الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 4 أغسطس 2019

دستورية تخويل الرقابة سحب ترخيص عرض المصنفات الفنية والأدبية المثيرة للغرائز


الدعوى رقم 54 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م، الموافق الثالث من ذى القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا.    نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع   أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 54 لسنة 37 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة "الدائرة الأولى" بحكمها الصادر بجلسة 25/11/2014، ملف الدعوى رقم 56998 لسنة 68 ق.
المقامة من
محمد حنفى متولى السبكى، صاحب ومدير شركة السبكي للإنتاج السينمائي
ضد
1 - رئيس مجلس الوزراء
2 - وزير الاستثمار
3 - وزير الإعلام
4 - وزير الثقافة
5 - رئيس الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية
6 - رئيس المجلس الأعلى للثقافة
 - طلب التدخل انضماميًّا إلى المدعى : نقيب المهن السينمائية
 - طلب التدخل انضماميًّا إلى جهة الإدارة : هشام إبراهيم مصطفى


الإجراءات
    بتاريخ السادس عشر من مارس سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 56998 لسنة 68 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة "الدائرة الأولى" بجلسة 25/11/2014، بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقبل الفصل في الموضوع، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتى.
   وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
            وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
            ونظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــة
            بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
     حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 56998 لسنة 68 قضائية، ضد المدعى عليهم بصفاتهم، طلبًا للحكم، بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ قرار المدعى عليه الرابع رقم 286 لسنة2014، بسحب الترخيص رقم 53 لسنة 2013، الصادر بعرض فيلم "حلاوة روح"، ووقف عرضـه بجميع دور العرض السينمائي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها التصريح بعرض الفيلم بجميع دور العرض، في حدود الترخيص الصادر بعرضه، على سند من القول بأن الشركة التى يمثلها تقدمت بتاريخ 30/8/2012، بطلب للإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة، للحصول على ترخيص بتصوير فيلم "حلاوة روح"، فوافقت على تصويره، بعد أن أبدت عليه بعض الملاحظات، التى التزم بها، وتم تصوير الفيلم، وأصدرت الرقابة على المصنفـــات الفنية الترخيص رقم 53 لسنة 2013 بتاريخ 20/1/2014، بالعرض العام للفيلم "للكبار فقط"، لمدة عشر سنوات، تبدأ من 20/1/2014، إلا أن وزير الثقافة أصدر بتاريخ 17/4/2014 القرار رقم 286 لسنة 2014 "المطعون فيه" بسحب الترخيص رقم 53 لسنة 2013، الصادر بعرض فيلم "حلاوة روح، ووقف عرضه بجميع دور العرض السينمائى، فتظلم المدعى من هذا القرار إلى لجنة التظلمات التي رفضت تظلمه، فأقام الدعوى الموضوعية المشار إليها، طعنًا على ذلك القرار، ناعيًا عليه أنه قد صدر مشوبًا بعيب عدم الاختصاص؛ لأنه صدر من وزير الثقافة، بالمخالفة لأحكام القانون رقم 430 لسنة 1955 المشار إليه، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993 في شأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية، الذى ناط كل منهما بالإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الثقافة - دون غيرها - إصدار التراخيص بعرض الفيلم وسحبه. ونعى عليه كذلك مخالفة القانون، لأن إجراءات الترخيص بعرض الفيلم تمت صحيحة ومطابقة للقانون، وقد تحصن الترخيص بمضي المدة، مما يمتنع معه على جهة الإدارة سحبه، كما أنه صدر غير مسبب، وشابه عيب الانحراف بالسلطة، لأن الهدف منه تحقيق أغراض ومآرب بعيدة عن الصالح العام، وأثناء نظر محكمة القضاء الإداري الشق العاجل من الدعوى طلبت نقابة المهن السينمائية التدخل، انضماميًّا للمدعى، كما طلب الأستاذ هشام إبراهيم مصطفى المحامي قبول تدخله انضماميًّا لجهة الإدارة، فقبلت المحكمة تدخلهما انضماميًّا، ثم قضت بجلسة 25/11/2014، أولاً: بوقف تنفيذ قرار وزير الثقافة، بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للثقافة رقم 286 لسنة 2014 الصادر بتاريخ 20/1/2014، بسحب الترخيص رقم 53 لسنة 2013 بعرض فيلم "حلاوة روح"، وبوقف عرض الفيلم المشار إليه بجميع دور العرض السينمائي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ثانيًا: وقبل الفصل في الموضوع: بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955 بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتى.

            وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى المعروضة لانتفاء المصلحة، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مما يترتب عليه عرض فيلم "حلاوة روح" بجميع دور العرض السينمائى في حدود الترخيص الصادر بعرضه.

            وحيث إن هذا الدفع مردود بأن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. ويستوى في شأن توافر المصلحة، أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها، التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها؛ بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد، بذاتها، توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع، المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص، التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية، لدى محكمة الموضوع، انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. كما أنه من المقرر أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الشق العاجل من الدعوى، وإن حاز حجية الأحكام، إلا أنها حجية لا تقيد المحكمة عند النظر في طلب الإلغاء، ويزول أثرها من تاريخ الحكـم في الموضـــوع، فضلاً عــــن أن لكل من القضاءين مجاله الذى لا يختلط فيه بالآخر؛ فالأول خاص بالطلب العاجل، وهو يقوم على ركني الجدية والاستعجال، ومتى توافرا قُضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. أما الثانى فيتعلق بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القــــرار المطعون فيه، الذى لا تتقيد المحكمة عند الفصل فيه، بسبق قضاء تلك المحكمة في الشق العاجل من الدعوى.

            وحيث إن المادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955، لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنلوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي تنص على أنه "يجوز للسلطة القائمة على الرقابــــة أن تسحب، بقرار مسبب، الترخيص السابـق إصـداره في أى وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، ولها في هذه الحالة إعادة الترخيص بالمصنف بعد إجراء ما تراه من حذف أو إضافة أو تعديل، دون تحصيل رسوم".
            متى كان ما تقدم، وكان الشق الموضوعي من الدعوى المحالة، الذى لايزال مطروحًا على محكمة الموضوع، يدور حول طلب المدعى الحكم بإلغاء قرار وزير الثقافة رقم 286 لسنة 2014 بسحب الترخيص رقم 53 الصادر بتاريخ 20/1/2014، بعـرض فيلم حلاوة روح، ووقف عرضه، بجميع دور العرض السينمائى، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وكان المشرع قد خوّل بالمادة (9) من القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية، ولوحات الفانوس السحرى والأغاني والمسرحيات والمنلوجات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتى، السلطة المختصة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبب، الترخيص السابــــق إصــــداره في أى وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، وأجاز لها في هذه الحالـة إعــادة الترخيــص بالمصنف بعد إجراء ما تراه من حذف، أو إضافة، أو تعديل، دون تحصيل رسوم. ومن ثم فإن الفصل في دستورية النص المحال يرتب انعكاسًا أكيدًا على الطلبات المطروحة في الدعوى المحالة في شقها الموضوعى، وقضاء محكمة الموضوع فيها، مما تتوافر به المصلحة في الدعوى الدستورية المعروضة، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه النص المشار إليه من جواز قيام السلطة المختصة بالرقابة بسحب الترخيص السابق إصـداره بشأن الأشرطة السينمائية بقرار مسبب في أى وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعى ذلك، ولا يتعداه إلى غيره من الأحكام التى تضمنها ذلك النص.
            وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال، بمنحه جهة الإدارة القائمة على الرقابة سلطة سحب الترخيص بالعمل السينمائي السابق إصداره دون اللجوء إلى القضاء، إهداره لحرية الإبداع الفني، وتقييده لحرية التعبير، مما يتنافى مع مفهوم الدولة القانونية، ويُشكل اعتداءً على اختصاص القضاء، مما يوقعه في حومة مخالفة نصوص المواد (65، 67، 92، 94) من الدستور.

وحيث إن الدستور ينص في المادة (65) على أن "حرية الفكر والرأى مكفولة.
ولكل إنســان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
كما تنص المادة (67) على أن "حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة".
كما نص في المادة (92) على أن "الحقوق والحريات اللصيقــة بشخص المواطن، لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا.
ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها، بما يمس أصلها وجوهرها".
وأخيرًا نص في المادة (94) على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.
وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات".

