الدعوى رقم 54 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م،
الموافق الثالث من ذى القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو ورجب
عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق
عبدالعليم أبو العطا. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 54 لسنة 37
قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة
"الدائرة الأولى" بحكمها الصادر بجلسة 25/11/2014، ملف الدعوى رقم 56998
لسنة 68 ق.
المقامة من
محمد حنفى متولى السبكى، صاحب ومدير شركة السبكي للإنتاج السينمائي
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - وزير الاستثمار
3 - وزير الإعلام
4 - وزير الثقافة
5 - رئيس الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية
6 - رئيس المجلس الأعلى للثقافة
- طلب التدخل انضماميًّا إلى المدعى :
نقيب المهن السينمائية
- طلب التدخل انضماميًّا إلى جهة
الإدارة : هشام إبراهيم مصطفى
الإجراءات
بتاريخ السادس عشر من مارس سنة 2015، ورد إلى قلم
كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 56998 لسنة 68 قضائية، بعد أن قضت
محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة "الدائرة الأولى" بجلسة 25/11/2014، بوقف
تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقبل الفصل في الموضوع،
بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص
المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية
ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل
الصوتى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا
برأيها .
ونظرت
الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث
إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعى
كان قد أقام الدعوى رقم 56998 لسنة 68 قضائية، ضد المدعى عليهم بصفاتهم، طلبًا
للحكم، بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ قرار المدعى عليه الرابع رقم 286 لسنة2014، بسحب
الترخيص رقم 53 لسنة 2013، الصادر بعرض فيلم "حلاوة روح"، ووقف عرضـه
بجميع دور العرض السينمائي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها التصريح بعرض
الفيلم بجميع دور العرض، في حدود الترخيص الصادر بعرضه، على سند من القول بأن
الشركة التى يمثلها تقدمت بتاريخ 30/8/2012، بطلب للإدارة العامة للرقابة على
المصنفات الفنية بوزارة الثقافة، للحصول على ترخيص بتصوير فيلم "حلاوة روح"،
فوافقت على تصويره، بعد أن أبدت عليه بعض الملاحظات، التى التزم بها، وتم تصوير
الفيلم، وأصدرت الرقابة على المصنفـــات الفنية الترخيص رقم 53 لسنة 2013 بتاريخ
20/1/2014، بالعرض العام للفيلم "للكبار فقط"، لمدة عشر سنوات، تبدأ من
20/1/2014، إلا أن وزير الثقافة أصدر بتاريخ 17/4/2014 القرار رقم 286 لسنة 2014
"المطعون فيه" بسحب الترخيص رقم 53 لسنة 2013، الصادر بعرض فيلم
"حلاوة روح، ووقف عرضه بجميع دور العرض السينمائى، فتظلم المدعى من هذا
القرار إلى لجنة التظلمات التي رفضت تظلمه، فأقام الدعوى الموضوعية المشار إليها،
طعنًا على ذلك القرار، ناعيًا عليه أنه قد صدر مشوبًا بعيب عدم الاختصاص؛ لأنه صدر
من وزير الثقافة، بالمخالفة لأحكام القانون رقم 430 لسنة 1955 المشار إليه، وقرار
رئيس مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993 في شأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال
الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية، الذى ناط كل منهما بالإدارة
العامة للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة - دون غيرها - إصدار التراخيص
بعرض الفيلم وسحبه. ونعى عليه كذلك مخالفة القانون، لأن إجراءات الترخيص بعرض
الفيلم تمت صحيحة ومطابقة للقانون، وقد تحصن الترخيص بمضي المدة، مما يمتنع معه
على جهة الإدارة سحبه، كما أنه صدر غير مسبب، وشابه عيب الانحراف بالسلطة، لأن
الهدف منه تحقيق أغراض ومآرب بعيدة عن الصالح العام، وأثناء نظر محكمة القضاء الإداري
الشق العاجل من الدعوى طلبت نقابة المهن السينمائية التدخل، انضماميًّا للمدعى،
كما طلب الأستاذ هشام إبراهيم مصطفى المحامي قبول تدخله انضماميًّا لجهة الإدارة،
فقبلت المحكمة تدخلهما انضماميًّا، ثم قضت بجلسة 25/11/2014، أولاً: بوقف تنفيذ
قرار وزير الثقافة، بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للثقافة رقم 286 لسنة 2014 الصادر
بتاريخ 20/1/2014، بسحب الترخيص رقم 53 لسنة 2013 بعرض فيلم "حلاوة
روح"، وبوقف عرض الفيلم المشار إليه بجميع دور العرض السينمائي، مع ما يترتب
على ذلك من آثار، ثانيًا: وقبل الفصل في الموضوع: بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى
المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (9) من القانون رقم 430
لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى
والمسرحيات والمنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتى.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى
المعروضة لانتفاء المصلحة، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ القرار
المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مما يترتب عليه عرض فيلم "حلاوة
روح" بجميع دور العرض السينمائى في حدود الترخيص الصادر بعرضه.
