الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 فبراير 2018

دستورية الحماية الجنائية للشيك البريدي ولو لم يحرر على نموذج بنك او تتوافر فيه بياناته

القضية رقم 88 لسنة 32 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمي إسكنـدر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار   نواب رئيس المحكمة
وحضور  السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 88 لسنة 32 قضائية " دستورية ".
المقامة من
..........
ضــد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- ..........
الإجـراءات
بتاريخ الثاني والعشرين من أبريل سنة 2010، أقام المدعى هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم179 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
  وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن النيابة العامة كانت قد أسندت للمدعى، في الجنحة رقم 2492 لسنة 2009 جنح مركز نقادة، أنه فى يوم 29/7/2009، "أعطى بسوء نية للمدعى عليه الثاني، شيكًا بمبلغ 263500 جنيه، مسحوبًا على البريد المصري فرع نقادة، لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب مع علمه بذلك". وقدمته للمحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح نقادة، بطلب عقابه بالمادة (337) من قانون العقوبات، والبند (أ) من المادة (534/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وحال نظر الدعوى، طلب المدعى عليه الثاني الحكم بإلزام المدعى بأن يؤدى له مبلغ 5001 جنيه، على سبيل التعويض المدني المؤقت. وبجلسة 21/11/2009، قضت المحكمة حضوريًّا بحبس المدعى ثلاث سنوات مع الشغل، وكفالة 500 جنيه لإيقاف التنفيذ، وإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدني التعويض المدني المؤقت المطالب به. فطعن المدعى على ذلك الحكم، بالاستئناف رقم 10301 لسنة 2009 جنح مستأنف قنا، وبجلسة 11/1/2010، قضت المحكمة غيابيًّا بعدم قبول الاستئناف، للتقرير به بعد الميعاد. عارض المدعى في ذلك الحكم، وبجلسة 29/3/2010، حال نظر المعارضة، دفع بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
      وحيث إن ما أثاره المدعى من مناعٍ على قرار النيابة العامة بتقديمه للمحاكمة الجنائية لمعاقبته بنص المادة (337) من قانون العقوبات، والمادة (534/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، لإعطائه للمدعى عليه الثاني شيكًا بريديًّا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، رغم خلو الأوراق مما يفيد رفض صرف الشيك قبل تحريك الدعوى الجنائية، فضلاً عن إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات بموجب مواد إصدار قانون التجارة المشار إليه، مما كان يوجب على النيابة العامة حفظ الأوراق. فتلك المناعي جميعها - إن صحت - تتصل بكيفية تطبيق النصين المشار إليهما، وهو ما تختص ببحثه والفصل فيه محكمة الموضوع وحدها، ولا تزاحمها فيه المحكمة الدستورية العليا، التي تنحصر ولايتها، فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية، لتقرير صحة النصوص التشريعية المطعون عليها، أو بطلانها.
      وحيث إن ما ارتآه المدعى من مخالفة النص المطعون عليه لأحكام قانون البنوك الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، فذلك النعي ينحسر عنه اختصاص المحكمة الدستورية العليا في مجال رقابتها على دستورية القوانين واللوائح، ومحلها قيام تعارض بين نص تشريعي وحكم في الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين النصوص القانونية، سواء جمعها قانون واحد، أم تفرقت بين عدة قوانين. ومن جانب آخر، فإن الهيئة القومية للبريد، باعتبارها هيئة عامة، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وتزاول بعض أعمال البنوك، يتوافر فيها ما ورد فى البند (ب) من المادة (32) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003. ومن ثم، وإعمالاً للمادة (30) من ذلك القانون، تخضع فى مجال ما تقوم به من أعمال البنوك، لأحكامه، مع مراعاة أحكام القانون الخاص بإنشائها.
وحيث إن المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، قبل استبدالها بالقانون رقم 179 لسنة 2008، كانت تنص على أن "تسرى على الشيكات البريدية أحكام المادة (337) من قانون العقوبات". وإزاء إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات، اعتبارًا من 1/10/2005، بموجب نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من مواد إصدار قانون التجارة الصادر بالقانون رقــم 17 لسنة 1999، المعدل بالقانون رقم 158 لسنة 2003، فقد صدر القانون رقم 179 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون نظام البريد المشار إليه، ونصت المادة الأولى منه على أن "يستبدل بنص المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، النص الآتي:
مادة (33): استثناء من حكم المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من القانون المشار إليه".
ونصت المادة الثانية من ذلك القانون على أن " ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشره". وقد نشر ذلك القانون فى العدد 25 (مكررًا) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22/6/2008.
وتنص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 على أن "الشيك الصادر فى مصر، والمستحق الوفاء فيها، لا يجوز سحبه إلا على بنك، والصك المسحوب فى صورة شيك على غير بنك، أو المحرر على غير نماذج البنك المسحوب عليه لا يعتبر شيكًا".
وتنص المادة (534) من قانون التجارة المشار إليه على أن:
"1- يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب عمدًا أحد الأفعال الآتية: (أ) إصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف. (ب) استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد إصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك. (ج) إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك فى غير الحالات المقررة قانونًا. (د) تحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.
2- يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة كل من ظهر لغيره شيكًا تظهيرًا ناقلاً للملكية، أو سلمه شيكًا مستحق الدفع لحامله مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء يفى بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف.
3- وإذا عاد الجاني إلى ارتكاب إحدى هذه الجرائم خلال خمس سنوات من تاريخ الحكم عليه نهائيًّا في أي منها، تكون العقوبة الحبس والغرامة التي لا تجاوز مائة ألف جنيه.
4- وللمجنى عليه ولوكيله الخاص فى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال، وفى أية حالة كانت عليها الدعوى إثبات صلحه مع المتهم.
   ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر.
   وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتًّا".
      وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية - وهى شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول ما أسندته النيابة العامة للمدعى من أنه بتاريخ 29/7/2009 أعطى المدعى عليه الثاني - في الدعوى المعروضة - شيكًا بمبلغ 263500 جنيه، مسحوبًا على البريد المصري فرع نقادة، لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب مع علمه بذلك، وطلبت عقابه بالمادة (337) من قانون العقوبات، والبند (أ) من المادة (534/1) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999. وكان تضمين قرار الاتهام للنص الثاني، لمعاقبة المدعى بمقتضاه، هو إعمال صريح لأحكام المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008، ليصير نص المادة (33) بعد الاستبدال "استثناء من حكم المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات (1، 3، 4) من المادة (534) من القانون المشار إليه"، وهو النص الحاكم للفعل المؤثم المنسوب للمدعى ارتكابه، فإن الفصل فى دستورية ذلك النص بعد استبداله، يؤثر تأثيرًا مباشرًا على قضاء محكمة الموضوع فى الاتهام المسند للمدعى. ومن ثم، تتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على ذلك النص. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فى كامل أحكام المادة (33) من قانون نظام البريد المشار إليه، بعد استبدالها بموجب المادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008.
      وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون عليه - فى النطاق السالف تحديده - أنه أفرد بالتجريم فعل إصدار شيك بريدي ليس له مقابل وفاء قابل للصرف، ورصد له العقوبة المنصوص عليها فى المادة (534) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، حال أن الشيك البريدي غير مسحوب على بنك، وغير محرر على نماذج البنك المسحوب عليه، على نحو ما تشترطه المادة (475) من قانون التجارة لاعتبار الصك شيكًا يخضع للحماية الجنائية الواردة في ذلك القانون، الأمر الذى يوجد تمييزًا غير مبرر بينه وبين من يرتكب الفعل ذاته بموجب صك كتابي أو مكتبي في صورة شيك، لا تتوافر فيه ضوابط المادة (475) من قانون التجارة، بتجريم فعل الأول، دون الثانى، واستحقاق فاعله للعقوبة المنصوص عليها فى المادة (534) من ذلك القانون. فضلاً عن أن القانون رقم 179 لسنة 2008 المشار إليه، تضمن أثرًا رجعيًّا للتجريم، بالمخالفة لنص المادتين (66) و(187) من دستور سنة 1971 الذى أقيمت الدعوى الدستورية المعروضة فى ظل العمل بأحكامه.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، بحسبانه مستودع القيم التي يجب أن تقوم عليها الجماعة، وتعبيرًا عن إرادة الشعب منذ صدوره، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها النظام العام فى المجتمع، وتشكل أسمى القواعد الآمرة التي تعلو على ما دونها من تشريعات، ومن ثم يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات - أيًّا كان تاريخ العمل بها - لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بهــا، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينهـا بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التى وجهها المدعى للنص المطعون عليه - فى النطاق السالف تحديده - تندرج، فى شق منها، تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه، والذى مازال قائمًا ومعمولاً به، في ضوء أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014.
      وحيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعى بشأن المبادئ الدستورية الحاكمة للنص المطعون عليه في دستور سنة 1971، فالثابت أن المادة (40) بشأن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، والمادتين (66) و(187) بشأن عدم رجعية النصوص العقابية - ما لم تكن أصلح للمتهم - التي وردت في دستور سنة 1971، تطابق في مجملها الأحكام الواردة فى المواد (53، 95، 225/2) من الدستور القائم.
      وحيث إن ما نعاه المدعى، على النص المطعون فيه إيجاده تمييزًا غير مبرر بين تجريم فعل من يصدر شيكًا بريديًّا ليس له مقابل وفاء قابل للصرف، دون فعل من يصدر صكًّا خطيًّا أو مكتبيًّا في صورة شيك، حال أن كلا الصكين غير محرر على نماذج البنك المسحوب عليه، والتفرقة في الأحكام بين الشيكات البريدية وتلك الخاضعة لأحكام قانون التجارة المشار إليه، بما يخل بمبدأ المساواة، مردود بأن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون وفى الحقوق والحريـات والواجبـات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -    أن تعامل فئاتهم، على تباين مراكزهم القانونية، معاملة قانونية متكافئة، ولا معارضة صور التمييز على اختلافها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بين النصوص القانونية التي تبناها المشرع لتنظيم معين، والنتائج التي رتبها عليها، ليكون التمييز بالتالي موافقًا لأحكام الدستور. وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستهدفًا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم، بما لا يجاوز متطلبات هذه الغايات، كلما كان واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ولو تضمن تمييزًا. ولا ينال من مشروعيته الدستورية، أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها بعيدة حسابيًّا عن الكمال.
      كما أن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون، أساس للعدل، وهو أدخل إلى جوهر الحرية، وأكفل لإرساء السلام الاجتماعي، ولئن جاز القول بأن الأصـل في كل تنظيـم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص التي نظم بها المشرع موضوعًا محددًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل إليها منطقيًّا، وليس واهيًا أو واهنًا، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.
      وحيث إنه عن الضرورة التي دعت المشرع لإقرار القانون رقم 179 لسنة 2008 باستبدال نص المادة (33) من القانون رقم 16 لسنة 1970 بنظام البريد، ومدى ارتباط الغاية التي سعى لتحقيقها من خلاله، بالوسيلة التي اتخذها، فمن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائـق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد، من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم. بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعـة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. ومن ثم، يتعين على المشرع دومًا إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى.
      وحيث إن الأصل في سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر توخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة فى المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التي يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض - وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
      وحيث كان ما تقدم، وكان من بين الخدمات التي تقدمها مكاتب البريد لعملائها، وفقًا لنص المادة (1) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، الخدمات المالية، وينطوي تحت لوائها الشيكات البريدية التى تمنحها لعملائها لاستخدامها في تعاملاتهم مع الغير، للسحب بموجبها من حساباتهم البريدية الجارية، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، وتستحق الدفع لدى الاطلاع عليها، شأنها فى ذلك شأن الشيكات المصرفية (البنكية)، وهو ما حدا بالمشرع منذ تاريخ العمل بقانون نظام البريد المشار إليه فى 6/4/1970، لإصباغ الحماية الجنائية عليها، بما نص عليه فى المادة (33) منه على أن "تسرى على الشيكات البريدية أحكام المادة (337) من قانــون العقوبات"، الخاصة بصور جرائم إصدار شيكات لا يقابلها رصيد قائم وقابل للسحب. واستمرت الحماية الجنائية للشيكات البريدية على هذا النحـــــو، ولمدة ناهــــزت خمسة وثلاثيـن عامًا، إلى أن صدر القانـــون رقـم 158 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، إذ تم بموجب المادة الأولى منه إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، ومنذ ذلك التاريخ زالت الحماية الجنائية عن الشيكات البريدية، لعدم وجود محل للإحالة بشأنها إلى أحكام المادة (337) من قانون العقوبات، على نحو ما كانت تنص عليه المادة (33) من قانون نظام البريد، فضلاً عن أن المادة (475) من قانون التجارة المشار إليه، تطلبت فى الصك الذى يعتبر شيكًا، أن يكون مسحوبًا على بنك، ومحررًا على نماذج البنك المسحوب عليه، وهو ما لا يتوافر فى الشيكات البريدية، الأمر الذى حدا بالمشرع لإقرار القانون رقم 179 لسنة 1981، الذى استبدل نصًّا آخر بنص المادة (33) من قانون نظام البريد، ليصير "استثناء من نص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، تسرى فى شأن الشيكات البريدية أحكام الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من القانون المشار إليه". وذلك بهدف - وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع ذلك القانون، وما دار بشأنه من مناقشات بمجلس الشعب - مواجهة ما ترتب على إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات، مما أدى إلى انحسار الحماية الجنائية المنصوص عليها بالمادة (33) من قانون البريد عن الشيك البريدي، الأمر الذى يستلزم إعادة تلك الحماية بتعديل تشريعي لنص تلك المادة، بما يكفل تحقيق الحماية الجنائية للمعاملات المالية التي تجرى بموجب شيكات بريدية بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 179 لسنة 2008، وما يجب أن يتوافر فى التعامل بها من ثقة واطمئنان، باعتبارها أداة وفاء، تقوم مقام النقود، وتؤدى دورًا اقتصاديًّا بالغ الأهمية. وقد اتسم مسلك المشرع في هذا الشأن بالموازنة الدقيقة بين مصلحة المجتمع وما يتطلبه من استقرار المعاملات المالية من جهة، وحقوق وحريات الأفراد من جهة أخرى. وقد ارتبطت الوسيلة التي اتخذها المشرع فى هذا الشأن، ارتباطًا منطقيًّا وثيقًا بالغاية التي توخاها.
