الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

الدعوى رقم 2 لسنة 28 دستورية المحكمة الاتحادية العليا جلسة 15 / 5 / 2009


هيئة المحكمة: برئاسة السيد القاضي/الدكتور عبد الوهاب عبدول – رئيس المحكمة، وعضوية السادة القضاة: خليفة سعد الله المهيري، شهاب عبد الرحمن الحمادي، فلاح شايع الهاجري وأمين أحمد الهاجري.
---------------
1- ماهية تفسير الدستور.
2- جواز طلب سلطات الاتحاد وحكومات الإمارات من المحكمة الاتحادية العليا تفسير أحكام الدستور.
3- صلاحية المشرع العادي رسم إجراءات رفع طلب تفسير الدستور وتبيان حدوده ونطاقه وحالات جوازه أو عدم جوازه وقبوله أو رفضه دون الاعتداد بالباعث المحرك لطالب التفسير.
4- حصر نطاق اختصاص المحكمة الاتحادية العليا بنظر طلب التفسير الدستوري على تفسير أحكام الدستور دون تفسير نصوص القوانين التي لا تواجهها المحكمة إلا عن طريق البحث في دستوريتها طبقاً للأوضاع المرسومة في الدستور.
5- عدم اعتبار طلب التفسير الدستوري متسماً بالطابع القضائي.
6- تحديد صلاحية المحكمة الاتحادية العليا في مجال تفسير نصوص الدستور في توضيح ما أبهم من عبارات النص محل التفسير واستخلاص دلالته وفقاً لمناهج التفسير تحرياً لمقاصد هذا النص ووقوفاً عند الغاية التي استهدفت من تقريره والغرض المقصود منه ومحمولاً عليه.
7- ماهية التوفيق بين النصوص كمنهج أصيل في التفسير.
8- اعتبار أصول التفسير في إطار إعمال نصوص الدستور والتوفيق بين أحكامها جميعاً موجبة إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين أحكام الدستور بما يجعل بعضها يُفسر بعضاً.
9- إستظهار المحكمة الاتحادية العليا من عبارات المادة (151) من الدستور سيادة وسمو دستور دولة الاتحاد على دساتير إمارات الاتحاد وسيادة وسمو القوانين الاتحادية التي تصدر وفقاً لأحكام الدستور الاتحادي على التشريعات والقرارات الصادرة عن سلطات الإمارات.
10- عدم جواز تعارض التشريع المحلي مع التشريع الاتحادي والتشريعين المحلي والاتحادي مع التشريع الدستوري وإلا كانت تلك التشريعات مصومة بخاتم عدم الدستورية أو عدم المشروعية.
11- وجوب توافق التشريع المحلي سواء أكان في المجال المحفوظ للحكومات المحلية أم في مجال قوانين وتشريعات التدابير التي تصدرها تلك الحكومات لتنفيذ القوانين الاتحادية أو في غيرها من المجالات مع التشريع الاتحادي دستوراً أو قانوناً.
12- اعتبار الأصل في القوانين الاتحادية صدورها موافقة ومطابقة للدستور إلا عند صدور حكم قضائي من المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستوريته أو قيام دليل قطعي نافياً على وجه الجزم لدستوريته.
13- اعتبار القانون الاتحادي المستوفي لإجراءات إصداره المقررة في الدستور واجب الاحترام والتطبيق على جميع إقليم دولة الاتحاد وعلى كافة سكانها وما عليها.
14- اعتبار القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم داخل ضمن اختصاص الاتحاد بالتشريع فيه ومستوفي إجراءات إصداره دون صدور حكم أو دليل قطعي بعدم دستوريته أو إلغائه.
15- اعتبار القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم قانون ملزم لجميع إمارات الدولة وواجب تطبيق أحكامه أمام كافة محاكم الاتحاد والإمارات معاً.
16- كيفية توزيع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية بين الاتحاد والإمارات.
17- تحديد المقصود بالتشريع في مجال المادتين 120 و 121 من دستور دولة الاتحاد.
18- تحديد المقصود من عبارة "التشريعات الإجرائية الكبرى المدنية والجزائية" الواردة في المادة (121) من الدستور.
19- اعتبار القانون القاضي بإسناد نظر جرائم المخدرات وما في حكمها إلى المحاكم الشرعية من القواعد المتصلة بإجراءات التقاضي التي تدخل في مفهوم " التشريعات الكبرى " وفقاً لأحكام المادة 121 من الدستور وهي تسمو على التشريعات المحلية بحيث يبطل من التشريع المحلي ما هو متعارض مع التشريع الاتحادي.
20- عدم اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في استفتاء مدى قانونية وعدالة المحاكمات التي تجري خارج إطار القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1996 لخروج إصدار الآراء الافتائية في موضوع القوانين أو مجالات تطبيقها أو آثار مخالفتها عن نطاق اختصاصها.
---------------
(1) دستور "طلب تفسيره". تفسير "تفسير الدستور".  الاتحاد. حكومات الإمارات. المحكمة الاتحادية العليا. اختصاص "الاختصاص الولائي" .إجراءات.
طلب تفسير الدستور. ماهيته؟ حق طلب التفسير من المحكمة الاتحادية العليا. مقصور على سلطات الاتحاد وحكومات الإمارات. الدستور أحال في رسم إجراءات الطلب وبيان حدوده ونطاقه وحالاته على المشرع ولم يعتد بالباعث الذي يحرك هذا الطلب. أساس ذلك. المادة 99/4 من الدستور.
(2) دستور "طلب تفسيره". تفسير "تفسير الدستور". المحكمة الاتحادية العليا . دعوى. اختصاص "الاختصاص الولائي".  إجراءات.
طلب تفسير الدستور دون القوانين. تختص به المحكمة الاتحادية العليا بناءً على طلب من حكومة الاتحاد أو حكومات الإمارات. لاستجلاء معانيه ومقاصده. الطلب الدستوري لا يتسم بالطابع القضائي القائم على الادعاء والدفاع وحسم خلاف شجر بين الخصمين. أساس ذلك. المادة 99/4 من الدستور والمادة 33/5 من قانون إنشاء المحكمة الاتحادية العليا.
(3) دستور "تفسيره". تفسير "أصول التفسير".  قانون.  المحكمة الاتحادية العليا. تعارض. حكم.
- المحكمة الاتحادية العليا. سلطتها في تفسير الدستور. مناطه. توضيح ما أبهم من عباراته واستخلاص دلالته تحرياً لمقاصده وفقاً لمناهج التفسير. أصول التفسير. توجب التوفيق بين النصوص الدستورية وإعمال قواعد التخصيص والتقييد كونها وحدة متآلفة متجانسة. دستور الاتحاد يعلو دساتير إمارات الاتحاد.
- التشريعات الاتحادية تعلو التشريعات المحلية. لا يجوز تعارض التشريع الأدنى مع التشريع الأعلى. أثره: عدم دستورية التشريع الأدنى. أساس ذلك في الدستور.
- الأصل. صدور القانون الاتحادي موافقاً للدستور إلا إذا صدر حكم بعدم دستوريته. أثره: وجوب احترامه وتطبيقه في جميع إقليم الاتحاد. قانون اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم رقم 3 لسنة 1996 قانون صدر موافقاً للدستور. أثره: وجوب تطبيقه في جميع محاكم الدولة الاتحادية والمحلية.
(4) دستور "تفسيره". اختصاص "الاختصاص النوعي" . جرائم "جرائم المخدرات". الاتحاد. حكومات الإمارات.
- توزيع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية بين الاتحاد والإمارات. الاتحاد ينفرد بالتشريع والتنفيذ في الشئون المبينة في المادة 120 من الدستور وينفرد بالتشريع في الشؤون المبينة في المادة 121 من الدستور. الإمارات تنفرد بالتشريع في الشؤون المبينة في المادة 121 من الدستور. الإمارات تنفرد بالتشريع بما لا يختص به السلطات الاتحادية. التشريع. ماهيته؟
- التشريعات الإجرائية الكبرى والمدنية والجزائية. ماهيتها؟
- قانون اختصاص المحاكم الشرعية المتضمن "إسناد جرائم المخدرات للمحاكم الشرعية يعد من التشريعات المتصلة بإجراءات التقاضي المنظمة للاختصاص النوعي للمحاكم داخل الدولة. أساس ذلك. المادة 121 من الدستور. أثره: وجوب تطبيقه في جميع اتحاد الدولة وسموه على التشريعات المحلية وبطلانها إذا تعارضت معه.
(5) المحكمة الاتحادية العليا. اختصاص "الاختصاص الولائي". افتاء. دستور.
المحكمة الاتحادية العليا. تختص بنظر المنازعات الدستورية في صورة طعن بعدم الدستورية أو طلب تفسير الدستور. أثره: عدم اختصاص المحكمة بإصدار أراء إفتائه في معنى المحاكمة القانونية أو العادلة.
---------------
1- لما كان طلب تفسير الدستور، هو طلب عيني يستهدف طالبه من المحكمة تجلية ما يكون قد ران على النص المطلوب استيضاحه من غموض أو لبس بغية رفع هذا اللبس وإيضاح الغموض توصلاً إلى تحديد مراد الدستور ضماناً لوحدة التطبيق الدستوري واستقراره. وأن دستور دولة الاتحاد، إذ جاز لسلطات الاتحاد وحكومات الإمارات أن تطلب من المحكمة الاتحادية العليا طلب تفسير أحكام الدستور عملاً بالمادة (99/4) منه، فقد ترك – الدستور – للمشرع العادي رسم إجراءات رفع هذا الطلب وتبيان حدوده ونطاقه وحالات جوازه أو عدم جوازه، قبوله أو رفضه، دون أن يعتد بالباعث الذي يحرك الطالب لرفع طلب التفسير، بحسبان أن هذا الباعث من خبيثات النفوس التي لا يعتد بها القانون في قبول طلب التفسير أو رفضه، مما يغدو معه دفع النيابة في غير محله متعين الرفض.
2- لما كان موضوع الطلب – فإن المحكمة تمهد لقضائها بتأكيد اختصاصها بنظر طلب التفسير الدستوري إعمالاً للمادة (99/4) من دستور دولة الاتحاد، والمادة (33/5) من قانون إنشاء المحكمة الاتحادية العليا رقم (10) لسنة 1973. وأن اختصاصها هذا إنما يقتصر نطاقه على تفسير أحكام الدستور، ولا يمتد إلى تفسير نصوص القوانين التي لا تواجهها المحكمة إلا عن طريق البحث في دستوريتها طبقاً للأوضاع المرسومة في الدستور.(يراجع طلب التفسير رقم (1) لسنة 1 قضائية عليا تفسير دستوري). كما تؤكد المحكمة كذلك أن طلب التفسير الدستوري لا يتسم بالطابع القضائي الذي يقوم على الادعاء والدفاع وحسم خلاف شجار بين طرفين، وإنما تباشر الدائرة الدستورية بهذه المحكمة نظر الطلب عندما يقدم لها من حكومة الاتحاد أو من حكومات إمارات الاتحاد، لتفسير نص دستوري معين لاستجلاء معانيه ومقاصده، بغية ضمان وحدة تطبيقه، وأنه ليس بلازم أن يصل الأمر إلى حد الخلاف المحتدم أو المنازعة بالمعنى المعروف في قانون الإجراءات المدنية، إذ في تطلب ذلك قيد لم يتضمنه الدستور أو قانون إنشاء المحكمة. بل يكفي أن يدور حول نص دستوري أكثر من رأي على نحو يغم معه إعمال حكمه على النحو الذي أراده وقصده وضعوا الدستور، ليسوغ معه الالتجاء إلى هذه المحكمة بغية تجلية الغموض الحاصل في هذا المجال وذلك ضماناً لوحدة التطبيق الدستوري واستقراره.
3- لما كان الطلب المتعلق بتفسير أحكام الدستور فيما يتعلق بأولوية وإلزامية تطبيق القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم لجميع الإمارات، سواء كان قضاؤها اتحادياً أم محلياً على ضوء المادة (151) من دستور دولة الاتحاد. فإن السلطة المخولة لهذه المحكمة – لدى تحريك اختصاصها واستنهاض ولايتها – في مجال تفسير نصوص الدستور، إنما تتحدد في توضيح ما أبهم من عبارات النص محل التفسير، واستخلاص دلالته وفقاً لمناهج التفسير، تحرياً لمقاصد هذا النص، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفت من تقريره، والغرض المقصود منه، ومحمولاً عليه. وكان من المسلم به أن التوفيق بين النصوص كمنهج أصيل في التفسير يعني التقريب بين النصوص وترجيح الفهم الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر. وفي إطار إعمال نصوص الدستور والتوفيق بين أحكامها جميعاً، فإن أصول التفسير توجب إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين أحكام الدستور، بما يجعل بعضها يُفسر بعضاً، فالنصوص لا يفهم بعضها بمعزل عن البعض الآخر، وإنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء دلالة باقي النصوص، الأمر الذي يتطلب وجوب إمعان النظر في تلك النصوص جميعها بوصفها متآلفة فيما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة توجهاتها، بما لا تنفلت معها متطلبات تطبيقها، أو يبتعد بها عن الغاية المقصودة منها. واهتداءً بهذا المنهج، فإن المحكمة تستظهر من عبارات المادة (151) من الدستور ودلالات ألفائها، إن المشرع الدستوري أورد أصلاً دستورياً عاماً يقضي بسادة وسمو دستور دولة الاتحاد على دساتير إمارات الاتحاد، وبسيادة وسمو القوانين الاتحادية التي تصدر وفقاً لأحكام الدستور الاتحادي على التشريعات والقرارات الصادرة عن سلطات الإمارات، وأساس هذه السيادة أن الدستوري الاتحادي يمثل إرادة شعب الإمارات وحكامه كما هو بيّن وجلي في ديباجة دستور دولة الاتحاد، وأن القوانين الاتحادية تصدر بتصديق المجلس الأعلى للاتحاد الذي يُغير هو الآخر عن الإرادة العامة لشعب الإمارات، مما يعني أن إرادة الشعب الإماراتي هي أساس سيادة وسمو التشريعات الاتحادية.
وحيث إن مؤدى هذه السيادة – في عموم معناها -، إن أي تشريع يجب أن يتقيد بالتشريع الأعلى منه درجة. فلا يجوز لتشريع محلي أن يتعارض أو يتخالف مع تشريع اتحادي. كما لا يجوز لأيهما أن يتعارض مع تشريع دستوري. وإذا صدر أي من هذه التشريعات مخالفاً لتشريع أعلى منه درجة، فإنه يكون موصوماً بخاتم عدم الدستورية أو عدم المشروعية. وعليه فإن أي تشريع محلي مهما كان المجال الذي يشرع فيه، سواء أكان في المجال المحفوظ للحكومات المحلية عملاً بالمادة (122) من الدستور، أم في مجال قوانين وتشريعات التدابير التي تصدرها تلك الحكومات لتنفيذ القوانين الاتحادية عملاً بالمادة (125) من الدستور، أو في غيرها من المجالات. وسواء أكان موضوع تلك القوانين والتشريعات متعلقاً بشؤون التقاضي أم شؤون الأسرة والمجتمع أم الشؤون الاقتصادية والتجارية أم الشؤون الخارجية والعلاقات الدولية أم غيرها من الشؤون الأخرى – لا بد أن يكون متفقاً مع التشريع الاتحادي دستوراً أو قانوناً، وغير متعارض معه لا صراحةً ولا ضمناً، حقيقة أم حكماً.
وحيث إن الأصل في القوانين الاتحادية، أنها صدرت موافقة ومطابقة للدستور، أخذاً بقرينة الدستورية التي تصاحب التشريع منذ لحظة صدوره إلى يوم إلغائه، ولا تزول عنه هذه القرينة إلا بصدور حكم قضائي من هذه المحكمة ينزع عن هذا التشريع لباس الشرعية الدستورية، أو يقوم دليل قطعي يكون بذاته نافياً – على وجه الجزم – لدستوريته. ولازم هذه القرينة المفترضة، أن القانون الاتحادي متى استوفى إجراءات إصداره المقررة في الدستور، فهو واجب الاحترام والتطبيق على جميع إقليم دولة الاتحاد وعلى كافة سكانها وما عليها، وذلك عملاً بالمادة (44) من الدستور التي توجب على سكان الاتحاد احترام الدستور والقوانين والأوامر الصادرة من السلطات العامة. ولما كان الثابت من مطالعة القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996،أن موضوعه طال شأناً يتعلق بالإجراءات الجزائية أمام المحاكم وهو شأن ينفرد الاتحاد بالتشريع فيه، وأن هذا القانون استوفى إجراءات إصداره من حيث الإطلاع على الدستور وعلى القوانين الاتحادية ذات الصلة بموضوعه وعرض وزير العدل وموافقة مجلس وزراء الاتحاد وتصديق المجلس الأعلى للاتحاد عليه ونشره في الجريدة الرسمية للاتحاد والعمل به من تاريخ نشره، وأنه لم يصدر حكم أو يقوم دليل قطعي بعدم دستوريته، ولم يلغ حتى تاريخه.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، فإن القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم، قانون ملزم لجميع إمارات الدولة في المجال الذي شرع وواجب تطبيق أحكامه أمام كافة محاكم الاتحاد والإمارات معاً. ولا يفوت المحكمة أن تشير في هذا المقام إلى أنه لا قيد على الإمارات في أن تضع التشريعات اللازمة لتنظيم الأصول العامة التي تشتمل عليها التشريعات الكبرى ووضع الحلول التشريعية لما تواجهه الإمارات من مسائل جزئية عند التطبيق بما لا يتعارض مع أحكام التشريعات الكبرى أو مع أي قانون اتحادي آخر، وذلك وفقاً للمادتين (149، 151) من الدستور. (يراجع طلب التفسير رقم (1) لسنة 19 قضائية عليا، جلسة 30/6/1992).
4- لما كان طلب التفسير الخاص ببيان المعنى المقصود من عبارة "التشريعات الإجرائية الكبرى المدنية والجزائية" الذي ينفرد الاتحاد بالتشريع فيها، وذلك على ضوء المادة (28) من دستور دولة الاتحاد. وما إذا كانت المحاكمة خارج أحكام القانون رقم (3) لسنة 1996 تُعد مخالفة دستورية للمادة المذكورة، وللمادة (25) من الدستور ذاته التي تنص على مساواة جميع الأفراد أمام القانون دون تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة أو المركز الاجتماعي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن توزيع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية بين الاتحاد والإمارات، يقوم على أساس انفراد الاتحاد بالتشريع والتنفيذ في الشؤون المبينة في المادة (120) من دستور الاتحاد، وانفراده بالتشريع فقط في الشؤون المبينة في المادة (121) منه عملاً بما نصت عليه المادة (122) من أن الإمارات تختص بكل ما لا تنفرد السلطات الاتحادية به بموجب أحكام المادتين 120، 121 (يراجع طلبات التفسير الدستوري أرقام: 1 لسنة 2 قضائية عليا، 5 لسنة 8 قضائية عليا، 10 لسنة 10 قضائية عليا).
ومن حيث إن المقصود بالتشريع في مجال المادتين 120، 121 من دستور دولة الاتحاد – وفق ما صرحت به هذه المحكمة في طلب التفسير رقم 1 لسنة 2 قضائية عليا – القواعد الكلية المنظمة لروابط المخاطبين بأحكام القانون. وهو – التشريع – يصدر من الاتحاد عن طريق السلطات التي تملك إصداره وفقاً للأشكال وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في الدستور، إما في صورة قانون أو مراسيم لها قوة القانون على حسب الأحوال، وإما بناءً على تفويض يتم ضمن الحدود التي يعنيها قانون التفويض.
ومن حيث إن المقصود من عبارة "التشريعات الإجرائية الكبرى المدنية والجزائية" الواردة في المادة (121) من الدستور، فهي التشريعات التي تتضمن القواعد الكلية المنظمة لإجراءات التقاضي والأحكام التفصيلية المتصلة بها في المجالين المدني والجزائي، وتشتمل على إجراءات رفع الدعاوى وترتيب درجات المحاكم، واختصاصاتها وتنظيم الأجهزة القضائية وأعوانها، وكيفية صدور الأحكام والطعن فيها وتنفيذها. بالإضافة إلى ما تقتضيه طبيعة المواد الجزائية من وضع قواعد خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق والاتهام والمحاكمة والتنفيذ الجزائي.
ومن حيث إنه لا مرية أن القانون القاضي بإسناد نظر جرائم المخدرات وما في حكمها إلى المحاكم الشرعية، يُعد من القواعد (التشريعات) المتصلة بإجراءات التقاضي، باعتباره تنظيماً للاختصاص النوعي للمحاكم داخل الدولة، وهو ما يدخل في مفهوم " التشريعات الكبرى " وفقاً لأحكام المادة (121) من الدستور، والذي يتعين تطبيق أحكامه في كافة أرجاء الدولة بجميع إماراتها المتحدة، ويكون له العلو والسمو على التشريعات المحلية، أياً كانت درجتها فيما يتعارض منها مع أحكامه، بحيث يبطل من التشريع المحلي ما هو متعارض مع التشريع الاتحادي، وذلك وفقاً لأحكام المواد: 122، 148، 149، 151 من دستور دولة الاتحاد بنصوصها الواضحة والجلية المعنى بهذا الخصوص. وهو ما سبق تقريره بالمبدأ الدستوري الصادر في طلب التفسير الدستوري رقم5 لسنة 8 قضائية عليا.
5- لما كانت الفقرة الثانية من الشق الثاني من الطلب، فإنه ولما كان مبنى هذه الفقرة في 
حقيقته استفتاء المحكمة في مدى قانونية وعدالة المحاكمات التي تجري خارج إطار القانون 
الاتحادي رقم 3 لسنة 1996، وكان دستور دولة الاتحاد قد عهد بنص المادة (99/2، 4,3) إلى هذه المحكمة وحدها دون غيرها نظر المنازعات الدستورية، سواء أخذت صورة الطعن بعدم الدستورية أو طلب تفسير أحكام الدستور. وبناءً على هذا التفويض الدستوري، أصدر المشرع قانون هذه المحكمة، مستبعداً من مجال ولايتها واختصاصها إصدار آراء إفتائية في موضوع القوانين أو مجالات تطبيقها أو آثار مخالفتها. وإذ كان الطلب في فقرته المشار إليها، لا ينطوي على منازعة دستورية، فإنه لا يكون مقبولاً.