وحيث
إن هذا الدفع مردود بأن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها -
على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على
الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة،
أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة
الدستورية العليا هى وحدها، التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية
للتثبت من شروط قبولها؛ بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة
الدستورية العليا لا تفيد، بذاتها، توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن
الدستورية لازمًا للفصل في النزاع، المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل
في دستورية النصوص، التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية، لدى محكمة الموضوع،
انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. كما أنه من
المقرر أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الشق العاجل من الدعوى، وإن
حاز حجية الأحكام، إلا أنها حجية لا تقيد المحكمة عند النظر في طلب الإلغاء، ويزول
أثرها من تاريخ الحكـم في الموضـــوع، فضلاً عــــن أن لكل من القضاءين مجاله الذى
لا يختلط فيه بالآخر؛ فالأول خاص بالطلب العاجل، وهو يقوم على ركني الجدية
والاستعجال، ومتى توافرا قُضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. أما الثانى فيتعلق
بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القــــرار المطعون فيه، الذى لا تتقيد
المحكمة عند الفصل فيه، بسبق قضاء تلك المحكمة في الشق العاجل من الدعوى.
وحيث إن المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955،
لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات
والمنلوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي تنص على أنه "يجوز للسلطة
القائمة على الرقابــــة أن تسحب، بقرار مسبب، الترخيص السابـق إصـداره في أى وقت،
إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، ولها في هذه الحالة إعادة الترخيص بالمصنف بعد
إجراء ما تراه من حذف أو إضافة أو تعديل، دون تحصيل رسوم".
متى كان ما تقدم، وكان الشق الموضوعي من الدعوى
المحالة، الذى لايزال مطروحًا على محكمة الموضوع، يدور حول طلب المدعى الحكم
بإلغاء قرار وزير الثقافة رقم 286 لسنة 2014 بسحب الترخيص رقم 53 الصادر بتاريخ
20/1/2014، بعـرض فيلم حلاوة روح، ووقف عرضه، بجميع دور العرض السينمائى، مع ما
يترتب على ذلك من آثار. وكان المشرع قد خوّل بالمادة (9) من القانون رقم 430 لسنة
1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية، ولوحات الفانوس السحرى والأغاني
والمسرحيات والمنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتى، السلطة المختصة على
الرقابة أن تسحب بقرار مسبب، الترخيص السابــــق إصــــداره في أى وقت، إذا طرأت
ظروف جديدة تستدعى ذلك، وأجاز لها في هذه الحالـة إعــادة الترخيــص بالمصنف بعد
إجراء ما تراه من حذف، أو إضافة، أو تعديل، دون تحصيل رسوم. ومن ثم فإن الفصل في دستورية
النص المحال يرتب انعكاسًا أكيدًا على الطلبات المطروحة في الدعوى المحالة في شقها
الموضوعى، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما تتوافر به المصلحة في الدعوى الدستورية
المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه النص المشار إليه من جواز قيام السلطة المختصة
بالرقابة بسحب الترخيص السابق إصـداره بشأن الأشرطة السينمائية بقرار مسبب في أى
وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، ولا يتعداه إلى غيره من الأحكام التى تضمنها
ذلك النص.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال، بمنحه
جهة الإدارة القائمة على الرقابة سلطة سحب الترخيص بالعمل السينمائي السابق إصداره
دون اللجوء إلى القضاء، إهداره لحرية الإبداع الفني، وتقييده لحرية التعبير، مما
يتنافى مع مفهوم الدولة القانونية، ويُشكل اعتداءً على اختصاص القضاء، مما يوقعه
في حومة مخالفة نصوص المواد (65، 67، 92، 94) من الدستور.