      وحيث إن نص المادة (475) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، قد اشترط في الشيك الصادر في مصر، والمستحق الوفـــاء فيها، أن يكون مسحوبًا على بنك، ومحررًا على نماذج البنك المسحوب عليه، وإلا خرج عن نطاق الحماية الجنائية المقررة في هذا القانون للشيك، وذلك بهدف ضبط التعامل بالشيكات، وحماية المتعاملين بها، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، واجبة الدفع لدى الاطلاع عليها، مما يوجب أن يقتصر التعامل بها على الشيكات البنكية، نظرًا لأن البنوك لا تقوم بتسليم دفاتر الشيكات الخاصة بها، إلا لعملائها الذين لديهم أموال مودعة بها، أو قاموا بفتح حسابات لديها، الأمر الذى يوفر الطمأنينة للتعامل بتلك الشيكات، وأن مصدرها لديه أموال مودعة لدى البنك المسحوب عليه. وتلك العلة ذاتها تتوافر فى الشيكات البريدية، باعتبارها أداة وفاء تقوم مقام النقود، كونها ثابتة على نماذج الهيئة القومية للبريد، ومسحوبة على أحد مكاتبها، ولا يحصـل على تلـك النماذج إلا من كان لديه حساب لدى إحدى مكاتب البريد، فضلاً عن أنه وفقًا لنص المادة (14) من قانون نظام البريد المشار إليه، فإن أرصدة الحسابات الجارية بخدمات الشيكات البريدية مضمونة من الحكومة. ومؤدى ذلك أن الشيكات البريديــة، شأنها شأن الشيكات المصرفيـة (البنكية)، أداة وفاء، تؤدى دورًا اقتصاديًّا بالغ الأهمية، يفرض على المشرع حماية المتعاملين بها، وتوفير الأمان لهم، من خلال رصد عقوبات جنائية لمــن يخالف أحكامها، وهو ما لا يتوافر مناطه فى الشيكات الخطية أو المكتبية. ومن ثم، يختلف المركز القانوني لمن يصدر شيكًا بريديًّا، ليس له مقابل وفاء كافِ قابل للصرف بمجرد الاطلاع عليه، عن من يصدر صكًّا خطيًّا أو مكتبيًّا فى صورة شيك غير محرر على نماذج البنك أو مكتب البريد المسحوب عليه، الأمر الذى يبرر المغايرة فى المعاملة بينهما.
    وحيث إنه عن قصر التجريم والعقاب على من يصدر شيكًا بريديًّا ليس له مقابل وفاء قابل للصرف اعتبارًا من 23/6/2008 - تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 179 لسنة 2008 باستبدال نص المادة (33) من قانون نظام البريد المشار إليه - دون من ارتكب الفعل ذاته خلال المدة من 1/10/2005 - تاريخ إلغاء المادة (337) من قانون العقوبات - وإلى ما قبل 23/6/2008، فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه في الدائرة التي يجيز فيها الدستور للمشرع أن يباشر سلطته التقديرية لمواجهة مقتضيات الواقع - وهى الدائرة التي تقع بين حدى الوجوب والنهى الدستوريين - فإن الاختلاف بين الأحكام التشريعية المتعاقبة التي تنظم موضوعًا واحدًا، تعبيرًا عن تغير الواقع عبر المراحل الزمنية المختلفة، لا يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة، الذى يستقى أحد أهم مقوماته من وحدة المرحلة الزمنية التي يطبق خلالها النص القانوني الخاضع لضوابط هذا المبدأ، فإذا تباينت النصوص التشريعية في معالجتها لموضوع واحد، وكان كل منها قد طبق فى مرحلة زمنية مختلفة، فإن ذلك لا يُعد بذاته إخلالاً بمبدأ المساواة، وإلا تحول هذا المبدأ من ضابط لتحقيق العدالة، إلى سد حائل دون التطور التشريعي.
    وحيث كان ذلك، وكان نص المادة (33) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، قبل وبعد استبداله بالقانون رقم 179 لسنة 2008، وخلال المدة الزمنية الفاصلة بين إلغاء المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، وتاريخ العمل بأحكام القانون رقم 179 لسنة 2008 المشار إليه اعتبارًا من 23/6/2008، قد صدرت جميعها في دائرة السلطة التقديرية للمشرع، وليس انصياعًا لوجوب دستوري، فإن نصى المادة (33) من قانون نظام البريد المشار إليه، قبل وبعد استبداله بالقانون رقم 179 لسنة 2008، يكونان في تعاقبهما قد عبرا عن مرحلتين زمانيتين مختلفتين، تتأبى معهما المقارنة اللازمة لإعمال مبدأ المساواة، بين من أصـــدر شيكًا بريديًّا منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 158 لسنة 2003 بإلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات اعتبارًا من 1/10/2005، وبين من ارتكب الفعل ذاته بعد تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 179 لسنة 2008، اعتبارًا من 23/6/2008.
      وحيث إن حاصل ما تقدم جميعه أن التنظيم الذى أتى به المشرع بالنص المطعون فيه يقوم على أسس موضوعية تبرره، بما لا مصادمة فيه لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور فى المادتين (4، 53) منه.