      وحيث إن النصوص الدستورية لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها، من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التى تؤمن بها الجماعة، في مراحل تطورها المختلفـة. ويتعين دومًا أن يُعتد بهذه النصـوص، بوصفها متآلفة فيما بينها، لا تتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها، وتتضافر توجهاتها، ولا محل، بالتالى، لقالة إلغاء بعضها البعض، بقدر تصادمها، ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية، وفرض أحكامها علي المخاطبين بها، يفترض العمل بها في مجموعها، وشرط ذلك اتساقها، وترابطها، والنظر إليها باعتبار أن لكل نص منها مضمونًا ذاتيًّا، لا ينعزل به عن غيره من النصوص، أو ينافيها، أو يسقطها، بل يقوم إلى جوارها متساندًا معها، مقيدًا بالأغراض النهائية، والمقاصد الكلية التي تجمعها.
      وحيث إن حرية الرأى تُعد من الحريات الأساسية، التى تحتمها طبيعة النظام الديمقراطى، وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، وتعتبر الحرية الأصل، الذى يتفرع عنه الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، وتعد المدخل الحقيقى لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي، والإبداع الأدبي والفني والثقافى. وإذا كانت حرية الرأى تعد من الدعامات الأساسية، التى تقوم عليها النظم الديمقراطية، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة، في كل بلد ديمقراطى متحضر، وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة، وآخرها الدستور القائم بالنص في المادة (65) على أن "حريـة الرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيـه، ونشـره بالقــول، أو بالكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير".

وحيث إن حرية التعبير تمثل، في ذاتها، قيمة عليا، لا تنفصل الديموقراطية عنها، وإنما تؤسس الدول، على ضوئها، مجتمعاتها، صونًا لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها، وتعميق حرياتها، وإن جاز القول بأن لحرية التعبير أهدافها التى يتصدرها بناء دائرة    للحوار العام، لا تنحصــر آفاقها ولا أدواتها، تُدْنِى الحقائق إليها، فلا يكون التعبير عن الآراء حائلاً دون مقابلتهـا ببعض، وتقييمها، ولا مناهضتها لآراء قبلها آخرون، مؤديًا إلى تهميشها؛ ولا تلقيها عن غيرهم مانعًا من ترويجها أو مقصورًا على بعض جوانبها ولا تدفقها من مصادر نزدريها مستوجبا إعاقتها أو تقييدها. كذلك فإن إنماءَها للشخصية الفردية، وضمان تحقيقها لذاتها، إنما يدعم إسهامها في أشكال من الحياة، تتعدد ملامحها، بما يكفل حيويتها، وترابطها، فلا يكون تنظيمها مقتضيًا إلا أقل القيود التى تفرضها الضرورة.

وحيث إن حرية التعبير- كلما كان نبضها فاعلا، وتأثيرها عريضا- هى الطريق لبناء نظم ديموقراطية، تتعدد معها مراكز اتخاذ القرار، تتسم بتسامحها مع خصومها ومسئوليتها قبل مواطنيها وبرفضها لكل قيد يخل بمصداقيتها واستجابتها بالإقناع لإرادة التغيير، وطرحها، من خلال الحوار، لبدائل يفاضلون بينها لاختيار أصلحها، أيا كان مضمونها.

وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن الآراء على اختلافهــا لا يجوز إجهاضها ولا مصادرة أدواتها، أو فصلهـا عن غاياتها، ولو كان الآخرون لا يرضون بها، أو يناهضونها أو يرونها منافية لقيم محدودة أهميتها، يروجونها، أو يحيطون ذيوعها بمخاطر يدعونها، ولا يكون لها من وضوحها وواقعها، ما يبرر القول بوجودها.
      وحيث إن الإبداع - علميًّا كان، أم أدبيًّا، أم فنيًّا، أم ثقافيًّا - باعتباره أحد صور التعبير عن الرأى، ليس إلا موقفًا حرًا واعيًا، يتناول ألوانًا من الفنون، والعلوم تتعدد أشكالهــا، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يكون نقلاً كاملاً عن آخرين، ولا ترديدًا لآراء وأفكار يتداولهـا الناس فيما بينهم - دون ترتيبها، أو تصنيفها، أو ربطها ببعض، وتحليلها - بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن ينحل عملاً ذهنيًّا، وجهدًا خلاقًّا، ولو لم يكن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدّة، وأن يتخذ كذلك ثوبًا ماديًّا - ولو كان رسمًا، أو صوتًا، أو صورة، أو عملاً حركيًّا - فلا ينغلق على المبدع استئثارًا، بل يتعداه إلى آخرين انتشارًا، ليكون مؤثرًا فيهم، ومن ثم كان الإبداع، في حياة الأمم، إثراءً لا ترفًا، معمقًا رسالتها في تغيير أنماط الحياة بها، بل هو أداة ارتقائها، لا ينفصل عن تراثها، بل يتفاعل مع وجدانها، كافلاً تقدمها من خلال اتصال العلوم والفنون ببعضهما، ليكون بنيانها أكثر تكاملاً، وحلقاتها أعمق ارتباطًا، ومفاهيمها أبعد عطاءً.
      وحيث إن ما تقدم مؤداه أن الإبداع في العلوم، والفنون - أيًّا كان لونها -ليس تسليمًا بما هو قائم من ملامحها، بل تغييرًا فيها، تعديلاً لبنيانها، أو تطويرًا لها، ليؤكد المبدع، بذلك، انفراده بإحداثها، فلا يمكن نسبتها لغيره، إذ هو صانعها، ولأن العناصر التى    يضيفها لاينقلها بتمامها عن سواه، إنما تعود أصالتها إلى احتوائها على حد أدنى من عناصر الخلق التى تقارن الابتكار، فلا ينفصل عنها، بما يؤكد دلالتها على استقلال مبدعها بها، ويبلور نوع وعمق المشاعر التى تفاعل معها، مستثيرًا من خلالها، قوة العقل ومعطياتها، فلا يكون نبتها إلا إلهامًا بصيرًا، ويتعين على ضوء ما تقدم، أن يكون الإبداع محل تقدير الأمم على تباين مذاهبها، وتوجهاتهــــــــا، وأن تيسر الطريق إليه بكل الوسائل التى تملكهـا، فلا ينعزل حبيسًا، أو يتمحض لهوًا أو ترفًا، بل ينحل جهدًا ذهنيًّا فاعلاً، ونظرًا متوثبًا في تلك العلوم والفنون، يعيد تشكيلها، ويطرح أبعادًا جديدة لها، كافلاً ذيوع الحقائق التى تتعلق بتطوير عناصرها، ليكون نتاجها بعثًا من رقاد، وثمارها حقَّا عائدًا إلى المواطنين في مجموعهم، يملكونها ويفيدون منها، ينقلون عنها ويتأثرون بهــا، على أن يكون مفهومًا أن الإبداع ليس بالضرورة إحياءً كاملاً أو مبتدءاً، ولا قفزًا في الفراغ، بل اتصالاً بما هو قائم إكمالاً لمحتواه، وانتقالاً بمداه إلى آفاق أرحب، ومن المتصور بالتالى أن يكون الإبداع وئيدًا في خطاه، وإن تعين دومًا أن يكون نهجًا متواصلاً على طريق يمتد أمدًا، رانيًا لآفاق لا تنحصر أبعادها، مبددًا مفاهيم متعثرة، متخـذًا من الابتكـار - مهما ضَؤل قدره - أسلوبًا ثابتًا، وعقيـدة لا يُتَحَول عنها، لا امتياز في الاقتناع بها والدعوة إليها والحض عليها لأحد على غيره، ليظل نهرا متجددا، ومتدفقا دون انقطاع.