---------------
المحكمة
حيث إنه بتاريخ 11/10/2000، أودع رئيس الديوان الأميري لحكومة إمارة أم القيوين، بموافقة وإقراء صاحب السمو حاكم الإمارة، قلم كتاب المحكمة الاتحادية العليا صحيفة طلب تفسير بعض أحكام الدستور بالقدر الذي يتعلق بإلزامية تطبيق أحكام القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم. واستقرت طلباته الختامية بموجب مذكراته المؤرخة في 14/3/2000، 15/10/2001، 15/12/2002، 14/6/2003، على بيان ما يأتي:
أولاً: تفسير أحكام الدستور فيما يتعلق بأولوية وإلزامية تطبيق القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1996 لجميع الإمارات، سواء كان قضاؤها اتحادياً أم محلياً، وذلك على ضوء المادة (151) من الدستور.
ثانياً: تفسير المادة (121) من الدستور لبيان المعنى المقصود من "التشريعات الكبرى" الذي ينفرد الاتحاد بالتشريع والتنفيذ فيها، وذلك على ضوء ما نصت عليه المادة (28) من الدستور التي تقرر المحاكمة القانونية والعادلة كحق دستوري. وما إذا كانت المحاكمة خارج أحكام القانون (3) لسنة 1996 تُعد مخالفة دستورية للمادة المذكورة، وكذلك للمادة (25) من الدستور التي تقضي بمساواة جميع الأفراد أمام القانون دون تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي.
وأودع طالب التفسير ملف الطلب صورة ضوئية عن مرسوم أميري برقم (3) لسنة 1998 صادر عن صاحب السمو حاكم إمارة أم القيوين بتاريخ 24/11/1998 يقضي بتعيين السيد/ .... مستشاراً قانونياً لحكومة أم القيوين. وبعد أن تم تحضير الطلب وتهيئته للمرافعة وإيداع التقرير وفق الثابت بالأوراق، حُددت جلسة 14/3/2001 لنظر الطلب. وإذ توالت جلسات نظر الطلب على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، فقد حددت المحكمة جلسة اليوم للنطق بالحكم.
ومن حيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول الطلب تأسيساً على أنه لا يعدو أن يكون طلباً بعدم دستورية الأحكام الصادرة في الدعويين رقمي 4/46 لسنة 1997 جنايات دبي و330 لسنة 1996 جنايات أم القيوين لمخالفتها أحكام القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 .
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك
أن طلب تفسير الدستور، هو طلب عيني يستهدف طالبه من المحكمة تجلية ما يكون قد ران على النص المطلوب استيضاحه من غموض أو لبس بغية رفع هذا اللبس وإيضاح الغموض توصلاً إلى تحديد مراد الدستور ضماناً لوحدة التطبيق الدستوري واستقراره.
وأن دستور دولة الاتحاد، إذ أجاز لسلطات الاتحاد وحكومات الإمارات أن تطلب من المحكمة الاتحادية العليا طلب تفسير أحكام الدستور عملاً بالمادة (99/4) منه،
فقد ترك – الدستور – للمشرع العادي رسم إجراءات رفع هذا الطلب وتبيان حدوده ونطاقه وحالات جوازه أو عدم جوازه، قبوله أو رفضه، دون أن يعتد بالباعث الذي يحرك الطالب لرفع طلب التفسير، بحسبان أن هذا الباعث من خبيثات النفوس التي لا يعتد بها القانون في قبول طلب التفسير أو رفضه. مما يغدو معه دفع النيابة في غير محله متعين الرفض.
ومن حيث إن الطلب استوفى أوضاعه القانونية.
ومن حيث إنه عن موضوع الطلب –
فإن المحكمة تمهد لقضائها بتأكيد اختصاصها بنظر طلب التفسير الدستوري إعمالاً للمادة (99/4) من دستور دولة الاتحاد، والمادة (33/5) من قانون إنشاء المحكمة الاتحادية العليا رقم (10) لسنة 1973. وأن اختصاصها هذا إنما يقتصر نطاقه على تفسير أحكام الدستور، ولا يمتد إلى تفسير نصوص القوانين التي لا تواجهها المحكمة إلا عن طريق البحث في دستوريتها طبقاً للأوضاع المرسومة في الدستور. (يراجع طلب التفسير رقم (1) لسنة 1 قضائية عليا تفسير دستوري).
كما تؤكد المحكمة كذلك أن طلب التفسير الدستوري لا يتسم بالطابع القضائي الذي يقوم على الادعاء والدفاع وحسم خلاف شجار بين طرفين، وإنما تباشر الدائرة الدستورية بهذه المحكمة نظر الطلب عندما يقدم لها من حكومة الاتحاد أو من حكومات إمارات الاتحاد، لتفسير نص دستوري معين لاستجلاء معانيه ومقاصده، بغية ضمان وحدة تطبيقه، وأنه ليس بلازم أن يصل الأمر إلى حد الخلاف المحتدم أو المنازعة بالمعنى المعروف في قانون الإجراءات المدنية، إذ في تطلب ذلك قيد لم يتضمنه الدستور أو قانون إنشاء المحكمة. بل يكفي أن يدور حول نص دستوري أكثر من رأي على نحو يغم معه إعمال حكمه على النحو الذي أراده وقصده وضعوا الدستور، ليسوغ معه الالتجاء إلى هذه المحكمة بغية تجلية الغموض الحاصل في هذا المجال وذلك ضماناً لوحدة التطبيق الدستوري واستقراره.
وحيث إنه عن الشق الأول من الطلب المتعلق بتفسير أحكام الدستور فيما يتعلق بأولوية وإلزامية تطبيق القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم لجميع الإمارات، سواء كان قضاؤها اتحادياً أم محلياً على ضوء المادة (151) من دستور دولة الاتحاد. فإن السلطة المخولة لهذه المحكمة – لدى تحريك اختصاصها واستنهاض ولايتها – في مجال تفسير نصوص الدستور، إنما تتحدد في توضيح ما أبهم من عبارات النص محل التفسير، واستخلاص دلالته وفقاً لمناهج التفسير، تحرياً لمقاصد هذا النص، ووقوفاً عند الغاية التي استهدفت من تقريره، والغرض المقصود منه، ومحمولاً عليه.
وكان من المسلم به أن التوفيق بين النصوص كمنهج أصيل في التفسير يعني التقريب بين النصوص وترجيح الفهم الذي لا يقوم به التعارض بين أي منهما والآخر.
وفي إطار إعمال نصوص الدستور والتوفيق بين أحكامها جميعاً، فإن أصول التفسير توجب إعمال قواعد التخصيص والتقييد المتبادل بين أحكام الدستور، بما يجعل بعضها يُفسر بعضاً، فالنصوص لا يفهم بعضها بمعزل عن البعض الآخر، وإنما تتأتى دلالة أي منها في ضوء دلالة باقي النصوص، الأمر الذي يتطلب وجوب إمعان النظر في تلك النصوص جميعها بوصفها متآلفة فيما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة توجهاتها، بما لا تنفلت معها متطلبات تطبيقها، أو يبتعد بها عن الغاية المقصودة منها.
واهتداءً بهذا المنهج، فإن المحكمة تستظهر من عبارات المادة (151) من الدستور ودلالات ألفائها، إن المشرع الدستوري أورد أصلاً دستورياً عاماً يقضي بسادة وسمو دستور دولة الاتحاد على دساتير إمارات الاتحاد، وبسيادة وسمو القوانين الاتحادية التي تصدر وفقاً لأحكام الدستور الاتحادي على التشريعات والقرارات الصادرة عن سلطات الإمارات، وأساس هذه السيادة أن الدستوري الاتحادي يمثل إرادة شعب الإمارات وحكامه كما هو بيّن وجلي في ديباجة دستور دولة الاتحاد، وأن القوانين الاتحادية تصدر بتصديق المجلس الأعلى للاتحاد الذي يُغير هو الآخر عن الإرادة العامة لشعب الإمارات، مما يعني أن إرادة الشعب الإماراتي هي أساس سيادة وسمو التشريعات الاتحادية.
وحيث إن مؤدى هذه السيادة – في عموم معناها -، إن أي تشريع يجب أن يتقيد بالتشريع الأعلى منه درجة. فلا يجوز لتشريع محلي أن يتعارض أو يتخالف مع تشريع اتحادي. كما لا يجوز لأيهما أن يتعارض مع تشريع دستوري. وإذا صدر أي من هذه التشريعات مخالفاً لتشريع أعلى منه درجة، فإنه يكون موصوماً بخاتم عدم الدستورية أو عدم المشروعية.
وعليه فإن أي تشريع محلي مهما كان المجال الذي يشرع فيه، سواء أكان في المجال المحفوظ للحكومات المحلية عملاً بالمادة (122) من الدستور، أم في مجال قوانين وتشريعات التدابير التي تصدرها تلك الحكومات لتنفيذ القوانين الاتحادية عملاً بالمادة (125) من الدستور، أو في غيرها من المجالات. وسواء أكان موضوع تلك القوانين والتشريعات متعلقاً بشؤون التقاضي أم شؤون الأسرة والمجتمع أم الشؤون الاقتصادية والتجارية أم الشؤون الخارجية والعلاقات الدولية أم غيرها من الشؤون الأخرى – لا بد أن يكون متفقاً مع التشريع الاتحادي دستوراً أو قانوناً، وغير متعارض معه لا صراحةً ولا ضمناً، حقيقة أم حكماً.
وحيث إن الأصل في القوانين الاتحادية، أنها صدرت موافقة ومطابقة للدستور، أخذاً بقرينة الدستورية التي تصاحب التشريع منذ لحظة صدوره إلى يوم إلغائه، ولا تزول عنه هذه القرينة إلا بصدور حكم قضائي من هذه المحكمة ينزع عن هذا التشريع لباس الشرعية الدستورية، أو يقوم دليل قطعي يكون بذاته نافياً – على وجه الجزم – لدستوريته
ولازم هذه القرينة المفترضة، أن القانون الاتحادي متى استوفى إجراءات إصداره المقررة في الدستور، فهو واجب الاحترام والتطبيق على جميع إقليم دولة الاتحاد وعلى كافة سكانها وما عليها، وذلك عملاً بالمادة (44) من الدستور التي توجب على سكان الاتحاد احترام الدستور والقوانين والأوامر الصادرة من السلطات العامة.
ولما كان الثابت من مطالعة القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996، أن موضوعه طال شأناً يتعلق بالإجراءات الجزائية أمام المحاكم وهو شأن ينفرد الاتحاد بالتشريع فيه، وأن هذا القانون استوفى إجراءات إصداره من حيث الإطلاع على الدستور وعلى القوانين الاتحادية ذات الصلة بموضوعه وعرض وزير العدل وموافقة مجلس وزراء الاتحاد وتصديق المجلس الأعلى للاتحاد عليه ونشره في الجريدة الرسمية للاتحاد والعمل به من تاريخ نشره، وأنه لم يصدر حكم أو يقوم دليل قطعي بعدم دستوريته، ولم يلغ حتى تاريخه.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم، فإن القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم، قانون ملزم لجميع إمارات الدولة في المجال الذي شرع وواجب تطبيق أحكامه أمام كافة محاكم الاتحاد والإمارات معاً. ولا يفوت المحكمة أن تشير في هذا المقام إلى أنه لا قيد على الإمارات في أن تضع التشريعات اللازمة لتنظيم الأصول العامة التي تشتمل عليها التشريعات الكبرى ووضع الحلول التشريعية لما تواجهه الإمارات من مسائل جزئية عند التطبيق بما لا يتعارض مع أحكام التشريعات الكبرى أو مع أي قانون اتحادي آخر، وذلك وفقاً للمادتين (149، 151) من الدستور. (يراجع طلب التفسير رقم (1) لسنة 19 قضائية عليا، جلسة 30/6/1992).
وحيث إنه عن الشق الثاني من طلب التفسير الخاص ببيان المعنى المقصود من عبارة "التشريعات الإجرائية الكبرى المدنية والجزائية" الذي ينفرد الاتحاد بالتشريع فيها، وذلك على ضوء المادة (28) من دستور دولة الاتحاد. وما إذا كانت المحاكمة خارج أحكام القانون رقم (3) لسنة 1996 تُعد مخالفة دستورية للمادة المذكورة، وللمادة (25) من الدستور ذاته التي تنص على مساواة جميع الأفراد أمام القانون دون تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة أو المركز الاجتماعي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن توزيع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية بين الاتحاد والإمارات، يقوم على أساس انفراد الاتحاد بالتشريع والتنفيذ في الشؤون المبينة في المادة (120) من دستور الاتحاد، وانفراده بالتشريع فقط في الشؤون المبينة في المادة (121) منه عملاً بما نصت عليه المادة (122) من أن الإمارات تختص بكل ما لا تنفرد السلطات الاتحادية به بموجب أحكام المادتين 120، 121 (يراجع طلبات التفسير الدستوري أرقام: 1 لسنة 2 قضائية عليا، 5 لسنة 8 قضائية عليا، 10 لسنة 10 قضائية عليا).
ومن حيث إن المقصود بالتشريع في مجال المادتين 120، 121 من دستور دولة الاتحاد – وفق ما صرحت به هذه المحكمة في طلب التفسير رقم 1 لسنة 2 قضائية عليا – القواعد الكلية المنظمة لروابط المخاطبين بأحكام القانون. وهو – التشريع – يصدر من الاتحاد عن طريق السلطات التي تملك إصداره وفقاً للأشكال وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في الدستور، إما في صورة قانون أو مراسيم لها قوة القانون على حسب الأحوال، وإما بناءً على تفويض يتم ضمن الحدود التي يعنيها قانون التفويض.
ومن حيث إن المقصود من عبارة "التشريعات الإجرائية الكبرى المدنية والجزائية" الواردة في المادة (121) من الدستور، فهي التشريعات التي تتضمن القواعد الكلية المنظمة لإجراءات التقاضي والأحكام التفصيلية المتصلة بها في المجالين المدني والجزائي، وتشتمل على إجراءات رفع الدعاوى وترتيب درجات المحاكم، واختصاصاتها وتنظيم الأجهزة القضائية وأعوانها، وكيفية صدور الأحكام والطعن فيها وتنفيذها. بالإضافة إلى ما تقتضيه طبيعة المواد الجزائية من وضع قواعد خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق والاتهام والمحاكمة والتنفيذ الجزائي.
ومن حيث إنه لا مرية أن القانون القاضي بإسناد نظر جرائم المخدرات وما في حكمها إلى المحاكم الشرعية، يُعد من القواعد (التشريعات) المتصلة بإجراءات التقاضي، باعتباره تنظيماً للاختصاص النوعي للمحاكم داخل الدولة، وهو ما يدخل في مفهوم "التشريعات الكبرى" وفقاً لأحكام المادة (121) من الدستور، والذي يتعين تطبيق أحكامه في كافة أرجاء الدولة بجميع إماراتها المتحدة، ويكون له العلو والسمو على التشريعات المحلية، أياً كانت درجتها فيما يتعارض منها مع أحكامه، بحيث يبطل من التشريع المحلي ما هو متعارض مع التشريع الاتحادي، وذلك وفقاً لأحكام المواد: 122، 148، 149، 151 من دستور دولة الاتحاد بنصوصها الواضحة والجلية المعنى بهذا الخصوص. وهو ما سبق تقريره بالمبدأ الدستوري الصادر في طلب التفسير الدستوري رقم5 لسنة 8 قضائية عليا.
ومن حيث انه في خصوص الفقرة الثانية من الشق الثاني من الطلب، فإنه ولما كان مبنى هذه الفقرة في حقيقته استفتاء المحكمة في مدى قانونية وعدالة المحاكمات التي تجري خارج إطار القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1996، وكان دستور دولة الاتحاد قد عهد بنص المادة (99/2، 4,3) إلى هذه المحكمة وحدها دون غيرها نظر المنازعات الدستورية، سواء أخذت صورة الطعن بعدم الدستورية أو طلب تفسير أحكام الدستور. وبناءً على هذا التفويض الدستوري، أصدر المشرع قانون هذه المحكمة، مستبعداً من مجال ولايتها واختصاصها إصدار آراء إفتائية في موضوع القوانين أو مجالات تطبيقها أو آثار مخالفتها. وإذ كان الطلب في فقرته المشار إليها، لا ينطوي على منازعة دستورية، فإنه لا يكون مقبولاً.
فلهذه الأسباب،
وبعد الاطلاع على المواد: 25، 28، 44، 120، 121، 122، 145، 149، 151 من الدستور.
حكمت المحكمة بما يأتي:
أولاً: قبول الطلب شكلاً.
ثانياً: رفض الدفع المقدم من النيابة العامة.
ثالثاً: إلزامية القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1996 بشأن اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم، في المجال الذي شرع فيه، ووجوب تطبيق أحكامه أمام كافة محاكم الاتحاد والامارات معاً.
رابعاً: ان مفهوم عبارة "التشريعات الاجرائية الكبرى المدنية والجزائية"، ينصرف الى القواعد الكلية المنظمة الاجراءات التقاضي والأحكام التفصيلية المتصلة بها في المجالين المدني والجزائي. وان القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1996 يدخل في مفهوم تلك العبارة باعتباره تشريعاً ينظم قواعد الاختصاص النوعي للمحاكم في الدولة.
خامساً: عدم اختصاص المحكمة بنظر الفقرة الثانية من الشق الثاني من الطلب