      وحيث إن ما ارتآه المدعى من أن أحكام المادة الأولى من القانون رقم 179 لسنة 2008، باستبدال نص المادة (33) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، على النحو سالف البيان، يتضمن أثرًا رجعيًّا لتجريم فعل إصدار شيك بريدي ليس له مقابل وفاء قابـل للصـرف. فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن المادة (95) من الدستور القائم وإن نصت على أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون الذى ينص عليها، مقررة بموجبها قاعدة عدم رجعية القوانين العقابية، مؤكدًا كذلك على تلك القاعدة بما قررته الفقرة الثانية من المادة (225) من أن الأصل فى أحكام القوانين هو سريانها من تاريخ العمل بها، وعدم جواز إعمال أثرها فيما وقع قبلها، وأنه لا خروج على هذا الأصل إلا بنص خاص، وفى غير المواد الجنائية والضريبية، وبموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وذلك توقيًا لتقرير عقوبة على فعل كان مباحًا حين ارتكابه، أو تغليظها على فعل كانت عقوبته أخف. وذلك المبدأ - عدم رجعية القوانين العقابية الأسوء للمتهم - يقيد السلطة التشريعية إعمالاً لمبدأ شرعية الجريمة والعقوبـــة، وصونًا للحرية الشخصية التي كفلها الدستور في المــادة (54) منه، بمــا يرد كل عدوان عليها. والأمر المعتبر في تحديد رجعية القانون العقابي من عدمها، إنما يتعلق بتاريخ ارتكاب الفعل أو الامتناع الذى يقع بالمخالفة لنص عقابي. إذ كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 179 لسنة 2008 المشار إليه، قد نصت على العمل بأحكامه اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشره فى الجريدة الرسمية، والحاصل بتاريخ 22/6/2008، وهو تاريخ سابق لتاريخ ارتكاب المدعى لجريمة إصدار الشيك البريدي التي يحاكم عنها في الدعوى الموضوعية، الحاصل فى 29/7/2009، فضلاً عن أن أحكام المادة الأولى من ذلك القانون لم تتضمن أثرًا رجعيًّا، ومن ثم فإن النعي عليه بمخالفة أحكام الدستور، في هذا الخصوص، يكون فاقدًا لسنده.
      وحيث إنه فى خصوص ما نعاه المدعى على مسلك المشرع بشأن إدراج أحكام النص المطعون عليه في قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، دون قانون التجارة، وما ارتآه من اعتبار الشيك البريدي ورقة تجارية وإخضاعه لأحكام الشيك في قانون التجارة، حال كونه مجرد إذن خصم من الحساب البريدي غير قابل للتداول بطريق التظهير. فذلك كله مردود أولاً: بما هو مقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن مناط رقابتها على دستورية النصوص التشريعية، هو مدى اتفاقها أو مخالفتها لأحكام الدستور، ولا تمتد ولايتها لمناقشة ملائمة التشريع أو البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إقراره، لكون ذلك مما يدخل فى صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق، كما لا شأن لهذه المحكمة بالسياسة التشريعية التى يستنسبها المشرع لتنظيم أوضاع بعينها، كلما كان تنفيذها - من خلال النصوص القانونية - لا تناقض حكمًا في الدستور. ومردود ثانيًا: بأنه وفقًا لنص الفقرة (3) من المادة (486) من قانون التجارة المشار إليه، يجوز أن يكون الشيك البنكي غير قابل للتداول بطريق التظهير، ومردود ثالثًا: بأن المادة (33) من قانون نظام البريد بعد استبدالها بالقانون رقم 179 لسنة 2008، لم تحل إلى أحكام الفقرة (2) من المادة (534) من قانون التجارة الخاصة بجريمة تظهير شيك تظهيرًا ناقلاً للملكية مع العلم بأن ليس له مقابل وفاء يفي بكامل قيمته أو أنه غير قابل للصرف. ومردود رابعًا: بأن النهج الذى اتبعه المشرع في القانون رقم 179 لسنة 2008، باستبدال لنص المادة (33) من قانون نظام البريد الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1970، على نحو يُخضع الشيكات البريدية للأحكام المنصوص عليها في الفقرات 1، 3، 4 من المادة (534) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، هو النهج ذاته الذى كان يتبعه المشرع في المادة (33) من قانون نظام البريد - قبل استبدالها - من سريان أحكام المادة (337) من قانون العقوبات على الشيكات البريدية. وذلك لاتحاد العلة فى الحالتين، ممثلة في إصباغ الحماية الجنائية على الشيكات البريدية، شأنها شأن الشيكات البنكية، على ما سلف بيانه.
وحيث كان ما تقدم، وكان النص المطعون عليه لا يخالف أى حكم آخر فى الدستور، الأمر الذى تقضى معه المحكمة برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية التحكيم الاجباري في منازعات مصدري الأقطان


القضية رقم 130 لسنة 34 ق " دستورية "
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعـم حشيش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل  نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبو العطا   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
      فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 130 لسنة 34 قضائية " دستورية " بعد أن أحالت محكمة استئناف الإسكندرية بقرارها الصادر بجلسة 30/5/2012 ملف الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية "تحكيم"
المقامة من
شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، ويمثلها :
1 - أحمد فريد عبد الفتاح عبد المغنى، رئيس مجلس الإدارة
2 - سعد محمد سعداوى، نائـب رئيـس مجلـس الإدارة
ضــد
1 - محمد عادل لهيطة، صاحب شركة ترستكو للاستيراد والتصدير
2 - رئيس اتحاد مصدري الأقطـان بالإسكندرية
3 - مدير عام اتحاد مصدري الأقطان بالإسكندرية
4 - رئيس هيئة التحكيم لاتحاد مصدري الأقطان بالإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2012، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية تحكيم، بعد أن قررت محكمة استئناف الإسكندرية، بجلسة 30/5/2012 قبل الفصل في الموضوع، وقف الدعوى، وإحالة الأوراق، بغير رسوم، إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المادتين (25، 26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، فيما نصتا عليه، على التوالي، من أن "كل تعامل ببيع الأقطان إلى الخارج، يجب أن يتم وفقًا لنموذج عقد، يُنص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم فى الإسكندرية ...."، "يختص الاتحاد بالفصل، بطريق التحكيم، فى أوجه الخلافات التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين ....".