وحيث إن الدستور ينص في المادة (65) على أن "حرية الفكر والرأى
مكفولة.
ولكل إنســان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير،
أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
كما تنص المادة (67) على أن "حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة،
وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير
وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية
والأدبية والفكرية، أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة".
كما نص في المادة (92) على أن "الحقوق والحريات اللصيقــة بشخص
المواطن، لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا.
ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها، بما يمس
أصلها وجوهرها".
وأخيرًا نص في المادة (94) على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.
وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات
أساسية لحماية الحقوق والحريات".
وحيث إن
النصوص الدستورية لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار
الوحدة العضوية التي تنتظمها، من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم
العليا التى تؤمن بها الجماعة، في مراحل تطورها المختلفـة. ويتعين دومًا أن يُعتد
بهذه النصـوص، بوصفها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها،
وتتضافر توجهاتها، ولا محل، بالتالى، لقالة إلغاء بعضها البعض، بقدر تصادمها، ذلك
أن إنفاذ الوثيقة الدستورية، وفرض أحكامها علي المخاطبين بها، يفترض العمل بها في مجموعها،
وشرط ذلك اتساقها، وترابطها، والنظر إليها باعتبار أن لكل نص منها مضمونًا
ذاتيًّا، لا ينعزل به عن غيره من النصوص، أو ينافيها، أو يسقطها، بل يقوم إلى
جوارها متساندًا معها، مقيدًا بالأغراض النهائية، والمقاصد الكلية التي تجمعها.
وحيث إن حرية
الرأى تُعد من الحريات الأساسية، التى تحتمها طبيعة النظام الديمقراطى، وتعد ركيزة
لكل حكم ديمقراطي سليم، وتعتبر الحرية الأصل، الذى يتفرع عنه الكثير من الحريات
والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، وتعد المدخل الحقيقى لممارستها ممارسة
جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي، والإبداع الأدبي
والفني والثقافى. وإذا كانت حرية الرأى تعد من الدعامات الأساسية، التى تقوم عليها
النظم الديمقراطية، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة، في كل بلد ديمقراطى
متحضر، وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة، وآخرها الدستور القائم
بالنص في المادة (65) على أن "حريـة الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن
رأيـه، ونشـره بالقــول، أو بالكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل
التعبير".
وحيث إن حرية التعبير تمثل، في ذاتها، قيمة عليا، لا تنفصل
الديموقراطية عنها، وإنما تؤسس الدول، على ضوئها، مجتمعاتها، صونًا لتفاعل
مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها، وتعميق حرياتها، وإن جاز القول بأن لحرية
التعبير أهدافها التى يتصدرها بناء دائرة للحوار العام، لا تنحصــر
آفاقها ولا أدواتها، تُدْنِى الحقائق إليها، فلا يكون التعبير عن الآراء حائلاً
دون مقابلتهـا ببعض، وتقييمها، ولا مناهضتها لآراء قبلها آخرون، مؤديًا إلى
تهميشها؛ ولا تلقيها عن غيرهم مانعًا من ترويجها أو مقصورًا على بعض جوانبها ولا
تدفقها من مصادر نزدريها مستوجبا إعاقتها أو تقييدها. كذلك فإن إنماءَها للشخصية
الفردية، وضمان تحقيقها لذاتها، إنما يدعم إسهامها في أشكال من الحياة، تتعدد
ملامحها، بما يكفل حيويتها، وترابطها، فلا يكون تنظيمها مقتضيًا إلا أقل القيود
التى تفرضها الضرورة.