      وحيث إن الدستور عزَّزَ بمقتضى نص المادة (65) حرية التعبير وكفل بموجب نص المادة (66) حرية البحث العلمى، وما يقتضيه إجراء البحوث العلمية وإنماؤها على تباين مناهجها وأنماطها، ثم قرنها بالإبداع فنيًّا وأدبيًّا وثقافيًّا، وأكمل حلقاتها، حين ألزم الدولة بمقتضى نص المادة (67) بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، كافلاً الحماية للمبدعين وناتج إبداعهم من الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، من خلال حظر رفع أو تحريك الدعاوى لوقفها أو مصادرتهـا أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، كما حظر توقيع عقوبة سالبة للحرية بالنسبة للجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، مستبعدًا من كل ذلك الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، التى لا تتمتع هى ومرتكبوها بتلك الحماية الدستورية، وتعد خارجة عن نطاق ذلك الحظر، ليتولى القانون بمقتضى التفويض الذى خولّه له الدستور تحديد عقوباتها، فضلاً عن التضمينات التي قررها الدستور لصالح المضرور من هذه الجرائم، والمتمثلة في تخويل المحكمة في الأحوال المتقدمة إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له، التى حدد الدستور معيار تقديرها بما لحق المضرور من الجريمة من أضرار.
      وحيث إنه ولئن كان ما تقدم، إلا أن الدستور فوق هذا يولى الاعتبار الأول لمصالح الجماعة، بما يصون مقوماتها، ويكفل إنماء قيمها الاجتماعية، والخلقية والدينية، بالغًا، من خلال ضمانها، ما يكون، في تقديره، محققًا للتكافل بين أفرادها، نابذًا انغلاقها، وإهدارها، في الوقت ذاته، كافلاً الرعاية للحقائق العلمية، عاملاً على الارتقاء بالفنون، على تباين ألوانها، مقيمًا حرية الإبداع على دعائمها، وكان الدستور بالحقوق التى يقررها، والقيود التى يفرضها - وأيًّا كان مداها أو نطاقها - لا يعمل في فراغ، ولا ينتظم مجرد قواعد آمرة، لا تبديل فيها إلا من خلال تعديلها، وفقًا للأوضاع التى ينص عليها، إذ هو وثيقة تقدمية، نابضة بالحياة، تعمل من أجل تطوير مظاهرها، في بيئة بذاتها، لها مقوماتها الاجتماعية، والخلقية، والدينية النابعة من ذاتيتها، متخذة من الخضوع للقانون إطارًا لها، ملتزمة إرادة الجماهير، التى ترنو، دائمًا، إلى تضامنها وتماسكها مقررة مسئولية القائمين بالعمل العام أمامها، عن الحفاظ على قيم، ومبادئ، ومقومات المجتمع، مبلورة لطاقاتها وملكاتها، ولا مناص من الرجوع إليها، تغليبًا لأحكامها، التى تمثل القواعد الآمرة، ولأن الشرعية الدستورية، في نطاقها، هى التى تكفل ارتكاز السلطة على الإرادة العامة، بما يراعى قيم ومبادئ المجتمع ومقوماته الأساسية وتقويم اعوجاجها، ومنها تستمد السلطة فعاليتها، بما يعزز الأسس التى تنهض بها الجماعة، ويرعى الحفاظ عليها، وتقدمها في آن واحد، ويؤدى إلى تماسكها، وعدم إهدار قيمها، ومقوماتها المختلفة.
 وحيث إن الدستور الحالى قد انتهج منهج الدساتير السابقة عليه في ترتيب أبوابه، إذ خصص الباب الأول للدولة، والباب الثانى للمقومات الأساسية للمجتمع، فضمَّن في الفصل الأول منه المقومات الاجتماعية، ناصًّا في مادته الثامنة على أن "يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى"، وفى مادته العاشرة على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها، واستقرارها، وترسيخ قيمها"، وملزمًا في مادته الحادية عشرة الدولة برعاية، وحماية الطفولة، والنشء، كما عيَّن في الفصل الثانى المقومات الاقتصادية، وأورد المقومات الثقافية في الفصل الثالث منه، فنص في المادة (47) منه على أن "تلتزم الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، بروافدها الحضارية المتنوعة"؛ ثم خصص الباب الثالث منه للحقوق والحريات والواجبات العامة، بكل أنواعها وصورها، فأورد به المادة (82)، التى نصت على أن "تكفل الدولة رعاية الشباب، والنشء، وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية، والعلمية، والنفسية، والبدنية، والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامـة"؛ وإذا كانت حرية التعبير، والإبداع الفنى لم يقيدها المشرع الدستورى بقيدٍ، إلا أن هذه الحرية، ليست طليقة من كل تنظيم، فالنصوص الدستورية تتكامل فيما بينها، في إطار من الوحدة العضوية التى تجمعها، فلا تتفرق توجهاتها، أو تنعزل عن بعضهـا، بل يكون نسيجها متآلفًا، فيتعين تفسيرها بما يحول دون تهادمها أو تناقضها، فإن تلك الحرية تمارس، في نطاق، المبادئ، والمقومات الأساسية للمجتمع، بما لا يمس قيمه الاجتماعية، والدينية، والروحية، والخلقية التى تحدد لهذه الحرية الدائرة التى تتحرك فيها، وتمارس من خلالها. كما أن الدستور قد أوكل للقانون تنظيم هذه الحرية، بما لا يمس أصلها، أو جوهرها، وهو القيد العام، الذى وضعه الدستور على سلطة المشرع العادى في تنظيم ممارسة الحقوق، والحريات كافة، وضمنه نص المادة (92) منه، ذلك أن تدخل المشرع صيانةً للقيم والمبادئ التى يقوم عليها بناء المجتمع، واحترام الشعور العام لأفراده، بتخويل الجهة الإدارية المختصة سحب ترخيص عرض ما يكون من المصنفات الفنية والأدبية مثيرًا للغرائز، أو التى يكون عرضها أو وصفها للسلوك نائيًا عن الخلق وشائنًا، والمفتقر في محتواه إلى الجدية التى تدل على قيمته الأدبية أو الفنية أو السياسية أو العلمية، لا يعتبر منافيًا لحرية التعبير، ذلك أن الدستور وإن كان يكفل للآراء والتعبير عنها الحرية التى تكفل ممارستها في إطارهـا الدستورى، إلا أن حدود التأثير التى يبلغها المصنف الفنى أو الأدبى الشائن في مثل الحالات المتقدمة، تجعله غير جدير بتلك الحماية، التى يكفلها الدستور.

    وحيث إن فن السينما يعد من أهم وسائل التعبير عن الرأى، والفكر، ونشر الأخلاق الحميدة، والقيم، والمفاهيم الإنسانية، لأنه كالمسرح، مجمع الفنون، بل إنه يزيد عليه، بما له من انتشار غير محدود، من خلال دور العرض، فضلاً عن الإذاعة المسموعة، والمرئية، بل ومن خلال الأجهزة السمعية والبصرية، ذات الانتشار الواسع، حتى في أعماق قرى مصر في هذه الأيام. وعلى هذا الأساس، فإن فن السينما على هذا النحو، مخاطب كغيره من وسائل الإعلام، بل وقبل غيره منها، بأن يلتزم بإطار وحدود الحرية المشروعة في التعبير والتأثير، كما يلتزم بقيم المجتمع المصرى، ومقوماته الأساسية، فيما يعرضه على أبناء مصر، الذين يؤثر فيهم بعمق، ويشكل أفكارهم، وبذلك فإن المشرع في القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحرى والأغانى والمسرحيات والمنلوجات واسطوانات التسجيل الصوتى، قد نص في المادة الأولى منه على أن "تخضع للرقابة الأشرطة السينمائية، ولوحات الفانوس السحرى، والمسرحيات، والمنلوجات، والأغانى، والأشرطــة الصوتية، والاسطـوانات، أو ما يماثلها، وذلك بقصد حماية الآداب العامة، والمحافظة على الأمن، والنظام، ومصالح الدولة العليا".
 وقد بيَّنت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أن "العمل في جميع الدول يجرى على بسط رقابة الدولة على المواد الفنية البصرية، والسمعية، نظرًا لما لها من أثر كبير في نفوس المشاهدين، والمستمعين، ولهبوط المستوى الفنى لبعض الأغانى والمنلوجات، والأفلام السينمائية، والاسطوانات، والمصنفات الفنية الأخرى، ولقصور الأحكام القانونية، التى وردت بلائحة التياترات الصادرة في 12/7/1911، وعدم كفايتها للإحاطة بكافة أحكام الرقابة، وعجزها عن مسايرة التطور، ورغبة من الإدارة في رفع المستوى الفنى للمصنفات، التى تخضع للرقابة، وفى تمكين السلطات القائمة عليها من خلق رقابة واعية، رشيدة متطـورة؛ فقد رأت استصــدار القانون المرافق وهو يقوم على المبادئ التالية: أولاً: تحديد الغرض من الرقابة بحماية الآداب العامة، والمحافظة على الأمن، والنظام العام، ومصالح الدولة العليا"، كما تضمنت هذه المذكرة الإيضاحية "أن الرقابة على عرض الأشرطة السينمائية، أو ما يماثلها في مكان عام، أوسع من الرقابة في غيرها، إذ إن في خروج المصنف الخاضع للرقابة من مرحلة التحضير، والإعـداد، إلى حيز العـرض، ممــا يجعله أكثر خطـرًا، إذا ما تضمن أى مخالفـة للآداب العامـة، أو النظام العام. كما أوردت هذه المذكرة "أنه لما كانت من بين الأغراض التى هدف إليها القانون حماية سمعة الدولة، ومصالحها العليا، فقد نص على ضرورة الحصول على ترخيص خاص بالتصدير للمصنفات الفنية".