دعوى رقم 1 لسنة 2014 دستورية المحكمة الاتحادية العليا جلسة 25 / 11 / 2014

هيئة المحكمة: برئاسة السيد القاضي الدكتور/ عبد الوهاب عبدول – رئيس المحكمة، وعضوية السادة القضاة / شهاب عبدالرحمن الحمادي وفلاح شايع الهاجري ومحمد عبدالرحمن الجراح والبشير بن الهادي زيتون. 
---------------- 
1- أسس ممارسة المحكمة الاتحادية العليا الرقابة القضائية على دستورية التشريع. 

2- التزام السلطة التشريعية بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية كونه من غير الجائز الاجتهاد فيها باعتبارها أحكاماً قطعية ثابتة في الزمان والمكان. 

3- تحديد نطاق الدعوى الدستورية المقدمة من الخصوم على أساس الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع حسب أحكام قانون المحكمة الاتحادية العليا. 

4- جواز الاجتهاد في الوصية الواجبة كونها من المسائل الخلافية بين فقهاء الشريعة الإسلامية ولا مساس في ذلك للأصول الكلية في الشريعة الثابتة. 

5- إعطاء السلطة بموجب أحكام قانون الأحوال الشخصية لولي الأمر في رفع الخلاف في المسائل الاجتهادية لاسيما في مسألة الوصية الواجبة لا مخالفة فيه للدستور والشريعة. 
---------------- 
(1) رقابة قضائية. دستور" دستورية القوانين". قانون" دستورية نصوصه". تشريع. المحكمة الاتحادية العليا" سلطتها". 

- الرقابة القضائية على دستورية التشريع التي تباشرها المحكمة الاتحادية العليا. مناطها. تعارض النصوص القانونية المطعون عليها مع أحكام الدستور سواء وردت بالتشريعات الأصلية أو الفرعية. 

- تقدير دستورية القانون الاتحادي أو المحلي. العبرة فيه. بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور. 

(2) تشريع. شريعة إسلامية. أحكام قطعية. أحكام ظنية. اجتهاد. 

- السلطة التشريعية. تقييدها فيما تقره من نصوص قانونية بالأصول الكلية للشريعة الإسلامية التي لا يجوز الاجتهاد فيها. أساس ذلك ومؤداه وعلته؟ 

- الأحكام القطعية . ممنوع الاجتهاد فيها لأنها لا تحتمل التأويل أو التبديل. 

- الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أوهما معاً. جائز الاجتهاد فيها. علة ذلك؟ 

- الاجتهاد في المسائل الاختلافية. جائز. شرطه؟ 

(3) دعوى دستورية. وصيه واجبه. قانون "دستورية نصوصه". أحوال شخصية. دستور. 

- الدعوى الدستورية. نطاقها وأثر ذلك؟ 

- الوصية الواجبة. من المسائل الخلافية بين فقهاء الشريعة الإسلامية. مؤداه. جائز الاجتهاد فيها. ولولي الأمر رفع الخلاف في المسائل الاجتهادية. 