وحيث إن حرية التعبير- كلما كان نبضها فاعلا، وتأثيرها عريضا- هى
الطريق لبناء نظم ديموقراطية، تتعدد معها مراكز اتخاذ القرار، تتسم بتسامحها مع
خصومها ومسئوليتها قبل مواطنيها وبرفضها لكل قيد يخل بمصداقيتها واستجابتها
بالإقناع لإرادة التغيير، وطرحها، من خلال الحوار، لبدائل يفاضلون بينها لاختيار
أصلحها، أيا كان مضمونها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن الآراء على اختلافهــا لا يجوز إجهاضها ولا
مصادرة أدواتها، أو فصلهـا عن غاياتها، ولو كان الآخرون لا يرضون بها، أو
يناهضونها أو يرونها منافية لقيم محدودة أهميتها، يروجونها، أو يحيطون ذيوعها
بمخاطر يدعونها، ولا يكون لها من وضوحها وواقعها، ما يبرر القول بوجودها.
وحيث إن
الإبداع - علميًّا كان، أم أدبيًّا، أم فنيًّا، أم ثقافيًّا - باعتباره أحد صور
التعبير عن الرأى، ليس إلا موقفًا حرًا واعيًا، يتناول ألوانًا من الفنون، والعلوم
تتعدد أشكالهــا، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يكون نقلاً كاملاً عن آخرين،
ولا ترديدًا لآراء وأفكار يتداولهـا الناس فيما بينهم - دون ترتيبها، أو تصنيفها،
أو ربطها ببعض، وتحليلها - بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن
ينحل عملاً ذهنيًّا، وجهدًا خلاقًّا، ولو لم يكن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدّة،
وأن يتخذ كذلك ثوبًا ماديًّا - ولو كان رسمًا، أو صوتًا، أو صورة، أو عملاً
حركيًّا - فلا ينغلق على المبدع استئثارًا، بل يتعداه إلى آخرين انتشارًا، ليكون
مؤثرًا فيهم، ومن ثم كان الإبداع، في حياة الأمم، إثراءً لا ترفًا، معمقًا رسالتها
في تغيير أنماط الحياة بها، بل هو أداة ارتقائها، لا ينفصل عن تراثها، بل يتفاعل
مع وجدانها، كافلاً تقدمها من خلال اتصال العلوم والفنون ببعضهما، ليكون بنيانها
أكثر تكاملاً، وحلقاتها أعمق ارتباطًا، ومفاهيمها أبعد عطاءً.
وحيث إن ما
تقدم مؤداه أن الإبداع في العلوم، والفنون - أيًّا كان لونها -ليس تسليمًا بما هو
قائم من ملامحها، بل تغييرًا فيها، تعديلاً لبنيانها، أو تطويرًا لها، ليؤكد
المبدع، بذلك، انفراده بإحداثها، فلا يمكن نسبتها لغيره، إذ هو صانعها، ولأن
العناصر التى يضيفها لاينقلها بتمامها عن سواه، إنما تعود أصالتها
إلى احتوائها على حد أدنى من عناصر الخلق التى تقارن الابتكار، فلا ينفصل عنها،
بما يؤكد دلالتها على استقلال مبدعها بها، ويبلور نوع وعمق المشاعر التى تفاعل
معها، مستثيرًا من خلالها، قوة العقل ومعطياتها، فلا يكون نبتها إلا إلهامًا
بصيرًا، ويتعين على ضوء ما تقدم، أن يكون الإبداع محل تقدير الأمم على تباين
مذاهبها، وتوجهاتهــــــــا، وأن تيسر الطريق إليه بكل الوسائل التى تملكهـا، فلا
ينعزل حبيسًا، أو يتمحض لهوًا أو ترفًا، بل ينحل جهدًا ذهنيًّا فاعلاً، ونظرًا
متوثبًا في تلك العلوم والفنون، يعيد تشكيلها، ويطرح أبعادًا جديدة لها، كافلاً
ذيوع الحقائق التى تتعلق بتطوير عناصرها، ليكون نتاجها بعثًا من رقاد، وثمارها
حقَّا عائدًا إلى المواطنين في مجموعهم، يملكونها ويفيدون منها، ينقلون عنها
ويتأثرون بهــا، على أن يكون مفهومًا أن الإبداع ليس بالضرورة إحياءً كاملاً أو
مبتدءاً، ولا قفزًا في الفراغ، بل اتصالاً بما هو قائم إكمالاً لمحتواه، وانتقالاً
بمداه إلى آفاق أرحب، ومن المتصور بالتالى أن يكون الإبداع وئيدًا في خطاه، وإن
تعين دومًا أن يكون نهجًا متواصلاً على طريق يمتد أمدًا، رانيًا لآفاق لا تنحصر
أبعادها، مبددًا مفاهيم متعثرة، متخـذًا من الابتكـار - مهما ضَؤل قدره - أسلوبًا
ثابتًا، وعقيـدة لا يُتَحَول عنها، لا امتياز في الاقتناع بها والدعوة إليها والحض
عليها لأحد على غيره، ليظل نهرا متجددا، ومتدفقا دون انقطاع.