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
 ونُظرت الدعوى، على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائـــر الأوراق – فى أن شركة ترستكو للاستيراد والتصدير، تعاقدت على شراء أقطان، من شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان، بالكميات والأصناف والأسعار، المبينة فى العقدين المؤرخين فى 17/10/2011، ثم شجر بينهما خلاف، حول شروط تنفيذهما، لجأت، على أثره الشركة المشترية، إلى لجنة التحكيم الابتدائي، بطلب التحكيم رقم 7 لسنة 2011، عملاً بالمادتين (25، 26) من القانون رقم 211 لسنة 1994المشار إليه، وأصدرت تلك اللجنة حكمًا بإلزام شركة الفريد أن تؤدى لشركة ترستكو للاستيراد والتصدير مبلغ 493920 دولارًا أمريكيًّا، وتأيد هذا الحكم من لجنة التحكيم الاستئنافية، فأقامت شركة الفريد لحليج وتجارة الأقطان الدعوى رقم 10 لسنة 67 قضائية "تحكيم"، أمام محكمة استئناف الإسكندرية، بطلب الحكم بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ حكم لجنة التحكيم المشار إليه، وفى الموضوع ببطلان حكم التحكيم الابتدائي المقيد برقم 7 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 23/1/2011، والحكم الصادر فى استئنافه بتاريخ 23/6/2011، مشيدة طلبها على عدم الاتفاق بينها والمدعى عليها الأولى على التحكيم، وأن المواد (25، 26، 27) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه والمادة (18) من قرار وزير التجارة الخارجية رقم 157 لسنة 2004 بتعديل بعض أحكام اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان تفرض التحكيم جبرًا، وعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع . وإذ تراءى لمحكمة الموضوع، التي تنظر الطعن فى حكم التحكيم المشار إليه، أن نصى المادتين (25، 26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه فيما نصتا عليه، على التوالي، من أن " كل تعامل ببيع الأقطان إلى الخارج، يجب أن يتم، وفقًا لنموذج عقد، ينص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم فى الإسكندرية......"، "يختص الاتحاد بالفصل بطريق التحكيم فى أوجه الخلافات التي تنشأ بين مصدري الأقطـان والمشترين ...."، مخالفين لأحكام الدستور، فقد حكمت، بجلسة 30/5/2012، بوقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى دستورية هذين النصين.
      وحيث إن قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994، قد نص فى المادة (25) منه على أن " كل تعامل ببيع أقطان إلى الخارج، يجب أن يتم وفقًا لنموذج عقد، يُنص فيه على خضوع المتعاملين للوائح الاتحاد، وأن يتم التحكيم بالإسكندرية، وأن كل المستفيدين من تنفيذ العقد يعتبرون قابلين لقضاء المحاكم المصرية.
      ويجب أن تتضمن هذه النماذج الشروط الخاصة بالتحكيم، بواسطة الاتحاد، طبقًا لأحكام هذا القانون، واللائحة الداخلية".
      كما نص في المادة (26) على أن "يختص الاتحاد بالفصل، بطريق التحكيم، في أوجه الخلافات، التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول صنف القطن، أو رتبته، أو شروط العقد، ويكون التحكيم على درجتين ابتدائية واستئنافية، وذلك وفقًا للإجراءات والشروط ومقابل المصروفات المبينة باللائحة الداخلية للاتحاد".
      وحيث إن حكم الإحالة، ينعى على هذين النصين ، إهدارهما لحق التقاضي، إذ فرضا على المتعاملين في بيع الأقطان للخارج، نظامًا للتحكيم لا يلتفت إلى إرادتهم، ولا يعول على رضائهم، ويخضعهم لأحكامه جبرًا، مما يتنافى مع الأصـــل في التحكيم، باعتباره لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، مما ترتب عليه حرمان المتداعين من اللجوء إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيهم الطبيعي، ومن ثم خالفا نص المادة (68) من دستور سنة 1971.
      وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولهـا، مناطهـا - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة على محكمة الموضوع؛ ويستوى فى شأن توافر هذه المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو الإحالة. والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر المصلحة فى الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازمًا للفصل فى النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان جوهر النزاع الموضوعي هو عدم صحة حكم التحكيم وطلب إلغائه، فإن المصلحة فى الخصومة الدستورية المعروضة تكون قائمة، وينحصر نطاقها فيما تضمنه نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه من أحكام تتصل مباشرةً بنظام التحكيم، كجهة لفض المنازعات، التي تنشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد، تأسيسًا على أن الفصل في دستورية ذلك النص من شأنه أن يؤثر على الفصل في الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه التي تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المطاعن التي ارتأتها محكمة الموضوع على نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المشار إليه مازال معمولاً بأحكامه بعد صدور الدستور الحالي الصادر عام 2014، ومن ثم فإن حسم أمر دستوريته يتم في ضوء أحكام هذا الدستور.
      وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن - بنص مادته السابعة والتسعين - حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيئًا دون غيره للفصل فيها، كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية، التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها، لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق وإنكارًا لحقائق العدل فى جوهر ملامحها.
      وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكَم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًّا يُذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقًا لأحكامه - نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملاً وفقًا لفحواه، ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظامًا بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضى الاتفاق عليه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
      ومؤدى ما تقدم جميعه، أنه إذا ما فرض المشرع التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة، فإن ذلك يُعد انتهاكًا لحق التقاضي الذى كفله الدستور.
      وحيث إن البين من استقراء نص المادة (26) من القانون رقم 211 لسنة 1994 المشار إليه، في النطاق سالف التحديد، أنه قد أسند الفصل في أوجه الخلاف، الذى ينشأ بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد، المبرم بينهما بشأن تصدير الأقطان، لاتحاد مصدري الأقطان، بطريق التحكيم، وأن يتم هذا التحكيم على درجتين، ابتدائية واستئنافية، وفقًا للإجراءات والشروط، المبينة باللائحة الداخلية للاتحاد. وقد جعلت المادة (102) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994، القرار الصادر في التحكيم الاستئنافي نهائيًّا، وحاسمًا للنزاع بين طرفي التحكيم.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن نص المادة (26) من القانون المشار إليه يكون قد فرض التحكيم قهرًا على أصحاب الشأن، وخلع قوة تنفيذية على القرارات، التي تصدرها لجان التحكيم، في حقهم عند وقوع الخلاف على شروط العقد المبرم بينهم، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم - الذى يبسط مظلته على جُل المنازعات بين مصدري الأقطان والمشترين، حول شروط العقد - يكون منافيًا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يجوز إجراؤه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم، التي أنشأها نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994 لنظر المنازعات التي أدخلها، جبرًا، في ولايتها يكون منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي، بأن حرم المتداعين من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، ومنعدمًا بالتالي من زاوية دستورية.
      وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (25) من قانون اتحاد مصدري الأقطان المشار إليه، فيما تضمنته من عبارة "وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها، والمادة (27) من هذا القانون، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1995، ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بنص المادة (26) المحال، فى النطاق المشار إليه، فإنها تسقط، بتطبيقها فى هذا النطاق، تبعًا للحكم بعدم دستوريته، إذ لا يتصور وجودها بدون هذا النص .
فلهــذه الأسبـاب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية نص المادة (26) من قانون اتحاد مصدري الأقطان الصادر بالقانون رقم 211 لسنة 1994.
ثانيًا : بسقوط الفقرة الأولى من المادة (25) من القانون المشار إليه، فيما تضمنته من عبارة " وأن يتم التحكيم بالإسكندرية"، والفقرة الثانية منها، والمادة (27) من القانون ذاته، وكذا المواد من (95) إلى (104) من اللائحة الداخلية لاتحاد مصدري الأقطان، الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 507 لسنة 1994.