- نص المادة 272 من القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية. تضمنها تقرير الوصية الواجبة ولا يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة. النعي بمخالفته للدستور. على غير أساس. يوجب الحكم بدستوريته. 
---------------- 

1- لما كانت المحكمة تنوه ابتداء إلى أن الرقابة القضائية على دستورية التشريع التي تباشرها هذه المحكمة، مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها، مع الأحكام التي تضمنها الدستور، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي تقرها السلطة التشريعية أو تضمنتها التشريعات التي الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناط الدستور بها، سواء أكان اتحاديا أو محلياً هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور. 

2- لما كان النص في المادة السابعة من دستور الاتحاد على أن " الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه " يدل على أن الدستور قد وضع قيداً على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها – فيما تقره من نصوص قانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية التي لا يجوز الاجتهاد فيها من جهة اعتبارها أحكاماً قطعية في ثبوتها ودلالتها لا تتغير بتغير الزمان والمكان لأنها تمثل ثوابت الشريعة – مصدراً وتأويلاً – إذ هي عصية على التأويل فلا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها، إذ هي جوهر بيانها وركيزتها ن وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها– كما سبق القول – باعتبار أن هذه الأحكام – أي القطعية وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً فلا تحتمل تأويلها أو تبديلاً، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو هما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها حيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، أن تكون أحكامها جامدة مما ينقض كمال الشريعة ومرونتها طالما كان واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها مستخلصاً عن طريق الأدلة الشرعية النقلية منها والعقلية، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال. 

3- لما كان من المقرر – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته وذلك عملاً بالمادة (58) من قانون المحكمة الاتحادية العليا ومن ثم فإن المحكمة وهي بصدد بحث مدى دستورية نص المادة 272 السالفة البيان. تتقيد بنطاق ذلك دون أن تمتد سلطتها الرقابية إلى بحث موجبات الوصية الواجبة وشروط استحقاقها. لما كان ذلك وكان نص المادة 272 من قانون الأحوال الشخصية رقم (28) لسنة 2005 على أنه " 1- من توفي ولو حكماً وله أولاد ابن أو بنت وقد مات ذلك الابن أو تلك البنت قبله أو معه وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشرائط ألأتيه: 1- ..... 2- ..... 3- ......)) دل على أن المشرع قد قنَن الوصية الواجبة حال أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد اختلفوا بشأنها ما بين مؤيد ومعارض لها وهي من المسائل الخلافية التي يجوز الاجتهاد فيها وليس فيها مساس للأصول الكلية للشريعة المقطوع بثبوتها ودلالتها وبالتالي يجوز لولى الأمر بماله من سلطة رفع الخلاف في مسائل الاجتهادية النص عليها باعتبار أن أمر الأمام بالمندوب – حسبما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون السالف البيان – أو المباح يجعله واجبا متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه لا يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة وإنما تضمن تقرير الوصية الواجبة باعتبارها مسألة خلافية بين العلماء حسمها ولي الأمر بالنص عليها في القانون وكان ذلك كله واقعاً في إطار الشريعة الغراء لا ينافي مقاصدها وبمراعاة أصولها على نحو تستقيم به حياة الناس وحاجاتهم، فإن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للدستور يكون على غير أساس مما يوجب الحكم بدستورية المادة (272) المذكورة. 
-------------
الإجراءات 
بتاريخ الرابع عشر من يناير 2014 أحالت محكمة أم القيوين الشرعية الابتدائية بموجب القرار الصادر في الدعوى رقم (9) لسنة 2012 تركات شرعي والذي نص منطوقة بمضر الجلسة المؤرخ 11/12/2013 على الآتي " ((قررت المحكمة التأجيل لجلسة 14/1/2014 وعلى الطالب اتخاذ إجراءات الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا)) وذلك بعد أن دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة272 من قانون الأحوال الشخصية رقم (28) لسنة 2005 وعلى أثر ذلك ونفاذاً لقرار المحكمة المذكور أقام المدعي الدعوى الدستورية أمام المحكمة الاتحادية العليا، بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 6/1/2014 وقيدت تحت رقم (1) لسنة 2014 (طعن دستوري). بتاريخ 20/1/2014 عُيّن القاضي / ..... قاضياً لتحضير الدعوى. وإذ نظرت الدعوى أمام قاضي التحضير، فقد حضر المدعي بوكيل عنه وقدم مذكرة تمسك فيها بطلباته الواردة بصحيفة دعواه، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى لعدم صحة اتصال المحكمة بها. 

وحيث إن المحكمة وبعد الانتهاء من إجراءات تحضير الدعوى، حددت جلسة 14/11/2014 لنظر الدعوى أمام هيئة المحكمة، وفيها حضر المدعي بوكيل عنه وصمّم على طلباته السابقة بينما لم يحضر المدعي عليه الثاني، وبذات الجلسة قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم. 
-------------
المحكمــة 
حيث إن الوقائع – حسبما يبين من الوراق – تتحصل في أن الشيخ / ...... تقدم إلى محكمة أم القيوين الشرعية الابتدائية بطلب حصر ورثة والده الشيخ / ...... المتوفي بتاريخ 25/1/2012 ، وقيـد الـطــلب بـرقم (194 لسنة 2012) والمحكمة قررت بتاريخ 9/2/2012 إثبات وفاة الشيخ / ...... ، وانحصار إرثه في زوجته الشيخة / ...... وفي أولاده البالغين وهم الشيخ / ...... والشيخ / ..... والشيخة ..... والشيخة / ..... ولا وارث له سواهم بفرض ولا تعصيب وبناء عليه فإن لزوجته الثمن فرضاً والباقي لأولاده تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين ن وفي تركته " وصية واجبة " لأحفاده من ابنته الشيخة / ..... المتوفية قبله وهم (...... و..... و..... و...... و..... أولاد الشيخ / ..... وذلك بمقدار حصتهم مما يرثه أبوهم عن أصله المتوفي، وللذكر مثل حظ الأنثيين وعلى إثر هذا التحديد الشرعي أقام المدعى عليه الثاني الشيخ / ..... بشخصه وبصفته وليا شرعيا لابنته القاصر .... ووكيلاً عن أبنائه / ..... و..... و..... و.....، الدعوى رقم 9 لسنة 2012 تركات شرعي أمام ذات المحكمة بطلب حصر تركة مورثهم لدى كافة الجهات داخل الدولة وتوزيعها بين الورثة وفقا للأنصبة الشرعية المقررة لهم باعتبار أن لهم في تركة مورثهم وصية واجبة، وأثناء نظر الدعوى أمام المحكمة قدم المدعى الشيخ / ..... – عن نفسه وبصفته وكيلاً عن الشيخة / ..... والشيخ ...... والشيخة ..... والشيخة ..... والشيخة ...... – مذكرة مؤرخة 16/11/2013 دفع فيها بعدم دستورية نص المادة 272 من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 لمخالفة الوصية الواجبة لأحكام الشريعة الإسلامية لأن الأخذ بها ينطوي على مخالفة لقواعد الميراث وبالتالي فإن النص المذكور يصم بعدم الدستورية. وبجلسة 11/12/2013 قررت المحكمة " بمحضر الجلسة " التأجيل لجلسة 14/1/2014 وعلى الطالب اتخاذ إجراءات الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا " وعلى إثر ذلك أقام المدعي الدعوى الدستورية أمام هذه المحكمة بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 6/1/2014 طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بعدم دستورية المادة 272 من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 واستند في دعواه إلى أسباب حاصلها أن الوصية الواجبة جاءت مخالفة لحكام الشريعة الإسلامية تأسيساً على أن أبن الابن لا يرث مع وجود الابن الأقرب منه درجة وأن أحفاد الآباء ليسوا من الفروض، وأن الوصية هي في الأصل مندوبة وليست واجبة إلاَّ فيما يوصى بقضاء دين واجب على الموصى، كما أنه لا وصية لوارث وأن الأخذ بالوصية الواجبة ينطوي على مخالفة لقواعد الميراث وفيه تعدي على حقوق الورثة ولاسيما أن المذاهب الإسلامية الأربعة المعتمدة لم تأخذ بها وكانت الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيس للتشريع وهو مبدأ دستوري ويتعين على المحاكم الالتزام بأحكامها وعدم مخالفتها وقد خالف نص المادة 272 السالف الذكر المقرر للوصية الواجبة أحكام الشريعة في هذا الخصوص ومن ثم فإنه يصم بعدم الدستورية. والمدعى عليه الثاني قدم مذكرة جوابية قال فيها أن الوصية الواجبة محل خلاف بين فقهاء الشريعة وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السالف الذكر بالرأي القائل بالوصية الواجبة وليس في ذلك مخالفة للشريعة طالما أن الأمر محض اجتهاد فيما بين علمائها ومن ثم فإن النص عليها لا يشوبه مخالفة للدستور لموافقته مع أحكام الشريعة الإسلامية وانتهي إلى طلب الحكم برفض الدعوى الدستورية. 

وحيث إن المحكمة تنوه ابتداء إلى أن الرقابة القضائية على دستورية التشريع التي تباشرها هذه المحكمة، مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها، مع الأحكام التي تضمنها الدستور، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي تقرها السلطة التشريعية أو تضمنتها التشريعات التي الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناط الدستور بها، سواء أكان اتحاديا أو محلياً هي بتوافق أو اختلاف نصوصه وأحكام الدستور. 

وحيث إن النص في المادة السابعة من دستور الاتحاد على أن " الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه " يدل على أن الدستور قد وضع قيداً على السلطة التشريعية مؤداه تقييدها – فيما تقره من نصوص قانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية التي لا يجوز الاجتهاد فيها من جهة اعتبارها أحكاماً قطعية في ثبوتها ودلالتها لا تتغير بتغير الزمان والمكان لأنها تمثل ثوابت الشريعة – مصدراً وتأويلاً – إذ هي عصية على التأويل فلا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها، إذ هي جوهر بيانها وركيزتها ن وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها – كما سبق القول – باعتبار أن هذه الأحكام – أي القطعية وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً فلا تحتمل تأويلها أو تبديلاً، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو هما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها حيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، أن تكون أحكامها جامدة مما ينقض كمال الشريعة ومرونتها طالما كان واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها مستخلصاً عن طريق الأدلة الشرعية النقلية منها والعقلية، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال. 

وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام محكمة الموضوع وفي الحدود التي تقدر فيها تلك المحكمة جديته وذلك عملاً بالمادة (58) من قانون المحكمة الاتحادية العليا ومن ثم فإن المحكمة وهي بصدد بحث مدى دستورية نص المادة 272 السالفة البيان. تتقيد بنطاق ذلك دون أن تمتد سلطتها الرقابية إلى بحث موجبات الوصية الواجبة وشروط استحقاقها. 

لما كان ذلك وكان نص المادة 272 من قانون الأحوال الشخصية رقم (28) لسنة 2005 على أنه " 1- من توفي ولو حكماً وله أولاد ابن أو بنت وقد مات ذلك الابن أو تلك البنت قبله أو معه وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشرائط ألأتيه: 1- ..... 2- ..... 3- .....)) دل على أن المشرع قد قنَن الوصية الواجبة حال أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد اختلفوا بشأنها ما بين مؤيد ومعارض لها وهي من المسائل الخلافية التي يجوز الاجتهاد فيها وليس فيها مساس للأصول الكلية للشريعة المقطوع بثبوتها ودلالتها وبالتالي يجوز لولى الأمر بماله من سلطة رفع الخلاف في مسائل الاجتهادية النص عليها باعتبار أن أمر الأمام بالمندوب – حسبما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون السالف البيان – أو المباح يجعله واجبا متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه لا يخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة وإنما تضمن تقرير الوصية الواجبة باعتبارها مسألة خلافية بين العلماء حسمها ولي الأمر بالنص عليها في القانون وكان ذلك كله واقعاً في إطار الشريعة الغراء لا ينافي مقاصدها وبمراعاة أصولها على نحو تستقيم به حياة الناس وحاجاتهم، فإن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للدستور يكون على غير أساس مما يوجب الحكم بدستورية المادة (272) المذكورة على النحو المبين بمنطوق الحكم. 

فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة بدستورية المادة (272) من القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية وألزمت المدعى مصروفات الدعوى وألفي درهم مقابل أتعاب المحاماة للمدعي عليه الثاني

دعوى رقم 5 لسنة 2013 دستورية المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 23 / 12 / 2014