   وحيث إنه ولئن كان المشرع قد أطلق حرية الإبداع الفنى، في مجال الفـــن السينمائي، إلا أنه قيد هذا الإطلاق، بحدود بيَّنَها القانون على سبيل الحصر، هى حماية الآداب العامة، والمحافظة على الأمن، والنظام العام، ومصالح الدولة العليا، فضلاً عن حماية المقومات الأساسية للمجتمع التى حددها الدستور، وقيمه الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية، بحيث إذا ما خـرج المصنف السينمائى عن أحد هذه الحدود عُد خارجًا عن المقومات الأساسيـة الاجتماعيـة أو الأخلاقيــة أو السياسية، التى يحميها الدستور، والتى تعلو، وتسمـو دائمًا، في مجال الرعاية والحماية، على ما تتطلبه الحرية الفردية الخاصة، إذ لا ريب في أنه من المبادئ الرئيسة التى تقوم عليها الدول المتحضرة، تضامن الأفراد، وتماسكهم، لتحقيق الغايات، والصوالح العامة، التى يستهدفونها في نطاق إقليم الدولة، ومن أجل ذلك خوّل المشرع السلطة المختصة على الرقابة، كإحدى هيئات الضبط الإدارى، عند قيام المقتضى المشار إليه، بألا تسمح بعرض العمل السينمائي، وأجاز لها، أيضًا، بالمادة التاسعة من القانون رقم 430 لسنة 1955 المشار إليه، المحالة في النطاق آنف الذكر، بعد الترخيص به، أن تسحـب، بقـرار مسـبب، هذا الترخيص، إذ طرأت ظروف جديدة، تستدعى ذلك. ولا شك أن مقتضى التفسير المتناسق للنصوص يتطلب القول بأن تلك الظروف الجديدة، تتحدد من منظور أوساط الناس في ضوء القيم الخلقية التى لا تقوم على معايير فرضية، وإنما يحكمها الواقع الاجتماعي والبيئي والزماني، والذى تتحدد على أساسه المفاهيم الاجتماعية القائمة في المنطقة الإقليمية التى يُوَزع ويُعْرَض فيها المصنف الفنى، والتى لا يحكمها معيار عام يسعها في تطبيقاتها، وإنما تتغاير ضوابطها بتغير الزمان والمكان والأشخاص، ومن ثم كان لازمًا لمواجهة تلك الأوضاع والمعايير المتغيرة منح المشرع قدرًا من الصلاحيات في إطار سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات، سواء تلك التى كفلها الدستور أو قررها القانون، لمواجهة تلك الظروف والأوضاع المتغيرة. هذا وقد أجاز القانون لمن يسحب الترخيص الصادر له بعرض العمل السينمائي، أن يتظلم من القرار الصادر بذلك، إلى لجنة إدارية، يضم تشكيلها عنصرًا قضائيًّا، تتولى البت في أمر التظلم، ويكون لصاحب الشأن حق الطعن على قرار هذه اللجنة طبقًا للقواعد العامة أمام القاضي الطبيعي، وهو الحق الذى كفلته المادة (97) من الدستور للكافة، باعتباره ضمانة أساسية للحقوق والحريات طبقًا لنص المادة (94) من الدستور، وعلى ذلك فإن انتقال المصنف الفني إلى مرحلة العرض العام على الجمهور، ومدى مناسبته للواقع القانوني والاجتماعي والبيئي، الذى يختلف باختلاف المكان والزمان، فما يصلح للعـرض في منطقة ما قد لا يناسب واقع منطقة أخرى، ويتعارض مع عاداتها وتقاليدها، بل قد يكون مناهضًا لها، ومصادمًا للشعور العام بها، كما أن توقيت العرض قد يشكل ظرفًا زمانيًّا لعدم مناسبة العرض، فما يصلح في زمان قد لا يصلح لزمن آخر، ولذلك أجاز النص المُحال للجهة القائمة على الرقابة على تلك المصنفات، تحت رقابة القضاء، التدخل لمواجهته حال تغير الظروف التى قامت خلالها وبسببها بالترخيص بعرض المصنف، لسحب هذا الترخيص، لمواجهة ما جدَّ منها، واستجابة لها، وفى حدود ما تقتضيه الضرورة الناشئة عنها، دون أن يعد ذلك مساسًا بحرية الفكر والرأي والإنتاج الأدبي والفني، والتي تجد الحماية الدستورية لها حدها في بقاء المصنف مواكبًا للواقع الاجتماعي والبيئي والزماني والقانونى الذى يعبر عنه.

            وحيث إنه لا يجوز التذرع بما قيده نص المادة (67) من الدستور الحالى - بعد أن كفل حرية الإبداع الفنى والأدبي - من حظـر رفع، أو تحريك الدعاوى لوقف، أو مصادرة الأعمال الفنية، والأدبية، والفكرية، أو ضد مبدعيها، إلا عن طريق النيابة العامة، إذ إن ذلك لا يعنى، على الإطلاق، حجب دور الدولة، في الرقابة على المصنفات الفنية، سواء بالترخيص بالعمل السينمائي، بعد توافر شروطه، أو بسحب الترخيص بعد إصداره في أى وقت، إذا طرأت ظروف تستدعى ذلك، فالترخيص بعرض الأفلام السينمائية، من شأنها التمكين من الإسهام في مباشرة نشاط يتصل اتصالاً مباشرًا، ووثيقًا بمصالح الجماهير، وعلى هذا المقتضى فإنها لا ترتب، لمن يستصدرها، حقًا دائمًا، لكنها تقتصر على ترتيب ميزة وقتية له، تظل قائمة، متى بقيت مبرراتها، فإن تغيرت الظروف، كان للجهة الإدارية المختصة التدخل لمواجهتها، دون أن يعد تدخلها في هذه الحالة افتئاتًا على القيد الوارد في المادة (67) من الدستور، في وجوب اللجوء للنيابة العامة، في شأن رفع أو تحريك الدعاوى، لوقف أو مصادرة الأعمال السينمائية، الذى ينسحب - على ما أوضحته الأعمال التحضيرية للدستور - فحسب، إلى الأفراد، حتى لا تتحول تلك الدعاوى إلى دعاوى حسبة؛ وبالتالى يكون للدولة، بسلطاتها العامة، وما لديها من وسائل الضبط الإدارى، أن تتدخل بسحب ترخيص عرض العمل، متى قامت مسوغاته ومبرراته القانونية والدستورية، دون أن يعد ذلك إهدارًا لأحكام الدستور.
   وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن النص المُحَال، في النطاق المحدد سلفًا، لم يخالف أحكام المواد (65، 67، 92، 94) من الدستور ، كما لم يخالف أي مادة أخرى منه.
فلهذه الأسباب

            حكمت المحكمة برفض الدعوى.

دستورية الادعاء المباشر كرقابة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض

الدعوى رقم 166 لسنة 31 ق "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م، الموافق الثالث من ذي القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيـم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا. نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 166 لسنة 31 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة جنح النزهة بحكمها الصادر بجلسة 7/5/2009، ملف الدعوى رقم 15817 لسنة 2008 جنح النزهة.
المقامة من
...........
ضــــد
...........
الإجـراءات
بتاريخ الثانى من أغسطس سنة 2009، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 15817 لسنة 2008 جنح النزهة، تنفيذًا للحكم الصادر من محكمة جنح النزهة بجلسة 7/5/2009، بوقف الدعوى تعليقيًّا وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية فيما نصت عليه من أنه "ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين: أولاً: إذا صـدر أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعـوى ولم يستأنف المدعى بالحقـوق المدنية هذا الأمر في الميعاد أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة".
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن ....، كان قد أقام الدعوى رقم 15817 لسنة 2008 جنح النزهة، بطريق الادعاء المباشر، ضد مطلقته .....، طالبًا معاقبتها بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة (301) من قانون العقوبات، لأنها في يوم 8/5/2008، بعد أن وُجهت إليها اليمين الحاسمة في الدعوى رقم 808 لسنة 2007 أسرة النزهــــة، حلفت يمينًا كذبًا بأن مقدم المهر الذى أداه لها هــــو جنيه واحد وليس مبلغ سبعة وعشرين ألف جنيه، مع إلزامها بأن تؤدى إليه مبلغ مائة ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وبجلسة 7/5/2009، قضت المحكمة بوقف الدعوى تعليقيًّا وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من النص على أنه "ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين: أولاً: إذا صدر أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعى بالحقــوق المدنية هـذا الأمر في الميعاد أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة"
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه" تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضى التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية".

وتنص الفقرة الثالثة من هذه المادة على أنه "ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين: (أولا) إذا صدر أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعـى بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة. (ثانيا) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة (123) من قانون العقوبات".