الطعن 10472 لسنة 80 ق جلسة 28 / 3 / 2016


برئاسة السيد القاضي/ أحمد سعيد السيسي (نائب رئيس المحكمة)  وعضوية السادة القضاة/ صلاح مجاهد، حسام هشام صادق، إيهاب الميداني وطارق عمران "نواب رئيس المحكمة". 
بحضور السيد رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض/ عبد الفتاح غلوش
وحضور السيد أمين السر/ مصطفى أبو سريع.

------------
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن مورث المطعون ضدهما الأولى والثانية – بالبند الأول – أقام الدعوى رقم 3318 لسنة 2002 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد الطاعنة، وباقي المطعون ضدهم بطلب الحكم برد وبطلان الإقرار المؤرخ 10/7/1990 الخاص بالتعديل الذي تم بعقد الشركة وما ترتب عليه من آثار، وبإلزام المطعون ضده الأخير بصفته بمحو التأشير الذي تم بتاريخ 13/1/2002 تحت رقم 119 في السجل التجاري رقم 24867 بنها استثمار محافظة القليوبية، وقال بياناً لذلك أنه بتاريخ 11/9/1997 تكونت شركة ........ بين مورثه والطاعنة وأخرى، إلا أن الطاعنة قامت بتعديل عقد الشركة والتأشير بذلك في السجل التجاري بموجب إقرار نسب إلى مورثهما يتنازل فيه عن حصته في الشركة المذكورة إليها فكانت الدعوى، أقامت الطاعنة دعوى فرعية ضد المطعون ضدهما بطلب الحكم بإلزامهما مبلغ 100,000 جنيه تعويضاً مادياً وأدبياً لها عن إساءتهما استعمال حق التقاضي لاختصامها في الدعوى الأصلية، ندبت المحكمة خبيراً، وبعد أن أودع التقرير النهائي. حكمت بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعويين الأصلية والفرعية وإحالتها إلى الدائرة الاستئنافية بمحكمة القاهرة الاقتصادية وقيدت بها برقم ....... لسنة ......ق، وبتاريخ 28/4/2010 قضت المحكمة في الدعوى الأصلية برد وبطلان الإقرار المؤرخ 10/7/1990، وبتعديل عقد شركة تجديد الكرنكات والهندسة المؤرخ 13/1/2002، وبشطب التأشير الحاصل في ذلك التاريخ والمقيد برقم 119 بالسجل الخاص بالشركة رقم 24867 بنها استثمار محافظة القليوبية، وفي الدعوى الفرعية برفضها. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكره أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة بعد إحالته من دائرة فحص الطعون رأت أنه جدير بالنظر، وحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها
في يوم 7/6/2010 طُعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الاقتصادية الصادر بتاريخ 28/4/2010 في الاستئناف رقم ..... لسنة ..... ق، بصحيفة طلبت فيها الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه
وفي اليوم ذاته أودعت الطاعنة مذكرة شارحة
وفي 15/6/2010 أعلنت المطعون ضدهما أولاً بصحيفة الطعن
وفي 16/6/2010 أعلنت المطعون ضدها الثانية بصحيفة الطعن
وفي 17/6/2010 أعلن المطعون ضده الثالث بصفته بصحيفة الطعن
ثم أودعت النيابة العامة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً
وبجلسة 9/2/2015 عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة، فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة للمرافعة
وبجلسة 22/6/2015 سُمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها، والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.

----------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر/ ....... "نائب رئيس المحكمة" والمرافعة، وبعد المداولة
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول أن قضاء محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الاقتصادية الاستئنافية وتصدي الأخيرة لموضوع الدعوى رغم أن قيمة الدعوى أقل من خمسة ملايين جنيه، وتختص بنظرها المحكمة الاقتصادية الابتدائية، فإن حكمها يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة - أن الحكم الصادر بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والإحالة هو حكم منهي للخصومة أمام المحكمة التي أصدرته، فإذا لم يطعن الخصوم في هذا الحكم بطرق الطعن المقررة قانوناً فإن قضاءها في هذا الشأن يحوز قوة الأمر المقضي، ووجوب تقيد المحكمة المحال إليها به وامتناعها والخصوم عن معاودة الجدل، ولو كان قد خالف صحيح القانون، وأن التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بالحكم النهائي الذي فصل في الاختصاص يكون في نطاق الأساس الذي قام عليه هذا الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة جنوب القاهرة بجلسة 24/11/2009 بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعويين الأصلية والفرعية وإحالتها إلى محكمة القاهرة الاقتصادية بمأمورية استئناف القاهرة لنظرها هو حكم منه للخصومة يجوز الطعن عليه استقلال، وإذا لم تطعن الطاعنة على هذا الحكم، فإن لازم ذلك ومقتضاه التزام المحكمة المحال إليها بهذا القضاء، ويكون النعي عليه في هذا الخصوص على غير أساس
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثاني من السبب الأول والسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنه أقام قضاءه على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير كركيزة لرفض القضاء برد وبطلان الإقرار موضوع الدعوى في حين أن ذلك الإقرار مصدق عليه من قنصلية مصر في باريس وموقع عليه من مورث الطاعنة أمام الموظف المختص بالقنصلية، ومن ثم فهو ورقة رسمية حجيتها تسري على الكافة، ولا يجوز الادعاء بتزويرها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن النص في المادة 11 من قانون الإثبات على أن المحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً. يدل على أن حجية الورقة الرسمية تقتصر على ما ورد بها من بيانات قام بها الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره، وهي البيانات التي لا يجوز إنكارها إلا عن طريق الطعن بالتزوير. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد أن المطعون ضدهم قد طعنوا على الإقرار موضوع الدعوى بطريق الطعن بالتزوير، وكان الدليل الفني المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير انتهى في نتيجته إلى تزوير التوقيع المنسوب إلى مورث الطاعنة وعدم صحته، وكان لمحكمة الموضوع وهي تباشر سلطتها في تقدير الأدلة الأخذ بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله، فإن ما تثيره الطاعنة بهذه الأسباب لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير محكمة الموضوع في الأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها تلك المحكمة وهو ما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة، ومن ثم يكون النعي بالفساد في الاستدلال على غير أساس
وحيث إن ما تنعاه الطاعنة بباقي أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الحكم المطعون فيه قضى برد وبطلان الإقرار المؤرخ 10/7/1990، وفي موضوع الدعوى معاً مخالفاً بذلك نص المادة 44 من قانون الإثبات، ولم يتناول طلبها إحالة الدعوى للتحقيق، بما يعيبه ويستوجب نقضه
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أن مفاد نص المادة 44 من قانون الإثبات وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الحكم برد وبطلان الورقة المقدمة سنداً في الدعوى لا يعني بطلان التصرف ذاته، وإنما بطلان الورقة المثبتة له فحسب ولا ينال من التصرف أو يمنع من إثباته بأي دليل آخر مقبول قانوناً، فإذا ما ثبت للمحكمة صحة الادعاء بالتزوير وفساد الدليل على إسناد التصرف إلى الصادر منه، فإن ذلك لا يقتضي بطريق اللزوم أن يكون هذا التصرف غير صحيح. وكان المقرر – في قضاء هذه المحكمة - أنه لا يجوز الحكم بتزوير الورقة وفي الموضوع معاً بل يجب أن يكون القضاء بالتزوير سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى، وذلك حتى لا يحرم الخصم الذي تمسك بالورقة التي قضي بتزويرها من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة قانونية أخرى لإثبات ما أراد إثباته بتلك الورقة. لما كان ذلك، وكان قضاء الحكم المطعون فيه بعد أن قضى برد وبطلان الإقرار المؤرخ 10/7/1990 وبشطب التأشير الحاصل بتاريخ 13/1/2002 رقم 119 بالسجل الخاص بشركة ............. رقم 24867 بنها، لا يعني بطلان الاتفاق ذاته وإنما بطلان الورقة المثبتة له ومن ثم فإن هذا الحكم لا يحول دون إثبات حصول هذا الاتفاق بأي دليل آخر مقبول قانوناً، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى برد وبطلان الإقرار المذكور وفي موضوع الدعوى بحكم واحد دون أن يفسح المجال لتناضل الخصوم في الدعوى، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه فيما قضى به في هذا الخصوص. لما كان ذلك، ووفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون رقم 120 لسنة 2008 بإنشاء المحاكم الاقتصادية، فإنه يتعين التصدي لموضوع الدعوى
ولما تقدم.

