998، في الدعوى رقم
28 لسنة 6 قضائية "دستورية":
أولاً: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الخامسة من المرسوم بقانون
رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه،
وفقًا لأحكام هذا القانون، الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه
الأرض، وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها
الأرض، وبسقوط المادة (6) من هذا المرسوم بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض
المقدر على أساس الضريبة العقارية.
ثانيًا: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون
رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت
الحكومة على أرضه تنفيذًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يقدر وفقًا للأحكام
الواردة في هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه، وبمراعاة
الضريبة السارية في 9 سبتمبر سنة 1952، وبسقوط المادة الخامسة من هذا القرار
بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية.
وتساندت هذه المحكمة في قضائها المتقدم على أن " تقدير التعويض
عن الأراضي المستولى عليها بما يعادل سبعين مِثْلاً للضريبة العقارية الأصلية
المربوطة بها الأرض في تاريخ الاستيلاء عليها، لا يعدو أن يكون تقديرًا جزافيًّا
منفصلاً عن قيمتها السوقية، وذلك من وجوه متعددة:
أولها: أن الضريبة العقارية المشار إليها لا شأن لها بأصول الأموال
محلها، وإنما يتعلق فرضها بتقدير تصوره المشرع لإيراد نجم عن استغلالها، فلا يكون
هذا الإيراد إلا وعاء لها.
وثانيها: أن الأموال المحملة بهذه الضريبة تتباين قيمتها فيما بينها
على ضوء ظروفها وخصائص بنيانها حتى داخل المحافظة الواحدة، ولا يمكن - من ثم - أن
يجمعها معيار واحد ينفصل عن أوضاع عرضها وطلبها التي تؤثر فيها إلى حد كبير عناصر
متعددة تتداخل في مجال تقييمها، من بينها ما إذا كان أصحابها يزرعونها بأنفسهم أم
يؤجرونها لغيرهم.
وثالثها: أن الضريبة العقارية المشار إليها – حتى بفرض جواز الرجوع
إليها لتحديد التعويض المستحق – لا يُعاد النظر فيها سنويًّا، وإنما يمتد تقديرها
في شأن الأراضي الزراعية جميعها – أيًّا كان موقعها وبغض النظر عن خصائصها – سنين
عشرًا، مدها المشرع بعدئذ لمدد تماثلهـا، فلا يكون التعويض المقدر على أساسها إلا
تصوريًّا.
وحيث إن المثالب الدستورية التي أبطلت نصى المادتين الخامسة من
المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والرابعة من القرار
بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، وما ترتب على
ذلك من سقوط المادة (6) من المرسوم بقانون، والمادة الخامسة من القرار بقانون
المشار إليهما، في مجال تطبيقهما في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة
العقارية، إنما تحددت في مخالفة التنظيم التشريعي المقضي بعدم دستوريته، لنصوص
المواد (32، 34، 36، 40، 165) من دستور سنة 1971، ومن ثم تكون التقريرات الدستورية
التي وردت بحكم هذه المحكمة المشار إليه، واستطالت إلى معايير التعويض العادل -
ولم تكن بهذا المؤدى سندًا لما قُضى به من إبطال وسقوط النصوص التشريعية المار
ذكرها - قد أبانت في إفصاح جهير، الضوابط المتعين الأخذ بها في شأن التعويض عن
الاستيلاء على الأراضي التي تزيد عن الحد الأقصى للملكية الزراعية، ولتَغْدُ هذه
التقريرات توجيهًا لا يفارقـه المشـرع، فيما لو أعاد تنظيم المسألة عينها، وذلك
ضمانًا لصون الملكية الخاصة، والحيلولة دون مصادرتها بعيدًا عن أحكام الدستور.
إذ كان ما تقدم، وكان حكم محكمة شربين الكلية، المؤيد بالحكم الصادر
من محكمة استئناف المنصورة، وقرار محكمة النقض - في غرفة مشورة -المشار إليها، لم
تتخذ من عناصر التعويض التي تضمنهـا النصـان القانونيان المحكوم بعدم دستوريتهما،
سندًا لما قضى به، ومن ثم لا يكون أي من هذه الأحكام مصادمًا لحكم هذه المحكمة في الدعوى
رقم 28 لسنة 6 قضائية "دستورية" السابق بيانه، ولا يشكل أى منها عقبة في
تنفيذه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى في خصوص هذا الشق منها. وفى ضوء ما
تقدم جميعه يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى برمتها.
وحيث إنه عن طلب المدعى وقف تنفيذ حكمي محكمة شربين الكلية، ومحكمة
استئناف المنصورة السالفي البيان، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع، وإذ انتهت
المحكمة إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، على النحو المار ذكره، فإن قيامها بمباشرة
اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يكون قد بات غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي
جنيه مقابل أتعاب المحاماة.