هيئة المحكمة: برئاسة السيد القاضي الدكتور/ عبدالوهاب عبدول – رئيس المحكمة، وعضوية السادة القضاة / شهاب عبدالرحمن الحمادي وفلاح شايع الهاجري ومحمد عبد الرحمن الجراح والبشير بن الهادي زيتون.
----------
1- عدم الإرفاق مع صحيفة الدعوى الدستورية نسخة محضر جلسة المحكمة الأذنة بإقامة الدعوى الدستورية غير مؤدٍّ الى عدم قبول الدعوى لعدم نص الدستور وقانون المحكمة الاتحادية العليا على ذلك.
2- عدم جواز التوسّع في إجراءات رفع الدعوى الدستورية وحصرها في الحالات والشروط المحددة في قانون المحكمة الاتحادية العليا.
3- الدعوى الدستورية عينية بطبيعتها ومبنية على أساس اختصام النص التشريعي المطعون في دستوريته دون توجيه أية طلبات الى المدعى عليهم كونهم مجرد ممثلين للجهة المسئولة عن النص التشريعي موضوع الطعن.
4- صلاحية السلطة المعنية في الاتحاد أو في الإمارة في اتخاذ التدابير اللازمة لإزالة المخالفة الدستورية أو تصحيحها على ضوء الحكم الصادر في الدعوى الدستورية.
5- اعتبار الدستور ضامناً للحريات الشخصية وجاعلاً من قرينة البراءة دعامة لممارسة هذا الحق وحمايته من أيّ تعدٍّ عبر وضعه المعايير والأسس والمبادئ والقواعد القانونية الأمرة.
6- وجوب تفسير القانون المدعى بعدم دستوريته في إطار المنظومة التشريعية الشاملة للدولة وفي نطاق القواعد الأصولية للقانون الجنائي العام.
7- وجوب تفسير قانون الرقابة على المواد الغذائية في أبو ظبي بشأن مسألة منع تداول الغذاء الفاسد على ضوء مبادئ القانون الجنائي العام أو القانون الاتحادي المشترك معه في تجريم هذا الفعل.
8- لا مجال للطعن بعدم دستورية القانون المحلي في حال اختلافه عن القانون الاتحادي في ذات الموضوع كون الأولية لتطبيق القانون الاتحادي في هذه الحال.
--------------
(1) دعوى دستورية "رفعها". إجراءات. المحكمة الاتحادية العليا. دفوع. قانون "تطبيقه".
- الدعوى الدستورية. عدم تقديم محضر جلسة المحكمة التي أذنت بإقامتها مع مستندات صحيفتها عند إيداعها قلم المحكمة. لا يترتب عليه جزاء عدم القبول. وجوب أن يكون المحضر تحت بصر المحكمة وهي بصدد نظر الدعوى. أساس ذلك وعلته؟
- التوسع في إجراءات رفع الدعوى الدستورية. غير جائز. حد ذلك؟
- مثال برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لاتصال المحكمة بها طبقا للإجراء الصحيح الذي رسمة القانون في الفقرة الثانية من المادة 58 من قانون المحكمة الاتحادية العليا.
(2) دعوى دستورية" الخصوم فيها". إجراءات. قانون "تطبيقه". دفوع.
- الدعوى الدستورية. عينية. مناطها. اختصام النص التشريعي المطعون عليه في ذاته لمراقبة مدى دستوريته واستظهار مدى انضباطه داخل أطر الشرعية الدستورية. لا تتضمن فيها توجيه أي طلبات إلى المدعى عليهم. علة ذلك؟
- اختصام الجهة المسؤولة عن إصدار التشريع فيها. مقتضاه. علمها ومواجهتها بالحكم الصادر في الدعوى وما تتخذه من إجراءات لتنفيذه. أساسه؟
- مثال برفض الدفع بانعدام صفه المدعى عليهم في الدعوى لعدم ضرورة اختصامهم فيها شخصياً.
(3) دستور. حريات شخصية. حق. قانون" تفسيره". تشريع. إمارة أبوظبي.
- الدستور. تكفله بضمان الحرية الشخصية للمواطن وجعل من قرينة البراءة دعامة لممارسة هذا الحق وأوجد المعايير والأسس التي تحكم المنظومة التشريعية لصيانة تلك الحقوق وحمايتها من أي تعد أو تضيق من نطاقها. ووجود جهاز قضائي مستقل لحمايته. مؤدى ذلك وأساسه؟
- وجوب تفسير القانون المدعى بعدم دستورية في إطار المنظومة التشريعية الشاملة للدولة وفي نطاق القواعد الأصولية للقانون الجنائي العام. مؤدى ذلك؟
- القانون المحلي لإمارة أبوظبي. سكوته عن مسألة العلم أو توافر العنصر المعنوي للفعل المجرم. وجوب تفسيره على إحالته على مبادئ القانون الجنائي العام أو الاتحادي المشترك معه في تجريم هذا الفعل.
- دستورية المادة الأولى فقره 14 من القانون 2 لسنة 2008 لإمارة أبوظبي في شأن الغذاء بالإمارة. أساسه؟
(4) قانون اتحادي. قانون محلي. دستور.
- التزاحم والاختلاف بين القوانين الاتحادية والمحلية في ذات الموضوع الذي شرع فيه. أثره. الأولوية في التطبيق للقانون الاتحادي. لا مجال للادعاء أو الطعن بعدم الدستورية بهذا الشأن. مؤدى ذلك. الطعن بعدم الدستورية الوارد في هذا الشأن. غير مقبول.
--------------
1- لما كان نص المادتين 99 من الدّستور و58 من قانون المحكمة الاتحادية العليا بشأن اختصاص نظر الدّعوى الدّستورية لم ترد بهما إشارة إلى المحضر وضرورة تقديمه مع مستندات صحيفة الدعوى، أو اشتراط تقديمة بأجل أو إجراء محدّد قد يترتب عن عدم مراعاته تقرير جزاء عدم قبول الطعن بل غاية ما في الأمر، وتماشيا مع ما سبق تقريره في قضاء هذه المحكمة، ضرورة أن يكون ذلك المحضر تحت بصر المحكمة وهي بصدد نظر الدّعوى حتي يتسنى لها مراقبة مدي صحة إجراءاتها، واتصال المحكمة بها طبقاً للطريق الذي رسمه القانون سواء تعلق بصفه رافع الدّعوى، أو قبول المحكمة الصريح للدفع بعدم الدستورية وأذنها بإقامة الدعوى بشأنه، أو أجل رفعها ...إلخ.
ولما كان البين من الأوراق أن الطاعن قد أضاف لحافظة مستندات الدّعوى السابق تقديمها، صورة من محضر الجلسة المؤرخ في 30/3/2013 والذي يبين منه أن المحكمة ناظرة الدعوى قد قبلت الدفع بعدم الدّستورية المثار لديها ومكّنت المدعى من أجل لإقامة الدّعوى بذلك، بما يكون معه اتصال هذه المحكمة بالدّعوى قد تم طبقاً للإجراء الصحيح الذي رسمه القانون (فقرة 2 مادة 58 قانون المحكمة الاتحادية العليا) وما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة من عدم التوسع في إجراءات رفع مثل هذه الدّعوى وحصرها في الحالات التي حدّدها القانون وبالإجراء الصحيح ومن الأشخاص والهيئات المخولة بذلك، ولا يغير من ذلك عدم تقديم محضر الجلسة المذكور عند قيد الدّعوى بعد تحقق العلة من هذا الإجراء.
2- لما كانت المحكمة نتوّه إلى ما هو مقرر في قضائها من أن الدعوى الدستورية عينية بطبيعتها، ومناطها اختصام النص التشريعي المطعون عليه في ذاته استهدافاً لمراقبة مدى دستوريته، واستظهار مدى انضباطه داخل أطر الشرعية الدستورية، ولا توجه فيها أي طلبات إلى المدعي عليهم في هذه الدعوى، ذلك لآن صفتهم فيها مردّها اعتبارهم ممثلي الجهة المسؤولة عن النصّ التشريعي والمناط بها ختمه والإذن بنشره وأكسائه صيغة النفاذ وقوته الإلزامية، وعلى هذا الأساس فليست لهم صفة الخصم الحقيقي الذي توجّه لهم طلبات قصدَ اقتضاء حق شخصي أو دين ترتب للمدّعي بذمتهم وليس للحكم الصادر في الدّعوى من تأثير على مركزهم بل غاية ما في الأمر أن إجراءات التقاضي على إطلاقها وصياغة الأحكام وما افتضاه القانون بشأنها في بيانات وجوبيه تقتضي وجود طرفين لهما أهلية التقاضي في أية خصومة، وفي الدعوى الدّستورية بالذات فإن اختصام الجهة المسؤولة عن إصدار التشريع تفتضيه ضرورة علمها ومواجهتها بالحكم الصادر فيها وما قد تتخذه من إجراءات لتنفيذه عملا بأحكام المادة 101 من الدّستور الذي أناط بالسلطة المعنية في الاتحاد أو في الإمارات بحسب الأحوال المبادرة إلي اتخاذ ما يلزم من تدابير لإزالة المخالفة الدّستورية أو لتصحيحها على ضوء ما قرره الحكم، وعليه فإن هذا الدّفع يضحى على غير أساس وغير منتج لكونه لا يحقق لمثيره سوى مصلحة نظرية بما يتعين ردّه أيضا.
3- لما كانت المحكمة تنوه إلى أن الباب الثالث من الدّستور المتعلق بالحرّيات والحقوق العامة قد تكفل بضمان الحرية الشخصية للمواطن وجعل من قرنيه البراءة دعامة لممارسة هذا الحق، ولم يقف المشرع الدستوري عند مجرّد الإعلان المبدئي عن ذلك بل أوجد في ذات السياق المعايير والأسس التي تحكم المنظومة التشريعية لصيانه تلك الحقوق وحمايتها من أي تعدّ أو تـــطــبــيـق مـن نطاقها، ويأتي في هــذا السياق ما أرسته المواد 27، 28 و41 من مبادئ وقواعد قانونية آمرة. منها على سبيل المثال قاعدة قانونية الجرائم والعقوبات أي لا تجريم ولا عقاب بدون نص، وقاعدة عدم رجعيه القوانين حتى لا يعاقب الشخص على فعل ارتكبه قبل صدور قانون بتجريمه، وقاعدة شخصية العقوبة حتى لا يسأل شخص عن جرم غيره، ومبدأ الحق في الشكوى وولوج القضاء دفاعاً عن حق إمتهن. فتضمين هذه المبادئ بالنص القانوني الأسمى أي الدّستور. إلى جانب وجود جهاز قضائي ناجح ومستقل لا يحتكم فيه القاضي إلا إلى ضميره والقانون، هو الكفيل بحماية الحقوق الشخصية المنوّه عنها، وتكون هذه المبادئ والقواعد وما أحيط بها من قدسية وعلوية حاضرة في ذهن سلطة التشريع – محلية كانت أو اتحادية – وهي تصوغ النصوص والتشريعات وفي ذهن القاضي وهو يفسر ويطبق القانون.
وحيث إنه وتفريعا عن ذلك فإن هذه المحكمة وهى بصدد نظر هذه الدّعوى تضع نصب أعينها أن القانون المدّعي بعدم دستوريته إنما يفسر في إطار هذه المنظومة التشريعية الشاملة للدّولة وفي نطاق القواعد الأصولية للقانون الجنائي العام من حيث تأصيل الجريمة لجهة ثبوتها وقيام أركانها المادّية والمعنوية.
لما كان ذلك وكان القانون المحلي لإمارة أبوظبي المطعون بعدم دستورية بعض بنوده في هذه الدعوى قد صدر بشأن الرقابة على المواد الغذائية وتحديد مهام أشخاص وأجهزه المراقبة المكلفة بذلك سعياً لتنظيم مسالك التجارة والتوزيع لغاية منع الغش والمحافظة على الصحة العامة. ولقد نصّ بالمادة 16 منه على تجريم تداول المواد الغذائية الضارة بالصحة وقرّرت عقوبات جزائية متفاوتة لذلك على حسب ما حدّدته الفقرات الستة لتلك المادة. وإن ورد بالفقرة 14 من المادة الأولى من هذا القانون في باب التعاريف والمصطلحات، اعتبار مجرد حيازة المادّة الغذائية الضارة أو المغشوشة، في مقام تداولها، إلا أن ذلك – وأي كان وجه الرّأي في دقة هذا التعريف أو بلاغته اللغوية – لا ينال من أصول وقواعد التجريم العامة كيفما أرساها فقهاء القانون واعتمدها تشريع الدّولة والقانون المقارن بشأن ضرورة توافر الركن المادّي والركن المعنوي للجريمة، ولا يحد من سلطة القاضي ناظر الدّعوى عند تفسير النص على ضوء مقصد المشرّع والعلة من سنه، والتحرّي حول ثبوت الفعل المجرم ونسبته لصاحبه وتوافر القصد الجنائي حتى تستقر في يقينه وعقيدته قناعة الحكم بالإدانة أو البراءة، فالإحكام تؤسس على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين. ولما كان مبتغى المشرّع من سن هذا القانون هو تنظيم قطاع توزيع الأغدية وإحكام الرقابة على المواد الغذائية والمحافظة على الصحة العامة بمنع تداول الغذاء الفاسد أو المغشوش ومعاقبة من يخالف هذا الخطر، فإن الرّكن المادي للجريمة إنما يتمثل في عملية التداول، أي انتقال الشيء بين أكثر من جهة أو شخص، وإن كانت عملية التداول قد تشمل مسك الشيء في مرحلة أولى قبل إيصاله للغير إلا أن العكس غير صحيح ، فمسك البضاعة أو المادة من شخص ما، لا يعْني بالضرورة انتقاله إلى المرحلة الموالية وتداولها مع الغير لتصل إلى جمهور المستهلكين حتى تتحقق بذلك العلة من تجريم هذا الفعل. أما عن الركن المعنوي فيتمثل في علم ماسك البضاعة بفسادها ومضرتها وإقدامه مع ذلك على ترويجها وتداولها إضرارا بصحة الغير وهذا العلم افترضه المشرع الاتحادي في شخص من كان مشتغل بالتجارة (فقرة 2 من المادة 2 من القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 1979 في شأن قمع الغش والتدليس في المعاملات التجارية) إلا أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للقانون المحلي لإمارة أبوظبي الذي سكت تماما عن مسألة العلم أو توافر العنصر المعنوي بصفة عامة للفعل المجرّم، ولا يجوز أن يفسّر هذا السكوت على كونه افتراض لتوافر العلم والقصد الجنائي واعتداء على قرينة البراءة بل على العكس من ذلك فينبغي أن تفسر على أنه إحالة على مبادئ القانون الجنائي العام أو القانون الاتحادي المذكور الذي يشترك معه في تجريم هذا الفعل وهذا بالفعل ما تبنته النيابة العامـة فــي قرار الإحـالة حينما طلـبت معاقبة المتهمين (ومـن ضــمـنهم رافــعة هـذه الــدّعـوى) طــبــقـاً لــلـقـانـون الــمـحلي لإمارة أبوظبي وبنود القانون الاتحادي. وعلية وبناء على جميع ما سبق بسطه فإن ما نسب للمّادة الأولى فقرة 14 من القانون المحلي رقم 2 لسنة 2008 من اعتداء على قرينة البراءة وافتراض سوء النية وتعيبها بشائبة عدم الدّستورية يضحي غير قائم على سند قويم من القانون.
4- لما كان النص في المادة 151 من الدّستور على أنه: " للقوانين الاتحادية التي تصدر وفقاً لأحكامه الأولوية على التشريعات واللوائح والقرارات الصادرة من سلطات الإمارات. وفي حالة التعارض يبطل من التشريع الأدنى ما يتعارض مع التشريع الأعلى بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض ..." يدل على أن هذه المسألة محسومة بأحكام الدّستور. ومؤدي ذلك أنه في حال التزاحم والاختلاف بين القوانين الاتحادية والمحلية في ذات الموضوع الذي شرّع فيه فإن الأولوية في التطبيق تكون للقانون الاتحادي طبق صريح المادة الدستورية المذكورة ولا مجال للادعاء أو الطعن أو الطعن بعدم الدّستورية بهذا الشأن، ويضحي بذلك هذا الوجه من الطعن بدوره قد ورد على غير محلّ.
-------------
الاجراءات
بتاريخ التاسع من شهر مايو 2013 أودع وكيل المدعي صحيفة هذه الدّعوى قلم كتاب المحكمة الاتحادية العليا طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة 14 من المادة الأولى والفقرة الاولى من المادة 16 من القانون رقم 2 لسنة 2008 في شأن الغذاء بإمارة أبوظبي، وذلك لتعارضها مع قرينة البراءة الواردة بالمادة 28 من الدستور والتعدي على الحرّية الشخصية للأفراد المكفولة بالمادة 26 منه، وكذلك لتعارض نص الفقرة الأولى من المادة 16 مع القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 1979 (مادة 2 فقرة 3 بشان قمع الغش)، ولتقريرها عقوبة عن ذات الجريمة أشد من العقوبة الواردة في القانون الأخير ولتجريمها مجّرد الحيازة أو النقل أو التخزين للمادة الغذائية المضرة بالصحة على خلاف القانون الاتحادي الذي لا يعاقب على ذلك. وبتاريخ 28/5/2013 أصدر السيد رئيس هذه المحكمة قراراً بتعيين القاضي البشير زيتون قاضياً لتحضير الدّعوى، حيث قام بإعلان الخصوم فأودعت النيابة العامة مذكرة بالرأي، وتقدمت إدارة قضايا الحكومة بدائرة قضاء أبوظبي نيابة عن المدعي عليهم بمذكرة انتهت فيها إلى الدّفع بعدم قبول الطعن شكلاً أو رفضه موضوعاً. وحيث إن المحكمة وبعد الانتهاء من أعمال التحضير وتهيئة الدّعوى للمرافعة حدّدت جلسة 6/5/2014 لنظرها أمام هيئة المحكمة بعد إعلان الخصوم، ثم تواصل نظرها لعدة جلسات كانت آخرها جلسة المرافعة في 4/11/2014والتي تقرر فيها حجز الدّعوي للحكم بجلسة اليوم.
------------
المحكمة