وحيث إن المصلحة في الدعـــوى الدستوريـة، وهي شرط لقبولهـــا، مناطها - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور حول طلب المدعى بالحق المدنى ملاحقـــــة المتهمة, من خلال الادعاء المباشر, عن جريمة ارتكبتها بحلف يمين كذبًا، مما يستوجب معاقبتها وفقا لنص المادة (301) من قانون العقوبات، حال صدور قرار من النيابة العامة بحفظ الأوراق إداريًّا في البلاغ المقدم منه ضدها في هذا الشأن, ومن ثم فإن المصلحة في ضوء الطلبات المطروحة على محكمة الموضـوع، تكون متحققة بالنسبة لصدر الفقرة الثالثة من نص المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية والبند "أولا" منها, فيما تضمنه من قصر حظر إقامة الدعـوى الجنائية بطريـق الادعاء المباشر من المدعى بالحقوق المدنية على حالة صدور أمر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى، دون حالة صدور قرار من النيابة العامة بحفظ الأوراق إداريًّا, إذ يكون للفصل في هذه المسألة الدستورية, وحدها, أثره وانعكاسه على صحة اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع، وشروط قبولها.

وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيــــــره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التى وُجهت للنص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعــون عليه - الذى مازال قائمًا ومعمولاً بأحكامه - من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفته لنصوص المواد (1، 64، 65، 67، 68، 70، 86، 165، 166) من الدستور الصادر سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (1، 94، 97، 98، 101، 184، 186، 189) من الدستور الصادر في 18/1/2014، بقالة إنه يُشكل عدوانًا على استقلال القضاء، وتعديًّا صارخًا على سلطة النيابة العامة عند تصرفها في الأوراق، وسلبًا لسلطتها في ملاءمة تحريك الدعوى الجنائية، كما أنه يخالف المبادئ الديمقراطية التى يقوم عليها نظام الحكم ومنها الحق في المحاكمة المنصفة، ويخالف مبدأ خضوع الدولة للقانون ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وشرعية الإجراءات، ويفتح بابًا عريضًا للقضايا الكيدية التى تكدست بالمحاكم، في حين أن الأصل في قانون الإجراءات الجنائية هو وضع حد لتدخل الدولة في حياة الأفراد، وأن هذا النص يخالف قواعد المحاكمة المنصفة وحق الدفاع، كما فرق المشرع بين أمــــر الحفظ والأمــــر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وأن السماح للمضرور من الجريمة برفع الدعوى المباشرة يعد نوعًا من منحه سلطة تزيد على سلطة النيابة العامة، رغم أنها الجهة المختصة أصلاً برفع الدعوى الجنائية، وأنه إذا كانت حماية الموظف العام واجبة فإن حماية أى متهم أيضًا تكون واجبة لتماثل المبررات، ومن ثم أصدرت محكمة الموضوع حكم الإحالة المبين سلفًا.

وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة الأولى من قيام نظام الحكم على أساس المواطنة وسيادة القانون، قد دلّ على أنه في مجال حقوق المواطنين وحرياتهم فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو في الدولة القانونية عليها وتتقيد هى بها إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد في مجتمعاتها، واستقر العمل فيما بينها على انتهاجها في مختلف مظاهر سلوكها، باعتبار أن التقيد بها مفترض أولى لتوكيد خضوعها للقانون، وبما لا إخلال فيه بتلك الحقوق التى يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية - ووفقاً لمعايير تطبيقها لديها - معبراً عن إقرارها لضماناتها، ونزولها بالقيود عليها إلى الحدود التي تقتضيها الضرورة، وبما لا يعطل جوهرها إنفاذًا لفاعليتها، واستيفاء لدورها في مجال إشباع المصالح المرتبطة بها.

وحيث إن الدستور نص في المادة (94) على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد على هذه المبادئ في المادتين (184) و(186)، فقد دلَّ على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد في كافة مظاهر نشاطها- وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها - بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان .



      لما كان ذلك, وكانت السياسة الجنائية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينها، تقديرًا بأن الأصل في النصوص التشريعية في الدولة القانونية هو ارتباطها عقلاً بأهدافها باعتبار أن أى تنظيم تشريعي ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يتعين دائمًا استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه يلتزم إطارًا منطقيًا للدائرة التى يعمل فيها، كافلاً من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم متهادمًا مع مقاصده أو مجاوزًا لها ومناهضًا - بالتالى - لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور.



وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها, وأن التنظيم التشريعي لحق التقاضي - كلما كان منصفًا - لا يناقض وجود هذا الحق، ولا يقتحم الدائرة التى يتنفس فيها، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها، تُفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع    فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء الأوضاع التي يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً، وأن الدستور إذ قضى بنص المادة (189) على أن تتولى النيابة العامة تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، يعنى أن الادعاء المباشر ليس استصحابًا للأصل في الدعوى الجنائية، بل هو استثناء من قواعد تحريكها، تقديرًا بأن النيابة العامة - على ما تنص عليه المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية - هى التى تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون، كذلك فإن تفويض الدستور السلطة التشريعية في تحديد الأحوال التى لا تقام الدعوى الجنائية فيها من النيابة العامة، باعتباره استثناءً من الأصل العام المتقدم، مؤداه جواز تنظيمها على نحو لا تتقيد فيه بغير الشروط الموضوعية التى لا يناقض تطبيقها حكمًا في الدستور.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان تخويل المدعى بالحقوق المدنية حق الادعاء المباشر - وإن توخى مراقبة النيابة العامة, تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض - إلا أن المشرع وازن بالنص المطعون فيه بين أمرين، أولهما: الضرورة التي يقتضيها استعمال هذا الحق في إطار الأغراض التى شرع لها، وثانيهما: الأضرار التي ينبغي توقيها إذا نقض هذا الاستعمال تلك الأغراض وتنكبها، فرجح ثانيهما على أولهما، تقديرًا بأن الأضرار التي ترتبـــط بإساءة استعمال الحـــق في الادعـــاء المباشر، يكـــون دفعها لازمًا، ولا يجوز أن تتقدمها مزاياه فضلاً عن أن الدعوى الجنائية لا يحركها الادعاء المباشر إلا طلبًا لحقوق مدنية بطبيعتها، فلا ترفعها - عند إنكاره في جرائم بذواتها- إلا الجهة التى تختص أصلاً بإقامتها. لما كان ذلك وكان الأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق لا يعدو أن يكون إجراءً إداريًّا صدر عنها بوصفها السلطة الإدارية التي تهيمن على جمع الاستدلالات، عملاً بنص المادة (61) من قانون الإجراءات الجنائية وما بعدها، وهو على هذه الصورة لا يقيدها، ويجوز العدول عنه في أي وقت بالنظر إلى طبيعته الإداريــة ، ولا يقبـل تظلمًا أو استئنافًا من جانب المجنى عليه أو المدعى بالحـق المدني، وليس لهما سوى الالتجاء إلى طريق الادعاء المباشر في مواد الجنح والمخالفات دون غيره، إذا توافرت شروطه، وفرق بين هذا الأمر الإداري، وبين الأمر القضائي بأن لا وجه لإقامة الدعوى، الصادر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بوصفها إحدى سلطات التحقيق، بعد أن تجرى تحقيق الواقعة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائي، بناء على انتداب منها، على ما تقضى به المادة (209) من قانون الإجراءات الجنائية, والذى يمنع من رفع الدعوى، ولهذا أُجيز للمدعى بالحق المدني الطعن فيه. وإذ كان ذلك، وكان النص المحال، في النطاق المتقدم، قد ورد استثناء من الأصل العام في شأن إقامة الدعوى الجنائية، وكان الاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه، وكان أمر النيابة العامة بحفظ الأوراق يختلف في عناصره عن قرارها أو الأمر الصادر من قاضى التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ومن ثم فإنه لا يحول دون تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر، وتبعًا لذلك فإن هذا النص لا يكون قد خرج على المبادئ الدستورية المتقدم بيانها.



وحيث إن ضمان الدسـتور لحق التقاضى - بنص المادة (97) - مؤداه ألا يحرم الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم من النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها حدًّا أدنى من الحقوق التى لا يجوز إنكارها عمن يَلِجُون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. وكان لحق التقاضى غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإن أرهقها المشرع بقيود تُعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توافر الضمانات القضائية، وأهمها الحيدة والاستقلال، يعد أمرًا لازمًا في كل خصومة قضائية أو تحكيمية، وهما ضمانتان متلازمتان ومتعادلتان في مجال مباشرة العدالة، وتحقيق فاعليتها، ولكل منهما القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها، بل تتضاممان تكاملاً، وتتكافآن قدرًا، وهاتان الضمانتان تتوافران بلا ريب في أعضاء النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية، أحاطها المشرع بسياج من الضمانات والحصانات على النحو الوارد بقانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، على نحو يقطع بتوافر ضمانتي الاستقلال والحيدة لهم، ومن أجل ذلك حرص الدستور الحالي على النص في المادة (189) على أن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، ليتمتع أعضاؤها بذات ضمانات القضاة، وأخصها الاستقلال، وعدم القابلية للعزل، ولا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون، التى أكد عليها الدستور في المادة (186).