وحيث إن
الدستور عزَّزَ بمقتضى نص المادة (65) حرية التعبير وكفل بموجب نص المادة (66)
حرية البحث العلمى، وما يقتضيه إجراء البحوث العلمية وإنماؤها على تباين مناهجها
وأنماطها، ثم قرنها بالإبداع فنيًّا وأدبيًّا وثقافيًّا، وأكمل حلقاتها، حين ألزم
الدولة بمقتضى نص المادة (67) بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية
إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، كافلاً الحماية للمبدعين وناتج
إبداعهم من الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، من خلال حظر رفع أو تحريك الدعاوى
لوقفها أو مصادرتهـا أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، كما حظر توقيع
عقوبة سالبة للحرية بالنسبة للجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو
الأدبى أو الفكرى، مستبعدًا من كل ذلك الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو
التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، التى لا تتمتع هى ومرتكبوها
بتلك الحماية الدستورية، وتعد خارجة عن نطاق ذلك الحظر، ليتولى القانون بمقتضى
التفويض الذى خولّه له الدستور تحديد عقوباتها، فضلاً عن التضمينات التي قررها
الدستور لصالح المضرور من هذه الجرائم، والمتمثلة في تخويل المحكمة في الأحوال
المتقدمة إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى
التعويضات الأصلية المستحقة له، التى حدد الدستور معيار تقديرها بما لحق المضرور
من الجريمة من أضرار.
وحيث إنه
ولئن كان ما تقدم، إلا أن الدستور فوق هذا يولى الاعتبار الأول لمصالح الجماعة،
بما يصون مقوماتها، ويكفل إنماء قيمها الاجتماعية، والخلقية والدينية، بالغًا، من
خلال ضمانها، ما يكون، في تقديره، محققًا للتكافل بين أفرادها، نابذًا انغلاقها،
وإهدارها، في الوقت ذاته، كافلاً الرعاية للحقائق العلمية، عاملاً على الارتقاء
بالفنون، على تباين ألوانها، مقيمًا حرية الإبداع على دعائمها، وكان الدستور
بالحقوق التى يقررها، والقيود التى يفرضها - وأيًّا كان مداها أو نطاقها - لا يعمل
في فراغ، ولا ينتظم مجرد قواعد آمرة، لا تبديل فيها إلا من خلال تعديلها، وفقًا
للأوضاع التى ينص عليها، إذ هو وثيقة تقدمية، نابضة بالحياة، تعمل من أجل تطوير
مظاهرها، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها الاجتماعية، والخلقية، والدينية النابعة من
ذاتيتها، متخذة من الخضوع للقانون إطارًا لها، ملتزمة إرادة الجماهير، التى ترنو،
دائمًا، إلى تضامنها وتماسكها مقررة مسئولية القائمين بالعمل العام أمامها، عن
الحفاظ على قيم، ومبادئ، ومقومات المجتمع، مبلورة لطاقاتها وملكاتها، ولا مناص من
الرجوع إليها، تغليبًا لأحكامها، التى تمثل القواعد الآمرة، ولأن الشرعية
الدستورية، في نطاقها، هى التى تكفل ارتكاز السلطة على الإرادة العامة، بما يراعى
قيم ومبادئ المجتمع ومقوماته الأساسية وتقويم اعوجاجها، ومنها تستمد السلطة
فعاليتها، بما يعزز الأسس التى تنهض بها الجماعة، ويرعى الحفاظ عليها، وتقدمها في آن
واحد، ويؤدى إلى تماسكها، وعدم إهدار قيمها، ومقوماتها المختلفة.