حيث إن الوقائع على ما يبين من الأوراق وبالــقدر اللازم للــفصل فـي الدعوى تتحّصل في أنه بتاريخ 22/11/2013 أمرت نيابة الظّفرة الكلية بإحالة كل من المدعية – ..... لخدمات التموين – في شخص مالكها ...... الدّويلة وآخرين، لاتهامهم بكونهم عرضوا بقصد البيع شيئاً من أغذية الانسان منتهية الصلاحية بما كان من شأنه تعريض حياة الناس وصحتهم للخطر، وبالنسبة للمتهمة الأولى، زيادة على ذلك، عدم قيامها باستخراج الشهادة الصحية اللازمة لممارسة النشاط من الجهة المختصة، وطلبت محاكمتهم طبقاً للمواد: 1 و2/2 و9 و10 من القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 1979 بشان قمع الغش والتدليس في المعاملات التجارية وبالمواد 1، 4، 5، 7/1، 16/1، 5 / 17 من القانون المحلي رقم 2 لسنة 2008 في شأن الغذاء بإمارة أبوظبي. وإذ نظرت الدّعوى أمام محكمة الظفرة الجزائية تحت رقم 112/2013 فقد حكمت فيها بتاريخ 13/2/2013 بإدانة المتهمة الأولى – رافعة هذه الدعوى – في شخص مالكها عن التهمة الأولى والثانية وتغريمها مائتي ألف درهم مع إبعاد صاحب المؤسسة ومصادرة الأغذية الفاسدة، وإغلاق المحلّ مدة ستة أشهر وتغريمها عشرة آلاف درهم عن التهمة الثانية ... استأنف المحكوم عليهم الحكم بالاستئناف رقم 1192/2013 أمام محكمة استئناف الظفرة، وبجلسة 30/3/2013 حضر المستأنف الأول – ...... ... – صحبة محاميه وتقدم الأخير بمذكرة دفع فيها بعدم دستورية المادة الأولى فقرة 14 والمادة 16 فقرة أولى وخامسة من القانون المحلى لإمارة أبوظبي رقم 2 لسنة 2008 والتمس أجلا لإقامة دعوى دستورية أمام المحكمة الاتحادية العليا، وبذات الجلسة قررت المحكمة تأجيل الاستئناف لـجــلسه 14/5/2013 لإقامة الدّعوى. وبتاريخ 9/5/2013 أودع المحامي المذكور قلــم هـذه المحكمة صحيفة طعن بعدم دستورية المواد القانونية المطعون عليها.
وحيث إن مبني الطعن بعدم الدّستورية يقوم على وجهين اثنين: أولهما تعييب الفقرة 14 مادة أولى من القانون المحلي لإمارة أبوظبي رقم 2 لسنة 2008 بحسبان تعارضها مع قرينة البراءة الواردة بالمادة 28 من الدّستور والمادة السابعة منه التي اعتمدت الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع، ومبدأ الحرية الشخصية للمواطنين الوارد بالمادة 26 دستور، وذلك لأن المادة المذكورة اعتبرت أن مجرد مسك أو حيازة المادة الغذائية الفاسدة مجّرماً ومعاقباً عليه جنائياً بقطع النظر عن بحث مدى توافر سوء نية الحائز لعلمه بفساد المادة وإقدامه على ترويجها وتداولها إضراراً بالغير، وهو الركن المعنوي الذي تقوم عليه عملية التجريم. أمّا الوجه الثاني لعدم الدستورية فيتمثل في التعارض بين المادتين المطعون عليهما مع القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 1979 بشان قمع الغش، فالقانون الأخير لا يعاقب على الحيازة المجرّدة أو نقل أو تخزين المادة الفاسدة على خلاف ما ورد بالقانون المحلي، ثم إن القانون الاتحادي لا يجرم من كان حسن نية بل اشترط ركني الغش أو العلم بفساد البضاعة، وأخيرا فإن العقوبة الواردة بالقانون المحلي (فقرة أولى مادة 16) أشد من العقوبة الواردة بالقانون الاتحادي (مادة 2 و3).
وحيث إنه ولدى تداول الدعوى أمام قاضي التحضير تقدم الممثل القانوني لإدارة قضايا الحكومة بدائرة قضاء أبوظبي بمذكرة جوابية تمسك فيها بدفعين شكليين، أولهما عدم قبول الطعن شكلاً لخلو صحيفته عند إيداعها قلم المحكمة من نسخة محضر جلسة المحكمة التي صرّحت بإقامه الدّعوى الدستورية، وهو ما يمثل إخلالا بإجراءات اتصال المحكمة العليا بالدّعوى، وثانيهما انعدام صفه المطعون ضدهم في الدّعوى، فالطعن بعدم الدستورية قد تسلط على مواد قانونية وليس ثمً من ضرورة لإقحام أشخاص بصفاتهم في الدّعوى كمدّعى عليهم. أما عن الموضوع فحاصل ما ورد بالمذكرة هو نفي شبهة عدم الدّستورية قولا بأن القانون المطعون عليه لم يفترض سوء النية ولم يعتد على قرينة البراءة أو يحدّ من مداها، إذ أن القصد الجنائي يبقي قائما كعنصر من عناصر قيام الجريمة وعلى سلطة الاتهام تحقيقه وإقامة الدّليل عليه، وللمتهم إثبات العكس، وتعريف التداول طبقاً لما ورد بالفقرة 14 من المادة الأولى هو في حقيقته تعريفا للعنصر المادي للجريمة ولا علاقة له بالقصد الجنائي. وبخصوص عدم الدّستورية لجهة تعارض القانون المحلي مع القانون الاتحادي من حيث نطاق التجريم والعقوبة المقرّرة فإن المادة 122 من الدّستور خوّلت لإمارات الاتحاد بالتشريع في كل مالا ينطوي تحت الاختصاص التشريعي الحصري لسلطات الاتحاد، ومن ثم فمن حق الإمارة التشريع في مادة الغذاء لعدم شمولها بالاختصاص التشريعي الحصري للاتحاد، ولها في هذا السبيل تجريم ما تراه مخلاّ بالسلامة والصحة العامة وتحديد العقوبة التي تراها مناسبة.
كما أنه ومن جهة ثانية فإن مخالفة القانون المحلي للقانون الاتحادي، ليس مجاله الطعن بعدم الدّستورية لأن هذا التزاحم أو التناقض حسمته المادة 151 من الدّستور التي اقتضت في مثل هذه الحالات بفض الاختلاف عند التطبيق بجعل الأولوية للقانون الاتحادي باعتباره القانون الأعلى.
وحيث إنه عن الدّفع بعدم قبول الطعن شكلاّ لعدم إرفاق صحيفة الطعن بنسخة محضر جلسة المحكمة التي أذنت بإقامة الدّعوى الدّستورية، فهو دفع مردود ذلك أن نص المادتين 99 من الدّستور و58 من قانون المحكمة الاتحادية العليا بشأن اختصاص نظر الدّعوى الدّستورية لم ترد بهما إشارة إلى المحضر وضرورة تقديمه مع مستندات صحيفة الدعوى، أو اشتراط تقديمة بأجل أو إجراء محدّد قد يترتب عن عدم مراعاته تقرير جزاء عدم قبول الطعن بل غاية ما في الأمر، وتماشيا مع ما سبق تقريره في قضاء هذه المحكمة، ضرورة أن يكون ذلك المحضر تحت بصر المحكمة وهي بصدد نظر الدّعوى حتى يتسنى لها مراقبة مدى صحة إجراءاتها، واتصال المحكمة بها طبقاً للطريق الذي رسمه القانون سواء تعلق بصفة رافع الدّعوى، أو قبول المحكمة الصريح للدفع بعدم الدستورية وأذنها بإقامة الدعوى بشأنه، أو أجل رفعها ... إلخ.
ولما كان البين من الأوراق أن الطاعن قد أضاف لحافظة مستندات الدّعوى السابق تقديمها، صورة من محضر الجلسة المؤرخ في 30/3/2013 والذي يبين منه أن المحكمة ناظرة الدعوى قد قبلت الدفع بعدم الدّستورية المثار لديها ومكّنت المدعى من أجل لإقامة الدّعوى بذلك، بما يكون معه اتصال هذه المحكمة بالدّعوى قد تم طبقاً للإجراء الصحيح الذي رسمه القانون (فقرة 2 مادة 58 قانون المحكمة الاتحادية العليا) وما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة من عدم التوسع في إجراءات رفع مثل هذه الدّعوى وحصرها في الحالات التي حدّدها القانون وبالإجراء الصحيح ومن الأشخاص والهيئات المخولة بذلك، ولا يغير من ذلك عدم تقديم محضر الجلسة المذكور عند قيد الدّعوى بعد تحقق العلة من هذا الإجراء.
وحيث إنه عن الدفع بانعدام صفة المدّعى عليهم في الدّعوى لعدم ضرورة لاختصامهم فيها شخصياً، فإن هذه المحكمة تنوّه إلى ما هو مقرر في قضائها من أن الدعوى الدستورية عينية بطبيعتها، ومناطها اختصام النص التشريعي المطعون عليه في ذاته استهدافاً لمراقبة مدى دستوريته، واستظهار مدى انضباطه داخل أطر الشرعية الدستورية، ولا توجه فيها أي طلبات إلى المدعي عليهم في هذه الدعوى، ذلك لأن صفتهم فيها مردّها اعتبارهم ممثلي الجهة المسؤولة عن النصّ التشريعي والمناط بها ختمه والإذن بنشره وإكسائه صيغة النفاذ وقوته الإلزامية، وعلى هذا الأساس فليست لهم صفة الخصم الحقيقي الذي توجّه لهم طلبات قصدَ إقتضاء حق شخصي أو دين ترتب للمدّعي بذمتهم وليس للحكم الصادر في الدّعوى من تأثير على مركزهم بل غاية ما في الأمر أن إجراءات التقاضي على إطلاقها وصياغة الأحكام وما افتضاه القانون بشأنها في بيانات وجوبية تقتضي وجود طرفين لهما أهلية التقاضي في أية خصومة،
وفي الدعوى الدّستورية بالذات فإن اختصام الجهة المسؤولة عن إصدار التشريع تفتضيه ضرورة علمها ومواجهتها بالحكم الصادر فيها وما قد تتخذه من إجراءات لتنفيذه عملا بأحكام المادة 101 من الدّستور الذي أناط بالسلطة المعنية في الاتحاد أو في الإمارات بحسب الأحوال المبادرة إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير لإزالة المخالفة الدّستورية أو لتصحيحها على ضوء ما قرره الحكم، وعليه فإن هذا الدّفع يضحى على غير أساس وغير منتج لكونه لا يحقق لمثيره سوى مصلحة نظرية بما يتعين ردّه أيضا.
وحيث إنه عن موضوع الطعن وما ذكر بالوجه الأول من أسباب عدم دستورية الفقرة 14 من المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 2008 لإمارة أبوظبي على سند من تعارضها مع قرينة البراءة والحرية الشخصية المكفولتين بالدستور، فإن المحكمة تنوه إلى أن الباب الثالث من الدّستور المتعلق بالحرّيات والحقوق العامة قد تكفل بضمان الحرية الشخصية للمواطن وجعل من قرنية البراءة دعامة لممارسة هذا الحق، ولم يقف المشرع الدستوري عند مجرّد الإعلان المبدئي عن ذلك بل أوجد في ذات السياق المعايير والأسس التي تحكم المنظومة التشريعية لصيانه تلك الحقوق وحمايتها من أي تعدّ أو تــــــطـــبــيــــق مــــــن نطاقها، ويأتي في هــــــذا السياق ما أرستة المواد 27، 28 و41 من مبادئ وقواعد قانونية آمرة. منها على سبيل المثال قاعدة قانونية الجرائم والعقوبات أي لا تجريم ولا عقاب بدون نص، وقاعدة عدم رجعيه القوانين حتى لا يعاقب الشخص على فعل ارتكبه قبل صدور قانون بتجريمه، وقاعدة شخصية العقوبة حتى لا يسأل شخص عن جرم غيره، ومبدأ الحق في الشكوى وولوج القضاء دفاعاً عن حق إمتهن. فتضمين هذه المبادئ بالنص القانوني الأسمى أي الدّستور. إلى جانب وجود جهاز قضائي ناجح ومستقل لا يحتكم فيه القاضي إلا إلى ضميره والقانون، هو الكفيل بحماية الحقوق الشخصية المنوّه عنها، وتكون هذه المبادئ والقواعد وما أحيط بها من قدسية وعلوية حاضرة في ذهن سلطة التشريع – محلية كانت أو اتحادية – وهي تصوغ النصوص والتشريعات وفي ذهن القاضي وهو يفسر ويطبق القانون.
وحيث إنه وتفريعا عن ذلك فإن هذه المحكمة وهي بصدد نظر هذه الدّعوى تضع نصب أعينها أن القانون المدّعى بعدم دستوريته إنما يفسر في إطار هذه المنظومة التشريعية الشاملة للدّولة وفي نطاق القواعد الأصولية للقانون الجنائي العام من حيث تأصيل الجريمة لجهة ثبوتها وقيام أركانها المادّية والمعنوية.
لما كان ذلك وكان القانون المحلي لإمارة أبو ظبي المطعون بعدم دستورية بعض بنوده في هذه الدعوى قد صدر بشأن الرقابة على المواد الغذائية وتحديد مهام أشخاص وأجهزة المراقبة المكلفة بذلك سعياً لتنظيم مسالك التجارة والتوزيع لغاية منع الغش والمحافظة على الصحة العامة. ولقد نصّ بالمادة 16 منه على تجريم تداول المواد الغذائية الضارة بالصحة وقرّرت عقوبات جزائية متفاوتة لذلك على حسب ما حدّدته الفقرات الستة لتلك المادة. وإن ورد بالفقرة 14 من المادة الأولى من هذا القانون في باب التعاريف والمصطلحات، اعتبار مجرد حيازة المادّة الغذائية الضارة أو المغشوشة، في مقام تداولها، إلا أن ذلك – وأي كان وجه الرّأي في دقة هذا التعريف أو بلاغته اللغوية – لا ينال من أصول وقواعد التجريم العامة كيفما أرساها فقهاء القانون واعتمدها تشريع الدّولة والقانون المقارن بشأن ضرورة توافر الركن المادّي والركن المعنوي للجريمة، ولا يحد من سلطة القاضي ناظر الدّعوى عند تفسير النص على ضوء مقصد المشرّع والعلة من سنه، والتحرّي حول ثبوت الفعل المجرم ونسبته لصاحبه وتوافر القصد الجنائي حتى تستقر في يقينه وعقيدته قناعة الحكم بالإدانة أو البراءة، فالإحكام تؤسس على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين. ولما كان مبتغى المشرّع من سن هذا القانون هو تنظيم قطاع توزيع الأغدية وإحكام الرقابة على المواد الغذائية والمحافظة على الصحة العامة بمنع تداول الغذاء الفاسد أو المغشوش ومعاقبة من يخالف هذا الخطر، فإن الرّكن المادي للجريمة إنما يتمثل في عملية التداول، أي انتقال الشيء بين أكثر من جهة أو شخص، وإن كانت عملية التداول قد تشمل مسك الشيء في مرحلة أولى قبل إيصاله للغير إلا أن العكس غير صحيح، فمسك البضاعة أو المادة من شخص ما، لا يعْني بالضرورة انتقاله إلى المرحلة الموالية وتداولها مع الغير لتصل إلى جمهور المستهلكين حتى تتحقق بذلك العلة من تجريم هذا الفعل. أما عن الركن المعنوي فيتمثل في علم ماسك البضاعة بفسادها ومضرتها وإقدامه مع ذلك على ترويجها وتداولها إضرارا بصحة الغير وهذا العلم افترضه المشرع الاتحادي في شخص من كان مشتغل بالتجارة (فقرة 2 من المادة 2 من القانون الاتحادي رقم 4 لسنة 1979 في شأن قمع الغش والتدليس في المعاملات التجارية) إلا أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للقانون المحلي لإمارة أبوظبي الذي سكت تماما عن مسألة العلم أو توافر العنصر المعنوي بصفة عامة للفعل المجرّم، ولا يجوز أن يفسّر هذا السكوت على كونه افتراض لتوافر العلم والقصد الجنائي واعتداء على قرينة البراءة بل على العكس من ذلك فينبغي أن تفسر على أنه إحالة على مبادئ القانون الجنائي العام أو القانون الاتحادي المذكور الذي يشترك معه في تجريم هذا الفعل وهذا بالفعل ما تبنته النيابة العامـة فــي قرار الإحـالة حينما طلـبت معاقبة المتهمين (ومـن ضــمـنهم رافــعة هـذه الــدّعـوى) طــبــقـاً لــلـقـانـون الــمـحلي لإمارة أبوظبي وبنود القانون الاتحادي. وعلية وبناء على جميع ما سبق بسطه فإن ما نسب للمّادة الأولى فقرة 14 من القانون المحلي رقم 2 لسنة 2008 من اعتداء على قرينة البراءة وافتراض سوء النية وتعيبها بشائبة عدم الدّستورية يضحي غير قائم على سند قويم من القانون بما يتعين معه رفض الطعن بعدم الدستورية في هذا الوجه.
وحيث إنه عن الوجه الثاني من الطعن بعدم الدّستورية وعما ذكر بالجزء الأول منه من تعارض بين القانون المحلي والقانون الاتحادي، لكون هذا الأخير يجرّم مجرد الحيازة أو النقل والتخزين، ولا يوقع عقابا على من كان حسن النية على خلاف القانون المحلي.
فإن هذا الدفاع يشترك مع ما ورد بالوجه الذي تناولته هذه المحكمة وردّت عليه بما سبق ذكره وهي تحيل إليه بهذا الخصوص منعاً للتكرار. أمّا عن الجزء الثاني من وجه الطعن بشأن الاختلاف والتعارض بين العقوبة المقررة لذات الجريمة في المادة الثالثة من القانون الاتحادي:- الحبس مدّة لا تتجاوز سنة وغرامة لا تتجاوز ألفي درهم أو إحدى هاتين العقوبتين – والعقوبة المقررة في المادة السادسة عشر من القانون المحلي:- الحبس مدّة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف درهم ولا تتجاوز مائتي ألف درهم – فإن النص في المادة 151 من الدّستور على أنه: " للقوانين الاتحادية التي تصدر وفقاً لأحكامه الأولوية على التشريعات واللوائح والقرارات الصادرة من سلطات الإمارات. وفي حالة التعارض يبطل من التشريع الأدنى ما يتعارض مع التشريع الأعلى بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض ..." يدل على أن هذه المسألة محسومة بأحكام الدّستور. ومؤدى ذلك أنه في حال التزاحم والاختلاف بين القوانين الاتحادية والمحلية في ذات الموضوع الذي شرّع فيه فإن الأولوية في التطبيق تكون للقانون الاتحادي طبق صريح المادة الدستورية المذكورة ولا مجال للادعاء أو الطعن أو الطعن بعدم الدّستورية بهذا الشأن، ويضحي بذلك هذا الوجه من الطعن بدوره قد ورد على غير محلّ متعين الرفض.
وحيث إنه بالبناء على جميع ما تقدم ذكره فإن المحكمة تنتهي إلي تقرير دستورية المواد القانونية المطعون عليها بعدم الدّستورية طبقاً لما سيرد بالمنطوق.
- فلهذه الأسباب –
حكمت المحكمة: بدستورية الفقرة 14 من المادة الأولي والفقرتين 1 و 5 من المادة 16 من القانون المحلي رقم 2 لسنة 2008 بشأن الغذاء في إمارة أبوظبي. وألزمت المدّعية " ...... لخدمات التموين " الـرســوم والـمــصروفـات وألـفي درهـم أتعاب محاماه للمدّعي عـلـيـهـم.