وحيث إن من المقرر كذلك – في قضاء هذه المحكمة – أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهـم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.


وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا في دائرة الترضية القضائية التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضى ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو القانون تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم في أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها.



وحيث إنه لما كان ذلك، وكان النص المحال، في نطاقه المتقدم بيانه، قد جاء مساويًا بين المراكز القانونية المتماثلة فيما يتعلق بحق التقاضي، وجاء كافلاً له، فيما يتعلق بالمدعي بالحقوق المدنية, ولم ينل من استقلال السلطة القضائية وحيدة أعضائها، كما أن هذا النص لا يُهدر الحق في الدفاع, أصالة أو بالوكالة، ولم يتعرض له بالانتقاص في أى مرحلة من مراحـــــل التحقيق أو المحاكمة، فيظل مكفولاً وفق أحكام القانون، ومن ثم فإن النعى عليه بمخالفة الدستور يكون على غير أساس صحيح.



وحيث إن الدستور جعل بمقتضى نص المادة (189) سلطة التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، حقًّا أصيلاً للنيابة العامة، عدا الحالات التى يستثنيها القانون، وفى هذا الإطار أجازت المادة (232) من قانون الإجراءات الجنائية أن تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية، رغبة منه في إيجاد توازن بين حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية باعتبارها نائبًا قانونيًّا عن المجتمع، جبرًا للضرر العام الذى ينشأ عن الجريمة، وبين حق المدعى بالحقوق المدنية في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، بما يمثل نوعًا من الرقابة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية، تفاديًا لإساءتها استعمال سلطتها هذه بالامتناع عن مباشرتها دون مقتض، وتحقيقًا للمصلحة العامة، بوصف أن إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر في هذه الحالة، يُعد حقًّا للمضرور، كفله له الدستور بمقتضى نص المادة (99) ، في حالة الاعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون، وكذا في حالة امتناع الموظفين العموميين عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها طبقًا لنص المادة (100) من الدستور، وكذلك ما خولته الفقرة الأولى من المادة (189) من الدستور، للمشرع من تحديد الحالات التى يجوز فيها لغير النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية، وكل ذلك عدا ما استثناه الدستور بنص المادة (67) منه، بشأن تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها، التى قصرها في هذه الحالة على النيابة العامة وحدها.

وحيث إن النص المحال - في حدود نطاقه المتقدم - قد تضمن قواعد عامة مجردة لا تقيم تمييزًا من أى نوع بين المخاطبين بأحكامه، كما أنه باعتباره الوسيلة التى سنها المشرع لتحقيق الأهداف التى رصدها لهذا التنظيم، يرتبط بتلك الغايات ارتباطًا منطقيًّا، نظرًا لاختـلاف الأمر الصادر من قاضى التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى، عن القرار الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق إداريًّا، ومن ثم يكون فيما قرره من أحكام مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره. ولا ينال من ذلك القول بأن الادعاء المباشر قد يساء استعماله على نحو يهدد الأبرياء بملاحقتهـم أمام القضاء الجنائي دون رقابة من سلطات التحقيق أو الإحالة، وقد يؤدى ذلك إلى رفع الدعاوى الكيدية والتشهير بالآخرين، مما يلقى مزيدًا من العبء على القاضى الذى قد يلتزم بتحقيق الدعوى وصولاً للحكم فيها، فذلك في مجمله مردود بأن الشارع حين منح المدعى بالحقوق المدنية هذا الحق، حرص على تقييد نطاق الادعاء المباشر وقصره على الجنح والمخالفات، فضلاً عن ذلك فقد أحاط المشرع في قانون الإجراءات الجنائية هذا الحق بعدد من الضوابط، التى تحفظ على العدالة حسن سيرها، والحد من التعسف في استعمال هذا الحق، فوفقًا لنص المادة (251 مكررًا) من ذلك القانون المضافة بالقانون رقم 174 لسنة 1998، فإن تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر، قاصر على من يلحقه ضرر شخصي مباشر ناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالاً أو مستقبلاً. وأجازت الفقرة الرابعة من المادة (63) من القانون المشار إليه للمتهم عند رفع الدعوى عليه بالطريق المباشر أن ينيب عنه وكيلاً في أية مرحلة كانت عليها الدعوى لتقديم دفاعه، وأجازت المادة (267) من ذلك القانون للمتهم أن يطالب المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذى لحقه بسبب رفع الدعوى إن كان لذلك وجه، وله كذلك أن يقيم عليه لذات السبب الدعوى المباشرة أمام المحكمة ذاتها بتهمة البلاغ الكاذب إن كان لذلك وجه، وذلك بتكليفه مباشرة بالحضور أمامها. كما أجازت المادة (260/1) من ذلك القانون للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه في أية حالة كانت عليها الدعوى، مع عدم الإخلال بحق المتهم في التعويضات إن كان لها وجه، وأوجبت الفقرة الثانية من تلك المادة في حالة ترك الدعوى المدنية أو اعتبار المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لها، الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية. وتوسعت المادة (261) منه في الحالات التي يعتبر فيها المدعى بالحقوق المدنية تاركًا لدعواه، وتشمل عدم حضوره أمام المحكمة بغير عذر مقبول أو عدم إرساله وكيلاً عنه، وكذلك عدم إبدائه طلبات بالجلسة.

وحيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن المشرع الجنائي، وإن خول المدعى بالحقوق المدنية في بعض الجرائم التى يجوز فيها الادعاء المباشر سلطة تحريك الدعوى العمومية الناشئة عن الفعل المخالف للقانون، فإن هذه السلطة تقف عند مجرد تحريك الدعوى الجنائية، طلبًا لحقوق مدنية بطبيعتها، أما مباشرة هذه الدعوى فمنوط بالنيابة العامة وحدها باعتبارها السلطة الأصيلة التى أولاها الدستور هذا الاختصاص طبقًا لنص المادة (189) منه، ويقتصر دور المدعى بالحقوق المدنية على دعواه المدنية، التي يدخل فيها بصفته مضـرورًا من الجريمة التى وقعت، طالبًا بتعويضه مدنيًّا عن الضرر الذى لحق به، فدعواه مدنية بحتة ولا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلا تبعيتها لها، ومن ثم يكون النص المحال - في حدود النطاق المتقدم - غير مخالف لنصوص المواد (1، 94، 97، 98، 101، 184، 186، 189) من الدستور.


وحيث إن النص المحال, في النطاق المشار إليه، لا يخالف أيًّا من أحكام الدستور الأخرى، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

إخلاء الوحدات المؤجرة مقر للصحة المدرسية يحكمه قانون الايجار 136 / 1981 وليس التأمين الصحي 99 / 1992


الدعوى رقم 234 لسنة 20 ق "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م، الموافق الثالث من ذي القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع   أمين السر


أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 234 لسنة 20 قضائية "دستورية".
المقامة من
ورثة المرحوم/ راغب عبدالقادر كريدى، وهم
1- شيرين راغب عبدالقادر كريدى
2- إيمـــــان راغب عبدالقادر كريدى
3- نيفيـــــن راغب عبدالقادر كريدى
4- يسمين عبدالقـادر محمـــد
ضـــد
1 – رئيس الجمهوريــة
2 - رئيس مجلس النــواب
3 - رئيس مجلس الـوزراء
4- وزيـــر الصحــــة
5- مديـر مديريــة الشئون الصحيـة بالقاهـرة
6- مديـر منطقة مصر الجديــدة الطبيــة
7- محافــظ القاهـــرة
8- رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي


الإجراءات
      بتاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر سنة 1998، أودعت المدعيات صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبات الحكم بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (11) من القانون رقم 99 لسنة 1992 في شأن نظام التأمين الصحى على الطلاب.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
  وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
     ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 1/6/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وصرحت بإيداع مذكرات في أسبوع، ولم يقدم أى من الخصوم مذكرات في الأجل المشار إليه.


المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعيات كن قد أقمن الدعوى رقم 2023 لسنة 1998 إيجارات كلى شمال القاهرة، ضد المدعى عليهم من الرابع إلى الثامن، طلبًا للحكم بإخلاء الوحدتين المؤجرتين للمدعى عليه الخامس لاستعمالهما مقرًا للصحة المدرسية، بعد ما تبين تخليه عنهما إلى المدعى عليه الأخير بغير تصريح كتابي منهن، وبجلسة 24/5/1998، دفعت المدعيات بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (11) من القانون رقم 99 لسنة 1992 في شأن التأمين الصحي على الطلاب، وبعد أن قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعيات بإقامة الدعوى الدستورية، أقمن الدعوى المعروضة.

      وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان من المقرر كذلك أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، ومؤداه: ألا تُقبل الخصومة إلا من هؤلاء الذين أُضيروا من سريان النص المطعون عليه في شأنهم، سواء أكان هذا الضرر يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً، وبشرط أن يكون هذا الضرر مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنًا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية تسويةً لآثاره، عائدًا في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طُبق على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه؛ دلّ ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص القانوني في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.

      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النزاع الموضوعي الذى تولدت عنه الدعوى الدستورية المعروضة، يتعلق بطلب المدعيات إخلاء الوحدتين المؤجرتين للمدعى عليه الخامس لتنازله عنهما، وتركهما بقصد الاستغناء عنهما نهائيًّا للمدعى عليه الأخير، الأمر الذى ينتظمه نص البند (ج) من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، الذى يوجب إعماله، أن تثبت المدعيات، لدى محكمة الموضوع، عناصر دعواهن، ومن بينها توافر العناصر والشروط القانونية والواقعية، الموجبة لإعمال مقتضى نص البند المشار إليه، وهى عناصر لا رابط بينها وبين الأحكام التي تضمنها النص المطعون فيه بفقرتيه، التي انطوت على إعادة توزيع الاختصاصات بين الوحدات والهيئات التابعة للدولة، الداخلة جميعها في نطاق مرفق الخدمات الصحية العامة، التي أوجبت المادة (18) من الدستور الحفاظ عليها، ودعمها، والعمل على رفع كفاءتها، وانتشارها الجغرافي، الذى يعد إسناد الاختصاص بأداء خدمات الصحة المدرسية إلى الهيئة العامة للتأمين الصحي، وحلولها في ذلك محل مديريات الشئون الصحية بالمحافظات، أحد وسائلها في إدارة هذا المرفق المهم، ووفاءً من الدولة بالتزامها الدستوري بإقامة تأمين صحى شامل لجميع المواطنين، والارتفاع بمستوى الرعاية الصحية المتكاملة المقدمة، وفقًا لمعايير الجودة، وما يستتبعه ذلك من أيلولة الموجودات المتعلقة بمباشرة ذلك النشاط إلى الهيئة المذكورة، وانتقال الحقوق والالتزامات المترتبة على أيلولة الوحدات القائمة بخدمات الصحة المدرسية إلى الهيئة العامة للتأمين الصحي، بوصف ذلك أثرًا من الآثار المترتبة على الحلول القانوني في أداء الوظيفة المرفقية، ووسيلة تنفيذ الحلول المار ذكره من خلال لجان مشتركة تُشكل بقرار من وزير الصحة، ومن ثم فإن القضاء في المسألة المتعلقة بدستورية النص المطعون فيه لن يكون ذا أثر أو انعكاس على هذا النزاع الموضوعي، والطلبات المطروحة به، وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتنتفي بذلك المصلحة في الطعن عليه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعيات المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

السبت، 3 أغسطس 2019

الطعن 1771 لسنة 31 ق جلسة 16 / 4 / 1962 مكتب فني 13 ج 2 ق 87 ص 347


جلسة 16 من ابريل سنة 1962
برياسة السيد/ محمود ابراهيم اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود حلمى خاطر، ومحمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر.
---------------
(87)
الطعن رقم 1771 لسنة 31 القضائية

(أ ، ب) قانون "قانون أصلح". عقوبة "وقف التنفيذ". مواد مخدرة.
(أ) القانون الأصلح. المادة 5 عقوبات. ماهيته. هو الذى ينشئ للمتهم مركزاً أو وضعاً يكون أصلح له من القانون القديم.
عقوبة. وقف تنفيذها. حظر ذلك في القانون القديم. إجازته في القانون الجديد. اعتبار القانون الجديد أصلح للمتهم. مثال. قانونا المخدرات 351 لسنة 1952 و182 لسنة 1960.
(ب) وقف تنفيذ العقوبة. مسألة موضوعيه تقديرية.

---------------
1 - جرى قضاء محكمة النقض على أن المقصود بالقانون الأصلح في حكم الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات هو القانون الذى ينشئ للمتهم مركزا أو وضعا يكون أصلح له من القانون القديم. وإذن فمتى كان قانون المخدرات رقم 351 لسنة 1952 - الذى وقعت الجريمة في ظله - قد حظر الحكم في جميع الأحوال بوقف تنفيذ العقوبة، ثم صدر قبل الفصل في الدعوى القانون رقم 182 لسنة 1960 ورفع القيد الذى كان مفروضا على القاضي وخوله وقف تنفيذ عقوبة الجنحة بالنسبة لفئة من المحكوم عليهم، فإن القانون الجديد يكون هو الأصلح لهذه الفئة.
2 - تقدير مسوغات الحكم بوقف تنفيذ العقوبة من الأمور الموضوعية التي تدخل سلطة في قاضى الموضوع.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 5 أكتوبر سنة 1959 بدائرة قسم اللبان بمحافظة الإسكندرية: أحرز جواهر مخدرة "حشيشا" في غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للمواد 1 و2 و33/ جـ وأخيرة و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 12 من الجدول 1 المرافق. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا بتاريخ 12/ 11/ 1960 عملا بالمواد 1 و2 و33 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 بند 12 من الجدول رقم 1 المرافق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم "الطاعن" بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الوجه الأول هو الخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن عملا بأحكام المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 بالرغم من صدور القانون رقم 182 لسنة 1960 الواجب التطبيق باعتباره القانون الأصلح إعمالا لنص المادة الخامسة من قانون العقوبات.
وحيث إن المادة 37 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 تنص على أنه لا يجوز الحكم بوقف التنفيذ لمن يحكم عليه بعقوبة الجنحة في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وتقضى المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1960 بأنه لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون - ومؤدى هاتين المادتين أن المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 كان يحظر - في جميع الأحوال - وقف تنفيذ عقوبة الجنحة المقضي بها وفقا لأحكامه وأن القانون رقم 182 لسنة 1960 لا يمنع ذلك إلا بالنسبة لمن سبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عنها في هذا القانون. أي أنه لا يجيز وقف تنفيذ عقوبة الجنحة المقضي بها وفقا لأحكامه على من لم يسبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها فيه - ومن ثم يكون القانون الجديد، وقد رفع القيد الذى كان مفروضا على القاضي في الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الجنحة بالنسبة لفئة من المحكوم عليهم، هو القانون الأصلح بالنسبة لهذه الفئة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطاعن أحرز المخدر المضبوط بقصد التعاطي وأثبت عدم وجود سوابق له وأفصح عن استعمال المادة 17 من قانون العقوبات ثم دانه بالحبس والغرامة، وكان القانون رقم 182 لسنة 1960 قد صدر في 5 يونيه سنة 1960 أى قبل صدور الحكم المطعون فيه في 12/ 11/ 1960 وهو الأصلح للمتهم إذ أنشأ له مركزا قانونيا أصلح لما اشتملت عليه أحكامه من إجازة الحكم بوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها عليه وهو ما لم يكن جائزا من قبل في ظل القانون القديم، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المقصود بالقانون الأصلح في حكم الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات هو القانون الذى ينشئ للمتهم مركزا أو وضعا يكون أصلح له في القانون القديم. لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه، إذ انتهى إلى تطبيق المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 بدلا من القانون رقم 182 لسنة 1960 الواجب التطبيق وفقا لنص المادة الخامسة من قانون العقوبات، يكون مخطئا في القانون مستوجب النقض. ولما كان تقدير مسوغات الحكم بوقف تنفيذ العقوبة من الأمور الموضوعية التي تدخل في سلطة قاضى الموضوع فإنه يتعين أن يكون مع النقض للإحالة.

الطعن 1649 لسنة 31 ق جلسة 5 / 3 / 1962 مكتب فني 13 ج 1 ق 53 ص 201


جلسة 5 من مارس سنة 1962
برياسة السيد المستشار السيد أحمد عفيفي، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، ومحمود اسماعيل، وحسين صفوت السركى.
------------
(53)
الطعن رقم 1649 سنة 31 القضائية

وصف التهمة. قتل عمد. ضرب أفضى إلى موت. دفاع.
عدم تقيد المحكمة بوصف النيابة للواقعة. عليها تمحيص الواقعة وردها إلى الوصف الصحيح. شرط ذلك وحدة الفعل المادي المكون للجريمتين وعدم إضافة عناصر جديدة.
متى لا تلتزم المحكمة بلفت نظر الدفاع إلى التعديل؟. عند استبعاد أحد عناصر الجريمة فحسب.
مثال. التعديل من القتل عمدا مع سبق الإصرار إلى الضرب المفضي إلى الموت. عدم التنبيه إليه. لا إخلال بحق الدفاع.