وحيث
إن الدستور الحالى قد انتهج منهج الدساتير السابقة عليه في ترتيب أبوابه، إذ خصص
الباب الأول للدولة، والباب الثانى للمقومات الأساسية للمجتمع، فضمَّن في الفصل
الأول منه المقومات الاجتماعية، ناصًّا في مادته الثامنة على أن "يقوم
المجتمع على التضامن الاجتماعى"، وفى مادته العاشرة على أن "الأسرة أساس
المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها، واستقرارها،
وترسيخ قيمها"، وملزمًا في مادته الحادية عشرة الدولة برعاية، وحماية
الطفولة، والنشء، كما عيَّن في الفصل الثانى المقومات الاقتصادية، وأورد المقومات
الثقافية في الفصل الثالث منه، فنص في المادة (47) منه على أن "تلتزم الدولة
بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، بروافدها الحضارية المتنوعة"؛ ثم خصص
الباب الثالث منه للحقوق والحريات والواجبات العامة، بكل أنواعها وصورها، فأورد به
المادة (82)، التى نصت على أن "تكفل الدولة رعاية الشباب، والنشء، وتعمل على
اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية، والعلمية، والنفسية، والبدنية،
والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى، وتمكينهم من المشاركة في الحياة
العامـة"؛ وإذا كانت حرية التعبير، والإبداع الفنى لم يقيدها المشرع الدستورى
بقيدٍ، إلا أن هذه الحرية، ليست طليقة من كل تنظيم، فالنصوص الدستورية تتكامل فيما
بينها، في إطار من الوحدة العضوية التى تجمعها، فلا تتفرق توجهاتها، أو تنعزل عن
بعضهـا، بل يكون نسيجها متآلفًا، فيتعين تفسيرها بما يحول دون تهادمها أو تناقضها،
فإن تلك الحرية تمارس، في نطاق، المبادئ، والمقومات الأساسية للمجتمع، بما لا يمس
قيمه الاجتماعية، والدينية، والروحية، والخلقية التى تحدد لهذه الحرية الدائرة
التى تتحرك فيها، وتمارس من خلالها. كما أن الدستور قد أوكل للقانون تنظيم هذه
الحرية، بما لا يمس أصلها، أو جوهرها، وهو القيد العام، الذى وضعه الدستور على
سلطة المشرع العادى في تنظيم ممارسة الحقوق، والحريات كافة، وضمنه نص المادة (92)
منه، ذلك أن تدخل المشرع صيانةً للقيم والمبادئ التى يقوم عليها بناء المجتمع،
واحترام الشعور العام لأفراده، بتخويل الجهة الإدارية المختصة سحب ترخيص عرض ما
يكون من المصنفات الفنية والأدبية مثيرًا للغرائز، أو التى يكون عرضها أو وصفها
للسلوك نائيًا عن الخلق وشائنًا، والمفتقر في محتواه إلى الجدية التى تدل على
قيمته الأدبية أو الفنية أو السياسية أو العلمية، لا يعتبر منافيًا لحرية التعبير،
ذلك أن الدستور وإن كان يكفل للآراء والتعبير عنها الحرية التى تكفل ممارستها في إطارهـا
الدستورى، إلا أن حدود التأثير التى يبلغها المصنف الفنى أو الأدبى الشائن في مثل
الحالات المتقدمة، تجعله غير جدير بتلك الحماية، التى يكفلها الدستور.