الأربعاء، 7 فبراير 2018

ارتباط جريمة السلاح بغيرها يمنع اعتبار الحكم فيها عقبة تنفيذ في حكم الدستورية عن الرأفة


القضية رقم 16 لسنة 39 ق " منازعة تنفيذ ".
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر من يناير سنة 2018م، الموافق السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1439 هـ.
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: السيد عبدالمنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان   نواب رئيس المحكمة
وحضور    السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع           أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
   فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 16 لسنة 39 قضائية " منازعة تنفيذ ".
........
ضــــــــــد
1- رئيس الجمهوريــــة
2- وزير العـــــــــدل
3- النائب العـــــــــام
4- وزير الداخليــــــة
5- مدير مصلحة السجـــون

الإجراءات
   بتاريخ السابع والعشرين من إبريل سنة 2017، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، بطلب الحكم:
أولًا    : بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة جنايات الإسكندرية بجلسة 5/6/2016 فى الدعوى رقم 27868 لسنة 2014 جنايات
قسم المنتزه أول (المقيدة برقم 1781 لسنة 2014 كلى شرق الإسكندرية) والمؤيد بحكم محكمة النقض فى الطعن رقم 31014 لسنة 86 قضائية.
ثانيًا : بالاستمرار فى تنفيذ حكمى المحكمة الدستورية العليا الصادر أولهما بجلسة 8/11/2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، والصادر ثانيهما بجلسة 14/2/2015 فى القضية رقم 78 لسنة 36 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة الجنايات المؤيد بحكم محكمة النقض المشار إليهما.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا برفضها.

  وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
  ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
   حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى وآخرين للمحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات الإسكندرية فى الدعوى رقم 27868 لسنة 2014 جنايات قسم المنتزه أول (المقيدة برقم 1781 لسنة 2014 كلى شرق الإسكندرية)، وكان ترتيب المدعى فى قائمة الاتهام السادس عشر، متهمة إيّاهم بأنهم فى يوم 15/8/2013، بدائرة قسم شرطة المنتزه أول، محافظة الإسكندرية، المتهمون جميعًا: أولًا : اشتركوا هم وآخرون مجهولون في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص، من شأنه أن يجعل السلم العام فى خطر، وكان الغرض منه ارتكاب جرائم الترويع والتخويف والقتل والإتلاف، مستعملين فى ذلك القوة والعنف، مع علمهم بالغرض المقصود منه، حال حمل بعضهم لأسلحة نارية وبيضاء، فوقعت منهم تنفيذًا لذلك الغرض الجرائم الآتية:
- استعرضوا هم وآخرون مجهولون القوة ولوحوا بالعنف، واستخدامهما ضد المجنى عليهم المبين أسماؤهم بالتحقيقات، وكان ذلك بقصد ترويعهم وإلحاق الأذى المادي والمعنوي بهم، ولفرض السطوة عليهم، بأن اشتركوا فى التجمهر موضوع الاتهام السابق، محرزين أسلحة نارية وبيضاء وأدوات معدة للاعتداء على الأشخاص، وما إن ظفروا بهم حتى قذفوهم بالحجارة والزجاجات المشتعلة، وأطلقوا صوبهم وابلًا من الأعيرة النارية، مما ترتب عليه تعريض حياة المجنى عليهم وسلامتهم وأموالهم للخطر وتكدير الأمن والسكينة العامة. وقد اقترنت بالجريمة السابقة جناية قتل عمد، ذلك أنهم فى ذات الزمان والمكان سالفي الذكر قتلوا هم وآخرون مجهولون المجنى عليه .......، وكان ذلك تنفيذًا لغرض إرهابي، على النحو المبين بالتحقيقات. وقد اقترنت بجناية القتل آنفة البيان الجنايات التالية، ذلك أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر: 1- قتلوا هم وآخرون مجهولون المجنى عليهم ....... وكان ذلك لغرض إرهابي، على النحو المبين بالتحقيقات.
2- شرعوا هم وآخرون مجهولون في قتل المجنى عليه.... وآخرين المبين أسماؤهم بالتحقيقات عمدًا .... وكان ذلك لغرض إرهابي، على النحو المبين بالتحقيقات. 3- سرقوا هم وآخرون مجهولون المبلغ المالي والمنقولات المبينة قدرًا ووصفًا بالتحقيقات والمملوكة    ......، وكان ذلك بطريق الإكراه الواقع عليه.
4- عرضوا هم وآخرون مجهولون سلامة إحدى وسائل النقل العام البرية للخطر وعطلوا سيرها عمدًا 5- أتلفوا هم وآخرون مجهولون عمدًا............