دعوى رقم 1 لسنة 2013 دستورية المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 27 /11/ 2017

هيئة المحكمة: برئاسة السيد القاضي محمد بن حمد البادي - رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة شهاب عبدالرحمن الحمادي و فلاح شايع الهاجري ومحمد عبـدالرحمن الجراح والبشير بن الهادي زيتون. 

-----------------

1- مفهوم الطعن بعدم الدستورية. 


2- نطاق الدعوى الدستورية حسب أحكام المادة 99 من الدستور والمادة 33 من قانون إنشاء المحكمة الاتحادية العليا. 

3- أساس الرقابة الدستورية القائمة بها المحكمة الاتحادية العليا على دستورية القوانين والتشريعات عموماً. 

4- عدم قبول الدعوى الدستورية المبنية على تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1983 مع قانون تنظيم أعمال البناء كونه تعارضاً بين تشريعين محليين خارجاً عن نطاق الدعوى الدستورية. 

5- نص الدستور على التراتبية بين التشريعات والمراسيم الاتحادية دون ذكر التشريعات المحلية كونها شأناً داخلياً لكل إمارة. 

دستور. قانون" دستورية نصوص". تشريع محلي. دفوع " الدفع بعدم الدستورية". المحكمة الاتحادية العليا " الدفع بعدم الدستورية ". اختصاصها " بنظر الدعوى ". اختصاص " نوعي ". 

- الطعن بعدم الدستورية . معناه: المساس بقرينة الشرعية الدستورية وإعادة النظر في شرعية تشريع قائم خلَّف أوضاعاً ومراكز قانونية استقرت ورتبت أثاراً لا يمكن اعادتها لسابق عهدها؟ 

- نطاق الدعوى الدستورية في مفهوم المادتين 99 من الدستورو 33 من القانون رقم 10 لسنة 1973 بشأن المحكمة الاتحادية العليا؟ 

- الرقابة الدستورية . مناطها: قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم الدستور بما يقع بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا قوة أو مرتبة، مالم يكن التشريع ذاته منطويا على مخالفة دستورية. 

- عدم قبول بحث عدم دستورية المادة 24/ 3 من اللائحة التنفيذية مع القانون رقم 4 لسنة 1983 لخروجه عن نطاق الدستورية كونه يثير شبهة تعارض بين تشريعين محليين. 
---------------
1- المحكمة تشير بادئ ذي بدء إلى أمرين: أولها: أن الطعن بعدم الدستورية يعني النظر في شرعية تشريع قائم خلَّفَ أوضاعاً ومراكز قانونية استقرت ورتبت آثاراً لا يمكن إعادتها إلى سابق عهدها، وثانيها:- أن الطعن بعدم الدستورية يعني المساس بقرينة الشرعية الدستورية التي يتمتع بها التشريع القائم وأنه وابتناءً على هذين الأمرين فإن المحكمة تأخذ جانب التحرز والتدقيق عند بحث نطاق الدعوى الدستورية وطرق اتصالها وإجراءات وأشكال هذا الاتصال وكل ما يتصل بقبول هذه الدعوى حتى لا تكون هذه الدعوى مطية يمتطيها كل مُدًّعٍ، ولا يمتد نطاقها إلا فيما أقره الدستور. 

2- بما مؤداه أن مجال الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة عبر الدعوى الدستورية يتحدد بتعارض القوانين الاتحادية أو التشريعات الصادرة من إحدى الإمارات مع الدستور سواء بالدعوى المباشرة أو عن طريق الطلب من أي محكمة من محاكم الاتحاد أو الإمارات الأعضاء بمناسبة دعوى منظورة أمامها، وعلى ذلك فإن المسائل الدستورية هي جوهر الرقابة الدستورية فمتى رفعت الدعوى الدستورية فعلى المحكمة التأكد من توافر نطاقها وإلا حكمت بعدم قبولها. 

3- وحيث إنه عن موضوع الدعوى فإن المحكمة تشير إلى أن قرار طلب الإحالة تضمن بحث مسألتين: الأولى: بحث تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية مع القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء، وثانيها:- مخالفة المادة المذكورة مع المبدأ الدستوري بشأن التراتبية بين التشريعات. 

وحيث إنه عن المسألة الأولى وهو بحث تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية مع القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء فإنه لما كانت الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين والتشريعات عموما مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحي وبين حكم الدستور، ولا شأن لها بما قد يقع من تناقض بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا قوة أو مرتبة، ما لم يكن التشريع ذاته منطويا على مخالفة دستورية، ولما كان طلب الإحالة – موضوع الدعوى الراهنة – هو بحث تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية سالفة البيان مع القانون الصادر تنفيذا له وهو القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء ولم يبين في الطلب مكمن الشبهة الدستورية بينها وبين الدستور فإن هذه المسألة لا تعدو أن تكون – في حال قيامها – شبهة تعارض بين تشريعين محليين، وهو ما يخرج عن نطاق الدعوى الدستورية. 

والمسألة الثانية وهو مخالفة المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للمبدأ الدستوري بشأن التراتبية بين التشريعات فإنه لما كان الفصل الخامس من الدستور قد أشار إلى ترتيب التشريعات والمراسيم الاتحادية دون أن يذكر التشريعات المحلية، باعتبار أن التشريعات المحلية شأن داخلي تنظمه كل إمارة حسب نظامها التشريعي، وكان قرار الإحالة قد اقتصر على قيام التعارض بين المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية والقانون الصادر تنفيذا له وهما تشريعان محليان ولم يثر أي تعارض بين تلك المادة والدستور أو القوانين الاتحادية ومن ثم فإن هذا التعارض وحسبما انتهت إليه هذه المحكمة في بحثها للمسألة الأولى إلى أنها حالة من حالات التعارض بين تشريعين محليين يطبق بشأنهما قواعد تعارض الأدلة بين النصوص. 

ومن ثم فإن قرار الإحالة لم يثر أي شبهة دستورية. 
-------------
الإجــراءات 
بتاريخ 27/1/2013 أودع وكيل المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الاتحادية العليا بطلب الحكم بعدم دستورية المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء والصادرة بالقرار الإداري رقم 20 لسنة 1994. وذلك لمخالفتها أحكام القانون رقم 4 لسنة 1984 بشأن تنظيم أعمال البناء. وهو ما يخالف التدرج التشريعي الذي رسمه الدستور بين التشريعات. وأودعت النيابة العامة مذكرة برأيها في الدعوى فوضت فيها الرأي للمحكمة. 

وحيث إنه بتاريخ 6/2/2013 عينت الدائرة أحد أعضائها قاضيا للتحضير، الذي قدم تقريره في الدعوى، وذلك على النحو الثابت بمحاضر التحضير. وحددت جلسة 31/10/2017 لنظر الدعوى وفيها لم يحضر أي من طرفي الدعوى رغم إعلانهما أصولا، وتقرر حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم. 