وحيث إن فن السينما يعد من أهم وسائل التعبير عن
الرأى، والفكر، ونشر الأخلاق الحميدة، والقيم، والمفاهيم الإنسانية، لأنه كالمسرح،
مجمع الفنون، بل إنه يزيد عليه، بما له من انتشار غير محدود، من خلال دور العرض،
فضلاً عن الإذاعة المسموعة، والمرئية، بل ومن خلال الأجهزة السمعية والبصرية، ذات
الانتشار الواسع، حتى في أعماق قرى مصر في هذه الأيام. وعلى هذا الأساس، فإن فن
السينما على هذا النحو، مخاطب كغيره من وسائل الإعلام، بل وقبل غيره منها، بأن
يلتزم بإطار وحدود الحرية المشروعة في التعبير والتأثير، كما يلتزم بقيم المجتمع
المصرى، ومقوماته الأساسية، فيما يعرضه على أبناء مصر، الذين يؤثر فيهم بعمق،
ويشكل أفكارهم، وبذلك فإن المشرع في القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على
الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنلوجات
واسطوانات التسجيل الصوتى، قد نص في المادة الأولى منه على أن "تخضع للرقابة
الأشرطة السينمائية، ولوحات الفانوس السحرى، والمسرحيات، والمنلوجات، والأغانى، والأشرطــة
الصوتية، والاسطـوانات، أو ما يماثلها، وذلك بقصد حماية الآداب العامة، والمحافظة
على الأمن، والنظام، ومصالح الدولة العليا".
وحيث
إنه ولئن كان المشرع قد أطلق حرية الإبداع الفنى، في مجال الفـــن السينمائي، إلا
أنه قيد هذا الإطلاق، بحدود بيَّنَها القانون على سبيل الحصر، هى حماية الآداب
العامة، والمحافظة على الأمن، والنظام العام، ومصالح الدولة العليا، فضلاً عن
حماية المقومات الأساسية للمجتمع التى حددها الدستور، وقيمه الدينية، والأخلاقية،
والاجتماعية، بحيث إذا ما خـرج المصنف السينمائى عن أحد هذه الحدود عُد خارجًا عن
المقومات الأساسيـة الاجتماعيـة أو الأخلاقيــة أو السياسية، التى يحميها الدستور،
والتى تعلو، وتسمـو دائمًا، في مجال الرعاية والحماية، على ما تتطلبه الحرية
الفردية الخاصة، إذ لا ريب في أنه من المبادئ الرئيسة التى تقوم عليها الدول
المتحضرة، تضامن الأفراد، وتماسكهم، لتحقيق الغايات، والصوالح العامة، التى
يستهدفونها في نطاق إقليم الدولة، ومن أجل ذلك خوّل المشرع السلطة المختصة على
الرقابة، كإحدى هيئات الضبط الإدارى، عند قيام المقتضى المشار إليه، بألا تسمح
بعرض العمل السينمائي، وأجاز لها، أيضًا، بالمادة التاسعة من القانون رقم 430 لسنة
1955 المشار إليه، المحالة في النطاق آنف الذكر، بعد الترخيص به، أن تسحـب، بقـرار
مسـبب، هذا الترخيص، إذ طرأت ظروف جديدة، تستدعى ذلك. ولا شك أن مقتضى التفسير
المتناسق للنصوص يتطلب القول بأن تلك الظروف الجديدة، تتحدد من منظور أوساط الناس
في ضوء القيم الخلقية التى لا تقوم على معايير فرضية، وإنما يحكمها الواقع الاجتماعي
والبيئي والزماني، والذى تتحدد على أساسه المفاهيم الاجتماعية القائمة في المنطقة
الإقليمية التى يُوَزع ويُعْرَض فيها المصنف الفنى، والتى لا يحكمها معيار عام
يسعها في تطبيقاتها، وإنما تتغاير ضوابطها بتغير الزمان والمكان والأشخاص، ومن ثم
كان لازمًا لمواجهة تلك الأوضاع والمعايير المتغيرة منح المشرع قدرًا من الصلاحيات
في إطار سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات، سواء تلك التى كفلها