ثانيًا : 1- حازوا وأحرزوا بالذات وبالواسطة بغير ترخيص أسلحة نارية مششخنة (مسدسات)، وكان ذلك بأحد أماكن التجمعات بقصد استعمالها فى الإخلال بالنظام العام والأمن العام. 2- حازوا وأحرزوا بالذات والواسطة بغير ترخيص أسلحة نارية غير مششخنة (فرد خرطوش)، وكان ذلك بأحد أماكن التجمعات بقصد استعمالها فى الإخلال بالنظام العام والأمن العام. 3- حازوا وأحرزوا بالذات وبالواسطة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة محل الاتهام ، دون أن يكون مرخصًا لهم بحيازتها أو إحرازها، وكان ذلك بأحد أماكن التجمعات بقصد استعمالها فى الإخلال بالنظام العام والأمن العام.4- حازوا وأحرزوا أسلحة بيضاء وأدوات مما تستخدم فى الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية، وكان ذلك بأحد أماكن التجمعات. وطلبت النيابة العامة معاقبتهم بنصوص المواد (86، 86 مكررًا/1-2، 86 مكررًا أ/1-2، 167، 234، 236/1-3، 240/1-3، 241/1-3، 314، 361، 375 مكررًا،375 مكررًا (أ)/1-3-4) من قانون العقوبات. والمواد أرقام (1، 2، 3،3 مكررًا/1) من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر والمعدل بالقانون رقم 87 لسنة 1968. والمواد أرقام ( 1/1، 6، 25 مكررًا، 26/1-2-4-6، 30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والبنود أرقام ( 5، 6، 27) من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 1756 لسنة 2007، والجدول رقم (2) والبند (1) من القسم الأول من الجدول رقم (3) المرافقين له. وبجلسة 5/6/2016، قضت المحكمة بمعاقبة المدعى بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وبوضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات تبدأ من نهاية تنفيذ العقوبة المقضي بها.
      وقد تساند هذا الحكم فى توقيع العقوبة المقضي بها على المدعى وباقي المتهمين إلى أن الجرائم المنسوبة إليهم ترتبط بعضها ببعض ارتباطًا لا يقبل التجزئة، بما أوجب اعتبارها كلها جريمة واحدة، والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم، بعد استعمال الرأفة مع جميع المتهمين بما فيهم المدعى – عدا المتهم الأول – عملًا بحكم المادة (17) من قانون العقوبات. وإذ لم يرتض المدعى الحكم المشار إليه فقد طعن عليه أمام محكمة النقض بالطعن رقم 31014 لسنة 86 قضائية، وبجلسة 24/4/2017 قضت محكمة النقض برفض الطعن. وإذ ارتأى المدعى أن حكم محكمة الجنايات المؤيد بحكم محكمة النقض المار بيانهما، يمثلان عقبة فى تنفيذ حكمي المحكمة الدستورية العليا الصادر أولهما بجلسة 8/11/2014 في القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، والصادر ثانيهما بجلسة 14/2/2015 في القضية رقم 78 لسنة 36 قضائية "دستورية"، فقد أقام دعواه المعروضة.
      وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن قوام منازعة التنفيذ التي تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تعترض تنفيذ حكمها عوائق تحول قانونًا – بمضمونها – دون اكتمال مداه، أو تقيد اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة أو يحد منها، ومن ثم تكون هذه العوائق هي محل منازعة التنفيذ التي تستهدف إنهاء الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، وتتدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة هذه العوائق التي يفترض أن تكون قد حالت فعلًا، أو من شأنها أن تحول، دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملًا، وسبيلها في ذلك الأمر بالمضي في تنفيذ أحكامها، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذى عطل مجراها. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها فى مواجهة الأشخاص الطبيعيين والاعتبارين جميعهم دون تمييز، يفترض أمرين، (أولهما) أن تكون هذه العوائق - سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها – حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها. (ثانيهما) أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها.
      وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 8/11/2014 في القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من المرسوم بقانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها، وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقم 45 مكرر (ب) بتاريخ 12/11/2014، كما قضت بجلسة 14/2/2015 في القضية رقم 78 لسنة 36 قضائية "دستورية" بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة ( 26) من المرسوم بقانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، والمستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة ذاتها، وقد نُشر هـذا الحكم في الجريدة الرسمية بعددها رقــم 8 مكرر (و) بتاريخ 25/2/2015.
      وحيث إن الحكم الصادر من محكمة جنايات الإسكندرية بجلسة 5/6/2016 فى الدعوى رقم 27868 لسنة 2014 جنايات قسم المنتزه أول (المقيدة برقم 1781 لسنة 2014 كلى شرق الإسكندرية) والمؤيد بحكم محكمة النقض، الصادر بجلسة 24/4/2017، في الطعن رقم 31014 لسنة 86 قضائية قضى بمعاقبة المدعى بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات عن التهم المنسوبة إليه، والتي من بينها حيازة وإحراز بالذات وبالواسطة بغير ترخيص أسلحة نارية مششخنة، وغير مششخنة، وذخائر مما تستعمل في تلك الأسلحة، وذلك فى أحد أماكن التجمعات بقصد استعمالها فى الإخلال بالنظام العام والأمن العام، المؤثمة بالفقرات الثانية والثالثة والرابعة والسادسة من المادة (26) من المرسوم بقانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والجدول رقم (2) والبند (أ) من القسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق لهذا القانون، والتي انتهت المحكمة إلى ارتباطها بباقي الاتهامات، المنسوب للمدعى وآخرين ارتكابها، ارتباطًا لا يقبل التجزئة، ومن ثم قررت عقابهم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد، عملًا بنص المادة (32) من قانون العقوبات، ثم استعملت الرأفة مع المدعى طبقًا للضوابط المنصوص عليها في المادة (17) من قانون العقوبات، وبدلت العقوبة المقضي بها بالعقوبة الأصلية المقررة لأشد تلك الجرائم. بما مؤداه عدم اعتبار حكم محكمة الجنايات المؤيد بحكم محكمة النقض المشار إليهما، عقبة في تنفيذ الحكمين الصادرين بجلسة 8/11/2014 في القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، وبجلسة 14/2/2015 في القضية رقم 78 لسنة 36 قضائية "دستورية"، والذى يتحقق بقضاء المحكمة الدستورية العليا فيهما معنى القانون الأصلح للمتهم في حكم المادة (5) من قانون العقوبات، إذ أعاد للقاضي رخصة استعمال الرأفة واستبدال عقوبة أخف بالعقوبة المنصوص عليها بالفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة (26) السالف الإشارة إليها، بالنزول بعقوبتها درجة أو درجتين، إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، طبقًا لنص المادة (17) من قانون العقوبات، وهو ما لم يناقضه قضاء محكمة الجنايات المؤيد بقضاء محكمة النقض المشار إليهما، واللذان لا يعتبر أى منهما حائلًا دون تنفيذ قضاء المحكمة الدستورية العليا المتقدم، أو مقيدًا نطاقه. مما يتعين معه – لما تقدم – القضاء بعدم قبول الدعوى المعروضة.
      وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ حكمي محكمتي الجنايات والنقض المشار إليهما، وهو فرع من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ انتهت هذه المحكمة فيما تقدم إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، فإن قيامها – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – بمباشرة اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ، يكون قد بات غير ذي موضوع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.