المحكمــة 

بعد الاطلاع علي الأوراق، وتلاوة تقرير التحضير وسماع المرافعة والمداولة قانونا. 

حيث إن الوقائع - على ما يبين من الأوراق وبالقدر اللازم لحمل الحكم تتحصل في أن النيابة العامة أحالت الطاعنة شركة المحور للمقاولات العامة وآخرين إلى المحاكمة الجزائية بوصف أنها وآخرين في تاريخ سابق على 30/9/2012 بدائرة بني ياس:- 
الطاعـــنة:- 
1- بصفتها المقاول المشيد للسقف، تسببت بخطئها في سقوطه وذلك نتيجة إخلالها بواجبات مهنتها في إنشائه على نحو يخالف القواعد الهندسية المتعارف عليها، وعدم التدقيق على المخططات الصادرة من الاستشاري المصمم للمشروع مما ترتب عليه انهياره وذلك على النحو المبين بالتحقيقات. 

2- بصفتها السابقة تسببت وآخرين في إتلاف المركبات المبينة وصفا وقيمة بالأوراق والمملوكة للشركة المتحدة لتأجير السيارات بأن جعلوها غير صالحة للاستعمال على النحو المبين بالتحقيقات. 

وطلبت النيابة العامة معاقبتهم طبقا للمواد 5/1، 38/3، 43، 65، 121/1، 125، 126/1- 2، 128، 424 من قانون العقوبات وتعديلاته والمواد 1، 2، 10، 11، 12/1، 13، 16، 21 من القانون رقم4 لسنة 1983 في شأن تنظيم أعمال البناء والمعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1984 والمعدل بالقانون رقم 16 لسنة 2009، والمواد 24,1/3، 26، 27/1، 91/1 من اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر الصادر بالقرار الإداري رقم 20 لسنة 1994. 

وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة الجنح ببني ياس والتي قيدت برقم 6345 لسنة 2012 جزاء بني ياس دفعت الطاعنة بجلسة 10/1/2013 بعدم دستورية المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء وتعديلاته. وإذ قدرت تلك المحكمة جدية الدفع وصرحت للطاعنة بإقامة الدعوى الدستورية الماثلة. 

وحيث إن المدعية " الطاعنة " أقامت دعواها الدستورية بطلب الحكم بعـــــــــدم دستوريــــــة المـــــــادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء وتعديلاته والصادرة بالقرار الإداري رقم 20 لسنة 1994 على سند من أن هذه المادة استحدثت حكما جديدا عدل بموجبه أحكام القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء بأن أضاف التزاما آخر على المقاول لم يرد في القانون المشار إليه وهو ضرورة قيام المقاول بتدقيق المخططات، ولما كانت اللائحة التنفيذية تشريع أدنى لا يجوز أن تعدل التشريع الأعلى وهو القانون سواء بالإلغاء أو الإضافة، واستطردت الطاعنة تأسيسا لدعواها أن المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية موضوع الدعوى الماثلة تخالف التدرج التشريعي وهو ما يخالف مبدأ التراتبية بين التشريعات فالقانون أعلى من اللائحة وأن اللائحة لا تعدو إلا مذكرة توضيحية أو تفســيرية لمواد القانون الصادرة بشأنه الأمر الذي يصم اللائحة بعدم الدستورية، وصممت الطاعنة في دعواها بطلب القضاء بعدم دستورية المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء والصادرة بالقرار الإداري رقم 20 لسنة 1984 لمخالفتها أحكام القانون رقم 4 لسنة 1983 المشار إليه. 

وحيث إن النيابة العامة فوضت الرأي للمحكمة. 

وحيث إن المحكمة وقبل البحث في موضوع الدعوى تشير بادئ ذي بدء إلى أمرين: أولها: أن الطعن بعدم الدستورية يعني النظر في شرعيةتشريع قائم خلَّفَ أوضاعاً ومراكز قانونية استقرت ورتبت آثاراً لا يمكن إعادتها إلى سابق عهدها، وثانيها:- أن الطعن بعدم الدستوريةيعني المساس بقرينة الشرعية الدستورية التي يتمتع بها التشريع القائم وأنه وابتناءً على هذين الأمرين فإن المحكمة تأخذ جانب التحرزوالتدقيق عند بحث نطاق الدعوى الدستورية وطرق اتصالها وإجراءات وأشكال هذا الاتصال وكل ما يتصل بقبول هذه الدعوى حتى لاتكون هذه الدعوى مطية يمتطيها كل مُدًّعٍ، ولا يمتد نطاقها إلا فيما أقره الدستور. 

وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية قد حددته المادة 99 من الدستور والمادة 33 من القانون رقم 10 لسنة 1973 في شأن إنشاءالمحكمة الاتحادية العليا بالأمور الآتيـة:-1-....... 2- بحث دستورية القوانين الاتحادية إذا ما طعن فيه من قبل إمارة أو اكثرلمخالفتها الدستور. 3- بحث دستورية التشريعات الصادرة من إحدى الإمارات الأعضاء إذا ما طعن فيها من قبل إحدى السلطاتالاتحادية لمخالفتها لدستور الاتحاد والقوانين الاتحادية . 

4- بحث دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموما إذا ما أحيل إليها هذا الطلب من أية محكمة من محاكم الاتحاد أو الإماراتالأعضاء أثناء دعوى منظورة أمامها ... " . بما مؤداه أن مجال الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة عبر الدعوى الدستوريةيتحدد بتعارض القوانين الاتحادية أو التشريعات الصادرة من إحدى الإمارات مع الدستور سواء بالدعوى المباشرة أو عن طريق الطلبمن أي محكمة من محاكم الاتحاد أو الإمارات الأعضاء بمناسبة دعوى منظورة أمامها، وعلى ذلك فإن المسائل الدستورية هي جوهرالرقابة الدستورية فمتى رفعت الدعوى الدستورية فعلى المحكمة التأكد من توافر نطاقها وإلا حكمت بعدم قبولها. 

وحيث إنه عن موضوع الدعوى فإن المحكمة تشير إلى أن قرار طلب الإحالة تضمن بحث مسألتين: الأولى: بحث تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية مع القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء، وثانيها:- مخالفة المادة المذكورة مع المبدأ الدستوري بشأن التراتبية بين التشريعات. 

وحيث إنه عن المسألة الأولى وهو بحث تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية مع القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء فإنه لما كانت الرقابة الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين والتشريعات عموما مناطها قيام تعارض بين نص قانوني أو لائحيوبين حكم الدستور، ولا شأن لها بما قد يقع من تناقض بين تشريعين سواء اتحدا أم اختلفا قوة أو مرتبة، ما لم يكن التشريع ذاته منطويا على مخالفة دستورية، 

ولما كان طلب الإحالة - موضوع الدعوى الراهنة - هو بحث تعارض المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية سالفة البيان مع القانون الصادر تنفيذا له وهو القانون رقم 4 لسنة 1983 بشأن تنظيم أعمال البناء ولم يبين في الطلب مكمن الشبهة الدستورية بينها وبينالدستور فإن هذه المسألة لا تعدو أن تكون - في حال قيامها - شبهة تعارض بين تشريعين محليين، وهو ما يخرج عن نطاق الدعوى الدستورية. 

وحيث إنه عن المسألة الثانية وهو مخالفة المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية للمبدأ الدستوري بشأن التراتبية بين التشريعات فإنه لما كان الفصل الخامس من الدستور قد أشار إلى ترتيب التشريعات والمراسيم الاتحادية دون أن يذكر التشريعات المحلية، باعتبار أن التشريعات المحلية شأنداخلي تنظمه كل إمارة حسب نظامها التشريعي، وكان قرار الإحالة قد اقتصر على قيام التعارض بين المادة 24/3 من اللائحة التنفيذية والقانون الصادر تنفيذا له وهما تشريعان محليان ولم يثر أي تعارض بين تلك المادة والدستور أو القوانين الاتحادية ومن ثم فإن هذا التعارض وحسبما انتهت إليه هذه المحكمة في بحثها للمسألة الأولى إلى أنها حالة من حالات التعارض بين تشريعين محليين يطبق بشأنهما قواعد تعارض الأدلة بين النصوص. 

ومن ثم فإن قرار الإحالة لم يثر أي شبهة دستورية، الأمر الذي يخرجه عن نطاق الدعوى الدستورية، مما يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى.

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

الطعن 15047 لسنة 62 ق جلسة 20 / 12 / 1994 مكتب فني 45 ق 187 ص 1197


برئاسة السيد المستشار /محمد نبيل رياض نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين /جابر عبد التواب وأمين عبد العليم ومحمد شعبان نواب رئيس المحكمة ويوسف عبد السلام.
------------
- 1  نقض " ما يجوز وما لا يجوز الطعن فيه بالنقض".
عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة في المخالفات. إلا ما كان مرتبطا منها بجناية أو جنحة أساس ذلك؟
إن المادة رقم 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنه 1959 قد قصرت حق الطعن على الاحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجنح دون المخالفات إلا ما كان منها مرتبطا بها.
- 2  جريمة " الجريمة المستمرة". عقوبة " تطبيق العقوبة".
العقوبة المقررة لجريمة الامتناع عن تنفيذ حكم الإزالة الغرامة التي لا تقل عن جنيه ولا تزيد عن عشرة جنيهات عن كل يوم يمتنع فيه المخالف عن تنفيذ الحكم أو القرار النهائي . دخولها في عداد المخالفات . أساس ذلك . تعدد أيام الامتناع وارتفاع إجمالي مبلغ الغرامة تبعاً لها لا يغير من كونها مخالفة . أثر ذلك : عدم جواز الطعن في الحكم الصادر فيها بطريق النقض . عدم جواز الطعن يحول دون النظر في انقضاء الدعوى بمضي المدة . علة ذلك . مثال .
لما كان البين من الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعن بوصف أنه أمتنع عن تنفيذ حكم الإزالة وهى الجريمة المعاقب عليها بنص المادة 24 من القانون رقم 106 لسنه 1976 في شأن توجبه وتنظيم اعمال البناء بعقوبة الغرامة التي لا تقل عن جنية ولا تجاوز عشرة جنيهات عن كل يوم يمتنع فيه المخالف عن تنفيذ الحكم أو القرار النهائي للجنه المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال اعمال البناء المخالفة، مما يدخلها في عداد المخالفات طبقا لنص المادة 12 من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون رقم 169 لسنه 1981، ولا يغير من ذلك ما نص عليه الشارع من توقيع عقوبة الغرامة عن كل يوم يمتنع فيه المخالف عن التنفيذ إذ لا يعدو ذلك أن يكون استثناء من مبدأ وحدة الواقعة في الجرائم المستمرة، اعتبر فيه الشارع كل يوم يمتنع فيه المخالف عن التنفيذ واقعة قائمة بذاتها يعاقب عنها بغرامة لا يزيد مقدارها عن عشرة جنيهات، ومن ثم فإنه مهما تعددت أيام الامتناع وارتفع تبعا لتعددها أجمالي مبلغ الغرامة المقضي بها فإن ذلك لا يغير من نوع الجريمة باعتبارها قبول الطعن، مع مصادرة الكفالة، ولا يغير من هذا النظر أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة لمرور أكثر من سنه بين تاريخ التقرير بالطعن وتقديم أسبابه وبين تاريخ الجلسة التي نظر فيها الطعن إذ أن عدم جوازه يحول دون النظر في ذلك لما هو مقرر من ان المناط في بحث هذا الأمر هو اتصال الطعن بمحكمة النقض اتصالا صحيحا يبيح لها أن تتصدى لبحثة وأبداء حكها فيه.
-----------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه لم يقم بتنفيذ قرار اللجنة الثلاثية والقاضي بالإزالة وطلبت عقابه بمواد القانون 30 لسنة 1983. ومحكمة البلدية ....... قضت غيابياً عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم عشر جنيهات عن كل يوم لحين تنفيذ الحكم عارض وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه والاكتفاء بتغريم المتهم جنيه واحد عن كل يوم لحين تنفيذ قرار اللجنة استأنف ومحكمة شرق الإسكندرية الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فطعن الأستاذ/......... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ...... إلخ.

--------------
المحكمة
من حيث إن المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد قصرت حق الطعن على الأحكام النهائية الصادرة في مواد الجنايات والجنح دون المخالفات إلا ما كان منها مرتبطا بها, وكان البين من الأوراق أن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعن بوصف أنه امتنع عن تنفيذ حكم الإزالة وهي الجريمة المعاقب عليها بنص المادة 24 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء بعقوبة الغرامة التي لا تقل عن جنيه ولا تجاوز عشرة جنيهات عن كل يوم يمتنع فيه المخالف عن تنفيذ الحكم أو القرار النهائي للجنة المختصة من إزالة أو تصحيح أو استكمال أعمال البناء المخالفة, مما يدخلها في عداد المخالفات طبقا لنص المادة 12 من قانون العقوبات بعد تعديلها القانون رقم 169 لسنة 1981, ولا يغير من ذلك ما نص عليه الشارع من توقيع عقوبة الغرامة عن كل يوم يمتنع فيه المخالف عن التنفيذ إذ لا يعدو ذلك أن يكون استثناء من مبدأ وحدة الواقعة في الجرائم المستمرة, اعتبر فيه الشارع كل يوم يمتنع فيه المخالف عن التنفيذ واقعة قائمة بذاتها يعاقب عليها بغرامة لا يزيد أقصى مقدارها عن عشرة جنيهات ومن ثم فإنه مهما تعددت أيام الامتناع وارتفع تبعا لتعددها إجمالي مبلغ الغرامة المقضي بها فإن ذلك لا يغير من نوع الجريمة باعتبارها مخالفة لا يجوز الطعن في الحكم الصادر فيها بطريق النقض مما يتعين معه عدم قبول الطعن, مع مصادرة الكفالة, ولا يغير من هذا النظر أن الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة لمرور أكثر من سنة بين تاريخ التقرير بالطعن وتقديم أسبابه وبين تاريخ الجلسة التي نظر فيها الطعن إذ أن عدم جوازه يحول دون النظر في ذلك لما هو مقرر من أن المناط في بحث هذا الأمر هو اتصال الطعن بمحكمة النقض اتصالا صحيحا يبيح لها أن تتصدى لبحثه وإبداء حكمها فيه.