الدستور أو قررها القانون، لمواجهة تلك الظروف والأوضاع المتغيرة. هذا وقد أجاز
القانون لمن يسحب الترخيص الصادر له بعرض العمل السينمائي، أن يتظلم من القرار
الصادر بذلك، إلى لجنة إدارية، يضم تشكيلها عنصرًا قضائيًّا، تتولى البت في أمر
التظلم، ويكون لصاحب الشأن حق الطعن على قرار هذه اللجنة طبقًا للقواعد العامة
أمام القاضي الطبيعي، وهو الحق الذى كفلته المادة (97) من الدستور للكافة،
باعتباره ضمانة أساسية للحقوق والحريات طبقًا لنص المادة (94) من الدستور، وعلى
ذلك فإن انتقال المصنف الفني إلى مرحلة العرض العام على الجمهور، ومدى مناسبته
للواقع القانوني والاجتماعي والبيئي، الذى يختلف باختلاف المكان والزمان، فما يصلح
للعـرض في منطقة ما قد لا يناسب واقع منطقة أخرى، ويتعارض مع عاداتها وتقاليدها،
بل قد يكون مناهضًا لها، ومصادمًا للشعور العام بها، كما أن توقيت العرض قد يشكل
ظرفًا زمانيًّا لعدم مناسبة العرض، فما يصلح في زمان قد لا يصلح لزمن آخر، ولذلك
أجاز النص المُحال للجهة القائمة على الرقابة على تلك المصنفات، تحت رقابة القضاء،
التدخل لمواجهته حال تغير الظروف التى قامت خلالها وبسببها بالترخيص بعرض المصنف،
لسحب هذا الترخيص، لمواجهة ما جدَّ منها، واستجابة لها، وفى حدود ما تقتضيه
الضرورة الناشئة عنها، دون أن يعد ذلك مساسًا بحرية الفكر والرأي والإنتاج الأدبي والفني،
والتي تجد الحماية الدستورية لها حدها في بقاء المصنف مواكبًا للواقع الاجتماعي والبيئي
والزماني والقانونى الذى يعبر عنه.
وحيث إنه لا يجوز التذرع بما قيده نص المادة (67)
من الدستور الحالى - بعد أن كفل حرية الإبداع الفنى والأدبي - من حظـر رفع، أو
تحريك الدعاوى لوقف، أو مصادرة الأعمال الفنية، والأدبية، والفكرية، أو ضد
مبدعيها، إلا عن طريق النيابة العامة، إذ إن ذلك لا يعنى، على الإطلاق، حجب دور
الدولة، في الرقابة على المصنفات الفنية، سواء بالترخيص بالعمل السينمائي، بعد
توافر شروطه، أو بسحب الترخيص بعد إصداره في أى وقت، إذا طرأت ظروف تستدعى ذلك،
فالترخيص بعرض الأفلام السينمائية، من شأنها التمكين من الإسهام في مباشرة نشاط
يتصل اتصالاً مباشرًا، ووثيقًا بمصالح الجماهير، وعلى هذا المقتضى فإنها لا ترتب،
لمن يستصدرها، حقًا دائمًا، لكنها تقتصر على ترتيب ميزة وقتية له، تظل قائمة، متى
بقيت مبرراتها، فإن تغيرت الظروف، كان للجهة الإدارية المختصة التدخل لمواجهتها،
دون أن يعد تدخلها في هذه الحالة افتئاتًا على القيد الوارد في المادة (67) من
الدستور، في وجوب اللجوء للنيابة العامة، في شأن رفع أو تحريك الدعاوى، لوقف أو
مصادرة الأعمال السينمائية، الذى ينسحب - على ما أوضحته الأعمال التحضيرية للدستور
- فحسب، إلى الأفراد، حتى لا تتحول تلك الدعاوى إلى دعاوى حسبة؛ وبالتالى يكون
للدولة، بسلطاتها العامة، وما لديها من وسائل الضبط الإدارى، أن تتدخل بسحب ترخيص
عرض العمل، متى قامت مسوغاته ومبرراته القانونية والدستورية، دون أن يعد ذلك
إهدارًا لأحكام الدستور.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن النص المُحَال، في النطاق
المحدد سلفًا، لم يخالف أحكام المواد (65، 67، 92، 94) من الدستور ، كما لم يخالف أي
مادة أخرى منه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.