---------------
الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم، لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى هي أنه الوصف القانوني السليم، وذلك بشرط أن تكون الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذتها المحكمة أساسا للوصف الجديد.
فاذا كان مرد التعديل الذى أجرته المحكمة هو عدم قيام الدليل على توفر نية القتل واستبعاد ظرف سبق الإصرار المشدد دون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى، فان الوصف الذى نزلت إليه في هذا النطاق حين اعتبرت المتهم مرتكبا جريمة الضرب المفضي إلى الموت لا جريمة القتل عمدا مع سبق الإصرار - هذا التعديل لا يجافى التطبيق السليم في شيء, ولا يعطى المتهم حقا في إثارة دعوى الإخلال بالدفاع، إذ أن المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف نتيجة استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: قتلوا عمدا المجنى عليه الأول مع سبق الإصرار بأن انتووا قتله وحملوا قطعة حديد وعصا حتى إذا ما شاهدوه اعتدوا بها عليه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. والمتهم الثاني - أحدث عمدا بالمجنى عليها الثانية الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و242/ 1 عقوبات. فقررت الغرفة ذلك. وادعت كل من أرملتي القتيل المجنى عليه الأول مدنيا قبل المتهمين متضامنين بطلب تعويض قدره ألف جنيه لكل منها. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا بالمواد 236/ 1 بالنسبة للأول و242/ 1 و32/ 2 بالنسبة للثاني و242/ 1 بالنسبة للثالث بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة خمس سنين وبمعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة شهور وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لكل من المدعيتين بالحق المدني مبلغ مائتي جنيه والمصاريف المدنية المناسبة ومقابل أتعاب المحاماة. وذلك على اعتبار أن المتهم الأول ضرب المجنى عليه الأول ضربا أفضى إلى موته، وأن المتهمين الثاني والثالث أحدثا به إصابات تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... الخ.

المحكمة
... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد انطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعنين بوصف أنهم قتلوا المجنى عليه عمدا مع سبق الإصرار ودارت المحاكمة على أساس هذه الواقعة المحددة غير أن المحكمة انتهت إلى تعديل التهمة واعتبارها ضربا أفضى إلى موت المجنى عليه وقع في مشاجرة اشترك فيها كثيرون وذلك دون أن تلفت الطاعنين أو المدافع عنهم إلى هذا التعديل مما يعيب الإجراءات بما يبطلها ويستوجب نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعنين بوصف أنهم قتلوا المجنى عليه عمدا مع سبق الإصرار بأن انتووا قتله وحملوا قطعة حديد وعصا حتى إذا ما شاهدوه واعتدوا بها عليه فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وأن الطاعن الثاني أحدث عمدا بزوجة المجنى عليه الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وطلبت النيابة العامة من محكمة جنايات بنها معاقبة الطاعنين بالمواد 230 و231 و242/ 1 من قانون العقوبات. ومحكمة جنايات بنها سمعت الدعوى وانتهت بحكمها المطعون فيه إلى إدانة الطاعن الأول بأنه ضرب المجنى عليه عمدا ضربا أفضى إلى موته دون أن يقصد قتله وعاقبته بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات وإدانة الطاعنين الثاني والثالث بأنهما أحدثا عمدا بالمجنى عليه الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما وإدانة الطاعن الثاني أيضا بأنه أحدث عمدا بزوجة المجنى عليه الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما، وطبقت في حقه المادتين 242/ 1 و32 من قانون العقوبات. وقد بين الحكم المطعون فيه واقعة الدعوى في قوله "إن مشاجرة نشبت بين عائلة عبد الباري وينتمي إليها المتهمون الثلاثة (الطاعنون) وبين عائلة أبى إسماعيل ومنها المجنى عليه وقد انضم إلى الفريقين آخرون من أهل البلدة وحصل تراشق بالطوب ثم ضرب بالعصى وأسفرت المشاجرة عن ضرب المتهم الأول (الطاعن الأول) للمجنى عليه بماسورة حديد على رأسه فأحدث بها كسرا منخسفا نتجت عنه وفاته دون أن يقصد قتله كما أن المتهمين (الطاعنين) الثاني والثالث تعديا على المجنى عليه المذكور بالضرب بالعصى فأصابه أولهما على رجليه وضرب ثانيهما بعصاه على بطنه كما ضرب المتهم (الطاعن) الثاني السيدة هاشم زوجة القتيل بعصا فأصابها بحاجبها الأيمن ووجهها وساعديها وشفيت من هذه الإصابات في مدة تقل عن العشرين يوما". وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو أدلة مستمدة من أقوال الشهود ومن بلاغ الحادث ومن تقرير الصفة التشريحية لجثة القتيل والتقرير الطبي الموقع على السيدة هاشم حسن، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجرائم الضرب المفضي إلى الموت وإحداث الجروح عمدا التي دين الطاعنون بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى التكييف القانوني للواقعة في قوله "وحيث إن النيابة العامة أسندت إلى المتهمين (الطاعنين) تهمة المجنى عليه عبد الخالق عبد الرحمن مع سبق الإصرار معتمدة في هذا الوصف على ما ورد بمحضر تحريات ضابط المباحث ولا ترى المحكمة الأخذ بهذا الوصف نظرا لما شهدت به زوجة المجنى عليه المذكور وآخر من أنه لم يكن بينه وبين المتهمين أى نزاع سابق يدعوهم لقتله مما ينفى عن المتهمين نية القتل والإصرار السابق عليها، أما ما وصفت به زوجة القتيل كيفية وقوع الحادث بما قد يشعر بتوفر ذلك الظرف فقول لا تطمئن له المحكمة وتعتقد أنه من قبيل المبالغة المقصود منها تجسيم مسئولية المتهمين. على أن الثابت من إشارة الحادث المبلغة من عمدة الناحية أن مشاجرة قامت بين العائلتين أصيب فيها المجنى عليه وزوجته وهو ما تعتقد المحكمة بصحته بسبب ظروف الحادث وتعدد الإصابات بين الطرفين وعدم ثبوت وجود أى نزاع سابق يدعو المتهمين لارتكاب هذا الحادث عن قصد سابق وكما شهد شيخ الخفراء، ومن أجل هذا ترى المحكمة اعتبار الحادث ضربا غير مسبوق بسبق إصرار لا قتلا مقترنا بهذا الظرف كما وصفته النيابة وفى هذه الحالة لا يكون كل من المتهمين مسئولا إلا بما وقع منه وقد ثبت من الأدلة السالف بيانها أن المتهم الأول هو الذى أحدث بالمجنى عليه عبد الخالق عبد الرحمن إسماعيل إصابة الرأس التي أحدثت الوفاة فيكون مسئولا عن ذلك بوصفه ضربا أفضى إلى الموت دون أن يقصد القتل لانتفاء نية القتل كما سلف القول وأما المتهمان الثاني والثالث فقد تعديا عليه بالضرب فأحدثا به الإصابات الأخرى المبينة بالتقرير الطبي والتي تحتاج لعلاج مدة لا تزيد على عشرين يوما. كما ضرب المتهم الثاني أيضا السيدة هاشم حسن فأحدث بها الإصابات المبينة بالكشف الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. "لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى هي أنه الوصف القانوني السليم. وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعنين به، وكان مرد التعديل هو عدم قيامه الدليل على توفر نية القتل واستبعاد ظرف سبق الإصرار المشدد دون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الأولى، فإن الوصف الذى نزلت إليه المحكمة هذا النطاق حين اعتبرت الطاعن الأول مرتكبا لجريمة الضرب المفضي إلى الموت واعتبرت الطاعنين الثاني والثالث مرتكبين لجريمة إحداث جروح عمدا بالمجنى عليه تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما - هذا التعديل لا يجافى التطبيق السليم في شيء ولا يعطى للطاعنين حقا في إثارة دعوى الإخلال بالدفاع، إذ أن المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف نتيجة استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى. هذا إلى أنه لا جدوى للطاعن الثاني مما ينعاه في هذا الصدد طالما أن المحكمة قد دانته عن جريمة إحداث جروح عمدا بالمجنى عليها الثانية وأوقعت عليه عقوبة هي المقررة بهذه الجريمة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعنون من نعى على الحكم المطعون فيه لا يكون سديدا.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على أساس ويتعين رفضه موضوعا.